لمحات في نظام القضاء (6)

فقه التقاضي

الحلقة (95)

لمحات في نظام القضاء (6)

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله - مستمعي الأفاضل - في برنامجكم: "فقه التقاضي"، وكنا دلفنا إلى نظام القضاء السعودي الجديد، الصادر عام 1428هـ، الذي أحدث نقلة نوعية للقضاء السعودي، وترتَّب عليه تعديل درجات التقاضي، وإنشاء المحاكم والدوائر المتخصصة، وتضمن إنشاء المجلس الأعلى للقضاء، وتحديد اختصاصاته ومهماته، وتعديل اختصاصات وزارة العدل حيال القضاة والمحاكم.

وذكرت أن هذا النظام اشتمل على خمس وثمانين مادة، انتظمت في ثمانية أبواب، ووقف بنا الحديث عند الباب الرابع من نظام القضاء، الذي يتحدث عن القضاة، ويطيل الحديث عنهم، ودرجاتهم القضائية، وشروط تعيينهم وترقيتهم، والتفتيش على أعمالهم، والتحقيق معهم في حال حصول موجب لذلك.

واستعرضنا في الحلقة الماضية نص المادة الحادية والثلاثين، التي بينت الشروط التي يلزم توفرها فيمن يعين قاضيًا، وخلاصة هذه الشروط:

♦ أن يكون سعوديًّا حسَنَ السيرة والسلوك، ومتمتعًا بالأهلية الكاملة للقضاء بحسب ما نص عليه شرعًا، وأن يكون حاصلًا على شهادة إحدى كليات الشريعة بالمملكة، أو شهادة أخرى معادلة لها، وألا تقلَّ سنُّه عن أربعين سنة (إذا كان تعيينه في درجة قاضي استئناف)، وعن اثنتين وعشرين سنة (إذا كان تعيينه في إحدى درجات السلك القضائي الأخرى).

وتلحظ - أيها المستمع الكريم - أنه يمكن تعيين من يبلغ اثنين وعشرين عامًا في السلك القضائي؛ أي: بدرجة ملازم قضائي، وهذه الدرجة بمثابة القاضي تحت التدريب، وهذه من سمات القضاء السعودي التي شابهَ فيها أنظمة قضائية تتيح التعيين في السلك القضائي فور التخرج في الجامعة، وهناك أنظمة قضائية في بعض الدول تشترط ألا يقل عُمُر الملتحق بالسلك القضائي عن ثلاثين أو أربعين، وبعضها يشترط سبق العمل في وظائف مشابهة لوظيفة القضاء؛ كالمحاماة، أو الادعاء والتحقيق، ونحو ذلك.

ولا غروَ في ذلك كله؛ إذ إن المعول تحصيل القاضي للأهلية التي تخوله النظر القضائي، لا سيما وأن مرحلة الملازمة القضائية مرحلة تسبق العمل في كرسي القضاء؛ إذ يكون الملازمُ بقرب قاضٍ صاحب خبرة، فيستفيد منه، ويتدرب على العمل القضائي، ويصعد في درجات سُلَّمه رويدًا رويدًا.

وأوضحت المادة الثانية والثلاثون درجات السلك القضائي، وأنها: (ملازم قضائي، قاضي (ج)، قاضي (ب)، قاضي (أ)، وكيل محكمة (ب)، وكيل محكمة (أ)، ورئيس محكمة (ب)، رئيس محكمة (أ)، قاضي استئناف، رئيس محكمة استئناف، رئيس المحكمة العليا، ويجري شغل هذه الدرجات طبقًا لأحكام هذا النظام).

وبينت المادة الثالثة والثلاثون أنه: (يشترط فيمن يشغل درجة ملازم قضائي - بالإضافة إلى ما ورد في المادة الحادية والثلاثين من هذا النظام - أن يكون قد حصل على الشهادة الجامعية بتقدير عام لا يقل عن (جيد)، وبتقدير لا يقل عن (جيد جدًّا) في الفقه وأصوله).

وذلك لأن مبنى القضاء في المملكة العربية السعودية - بحمد الله - على أحكام الشريعة الإسلامية، ومعلوم أن الفقه وأصوله هما محل البحث والاستدلال واستنباط الأحكام، ومن حاز أدوات هذين العِلمين استطاع أن يبحث المسائل، ويستنبط الأحكام من مظانها.

وفي الفصل الثاني من الباب الرابع يعرض نظام القضاء ما يتعلق بنقل القضاة وندبهم وإجازاتهم، وأنه - كما في المادة التاسعة والأربعين -: (لا يجوز نقل أعضاء السلك القضائي أو ندبهم داخل السلك القضائي إلا بقرار من المجلس الأعلى للقضاء، كما لا يجوز نقل أعضاء السلك القضائي أو ندبهم أو إعارتهم خارج السلك القضائي إلا بأمرٍ ملَكي، بناءً على قرار من المجلس الأعلى للقضاء، تحدَّد فيه المكافأة المستحقة للقاضي المندوب أو المعار، وتكون مدة الندب أو الإعارة سنة واحدة قابلة للتجديد لسنة أخرى، على أنه يجوز لرئيس المجلس الأعلى للقضاء في الحالات الاستثنائية أن يندب أحد أعضاء السلك القضائي داخل السلك أو خارجه لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر في العام الواحد).

وفي المادة الخمسين: (يرخص رئيس المجلس الأعلى للقضاء - بقرار منه - للقضاة بالإجازات في حدود الأحكام المنظمة لذلك).

وفي الفصل الثالث بيان واجبات القضاة.

حيث نصت المادة الحادية والخمسون على أنه: (لا يجوز الجمع بين وظيفة القضاء ومزاولة التجارة، أو أي وظيفة أو عمل لا يتفق مع استقلال القضاء وكرامته، ويجوز للمجلس الأعلى للقضاء أن يقرِّر منعَ القاضي من مباشرة أي عمل يرى أن القيام به يتعارض مع واجبات الوظيفة وحُسن أدائها).

وفي المادة الثانية والخمسين: (لا يجوز للقضاة إفشاء سر المداولات).

وأما المادة الثالثة والخمسون فتبين وجوب إقامة القاضي في محل عمله ما لم يكن له عذر يقدره المجلس، ونصها: (يجب أن يقيم القاضي في البلد الذي فيه مقر عمله، ويجوز للمجلس الأعلى للقضاء - لظروف استثنائية - أن يرخص للقاضي في الإقامة مؤقتًا في بلد آخر قريب من مقر عمله).

وأما المادة الرابعة والخمسون فتوجب على القاضي الالتزام بوقت العمل، ونصها: (لا يجوز للقاضي أن يغيب عن مقر عمله، ولا أن ينقطع عن عمله لسبب غير مفاجئ، قبل أن يرخص له في ذلك كتابةً).

وأما الفصل الرابع فيعرض التفتيش على أعمال القضاة، وفي المادة الخامسة والخمسين: (تؤلَّف في المجلس الأعلى للقضاء إدارةٌ للتفتيش القضائي من رئيس ومساعد وعدد كافٍ من القضاة المتفرغين، يختارهم المجلس من بين قضاة محاكم الاستئناف ومحاكم الدرجة الأولى.

تتولى إدارة التفتيش القضائي ما يلي:

أ - التفتيش على أعمال قضاة محاكم الاستئناف ومحاكم الدرجة الأولى؛ وذلك لجمع البيانات التي تؤدي إلى معرفة كفايتهم، ومدى حرصهم على أداء واجبات وظيفتهم.

ب - التحقيق في الشكاوى التي يقدمها القضاة، أو تقدم ضدهم في المسائل المتصلة بأعمالهم بعد إحالتها إليها من المجلس الأعلى للقضاء.

ويوجب النظام أن يُجرى التفتيش على أعمال القاضي مرة واحدة - على الأقل - سنويًّا، وواضح أن دور التفتيش القضائي الوقوفُ على مستوى القاضي علميًّا وقضائيًّا، ومساعدتُه في رفع مستواه، وبيانُ ما لَه من نقاط قوة، وما عليه من نقاط ضعف؛ كي يقوِّمَ نفسه، ويزيد من معلوماته.

ولا زال التفتيش القضائي يُسمى بهذا المصطلح في غالب الأنظمة القضائية رغم أن كثيرًا من الوظائف والمِهَن استبدل مسمى: التوجيه أو الإشراف أو التقويم بمسمى التفتيش؛ تلطفًا في العبارة، وقد يكون من أسباب احتفاظ التفتيش القضائي بهذا الاسم ما عليه طبيعة الأنظمة القضائية من الثبات والبطء في التعديل والتطوير، كما أن تغيير الاسم لا يعني تغيير المسمى، والعبرة بما يتحقق منه الهدف بغضِّ النظر عن اسمه.

مستمعي الأفاضل، هذا ما تيسر إيراده في هذه الحلقة، وموعدنا الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، وحتى ذلك الحين أستودعكم الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..