• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العبادات / الصلاة وما يتعلق بها
علامة باركود

فضل بناء المساجد والمحافظة عليها (خطبة)

فضل بناء المساجد والمحافظة عليها (خطبة)
الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/11/2024 ميلادي - 22/5/1446 هجري

الزيارات: 7820

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فضل بناء المساجد والمحافظة عليها

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمَده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب70 ـ 71].

 

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

معاشر المؤمنين، إن لبيوت الله تبارك وتعالى شرفًا عظيمًا ومنزلة رفيعة عنده جل ذكره؛ لذا كان أول ما وُضِعَ على وجه الأرض إنما هو المساجد التي يقول عنها صلى الله عليه وسلم: (أحبُّ البقاع إلى الله مساجدها، وأبغض البقاع إلى الله أسواقها)، فالمساجد هي أشرف البقاع؛ لذا كان البيت الحرام أولَ بيت وُضع للناس على وجه الأرض؛ لِما له من منزلة رفيعة، ولما كان من الله عز وجل من عناية لخلقه؛ يقول تعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96]، فكان هذا البيت هو أول بيت وُضع على وجه الأرض، ولقد كان الله عز وجل جعل هذا البيت مبنيًّا قبل صَفوة خلقه، وهم أشرف الخلق ألا وهم الأنبياء، وما ذلك إلا لشرف هذه البيوت، فيذكر الله النبيين الكريمينِ إبراهيم وإسماعيل وهما يبنيان البيت الحرام؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العلِيمُ ﴾ [البقرة: 127].

 

فكان هذا البيت الأول قبل بيت المقدس بأربعين عامًا، لما جاء في صحيح البخاري أن أبا ذر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، أي مسجد وُضع في الأرض أولًا، قال: (المسجد الحرام)، قال ثم أي؟ قال: (المسجد الأقصى)، قال كم بينهما؟ قال: (أربعون عامًا)، ويأتي شرف البيوت أن سيد الأولين والآخرين حينما خرج من مكة طريدًا مهاجرًا إلى الله، كان ذلك يعتبر نصرًا عظيمًا لهذه الدعوة المباركة، فما كان هذا النبي في بداية أمره، ما كان منه إلا أن قام ببناء مسجد أول وصوله تلك البلدة منطقة يثرب، ثم صارت تسمى بالمدينة النبوية وبطيبة، بتسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد شارك هذا النبي في بناء المسجد النبوي، وصَل صلى الله عليه وسلم وبرَكت ناقته عند بيت أبي أيوب الأنصاري، ثم قال بعضهم: خلأت القصواء، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما خلأت، وما كان لها ذلك بخلقٍ، ولكن حبسها حابس الفيل)، بركت هنالك، ثم رأى حائطًا لبني النجار، فاستدعاهم فجاؤوا متقلدين سيوفهم، فقال له: (ثامنوني بحائطكم)، قالوا: لا نبغي عنه إلا من الله، ورفضوا أن يأخذوا شيئًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله بالنخل، فقُطعت وبقبور المشركين فنُبشت، ثم شارك مع أصحابه في بناء المسجد، فكانوا يرتجزون:

اللهم لا خيرَ إلا خيرُ الآخرة        فارحَم الأنصار والمهاجرهْ

 

فجعلوا مُقدمة المسجد من سعف النخل، وأعمدته أيضًا، وجعلوا على أبوابه من الحجارة، وكان مسجدًا مباركًا، فالله يثني على هذا المسجد: ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108].

 

فكان له من المنزلة الرفيعة وما ذلك إلا لشرف هذه البيوت، وأيما منطقة أو بلد خلت من المساجد ومن عمَّارها، إلا باض الشيطان وفرَخ فيها، وكانت وكرًا ومأوًى للفساد؛ لذا يقول صلى الله عليه وسلم: (ما من ثلاثة نفرٍ في بلد لا يؤذَّن ولا تُقام فيهم الصلاة، إلا استحوذ عليهم الشيطان)، وهذا يأتي على أن المساجد تعتبر دلالةَ خيرٍ وهدى في كل بلدة ومنطقة، وهكذا أيضًا يأتي شرف هذه المساجد يوم أن أذِن الله ببنائها البناء الحسي والبناء المعنوي؛ يقول سبحانه: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 36، 37]، وكذا أثنى الله على عمَّارها العمارة الحسية والمعنوية، فيقول جل وعلا: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئَكَ أَن يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].

 

ويُخبر صلى الله عليه وسلم أن من بنى مسجدًا ولو صغيرًا، بنى الله له قصرًا في الجنة؛ كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من بنى لله مسجدًا ولو كمِفحص قطاة، بنى الله له بيتًا في الجنة)، دليل على خيريَّتها وشرفها وطول كعبها، كذلك يثني الله على هذه المساجد يوم أن شرَّفها وأضافها إليه، مع أن الملك لله كله؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [آل عمران: 189]، وقال سبحانه: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ ﴾ [الملك: 1]، لكنه أضاف المساجد إليه إضافةَ تشريفٍ، فقال سبحانه: ﴿ وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ ﴾ [الجن: 18]، مع أن الكل لله، لا لأحد من الخلق، فالعباد مقهورون فقراء إلى الله جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، فأنت لا تمتلك المال الذي ملَّكك الله إياه إلا على ضوء ما أمرَك الله به ورسوله، فيُعتبر ملكًا ناقصًا ومهددًا بالزوال، لكنه يضيف المساجد إليه، لِما لها من شرف الرُّتبة والمنزلة، فيُثني الله عز وجل على الذاهبين إليها، وعلى الغادين والرائحين، وعلى المرابطين فيها؛ جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (سبعةٌ يُظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظله)، ومن هؤلاء: (رجل قلبه معلَّق بالمساجد)؛ أي: إنه يرتاح يوم أن يدخل المسجد، وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: (المسجد بيت كلِّ تقي)، وهكذا يفرح الله بعبده عند ما حلَّ ببيت الله، فيتبَشْبَش الله عز وجل له؛ كما جاء في مسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما توطَّن أحد المسجد إلا تبشبَش الله له كما يَتبشبَش أهلُ الغائب لغائبهم)، وذلك أن العبد المؤمن تطمئن نفسه، ويرتاح قلبه يوم أن يفِد بيتًا من بيوت الله، ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

 

فالعبد المؤمن يستريح بذكر الله، ويستريح في بيوت الله، لا يرتاح في بيته بين أهله وأولاده أعظم راحة منه في بيت الله، فهذه دلالة إيمانٍ، وفيها دلالة رفعة وعزة لمن كان على هذا المنوال، يوم أن يوطِّن نفسه في بيت من بيوت الله، فيستريح في هذه البيوت، ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتحدَّث إلى أصحابه يوم أن يباهي الرحمن بعباده المؤمنين؛ روى الإمام أحمد وغيره عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فرجع مَن رجع، وعقَّب من عقب، فجاء صلى الله عليه وسلم مسرعًا قد حفَزه النفسُ، وقد حسَر عن رُكبتيه، فقال: (أبشِروا، هذا ربُّكم قد فتح بابًا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: يقول ربكم انظروا إلى عبادي هؤلاء قد قضوا فريضةً وهم ينتظرون أخرى، ولهم قد غفرتُ)، وهكذا ما دخل أحد المسجد بالآداب الشرعية يَمكث فيه لقراءة القرآن أو لسماع الذكر أو الصلاة، فإنه معصوم من الفتن ومن الأهواء، مغفور له الذنب، تَحفُّه ملائكة الرحمن، وتنزل عليه السكينة، ويذكره الله فيمن عنده، وهذا دليل على شرف هذه المساجد، وما كان لها من العناية الفائقة من قِبَل الله جل وعلا، ومن قِبَل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاسمعوا إلى هذا الحديث: (ما اجتمع قوم في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشِيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكَرهم الله فيمَن عنده)، فالمساجد يا عباد الله لها حقوقٌ عظيمة على المؤمن، وذلك أن الله عز وجل أمرك أن تدخل هذه البيوت؛ لتقيم فيها الصلاة، ولتؤدي فيها هذه الفريضة العظيمة التي كلَّفك الله بها يوم أن أوجَب صلاة الجماعة عليك؛ قال سبحانه: ﴿ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43]، هذا فيه دليل على وجوب صلاة الجماعة، فلم تُبْنَ هذه المساجد من أجل التشييد، ومن أجل التكاثر في البناء، وإنما من أجل إقام الصلاة وإقام الذكر والدعاء.

 

منائرُكم علت في كل ساحٍ
ومسجدُكم من العباد خالِ
وزلزلةُ الأذان بكل حيٍّ
ولكن أينَ صوتُ مِن بلالِ

 

فالمساجدُ كثيرة عباد الله، لكنها تشكو زوَّارها، تشكو من المنقطعين عنها، فإنها تشهَد يوم القيامة بين يدي الله تعالى، فمن المسلمين مَن رغب عنها، وقعَد في بيته أو في دُكَّانه، فالمؤذن ينادي المنادي، ولكنَّ أكثرَ المسلمين في سُبات، وأنفسهم معقولة في حبالٍ.

تعالَ يا مَن حاله في وبالِ
ونفسُه معقودةٌ في حبالِ
يا راقدًا لم يستفِق حينما
أذَّن في صبح الليالي بلالُ

هذه المساجد المباركة أفضلُ البقاع وأطهرها وأنقاها، وأنها يوم القيامة تشهد على المؤمن الذي أقام فيها الصلاة، وتشهد على مَن لم يدخلها وهجَرها بنص القرآن الكريم: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 1 - 8].

 

وهكذا من آداب المساجد بعد إقامة صلاة الجماعة، وهي كما قلت لكم على القول الراجح: إنها واجبة، ومن تخلَّف عنها فهو آثِم بخلاف ما يفهَمه بعض المسلمين؛ يقول: تحسب لي صلاة واحدة، فإذا ما صليت في المسجد كُتب لي سبعة وعشرون أجرًا، هذا أمر صحيح لا غبار عليه، لكن إضافة إلى ذلك فإن من صلى في بيته يعتبر آثمًا؛ لأنه فرَّط في واجب من الواجبات، والواجب هو ما يثاب العبد عليه، ويُعاقب على ترْكه، أو يستحق العقوبة على تركه، هذا تعريف الواجب عند الأصوليين وعند علماء الفقه، فإن من قام بالواجب آجَره الله، ومن فرط فيه، فإنه يستحق العقوبة؛ لأنه قد فرَّط في أمر حثَّ الله عز وجل عليه، وهذا نبينا في آخر وصاياه من الدنيا يقول: (الصلاة الصلاةَ، وما ملكت أيمانكم)، ولقد خرج صلى الله عليه وسلم يُهادى بين رجلين، وفي آخر لحظة من حياته ليؤدي الصلاة في المسجد، وهذا أحد الصالحين كان مشلولًا، لا يستطيع القيام، ولا يستطيع أن ينام أو يتحرك أيةَ حركة، لكن لديه حاسة السمع، فإذا سمع المؤذن قال لأولاده: احملوني إلى المسجد، وذلك لشرف هذه البيوت ولأهميتها، فمن أراد الله أن يُرفَعَ شأنُه وذكرُه، وأن يطمئنَّ قلبُه، وأن تُصلَحَ أحوالُه، فليؤدِّ الصلاة في المسجد، وليعلم أن الخير معقود في هذه الصلاة، فإن لها منزلة عظيمة، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عمود لهذا الدين، وهي آخر وصايا سيد الأولين والآخرين، وهي التي حث عليها صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث، فلا ينبغي لنا أن نفرِّط فيها.

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، عباد الله، من حقوق هذه المساجد الدخول فيها بأكمل زينة تجملًا لله؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31]، فالزينة مطلوبة للعبد ولأمة المؤمنين دون أن تكون المؤمنة على روائح فاتحة، فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تدخل المسجد، أو تخرج من بيتها متعطِّرة، أما الرجل فله أن يتطيب وأن يخرج بأكمل زينة، فإن من الناس من رُبَّما تزيَّن للخلق أو للزوجة أعظم من أن يتزيَّن لله، ونبينا صلى الله عليه سلم يقول: (إن الله جميلٌ يُحب الجمال)، ويقول: (إن الله أحقُّ أن يُتزيَّن له)، وقد كان صلى الله عليه وسلم له حُلة عظيمة بِيعت بمئات الآلاف من الدنانير بعد موته، كان يتزيَّن بها للوفود، وكان يلبسها في الجمعة والجماعات، وربما دخل بعض المسلمين المسجد بثياب المهنة، ولا غبار في المهنة أيًّا كانت، إلا أن تكون محرَّمة، لكن ربما يدخل وثيابه ملطخة بالزيوت والقاذورات، فينبغي أن يكون له ثوب حسن عملًا بهذا.

 

ومن الآداب الشرعية: أن يكون بعيدًا من الروائح الكريهة من الدخان ومن رائحة الثوم والبقول، وما إلى ذلك؛ فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل من هذه البقلة من الثوم أو البصل أو الكراث، فلا يَقربنَّ مسجدنا)، وقد كان يأمر بمن أكل الثوم أن يُطرَد إلى البقيع، وقد ذكر شيخ الإسلام الألباني قال: هذا ما يتعلق بأكل البصل أو الثوم أن يطرد إلى البقيع، فكيف لو وُجِدَ من يشرب السجائر؟ وربما أمر بطرده إلى المريخ، وذلك لما في هذه السجائر من الرائحة الكريهة، فننصح العبد المؤمن أن يبتعد عنها، فإن كان مدمنًا فليخفِّف، وهذه إنما هي نصيحة، ومن الكفار من صار مبتعدًا عن السجائر، وبعض المسلمين بدؤوا بالتولُّع بها، وكما قيل في السجائر: بداية أمرها دلعٌ، وآخر أمرها ولعٌ، يصير العبد مولعًا بها، والعياذ بالله!

 

كذلك أيضًا لا ينبغي ارتفاع الأصوات في المساجد، فإنما بُنيت للصلاة والذكر، وقد قال يزيد السائل: رأى عمر بن الخطاب رجلين يرفعان أصواتهما في مسجد رسول الله فدعاهما، فقال: من أين أنتما؟ فقالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل المدينة، لأَوجعتكما ضربًا؛ ترفعان أصواتكما في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء من حديث ابن مسعود في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (إياكم وهيشات الأسواق)، وهناك آداب يجب للمؤمن أن يترسَّم بها خطى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا دخلت المسجد فقدِّم رِجلك اليمنى وقل: بسم الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرجت قدِّم رِجلك اليسرى وقل: بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك، واعصمني من الشيطان، وهكذا إذا دخلت المسجد يوم الجمعة هناك للمؤمن آداب.

 

فينبغي أن تأتي في وقت مبكرٍ، وإذا جئت فلا تشتغل بالقيل والقال، وإنما القرآن والذكر والصلاة، وليس هناك صلاة محددة للجمعة قبليًّا، ولكن لا بأس أن تصلي من غير تحديد ما شاء لك أن تصلي، ولا تفرِّق بين اثنين، إلا أن ترى المسجد قد ازدحم، ورأيت فُرجة في مقدمته، فلا بأس أن تصلي إليها كما ذكر ذلك الشوكاني وغيره.

 

ومن الآداب أن تُحافظ على الأذكار وعلى الصلوات البعدية، أعني الرواتب؛ لِما لها من الفضل العظيم؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورِجله التي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه، وما تردَّدت عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أَكره مساءته)، فهذه النوافل تُكسبك ولاية الله، فتكون من أوليائه ويشملك قوله: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 62، 63].

 

فإذا أردت أن تكون منهم، فحافِظ على النوافل، فهي تعتبر من الربح، أما رأس المال فهي الصلوات المكتوبة عمود هذا الدين، من فرَّط فيها كان كافرًا حلال الدم والعياذ بالله.

 

كذلك أيضًا إذا حوسب يوم القيامة، فإن أول ما تُحاسب عليه الصلاة؛ كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا نقصت الصلاة قال الله: (انظروا إلى عبدي هل له من تطوُّع)، فهذا ينبغي لك ألا تفرِّط في النوافل ما استطعت، وأما نافلة الجمعة البعدية، فقد اضطربت أقوال أهل العلم في ذلك، لورود حديثين مختلفين، أما الأول فهو عن أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا صليتم بعد الجمعة، فصلوا أربعًا) عند مسلم، وحديث ابن عمر في البخاري: (وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي ركعتين)، فبعض أهل العلم قال: هذا خاص بالإمام دون المأموم، والقول الراجح ما حقَّقه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله أن الأمر فيه تسهيلٌ وتيسير لعباد الله، فمن صلى في المسجد فليُصل أربع ركعات، ومن صلى في بيته فليصل ركعتين، يكون قد أعمل الحديثين، لكن هناك أمر لافت للنظر، وهو أن أكثر المسلمين بعد صلاة الجمعة يشتلون شلة رجل واحدٍ، ولا يُعْنَون بصلاة السنة البعدية، ولا بالذكر بعد الصلاة، والذكر له أثرٌ عظيم.

 

دقاتُ قلب المرء قائلةٌ له
إن الحياةَ دقائقٌ وثوانِ
فارفَع لنفسك قبلَ موتك ذكرَها
فالذكرُ للإنسان عمرٌ ثانِ

 

وتعلموا يا عباد الله أن الله أثنى على الذاكرين، فقال: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35].

 

وقال صلى الله عليه وسلم وهو على جبل جمدان: (سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ)، قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ).

 

فالصلاة لها ذكر يتخلَّل أركانها، ولها ذكر بعدي كان صلى الله عليه وسلم يحرص عليه كثيرًا، وذلك لِما له من الأهمية، فعلى سبيل المثال التهليل، وهو أن تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هذا ما قاله صلى الله عليه وسلم وأنت تتأسَّى به وهو القائل: (صلُّوا كما رأيتموني أُصلي)، وكذلك قراءة آية الكرسي دُبر كلِّ صلاة لم يَحُل بينه وبين دخول الجنة إلا الموت، وهكذا يوم أن تسبِّحه ثلاثًا وثلاثين، وتحمَده وتُكبِّره، كذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مُحِيَت ذنوبه وإن كانت مثلَ زَبَدِ البحر)، ولقد ذهَب المهاجرون إلى رسول الله، فقالوا: ذهَب أهلُ الدثور من الأموال بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، يُصلون كما نُصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضلٌ من أموال يحجون بها، ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون، قال: (ألا أُحدِّثكم بأمر إن أخذتُم به أدركتُم مَن سبَقكم، ولَم يُدرككم أحد بعدكم، وكنتم خيرَ مَن أنتم بين ظهرانيه إلا مَن عمِل مثله؟ تُسبحون وتحمَدون وتكبِّرون خلف كلِّ صلاة ثلاثًا وثلاثين)، فاختلفنا بيننا، فقال بعضنا: نسبِّح ثلاثا وثلاثين، ونحمَد ثلاثًا وثلاثين، ونكبِّر أربعًا وثلاثين، فرجعت إليه فقال: (تقول سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون منهنَّ كلهنَّ ثلاثًا وثلاثين)، فهذا توجيهٌ من رسول الله لهؤلاء الأصحاب كذلك حديث: (ألا أُنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والورق؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله)، فإذا انتهيت من صلاتك، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعرف انتهاء صلاته بالتكبير، ثم الاستغفار، ثم إن شئت أن تصلي السنة في المسجد والأولى أن تُصليها في بيتك لحديث: (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)، فهذا أمرٌ يَلفت الأنظار.

 

أَسأل الله تعالى أن يجعلنا هداةً مُهتدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضل بناء المساجد ورعايتها
  • مسائل حول بناء المساجد في الغرب
  • عمارة المساجد (1) بناء المساجد وصيانتها
  • خطبة: فضل بناء المساجد
  • أحاديث في فضل بناء المساجد
  • الحث على بناء المساجد وثوابها العظيم
  • فضائل المساجد وآداب عمارتها (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • فضل تنظيف المساجد والمحافظة عليها من الأقذار والقمامة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل عمارة المساجد والمحافظة على الصلوات فيها(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • نعمة عودة المساجد والمحافظة عليها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفهوم الفضائل والمناقب والخصائص والبركة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضل بناء المساجد: بناء المساجد سبب من أسباب دخول الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل العفو والصفح - فضل حسن الخلق - فضل المراقبة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الاهتمام بالمساجد والمحافظة عليها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منهج الإسلام في حماية البيئة والمحافظة عليها: الماء نموذجا (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • البيئة والمحافظة عليها من منظور إسلامي (WORD)(كتاب - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • أهمية الصلاة والمحافظة عليها(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب