• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العبادات / الصيام ورمضان وما يتعلق بهما
علامة باركود

الدروس التربوية في الأيام الرمضانية (خطبة)

الدروس التربوية في الأيام الرمضانية (خطبة)
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/6/2019 ميلادي - 9/10/1440 هجري

الزيارات: 48111

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الدروس التربوية في الأيام الرمضانية

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار، أعاذنا الله وإياكم وسائرَ المسلمين من النار، ومن كل عمل يُقرِّب إلى النار، اللهم آمين.

 

إن شهر رمضان فيه دروس وعبر، وفيه أمور تربوية تُربِّي النفوس على طاعة الله، وعلى الإحسان إلى خلق الله، وعلى الصبر وعلى المصابرة، وعلى التقوى والمراقبة، هذا هو رمضان؛ لذلك قد يحيد الإنسان عن طاعة الله في عُمُرِه، فجعل الله سبحانه وتعالى نفحات من رحمته، مَنْ تعرَّض لها أصابَتْه.

 

جعل في كل سنة شهرًا مباركًا نتعلَّم فيه، ونأخذ الدروس، ونأخذ التربية لسنة كاملة؛ فقد ورد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فَإِنَّ لِلهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِه، يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ))؛ (طب) (720)، (هب) (1121)، انظر: الصَّحِيحَة: (1890).


هذه الدروس التي نأخذها من رمضان، دروسٌ تربويةٌ، وأوَّل هذه الدروس التربوية؛ تقوى الله جل جلاله؛ قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وهذا ما دعا الله إليه جميعَ الناس، دعا إلى التقوى؛ فقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]، وأمر المؤمنين بالتقوى؛ فقال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]؛ بل أمر بهذا الأمر، بالتقوى، خيرة خلقه صلى الله عليه وسلم، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الأحزاب: 1].


"وَالتَّقْوَى كما قال ابن القيم رحمه الله:... بِأَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ، يَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ، وَيَتْرُكُ مَعْصِيَةَ اللَّهِ، عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ، يَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ"؛ مدارج السالكين لابن القيم (1/ 369).


"وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ رحمه الله إِلَى رَجُلٍ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا، وَلَا يَرْحَمُ إِلَّا أَهْلَهَا، وَلَا يُثِيبُ إِلَّا عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْوَاعِظِينَ بِهَا كَثِيرٌ، وَالْعَامِلِينَ بِهَا قَلِيلٌ، جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنَ الْمُتَّقِينَ"؛ جامع العلوم والحكم، تحقيق: الأرناؤوط (1/ 406)، وأبو نعيم في (الحلية) (5/ 267).


والصوم يأتي بالتقوى، ومنها تنشأ المراقبة، فجوارحك تراقبك، وشعورك وأحاسيسُك تراقب جوارحَك، وروحُك ووجدانك يراقبان الشعور والأحاسيس، وملِكُ الأعضاء يراقب الجميع، فتلك المضغة التي بحجم الكف؛ ((إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلا وَهِيَ القَلْبُ))؛ (خ) (52)، (م) 107-(1599).


فأنت تراقب نفسك؛ لكنْ لا تنسَ أنَّ هناك مَنْ يراقبك، فاعلم أنه ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وفوق هذا كلِّه؛ اعلم أن الصوم يذكِّرُك بمراقبة الله لك، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].


فبالتقوى والمراقبة يُخلِصُ الصائمُ لله في جميع أعماله وطاعاته؛ ففي الدعاء يدعو الله مخلصًا، ولا يدعو غيره ﴿وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [الأعراف: 29]، ويخلص له في العبادة: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر: 2]، ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر: 11].


والإخلاصُ لله جلَّ جلاله يورث الحياء، فالصوم في شهر الصوم يوجب الحياء من الخلق، والحياء من الخالق سبحانه وتعالى، ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ، حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ))؛ (د) (4012)، (س) (406).


وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَأتِي الْحَيَاءُ إِلَّا بِخَيْرٍ))؛ متفق عليه، ((وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ))؛ متفق عليه، فالصائم يستحيي من نفسه أن يخالفَ ظاهرُه باطنَه، ويستحيي من خلقِ الله أن يروا منه ما يسوؤه، ويستحيي من الخالق سبحانه أن يراه على معصية أو خطيئة.


"وَحَقِيقَةُ الْحَيَاءِ؛ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى فِعْلِ الْحَسَنِ وَتَرْكِ الْقَبِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ... وقَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: مَنْ كَسَاهُ الْحَيَاءُ ثَوْبَهُ؛ لَمْ يَرَ النَّاسُ عَيْبَهُ"؛ الآداب الشرعية، ابن مفلح. أي: إن الذي عنده حياء يستره الله سبحانه وتعالى.


قال بعض البلغاء العلماء: "يا عجبًا! كيف لا تستحي من كثرة ما لا تستحي، وتتقي من طول ما لا تتقي؟".

إذا قلَّ ماءُ الوجهِ قلَّ حياؤه
ولا خيرَ في وجهٍ إذا قلَّ ماؤه
حياءَك فاحفظْه عليك وإنَّما
يدلُّ على فعلِ الكريمِ حياؤه


وقال الجنيد رحمه الله: "الحياء رؤيةُ الآلاء - أي: رؤية النعم- ورؤيةُ التقصيرِ، فيتولَّد بينهما حالةٌ تُسمَّى الحياء، وحقيقته خُلُقٌ يبعثُ على ترك القبائح، ويمنع من التفريط في حقِّ صاحب الحقِّ".


ومن كلام بعض الحكماء: "أحيوا الحياءَ بمجالسةِ من يُستَحَى منه، وعمارة القلب: بالهيبة والحياء، فإذا ذهبا من القلبِ لم يبْقَ فيه خير".


وقال الفضيل بن عياض: "خمس علاماتٍ من الشِّقوة - أي: من الشقاوة -: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلَّةُ الحياء، والرغبةُ في الدنيا، وطول الأمل".


وقال يحيى بن معاذ: "من استحيا من الله مطيعًا- أي: وهو أثناء طاعته لله، يستحيي من الله سبحانه وتعالى - استحيا الله منه وهو مذنب".


والصوم في رمضان يورث الخوفَ والخشية من الله جل جلاله، إذا كانت الحجارة ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 74] ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21].


فالمؤمنون عمومًا، والصائمون خاصة أولى بالخشية والخوف من الله جل جلاله، فهم من الذين قال الله فيهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57، 61].


وانحصرت الخشية الكاملة من الله سبحانه وتعالى في العلماء؛ قال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28]. والبشرى والمغفرة لمن يخشى الله جل جلاله؛ ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ [يس: 11].


حقًّا إنهم ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [الإسراء: 57].


وكان في وجه عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما خطَّان أسودان من كثرة البكاء. وخطب أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه الناس مرَّةً بالبصرة؛ فذكر في خطبته النار، فبكى حتى سقطت دموعه على المنبر! وبكى الناس يومئذٍ بكاءً شديدًا.


إنه شهر الصوم، إنه شهرُ التربيةِ على الفضائل، واجتنابِ الرذائل، إنه شهر الصبر على أذى الناس، فـالصائم ((لا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ))، كيف لا؟! وقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ))؛ (خ) (1904).


فمن كان رائحةُ فمِهِ أطيبَ عند الله من ريح المسك، كيف يخرج منه السبُّ والشتمُ، واللغوُ والهُجْرُ من القول؟!

شهر الصبر يعلِّم الصبرَ على الطاعات؛ من قيام، وتلاوة، وذكر، وصَدَقات، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَد مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الـمُرْسَلَةِ"؛ (خ) (6).


إنه شهر الصبر عن الشهوات والملذَّات المشروعات؛ من مأكولات ومشروبات؛ ((يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ؛ يَدَعُ شَهْوَتَهُ، وَأَكْلَهُ، وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي))؛ (خ) (7492).


فرمضان يحسِّنُ الأخلاق، ويهذِّبُ السلوك؛ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ شَيءٍ أَثْقَلُ في ميزَانِ المُؤمِنِ يَومَ القِيامة مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وإِنَّ اللَّه يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيء» رواه الترمذي.


وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟!"، فَقَالَ: ((تَقْوَى اللهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ))، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟! فَقَالَ: ((الْأَجْوَفَانِ: الْفَمُ، وَالْفَرْجُ)). (جة) (4246)، (ت) (2004)، (حم) (9085)؛ انظر: الصَّحِيحَة: (977).


وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَة؛ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ، وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَة؛ الثَّرْثَارُونَ، وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ))، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُون وَالْمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: ((الْمُتَكَبِّرُونَ))؛ (ت) (2018)، (خد) (1308)، (حم) (17732)، الصَّحِيحَة: (791).


((الثَّرْثَارُ)): هُوَ الْكَثِيرُ الْكَلَامِ تَكَلُّفًا؛ أي: تكلف بالكلام، وما أكثر الثرثارين في هذا الزمان بالكلام عبر الإعلام أو بالكلام المكتوب عبر وسائل التواصُل الاجتماعي ونحو ذلك! الثرثارون بعيدون عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم.


((الْمُتَشَدِّقُونَ)): الْمُتَوَسِّعُونَ فِي الْكَلَامِ، مِنْ غَيْرِ احْتِيَاطٍ وَاحْتِرَازٍ، فإن جاء على باله كلمة فسق وفجور يقولها، كلمة خير يقولها، كلمة فيها رذالة وسفالة يقولها والعياذ بالله، فهو مُتشدِّق بالكلام. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْمُتَشَدِّقِ الْمُسْتَهْزِئِ بِالنَّاسِ، يَلْوِي شِدْقَهُ بِهِمْ وَعَلَيْهِمْ، وَالشِّدْقُ: جَانِبُ الْفَمِ؛ تحفة الأحوذي (5/ 272).

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الآخرة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه، ومن والاه واهتدى بهُداه إلى يوم الدين، أما بعد:

الصوم يُربِّي المؤمن تربيةً لا توجد في غيره، خاصةً في رمضان، شهر البركات والرحمات، والخيرات والغفران من النيران.


الصوم يجعل المؤمن هيِّنًا ليِّنًا على إخوانه المؤمنين، إنهم من الذين قال الله فيهم: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54].


وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟!))، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: ((كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ، قَرِيبٍ سَهْلٍ))، (حب) (470)، (ت) (2488)، (حم) (3938)، انظر: صَحِيح الْجَامِع: (3135). "أَيْ: تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ سَهْلٍ طَلْقٍ، بشوش لإخوانه، حَلِيمٍ يحلم عن هفواتهم، لَيِّنِ الْجَانِبِ، ليس فيه الشدَّة والقساوة على إخوانه"؛ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3179).


فالصائم بأخلاقه قريبٌ من الناس عمومًا، ومن أرحامه وقرابته خاصة، حتى ولو آذوه أو قاطعوه، فهو هيِّن ليِّن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ"، فَقَالَ: ((لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ))؛ أي: الرماد الحار، ((وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ))؛ أي: مساند ومعاون، ((عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ))، (م) 22- (2558).


يا رمضان!

الخير بادٍ فيك والإحسان
والذكرُ والقرآنُ يا رمضانُ
والصوم فيك عبادةٌ ورياضةٌ
تسمو بها الأرواحُ والأبْدانُ
والشَّرُّ فيك مكبَّلٌ ومغلَّلُ
والبرُّ فيك مجلِّلٌ هتَّانُ
والفجر فيك عبادةٌ وتلاوةٌ
والصبحُ فيك سِعايةٌ وأمانُ
والروح فيك طليقةٌ رفرافةٌ
أحلامُها الغفرانُ والرضوانُ
والجسم فيك حبيسةٌ أطماعُه
لا يستريح إذا سما الوجدانُ
والناس فيك تآلفٌ قد ضمَّهم
وأظلَّهم ظلُّ الهُدى الفينانُ
فكأنهم جسمٌ يئنُّ إذا اشتكى
عضوٌ به وكأنَّهم بنيانُ

(اللطائف الروحية في الدروس الرمضانية - ص: 4).


فلنصلِّ على رسول الله؛ لأن الله صلى على رسوله، وأمر المؤمنين بالصلاة عليه؛ فقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى الدين.

اللهم إنا نسألك مما كتبت على نفسك من الرحمة، ومما في خزائن فيضك ومكنون غيبك، أن تضاعف صلواتك على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه، وسائر عبادك الصالحين.

 

اللهم أعتقنا من رقِّ الذنوب، وخلصنا من أشر النفوس، وأذهب عنا وحشة الإساءة، وطهِّرنا من دنس الذنوب، وباعد بيننا وبين الخطايا، وأجرنا من الشيطان الرجيم.

 

اللهم أدخلنا مع المرحومين، وألحقنا بالصالحين، وأعِنَّا على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك، وتلاوةِ كتابك، واجعلنا من حزبك المفلحين، وأيِّدنا بجندك المنصورين، وارزقنا مرافقة الذين أنعمت عليهم من النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

 

وأقم الصلاة؛ ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • النفحات الإيمانية في الدروس الرمضانية
  • أعظم الدروس والعبر من قصة أكل آدم عليه السلام من الشجرة
  • صناعة الأيام

مختارات من الشبكة

  • المضامين التربوية المستنبطة من آيات الاصطفاف في القرآن الكريم وتطبيقاتها التربوية في المدرسة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • المضامين التربوية المستنبطة من وصايا ومواعظ عبدالله بن المبارك رحمه الله وتطبيقاتها التربوية (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • المضامين التربوية المستنبطة من غزوة أحد وتطبيقاتها التربوية(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الدروس التربوية من قصة مريم عليها السلام(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الدروس التربوية المستفادة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس منا" (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تنزيل الأحكام على الوقائع في القضاء والفتيا(محاضرة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • الأبعاد التربوية للسؤال في القرآن الكريم: مقاربة تربوية (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • محطات تربوية في سيرة نبي الله إبراهيم ( مواصفات البيئة التربوية )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كتب التراث التربوية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • درس نموذجي في القواعد(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب