• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشاي: مسائل ونوازل (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    تخريج حديث: لا تستنجوا بالروث، ولا بالعظام، فإنه ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    من عمل صالحا فلنفسه (خطبة) - باللغة البنغالية
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    زاد الداعية (9)
    صلاح صبري الشرقاوي
  •  
    من آداب الدعاء
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العفو، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (15)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    حديث: مره فليراجعها
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حقوق الانسان (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    إرشاد الأحباب إلى ما به يحصل تهوين المصاب
    الدخلاوي علال
  •  
    مصطلح (حسن الرأي فيه) مرتبته، وأثره في الحكم على ...
    د. وضحة بنت عبدالهادي المري
  •  
    خطبة: الصداقة في حياة الشباب والفتيات
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حين تمر بنا القبور دون شواهد
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    أهمية الأوقاف وضرورة المشاريع الاستثمارية الوقفية ...
    د. أبو عز الدين عبد الله أحمد الحجري
  •  
    سورة الإخلاص
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    شدة المقت الإلهي: تحليل لغوي وشرعي لآية "كبر مقتا ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

الصيف حكم وأحكام

الصيف حكم وأحكام
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/1/2018 ميلادي - 21/4/1439 هجري

الزيارات: 21996

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الصيف.. حِكَم وأحكام [1]


الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، أحمده على نعم تترى، وآلاء لا أدرك لها حصرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله واحد، ورب شاهد، ونحن له مسلمون، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد المرسلين، وخيرة المتدبرين، وأعظم المتفكرين في خلق رب العالمين، فصلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته المهتدين، وسلم تسليماً.

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]..

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]..

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]..

 

أما بعد:

فإنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار..

 

أيها المسلمون!

اعلموا - رحمني الله وإياكم - أن في تقلب الزمان من ليل إلى نهار، ومن نهار إلى ليل، ومن صيف إلى شتاء، ومن شتاء إلى صيف لعبرةً لأولي الأبصار الذين يعقلون عن الله حِكمَه في فعله وتقديره، وتصريفه وتدبيره.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ﴾[آل عمران: 190].

 

وقال جل وعلا: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [القصص: 17 - 73].

 

قال ابن القيم رحمه الله: (تأمل بعد ذلك أحوال هذه الشمس في انخفاضها وارتفاعها لإقامة هذه الأزمنة والفصول وما فيها من المصالح والحكم؛ إذ لو كان الزمان كله فصلاً واحداً لفاتت مصالح الفصول الباقية فيه، فلو كان صيفاً كله لفاتت منافع مصالح الشتاء ولو كان شتاء لفاتت مصالح الصيف وكذلك لو كان ربيعاً كله أو خريفاً كله... وفي الصيف يحتد الهواء ويسخن جدا فتنضج الثمار وتنحل فضلات الابدان، والأخلاط التي انعقدت في الشتاء وتغور البرودة وتهرب الى الأجواف؛ ولهذا تبرد العيون والآبار ولا تهضم المعدة الطعام التي كانت تهضمه في الشتاء من الأطعمة الغليظة؛ لأنها كانت تهضمها بالحرارة التي سكنت في البطون، فلما جاء الصيف خرجت الحرارة الى ظاهر الجسد وغارت البرودة فيه).

 

عباد الله!

لقد أظلنا - نحن أهل المناطق الباردة - فصلُ الصيف بجماله وظلاله، وإشراقه وهداياه، بعد رحيل فصل الشتاء بجفافه ورياحه، وعبوسه وبلاياه. لقد انتظر فصلَ الصيف منتظرون ليستنشقوا هواءه العليل، ونسيمه الجميل، ويروا فيه ابتهاج الحياة وحسن منظرها، حينما يسدل الصيف على السماء صفاءً وبهاءً، وعلى الأرض اخضراراً ورِواء، فتبتهج النفوس، وتتسع الصدور، وتخصب العقول، وتستنير العيون.

 

وأما أهل البلاد الحارة فينزل الصيف عليهم ثقيلاً كئيبا، فيضيقون به ذرعا، ولا يستطيعون له دفعا، وأحسن أهلها حالاً من خفف أوام الصيف بالمرواح والمكيفات، فماذا يفعل الفقير الذي لا يجد هذه النعمة! وماذا يفعل الناس جميعاً في هذه الأيام والكهرباء في إجازة مرضية تتنقل بين أيدي المخربين من فترة لأخرى، فإلى الله المشتكى.

 

يشتد الصراع مع حر الصيف في المناطق الحارة فيجدونه يشبه قلب الصب، ويذيب دماغ الضب، تحكي هواجره فؤاد المهجور والتنور المسجور. حتى يقول العاقل بلسان الحال أو المقال:

رُبَّ يومٍ هواؤه يتلظى...
فيحاكي فؤادَ صَبِّ متيّمْ
قلتُ إذ صاب حرُّه حرَّ وجهي
ربنا اصرف عنا عذاب جهنمْ

 

معشر المسلمين!

إن الصيف يتميز على غيره بشدة الحر، ونزول المطر، ويختلف ذلك من مكان إلى مكان قلة وكثرة، وقوة وضعفا.

 

فالحر الشديد تكرهه النفوس، وتنفر من أواره، ومحالّ وهجه، غير أن ذا اللب من المسلمين ينتقل بفكره من مشهد الدنيا إلى مشهد الآخرة، فيذكّره عنفوانُ الحر والتهابه حرَّ يوم القيامة والناس في العرصات والشمس دانية منهم قدر ميل، ولا يجدون منها سترا، ولا عن هدفها متحولا ولا مخفِّفا، ويتدبر حال أهل النار التي وقودها الناس والحجارة، وأهلها يأتيهم الموت من كل مكان وما هم بميتين ولا منها ناجين، فيرى نار الدنيا بجانب نار الآخرة شيئاً هيناً.

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (ناركم التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم) قالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية، قال: (إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا)، رواه مالك وابن حبان والبيهقي.

 

فالذي في الدنيا واعظ للوعاة قبل لقاء الله، قال الله تعالى: ﴿ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269]، والشيء يذكر بمثله، كما قال متمم بن نويرة في أخيه مالك:

وقالوا: أتبكي كل قبر رأيته
لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك؟
فقلت لهم: إن الأسى يبعث الأسى
دعوني فهذا كله قبر مالك

 

وفي نار الهجير في الدنيا يقول الله تعالى عن المنافقين المتخلفين عن غزوة تبوك؛ لشدة الحر - زعموا -: ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة: 81].

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشتكت النار إلى ربها، فقالت: رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير) متفق عليه.

 

أيها المسلمون! حينما يجد الإنسان الحكيم شدة حرارة الدنيا لأيام معدودة يتذكر نار الآخرة فيسلك طرق السلامة منها، ويتنكب السبل الموصلة إليها، ويستعيذ بالله من لقائها، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (ما سأل رجل مسلم الجنة ثلاث مرات إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ولا استجار رجل مسلم من النار ثلاث مرات إلا قالت النار: اللهم أجره) رواه أحمد وابن حبان وأصحاب السنن ما عدا أبا داود.

 

وشدة الحر مذكِّرة أيضاً بالجنة؛ فإن أهل الجنة يدخلون الجنة في نصف النهار عند القيلولة وقت اشتداد الحر، قال تعالى: ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ [الفرقان: 24]، قال النخعي: كانوا يرون أنه يُفرغ من حساب الناس يوم القيامة في نصف النهار، فيقيل هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار، وقال عكرمة: الساعة التي يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار هي الساعة التي تكون عند ارتفاع الضحى الأكبر إذا انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة.

 

عباد الله!

وشدة الحر تذكرنا بنعم الله علينا بما يسر لنا من وسائل وأسباب تساعدنا على تعديل الجو الحار وتلطيفه، وقد عاش قبلنا خيارنا فما وجدوا ما وجدنا، ولا تنعموا تنعمنا، فعن أنس بن مالك قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه) رواه مسلم. عن جابر بن عبد الله قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر فآخذ قبضة من حصى في كفي أبرده ثم أحوله في كفي الآخر، فإذا سجدت وضعته لجبهتي).

 

وفي تلك الأجواء الملتهبة شرع الله الرحيم بعباده الإبرادَ بالظهر أي: تأخير الصلاة حتى تخف الحرارة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم).

 

أيها المسلمون!

إن كثرة العناء والتعب، وتجرع المشقة والنصب في القيام بعبادة من العبادات التي شرعها الله ورضيها يكون أعظم أجرا، وأكثر فضلا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعائشة رضي الله عنها: (إن لك من الأجر على قدر نصبك)، رواه الحاكم. ألا وإن من العبادات الشاقة في أيام الصيف: عبادةَ الصيام وإنما صارت شاقة؛ لشدة حرارة النهار وطوله، لكن السابقين إلى الخيرات، والراغبين في الأجور والحسنات، يتحملون المشقة في الدنيا ليجدوا الراحة في الآخرة، فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان يكثر الصيام في الصيف فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض أسفاره في اليوم الحار الشديد الحر، حتى أن الرجل ليضع يده على رأسه في شدة الحر، وما في القوم صائم إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم وعبد الله بن رواحة) رواه مسلم، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (صوموا يوماً شديداً حره، لحر يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور. ومن حرص أبي بكر رضي الله عنه على الخير والأجر أنه كان يصوم في الصيف ويفطر في الشتاء، ووصى عمر رضي الله عنه عند موته ابنه عبد الله فقال له: عليك بخصال الإيمان، وسمى أولها: الصوم في شدة الحر، ولما حضرت معاذاً الوفاةُ كان يتأسف على الصيام في شدة الهواجر. فرضي الله عنهم ما كان أرغبهم في الآخرة، وأزهدهم في الدنيا!. نزل الحجاج بماء بين مكة والمدينة فدعا بغدائه ورأى أعرابياً فدعاه إلى الغداء معه فقال: دعاني من هو خير منك فأجبته، قال: ومن هو؟ قال: الله تعالى دعاني إلى الصيام فصمت، قال: في هذا الحر الشديد! قال: نعم، ليوم أشد منه حرا. فهنيئاً للصائمين بعظم الأجر، الذين آثروا الجوائز الموعودة على الملذات الموجودة، ﴿ .. وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 32].

 

عباد الله!

تحية إكبار وإعظام، وحروف ثناء وإجلال لأولئك النسوة العفيفات الكريمات اللاتي يحافظن على حجابهن وسترهن في شدة القيظ وعواء الهجير في فصل الصيف، إنما حبسهن عن إبداء المحاسن خوف العليم الخبير، والحياءُ وحب الحشمة طلباً للأجر، وخوفاً من الوزر، وحرصاً على الستر، خلافاً لتلك النساء اللائي يختصرن الحجاب ويتلاعبن به ويبدين ما أمر الله أن يخفى عن عيون الأجانب، فشتان بين الفريقين: بين اللاتي يردن الله والدار الآخرة فتجشمن التحجب كما أمرت الشريعة، وبين أولئك اللاتي يفرحن بقدوم الصيف ليعرضن المحاسن والمفاتن دون رادع من حياء، ومانع من قريب غيور، ودون خوف من الذي لا تعزب عليه خفيات الصدور.

 

أيها المسلمون!

في الصيف تضحك الأرض حينما تبكي السماء بالأمطار وهطول الغيث المدرار، الذي يرحم الله به العباد والبلاد والشجر والدواب. فتبتسم به الأرض بعد عبوسها، وتكتسي بعد عُريها، وتبتهج بعد شقائها، وتنتج بعد عقمها، وتحيا بعد موتها. قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحج: 63]، إن المطر مظهر كبير من مظاهر رحمة الله بعباده، ودليل بيّن على علمه بهم، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28]، وهو برهان ساطع على عجز المخلوقين وحاجتهم إلى خالقهم القادر على غوثهم وقضاء حوائجهم، فلوا أجدبوا وأقحطوا فلا مغيث لهم إلا الله، ولا ساقي لهم أحد سواه. قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾ [الواقعة: 63 - 65]، وقال تعالى: ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ [الحجر: 22]، أي: ليست خزائنه عندكم بل نحن الخازنون له، ننزله متى شئنا.

 

إن نزول الغيث منحة كريمة، ونعمة عظيمة، من نعم الله على عباده تستحق الشكر وحسن العبادة، وأن تنسب إلى الله لا إلى غيره من كوكب ونحوه. عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب) متفق عليه. والسبب في هذا الحكم - يا عباد الله - أن من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فقد صرف أفعال الله إلى غيره، وهذا كفر.

 

عباد الله!

إن هناك تهديدات بيئية تعلن عبر وسائل الإعلام المختلفة بأن البلاد أو بعض المحافظات مهددة بالجفاف، وتنظر إلى أسباب ذلك نظراً مادياً مجرداً، وكان الأولى بهذه الجهات أن تقول للناس: إن الأرض مهددة بالجفاف إذا جفت أرواحكم من الطاعات، وكثرت من الخلق المعاصي والسيئات، فعمَّ الظلم، وانتشر الفساد، ومنعت الزكاة، وأُكل المال الحرام كثيرا؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس بخمس قالوا: يا رسول الله! وما خمس بخمس؟ قال: ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا المكيال إلا منعوا النبات، وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر) رواه الطبراني وهو صحيح.

 

معشر المسلمين!

هناك آداب وأحكام في فصل الصيف يحسن بالمسلم أن يتعلمها وأن يتعبد الله تعالى بما استطاع منها، فمن ذلك: أنه يستحب للمسلم عند نزول أول الغيث أن يصيب منه بعض بدنه، فعن أنس قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مطر، فحسر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه تعالى) رواه مسلم. قال النووي رحمه الله: ومعناه: أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها، فيتبرك بها.

 

ومن الآداب: أن يقول المسلم عند نزول الغيث: اللهم صيّباً نافعاً، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا رأى المطر قال: اللهم صيبا نافعا) رواه البخاري. والصيب: هو السحاب ذو المطر، ومناسبة الدعاء بهذا في هذه الحال: أن المطر إذا لم يكن نافعاً فهو ضار، وقد يصير عذاباً ونقمة، بدل الرحمة والنعمة؛ فإن الله عذب بعض عباده العاصين له بالمطر، قال تعالى: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأعراف: 84].

 

ومن الآداب: أنه يستحب الدعاء بخيري الدنيا والآخرة أثناء نزول الغيث، قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: (ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، و تحت المطر). رواه الحاكم وهو حسن. قال الشافعي: وقد حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث وإقامة الصلاة.

 

ويستحب للمؤذن أثناء المطر أن يقول في أذانه بدل حي على الصلاة: ألا صلوا في الرحال، أو صلوا في رحالكم، أو الصلاة في الرحال. وقد ثبت ذلك عن رسول الله في الصحيحين والسنن والمسانيد والمعاجم. وهذا رحمة من الله بعباده وتيسير عليهم.

 

أيها المسلمون!

من الأحكام المهمة في فصل الصيف: الجمع بين الصلوات عند هطول المطر، فاعلموا أولاً: أن الأصل أن تؤدى كل صلاة في وقتها المحدد شرعاً، قال الله تعالى: ﴿ ...فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]، ولكن الله لم يجعل في هذا الدين حرجاً وضيقاً على أهله، فخفف عنهم ما يشق عليهم ومن ذلك الجمع بين الصلوات في المطر. فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر) وفي حديث وكيع قال: قلت لابن عباس: (لِم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته). رواه مسلم.

 

ثانياً: أجاز جمهور العلماء الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر جمع تقديم، أي: تقدم صلاة العشاء فتصلى بعد المغرب مباشرة، وأما الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر فمنعه جمهور العلماء، وأجازه الشافعية في أحد القولين، ورواية عن أحمد، ومذهب الجمهور أرجح، إلا إذا وجدت المشقة نفسها التي توجد بين المغرب والعشاء فلا حرج حينئذ من الجمع بين الظهر والعصر، والله أعلم.

 

ثالثاً: لا يكون المطر عذراً للجمع إلا بشروط: أن يكون المطر غزيراً مستمراً، وأن يكون الجمع في مسجد الجماعة أو المصلى الذي تصلى فيه الصلوات الخمس، وعليه فلا يجوز الجمع في البيوت، ولا المساجد التابعة للمصانع أو الدوائر بحيث لا أثر للمطر على ذهابهم إلى الصلاة ورجوعهم منها؛ لأن العبرة بالمشقة فإذا انتفت فلا جمع.

 

رابعاً: قد يحصل - أحياناً - اختلاف بين الإمام والمصلين في قضية الجمع‘ فقد يرى الإمام عدم مشروعية الجمع، وقد يرى بعض المصلين خلاف رأيه، فالأولى بالمؤتمين أن يرضوا بما اختاره لهم إمامهم إذا كان فقيهاً أخذاً بالعزيمة، فإذا كثر الراغبون في الصلاة فليس للإمام أن ينكر عليهم إذا انتخبوا لهم إماماً يصلي بهم والعذر بالمطر صحيح قائم. حفظاً للمسجد من الشجار والنزاع.

 

خامساً: أما الجمع بين الجمعة والعصر، فالصحيح أنه لا يجوز؛ لأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاختلاف الصلاتين من أوجه كثيرة ذكرها العلماء. والله أعلم.

 

ومن الأحكام المحتاج إليها في فصل الصيف: أن مياه الشوارع المصحوبة بطين التي تتطاير على الثياب أثناء المطر أو بعده ليست نجسة؛ فالأصل الطهارة ولا يخرج عن هذا الأصل إلى غيره إلا بيقين.

 

ومن الأحكام المحتاج إليها في فصل الصيف كذلك: استحباب الخروج للاستسقاء عند الجدب والقحط، بهيئة خاشعة وقلوب مقبلة تائبة، لعل الله أن يرحم عباده حينما يخرجون إلى الصلاة والدعاء تائبين منيبين بعد الإسراف في ارتكاب الذنوب وإغضاب أرحم الراحمين.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لمن يسند إليه كل حمد، إليه مرفوعاً بغير عد، والصلاة والسلام النبي محمد، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الراشدين، أما بعد:

عباد الله!

إن حديثنا عن الصيف يجرنا إلى الحديث عن الكهرباء التي نفتقر إليها في جميع الفصول، ولكن الحاجة إليها تعظم في فصل الصيف خصوصاً في المحافظات الحارة.

 

فأقول: إن الكهرباء نعمة عظيمة علينا في هذا الزمن الذي أصبحت مكوناً من مكوناته وجزء كبيراً من حركته ونشاطه. ومنافعها كثيرة متعددة.

غير أن فصل الصيف يعظم فيه قدر الاحتياج إليها لحفظ الأطعمة والأشربة؛ لوجود شدة الحرارة، التي تسرع بالتلف إلى المأكولات والمشروبات، إضافة إلى كونها وسيلة من وسائل تعديل الجو وتلطيفه بالمكيفات والمراوح.

 

أيها المسلمون! إن عشاق الظلام لا يحبون رؤية النور والعيشَ فيه، ويكرهون أن تمتد خيوطه على آفاق البلاد، فراحوا يفجرون أعمدة الضياء ومطالع الأنوار، لتلبس البلد بعد ذلك وشاح الظلمات ساعات طويلة، وتخسر الدولة وشعبها أموالاً غزيرة، وجهوداً كثيرة.

كم جرت من كوارث وحوادث، ومظالم وجرائم، وكربات وآلام، وأوجاع وأسقام، وكم عطلت من أعمال، وذهب من مال، جراء انطفاء الكهرباء.

 

فأين العقول من أولئك المفجرين والمتعاونين معهم، وأين الإيمان وحب الخير من قلوب أولئك المجرمين ومن يمولهم، يريدون أن يقتاتوا من دموع الناس ودمائهم، وأن تنالهم دعواتهم وشكاواهم إلى قاصم ظهور الجبارين، ومنصف المظلومين من الظلمة المتمادين.

 

وأين الحزم والردع من جهات الضبط حتى لا يتجرأ متجرأ على مثل هذه الأفعال المشينة التي صارت عقاباً جماعياً على الشعب كله.

فإلى الله المشتكى من يقظة المفسدين، وتناوم القادرين على ضبطهم وإزالة فسادهم.

ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمد بن عبد الله...



[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في 23/ 6/ 1434هـ، 3/ 5/ 2013م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إتحاف الورى بما جاء في فصلي الصيف والشتا
  • وقفات مع فصل الصيف
  • من أحكام الصيف
  • حرارة الصيف.. دروس وعبر
  • الصيف واعظ صامت

مختارات من الشبكة

  • حر الصيف .. عبر وأحكام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أحكام الصيف (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مواعظ وحكم الصيف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حر الصيف الشديد: العبر والعظات والأحكام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما جاء في فصل الصيف(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • خطبة: حرارة الصيف والوقاية الإيمانية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • موعظة الصيف (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مسجد ويلزي يساعد أطفال المدارس أثناء عطلة الصيف(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الاعتبار بحر الصيف (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حرارة الصيف.. عبر وعظات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/12/1446هـ - الساعة: 17:42
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب