• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مقالات
علامة باركود

فلسفة الصيام الشاملة المتكاملة

فلسفة الصيام الشاملة المتكاملة
حسام الدين أبو صالحة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/3/2025 ميلادي - 18/9/1446 هجري

الزيارات: 387

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فلسفة الصيام الشاملة المتكاملة

 

إن الصيام في اللغة هو: الإمساك مطلقًا، سواء كان إمساكًا عن المشي، أو عن الفعل والحركة، أو إمساكًا عن الكلام، أو عن الأكل والشرب، أو غير ذلك، وبالمعنى الشرعي هو: عبادة مخصوصة بمعنى: "الإمساك عن المفطرات، على وجهٍ مخصوص بنيِّة".

 

إلا أن الحكمة العامة، والغاية الشاملة، والفلسفة المُثلى من صيام رمضان ليست قصرًا على الإمساك عن المُفطرات، من الفجر حتى غروب الشمس، ولا حصرًا على الابتعاد عن الشهوات، وليس لإحساس الغني بجوع الفقير، وإن كان غايةً حسنةً، وهدفًا مبتغًى؛ إذ لو كان الأمر كذلك، ما فُرض الصيام على الفقير، والمسكين، لكنهما يصومان كالغنيِّ، ويُحسان بذات الجوع الذي يلازمهما حينًا من الدهر، لكن شُرع الصوم لغاية أسمى، وثمرة أطيب، وفائدة أكبر، وهدف أعظم؛ ألا، وهو: تقوى الله تعالى؛ وقد جاء ذلك نصًّا[1] بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

 

فالمعنى الشرعي للتقوى هو: فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه[2].

 

وكان سلف أمة المسلمين يتواصَون بالتقوى؛ فعن عبدالله بن حكيم قال: خطبَنا أبو بكر رضي الله عنه، فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أوصيكم بتقوى الله"[3]، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا بعث سرية، ولَّى أمرها رجلًا فقال: "أوصيك بتقوى الله الذي لا بد لك من لقائه".

 

وبالرجوع لكتب التفسير؛ لتحديد معنى قوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، ولمعرفة التقوى المرجوَّة من تحقق الصيام؛ حيث تبيَّن المراد بالتقوى ما يلي:

أولًا: طاعة الله تعالى، وعبادته وحده:

فالمعنى: لعلكم تتقون ربكم، فتجعلون بينكم وبين المعاصي وقاية؛ بطاعته، وعبادته وحده[4].

 

ثانيًا: تبتعدون عن المعاصي:

فالصيام يكسِر الشهوة التي هي مبدأ المعاصي[5].

 

ثالثًا: مراقبة الله تعالى، وتضييق مجرى الشيطان:

الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثالَ أمر الله، واجتناب نهيِه، فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يدرِّب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه، مع قدرته عليه؛ لعلمه باطلاع الله عليه، ومنها: أن الصيام يضيِّق مجاري الشيطان، فإنه يجري من ابن آدمَ مجرى الدم، فبالصيام يضعُف نفوذه، وتقل منه المعاصي، ومنها: أن الصائم في الغالب تكثُر طاعته، والطاعات من خصال التقوى[6].

 

رابعًا: الخشية من الله تعالى:

فقوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] جملة تعليلية، جيء بها لبيان حكمة مشروعية الصيام، فكأنه سبحانه يقول لعباده المؤمنين: فرضْنا عليكم الصيام كما فرضناه على الذين من قبلكم، لعلكم بأدائكم لهذه الفريضة تنالون درجة التقوى، والخشية من الله، وبذلك تكونون ممن رضي الله عنهم، ورضُوا عنه[7].

 

خامسًا: وقاية من عذاب الآخرة:

هذه الفريضة ترتفع بصاحبها إلى أعلى عليين، متى أدَّاها بآدابها وشروطها، ويكفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في شأن الصوم: ((الصوم جُنَّة))؛ أي: وقاية؛ إذ في الصوم وقاية من الوقوع في المعاصي، ووقاية من عذاب الآخرة[8].

 

سادسًا: وقاية من العلل والأمراض الناشئة عن الإفراط في تناول بعض الأطعمة والأشربة.

كذلك الصيام جنة؛ أي: وقاية من العلل، والأمراض الناشئة عن الإفراط في تناول بعض الأطعمة والأشربة[9].

 

سابعًا: إضعاف الشهوة:

قيل: معناه لعلكم تتقون؛ أي تضعُفون، فإنه كلما قل الأكل ضعُفت الشهوة، وكلما ضعفت الشهوة قلَّت المعاصي، وهذا وجه مجازيٌّ حسن[10].

 

ثامنًا: تزكية للبدن:

الصوم فيه تزكية للبدن، وتضييق لمسالك الشيطان؛ ولهذا ثبت في الصحيحين: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاء))[11].

 

تاسعًا: التقوى على العموم:

لأن الصيام كما قال عليه الصلاة والسلام: ((الصيام جنة))، و((وجاء))؛ أي: وقاية من المحرمات بكل أنواعها، وجميع أصنافها[12].

 

لذلك كانت فلسفة الصوم في الإسلام أشمل وأعمق من الجوع والعطش، الذي يُحِسُّ به الخلق جميعًا دون استثناء، فقد فرض الله تعالى الصيام في شعبان في السنة الثانية للهجرة؛ حيث يكون الصوم بشهر رمضان، وهو شهر نزل فيه القرآن، والقرآن نور، وهدًى، وبيان، ومنهاج، وشريعة، وعقيدة، وأخلاق، وصلاح، وإصلاح؛ فلا ينبغي هجرُه، ولا يجوز تركه قولًا بعدم قراءته، أو عملًا بالبعد عن أحكامه، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؛ أي: ما يربو على ثلاث وثمانين سنة هي أطول أعمار البشر، من حُرِم خيرها، فقد حرم الخير كله[13].

 

فالصيام ليس امتناعك عن الطعام، والشراب، والجماع فقط، بل هو امتناع عن الحرام بكل أنواعه على حد سواء، سواء أكان الحرام قولًا، أم فعلًا، أم عملَ القلب كالحقد، والغل، والحسد، والضغينة، والبغض، والكراهية، ومن أمثلة الحرام: الكذب، والغِيبة، والنميمة، وشهادة الزور، والبهتان، والظلم، والغَبن، والغِش، والتدليس، والسرقة، والزنا، وقطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، والاختلاس، وسرقة المال العام، وتخريب المرافق العامة، والشِّقاق، والنفاق، والرياء، والإيذاء، ونَهر الفقير، ودعُّ اليتيم، وعدم الإحساس بذوي الفاقة، وأرباب الحاجة، وأكل المال بالباطل، والاحتكار، والربا، والفحش بالقول، والفعل، والغلظة، وهجر القرآن، وترك الصلاة، والابتعاد عن ذكر الله تعالى... فربُّ رمضان هو رب شعبان، وشوال، ورب سائر العام[14]؛ فقد روى أبو هريرة: ((من لم يدَع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه))[15].

 

الصيام هو مراقبة لله تعالى في كل أقوالك، وجميع فِعالك، وسائر خصالك، ويتضح معنى الصيام جليًّا في الإحسان في العبادة والطاعة لله تعالى، التي تُثمر المراقبة المخلِصة لله في كل شيء؛ حيث روى أبو هريرة: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزًا يومًا للناس، فأتاه جبريل... قال: ما الإحسان؟ قال صلى الله عليه وسلم: أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))[16].

 

فقد سأل جبريل عليه السلام النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الإحسان، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: أن تعبد الله عبادةَ مَن يرى الله تعالى، ويراه الله تعالى؛ فإنك لا تستبقي شيئًا من الخضوع، والخشوع، والإخلاص، وحفظ القلب، والجوارح، ومراعاة الآداب الظاهرة والباطنة، ما دمتَ في عبادته، ونهاية مقام الإحسان: أن يعبد المؤمن ربه كأنه يراه بقلبه، فيكون مستحضرًا ببصيرته وفكرته لهذا المقام، فإن عجز عنه، وشقَّ عليه، انتقل إلى مقام آخر؛ وهو أن يعبد الله على أن الله يراه، ويطَّلع على سره وعلانيته، ولا يخفى عليه شيء من أمره.

 

الصيام رحمة، ولين، وشفقة، وإحساس نبيل، وسموٌّ بالنفس البشرية فوق مطالبها الحياتية[17].

 

الصيام كما يعوِّد الصبر على تحمُّل شهوة البطن من الجوع، والعطش، وشهوة الفرْج من البعد عن الجماع، وشهوة اللسان بالبعد عن سوء الكلام، وفحش المقال، وشهوة اليد بالبعد عن البطش، والظلم، والاعتداء، والسرقة، والاختلاس، وشهوة العين بالبعد عن النظر إلى ما حرم الله، وشهوة السمع بالابتعاد عن التنصت، واسترقاق السمع، والانشغال بالقيل والقال، وشهوة القدمين بالابتعاد بهما عن السير إلى كل خبيث ومنكر، ومنهيٍّ عنه - كذلك الصوم صبر على جميع المشاق، وتحمُّل لكل بلاء، وتصبُّر على كل ابتلاء، فهو نتاج لتربية فاضلة، وحصد لثمار تم بذرها بأرض خصبة، وتربة طيبة[18].

 

الصيام امتثال، وخضوع، وخشوع، وطاعة لله في كل أمر ونهي؛ فلا يفقِدك حيث أمرك، ولا يراك حيث نهاك[19].

 

الصيام إتقان للعمل، وسعيٌ على الرزق، وإخلاص بعمارة الكون، وليس تكاسلًا، ونومًا، ووخمًا؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه))[20].

 

الصيام قضاء لمصالح الناس بأتم وجه، وأقصى سرعة، وأفضل أداء دون كلَلٍ، أو ملل، أو إرهاق للناس بسائر المصالح، وكافة الدوائر؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ تُدخله على مسلم، تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشيَ مع أخ في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة شهرًا - ومن كظم غيظه ولو شاء أن يُمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه يوم القيامة رضًا، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له، ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام))[21].

 

الصيام هو تكاتف، وتكافل، وتضامن؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى))[22].

 

الصيام هو مدُّ يد العون للجميع، ومساعدة الكل بما تستطيع؛ فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نفَّس عن مسلم كربة من كُرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على مُعسر في الدنيا، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم في الدنيا، ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))[23].

 

الصيام، والقيام، وقراءة القرآن من صالح الأعمال، ومن أهم أسباب استحقاق الشفاعة بدخول الجنة؛ فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: أي رب، إني منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه؛ فيشفعان))[24].

 

فالصيام؛ أي: صيام رمضان، أو مطلق الصيام؛ الفرض، والتطوع، والقرآن؛ أي: قراءة القرآن، والقرآن هنا عبارة عن التهجد، والقيام به بالليل، كما عبر به عن الصلاة في قوله تعالى: ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ﴾ [الإسراء: 78]، يشفعان للعبد يوم القيامة شفاعةً حقيقيةً، كما دل عليه قوله: ((يقول الصيام: أي رب، إني منعته الطعام والشهوات بالنهار))؛ وذلك أن الصائم يمتنع عن الطعام، والشراب، والجماع من أذان الفجر إلى أذان المغرب، ((فشفعني فيه))؛ أي: فاقبل شفاعتي ووساطتي فيه، يقول القرآن: ((رب منعته النوم بالليل))؛ وذلك أن قائمَ الليل يمنع نفسه النوم إقبالًا على الله بصلاته، وطول القيام، وقرن بين الصيام والقيام هنا؛ لأن الصيام غالبًا يلازمه القيام فيه، ((فشفعني فيه))؛ أي: اقبل شفاعتي ووساطتي في حقه، ((فيشفعان))؛ أي: يقبل الله عز وجل شفاعتهما، وهذا دليل على عظمتهما.

 

لماذا كان ثواب الصوم عظيمًا؟

ويفضَّل الصوم بثوابه العظيم أن خصَّه الله بالإضافة إليه؛ كما ثبت في الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام؛ فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جُنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفُث ولا يصخَب، فإن سابَّه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده، لَخُلُوفُ فمِ الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرِح، وإذا لقيَ ربه فرِح بصومه))[25].

 

لماذا خص الله تعالى الصوم بكونه له، مع أن العبادات كلها له؟

وإنما خص الصوم بأنه له وإن كانت العبادات كلها له لأمرين، فاق الصوم بهما سائر العبادات:

أحدهما: أن الصوم يمنع من ملاذِّ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات.

 

الثاني: أن الصوم سرٌّ بين العبد وبين ربه لا يظهر إلا له؛ فلذلك صار مختصًّا به، وما سواه من العبادات ظاهر، ربما فعله تصنعًا، ورياء؛ فلهذا صار أخصَّ بالصوم من غيره[26].

 

ليتنا نعلم أن الصائم ضمن ثلاثة لا تُرَد دعوتهم؛ فنوقن بفضل الله العظيم، وثوابه العميم على الصائمين؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا تُرد دعوتهم: الصائم حتى يُفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، وتُفتح لها أبواب السماء، ويقول الربُّ: وعزتي لأنصرنَّكِ ولو بعد حين))[27].

 

ليتنا نعلم أن الصوم مكفِّر للذنوب، وماحٍ للخطايا، فنجتهد قدر طاقتنا، ومقدار استطاعتنا؛ فنفوز بعفو الله، ونستحق مغفرته ورضوانه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ((رغُم أنفُ رجلٍ ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يُغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكِبَر، أو أحدهما، فلم يُدخلاه الجنة))[28].

 

فرغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يُغفر له؛ أي: خاب وخسر، وذل وعجز، ولُصق أنفه بالتراب كلُّ من أدرك شهر رمضان، فكسل عن العبادة ولم يجتهد ويشمِّر، حتى انتهى الشهر، فلم يظفَر ببركة الشهر الكريم، ولم يُغفر له.

 

ليتنا نعلم أن فضل الصوم والإثابة عليه راجع إلى الله تعالى وحده، وأن جزاءه الجنة، وأن بها بابًا خاصًّا لدخول الصائمين يسمى الرَّيَّان؛ فعن سهل بن سعد الساعدي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون))[29].

 

ليتنا نعلم أن أبواب الجنة تُفتح في رمضان، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغل فيه الشياطين، فالفرصة بالاجتهاد في العبادة، والتقرب إلى الله تعالى سانحة؛ إذ خازن الجنة لأبوابها فاتح، وخازن النار لأبوابها مغلِق، وتُسلسل مردة الجن من الشياطين بالأغلال والأصفاد، فلا حجة لنا بالتكاسل، ولا عذر لنا بالتراخي والتواكل؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((لما حضر رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغل فيه الشياطين))[30].

 

ليتنا نعلم أن فضل إحياء ليلة القدر، التي تأتي في العشر الأواخر من رمضان يعدِل إحياء العمر كله بالطاعة لله، فكأن إحياء ليلة القدر هو إحياء للعمر بعد موت معنوي، بل إن إحياءها خير وأفضل، أو أن الطاعة فيها خير من ألف شهر مما ليست فيه ليلة القدر؛ فنجتهد بتحرِّيها في وتر العشر الأواخر من رمضان، فنحيا بإحيائها، ونفوز بقيامها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((لما حضر رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها، فقد حُرم))[31].

 

في رمضان ليلة هي خير من ألف شهر؛ وهي ليلة القدر، والمعنى: أن العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، ((من حُرم خيرها))؛ أي: من مُنع خيرها فلم يُوفَّق لإحيائها، والعبادة فيها، ((فقد حُرم))، أي: منع الخير كله، والمراد حرمان الثواب الكامل أو الغفران الشامل الذي يفوز به القائم في إحياء ليلها، وهذا دلالة على فخامة الجزاء؛ أي: فقد حرم خيرًا لا يُحَدُّ قدره[32].

 

ليتنا نعلم أن الطاعة في رمضان تفضُل عما سواها، وليس أدلَّ على ذلك من ثواب العمرة فيه؛ فتعدل حجَّة، وقيل: تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فهل هناك فضل كهذا؟ وهل يزِن ثواب كذاك الثواب؟ وهل هناك تشريف يعدل حجًّا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم؟

 

فعن عبدالله بن عباس قال صلى الله عليه وسلم: ((عمرة في رمضان تعدِل حجةً))[33].

 

وعن أنس بن مالك: ((عمرة في رمضان كحجة معي))[34].

 

وقد روى البخاري (1782) ومسلم (1256)، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: ((ما منعكِ أن تحجِّي معنا؟ قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان [بعيران]، فحج أبو ولدها وابنها على ناضح، وترك لنا ناضحًا ننضح عليه [نسقي عليه] الأرض، قال: فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرةً فيه تعدل حجةً))، وفي رواية لمسلم: ((حجة معي)).

 

وقد اختلف أهل العلم فيمن يحصل الفضيلة المذكورة في الحديث؛ على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن هذا الحديث خاصٌّ بالمرأة التي خاطبها النبي صلى الله عليه وسلم، وممن اختار هذا القول: سعيد بن جبير من التابعين، نُقل عنه[35].

ومما يستدل به لهذا القول ما جاء في حديث أم معقل أنها قالت: ((الحج حجة، والعمرة عمرة، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أدري ألي خاصةً؟))؛ تعني: أم للناس عامة؛ [رواه أبو داود (1989)، غير أن هذا اللفظ ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود].

 

القول الثاني: أن هذه الفضيلة يحصِّلها من نوى الحج فعجز عنه، ثم عوَّضه بعمرة في رمضان، فيكون له باجتماع نية الحج مع أداء العمرة أجرُ حجَّة تامة مع النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وذكر هذا القول شيخُ الإسلام ابن تيمية احتمالًا في مجموع الفتاوى (26/ 293، 294).

 

القول الثالث: ما ذهب إليه أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم، أن الفضل في هذا الحديث عام لكل من اعتمر في شهر رمضان، فالعمرة فيه تعدِل حجة لجميع الناس، وليس مخصوصًا بأشخاص أو بأحوال[36].

 

والأقرب من هذه الأقوال – والله أعلم - هو القول الأخير، وأن الفضل عام لكل من اعتمر في رمضان.

 

ليتنا نتعلم تلك الغايات، وهذه الدروس، وتلكم العظات البالغات من الصيام، فالفائدة كلها لنا نحن جميعًا؛ فالله غنيٌّ عنا، لا يزيده طاعة، ولا تنقصه معصية[37].



[1] الكاتب.

[2] رواه البيهقي في شعب الإيمان، وصححه، ورواه الحاكم.

[3] التفسير الميسر.

[4] تفسير الجلالين.

[5] تفسير السعدي.

[6] التفسير الوسيط.

[7] التفسير الوسيط.

[8] التفسير الوسيط.

[9] التفسير الوسيط.

[10] تفسير القرطبي.

[11] تفسير ابن كثير.

[12] ص373 - أرشيف ملتقى أهل الحديث - ما قاله المفسرون في معنى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] في آية الصيام - المكتبة الشاملة الحديثة.

[13] الكاتب.

[14] الكاتب.

[15] الراوي أبو هريرة، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الترمذي، الصفحة أو الرقم: 707، أخرجه البخاري (1903)، وأبو داود (2362)، والترمذي (707) واللفظ له، والنسائي في (السنن الكبرى) (3246)، وابن ماجه (1689)، وأحمد (10562).

[16] الراوي: أبو هريرة، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 50.

[17] الكاتب.

[18] الكاتب.

[19] الكاتب.

[20] الراوي: السيدة عائشة، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 1880، حسن.

[21] الراوي: عبدالله بن عمر، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الترغيب، الصفحة أو الرقم: 2623، حسن لغيره، أخرجه الطبراني في (المعجم الأوسط) (6026)، وأبو الشيخ في (التوبيخ والتنبيه) (97)، وقوام السنة الأصبهاني كما في (الترغيب والترهيب) للمنذري (3/ 265)، واللفظ له.

[22] الراوي: النعمان بن بشير، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 5849، صحيح، أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586)، واللفظ له.

[23] 1930- حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي قال: حدثني أبي، عن الأعمش، قال: حدثت، عن أبي صالح، وفي الباب عن ابن عمر، وعقبة بن عامر: هذا حديث حسن، وقد روى أبو عوانة، وغير واحد هذا الحديث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ولم يذكروا فيه حدثت عن أبي صالح؛ [صحيح، سنن الترمذي].

[24] الراوي: عبدالله بن عمرو، المحدث: الألباني، المصدر: هداية الرواة، الصفحة أو الرقم: 1904، خلاصة حكم المحدث: حسن، التخريج: أخرجه أحمد (6626)، وابن المبارك في (الزهد) (2/ 114)، والطبراني (14/ 72) (14672)، والحاكم (2036)، والديلمي في (الفردوس) (3815) باختلاف يسير.

[25] الراوي: أبو هريرة، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 1904.

[26] تفسير القرطبي.

[27] الراوي: أبو هريرة، المحدث: المنذري، المصدر: الترغيب والترهيب، الصفحة أو الرقم: 2/ 121، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما، التخريج: أخرجه الترمذي (3598) واللفظ له، وابن ماجه (1752)، وأحمد (8030).

[28] الراوي: أبو هريرة، المحدث: الألباني، المصدر: هداية الرواة، الصفحة أو الرقم: 887، خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن.

[29] الراوي: سهل بن سعد الساعدي، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 3257، خلاصة حكم المحدث: صحيح.

[30] الراوي: أبو هريرة، المحدث: شعيب الأرنؤوط، المصدر: تخريج المسند لشعيب، الصفحة أو الرقم: 9497، خلاصة حكم المحدث: صحيح، التخريج: أخرجه النسائي (2106)، وأحمد (9497) واللفظ له.

[31] الراوي: أبو هريرة، المحدث: شعيب الأرنؤوط، المصدر: تخريج المسند لشعيب، الصفحة أو الرقم: 9497، خلاصة حكم المحدث: صحيح، التخريج: أخرجه النسائي (2106)، وأحمد (9497) واللفظ له.

[32] الراوي: أبو هريرة، الألباني (ت: 1420)، صحيح النسائي (2105)، صحيح، أخرجه النسائي (4/ 129).

[33] أحمد شاكر (ت: 1377)، مسند أحمد (4‏/ 290)، إسناده حسن، أخرجه البخاري (1863)، ومسلم (1256)، وأبو داود (1990) باختلاف يسير، وابن ماجه (2994)، وأحمد (2808) واللفظ له.

[34] الألباني (ت: 1420)، صحيح الجامع (4098)، صحيح، أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 291) باختلاف يسير، والعقيلي في الضعفاء الكبير (4/ 345)، والطبراني (1/ 251) (725) واللفظ لهما.

[35] ابن حجر في فتح الباري (3/ 605).

[36] انظر: رد المحتار (2/ 473)، مواهب الجليل (3/ 29)، المجموع (7/ 138)، المغني (3/ 91)، الموسوعة الفقهية (2/ 144).

[37] الكاتب.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من فقه الصيام: الصيام أحكام ومسائل
  • رمضان... الصيام والتراويح
  • الصيام في شهر رجب ( الأحكام والفضائل بين السنة والاستحباب )
  • الصيام التطوعي في شهر شعبان (نصائح وتجارب)
  • فضل شهر شعبان وأهمية الصيام فيه
  • تيسير المنان في معرفة حكم الصيام بعد منتصف شعبان
  • أهمية الصيام في تزكية النفس رحلة تطهير الروح وترويض القلب
  • تأثير الصيام على الروح والجسد: يعيد الصيام التوازن النفسي والبدني

مختارات من الشبكة

  • صيام التطوع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين فلسفة التاريخ وتاريخ الفلسفة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فلسفة التاريخ عند الفيلسوف الألماني هيجل (1770م - 1831م)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دعوة لفهم حقيقة الصيام(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالله بن ضيف الله الرحيلي)
  • رمضان شهر الصيام.. لكن لماذا شرع الله الصيام؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من آداب الصيام: أن يقول الصائم إذا دُعي إلى الطعام: إني صائم(مقالة - ملفات خاصة)
  • من آداب الصيام: صيام ستة أيام من شوال بعد صيام شهر رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من آداب الصيام: أن يقول الصائم إذا شتم أو سب إني صائم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من آداب الصيام: الإكثار من الدعاء أثناء الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • من آداب الصيام: عدم الوصال في الصيام(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب