• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    يوم العيد وأيام التشريق (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    المقصد الحقيقي من الأضحية
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    خطبة الأضحى 1446 هـ (إن الله جميل يحب الجمال)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    لبس البشت فقها ونظاما
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة: مضت أيام العشر المباركة
    محمد أحمد الذماري
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1446هـ
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    خطبة عيد الأضحى لعام 1446 هــ
    أ. شائع محمد الغبيشي
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك: تضحية وفداء، صبر وإخاء
    الشيخ الحسين أشقرا
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446 هـ
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    حكم صلاة الجمعة لمن صلى العيد إذا وافق يوم الجمعة ...
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    المسائل المختصرة في أحكام الأضحية
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    الثامن من ذي الحجة
    د. سعد مردف
  •  
    خطبة عيد النحر 1446 هـ
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    التشويق لفضائل النحر والتشريق (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب / في محاسن الإسلام
علامة باركود

سحائب الرحمة (خطبة جمعة)

سحائب الرحمة (خطبة جمعة)
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/4/2019 ميلادي - 5/8/1440 هجري

الزيارات: 29622

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سحائب الرحمة [1]


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيها المسلمون، يقول تعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180].

 

إن لله تعالى أسماء حسنى بلغت في الحسن الغاية وصفات عليا وصلت في الكمال النهاية، ومن تلك الأسماء: الرحمن والرحيم، اللذان يتضمنان صفة الرحمة.

 

فالرحمن اسم عظيم من أسماء الله يدل على المبالغة في الرحمة، وهو اسم خاص به تعالى لا يسمى ولا يوصف به أحد غير الله جل وعلا، ومن خصائصه: أنه لا يثنى ولا يجمع؛ لأنه لا يقبل الاشتراك، ولا يؤنث؛ لانعدام مشاركة له فيه. وهو اسم كريم يدل على الرحمة الشاملةِ خلقَه في الدنيا والآخرة.

 

وأما اسم الرحيم فهو اسم كريم يدل على رحمته الخاصة بأهل الإيمان، كما قيل؛ لقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43].

 

فرحمة الله التي تنال عباده نوعان: نوع يقتضي تسهيل الرزق وإسدال النعم، وظهور آثار العدل، وهذه رحمة عامة يشترك فيها المسلم والكافر، وهي مضمون اسم الرحمن كما قيل.

 

والنوع الآخر رحمة خاصة تقتضي إيصال الخير ودفع الشر، والتوفيق والتسديد والعون، وهذه رحمة خاصة بأهل الإيمان، وهي مضمون اسم الرحيم، وبهذين الاسمين جاءت التسمية: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

عباد الله، إن ربنا تعالى الذي نعبده وحده لا شريك له، إله رحيم بخلقه، قال تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163].

 

فلرحمته عز وجل استحق أن يعبده خلقه، فبينهم وبين عباده سبب العبودية، وبينه وبينهم سبب الرحمة، كما قال ابن القيم رحمه الله.

 

عباد الله، لقد وسعت رحمة الله كل شيء: رحم العباد، ورحم الدواب في الدنيا، ورحم عباده في الآخرة، وجعل في قلوب خلقه رحمةً يتراحمون بها فيما بينهم.

 

قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، وقال: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحج: 65].

 

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسعى إذا وجدت صبيًّا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: ( أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ ) فقلنا: لا وهي تقدر على أن لا تطرحه فقال: ( لله أرحم بعباده من هذه بولدها )[2].

 

وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله تعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش و الطير بعضها على بعض، وأخر تسعاً و تسعين فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة)[3].

 

وقال: (جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا، و أنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) [4].

 

وقال: (لو تعلمون قدر رحمة الله عز وجل؛ لاتكلتم وما عملتم من عمل ولو علمتم قدر غضبه ما نفعكم شيء) [5].

 

أيها الأحبة الفضلاء، إن من تأمل هذا الكون سيجد فيه مظاهر تدل على رحمة الله تعالى بخلقه، فإرسال الرسل وإنزال الكتب عليهم مظهر من مظاهر رحمة الله بالخلق.

 

قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 52]. وكفاية رزقهم وضمان ذلك لهم مظهر من مظاهر رحمة الله بمخلوقاته، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56-58].

 

ومن رزقه: إنزال الغيث الذي يغيث به العباد والبلاد والشجر والدواب، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الروم: 46] وقال: ﴿ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم: 50] وقال: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾[الشورى: 28].

 

وقبول توبة العباد وإمهالهم عن نزول العذاب وتعجيل العقاب مظهر آخر من مظاهر رحمة الله، وهذا من أعظم النعم على الخلق. قال تعالى: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37]. وقال: ﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾[البقرة: 54].

 

معشر المسلمين، تسخير ما في الأرض لخدمة الإنسان ونفعه مظهر من مظاهر رحمة الله.

 

قال تعالى: ﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 5-7]. وقال تعالى: ﴿ رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [الإسراء: 66].

 

فما في الكون سُخر لك رحمة بك، فهلا رحمت نفسك فآمنت إيماناً صادقاً بمن وهبك هذه النعمة؟

الهداية من الضلال والحفظ للمؤمن من تسلط الشياطين عليه بالغواية مظهر آخر، قال تعالى: ﴿ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113] وقال: ﴿ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83].

 

ومن مظاهر رحمة الله تعالى: تخفيف الشريعة من الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا، فلم يكلفنا ربنا ما يشق علينا ويوصلنا إلى الحرج، فلماذا يكسل بعض الناس عن هذه التكاليف وهي سهلة يسيرة؟ قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.. ﴾ [الحج: 78].

 

أيها الإخوة الأفاضل، ومن المظاهر أيضاً: حصول البلاء للمؤمن؛ فإنه رحمة من رحمات الله، قال ابن القيم رحمه الله: " ومن رحمته: أن نغص عليهم الدنيا وكدرها؛ لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا إليها ويرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليعطيهم وابتلاهم ليعافيهم وأماتهم ليحييهم" وقال كذلك: " ومن رحمته بهم: أن حذرهم نفسه؛ لئلا يغتروا به فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به، كما قال تعالى: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30]. قال غير واحد من السلف: "من رأفته بالعباد: حذرهم من نفسه؛ لئلا يغتروا به".

 

أيها المسلمون، إن على المسلم أن ينظر إلى نفسه بعين الشفقة والرأفة، فيحرص حرصاً شديداً على نيل رحمة الله حتى وهو يعمل العمل الصالح، كما حرص النبيان الكريمان: إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 127-128].

 

وعلينا أن نبحث عن سحائب الرحمة لتعمنا رحمة الله بالاستظلال في ظلها، فالتزام طاعة الله تعالى والمسارعة إلى مراضيه والابتعاد عن مساخطه سبب للرحمة.

 

قال تعالى: ﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156].

 

وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع سنته وعدم الابتداع في شريعته سبب آخر للرحمة، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31] وقال: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56].

 

وصلاة الليل وإيقاظ الأهل لها سبب أيضاً لنيل رحمة الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء) [6].

 

والدعاء بحصول الرحمة من الأسباب كذلك، قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].

 

وأسباب نيل العبد رحمة الله تعالى كثيرة يجمعها الافتقار بين يدي الله والانقياد لشرعه والتسليم لأمره.

نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرحمنا رحمة تغنينا عن رحمة من سواه، يصلح لنا بها الدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

أيها المسلمون، إن الحديث عن الرحمة في مثل هذه الظروف العصية له أهميته، فما حل من المصيبات لا يرفعه إلا رحمة الرحيم الرحمن بسلوك دروب نيل رحمة الله تعالى.

 

ثم بإحياء خلق التراحم فيما بيننا، فليرحم راعينا مرعينا، وقوينا ضعيفنا، وقادرنا عاجزنا، وغنينا فقيرنا.

 

فإقامة العدل، والحكم بالشريعة المحمدية، والإحسان إلى الضعفاء والمساكين، ونجدة المحتاجين والملهوفين، ونصرة المظلومين والتعاون على البر والتقوى مفاتيح لرحمة الله تعالى.

 

وهذا من صفات الذين آمنوا وعملوا الصالحات أصحاب اليمين. قال تعالى: ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ﴾ [البلد: 11 - 18].

 

إن التراحم -معشر الفضلاء- جعل المؤمنين كالجسد الواحد، وبذلك يكمل إيمانهم، وتقضى حوائجهم.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)[7].

 

وقال عليه الصلاة والسلام: (لن تؤمنوا حتى تراحموا) قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم! قال: ( إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة العامة) [8].

 

عباد الله، إن المجتمع المسلم إذا انتشر التراحم بين أفراده عاش حياة سعيدة مطمئنة، قويه وضعيفه، وغنيه وفقيره، حتى لا تجد الأحقاد والكوارث والحاجة مكاناً لها في هذا الجو الذي يتنفس التراحم فيبث عطر المحبة والتآلف والتعاطف والتواد.

 

فعند ذلك تهطل سحائب رحمة الله عليه بالخير العميم؛ جزاء وفاقاً، وثواباً عاجلاً لأهل الرحمة، فمن رحِم رُحم، ومن أحسن أحسن الله إليه، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) [9].

 

ولا تقتصر رحمة الإنسان على رحمة إنسان مثله، بل الرحمة بالحيوان أيضاً سبب لرحمة الله، فعن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، إني لأرحم الشاة أن أذبحها، فقال: (والشاة إن رحمتها رحمك الله) [10].

 

أيها المسلمون، لكن إذا ذهب التراحم وحل بدلاً عنه التشاحن والضغينة والشح والجور والقطيعة، فهذه نذر شقاء ومفاتيح بلاء، وحجب كثيفة تمنع نزول رحمة الله على من هذه صفاتهم وأعمالهم.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي) [11].

وقال عليه الصلاة والسلام: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله) [12].

نسأل الله أن يجعلنا من الرحماء، وأن لا يجعلنا من الأشقياء.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم الرؤوف الرحيم بالمؤمنين...



[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في 1/ 11/ 1432هـ، 30/ 9/ 2011م.

[2] متفق عليه.

[3] رواه مسلم.

[4] متفق عليه.

[5] رواه البزار، وهو حسن.

[6] رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وهو صحيح.

[7] متفق عليه.

[8] رواه الطبراني، وهو صحيح.

[9] رواه الترمذي وأبو داود وأحمد، وهو صحيح.

[10] رواه الحاكم والطبراني والبخاري في الأدب المفرد، وهو صحيح.

[11] رواه أحمد وأبو داود، وهو صحيح.

[12] متفق عليه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أيام الرحمة
  • الرحمة المهداة
  • الرحمة .. خلق المؤمنين
  • مدينة الرسول مدينة نبي الخير والرحمة ( قصيدة )
  • حاجة الصغار إلى الرحمة والحنان
  • الرحمة والتراحم بين الخلق
  • خطبة قصيرة عن الرحمة
  • أول خطبة جمعة بعد رفع الحظر
  • تجليات الرحمة الإلهية وكيف نحصلها (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • عرفات.. سحائب عطايا مرسلات (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • در السحائب فيما قرره الإمام النووي في صلاتي النصف والرغائب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سحائب المغفرة(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حكم الجمع بين الجمعة والعصر جمع تقديم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يوم الجمعة (خطبة جمعة قصيرة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المسائل الفقهية المتعلقة بخطبة الجمعة جمعا ودراسة (PDF)(كتاب - موقع الشيخ د. عبد الله بن محمد الجرفالي)
  • لقاء بعد خطبة الجمعة وأسئلة حول التبكير إلى الجمعة والأغسال الواجبة والمستحبة(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • من شروط خطبة الجمعة: حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم صلاة الجمعة لمن صلى العيد إذا وافق يوم الجمعة يوم العيد(مقالة - ملفات خاصة)
  • خصائص الجمعة وحديث "ما من دابة إلا وهي مصيخة تنتظر النفخ في الصور يوم الجمعة"(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/12/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب