• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مقالات
علامة باركود

وقفات بعد رمضان

وقفات بعد رمضان
نجلاء جبروني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/8/2017 ميلادي - 3/12/1438 هجري

الزيارات: 64786

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وقفات بعد رمضان

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جلَّ عن الشبيه والمثيل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله أرسله ربه رحمة للعالمين وحجة على الخلق أجمعين؛ فهدى الله به من الضلالة وبصَّر به من الجهالة، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطبيين وأصحابه الغرِّ الميامين، اللهم اجعلنا من صالحي أمته واحشرنا يوم القيامة في زمرته.

 

أما بعد... كنا قبل أيام نتكلم عن استقبال شهر رمضان، فكان كما وصف الله عز وجل: ﴿ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة:184]. فكانت أيامًا معدودات مَرَّت بأنوارها وصلاتها وصيامها وقيامها.

كانت أيامُه ولياليه بين أيدينا، وملء أسماعِنا وأبصارِنا حتى انقضت ومرت مرَّ السحاب.

 

الزمان يجري بسرعة والدنيا قد أوشكت على الانتهاء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ)[1].

وهكذا ينقلنا الليل والنهار رغْمًا عنَّا من حالٍ إلى حال، لا ندري متى يأتينا الموت؟ لكننا على يقين أننا نقترب منه كل يوم وليلة، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ فاطر (5).

 

وهكذا يرحلُ كلُّ واحدٍ مِنَّا وترحلُ أيامُه ولياليه كما رحلت أيام وليالي هذا الشهر الكريم.

وإن انتهى رمضان بما فيه من فضائل وخيرات، فإن فضائل الطاعة وخيرات العبادة لا تنتهي ولا تنقطع إلا بالممات.

من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد وَلَّى وفات، و من كان يعبد الله في رمضان فإن الله حي لا يموت.

مضى رمضان ولكن... ماذا بعد رمضان؟!!


وقفات بعد رمضان...

الوقفة الأولى: ماذا تعلمنا من رمضان؟!!

علمني رمضان المحافظة على الصلوات الخمس؛ خاصة صلاة الفجر: الصلاة أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة فإن صلحت صلح سائرُ عملِه وإن فسدت فسد سائر عمله، أولُ ركنٍ عمليٍّ من أركان الإسلام، أمرنا الله بالحفاظ عليها وأوصانا بها، قال تعالى:  ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238].

الصلاة الوسطى: العصر أو الفجر.

 

قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم -: (مَن صلى البَرْدين، دخل الجنة)[2]، و قال أيضًا:(مَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ)[3].

وجدت نفسي في رمضان أحافظ على الصلوات في أوقاتها، إنها أحب الأعمال إلى الله؛ عنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: (الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا) [4].

الصلاةُ هي الصلةُ بين العبدِ وربِّه، كيف يعيش إنسان وقد قطع صلته بالله؟

فمن يدعو ومن يرجو؟ وبمن يستعين في الشدة ولمن يلجأ عند الحاجة؟

 

علمني رمضان الحرص على النوافل والسنن الرواتب:

واظبت على اثنتي عشرة ركعة في كل يوم وليلة، يا لسعادتي وأنا أصليها وأمتثل قول الله -عز وجل-: (وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) [5].

 

أي يكون مسددًا في هذه الأعضاء، يسدده الله في سمعه؛ فلا يسمع إلا ما يرضي الله وفي بصره فلا ينظر إلا إلى ما يحبه الله، و في يده فلا يعمل بيده إلا ما يرضي الله، لا تمشي رجلاه إلا إلى ما يرضي الله، هذا من ثمرات حب الله للعبد؛ تسديده وتوفيقه للخير، و كذلك من هذه الثمرات محبة جبريل، محبة أهل السماء وأن يوضعَ له القبول في الأرض، عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم-: " إذا أحَبَّ اللهُ عبدًا نادَى جِبريلَ: إنَّ اللهَ يُحِبُّ فلانًا فأحِبَّه، فيُحِبُّه جِبريلُ، فيُنادِي جِبريلُ في أهلِ السماءِ: إنَّ اللهَ يُحِبُّ فلانًا فأحِبُّوه، فيُحِبُّه أهلُ السماءِ ثمَّ يُوضَعُ لهُ القَبولُ في الأرضِ " [6]

 

إذا أحبك الله لم يعذبك، قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّـهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ﴾ سورة المائدة (18).

إذا أحبك عسَّلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله عبدًا عَـسَّله، قال: يا رسول الله وما عَسَّله؟ قال: يوفق له عملاً صالحاً بين يدي أجله)[7].

فمن علامات حب الله لعبده المؤمن أن يوفقه للموت على عمل صالح.

 

واظبت على صلاة الضحى صلاة الأوابيين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يُحَافِظُ عَلَى صَلاةِ الضُّحَى إِلا أَوَّابٌ)[8].

حافظت على صلاة الوتر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)[9].

واظبت على قيام الليل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ)[10]، قال صلى الله عليه و سلم:(أتاني جبريلُ، فقال: يا مُحمَّدُ! عِشْ ما شِئتَ فإنَّك مَيِّتٌ، وأحْبِبْ من شِئتَ فإنَّكَ مُفارِقُه، واعمَل ما شِئتَ فإنَّك مَجْزِيٌّ بهِ، واعلَم أنَّ شرفَ المؤمنِ قيامُه باللَّيلِ، وعِزُّه استِغناؤُه عن النَّاسِ)[11].

 

علمني رمضان أن شرع الله هو النجاة:

رأيت فيه من البركات والنفحات، أُعْطِيَ الفقيرُ مرةً ومرتين، وهذا احدى بركات العمل بطاعة الله، قال تعالى: ﴿ وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ ﴾ سورة الأعراف (96).

طاعة الله، الحياة الطيبة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة، قال تعالى: ﴿ مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ ﴾ سورة النحل (97).

 

علمني رمضان التراحم والترابط والمواساة [12]:

أحْسَسْتُ بمعاناة الفقير، ليس فقط في رمضان بل في كل الأيام، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَان وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ)[13].

نحن أمة الجسد الواحد، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)[14].

المسلم أخو المسلم كأخوة النسب أو أشد.

علمنا رمضان تفطير الصائمين وتعهد الأرامل والمساكين، هكذا كان نبينا -صلى الله عليه وسلم-؛ كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن.

 

علمني رمضان الولاء والبراء:

أن الأخوة لا تكون إلا بين المسلم وأخيه المسلم، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ سورة الحجرات (10).

محبَّتُك ونُصْرتُك وَوَلاؤك ونُصْحُك وتعاوُنُك يكون للمسلمين، قال تعالى:  ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ سورة المائدة (55).


وأن البغض والعدواة والبراء يكون من الكافرين، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ ﴾ سورة الممتحنة (1)، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ سورة المائدة (51)، ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ سورة الممتحنة (4).


ولذلك أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -أن نخالف المشركين.

أمرنا بالسحور (إِنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ)[15].

أمرنا عند صيام عاشوراء أن نضم إليه التاسع مخالفة اليهود.

وفي الصلاة نهانا أن نصلى عند طلوع الشمس لأنها تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها كل كافر.

أمرنا أن نخالف المشركين في الظاهر كما خالفناهم في الباطن، قال صلى الله عليه وسلم: ("أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى")[16].

 

نهانا أن نشاركهم في أعيادهم الشركية واعتقادتهم المحرفة، نهانا أن نهنئهم بأعيادهم أو أن نحتفل معهم، "فلا يجوز لأحد من المسلمين مشاركة أهل الكتاب في الاحتفال بعيد الكريسمس "أول السنة الميلادية" ولا تهنئتهم بهذه المناسبة لأن العيد من جنس أعمالهم التي هي دينهم الخاص بهم، أو شعار دينهم الباطل، وقد نهينا عن موافقتهم في أعيادهم، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع:

1- أما الكتاب: فقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ﴾ [الفرقان:72].

قال مجاهد في تفسيرها: إنها أعياد المشركين، وكذلك قال مثله الربيع بن أنس، والقاضي أبو يعلى والضحاك.

 

وقال ابن سيرين: الزور هو الشعانين، والشعانين: عيد للنصارى يقيمونه يوم الأحد السابق لعيد الفصح ويحتفلون فيه بحمل السعف، ويزعمون أن ذلك ذكرى لدخول المسيح بيت المقدس كما في اقتضاء الصراط المستقيم 1 / 537، والمعجم الوسيط1 / 488.

ووجه الدلالة هو أ نه إذا كان الله قد مدح ترك شهودها الذي هو مجرد الحضور برؤية أو سماع، فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك من العمل الذي هو عمل الزور، لا مجرد شهوده.

 

2- وأما السنة: فمنها حديث أَنَسٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: "قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا؛ فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ".[17]رواه أبو داود، وأحمد، والنسائي على شرط مسلم.

ووجه الدلالة أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما...... والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه، وقوله صلى الله عليه وسلم: خيراً منهما. يقتضي الاعتياض بما شرع لنا عما كان في الجاهلية.

 

3- وأما الإجماع: فمما هو معلوم من السير أن اليهود والنصارى ما زالوا في أمصار المسلمين يفعلون أعيادهم التي لهم، ومع ذلك لم يكن في عهد السلف من المسلمين من يشركهم في شيء من ذلك، وكذلك ما فعله عمر في شروطه مع أهل الذمة التي اتفق عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم: أن أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، وإنما كان هذا اتفاقهم على منعهم من إظهارهم، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها! أو ليس فعل المسلم لها أشد من إظهار الكافر لها؟

 

وقد قال عمر رضي الله عنه: إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم فإن السخطة تتنزل عليهم. رواه أبو الشيخ الأصبهاني والبيهقي بإسناد صحيح.

وروى البيهقي أيضاً عن عمر أيضاً قوله: اجتنبوا أعداء الله في عيدهم.

 

قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله -: "وهذا عمر نهى عن تعلم لسانهم، وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم عيدهم، فكيف بفعل بعض أفعالهم؟! أو فعل ما هو من مقتضيات دينهم؟ أليست موافقتهم في العمل أعظم من الموافقة في اللغة؟! أو ليس عمل بعض أعمال عيدهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم؟! وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم، فمن يشركهم في العمل أو بعضه أليس قد تعرض لعقوبة ذلك؟ ثم قوله: واجتنبوا أعداء الله في عيدهم. أليس نهياً عن لقائهم والاجتماع بهم فيه؟ فكيف عن عمل عيدهم "[18]

و الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله فيها: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ﴾ [المائدة:48].

 

قال ابن تيمية - رحمه الله -: " فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل إن الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه " [19].

 

وقال أيضاً: ثم إن عيدهم من الدين الملعون هو وأهله، فمواقتهم فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه....

فإن قال قائل: إن أهل الكتاب يهنئوننا بأعيادنا فكيف لا نهنأهم بأعيادهم معاملة بالمثل وردًا للتحية وإظهارًا لسماحة الإسلام..... إلخ.؟

فالجواب: أن يقال: إن هنئونا بأعيادنا فلا يجوز أن نهنئهم بأعيادهم لوجود الفارق، فأعيادنا حق من ديننا الحق، بخلاف أعيادهم الباطلة التي هي من دينهم الباطل، فإن هنئونا على الحق فلن نهنئهم على الباطل.

 

ثم إن أعيادهم لا تنفك عن المعصية والمنكر وأعظم ذلك تعظيمهم للصليب وإشراكهم بالله تعالى وهل هناك شرك أعظم من دعوتهم لعيسى عليه السلام بأنه إله أو ابن إله، تعالى الله عما يقولون عُلوًّا كبيرًا، إضافة إلى ما يقع في احتفالاتهم بأعيادهم من هتك للأعراض واقتراف للفواحش وشرب للمسكرات ولهو ومجون، مما هو موجب لسخط الله ومقته، فهل يليق بالمسلم الموحد بالله رب العالمين أن يشارك أو يهنئ هؤلاء الضالين بهذه المناسبة؟!". [20]

وكذلك لا يجوز للمسلم أن يحتفل بما يسمى بـ (عيد شم النسيم) و هو من أعياد الفراعنة، ثم نقله عنهم اليهود، ثم انتقل إلى النصارى بعد ذلك وترجع ‏تسمية "شم النسيم" إلى الكلمة الفرعونية (شمو) وهي كلمة هيروغليفية، ويرمز بها عند ‏قدماء المصريين إلى بعث الحياة، وكانوا يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان، وفيه بدأ ‏خلق العالم.

 

وأضيفت كلمة (النسيم) إليه لارتباط هذا اليوم باعتدال الجو، حيث تكون ‏بداية الربيع. ثم جاء اليهود من المصريين - على عهد سيدنا موسى عليه ‏السلام- و أخذوا عن الفراعنة المصريين احتفالهم بهذا العيد، وجعلوه رأسًا للسنة العبرية، ‏وأطلقوا عليه اسم " عيد الفصح" والفصح: كلمة عبرية تعني: (الخروج أو العبور) ‏وذلك أنه كان يوم خروجهم من مصر، على عهد سيدنا موسى عليه السلام. و معلوم أن من أعياد النصارى ما يسمى بـ: "عيد يوم القيامة" والذي يرمز إلى قيام المسيح ‏من قبره - كما يزعمون - فلما دخلت النصرانية مصر أصبح عيدهم يلازم عيد المصريين القدماء - الفراعنة - فيقع شم النسيم دائماً في اليوم التالي لعيد الفصح أو عيد القيامة، فالنصارى كانوا ولا يزالون ‏يحتفلون بعيد الفصح (أو عيد القيامة) في يوم الأحد، ويليه مباشرة عيد شم النسيم يوم ‏الاثنين.

 

ومن مظاهر الاحتفال بعيد (شم النسيم) أن الناس يخرجون إلى الحدائق ‏والمتنزهات بمن فيهم النساء والأطفال، ويأكلون الأطعمة وأكثرها من البيض، والفسيخ (‏السمك المملح) وغير ذلك، فأكل السمك والبيض ‏ناشئ عن تحريمهما عليهم أثناء الصوم الذي ينتهي بعيد القيامة (الفصح) حيث يمسكون ‏في صومهم عن كل ما فيه روح أو ناشئ عنه، كما أن من العادات تلوين البيض بالأحمر، ‏و كانوا يرمزون بذلك إلى دم المسيح (المصلوب) حسب اعتقادهم الباطل المناقض ‏للقرآن الكريم، وإجماع المسلمين المنعقد على عدم قتل المسيح وعدم صلبه، وأنه رفع إلى ‏السماء كما يقول الله جل وعلا في محكم كتابه: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ ‏مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ‏مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً ﴾ [النساء:157]‏

﴿ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾ [النساء:158]

ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى صباغة البيض بمختلف الألوان التي أصبحت الطابع المميز لأعياد شم النسيم والفصح.

 

وكذلك الخروج إلى الحدائق والمتنزهات مبني على عقيدة عندهم؛ فالحدائق رمز لفتح أبواب الفردوس (الجنة) بعد قيامة المسيح -على اعتقادهم الباطل- فلا يجوز للمسلم مشاركة النصارى وغيرهم في الاحتفال بشم النسيم ‏وغيره من الأعياد الخاصة بالكفار، كما لا يجوز تلوين البيض في أعيادهم، ولا التهنئة ‏للكفار بأعيادهم، وإظهار السرور بها، كما لا يجوز تعطيل الأعمال من أجلها لأن هذا من ‏مشابهة أعداء الله المحرمة ومن التعاون معهم على الباطل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه ‏وسلم أنه قال: « من تشبه بقوم فهو منهم »[21]

قال الحافظ الذهبي - رحمه الله-:(فإذا كان للنصارى عيد ولليهود عيد كانوا مختصين به فلا يشركهم فيه مسلم كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم).

 

قال ابن القيم - رحمه الله-: (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل: أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنـزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو لا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه) أ.هـ [22].

 

ولا تعني البراءة من المشركين منهم ظلمهم أو إيذائهم أو التعدي عليهم، وإنما يجب معاملتهم بالإحسان، قال تعالى: ﴿ لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ سورة الممتحنة (8).

يجوز البيع والشراء منهم، والنبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي، وقبل هدية يهودية (الشاة المسمومة)، وكان عمر يهدي جاره اليهودي عندما يذبح شاة أو غيرها، و يجوز كذلك مساعدتهم وإنقاذهم ويجب المحافظة على دمائهم وأعراضهم والدفاع عنهم، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ آذَى ذِمِّيًّا فَأَنَا خَصْمُهُ)[23]، (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)[24].

 

علمني رمضان أنه لا صلاح للقلوب إلا بالقرآن [25]:

قال تعالى:  ﴿ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ المائدة (15، 16)، ﴿ إِنَّ هذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبيرًا ﴾ الإسراء (9).


هذا الكتاب شرفنا وعزنا، قال تعالى: ﴿ لَقَد أَنزَلنا إِلَيكُم كِتابًا فيهِ ذِكرُكُم أَفَلا تَعقِلونَ ﴾ الأنبياء (10)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ)[26]. يرفع من آمن به وصدَّق بما فيه وعمل به واتبع هداه، ويضع من لم يؤمن به وأعرض عنه وهجره، قال تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشقى * وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى ﴾ طه (123، 124). القرآن يشفع لك يوم القيامة، يكون رفيقا لك في قبرك، يدافع عنك ويرفع عنك العذاب، ينتظرك حين ينشق عنك القبر يقول لك: (أنا صاحبك القرآن)، يظلك في ساحة القيامة، عن بُرَيْدَةَ بن الحصيب الأسلمي - رضي الله عنه قال: " كنتُ جالِسًا عندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسمِعْتُهُ يقولُ تعلَّمُوا البقرةَ فإنَّ أخْذَها بَرَكَةً وتَرْكَهَا حَسْرَةً ولَا يستطيعُها البطَلَةُ قال ثمَّ سَكَتَ ساعَةً ثمَّ قال تعلَّمُوا البقرةَ وآلَ عمرانَ فإنَّهما الزهراوانِ يُظِلَّانِ صاحِبَهما يومَ القيامةِ كأنَّهما غمامتانِ أو غيابَتانِ أو فِرْقانِ من طيرٍ صوافٍّ وإنَّ القرآنَ يَلْقَى صاحِبَهُ يَومَ القيامةِ حينَ ينشقُّ عنه قبرُهُ كالرَّجلِ الشاحبِ فيقولُ هلْ تَعْرِفُنِي فيقولُ ما أعْرِفُكَ فيقولُ أنا صاحِبُكَ القرآنُ الذي أظمأتُكَ في الهواجرِ وأسْهَرْتُ ليلَكَ وإنَّ كلَّ تاجرٍ من وراءِ تجارتِهِ وإنكَ اليومَ من وراءِ كلِّ تجارَةٍ فيُعْطَى الملْكَ بيمينِهِ والخلدَ بشمالِهِ ويوضَعُ على رأسِهِ تاجُ الوَقَارِ ويُكْسَى والداه حلَّتَيْنِ لا تقومُ لهما الدُّنيا فيقولانِ بِمَ كُسِينَا هذا فيُقالُ بأخذِ ولدِكُما القرآنَ ثمَّ يقالُ اقرأْ واصْعَدْ في دَرَجِ الجنةِ وغُرَفِها فهو في صُعودٍ ما دامَ يقرأُ حدرًا كان أوْ تَرْتِيلًا "[27]

 

القرآن يشفع لك عند الله - عز و جل -، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ)[28].

" يقالُ لصاحِبِ القرآنِ: اقرأ، وارتَقِ، ورتِّل كَما كُنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا، فإنَّ منزلتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بِها "[29]

 

علمني رمضان فضل الصحبة الصالحة:

كنا نتعاون على الطاعات والقربات، نشد أزر بعضنا بعضا، تأمل في قصة موسى - عليه الصلاة و السلام - عندما أرسله الله لم يزل يسأل ربَّه - عز و جل - أن يجعل معه أخاه هارون نبيًّا، قال تعالى: ﴿ وَاجعَل لي وَزيرًا مِن أَهلي * هارونَ أَخِي * اشدُد بِهِ أَزري * وَأَشرِكهُ في أَمري * كَي نُسَبِّحَكَ كَثيرًا * وَنَذكُرَكَ كَثيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنا بَصيرًا ﴾ طه (29: 35).

قوِّي به ظهري و أعنِّي، بهذا الأخ المعين تزيد الطاعات و تتحقق البركات، هذه الأخوة من نِعَم الله - عز و جل - قال تعالى: ﴿ وَوَهَبنا لَهُ مِن رَحمَتِنا أَخاهُ هارونَ نَبِيًّا ﴾ مريم (53).

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا)[30].

 

علمني رمضان أن الالتزام بشرع الله سهل ميسور:

فعل الطاعات، الامتناع عن المحرمات سهل ميسور، ترك الغيبة، ترك متابعة الأفلام والمسلسلات وبرامج المكائد والخداع ومتابعة أهل الفسق و الفساد، ترك التبرج والمحافظة على الحجاب و عدم إظهار زينة المرأة للرجال غير المحارم، ترك تضييع الأوقات أمام الفيس والشات، استطعت أن أفعل ذلك كله في رمضان، حرصت على ألا أصرف أوقاتي إلا في مرضات الله.

 

علمني رمضان الذكر والدعاء:

علمني رمضان أن يكون لساني رطب من ذكر الله، واظبت على أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم وأذكار الدخول والخروج من البيت وأذكار الذهاب إلى المسجد حتى أثناء أعمال المنزل كنت أذكر الله على كل حال، قال تعالى: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ الأحزاب (35)، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ الأحزاب (41، 42).


علمني رمضان ألا أترك الدعاء كنت أدعو الله كل يوم حال صومي وعند فطري، كيف كنت أغفل عن الدعاء وأنا الفقيرة إلى الله ولي عنده حاجات وحاجات وطلبات ورغبات وهو السميع القريب المجيب، قال تعالى:  ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ البقرة (186).

ومن لم يسأل الله يغضب عليه.

الله يريد منك أن تدعوه وتلجأ إليه وتُظْهِر فقرك وحاجتك إليه، فهو يحبُّ مِنَّا أن نسأله.

 

ومن لنا غيره ربنا ومولانا، فلا سؤال إلا منه ولا رجاء إلا فيه ولا توكل إلا عليه ولا تفويض إلا إليه ولا استعانة إلا به ولا استغاثة إلا به ولا مدد إلا منه ولا ذبح ولا نذر إلا له ولا حلف إلا به ولا طواف إلا ببيته ولا تحكيم إلا لشرعه ولا تحاكم إلا إليه ولا توحيد إلا له، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ ربكم حَيِيُّ كَرِيمٌ، يَسْتَحِي أَنْ يَرْفَعَ الْعَبْدُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا، أَوْ قَالَ: خَائِبَتَيْنِ)[31].

 

علمني رمضان حسن الخلق:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ)[32]. أدفع بالتي هي أحسن السيئة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)[33]، (مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنَ حُسْنِ الْخُلُقِ)[34]، (إِنَّ المؤمنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ)[35].

دخل رجل على ابن عباس - رضي الله عنه - يسبه ويشتمه و هو من هو؟ حبر الأُمَّة، من آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيقول ابن عباس - رضي الله عنه -: (هل للرجل من حاجة نقضيها له)، فيُنَكِّس الرجل رأسه وينصرف.

الأحنف بن قيس يقول له أحدهم إن قلت كلمة لتسمعن عشرا فيقول له الأحنف: (ولكنك إن قلت عشرا لن تسمع كلمة).

 

علمني رمضان الصبر وقوة الإرادة وصدق العزيمة والانتصار على النفس:

فهو شهر الصبر، والصبر جزاؤه الجنة، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ الزمر (10). تجتمع فيه أنواع الصبر، الصبر على الطاعة من صيام وقيام وختم القرآن، والصبر عن المعصية بالبعد عن المحرمات والآثام، والصبر على أقدار الله المؤلمة بتحمل ألم الجوع والعطش وتعب القيام، الصبر عن شهوات النفس والصبر على الأذى، مجاهدة النفس، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ العنكبوت (69).


إنه رمضان مدرسة إيمانية ومحطة روحية نتزود منه لبقية العام ونشحذ الهمم لبقية العمر، إنه بحق مدرسة التغيير، تغيير في أعمالنا وسلوكنا وأخلاقنا ومعاملاتنا وعباداتنا، فهلا تعلمنا من رمضان وجنينا من ثماره اليانعة وظلاله الوافرة.


الوقفة الثانية: إنما يتقبل الله من المتقين

مضى شهر رمضان سبق فيه من سبق وفاز فيه من فاز، وخسر فيه من خسر، فمن المقبول فنهنيه ومن الخاسر فنُعَزِّيه؟؟

قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ المائدة (27).


من مِنَّا شغله هذا الأمر؟؟

من مِنَّا لهج لسانه بالدعاء أن يتقبل الله منه رمضان، كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان، كنَّا في نهار رمضان صائمين وفي ليله ساجدين وبالأسحار مستغفرين، لكن ترى هل هذه الأعمال مقبولة؟؟ هل هي خالصة؟؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا.....قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ" أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا")[36].

 

لماذا ضاعت حسناتهم؟ السبب: عدم الحياء من الله، وعدم مراقبة الله، ذنوب الخلوات.

الوقوع في المحرمات دليل على ضعف الإيمان، كلما خلا بمحارم الله انتهكها، ليس له وازع في قلبه.

فينبغي للعبد إذا خلا بنفسه لا يعصي ربه ويخشاه ولا يبارزه بالمعاصي، ويستحيي من الله حق الحياء حتى لا تضيع منه حسناته.

 

ينبغي أن يكون دائمًا على حذر من عدم القبول، كان السلف يجتهدون في إكمال العمل وإتمامه وإتقانه ثم يخافون من رده وعدم قبوله، قال تعالى:  ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ سورة المؤمنون (60).

عن فُضَالة بن عبيد قال: لأن أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها لأن الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ المائدة (27).


و ما هي علامات القبول؟؟!!

1) الخوف من عدم القبول، قال تعالى:  ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ سورة المؤمنون (60).

سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ سورة المؤمنون (60) قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ! وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ)[37].

 

2) أن يكون حالك بعد العمل خيرا من حالك قبله، حالك بعد رمضان أفضل من حالك قبله، هذا يدل على أن الله تقبَّل منك رمضان، فإذا رضي الله عن العبد وقبل عمله وفقه لعمل صالح بعده، فهذا يدل على أن الله قبل عمله الأول ومَنَّ عليه بعمل آخر ورضي به عنه.

فمن ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها. لو واظبت في رمضان على الفرائض لو كنت مقصرًا ثم بعد رمضان كنت حريصًا على الطاعة فاستمر على ذلك، لو امتنعت عن المحرمات، لو عطفت على الفقراء والمساكين، لا يمر عليك يوم إلا وقد أخذت من كتاب الله، لو كنت ذا خلق سيء فأصبحت بعد رمضان هادئ الطبع حسن الخلق، يكون لك نصيب في قيام الليل كل ليلة، هذا دليل على القبول.

 

الوقفة الثالثة: احذر العجب والغرور

والزم الخضوع والانكسار للعزيز الغفار، ربما حدَّثتك نفسُك أنك فعلتَ وفعلتَ في رمضان.

صليتَ وصمتَ وتصدقتَ وختمتَ القرآن.

احذر أن يوقعك الشيطان في الغرور والعجب وتمتلئ نفسك بالفخر.

 

تأمل ماذا قال الله لنبيِّه -صلى الله عليه وسلم -: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ﴾ سورة المدثر (1:6).

أتظن أنكَ قدمتَ أعمالا عظيمة؟

لا تمن على الله بعملك، ولا تغتر وتعجب بنفسك.

فلله وحدة المِنَّة والفضل، هو الذي وفقنا لذلك و أعاننا على الصيام فصمنا ووفقنا للقيام فقمنا ورزقنا من فضله فتصدقنا وشرح صدورنا للذكر والاستغفار فاستغفرنا، فلله الحمد أولا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، لولاك يا رب ما فعلنا، ومهما فعلنا لن نكافئ نعمك علينا ولو نعمة واحدة.

 

وتأمل ثلاثين يومًا من العبادة ما خاتمتها؟؟ زكاة الفطر.

أتفكرتَ لم؟ الإجابة في قول بن عباس رضي الله عنه: (فرضَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ زَكاةَ الفطرِ طُهرةً للصَّائمِ منَ اللَّغوِ والرَّفثِ وطعمةً للمساكينِ من أدَّاها قبلَ الصَّلاةِ فَهيَ زَكاةٌ مقبولةٌ ومن أدَّاها بعدَ الصَّلاةِ فَهيَ صدقةٌ منَ الصَّدقاتِ)[38]

 

ومن الذي يقوم بحق الله كاملا؟؟!

حتى الملائكة إذا رفعوا رؤوسهم يوم القيامة من الركوع أو السجود والعبادة المتواصلة منذ خلقهم الله قالوا:(سبحانك ما عبدناك حق عبادتك). فماذا عن عبادتنا نحن؟؟ تحتاج لتكميل، أمرنا بعد الصلاة بالاستغفار، وكذلك عقب الحج، قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199].


والنبي صلى الله عليه وسلم في ختام عمره المبارك صبر ودعوة وجهاد وعبادة أمر أن يستغفر الله عز وجل، قال تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3].

قال بن المبارك - رحمه الله-: " الغيبة تُخَرِّق الصيام والاستغفار يُرَقِّعُه، فمن استطاع منكم أن يأتي بصيام مُرَقَّع فليفعل".

نحتاج دوما للاستغفار، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا)[39].

 

الوقفة الرابعة: لا تكونوا كالتي نقضت غزلها

ما رأيكم في امرأة جلست شهرًا كاملا تغزل ثوبًا من الصوف بالمغزل حتى إذا ما كمل وقرب من الانتهاء نقضت ما صنعته؟؟ هذا حال بعضنا بمجرد انتهاء شهر رمضان سرعان ما يعود إلى المعاصي والذنوب، كان طول الشهر في صلاة وصيام وخشوع وبكاء ودعاء قد أحسن غزل عبادته، لدرجة أنه يتمنى أن يقبضه الله على تلك الحال يقول يا ليت خاتمتي تكون في رمضان من كثرة ما يجد من لذة الطاعة، لكنه ينقض كل ذلك بمجرد غروب شمس آخر يوم من رمضان لأنه أطاع عدوه الشيطان، قال تعالى: ( ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ فاطر (6).


يخرج ويُفَكُّ أسرُه ولا يزال مُصًّرا على تحقيق هدفِه؛ أن يوقعك في المعاصي كي تهدم كل ما فعلته في رمضان من طاعات.

أعظم الجرم أن يرتد العبد بعد الإقبال مُدْبِرًا وبعد المسارعة في الخيرات مُعْرِضًا، قال تعالى:  ﴿ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ المائدة (21).

احذر من العودة إلى المعاصي وإلى الغفلة والانتكاسة بعد الهداية، والاعوجاج بعد الاستقامة، قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴾ آل عمران (8).

 

هذا حال المنافق يعبد الله على حرف إن صلحت له دنياه عبَد الله، ولو أصابته شدة أو فتنة أو اختبار أو ضيق ترك دينه وعاد إلى الكفر.

لا تكن كعبد السوء إذا أُعطي رضى وإن مُنع سخط. بل وطِّنْ نفسك أن تكون عبد لله في كل حال؛ في الشدة والرخاء، في العسر واليسر، في المنشط والمكره، فالعبودية وظيفة العمر، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ الذريات (56). خلقنا الله لنقيم العبودية له في الأرض، نعبد الله.... إلى متى؟؟!!

 

الوقفة الخامسة: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]

العبادة لا تنتهي بانتهاء رمضان، بل الذي يقطع العبادة بعد انتهاء رمضان يخشى ألا يكون قد تقبل الله منه رمضان. لأن من علامة قبول رمضان صلاح حال العبد بعد رمضان فإن ترك العبادة، ترك الصلاة، ترك صلاة الفجر في وقتها، ترك القيام والصيام والقرآن والصدقة ونقض غزله هذه علامة من الخذلان والخسران، العبادة ليس لها حد إلا خروج الروح من الجسد، قال تعالى: ﴿ وَاعبُد رَبَّكَ حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ ﴾ سورة الحجر (99).


اليقين يعني الموت الموقن به الذي لا شك فيه، أي اعبد الله في جميع أوقاتك ومدة حياتك حتى يأتيك الموت وأنت في عبادة ربك جلا وعلا، حياتك هي الفرصة الوحيدة لكي تعبد الله -عز وجل-، كل يوم يمر عليك يقربك من النهاية، لابد أن تستعد.

سعادتك الحقيقية في دنياك وآخرتك إنما هي في تنفيذ ما خُلقتَ من أجله من العبودية لله تعالى وحده.

أن تظل ساعاتك وأوقاتك وأنفاسك في طاعة الملك الجليل، احذر الغفلة لا تترك دنياك تأخذك.

اشغل نفسك بما يصلح أمر آخرتك، استقم على طاعة الله عز وجل وعلى القيام بأمره.

 

عن سفيان بن عبدالله الثقفي -رضي الله عنه-قال: قلتُ: يا رسولَ الله، قلْ لي في الإسلامِ قَولًا لا أسألُ عنه أحدًا بعدَك- وفى حديث أبى أسامة غيرك- قال: قلْ آمنْتُ بالله فاستَقِمْ [40].

وأصل الاستقامة استقامة القلب فإذا استقام القلب على توحيد الله استقامت الجوارح على طاعته، ألا تكفيك البشرى بالجنة عن الموت، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ فصلت (30).


ألا يكفيك أن تعلم أن الاستقامة على دين الله سبب في سعة الرزق وتفريج الكربات وحفظ العبد، قال تعالى:  ﴿ وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا ﴾ الجن (16).

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس - رضي الله عنه-: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)[41].

 

يجب أن يكون العبد مستمرًّا على طاعة الله، ثابتًا على شرعه، مستقيمًا على أمره، قال تعالى: ﴿ فَاستَقِم كَما أُمِرتَ وَمَن تابَ مَعَكَ ﴾ هود (113).

لا تكن من هؤلاء القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، لا يصلون ولا يصومون ولا ينفقون ولا يقرأون القرآن إلا في رمضان.

فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان.

أليس رب رمضان هو رب شوال وهو رب الشهور كلها؟ أليس قد أمرنا بعبادته في كل وقت وحين؟

أليس واجب علينا أن نطيعه في كل لحظة وفي كل أوان وزمان؟

 

إن من أعظم القربات والطاعات وأحب العمل إلى الله المداومة على الطاعات وإن قَلَّت، قال رسول الله صلى الله غليه وسلم: (سدِّدوا وقارِبوا وأبشِروا، فإنَّه لا يُدخِلُ أحدًا الجنَّةَ عملُه. قالوا: ولا أنت يا رسولَ اللهِ؟ قال: ولا أنا، إلَّا أن يتغمَّدَني اللهُ بمغفرةٍ ورحمةٍ)[42].

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: يا عبدَ اللهِ، لا تكنْ مثلَ فلانٍ، كان يقومُ الليلَ فتركَ قيامَ الليلِ)[43].

 

عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: (سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَ قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنْ الْأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لَا كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَسْتَطِيع)[44].

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَة)[45].

كيف أثبت بعد رمضان؟؟!![46]

 

1- اثبت على العبادة:

الصلوات الخمس، صلاة الفجر، قيام الليل، استغفار السحر، الدعاء، صيام ستة أيام من شوال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صامَ رمضانَ. ثُمَّ أَتْبَعَهُ ستًّا مِنْ شوَّالٍ. كانَ كصيامِ الدَّهْرِ)[47]. ووجه كون صيام الست بعد رمضان كصيام الدهر هو أن الله عز وجل جعل الحسنة بعشر أمثالها فصيام رمضان يضاعق بصيام عشر شهور، وصيام الستة بشهرين فصار المجموع اثني عشر شهرا عدة السنة كلها.

 

صيام الإثنين و الخميس، وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صَومَ الاثْنَيْنِ وَالخَمِيس)[48].

ونصوم أيضا ثلاثة أيام من كل شهر (ثلاث عشر وأربع عشر وخمس عشر) وكذلك التسع من ذي الحجة ويوم عاشوراء ويوم عرفة.

 

عبادتك بعد رمضان، صلاتك، صيامك، قراءتك للقرآن، استغفارك، دعاؤك... العبادة هي الهدف الذي خلقت من أجله، هي النجاة في الدنيا والآخرة، العمل الصالح نجاة في المحيا والممات وعند الحساب، تعلم قصة الثلاثة الذين كانوا على سفر فآواهم المبيت إلى غار فنزلت صخرة من الجبل فسدت عليهم باب الغار، كنا نقول هذا الحديث ولا نستشعر ولا نقدر حجم هذه المحنة حتى نزلت الصخرة في (الدويقة) من المقطم وقعت على 600 إنسان في السابعة صباحًا، فهمنا وقتها ما معنى أن تنحدر صخرة من جبل وتقع على إنسان، صخرة 2000 طن (2مليون كجم) الساعة السابعة صباحا، إنسان نائم وفجأة تقع عليه صخرة، احذر موت الفجأة، استعد دائما فقد يأتي في أي لحظة.

 

حضر الدفاع المدني لم يستطع رفع أو إزاحة الصخرة، نزل الجيش، نزلت الشرطة، بكل الإمكانات المتاحة لم يستطيعوا أن يرفعوها.

حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن نفس الموقف ولكن لم يكن أحد موجودًا في خارج الجبل حتى يزيح الصخرة عن هؤلاء الثلاثة، فتوجهوا إلى الله بالأعمال الصالحة التي عملوها ابتغاء مرضات الله، أحدهم توسل بِبِرِّهِ بوالديه، والآخر بأمانته، والثالث بعفته عن الحرام، وفي كل مرة تنزاح الصخرة حتى انفرجت تمامًا وفُتِح بابُ الغار وخرجوا ونجَّاهم الله.

 

العمل الصالح قوته أكبر من إمكانيات دول، لسنا مقدِّرين العبادة قدرها وثمرتها في حياتنا ودنيانا وكذلك عند الممات، إذا مات العبد الصالح صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماوات، ما من ملك على باب من أبواب السموات إلا ضرع إلى الله أن تعرج روح هذا المؤمن من هذا الباب.

 

وتحت التراب.

ماذا تحت التراب لصاحب العمل الصالح؟

تحت التراب روضة من رياض الجنة.

ما الذي حول هذا التراب إلى روضة من رياض الجنة؟؟ إنه العمل الصالح.

 

ما سبب هذه الكوارث التي تحدث والبلاءات والزلازل، غلاء الأسعار، الحوادث، الأزمة الإقتصادية في العالم كله؟ السبب كثرة المعاصي وانتشار الشرك والكفر والفسوق والفجور.

عندما سئل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث)[49].

 

الشركيات والخرفات والاعتقادات الباطلة، ترك الصلاة، الظلم والبغي، العقوق، أكل الربا، شهادة الزرو، الكذب والفجور.

تعلم لماذا زادت هذه المنكرات وقلت الخيرات؟؟ من الذي أغرى الناس بالفواحش وزين لهم المعاصي؟؟ إنهم شياطين الجن والإنس، قال تعالى: ﴿ وَكَذلِكَ جَعَلنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطينَ الإِنسِ وَالجِنِّ يوحي بَعضُهُم إِلى بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرورًا وَلَو شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلوهُ فَذَرهُم وَما يَفتَرونَ ﴾ الانعام (112).


المسلسلات والأفلام التي تنشر الجريمة، سوء الخلق، العقوق.

البرامج التي تروج للفواحش والقتل والاغتصاب بحجة أنها تعلِّم الناس.

كيف انتشر الزواج العرفي بين الشباب؟ من الذي عرَّفهم به وأغراهم به؟

ما الذي جعل الولد يتجرأ على والديه وعلى معلمه؟ مسرحية (مدرسة المشاغبين).

دعاة النار أفسدوا أجيالا وأجيالا، نريد ألا نستجيب لدعاة النار.

 

ابن عباس يسأله رجل: أفتني في الغناء حلال هو أم حرام؟ فقال بن عباس: لا أقول حلالا إلا ما أحل الله ولا أقول حراما إلا ما حرَّم الله لكن قل لي: إذا اجتمع الحق والباطل يوم القيامة فأين يكون الغناء؟ قال الرجل: مع الباطل، فقال له بن عباس: اذهب فقد أفتيت نفسك.


2- اثبت على كتاب الله بعد رمضان:

قراءةً وفهمًا و عملا به، الصفحة بها كم حرف، والحرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ-رضي الله عنه- قَالَ رسول الله -صلى الله عليه و سلم-(: إنَّ هذا القرآنَ مَأْدُبَةُ اللهِ فتَعَلَّموا مَأْدُبَتَه ما استطعتم وإنَّ هذا القرآنَ هو حبلُ اللهِ وهو النورُ المبينُ والشفاءُ النافعُ عِصْمَةُ مَن تَمَسَّك به ونجاةُ مَن تَبِعَه لا يَعْوَجُّ فيُقَوَّمُ ولا يَزِيغُ فيُسْتَعْتَبُ ولا تَنْقَضِي عجائبُه ولا يَخْلَقُ عن كَثْرَةِ الرَّدِّ اتلُوه فإنَّ اللهَ يأجرُكم على تلاوتِه بكلِّ حرفٍ عَشْرُ حسناتٍ أَمَا إني لا أقول ب الم حَرْفٌ ولكن بالألفِ عَشْرًا وباللامِ عَشْرًا وبالميمِ عَشْرًا)[50].

 

إن أصفر البيوت البيت الذي ليس فسه شيء من القرآن، صفر في الخير، في البركة، في السعادة، في القرب من الله. أنت من غير القرآن صفر على الشمال، القرآن هو الذي يجعل لنا قيمة، لأننا بعدنا عن القرآن أصبحنا كغثاء السيل، مليار و200 مليون معظمنا أصفار، القدس محاصر، العراق تتهدم، المسلمين تحت القهر والظلم والقتل والإذلال لأننا تخلينا عن سلاحنا، عن مصدر قوتنا وعزتنا واتبعنا الغرب والشرق وتركنا الشرع.

 

3- اثبت على التوبة والاستغفار بعد رمضان:

ابتعد عن المعاصي، العاصي غبي (يحب المعصية لكن الآخرة قادمة)، مثل إنسان اشترى سيارة جديدة غالية و جميلة، ركبها وهو فرح بها وفجأة وهو يمر بها على شريط السكة الحديد والقطار قادم توقفت السيارة، ماذا يفعل؟؟ ينزل ويجري ويترك السيارة أم يبقى فيها ويخسر حياته؟؟لازم تهرب من النار، اترك هوى نفسك حتى تنجو بها من الهلاك.

 

كن عاقلا، لا تخسر حياتك في الآخرة من أجل دقائق معدودة في لذة محرمة فانية، لا يعقبها سعادة بل شقاء و ضيق في الدنيا وعذاب في القبر ونار وجحيم في الآخرة.

كن عاقلا، احسبها بطريقة صحيحة، لا تضيِّع الآخرة.

تفكر قليلا؛ العضو الذي تعصي الله به من الذي يغذيه ويحفظه ويرعاه؟؟ الله.

فهو قادرٌ وأنت تنظر إلى الحرام أن يمنع القوت عن عينيك، تتوقف الدماء التي تغذيها فتعمى.

 

قادر وأنت تسمع الحرام (الموسيقى والغناء كلمات الحب والغرام) أن يمنع القوت عن أذنيك فتصم ولا تسمع.

قادر وأنت تسير إلى الحرام أن يمنع القوت والقوة عن رجليك فلا تستطيع أن تتحرك أو تتقدم خطوة واحدة.

الله حليم يستر عليك ويرعاك ويعافيك وينجيك حتى وأنت تعصيه، سبحانه من رب كريم حليم يفرح بتوبتك إذا رجعت إليه.

 

4- اثبت على الدعوة بعد رمضان:

المنكرات في كل مكان، البلاء يصب على الناس صبا - لماذا؟؟!!

كثرة المعاصى، قلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (السلبية) لو قلنا ذلك تعمنا العقوبة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والَّذي نَفسي بيدِهِ لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عنِ المنكرِ أو ليوشِكَنَّ اللَّهُ أن يبعثَ عليكُم عقابًا منهُ ثمَّ تَدعونَهُ فلا يَستجيبُ لَكُم)[51].

 

ماذا قدمنا للإسلام؟ كم إنسان اهتدى على أيدينا، أم أنس لم تجد شيئا تقدمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت بابنها أنس، قالت: (يا رسول الله هذا ابني أنس يخدمك)، أعز ما تملك جعلته في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم.

الآن النساء في الشوارع كاسيات عاريات، الشباب على المقاهي يتابعون مباريات الكرة وأخبار الفنانين، نرى المنكرات ولا نتحرك، الصحابة ما كانوا يتحملون أن يَرَوْا شيئا يخدش الدين.

 

• أبو دجانة لما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في (أُحد) يتعرض للخطر تَرَّسَه بجسمه حتى صار جسمه كالقنفد (ظهره كله سهام) - فماذا فعلت أنت للدين؟؟

• أم عمارة تلثمت ووقفت تدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد.

• حنظلة بن عامر كان يوم أحد صبيحة عرسه، ترك عروسَه وذهب يقاتل في سبيل الله لأجل نصرة الدين.

• مصعب لما تَقَطَّع يوم أُحد.

• أبو بكر خرج من ماله أربع مرات.

 

ماذا سنقول نحن؟ (ليس عندنا وقت نخدم الدين - مشغولين بالدنيا)

لا أقول لك صلي وصُم واقرأ القرآن فحسب، بل أقول لك احمل هم الدين، ادعي غيرك إلى الله، غيَّر الواقع من حولك، لا تستبعد هداية أحد، ربعي ابن عامر لما دخل على رستم ملك الفرس فقال له: ما الذي جاء بكم؟؟

قال: " ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد و من ضيق الدنيا إلى سعتها من جور الأديان إلى عدل الإسلام ".

 

الدين هو حياتك لا يمكن أن تتخلي عنه لحظة، حياتك تكون بعد رمضان لله، مماتك لله، أحلامك، آمالك تكون وقف لله بعد رمضان، إنسان جديد ولدت من جديد، استشعر معنى السعادة، جنة الدنيا، عدِّل وجهتك، عدِّل هدفك.

خرجت من رمضان لأي وجهة لأي هدف؟

يكفي ما مضى من حياتك دون أن تحمل هم دينك، تدارك الأمر قبل فوات الأوان.

الصحابي لما فاتته غزوة بدر قال:(لئن أدركت مشهدا آخر ليرين الله ما أصنع ليرين الله ما يرضى به عني).

 

نريد أن نعود بعد رمضان كما كنا في رمضان فأكثر، لا موسمية في العبادة، نحن مع الله حتى آخر لحظة في حياتنا، حتى آخر نفس في صدورنا (رمضان نقطة بداية وليست نقطة نهاية).

معقول رجل عنده سيارة قام بإدخالها مركز الصيانة لإصلاح ما فسد فيها وتمت عملية الإصلاح والصيانة اللازمة للسيارة وتزويدها بالبنزين والطاقة ثم يوقف السيارة ويتركها لا تعمل؟ هل هذا يُعقل؟

هذا يحدث للبعض بعد رمضان، بعد أن يتم شحن بطاريات الإيمان ونتعود على الطاعة ونجاهد أنفسنا على العبادة ونتعاهد القرآن والدعاء والاستغفار ونصبح قادرين على المضي في طريق الهداية نتوقف ونعود مرة أخرى للتفريط والتقصير مع الله.

 

بعض الأسباب المعينة على الاستقامة بعد رمضان:

1) الدعاء: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.

اللهم ما مُصَرِّف القلوب صَرِّفْ قلبي على طاعتك.

يا رب أريد رضاك، أريد جنتك، أريد جوارك، لا تتركني لنفسي، لا تكلني لشيطاني، يا رب اهدني، ثبت قلبي، حسِّن عملي، طهِّر قلبي.

 

2) الصحبة الصالحة: المرء على دين خليله، ابحث عمن يعينك على طاعة الله، إذا رأى منك معصية حذرك، وإذا رأى منك إقبالا على الله أعانك، الصحبة الطيبة تعين على طاعة الله والثبات عليها.

 

3) طلب العلم: مجالس العلم، فالعلم فيه النجاة، فيه الحياة، علم الحلال والحرام، علم الشريعة، العقيدة، العبادة، المعاملات، الآداب، الأخلاق.

 

4) تذكر دائما عداوة الشيطان لك وأنه يريد إغواءك لتكون من حزبه الهالكين الخاسرين، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ فاطر (6)، تذكر أنه أخذ العهد على نفسه بذلك، قال تعالى: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ ص(82،83).

 

5) تذكر دائمًا أن الدنيا مزرعةٌ للآخرة، وأننا سنعود إلى الله وتُوَفَّى كلُّ نفسٍ ما عملت، قال تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ المؤمنون (115: 116).

﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ البقرة (281).

 

6) اعلم أن السعادة والنعيم إنما هو في القرب من الله، واتِّباع رضوانه، ستجد أثره؛ نور في قلبك، انشراح في صدرك، سعة في رزقك، تيسير في أمورك، بركة في أولادك، فلا تتحير كثيرا فالطريق واضح أمامك وما عليك إلا أن تسلكه، الباب مفتوح فادخل ولا تتردد، اسرع ولا تتأخر.

لا تَقُلْ من أين أبدأ؟
طاعةُ اللهِ البداية
لا تقل أين طريقي؟
شِرعة اللهِ الهداية
لا تقل أين نعيمي؟
جنةُ اللهِ كفاية
لا تقل في الغد أبدأ؟
ربما تأتي النهاية

 

قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا استعمَلَهُ قِيلَ: كيفَ يَستعمِلُهُ؟ قال: يُوفِّقُهُ لعملٍ صالِحٍ قبلَ الموْتِ ثمَّ يَقبِضُهُ عليهِ)[52].

 

• اللهم وفقنا للصالحات واختم لنا بالطاعات.

• اللهم تب علينا توبة ترضى بها عنا، تنوِّر بها وجوهنا، تطهِّر بها قلوبنا، تُنَقِّ بها صحائفنا، تثبتنا بها على دينك.

• اللهم افتح لما أبواب طاعتك، وأبواب الدعوة إلى دينك.

• اللهم إنا لا نطيعك إلا بعونك وإذنك اللهم مددك، اللهم عونك، اللهم لا حول ولا قوة إلا بك، اللهم إنا نستعين بك على أنفسنا.

• اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله، عقيدتنا، عبادتنا، أخلاقنا، أولادنا، دنيانا، وآخرتنا.

• اللهم ارض عنا وارزقنا شهادة في سبيلك وارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم في الجنة.



[1] صحيح الجامع (7422).

[2] صحيح البخاري (574)، صحيح مسلم (635).

[3] مسند أحمد (6/ 107).

[4] صحيح البخاري (527).

[5] مجموع الفتاوى (25/ 316)، صحيح.

[6] صحيح الجامع (283).

[7] صحيح الترغيب (3358).

[8] الترغيب والترهيب (1/ 321).

[9] سنن أبي داوود (1422).

[10] صحيح بن خزيمة (1135).

[11] صحيح الجامع (73)، حسن.

[12] محاضرة بعنوان (علَّمني رمضان) للشيخ إإيهاب الشريف حفظه الله.

[13] صحيح الجامع (5505).

[14] صحيح مسلم (2586).

[15] سنن أبي داوود (2343).

[16] صحيح مسلم (259).

[17] صحيح أبي داود (1134)

[18] اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 515

[19] اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 528

[20] فتوى رقم (26883)، موقع (إسلام ويب).

[21] صحيح الجامع (2831).

[22] (أحكام أهل الذمة 1/ 441-442).

[23] مختصر المقاصد (960)، حديث حسن.

[24] صحيح البخاري (3166).

[25] علَّمني رمضان (الشيخ إيهاب الشريف - حفظه الله -).

[26] صحيح مسلم (817).

[27] مجمع الزوائد للهيثمي (7/ 162)، رجاله رجال الصحيح‏‏.

[28] مسند أحمد (10/ 118).

[29] صحيح الترمذي (2914)، حسن صحيح.

[30] صحيح البخاري (6026).

[31] صحيح ابن ماجه (3131).

[32] صحيح مسلم (1151).

[33] صحيح الجامع (97).

[34] صحيح أبي داوود (4799).

[35] سنن أبي داوود (4798).

[36] صحيح الترغيب (2346).

[37] صحيح الترمذي (3175).

[38] صحيح أبي داود (1609)، حديث حسن.

[39] صحيح ابن ماجه (3093).

[40] صحيح مسلم (38).

[41] سنن الترمذي (2516).

[42] صحيح البخاري (6464).

[43] صحيح البخاري (1152).

[44] صحيح مسلم (783).

[45] صحيح مسلم (746).

[46] ماذا بعد رمضان - محاضرة صوتية للشيخ (حازم شومان) - بتصرف.

[47] صحيح مسلم (1164).

[48] الترغيب والترهيب (2/ 139).

[49] صحيح البخاري (3598).

[50] السلسلة الصحيحة (2/ 264).

[51] صحيح الترمذي (2169).

[52] صحيح الجامع (305).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ماذا بعد رمضان؟
  • حقوق ما بعد رمضان
  • ماذا بعد رمضان؟ (خطبة)
  • ماذا بعد رمضان؟ (الخطبة الأولى في شوال)
  • بعد رمضان من أي الفريقين أنت؟ (خطبة)
  • ماذا بعد رمضان؟ (خطبة)
  • رمضان يتكلم (خطبة)
  • الثبات على الطاعة بعد رمضان حتى الممات (خطبة عيد الفطر 1439هـ)
  • حالنا بعد رمضان (أول خطبة بعد رمضان)
  • خطبة ماذا بعد رمضان؟
  • لا تتوقف عن العمل بعد رمضان (خطبة)
  • العمل الصالح بعد رمضان
  • ماذا بعد رمضان؟
  • الأسرة بعد رمضان
  • ماذا بعد رمضان؟
  • رمضان شهر الخيرات وموسم البركات والنفحات شهر تفتح فيه أبواب الجنة

مختارات من الشبكة

  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (10)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (9)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (8)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (7)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (6)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (5)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (4)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (3)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (2)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (1)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب