• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / التاريخ
علامة باركود

قصة قوم سبأ آيات وعبر

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

المصدر: أُلقيت بتاريخ: 7/4/1430هـ
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/4/2009 ميلادي - 16/4/1430 هجري

الزيارات: 430580

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصة قوم سبأ

آيات وعبر

 

الحمد لله الولي الحميد، العزيز المجيد، سابغ النعم ومتمِّمها، ورافع البلايا ومانعها، نحمده على فضله وإحسانه، ونشكره على نِعَمه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل القرآن هدًى للناس، وقصَّ فيه القصص والأخبار؛ للعظة والتذكرة والاعتبار؛ ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ ﴾ [يوسف: 3]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه الله - تعالى - رسولاً للعالمين، وثبَّته بما قص عليه من أخبار السابقين، فكان خير المتعظين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فاتَّقوا الله - عباد الله - وأطيعوه، واشكروه على فضله ونعمه ولا تَكْفروه؛ فإن النعم تزيد بشكرها، وتزول بكفرها؛ ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

 

أيها الناس:

في كتاب الله - تعالى - الهدى والرشاد، والنجاة والفلاح، فمن اهتدى به هُدي، ومَن تمسَّك به نجا، فلا يضل ولا يشقى؛ ﴿ ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]، ﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴾ [طه: 2، 3]، بتلاوته وفَهْمه عرَف العبادُ ربَّهم في أسمائه وصفاته وأفعاله، وعلموا الفرائض والحلال والحرام، وطالعوا تواريخ مَن قبلهم فاعتبروا بها، وجانَبوا طُرُقَ المكذِّبين؛ لئلا يصيبهم ما أصابهم.

 

ومما قصَّ الله - تعالى - علينا من أخبار السابقين؛ للعلم، والعظة، والاعتبار: قصةُ قوم سبأ، وسُمِّيت السورة باسمهم؛ لعظيم ما في قصتهم من العلم والعظة، وبداياتُ السورة فيها بيان ربوبية الله تعالى، وقدرته سبحانه، وألوهيته - عز وجل - وفيها الإخبار عن إنكار كفار مكة للبعث والجزاء، وسخريتهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد هدَّدهم الله - تعالى - على ذلك بالعذاب مِن فوقهم، أو من تحت أرجلهم، ثم أعقب ذلك بقصة داود وسليمان - عليهما السلام - ثم قصة قوم سبأ.

 

ويشترك أصحاب القصتين في أن الله - تعالى - قد أنعم عليهم بالخيرات، ورزقهم من الطيبات، حتى شبعوا وأَمِنُوا، ولكن آل داود آمنوا وشكروا، وآل سبأ بطروا وكفروا، فكانت القصتان مثَلين لأمَّتين إحداهما شكورة، والأخرى كفورة، وكانت أمَّة داود الشكورة المرحومة مثلاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومَن آمن معه، وفي ذلك تثبيت لهم على إيمانهم، وربط على قلوبهم، كما كانت أمَّة سبأ الكفورة المعذَّبة مثلاً لكفار قريش؛ لإنذارهم من العذاب كما عذب الله - تعالى - قوم سبأ.

 

فجدير بأهل القرآن وهم يتلون هذه القصة أن يدركوا هذا المعنى العظيم، وأن يتَّعظوا بما حلَّ بقوم سبأ؛ لئلا يسلكوا مسلكهم، وليجانبوا طريقتهم.

 

إن سبأً قومٌ اكتملتْ نِعَمُهم، ودُفعت النقم عنهم، وكُفُوا مؤونة الطعام والشراب، وهما قيام الحياة؛ فأرزاقُهم حاضرة، وأرضهم مخضرَّة، وسماؤهم ممطرة، وثمارهم يانعة، وضروعهم دارَّة، تحيط بمساكنهم الأشجارُ والثمار، وتملأ جنبتي بلادهم؛ فلا يسيرون إلا في خضرة من الأرض، ولا يأكلون إلا أطيب الطعام والثمار، يشربون من الماء أعذبَه، ويتنفسون من الهواء أنقاه، حتى ذكر المفسِّرون خلو أرضهم وأجوائهم من الهوام والحشرات المؤذية، وهذا من أكمل ما يكون للعيش الرغيد، والراحة التامة، والنعم الكاملة.

 

ولم يطلب ربُّهم - سبحانه - منهم مقابلَ هذه النعم المتتابعة إلا شكرَه عليها، بإقامة دينه، وتحقيق توحيده؛ ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ [سبأ: 15]، فوصفها الله - تعالى - بأنها بلدة طيبة؛ فكل شيء فيها طيِّب.

 

فنالوا غاية ما يطلبه البَشَرُ في معايشهم من طيب الهواء، والماء، والطعام، والمسكن، والبلاد، وقد عفا الله - تعالى - عنهم ما مضى مِن كفرهم وتجاوزهم، فلم يستأصلهم به، ودعاهم - سبحانه - إلى شكره، بتذكيرهم بمغفرته ورزقه؛ ﴿ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ [سبأ: 15].

 

لكنهم قابلوا دعوة الله - تعالى - لهم بالإعراض والاستكبار، والإعراضُ أشدُّ أنواع الكفر، فاستحقوا العذابَ والدمار؛ ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ [سبأ: 16]، ففتح الله - تعالى - عليهم سدَّهم؛ ليغرق بلادهم، ويهلك حرثهم وأنعامهم، ويتلف أشجارهم وثمارهم، فأضحتْ بلادُهم بعد الخضرة مغبرَّةً، وبعد الجدة مقفرةً، وبعد السَّعة ضيقةً، وذهبتْ نعمهم في لمح البصر، وصاروا ممحلين لا يلوون على شيء.

 

فما أعظمَ قدرةَ الله - تعالى - على البشر! وما أسرعَ زوالَ النعم! وتبدُّلَ الأحوال! وذلك بما كسبتْ أيديهم؛ فإن الله - تعالى - ﴿ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [يونس: 44]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، فلم تتغير نِعَم سبأ عليهم إلا لما أعرضوا عن دين الله – تعالى - ولم يشكروا له نعمه - عز وجل - ولذلك بيَّن الله - تعالى - سببَ زوال نعمتهم، بقوله - عز وجل -: ﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الكَفُورَ ﴾ [سبأ: 17].

 

لقد كان من عظيم ما أنعم الله - تعالى - به عليهم، أنهم كُفُوا مؤونة السفر ومشقته، ورُفِع عنهم عنَتُ الطريقِ ولصوصه، فارتاحوا في سفرهم وأَمِنوا، وسببُ ذلك اتِّصالُ القرى بينهم وبين الأرض المباركة، فكانوا يسافرون من اليمن إلى الشام في أمن وطمأنينة، لا يحملون للسفر زادًا لوفرته في طريقهم، ولا يعدون له عدة؛ بل يسيرون فيه ما شاؤوا، ويستريحون في القرى التي في طريقهم، وهي على مراحل لا تنقطع عنهم؛ ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾ [سبأ: 18].

 

فتمَّتْ نعم الله - تعالى - عليهم في بلادهم، ثم أكملها - سبحانه وتعالى - لهم في أسفارهم، فبَلَغ مِن كفرهم بنعمة ربِّهم عليهم في أسفارهم أنهم قالوا: ﴿ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ﴾ [سبأ: 19]، فبطروا هذه النعمة العظيمة، ودَعوا بالمشقَّة والبُعد.

 

فكانوا كما كانت بنو إسرائيل حين استبدلوا في مطاعمهم الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويحتمل أن قوم سبأ واجهوا أنبياءهم بهذا الدعاء، وقابلوهم على مواعظهم به؛ إعراضًا عن الحق، واستكبارًا عن قَبول الدعوة، ونكاية بهم، وتحديًا لهم، واستعجالاً لعذاب ربهم - عز وجل - كما قال كفار قريش: ﴿ اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأنفال: 32].

 

لقد كان قوم سبأ ظالمين لأنفسهم بهذا التعدي في الدعاء، مع الإعراض والتحدي، فكانت عقوبة الله - تعالى - لهم أن أفقرهم بعد الغنى، وشرَّدهم بعد الاستقرار، وفرَّقهم بعد الاجتماع، ومزَّقهم في الأقطار، وجعل خبرَهم أحاديثَ يتحدَّث بها الناس في مجالسهم، ويحكون ما جرى لهم، وضرب العربُ المثلَ بتفرُّقهم وشتاتهم، فقالوا: "تفرقوا أيدي سَبَا"، أو: "ذهبوا أيادي سَبَا"؛ بل صار تفرُّقهم مثلاً لكل تفرُّقٍ عظيم.

 

ومن ذلك أن بعض المترجمين ترجم لأحدِ علماء الحديث، وقد جمع "مسند الإمام أحمد"، فقال في ترجمته: "وجمع "مسند أحمد" بعد أن تفرق أيدي سبا"، وجاء في حديث ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: "إن رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن سبأ ما هو: أَرَجُلٌ، أَمِ امْرَأَةٌ، أَمْ أَرْضٌ؟ فقال: ((بَلْ هو رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً، فَسَكَنَ الْيَمَنَ منهم سِتَّةٌ، وَبِالشَّامِ منهم أَرْبَعَةٌ))؛ رواه أحمد.

 

﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [سبأ: 19].

 

إن خبرهم كان آياتٍ لكل صبار شكور؛ لأنهم لم يكونوا شاكرين نِعَمَ ربِّهم عليهم، ولم يكونوا صابرين لما ذهبتْ خيراتُهم، وأمحلتْ أرضُهم، وهذا من خذلان الله - تعالى - لهم، وإلا لو صبروا وتابوا، لعاد الله - تعالى - بالخير عليهم كما سلبه منهم بكفرهم، ولكنهم قوم حُرموا الصبر كما حُرموا الشكر، فمُزِّقوا كلَّ ممزَّق، وفُرِّقوا شذرَ مذرَ.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [سبأ: 15 – 19].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا، مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واشكروه على نعمه ولا تكفروه؛ ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34].

 

أيها المسلمون:

لقد ختم الله - تعالى - قصةَ سبأ بإخبارنا أن في قصتهم آياتٍ عدةً، وليست آية واحدة؛ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}، وبتلمُّس بعض هذه الآيات يَبِينُ لنا العجبُ العجاب من بلاغة القرآن وإيجازه وإعجازه، وموعظة الله – تعالى - لنا به وبقصصه.

 

 

فمن الآيات في قصة سبأ: أن حالة مساكنهم ورغدهم كانت آية على قدرة الله - تعالى - ورحمته وإنعامه، وفي إرسال السيل عليهم آية أخرى على شدة انتقامه، وسرعة عذابه، وفي تحوُّل حالهم من النعمة إلى النقمة آية على أن الله - سبحانه وتعالى - هو المالك المدبِّر المتصرِّف في عباده بما شاء، فيُعِز ويُذِلُّ، ويَرفع ويَخفض، ويُعطي ويَمنع، ويَرحم ويُعذِّب، وله الحجة البالغة على عباده، وله الحكمة الباهرة في أفعاله.

 

وفي انعكاس حالهم من الرفاهية إلى الشظف آيةٌ على تقلُّب الأحوال، وتغيُّر العالم، وآيةٌ على صفات الله - تعالى - من خَلْقٍ ورِزق وتدبير، وإحياء وإماتة، ويستفيد العباد من ذلك عدمَ اغترارهم بدوام الخير والنفع، ولا يأسهم من ارتفاع الشر والضر؛ فإن الله - تعالى - يغير من حال إلى حال.

 

وفيما كان من عمران إقليمهم، واتِّساع قُراهم، واتصالها ببلاد الشام، آيةٌ على مبلغ العمران، وعظمةِ السلطان، وأن عطاء الله - تعالى - لا حدَّ له، فهو الجواد الكريم، وهو على كل شيء قدير.

 

كما أن فيها آيةً على أن الأمن أساس العمران؛ ولذا لا بدَّ للبشر من تحصيل أسبابه، وتوطيد دعائمه، وتثبيت أركانه؛ إذ لا عيش لهم إلا بأمن، ورأسُ ذلك توحيد الله - تعالى - وطاعته، واجتنابُ المحرَّمات، والأخذُ على أيدي السفهاء المفسدين.

 

وفي تمنِّيهم زوالَ النعمة التي هم فيها بدعائهم على أنفسهم آيةٌ على ما قد تبلغه العقولُ البشرية من السَّفه والانحطاط، والإضرار بالنفس والأمة، والتسبُّب في زوالها وفنائها؛ ولذا جاء النهي في الشريعة المباركة عن الدعاء على النفس والولد والمال، وهو من العجلة المذمومة؛ ﴿ وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولًا ﴾ [الإسراء: 11]، وفي حديث أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تَدْعُوا على أَنْفُسِكُمْ إلا بِخَيْرٍ؛ فإن المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ على ما تَقُولُونَ))؛ رواه مسلم.

 

وفي حديث آخر قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تَدْعُوا على أَنْفُسِكُمْ، ولا تَدْعُوا على أَولادِكُمْ، ولا تَدْعُوا على أَمْوَالِكُمْ؛ لا تُوَافِقُوا من الله سَاعَةً يُسْأَلُ فيها عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيب لَكُمْ))؛ رواه مسلم.

 

وفيما صار إليه قوم سبأ من النزوحِ عن الأوطان، والتشتُّتِ في الأقطار - آيةٌ على ما يُلجئ الناسَ إلى ارتكاب المكاره والأخطار، ومفارقة الديار والأوطان؛ كما يقول المثل: "الحُمى أضرعتني إليك"، فالاستقرار نعمة لا يعرف قدْرَها إلا المشرَّدون!

 

كما أن في هذه القصة العظيمة دليلاً على قدرة الرب - جل جلاله - على تحويل النعم إلى نِقم، وقلبِ المنح إلى محن؛ ذلك أن الماء نعمة عظيمة، لا حياة لمن في الأرض إلا به؛ ولذلك يحتجزه الناس بالسدود، وهي من أعظم نعم الصناعة التي هُدِيَ البشر إليها، وانتفعوا بها، لكن الله - تعالى - حوَّل هذه النعمة العظيمة إلى نِقمة كبيرة على أهل سبأ، حين انطلق سيلُ سدِّهم عليهم، فأحال ديارَهم وجناتِهم خرابًا يبابًا.

 

وهذه القصة دليل على أن مِن سنة الله - تعالى - في عباده أنه - سبحانه - يجزي الشاكرين زيادةً ونماء، ويجازي الكافرين خذلانًا وعذابًا؛ ﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الكَفُورَ ﴾ [سبأ: 17]، فمَن فهم هذه السُّنةَ الربانية وعمل بموجبِها، كان له الأمن والنعيم في الدنيا والآخرة، ومَن حاد عنها، وأعرض عن تذكير الله - تعالى - بها، كان من الهالكين.

 

ومن رأى حالنا، علم أن نعم الله - تعالى - قد اكتملتْ لنا كما اكتملت لسبأ؛ فرِزْقُ الله - تعالى - يتتابع علينا، ونعمه تحيط بنا، وقد أمَّنَنا في أوطاننا، ويَسَّر أسفارنا، ومِن كل خير أعطانا؛ فلنحذر أن نكون كما كان قوم سبأ، ولنكن كآل داود شكرًا للنعم؛ ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].

 

قال الحكماء: "ما زال شيء عن قومٍ، أشد من نعمة لا يستطيعون ردَّها"، وقالوا: "مَن لم يشكر النعمة، فقد تعرَّض لزوالها، ومَن شكرها، فقد قيدها بعقالها".

 

وصلوا وسلموا على نبيكم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مواقف مؤثرة بين ملكة سبأ وسليمان
  • مملكة سبأ وعرس الوطن
  • قصة سبأ (خطبة)
  • قوم سبأ والنعمة التي لم يشكروها (خطبة)
  • قوم سبأ من النعيم إلى الجحيم (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • قصة يوسف: دروس وعبر (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف القصة لغة واصطلاحا(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • الابتلاء بالعطاء في ظلال سورة الكهف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصص فيها عبرة وعظة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص لخصائص القصة الشعرية إلى عصر الدول المتتابعة(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • من قصص القرآن الكريم: قصة إسلام ملكة سبأ(مقالة - موقع العميد: عبدالعزيز بن عبدالله القصير)
  • خصائص القصة الشعرية في النصف الأول من القرن التاسع عشر(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • فوائد القصص في المجال الإعلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دروس وفوائد من قصة سيدنا شعيب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خطبة عن قصة نبي الله سليمان والنملة (1)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
10- شكر
أسامة فؤاد حسن - Egypt 07-12-2024 02:17 PM

جزاكم الله خير الجزاء فقد وضحت شرح الآية الكريمة بربطها لسيدنا داود العلاقة بين التضادين الأول من سبأ وهو الجحود بالنعمة والكفر والثاني وهو الشكر من سيدنا داود على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
اللهم اجعلنا من الشاكرين الحامدين الصابرين وأمة الإسلام وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والشكر والتحيه موصوله لفضيلتكم.

9- شكر
روميسة - الجزائر 31-03-2024 04:11 PM

ألف شكر على القصة، والله يسعدك ويوفقنا في تدبر هذه الآيات القرآنية وفهمها تمام الفهم.

8- سبأ
ابو أسامة الجزائري - الجزائر 05-06-2018 08:18 PM

جزاكم الله أحسن الجزاء .هذه آيات وعبر لمن استهان بالأمن والأمان اللذان نتخبط فيهما وأراد أن يعتبر لعلها تجد آذانا صاغية وقلوبا حية ....اللهم أدم علينا نعمك وسترك واحفظهما من الزوال.

7- قصة سبأ
أحمد أبو حمد - فلسطين المحتلة 02-02-2016 07:11 PM

فربما أفخر السيارات والبنى التحتية الملحوظة نعمة شبيهة بنعم سبأ فلما أعرضوا تفشت الأمراض والظلم الذي يمحق بالعباد من كل صوب وحدب.

6- قصة رائعة
حساني حسين - الجزائر 04-12-2014 02:36 AM

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ} [يوسف: 3]

والله ما يجري من فتن وزوال النعم في الدول العربية إلا من الكفر بها وعدم شكر الخالق عليها...

جزاكم الله كل خير

5- شكر
eman radwan - مصر 30-11-2014 12:39 AM

جزاك الله كل خير موضوع سلس وجميل اسلوب أكثر من رائع وشكرا

4- سطيف
وئام - الجزائر 15-10-2014 09:06 PM

جزاك الله خير الجزاء

3- قصص القرآن
عبدالله بدران - مصر 03-01-2014 03:06 PM

هذه قصة عظيمة شأنها شأن قصص القرآن فيه العبر والعظة فهنيئا لمن قرأ وتدبر واتعظ ووعظ غيره

2- نريد قصة مختصرة
looolooo - saudi arabia 27-11-2013 08:19 PM

نريد قصة مختصرة ولكن صحيحة وفيها الأحداث المهمة

وجزاك الله خير الجزاء

1- شكر
محمد - hghlhvhj 25-05-2013 07:14 PM

شكرا على الموضوع

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب