• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

الموسميون في العبادة

الشيخ حسين شعبان وهدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/9/2010 ميلادي - 17/10/1431 هجري

الزيارات: 17961

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الموسميون في العبادة

 

الحمد لله الذي يسَّر لنا سُبلَ الهُدى، وحذَّرنا من الغَواية والرَّدَى، ورضِيَ لنا الإسلامَ دينًا؛ فله الحمد أولاً وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا ودائمًا، حمْدًا طاهرًا على المدَى.

 

يا أخا الإسلام:

لاَ خَيْرَ فِي حَشْوِ الْكَلاَ
مِ إِذَا اهْتَدَيْتَ إِلَى عُيُونِهْ
والصَّمْتُ أَجْمَلُ بِالْفَتَى
مِنْ مَنْطِقٍ فِي غَيْرِ حِينِهْ
وَعَلَى الفَتَى لِطِبَاعِهِ
سِمَةُ تَلُوحُ عَلَى جَبِينِهْ

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيُّه من خَلْقه وحبيبه، والهادي بإذن ربِّه إلى صراطٍ مستقيم.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وباركْ عليه، وعلى آله وصَحْبه أجمعين.

 

أما بعد:

فقد ودَّعْناك يا تاجَ الشهور وبركة الأيام بحنينٍ لا يحدوه الوصفُ ولا تُنْسيه الليالي، ودَّعْناك والله يعلمُ ما في القلوب من شوقٍ كموجِ البحار لن يَهْدأَ؛ حتى تُوافيَنا يا رمضانُ مِنْ جَديد.

فقد مرَّ الضَّيْفُ سِرَاعًا كنسيمِ السَّحَر في ليلةٍ يُسَبِّح الكونُ كُلُّه فيها بحمدِ مَن سوَّاهُ، وانتهى رمضان كأنَّه ساعة من عُمرِ الزمن.

لكنَّ الدروس والعِبَرَ ما زال صَدَاها يتردَّدُ في حنايا الرُّوحِ بعدمَا تأَلَّقَتْ بنور الإيمان وعَبير القرآن، وطاعة الواحد الديَّان.

والحمدُ لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحاتُ، وتَتَنَزَّلُ البركاتُ، وتعمُّ الخيراتُ؛ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43].

 

أيُّها الإخْوة المؤمنون:

إنَّ المطالِع لحال المساجد بعد انتهاء رمضان يجدُ عجبًا مِن تقلُّبٍ قد تغيَّرتْ معه مَعَالِمُ، وتبدَّلَتْ أحوال، ويتساءلُ العُقلاءُ عن هذه الجِبَاه السَّاجدة في قيامِ الليْل وصلاة التَّهَجُّد: أين ذهبتْ؟! وعن هذه العيون الباكية بنشوة العبادة ولذَّة القُرْبِ: ما الذي صرَفَها عن النَّعيمِ الذي كانتْ فيه؟! وعن هذه الألسنةِ التاليةِ للقرآن ومناجاة الرحمن: ماذا تتلو الآن؟! وعن المسلمين الذين حضروا بيت الله في رمضان ثم غابوا ولا أمَلَ أنْ يعودوا إلا إذا زادَ رصيدُ الإيمانِ في قلوبهم مِن جَديد: أين هُم الآن؟!

 

أسئلةٌ تُحَرِّكُ العقولَ بالتفكير في منسوبِ الإيمانِ في القلوبِ، وفي أثَر العادة حينما تَطْمِس على الإنسان قُدْسِيَّة الدِّين في قلبه، فيعيش في الدنيا مُقلِّدًا تابعًا لهواه.

 

لو أعطى الله - تعالى - مِنْحةَ النُّطْقِ لجدرانِ المسَاجد بعدَ رمضَانَ، لعاتبتْ أهلَها الذين وصلوها في رمضان ثمَّ لم يكملوا وصْلَها، ولو كانتْ لها عيونٌ مثلنا، لأغرقتِ الأرض من فَرْط الدموع والحَنين إلى عباد الله الصالحين، ولقالتْ لنا في عجبٍ يستدر المدامع: ﴿ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ﴾ [البقرة: 61].

 

ما حيلةُ العُقلاء وقد عادَ الناس إلى سيرتهم الأُولى قبلَ رمضانَ في وداعٍ قد يطولُ مع بعضهم إلى رمضانَ القادم - إن كان في العُمر بقيَّةٌ مؤجَّلةٌ، وأدخلوا المصاحف في أدراجَها؟! لقد عادوا مِن جديدٍ إلى ما كانوا عليه، مثل حال ذلك الرجل الذي كان يُدمنُ الخَمرَ، ولكنَّه كان لا يعاقرُها في رمضان، فإذا نادَى المنادي بالعيد، قال كلَّ عام:

رَمَضَانُ وَلَّى هَاتِهَا يَا سَاقِي ♦♦♦ مُشْتَاقَةً تَسْعَى إِلَى مُشْتَاقِ

 

إنَّ الصيامَ لم يغيِّرْ فيه شيئًا، وكذلك سائرُ الأعمالِ الصالحةِ، فعادَ إلى سيرته الأولى.

ولقد أنزَلَ الله - تعالى - الشرائعَ والأحْكَام الدينيَّة سهلةَ الفَهْمِ، عميقةَ الأثَرِ في تقويمِ المسلم وهِدايته، وجعَلَها سببًا لغُفْران ذنبه وتحْفِيزِه إلى الدرجات العُلا، وسببًا مباشِرًا لضبطِ النَّفْسِ والسلوكِ، ومَسَارِ المجتمع كُلِّه.

 

وكانت السهولة واليُسْرُ أعظمَ ما تُوصَفُ به هذه الأحْكامُ الشرعيَّةُ؛ قال الله - تعالى - عن عباده المسلمين: ﴿ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، وقال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الدِّين يُسرٌ، ولن يُشَادَّ الدِّينَ أحدٌ إِلا غَلبَه، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغَدْوة والرَّوْحَة وشَيءٍ من الدُّلْجَةِ))؛ صحيح البخاري، (39) بسندٍ صحيحٍ عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه.

 

ولهذا؛ فإنَّ التكاليف التي كلَّفَنا الله - تعالى - بها ليستْ عصيَّة على الإتيان بها، بل إنها ميسورةٌ لكلِّ شخصٍ على حسبِ طاقته ومَقْدرته، وفوق ذلك فيها هدايتُنا وسعادتُنا.

 

التكاليفُ باقيةٌ ما بَقِيَ الإنسانُ:

وهذه التكاليف دائمة الوجوب طول الحياة، لا تسقطُ عن العبد إلا بإحدى ثلاث؛ كما ورَدَ في الحديث الشريف: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظَ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقِلَ ويفيق))؛ ابن العربي في "عارضة الأحوذي"، (3 / 392)، بسندٍ صحيحٍ عن عائشة - رضي الله تعالى عنها.

 

فطالما أنَّ العبد مكلَّفٌ فلا بُدَّ أنْ يقومَ بحِمْلِه من المسؤوليَّة التي لا تسْقُطُ عنه أبدًا، والهداية هنا هدايةُ دينٍ وليست هداية عقْلٍٍ يُفكر بقُدْرته المحدودة في مُحْكَمات الدِّين أو لسانٍ يجادلُ.

 

صلاة الجماعة وحضورها والتمتُّع بالنظر في القرآن وتلاوته، وذِكْر الله وصِلة الرَّحِم والصدَقَات، وقيام الليل، وحِفْظ العين واللسان والسمع وسائر الجوارح، وغيرها من عباداتٍ وصفاتٍ - نتعرَّف عليها من جديد كُلَّما أقْبَلَ رمضان، ويفارقها بعضُنا الآن في وداعٍ اعتياديٍّ إلى موسم العام القادم، وقد صوَّرها الواقعُ بأنها عبادات رمضانيَّة موسِميَّة كمواسمِ الشتاءِ والصيْف، بما حوتْ من سُننِ الله الكونيَّة، كمطرٍ ورعدٍ وبرقٍ، وغيمٍ وحَرورٍ وسُحُبٍ، ويبوسةٍ واعتدالٍ، ومن تنوُّع الثمار والفواكه، وبركات الأرض المأمورة مِن خالِقها أن توافِينا بالخير بعد ما نضربُ في مناكبها؛ ابتغاءً لرزْقه المبارَك، إنها مخلوقاتٌ لا تُعَطِّلُ أمرَ الله - تعالى - بل تعبدُ خالقَها بما تُخْلِفه على العبادِ من إدراك مصالحَ وخيراتٍ، أمَّا في دنيا الناس الآن، فقد عطَّلَ كثيرٌ من المسلمين فروضَ الدِّين وسُنَّة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - رَدَحًا طويلاً من الزمان، ثم قاموا بعمليَّة إحياءٍ لهذه الفروض، وهذه السُّنن فقط في رمضان، فصاروا بهذا الوصفِ مَوسِميين في العبادة.

 

عَرَفْتَ فَالْزَمْ:

صحيحٌ أنَّ لكلِّ فترةٍ من العام والأوقات ما يناسبها من العبادة؛ فعن زمان الحجِّ قال الله - تعالى -: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ [البقرة: 197]، وعن شهْر الصيام قال الله - تعالى -: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، وعن توقيتِ الزكاة قال الله - تعالى -: ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141].

 

ومع ذلك فهناك عباداتٌ لا تتقيَّد بزمانٍ ولا وقتٍ مُعيَّن في العام، ولا يجوز لنا أن نُوقِفَها ولا أن نكسِّلَ عنها، كصلاة الجماعة في المساجد، واستماع العلْم، وتلاوة القرآن، وبذْل الصدقات وغيرها، فلماذا نجعلُها موسميَّة غير دائمةٍ؟!

لقد أكرمَ الله - تعالى - مَن ذَاقَ حلاوتها في رمضان، وما عليه إلا أنْ يسيرَ على صِرَاطِها المستقيم بثباتٍ وإصرارٍ

وهي رسالةٌ مُتجدِّدة إليك يا ابن الإسلام: عَرَفْتَ طريقَ الهداية في رمضان فالْزَمْها، وتذوَّقْتَ - بحمد الله - مذاقات الإيمان؛ فجِدَّ من جديدٍ في البحثِ عنها.

 

إنَّ الموسميين في الطاعة لا يُقَدِّرون ربَّهم حقَّ قَدْره، فهم ينشطون حينًا بعدما أصابهم الإياسُ والعطوبُ أحيانًا أخرى، بل إنَّ كثيرًا من المسلمين يُضيِّعون جبالَ الحسنات التي جمعوها في رمضان؛ بالإهمال في جانب الطاعة بعد رمضان، وحالهم كما قال ربُّنا - سبحانه - تحذيرًا: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ﴾ [النحل: 92].

 

فبعد المصابرة على تربية النفْس بصنوف العبادة والتوفيق إليها، على العبد أنْ يحرِصَ على الحِفاظ على هذا الخيْرِ، وألاَّ يضيِّعَه كحالِ امرأةٍ غزَلَت الثوبَ، فلمَّا قاربتْ من الانتهاء منه، قامتْ بنقْضِه وفكِّ خيوطه، وإبعادِ بعضِها عن البعض الآخر، وما هذا بحالِ مؤمنٍ صادقٍ، بل إنَّ العبدَ المؤمن مَظِنَّة العُلا والترقِّي كطائرٍ لا تحتوشه الآفاتُ إذا ابتعدَ دائمًا عن الأرض، وقاومَ جَوَاذِبَها، وحاوَلَ أنْ يزيدَ في إيمانه خيْرًا ؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [مريم: 76]، وقال - عز من قائلٍ -: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17].

 

مشكلة الفتور وأسبابها:

والفتورُ مصيبةٌ ابْتُلِيَ بها كثيرٌ من الناس، فيمسُّهم في أحايين كثيرة من حياتهم، وسيُفْضي بهم إلى ساحات الانقطاع عن الخير إذا لم يُوفَّقوا إلى النشاط المأمولِ، وليأخذ المسلم عِبْرةً وقُدْوة من الملائكة الأطْهار الذين لا يفْتُرُون عن طاعة الله - عز وجل - قال - تعالى -: ﴿ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾ [الأنبياء: 19 - 20].

 

فاستلهموا الدرسَ من الملائكة الكِرام؛ لأنَّ يومًا واحدًا من العمل بنشاطٍ وهِمَّةٍ خيرٌ من عامٍ كاملٍ من التراخي والكَسَل.

دهشةٌ شديدةٌ غامرةٌ تتركُ الحليمَ حَيْرانَ منْ هذا الفتور الموسمي المتوقَّع بامتيازٍ كلَّ عامٍ، والذي من أسبابه على الاختيار باختصار:

♦ الاستغراق في المباحات، والاستكثارُ منها بينَ مَطْعُومٍ ومَشْرُوبٍ وطرائقِ تَرْفِيه ما كانتْ تخطرُ بالحُسبان، ثم يَثْقل البدنَ وتَنْفِرُ الأرواح إثْرَ ذلك من العبادة، وتَذْهَل عن الذِّكْرِ والمنَاجَاة؛ قال الله - تعالى - وقاية من هذه المخاطِر: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].

وقال الله - تعالى -: ﴿ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾[الإسراء: 26 - 27].

 

ومن أسباب الفتورِ مفارقةُ الجماعةِ في العبادةِ، واكتفاءُ كلِّ فردٍ بأن يصليَ وحدَه في بيته أو نَادِيه؛ فقد جاء في الحديث: ((ما من ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تُقَامُ فيهم الصلاة، إلاَّ قد استحوذَ عليهم الشَّيطان، عليك بالجماعة؛ فإنَّما يأخذُ الذئبُ من الغنم القاصيةَ))؛ النووي في "المجموع"، (4/ 182)، وإسناده صحيحٌ عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه.

 

والجماعة قوةٌ إيمانيَّةٌ مباركةٌ فاعلةٌ في ثباتِ المؤمنين، والتفرُّقُ انتكاسةٌ وضَعفٌ وذهابٌ للشخصيَّة، وطاقة الفرد تتجدَّد - بحول الله - مع جماعة المؤمنين في المساجد والأعْرَاسِ، وأينما جمعَهم زمانٌ أو مكانٌ؛ لأنها سياسةُ الدِّين العظيم الذي يأمرُ أتْبَاعه دائمًا بالتوحُّدِ والالتقاء؛ لِمَا لذلك من جميلِ الأثَرِ على الفرد والمجتمع في آنٍ واحدٍ؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، وقال الله - تعالى -: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2].

 

ومن الكلام الحكيم: "كَدرُ الجماعة خيرٌ من صفو الفرد"، وأجمل العبادة ما جمع المؤمنين، إنها وسيلة الفلاح:

لَوْلاَ الْجَمَاعَةُ مَا كَانَتْ لَنَا سُبُلٌ ♦♦♦ وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْبًا لأَقْوَانَا

 

والجوُّ العام في المساجد يمنحُ الفاتر قوَّة العزيمة وينشطه، ويُلْهمه دروسَ المثَابَرَة، بل والتلذُّذ بالطاعات.

ومن أسباب الفتور بعد رمضان عدمُ تذكُّر الآخرة؛ فإنَّ الآخرة لو كانتْ في قلب العبد، لعمل لها عمَلَها؛ كما قال الله - تعالى -: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 19].

 

ولهذا يُستحبُّ للمؤمن أن يعاوِدَ الزيارة للقبور؛ فإنَّ في زيارتها تجديدًا لذِكْر الموت وكُربته، والقبر وظُلْمته، والصراطِ ودِقَّتِه؛ قال النبي الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - لصحابته الكِرام: ((كنتُ نهيتُكم عن زيارة القبور، ألاَ فزوروها؛ فإنَّها ترقِّق القلبَ، وتُدْمع العين، وتذكِّر بالآخرة، ولا تقولوا هُجْرًا))؛ الألباني في "صحيح الجامع"، (4584)، بسندٍ صحيحٍ عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه.

 

ومن أسباب الفتور بعد رمضان الاستهانةُ في ضبطِ أعمال اليوم والليلة، فإنَّ ضبطَ الأعمال والقيام بها في أوقاتها - بلا تأجيلٍ أو اختزالٍ أو تبديلٍ - من أهمِّ الأمور التي تساعدُ العبدَ على التخلُّص من الفتور والخَوَر؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 62].

 

ومن نِعَم الله الحسيب أنَّ الشرع الحنيف قد نظَّم يومَ العباد وليلتَهم بالصلوات والأوراد من الأذكار والقرآن، فاحترامُ هذه الأوقات والقيام بما يجبُ عليه فيها من أهمِّ أسباب التوفيق، أمَّا من يُهْمل السُّننَ الراتبة، ويَهْجر القرآن، ويَصُد عن ذِكْر الرحمن، فهذا إنسان يُضْعِفُ نورَ الإسلامِ في قلبهِ بيدهِ، وأسوأ منه ذَيّاكَ الذي لا يُصَلِّي من الأساس، إنَّ الشيطان قد استحوذَ عليه وضربَ على قلبه بالبلادةِ والثِّقَلِ صوْبَ العِبَادات كُلِّها؛ قال النبي الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يَعْقِدُ الشيطان على قافيةِ رأْسِ أحدِكم إذا هو نَامَ ثلاثَ عُقَدٍ، يضرب كلَّ عقدة: عليك ليلٌ طويلٌ فارقُدْ، فإنِ استيقظَ فذَكَر الله انحلَّتْ عقدةٌ، فإنْ توضَّأ انحلَّتْ عُقْدة، فإنْ صلَّى انحلَّتْ عُقْدة، فأصبحَ نشيطًا طيِّبَ النفْس، وإلاَّ أصبحَ خَبيْثَ النفْس كَسْلان))؛ صحيح البخاري، (1142)، بسندٍ صحيحٍ عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه.

 

ومن أسباب الفتور بعد رمضان صحبةُ ذوي الإراداتِ الضعيفةِ والعملِ الشائنِ؛ فإن الصاحبَ ساحبٌ، كما قِيل، وأثَر الصحبة ظاهرٌ جدًّا في حياة الناس:

مَنْ جَالَسَ الْجُرْبَ يَوْمًا فِي أَمَاكِنِهَا ♦♦♦ لَوْ كَانَ ذَا صِحَّةٍ لاَ يَأْمَنُ الْجَرَبَا

 

ويرحمُ الله - تعالى - مَن قال: "اصْحَبْ مَن يُنْهِضُكَ حالُه، ويدلُّك على الله مقالُه".

 

أيُّها الأخُ الحبيب:

تَمَرَّدْ على الكسلِ، ولا تستسلمْ له، واطَّرِحِ البرودَ الذي يَفُتُّ في البدنِ، وانظر إلى هذه اللمحةِ القرآنيَّة المبْهِرة التي تفضحُ الكَسَالَى وتَصِمُهم بالنفاق حالَ القيام إلى العبادة؛ ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142].

 

واستعنْ بالله ربِّ العالمين، وقُلْ بلسانك وشغافِ قلبِكَ كما أمَرَ الحبيب - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من العجز والكَسَل، والجُبْن والهَرَم، وأعوذ بك من فتنة المحْيَا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر))؛ صحيح البخاري، (2823)، بسندٍ صحيحٍ عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه.

 

مواسمُ الطاعات تبدأُ من جديدٍ، فانْزِل المضْمارَ بمعاودةِ الصيام؛ لأنه لا غِنى للمسلم عنه طول العام، وخصوصًا هذه الأيام؛ يقول النبي الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صَامَ رمضان، ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيامِ الدَّهْر))؛ صحيح مسلم، (1164)، بسندٍ صحيحٍ عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله تعالى عنه.

 

ومن الصيام المبارَك يوم عَرَفة، وعاشوراء، والأيام القمريَّة، ويومي الاثنين والخميس.

وتستمرُّ الطاعات بإقامة الصلاة؛ قال الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]، وعن سيِّد الخَلْق - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه ذَكَرَ الصلاة يومًا، فقال: ((مَن حافَظَ عليها، كانتْ له نورًا وبُرْهانًا ونجاةً يوم القيامة، ومَن لم يحافظْ عليها، لم يكنْ له نورٌ ولا برهانٌ ولا نجاةٌ، وكان يومَ القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبَيِّ بن خلف))؛ مسند الإمام أحمد، (10/ 83) عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنهما - وقال الشيخ شاكر: "إسنادُه صحيح".

 

وما زال القرآن فينا خيرَ شاهدٍ لمن يتلوه، فتابِعوا القرآن؛ قراءةً واستماعًا وتعلُّمًا في جَوَلاتٍ متتابعةٍ؛ قال النبي الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنَّه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه))؛ صحيح مسلم، (804)، بسندٍ صحيحٍ عن أبي أُمَامة الباهلي - رضي الله تعالى عنه - وليَثْبُت الموفَّقُونَ على أنوار الذِّكْر والمناجاة؛ فقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((سبَقَ المفردون الذَّاكرون الله كثيرًا والذاكرات))؛ الألباني في "صحيح الجامع"، (3655)، بسندٍ صحيحٍ عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه.

 

وأخيرًا:

فإنَّ انشراحَ الصدر بعد العمل الصالح من دلائل القَبول، والانتقال من الطاعة إلى الطاعة دليلُ قَبول الأُولى، ومِن تيسيرات الله - تعالى - لعباده أنَّه ينقلُهم مِن عزِّ الطاعات إلى توفيق المداومَة عليها في سلسلةٍ من الاسترضاء لربِّ الأكوان؛ حتى يَؤوبَ الغريب إلى وطنه الأوَّل جَنَّاتِ الخلودِ؛ قال الله - تعالى -: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾ [الشرح: 7].

 

وشأن المحبِّ لمولاه أنَّه دائمُ التَّرَيُّضِ في فَرَادِيس عبادته، لا يستشعر المَلالَ ولا الكَلاَلَ، ومَطِيَّتُه ومَرْكَبُه هو الصبر الدؤوب؛ منعًا لمساخط الرحمن، واجتلابًا لرضاه؛ ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ﴾[مريم: 65].

 

إنَّ أعظمَ الواجبات على المؤمنين هذه الأيام هو المحافظة على هذا المولدِ الإيمانيِّ الجديد الذي نمَّاه العمل الصالح في رمضان، ومداومة الانتقال من عبادة إلى أخرى بقلبٍ لا يَعْرِف الملَلَ، وبدنٍ لا يُدَعْثِره الفتورُ عن الطاعةِ، ولا يهوي به الإخلادُ إلى زهرة الدنيا وفِتْنتها.

 

واللهَ نسألُ أن يفِيءَ علينا من مغانم الأُنْس به ما يقوي ظهورَنا على دوام طاعته، وألاَّ يحرمَنا جنتَه؛ إنَّه وليُّ ذلك، والقادر عليه.

 

والحمد لله في بَدءٍ وفي خَتْمٍ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المواظبة على العبادة
  • العبادة وأثرها في إصلاح الفرد والمجتمع
  • ماذا نفعل بعد العبادة؟
  • حسن العبادة أو العبادة الحسنة
  • كلمة عن العبادة
  • ضوابط في العبادة

مختارات من الشبكة

  • شمولية العبادة في الإسلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اتباع الطاعة الطاعة والعبادة العبادة(مادة مرئية - موقع الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم)
  • العبادة النافعة عبادة القلب الموجبة لعمل الجوارح(مقالة - موقع الدكتور عبدالله بن محمد الغنيمان)
  • عبادة أفضل من الصيام والصلاة والصدقة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رمضان انتهى، فهل انتهت العبادة؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • معنى العبادة وأركانها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدعاء مخ العبادة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أقسام العبادات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المعينات الذاتية على العبادة ومعوقاتها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: العبادة في الهرج(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب