• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / فقه الصيام وأحكامه
علامة باركود

صوم التطوع

صوم التطوع
يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/4/2024 ميلادي - 22/9/1445 هجري

الزيارات: 1800

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صَوْمِ التَّطَوُّعِ

 

قَالَ الْمُصَنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "يُسَنُّ صِيامُ أَيَّامِ الْبِيضِ، وَالِاثْنَيْنِ وَالْخَميسِ، وَسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ، وَشَهْرِ الْمُحَرَّمِ وَآكَدُهُ الْعاشِرُ ثُمَّ التَّاسِعُ، وَتِسْعِ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ حاجٍّ بِهَا، وَأَفْضَلُهُ صَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ".

 

هُنَا ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللهُ - الصِّيامَ الْمَسْنونَ، وَذَكَرَ مِنَ الْأَيَّامِ الْمَسْنونِ صِيامُهَا مَا يَلِي:

أَوَّلًا:الْأَيَّامُ الْبِيضُ:

وَهَذَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللهُ - بِقَوْلِهِ: (يُسَنُّ صِيامُ أَيَّامِ الْبِيضِ).

 

وَقَدْ جاءَ الْحَثُّ عَلَى هَذِهِ بِلَفْظِ: صِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ:

- كَمَا فِي حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قالَ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثٍ -وَذَكَرَ مِنْهَا-: صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ»[1]، وَرُوِيَ مِثْلُهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-[2].

 

- وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قالَ لَهُ: «صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ»[3].

 

فَهَذِهِ الْأَحاديثُ ذَكَرَتْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ؛ سَواءً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ آخِرِهِ أَوْ مِنْ أَيِّ جُزْءٍ مِنْهُ. وَهَذَا أَيْضًا يُؤَيِّدُهُ حَديثُ عائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- لَمَّا سُئِلَتْ: «أَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقُلْتُ لَهَا: مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ»[4].

 

وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ: أَنْ تَكونَ هِيَ الْأَيَّامُ الْبِيضُ، وَهِيَ: ثَلاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ؛ وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ مِنَ الْأَحاديثِ الصَّحيحَةِ؛ مِنْهَا: حَديثُ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قالَ: قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ»[5].


وَسُمِّيَتْ بِيضًا: لِبَياضِهَا لَيْلًا بِالْقَمَرِ، وَنَهارًا بِالشَّمْسِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحيحُ، قالَهُ فِي الْإِنْصافِ[6].

 

ثانِيًا: الِاثْنَيْنُ وَالْخَميسُ:

وَهَذَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللهُ - بِقَوْلِهِ: (وَالِاثْنَيْنِ وَالْخَميسِ)؛ أي: وَيُسَنُّ صِيامُ الاِثْنَيْنِ وَالْخَميسِ؛ لِحَديثِ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: «ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»[7].

 

وَصَوْمُ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ آكَدُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ قَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ -أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ-»[8].

 

ثالِثًا:السِّتُّ مِنْ شَوَّالٍ:

وَهَذَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللهُ - بِقَوْلِهِ: (وَسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ)؛ أي: وَيُسَنُّ صِيامُ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ؛ وَهَذَا لِحَديثِ أَبِي أَيُّوبَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَرْفوعًا قالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»[9].

 

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ صِيامِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ:اسْتِحْبابُ صِيامِهَا.

وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَمَذْهَبُ عَامَّةِ الْحَنَفِيَّةِ[10].

 

الْقَوْلُ الثَّانِي:عَدَمُ اسْتِحْبابِ صِيامِهَا.

وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنيفَةَ، وَالْمالِكِيَّةُ[11].

 

وَالْعِلَّةُ فِي الْكَراهَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: مُشابَهَةُ أَهْلِ الْكِتابِ؛ حَيْثُ زادوا عَلَى صِيامِهِمُ الْمَشْروعِ. وَعِنْدَ مالِكٍ: أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ،يَصومُهَا وَلَمْ يَبْلُغْهُ عَنِ السَّلَفِ[12].

 

وَمَا ذَكَروهُ فَإِنَّهُ مُعارَضٌ بِالْأَحاديثِ الصَّحيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تُقابَلَ هَذِهِ الْأَحاديثُ بِمَا عَلَّلُوا بِهِ، فَإِنَّهَا مِنَ الظُّنونِ، وَهِيَ لَا تُقاوِمُ السُّنَّةَ الصَّحيحَةَ، وَمَنْ عَلِمَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُحافِظَ عَلَى صِيامِهَا.

 

وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرادَ صِيامَهَا أَمْرانِ:

الْأَمْرُ الْأَوَّلُ:تَتابُعُهَا.

الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنْ تَكونَ عَقِبَ الْعيدِ؛ لِمَا فيهِ مِنَ الْمُسارَعَةِ إِلَى الْخَيْرِ.

 

وَالصَّحيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ[13]: حُصولُ فَضيلَتِهَا بِصَوْمِهَا مُتَتابِعَةً، وَمُتَفَرِّقَةً؛ لِأَنَّ الْحَديثَ وَرَدَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ -وَاللهُ أَعْلَمُ-.


مَسْأَلَةٌ: هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُتِمَّ قَضاءَ رَمَضانَ قَبْلَ صِيامِهَا؛ حَتَّى يُحَصِّلَ الْعَبْدُ الْفَضْلَ الْمَذْكورَ؟

اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ:أَنَّ فَضيلَةَ صِيامِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ لَا تَحْصُلُ إِلَّا لِمَنْ قَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ أَيَّامِ رَمَضانَ الَّتِي أَفْطَرَهَا لِعُذْرٍ.

 

قَالُوا: لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»، وَإنَّمَا يَتَحَقَّقُ وَصْفُ صِيامِ رَمَضانَ لِمَنْ أَكْمَلَ الْعِدَّةَ؛ "لِأَنَّهَا مَعَ صِيامِ رَمَضانَ -جَميعِهِ-، وِإِلَّا لَمْ يَحْصُلِ الْفَضْلُ الْآتِي، وَإِنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ"[14].

 

الْقَوْلُ الثَّانِي:أَنَّ فَضيلَةَ صِيامِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ تَحْصُلُ لِمَنْ صامَهَا قَبْلَ قَضاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ أَيَّامِ رَمَضانَ الَّتِي أَفْطَرَهَا لِعُذْرٍ.

 

قالوا: لِأَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضانَ لِعُذْرٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صامَ رَمَضانَ حُكْمًا، فَإِذَا صامَ السَّتَّ قَبْلَ الْقَضاءِ حَصَلَ لَهُ ما رَتَّبَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْأَجْرِ عَلَى إِتْباعِ صِيامِ رَمَضانَ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ[15].

 

رابِعًا: شَهْرُ الْمُحَرَّمِ:

وَهَذَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللهُ - بِقَوْلِهِ: (وَشَهْرِ الْمُحَرَّمِ).

 

وَهَذَا لِمَا جاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قالَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ»[16].


خامِسًا: صَوْمُ تَاسُوعَاءَ وَعَاشُورَاءَ:

وَهَذَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللهُ - بِقَوْلِهِ: (وَآكَدُهُ: الْعاشِرُ، ثُمَّ التَّاسِعُ)؛ أَي: وَآكَدُ صَوْمِ الْمُحَرَّمِ: الْعاشِرُ ثُمَّ التاسِعُ.

 

وَالْكَلامُ هُنَا مِنْ وُجوهٍ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: مَشْروعِيَّةُ صَوْمِ الْعاشِرِ:

وَهُوَ آكَدُ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»[17].

 

الْوَجْهُ الثَّانِي: حُكْمُ صِيامِ يَوْمِ التَّاسِعِ مَعَ الْعاشِرِ:

يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصامَ مَعَ الْيَوْمِ الْعاشِرِ الْيَوْمُ التَّاسِعُ؛ لِحَديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنمها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قالَ: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»[18]. فَإِنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوَّلُ الشَّهْرِ صامَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ؛ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيَحْصُلَ لَهُ التَّاسِعُ وَالْعاشِرُ يَقينًا[19]. وَإِنْ لَـمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ أَنْ يَصومَ يَوْمًا قَبْلَهُ فَلْيَصُمْ يَوْمًا بَعْدَهُ؛ لِلْحَديثِ الْآتِي قَرِيبًا.

 

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: حُكْمُ إِفْرادِ صَوْمِ الْعاشِرِ وَحْدَهُ:

وَأَمَّا صَوْمُ الْعاشِرِ وَحْدَهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فِي حُكْمِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ إِفْرادَهُ بِالصَّوْمِ جائِزٌ وَلَيْسَ مَكْروهًا.

وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ[20].

 

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ إِفْرادَهُ بِالصَّوْمِ مَكْروهٌ.

وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ[21]، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلامِ الْإِمامِ أَحْمَدَ؛ كَمَا قالَ شَيْخُ الْإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَمُقْتَضَى كَلامِ الْإِمامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي حَنيفَةَ"[22].

 

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: الْحِكْمَةُ وَالْغَرَضُ مِنِ اسْتِحْبابِ صَوْمِ يَوْمِ التَّاسِعِ مَعَ الْعاشِرِ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ:

قالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "ذَكَرَ الْعُلَماءُ مِنْ أَصْحابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبابِ صَوْمِ تاسوعاءَ أَوْجُهًا:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرادَ مِنْهُ مُخالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصارِهِمْ عَلَى الْعاشِرِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي حَديثٍ رَواهُ الْإِمامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا»[23].

 

الثَّانِي: أَنَّ الْمُرادَ بِهِ وَصْلُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ؛ كَمَا نَهَى أَنْ يُصامَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ؛ ذَكَرَهُمَا الْخَطَّابِيُّ وَآخَرونَ.

 

الثَّالِثُ:الِاحْتِياطُ فِي صَوْمِ الْعاشِرِ خَشْيَةِ نَقْصِ الْهِلالِ، وَوُقوعِ غَلَطٍ؛ فَيَكونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعاشِرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ"[24].

 

تَنْبيهٌ: وَأَمَّا مَعْنَى تَكْفيرِ ذُنوبِ سَنَةٍ بِيَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَوْ سَنَتَيْنِ بِيَوْمِ عَرَفَةَ؛ فَسَيَأْتِي عِنْدَ الْحَديثِ عَنْ يَوْمِ عَرَفَةَ.

 

سادِسًا: صَوْمُ تِسْعِ ذي الْحِجَّةِ:

وَهَذَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللهُ - بِقَوْلِهِ: (وَتِسْعِ ذي الْحِجَّةِ).


وَالْكَلامُ هُنَا مِنْ وُجوهٍ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: فَضْلُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ:

قالَ ابْنُ قُدامَةَ - رَحِمَهُ اللهُ -: "أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ كُلُّهَا شَريفَةٌ مُفَضَّلَةٌ، يُضاعَفُ الْعَمَلُ فيهَا، وَيُسْتَحَبُّ الِاجْتِهادُ فِي الْعِبادَةِ فيهَا؛ لِحَديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»[25]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ القَدْرِ»[26]"[27].

 

الْوَجْهُ الثَّانِي: حُكْمُ صِيامِهَا:

يُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ؛ لِحَديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- مَرْفوعًا: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ»[28]، يَعْنِي: أَيَّامَ الْعَشْرِ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنينَ حَفْصَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قالَتْ: «أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: صِيَامُ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرُ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْغَدَاةِ»[29]، وَالْحَديثُ فيهِ مَقالٌ، لَكِنْ يَكْفينَا حَديثُ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-؛ لِأَنَّ صَوْمَهَا مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ.

 

وَأَمَّا حَديثُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- الَّذِي رَواهُ مُسْلِمٌ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ»[30] فَالْجَوابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعُمْدَةَ فِي هَذَا عَلَى الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ»[31]؛ فَإِذَا صامَ فَهُوَ عَلَى خَيْرٍ عَظيمٍ.

 

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ نُقِلَ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ أَزْواجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كانَ يَصُومُ، وَهَذَا مَحْمولٌ عَلَى أَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- صامَهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيانِ؛ فَلَمْ تَطَّلِعْ عَلَيْهِ عائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، أَوِ اطَّلَعَتْ عَلَيْهِ وَنَسِيَتْهُ، فَيُقالُ إِذًا: إِنَّ عَدَمَ رُؤْيَتِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْعَدَمَ[32]، وَاللهُ أَعْلَمُ.

 

وَأَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَشْرِ: يَومُ التَّاسِعِ، وَهُوَ: يَوْمُ عَرَفَةَ، ثُمَّ يَوْمُ الثَّامِنِ، وَهُوَ: يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحابُ[33].

 

سابِعًا: صِيامُ يَوْم ِعَرَفَةَ:

وَهَذَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللهُ - بِقَوْلِهِ: (وَيَوْمُ عَرَفَةَ لِغَيْرِ حاجٍّ).

 

وَالْحَديثُ هُنَا مِنْ وُجوهٍ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: سَبَبُ تَسْمِيَّتِهِ بِيَوْمِ عَرَفَةَ:

قالَ ابْنُ قُدامَةَ - رَحِمَهُ اللهُ -: "أَمَّا يَوْمُ عَرَفَةَ: فَهُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوُقوفَ بِعَرَفَةَ فيهِ. وَقيلَ: سُمِّيَ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ إِبْراهيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أُرِيَ فِي الْمَنامِ لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِذَبْحِ ابْنِهِ، فَأَصْبَحَ يَوْمَهُ يَتَرَوَّى، هَلْ هَذَا مِنَ اللهِ أَوْ حُلْمٌ؟ فَسُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَّةِ، فَلَمَّا كانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ رَآهُ أَيْضًا فَأَصْبَحَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَعَرَفَ أَنَّهُ مِنَ اللهِ، فَسُمِّيَ يَوْمَ عَرَفَةَ"[34].

 

الْوَجْهُ الثَّانِي: مَشْروعِيَّةُ صِيامِ يَوْمِ عَرَفَةَ:

يُشْرَعُ صِيامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَهِيَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَشْرِ وَآكَدُهَا؛ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو قَتادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ»[35]، وَهَذَا لِغَيْرِ حاجٍّ بِمَكَّةَ.

 

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: حُكْمُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحاجِّ:

لَا يُسْتَحَبُّ لِلْحاجِّ أَنْ يَصومَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَفِطْرُهُ أَفْضَلُ.

 

وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحابُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

 

- لِحَديثِ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحارِثِ الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحيحَيْنِ، وَفيهِ: «أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ، فَشَرِبَهُ»[36].

 

- وَلِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ»[37]، وَهُوَ حَديثٌ ضَعيفٌ؛ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ: مَهْدِيٌّ الْهَجَرِيُّ، وَهُوَ مَجْهولٌ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الزَّادِ، وَابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى[38]، وَلَا يَصِحُّ أَنْ نُثْبِتَ بِهِ حُكْمَ تَحْريمِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ عَلَى الْحاجِّ، تَمَسُكًّا بِظاهِرِ النَّهْيِ.

 

وَعَلَى كُلٍّ: فَيُمْكِنُ تَلْخيصُ الْخِلافِ فِي صِيامِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحاجِّ فِي أَقْوالٍ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: كَراهَةُ صِيامِهِ.

وَهَذَا مَذْهَبُ بَعْضِ الْأَصْحابِ مِنَ الْحَنابِلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمالِكِيَّةِ، وَقَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ[39].


وَنَقَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ -[40]عن شَيْخِهِ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمُ عيدٍ لِأَهْلِ عَرَفَةَ؛ لِاجْتِماعِهِمْ فيهِ كَاجْتِماعِ النَّاسِ يَوْمَ الْعيدِ، وَهَذَا الِاجْتِماعُ يَخْتَصُّ بِمَنْ بِعَرَفَةَ دونَ أَهْلِ الْآفاقِ، قالَ: وَقَدْ أَشارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِلَى هَذَا فِي الْحَديثِ الَّذِي رَواهُ أَهْلُ السُّنَنِ: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ»[41].

 

الْقَوْلُ الثَّانِي: جَوازُ صِيامِهِ.

وَقَدْ نُقِلَ عَنْ عائِشَةَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّهُمَا كانا يَصومانِهِ[42].

 

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ وَالْأَفْضَلَ تَرْكُ صِيامِهِ؛ لِيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى الدُّعاءِ.

وَهَذَا مَذْهَبُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ[43].

 

وَيُمْكِنُ أَنْ يَدْخُلَ فِي هَذَا الْقَوْلِ: قَوْلُ مَنْ قالَ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِصِيامِهِ إِذَا لَمْ يُضْعِفْ عَنِ الدُّعاءِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ[44]، وَنُقِلَ عَنْ قَتادَةَ، وَنُقِلَ أَيْضًا عَنَ عَطاء: أَنَّهُ قالَ: "أَصومُ فِي الشِّتاءِ، وَلَا أَصومُ فِي الصَّيْفِ"[45]؛ لِأَنَّ كَراهَةَ صَوْمِهِ إِنَّمَا هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالضَّعْفِ عَنِ الدُّعاءِ، فَإِذَا قَوِيَ عَلَيْهِ، أَوْ كانَ فِي الشِّتاءِ لَمْ يُضْعِفْ، فَتَزولُ الْكَراهَةُ.

 

تَنْبيهٌ: وَعَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: إِذَا عَدِمَ الْمُتَمَتِّعُ وَالْقارِنُ الْهَدْيَ، فَإِنَّهُ يَصومُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ؛ ثَلاثَةٌ فِي الْحَجِّ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكونَ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ عِنْدَ الْأَصْحابِ، وَهُوَ الْمَشْهورُ عَنِ الْإِمامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمالِكِيَّةِ[46]، وَسَيَأْتِي.

 

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: وَجْهُ كَوْنِ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ، وَعَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً واحِدَةً:

قالَ الدَّميرِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -:"وَإِنَّمَا كانَ عَرَفَةُ بِسَنَتَيْنِ وَعَاشُورَاءَ بِسَنَةٍ؛ لِأَنَّ عَرَفَةَ خَصَّهُ اللهُ تَعَالَى بِضِيافَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَعَاشُورَاءَ يَشْرُكُهَا فيهِ غَيْرُهَا. وَأَيْضًا: عَرَفَةُ يَوْمٌ مُحَمَّدِيٌّ، وَعَاشُورَاءَ يَوْمٌ مُوسَوِيٌّ، وَنَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَفْضَلُ الْأَنْبِياءِ فَكانَ يَوْمُهُ بِسَنَتَيْنِ"[47].

 

الْوَجْهُ الْخامِسُ: مَعْنَى تَكْفيرِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِسَنَتَيْنِ:

قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "قَوْلُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فِي يَوْمِ عَرَفَةَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْماضِيَةَ وَالْمُسْتَقْبَلَةَ؛ قالَ الْماوَرْدِيُّ فِي الْحاوِي[48]: فيهِ تَأْويلانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ ذُنوبَ سَنَتَيْنِ. وَالثانِي: أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَعْصِمُهُ فِي هاتَيْنِ السَّنَتَيْنِ فَلَا يَعْصي فيهِمَا. وَقالَ السَّرَخْسِيُّ: أَمَّا السَّنَةُ الْأولَى فَتُكَفِّرُ مَا جَرَى فيهَا. قالَ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فِي مَعْنَى تَكْفيرِ السَّنَةِ الْباقِيَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ. وَقالَ بَعْضُهُمْ: مَعْناهُ: إِذَا ارْتَكَبَ فيهَا مَعْصِيَةً جَعَلَ اللهُ تَعَالَى صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ الْماضِي كَفَّارَةً لَهَا؛ كَمَا جَعَلَهُ مُكَفِّرًا لِمَا فِي السَّنَةِ الْماضِيَةِ. وَقالَ بَعْضُهُمْ: مَعْناهُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَعْصِمُهُ فِي السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ عَنِ ارْتِكابِ ما يَحُتاجُ فيهِ إِلَى كَفَّارَةٍ. وَقالَ صاحِبُ الْعُدَّةِ: فِي تَكْفيرِ السَّنَةِ الْأُخْرَى يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْمُرادُ: السَّنَةُ الِّتِي قَبْلَ هَذِهِ، فَيكَونُ مَعْناهُ: أَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ ماضِيَتَيْنِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرادَ سَنَةً ماضِيَةً وَسَنَةً مُسْتَقْبَلَةً -قالَ:- وَهَذَا لَا يوجَدُ مِثْلُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعِباداتِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ الزَّمانَ الْمُسْتَقْبَلَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ خاصٌّ لِرَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- غَفَرَ اللهُ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزيزِ"[49].

 

الْوَجْهُ السَّادِسُ: قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: هَلْ تُكَفِّرُ الذُّنُوبَ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ أَمْ تُكَّفِرُ الصَّغَائِرَ فَقَطْ؟

وَالْجَوَابُ كَمَا قالَ الْجُوَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: " كُلُّ مَا يَرِدُ فِي الْأَخْبَارِ مِنْ تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ فَهُوَ عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَى الصَّغَائِرِ دُونَ الْموبِقاتِ"[50]. قالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - مُعَلِّقًا عَلَى كَلامِهِ: "وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحيحِ ما يُؤَيِّدُهُ؛ فَمِنْ ذَلِكَ حَديثُ عُثْمانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ؛ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يَؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ»[51]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قالَ: «الصَّلَاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ»[52]"[53].

 

ثَامِنًا: صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطارُ يَوْمٍ:

وَهَذَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللهُ - بِقَوْلِهِ: (وَأَفْضَلُهُ صَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ)؛ أي: وَأَفْضَلُ الصِّيامِ: صِيامُ يَوْمٍ وَإِفْطارُ يَوْمٍ، وَهَذَا هُوَ صِيامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ؛ كانَ يَصومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا؛ فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ، فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ»[54].



[1] أخرجه البخاري (1981)، ومسلم (721).

[2] أخرجه أحمد (27481)، وصححه ابن خزيمة (1221).

[3] أخرجه البخاري (1976، 3418)، ومسلم (1159).

[4] أخرجه مسلم (1160).

[5] أخرجه الترمذي (761)، وحسنه، والنسائي (2422).

[6] انظر: الإنصاف، للمرداوي (7/ 516).

[7] أخرجه أحمد (21753)، والنسائي (2358).

[8] أخرجه مسلم (1162).

[9] أخرجه مسلم (1164).

[10] انظر: تبيين الحقائق (1/ 332)، والمجموع، للنووي (6/ 378)، والمغني، لابن قدامة (3/ 176).

[11] انظر: المحيط البرهاني (2/ 393)، وبداية المجتهد (2/ 71).

[12] انظر: حاشية الطحطاوي (ص: 640)، وموطأ مالك (3/ 447).

[13] انظر: الإنصاف، للمرداوي (7/ 518).

[14] تحفة المحتاج، للهيتمي (3/ 456).

[15] انظر: أسنى المطالب في شرح روض الطالب (1/ 431)، وحاشية الجمل على شرح المنهج (2/ 351).

[16] أخرجه مسلم (1163).

[17] أخرجه مسلم (1162).

[18] أخرجه مسلم (1134).

[19] انظر: المغني، لابن قدامة (3/ 178).

[20] انظر: الرسالة، للقيرواني (ص:148)، وتحفة المحتاج، للهيتمي (3/ 455)، والمبدع، لابن مفلح (3/ 49).

[21] انظر: فتح القدير، للكمال (2/ 303)، ودرر الحكام (1/ 197).

[22] الفتاوى الكبرى (5/ 378).

[23] أخرجه أحمد (2154)، وصححه ابن خزيمة (2095).

[24] المجموع شرح المهذب (6/ 383).

[25] أخرجه البخاري (969)، وأبو داود (2438)، والترمذي (757)، واللفظ له، وابن ماجه (1727).

[26] أخرجه الترمذي (758)، وقال: "هذا حديث غريب".

[27] المغني، لابن قدامة (3/ 179)، بتصرف يسير.

[28] تقدم تخريجه.

[29] أخرجه أحمد (26459)، والنسائي (2416)، وصححه ابن حبان (6422).

[30] أخرجه مسلم (1176).

[31] تقدم تخريجه.

[32] انظر: المجموع، للنووي (6/ 387).

[33] ينظر: الإنصاف (3/ 345).

[34] المغني، لابن قدامة (3/ 178).

[35] أخرجه مسلم (1162).

[36] أخرجه البخاري (1988)، ومسلم (1123).

[37] أخرجه أبو داود (2440).

[38] انظر: زاد المعاد (1/ 61)، والمحلى (4/ 439).

[39] انظر: منحة السلوك في شرح تحفة الملوك (ص: 279)، والقوانين الفقهية (ص: 78)، والمجموع، للنووي (6/ 380).

[40] زاد المعاد (1/ 61).

[41] أخرجه أحمد (17379)، وأبو داود (2419)، والترمذي (773)، والنسائي (3004)، وصححه ابن خزيمة (2100)، وابن حبان (3603)، والحاكم (1586).

[42] انظر: الإشراف، لابن المنذر (3/ 155).

[43] انظر: التبصرة، للخمي (2/ 816)، والحاوي الكبير (3/ 472).

[44] انظر: المجموع، للنووي (6/ 380).

[45] انظر: المغني، لابن قدامة (3/ 179).

[46] انظر: الإنصاف، للمرداوي (8/ 392)، والتجريد، للقدوري (4/ 1757).

[47] النجم الوهاج في شرح المنهاج (3/ 355). وانظر: المبدع في شرح المقنع (3/ 50).

[48] الحاوي الكبير (3/ 472).

[49] المجموع، للنووي (6/ 381).

[50] نهاية المطلب (4/ 73).

[51] أخرجه مسلم (228).

[52] أخرجه مسلم (233).

[53] المجموع شرح المهذب، للنووي (6/ 382).

[54] أخرجه البخاري (1976)، ومسلم (1159).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العمل التطوعي في الإسلام
  • أهمية العمل التطوعي (خطبة)
  • صيام التطوع
  • غير حياتك بالعمل التطوعي
  • أحكام صيام التطوع
  • مسائل متفرقة في صيام التطوع
  • صيام التطوع

مختارات من الشبكة

  • صوم التطوع(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • شرح متن الدرر البهية: كتاب الصيام(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • وقفات رمضانية (7) الموسم الرابع(مقالة - ملفات خاصة)
  • (صوم التطوع وما نهي عن صومه) من بلوغ المرام(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • حكم صيام عاشوراء لمن عليه قضاء من رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • صوم التطوع من تمام المنة(مقالة - ملفات خاصة)
  • مظاهر اليسر في الصوم (4) النهي عن صوم الأبد(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • (احتساب سبعين نية لصوم رمضان) من كتاب (بذل الجنان في احتساب سبعين نية لصوم رمضان: ج1)(مقالة - ملفات خاصة)
  • صوم الدهر (الصيام كل يوم - سرد الصوم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل تكميل فرائض العبادات بنوافلها وعبادة الصوم والصوم في المحرم(محاضرة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب