• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الإسلام يدعو إلى التكافل
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    حكم التفضيل بين الأنبياء عليهم السلام
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    دعوة إلى الإصلاح ووحدة الصف والمصير
    د. محمد خالد الفجر
  •  
    لا تنس هذه الصدقات
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    لماذا لا نتغير بالقرآن؟
    سمر سمير
  •  
    الدرس الخامس والعشرون: ليلة القدر
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    تحريم ترك الوفاء بنذر الطاعة لله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    حكم زواج المسيار
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    خطبة (المسح على الشراب)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون ...
    الشيخ حسن حفني
  •  
    شرح لفظ "كواعب" (في ضوء كلام العرب والقرآن
    د. أورنك زيب الأعظمي
  •  
    مكانة إطعام الطعام في الإسلام
    أشرف شعبان أبو أحمد
  •  
    منهج القرآن في بيان الأحكام
    د. أحمد عبدالمجيد مكي
  •  
    قبسات من الإعجاز البياني للقرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ماذا أخذت من السعودية؟
    أ. محمود توفيق حسين
  •  
    يعلمون.. ولا يعلمون
    أشرف شعبان أبو أحمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

إدخال السرور على المسلمين

إدخال السرور على المسلمين
د. سعود بن غندور الميموني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/1/2018 ميلادي - 14/5/1439 هجري

الزيارات: 51567

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة عن إدخال السرور على المسلمين

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ، أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ - عبادَ اللهِ - حقَّ التَّقوَى ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

أيُّها المؤمنونَ: لاَ يَخفَاكُمْ أنَّ مَحبَّةَ الخَيرِ للمسلِمِينَ والْفَرَحَ لِفَرَحِهِمْ مِنْ أَظهَرِ وأوضَحِ صُورِ الوَلاءِ والبَراءِ، بَلْ وهِيَ أَوْثَقُ عُرَى الإِيمانِ، فَضلاً عَن أَنَّهَا فِي الأَصلِ مِنْ وَاجِبَاتِ الدِّينِ وَأُسُسِ الْعَقِيدَةِ، وَهَذَا مَا جَاءَ صَرَاحَةً في قولِهِ صلى الله عليه وسلم:

"مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" مُتَّفقٌ عليهِ.

 

فَالابتِسَامَةُ والكَلِمةُ الطَّيبَةُ وإِعَانَةُ المسلِمِينَ ومَواسَاتُهُمْ، وتَهنِئَتُهمْ بالأفراحِ ومُشارَكَتُهُم في الأَحزَانِ، والتَّواضُعُ ولِينُ الجَانِبِ، والنَّفعُ بمَا نَملِكُ مِن خِبرَةٍ ومَعلومَاتٍ.. كلُّ ذلكَ عِندَ اللهِ مَنزِلَةٌ عَظيمَةٌ وفَضلٌ كَبِيرٌ.

 

وَلْنَعْلَمْ - يَا رَعاكُمُ اللهُ - أنَّ إدْخَالَ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ مِنْ أفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ إِلى اللهِ تَعَالَى، لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ الوَّالِدَينِ وَالْأَبْنَاءِ والأَخوَاتِ؛ فَهُمْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ بِالْبِرِّ وَالْإحْسَانِ وَإدْخَالِ السُّرُورِ وَالْمُعَامَلَةِ الطَّيِّبَةِ.

 

وإنَّ النَّاظرَ في تَارِيخِنَا - يا عِبادَ اللهِ - لَيَجِدُ أَمْثَالاً مُشَرِّفَةً في حُبِّ المُسلِمِ لأَخِيهِ وإدخَالِ السُّرورِ عليهِ، والفَرَحِ لِفَرَحِهِ والحُزنِ لحُزنِهِ.. ولِمَ لاَ؟ ومُعَلِّمُ الأُمَّةِ وسَيِّدُ البَشَرِيَّةِ رَسولُكُمْ صلى الله عليه وسلم كانَ أَحسَنَ النَّاسِ خُلُقًا في ذلكَ، يَلعَبُ معَ الصَّغِيرِ فيُفْرِحُهُ، ويُوَاسِي الكَبِيرَ فيُذْهِبُ هَمَّهُ، ويَمشِي معَ الرَّجُلِ والمَرأَةِ فيَقْضِي لَهُمُ الْحَاجَةَ، قَالتْ عَنهُ خَدِيجَةُ رَضيَ اللهُ عنها في أَوَّلِ يَوْمٍ مِن أيَّامِ الْوَحْيِ: "وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ" وقَد صَدَقَتْ - ورَبِّ الكعبةِ - رضي اللهُ عنها، كَيفَ لا؟!. وهُو القَائِلُ صلى الله عليه وسلم: "مِنْ أَفْضَلِ الْعَمَلِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ" أخرَجهُ البَيهَقِيُّ.

 

نَعَمْ، كَانَ رَسُولُكُمْ صلى الله عليه وسلم أَكثَرَ النَّاسِ إِدخَالاً للسُّرورِ علَى النَّاسِ -صَغيرِهِم وكَبيرِهِمْ، ذَكرِهِمْ وأُنثَاهُمْ، عَجَمِهِم وعَرَبِهِم -، رَوَى الإمامُ مُسلمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنهُ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: «يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ» فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا.

 

هَكَذَا كَانَ الْحَبيبُ المصطَفَى صلى الله عليه وسلم، وعَلَى هَذَا الْمِنوَالِ نَشَأَ أَصحابُهُ رِجالاً كَانُوا أَو نِسَاءً، فهَذَا أَبو الْهَيثمِ بِنُ التَّيِّهَانِ يَزُورُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وصَحَابَيْهِ فيَقُومُ إلى أَحسَنِ شَاةٍ عِندَهُ فَيَذْبَحُهَا ثُمَّ يُقَدِّمُهَا للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

 

وفي الصَّحيحينِ مِن حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ، أَوْ عَجِبَ، مِنْ فَعَالِكُمَا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]...

 

لَقَدْ فَضَّلُوا شِبَعَ بَطْنِ ضَيْفِهِمْ عَلَى شِبَعِ بُطونِهِمْ, وَقَدَّمُوا سُرُورَ صَاحِبِهِمْ الْمُسْلِمِ عَلَى سُرُورِ ذَوَاتِهِمْ, وَإِنْ كَانَتْ ذَوَاتُهُمْ قَدْ نَعِمَتْ بنَوْعٍ آخَرَ مِنَ السُّرُورِ هُوَ أَعْلَى وَأَكْبَرُ.

 

وهذَا صَّحَابِيُّ جَلِيلٌ يُسرِعُ بكُلِّ قُوَّتِهِ لِيُبَشِّرَ الثَّلاثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا بَعفْوِ اللهِ عَنهُمْ وصَدْرُهُ يَمتَلِئُ حُبًّا وفَرَحًا وسَعادَةً وسُرُورًا حتَّى إِنَّه لَمْ يَنتَظِرْ حَتَّى يَصِلَ إليهِمْ بَل بَدَأَ يُنَادِيهِمْ مِن بَعِيدٍ مِنْ أَعْلَى الجَبَلِ بأَعْلَى صَوتِهِ، يَقولُ كَعبٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ، أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ...

 

قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ الفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ، فَأَوْفَى عَلَى الجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي، نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا، بِبُشْرَاهُ وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا، يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ...

 

فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ، وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: «أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ»... فَانْظُروا إِلَى ذَاكَ الْبِشْرِ وَالسُّرُورِ الَّذِي عَلَى مُحَيَّا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بالبُشرَى التِي نَزَلَتْ بِصَاحِبِهِمْ.. لَا سِيَّمَا مَوْقِفَ قِيامِ طَلْحَةَ الَّذِي لَمْ يَنْسَهُ لَهُ كَعْبٌ، بَلْ حَفِظَهُ لَهُ وَحَفِظَهُ التَّارِيخُ مَعَ بَسَاطَتِهِ، رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

 

ولَمْ تَنْسَ عاَئشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا مَوقِفَ امْرَأةٍ مِنَ الأَنصَارِ جَاءَتْ فَبَكَتْ مَعَهَا في مِحنَتِهَا وبَلائِهَا في حَادثةِ الإِفكِ؛ تَقولُ عَائِشةُ رَضيَ اللهُ عَنهَا:

"فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي"، مَوقِفٌ بَسيِطٌ في أَعيُنِنَا لكنَّهُ عَظِيمٌ وكَبيرٌ فِي نُفُوسِ العُظَمَاءِ الذِينَ يُقدِّرونَ مَوَاقِفَ النَّاسِ وأَفعَالِهِمْ مَعَهُم.

 

قَالَ القَاسِمِيُّ رَحمهُ اللهُ: "وللأُخُوَّةِ حَقٌّ في قَضَاءِ الحَاجَاتِ وَالْقِيَامِ بِهَا قَبْلَ السُّؤَالِ وَتَقْدِيمِهَا عَلَى الْحَاجَاتِ الْخَاصَّةِ، وَهَذِهِ أَيْضًا لَهَا دَرَجَاتٌ فَأَدْنَاهَا الْقِيَامُ بِالْحَاجَةِ عِنْدَ السُّؤَالِ وَالْقُدْرَةِ وَلَكِنْ مَعَ الْبَشَاشَةِ وَالِاسْتِبْشَارِ وَإِظْهَارِ الْفَرَحِ وَقَبُولِ الْمِنَّةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: «وَإِذَا اسْتَقْضَيْتَ أَخَاكَ حَاجَةً فَلَمْ يَقْضِهَا فَذَكِّرْهُ ثَانِيَةً فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَسِيَ، فَإِنْ لَمْ يَقْضِهَا فَكَبِّرْ عَلَيْهِ» وَاقْرَأْ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ﴾ [الأنعام: 36] وَكَانَ فِي السَّلَفِ مَنْ يَتَفَقَّدُ عِيَالَ أَخِيهِ وَأَوْلَادَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَقُومُ بِحَاجَتِهِمْ يَتَرَدَّدُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَيْهِمْ وَيَمُونُهُمْ مِنْ مَالِهِ فَكَانُوا لَا يَفْقِدُونَ مِنْ أَبِيهِمْ إِلَّا عَيْنَهُ، بَلْ كَانُوا يَرَوْنَ مِنْهُمْ مَا لَمْ يَرَوْا مِنْ أَبِيهِم فِي حَيَاتِهِ. وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَتَرَدَّدُ إِلَى بَابِ دَارِ أَخِيهِ يَقُومُ بِحَاجَتِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْرِفُهُ أَخُوهُ وَبِهَذَا تَظْهَرُ الشَّفَقَةُ. وَالْأُخُوَّةُ إِذَا لَمْ تُثْمِرِ الشَّفَقَةَ حَتَّى يُشْفِقَ عَلَى أَخِيهِ كَمَا يُشْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهَا". أهـ، وفي واقِعِنَا مَصائِبُ وعَظائِمُ نَسألُ اللهَ أَنْ يَتوبَ عَلينَا.

 

ونَسأَلُه سبحانه أنْ يَجعلَنَا إِخوةً مُتحَابِّينَ فيهِ؛ إنَّه سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدَّعَواتِ، والحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ.

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيْرِ الْوَرَى، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الْبَصَائِرِ وَالنُّهَى... أَمَّا بَعْدُ:

إِخوةَ الإِسلامِ: أَلا وإنَّ مِن إِدخَالِ السُّرورِ علَى المسلِمِينَ نَصْرَهُمْ في الْحَقِّ، ودَفْعَ الظُّلمِ عَنهُم، والشَّفَاعَةَ لَهُم في قَضاءِ أُمورِهِم، وقَضَاءَ حَوائِجِهِمْ والسَّعْيَ في مَصَالِحِهِمْ، وكُلُّ هَذَا مِن أَحَبِّ الأَعمَالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ»، قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَعْلاَهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: «تُعِينُ صَانِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ»،

قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: «تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ» مُتفقٌ عليهِ.

 

والْعَجَبُ أنَّكَ تَجِدُ مَنْ يَتَفَنَّنُ في إِدخَالِ الْحُزْنِ على المسلمينَ مِن قَريبٍ أو بَعيدٍ؛ فالزَّوجَةُ والوَلَدُ والأَبُ والأُمُّ والأَخُ والصَّدِيقُ كُلُّهَمْ لا فَرقَ بينَهُم عِندَ ذَاكِ الرَّجلِ، ولا يَتَوَرَّعُ أنْ يُحزِنَهُم أَوْ يُبْكِيَهُمْ أوْ يَكْبِتَهُمْ مِنَ الحَسرَةِ والأَلَمِ نَاهِيكَ عمَّا يَقعُ لبعضِهِم مِن الظُلمِ والعُقُوقِ؛ ولعلَّ هذَا الإنسانَ الغَليظَ القَلبِ الجَافِي الطَّبعِ لَم يَسمَعْ قَطُّ بمَا رَواهُ الطَّبَرَانِيُّ - بإسنادٍ حَسنٍ- مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي اللهُ عَنهُما أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

«أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا - يَعْنِي مَسْجِدَه صلى الله عليه وسلم بالْمَدِينَةِ- وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلَأَ اللهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامِ»، وكُلَّمَا زَادَ عَطَاءُ الإِنسَانِ لِغيرِهِ زَادَتْ سعادَتُهُ وكُلُّ مَنْ كَرَّسَ حَياتَهُ مِن أَجلِ نَفعِ الآخَرِينَ، وإسعَادِهِمْ فهو مِن أَكثَرِ النَّاسِ سُروراً وسَعادَةً.

وَأَفْضَلُ النَّاسِ مَا بَيْنَ الْوَرَى رَجُلٌ
تُقْضَى على يَدِهِ لِلنَّاسِ حَاجَاتُ
لا تَمْنَعَنَّ يَدَ الْمَعْرُوفِ عَنْ أَحَدٍ
مَا دُمْتَ مُقْتَدِرًا فَالسَّعْدُ تَارَاتُ
وَاشْكُرْ فَضَائِلَ صُنْعِ اللهِ إِذْ جُعِلَتْ
إِلَيْكَ لا لَكَ عِنْدَ النَّاسِ حَاجَاتُ
قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَمَا مَاتَتْ مَكَارِمُهُمْ
وَعَاشَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَمْوَاتُ

 

نَسأَلُ اللهَ أَنْ يَستَعْمِلَنَا في قَضَاءِ حَوَائجِ المسلِمِينَ، وأنْ يَجعَلَنَا مَفاتِيحَ للخَيرِ مَغَالِيقَ للشَّرِّ.

 

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وبارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

اللَّهُمَّ انْصُرِ الإِسْلامَ وأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْلِ بِفَضْلِكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ والدِّينِ، وَمَكِّنْ لِعِبَادِكَ الْمُوَحِّدِينَ، واغْفِرْ لَنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والأَمْوَاتِ... اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْزِيَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ.. اللَّهُمَّ اجْزِهِمْ عَنَّا رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ.. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ وَعَافِهِمْ واعْفُ عَنْهُم.

اللهمَّ وَفِّقْ وليَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى، وخُذْ بناصيته لِلبِرِّ وَالتَّقْوى، واجْعَلْ وِلايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ واتَّقَاكَ.

اللهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا فِي الحَدِّ الجّنُوبِيِّ، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ علَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، وَرُدَّهُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وبالإِجَابَةِ جَدِيرٌ، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( نفع الناس - إدخال السرور على المسلم - تفريج كربه - إطعامه - تأمينه )
  • الهدية وإدخال السرور على المسلم
  • فن إدخال السرور على الناس (1)
  • إدخال السرور على المسلم (1) (خطبة)
  • خطبة إدخال السرور على المسلم

مختارات من الشبكة

  • إدخال السرور على المسلم من موجبات المغفرة (بطاقة دعوية)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • الجبل الأسود: مطالبة بإدخال شعار المسلمين في علم الجمهورية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • موقف المهاجرين المسلمين من إدخال الدين في السياسة(مقالة - المترجمات)
  • فن إدخال السرور على الناس (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدعاء عند إدخال الميت القبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم ادخال اليد في إناء الوضوء بعد النوم(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • علة إدخال المباح في الحكم التكليفي(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • ما السن المناسب لإدخال الطفل الحضانة؟(استشارة - الاستشارات)
  • الإدخال في الدعوى بطلب الخصم وأحكامه(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • الإدخال والتدخل في نظام المرافعات الشرعية(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/12/1446هـ - الساعة: 14:9
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب