• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

الأيام العشر من ذي الحجة

الشيخ سعد بن سعيد الحجري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/12/2007 ميلادي - 1/12/1428 هجري

الزيارات: 21344

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأيام العشر من ذي الحجَّة

 

ملخص الخطبة:

1- الله يصطفى ما يشاء ويختار من خلقه.

2- بركة الطاعة وفوائدها.

3- فضائل عشر ذي الحجَّة.

4- فضل يوم عرفة.

5- فضل يوم النَّحر.

6- أعمال يُندَب لها في عَشْر ذي الحجَّة.

♦ ♦ ♦


الخطبة الأولى

أما بعد:

فيا أيها المسلمون، اتقوا الله الذي يخلق ما يشاء ويختار، خلق السماوات واختار منها السابعة، وخلق الجنَّات واختار منها الفردوس، وخلق الملائكة واختار منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وخلق البشر واختار منهم المؤمنين، واختار من المؤمنين الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسل، واختار من الرسل أولي العزم، واختار من أولي العزم الخليلين، واختار من الخليلين محمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم وعليهم أجمعين - وخلق الأرض واختار منها مكة، وخلق الأيام واختار من أشهرها شهر رمضان، ومن أيامها يوم الجمعة، ومن لياليها ليلة القدر، ومن ساعاتها ساعة الجمعة، ومن عَشْرها عَشْر ذي الحجَّة.

والمسلم يعيش مباركًا في العمل وفي الزمن، وأعظم البركة في العمل الطاعةُ؛ إذ هي بركة على أهلها كما يقول تعالى: ﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ [الأنعام: 160]، وكما يقول صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيَّن ذلك، فمَنْ همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملةً، ومَنْ همَّ بحسنةٍ فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومَنْ همَّ بسيئة فلم يعلمها كتبها الله عنده حسنةً كاملةً، ومَنْ همَّ بسيئةٍ فعملها كتبها الله سيئةً واحدةً، ولا يهلك على الله إلا هالك)).

 

وهذا يدلُّ على أنَّ الطاعة بركةٌ في القَوْل؛ إذ الكلمة الواحدة من الطاعة بعشر حسنات؛ يكتب الله بها رضوانه، فيحفظ بها عبده حتى يُدخله الجنة، ويرضى عليه في الجنة؛ فلا يسخط عليه أبدًا.

والطاعة بركةٌ في العمل؛ إذ الصلاة بعشر صلوات كما في الحديث القدسي: ((أمضيتُ فريضتي، وخفَّفْتُ عن عبادي))؛ فهي خمسٌ في الفعل وخمسون في الأجر والثواب.

 

وصوم رمضان بعشرة أشهر؛ كما في الحديث: ((رمضان بعشرة أشهر، وستُّ شوال بشهرَيْن))، ((والصدقة بسبعمائة ضِعف))، ((والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة)).

 

والطاعة طُهْرَةٌ من الذنوب؛ فالصلاة طُهْرَةٌ من الذنوب، كما في الحديث: ((مَثَل الصَّلوات الخمس كمثل نهر غمر على باب أحدكم، يغتسل منه خمس مرات في اليوم والليلة، هل يبقى عليه من الدَّرَن شيءٌ؟!)).

والصوم طُهْرَةٌ من الآثام، كما في الحديث: ((جاءني جبريل؛ فقال: مَنْ أدرك رمضان فلم يُغْفَر له أبعده الله، قل: آمين))؛ فقلتُ: آمين.

 

ومَنْ صامه وقامه وقام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا؛ غُفر له ما تقدَّم من ذنبه. و: ((الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار))، و: ((مَنْ حج فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمَّه)).

 

والطاعة بركةٌ في التعامل؛ إذ بالتعامل الحسن يدرك الإنسان درجة الصائم القائم، ويجاور الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم ويحظى ببيتٍ في أعلى الجنة، ويدخل الجنة، ويكمل إيمانه، ويثقل ميزانه.

وأعظم الزمن بركةً: عَشْر ذي الحجَّة؛ إذ لها مكانةٌ عظيمةٌ عند الله تعالى، تدلُّ على محبَّته لها وتعظيمه لها؛ فهي عَشْرٌ مباركاتٌ كثيرةُ الحسنات، قليلة السيِّئات، عالية الدَّرجات، متنوِّعة الطَّاعات.

 

فمن فضائلها: أنَّ الله تعالى أقسم بها فقال: ﴿ وَلَيالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 2]، ولا يقسم تعالى إلا بعظيم، ومما يدلُّ على ذلك: أن الله لا يقسم إلا بأعظم المخلوقات، كالسماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والرياح، ولا يقسم إلا بأعظم الأزمان، كالفجر والعصر والضحى والليل والنهار والعشر، ولا يقسم إلا بأعظم الأمكنة، كالقسم بمكة، وله أن يقسم من خلقه بما يشاء، ولا يجوز لخلقه أن يقسموا إلا به، فالقَسَم بها يدلُّ على عظمتها ورفعة مكانتها وتعظيم الله لها.

ومن فضائلها: أنَّ الله تعالى قرنها بأفضل الأوقات، والقرين بالمقارَن يقتدي؛ فقد قرنها بالفجر وبالشفع والوتر وبالليل.

 

أما اقترانها بالفجر: فلأنه الذي بحلوله تعود الحياة إلى الأبدان بعد الموت، وتعود الأنوار بعد الظُّلْمَة، والحركة بعد السكون، والقوَّة بعد الضعف، وتجتمع فيه الملائكة، وهو أقرب الأوقات إلى النزول الإلهي في الثُّلُث الأخير من الليل، وبه يُعرف أهل الإيمان من أهل النفاق.

 

وقرنها بالشفع والوتر: لأنهما العددان المكوِّنان للمخلوقات، فما من مخلوق إلا وهو شفعٌ أو وترٌ، وحتى العَشْر فيها شفعٌ، وهو النحر، وفيها وترٌ، وهو عرفة.

وقرنها بالليل لفضله؛ فقد قُدِّم على النهار، وذُكِرَ في القرآن أكثر من النهار، إذ ذُكِرَ اثنتين وسبعين مرَّة، والنهار سبعًا وخمسين مرَّة، وهو أفضل وقتٍ لنَفْل الصَّلاة، وهو أقرب إلى الإخلاص؛ لأنه زمن خُلْوَةٍ وانفراد، وهو أقرب إلى مراقبة الربِّ تعالى؛ إذ لا يراه ولا يسمعه ولا يعلم بحاله إلا الله، وهو أقرب إلى إجابة الدُّعاء وإلى إعطاء السؤال ومغفرة الذنوب؛ إذ يقول الربُّ في آخِره: ((هل من داعٍ فأجيبه، وهل من سائلٍ فأعطيه، وهل من مستغفرٍ فأغفر له؟)).

 

مُيِّز به أهل الجنة في قوله تعالى: ﴿ كَانُواْ قَلِيلًا مّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ [الذاريات: 17]، وفي قوله: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [السجدة: 16]، وميِّز به عباد الرحمن في قوله: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا * وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان: 63-64]، قال بعض السلف: "لولا الليل ما أحببتُ العَيْش أبدًا"، وقال آخَر: "لم يبقَ من لذَّة الدُّنيا إلا قيام الليل وصلاة الجماعة وصُحْبَة الصَّالحين".

ومن فضائلها: أنَّ الله تعالى أكمل فيها الدِّين؛ إذ تجتمع فيها العبادات كلِّها، وبكمال الدِّين يَكْمُل أهله، ويَكْمُل عمله، ويَكْمُل أجره، ويعيشون الحياة الكاملة التي يجدون فيها الوقاية من السيئات، والتلذُّذ بالطَّاعات، ومحبَّة المخلوقات.

 

وبكمال الدِّين تنتصر السنَّة، وتنهزم البدعة، ويقوى الإيمان، ويموت النفاق.

 

وبكمال الدين ينتصر الإنسان على نفسه الأمَّارة بالسوء؛ لتكون نفسًا مطمئنة تعبد الله كما أراد، وتقتدي بالأنبياء، وتصاحب الصالحين، وتتخلَّق بالأخلاق الحسنة.

وبكمال الدين ينتصر الإنسان على شيطانه الذي شطَّ ومال به عن الصِّراط المستقيم، وينتصر على الهوى والشهوات.

 

وقد كَمُلَ الدِّين حتى تركنا الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم على المحجَّة البيضاء؛ ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالكٌ شقيٌّ. وقد حسدنا اليهود على هذا الكمال؛ قال حَبْرٌ من أحبار اليهود لعمر رضيَ الله عنه: آيةٌ في كتابكم لو نزلت علينا معشر اليهود؛ اتَّخذنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدًا: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]. قال عمر: إني أعلم متى نزلت، وأين نزلت. نزلت يوم عرفة في يوم جمعة.

 

وكمال الدِّين يدلُّ على كمال الأمَّة وخيريَّتها.

ومن فضائلها: أن الله أتمَّ فيها النعمة؛ إذ تنعم الأرواح بشتَّى أنواع الطاعات القَوْليَّة والفعليَّة والتعامليَّة.

 

ومن تمام النِّعمة: أن الله فتح قلوب العباد للإسلام، فدخل الناس في دين الله أفواجًا؛ إذ كان عددهم عند تمام النعمة أكثر من مائة ألف.

 

ومن تمام النعمة: أن الله أظهر الإسلام على جميع الأديان؛ إذ كان في الجزيرة أديانٌ متنوِّعةٌ؛ منها: اليهودية، والنصرانية، والمجوسية، والوثنية، والنفاق، فأُبيدت بالإسلام، وظهر عليها الإسلام؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [الفتح: 28].

ومن تمام النِّعمة: منع الكفار من دخول الحَرَم، واختصاص المسلمين بذلك، فتوحَّدت صفوف المسلمين حتى أصبحوا كالجسد الواحد، ووحَّدوا معبودهم، وتوحَّد دينهم، وتوحَّدت كلمتهم، وتوحَّد طريقهم، ويا لها من نعمة عظيمة أن ترى أهل الإيمان ظاهرين وأهل الكفر مهزومين.

 

ومن فضائلها: أن العبادات تجتمع فيها ولا تجتمع في غيرها، فهي أيام الكمال، ففيها الصلوات كما في غيرها، وفيها الصَّدقة لمَنْ حال عليه الحَوْل فيها، وفيها الصوم لمَنْ أراد التطوع أو لم يجد الهَدْي، وفيها الحجُّ إلى البيت الحرام ولا يكون في غيرها، وفيها الذِّكْر والتَّلْبية والدعاء الذي تدلُّ على التوحيد، واجتماع العبادات فيها شرفٌ لها لا يضاهيها فيه غيرها، ولا يساويها سواها.

ومن فضائلها: أنها أفضل أيام الدُّنيا على الإطلاق، دقائقها وساعاتها وأيامها وأسبوعها، فهي أحبُّ الأيام إلى الله تعالى، والعمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله تعالى؛ فهي موسم للرِّبح، وهي طريق للنَّجاة، وهي ميدانُ السَّبْق إلى الخيرات؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله تعالى من هذه الأيام))؛ يعني أيام العَشْر. قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء))، وهذا يدل على أن العمل في أيام العشر أفضل من الجهاد بالنفس، وأفضل من الجهاد بالمال، وأفضل من الجهاد بهما والعودة بهما أو بأحدهما؛ لأنه لا يَفْضُل العمل فيها إلا مَنْ خرج بنفسه وماله، ولم يرجع لا بالنفس ولا بالمال.

وقد روي عن أنس بن مالك رضيَ الله عنه أنه قال: "كان يُقال في أيام العَشْر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم"؛ يعني: في الفضل.

 

وروي عن الأوزاعي قال: "بلغني أنَّ العمل في يوم من أيام العَشْر كقدر غزوةٍ في سبيل الله، يُصام نهارها ويُحرَس ليلها؛ إلاَّ أنْ يختصَّ امرؤٌ بالشَّهادة.

 

ومن فضائلها: أن فيها يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجَّة، وهو يومٌ معروفٌ بالفضل وكثرة الأجر وغفران الذنب؛ فهو يومٌ مجيدٌ، يعرف أهله بالتوحيد؛ إذ يقولون: لا إله إلا الله، وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وخير ما قلتُ أنا والنبيُّون قبلي: لا إله إلا الله))، ويعرف الإنسان ضعف نفسه؛ إذ يُكْثِر من الدُّعاء، ويلحُّ على الله في الدُّعاء، وفي الحديث: ((خير الدُّعاء دعاء يوم عرفة))، ويعرف إخوانه المسلمين الذين اجتمعوا من كلِّ مكانٍ في صعيدٍ واحد، ويعرف عدوَّه الذي ما رُئِيَ أصغر ولا أحقر منه في مثل يوم عرفة، ويعرف كثرة مغفرة الله في هذا اليوم؛ لكثرة أسباب المغفرة، من توحيد الله، ودعائه، وحفظ جوارحه، وصيامه لغير الحاجِّ.

وهو يوم الحجِّ الأعظم؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((الحج عرفة))، وصومه تطوُّعًا يكفِّر ذنوب سنتين: سنة ماضية وسنة مقبِلة، وما علمتُ هذا الفضل لغيره؛ فكأنه حفظ للماضي والمستقبل.

 

ومن فضائلها: أنَّ فيها يوم النَّحر، وهو اليوم العاشر من ذي الحجَّة، وهو أفضل الأيام كما في الحديث: ((أفضل الأيام يوم النَّحْر))، وفيه معظم أعمال النُّسُك: من رمي الجمرة، وحَلْق الرَّأس، وذبح الهَدْي، والطَّواف، والسَّعي، وصلاة العيد، وذبح الأُضحية، واجتماع المسلمين في صلاة العيد، وتهنئة بعضهم بعضًا.


الخطبة الثانية

أما بعد:
ففضائل العَشْر كثيرةٌ؛ لا ينبغي للمسلم أن يضيِّعها؛ بل ينبغي أن يغتنمها، وأن يسابِق إلى الخيرات فيها، وأن يشغلها بالعمل الصَّالح.

 

ومن الأعمال المشروعة فيها: الذِّكْر؛ يقول تعالى: ﴿ لِيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 28]، وروى الإمام أحمد عن ابن عمر، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ما من أيامٍ أعظم عند الله ولا أحبُّ إليه من العمل فيهنَّ من هذه الأيام العَشْر، فأكثروا فيهنَّ من التَّهليل والتَّكبير والتَّحميد))؛ قال الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله -: "وإسناده صحيح"، وكان أبو هريرة وابن عمر - وهما أكثر الصحابة روايةً للحديث، وأكثرهم اتِّباعًا للسنَّة - إذا دخلت عَشْر ذي الحجَّة يخرجان إلى السوق، يكبِّران كلٌّ على حِدَتِه، فإذا سمعهم الناس تذكَّروا التَّكبير، فكبَّروا كلَّ واحدٍ على حِدَتِه، وهذا التَّكبير المطلَق، ويُكثِر مع التكبير من التَّسبيح والتَّهليل والتَّحميد والذِّكر، ويُكثر من قراءة القرآن؛ فإنه أفضل الذِّكر، وفيه الهدى والرحمة والبركة والعظمة والتأثير والشفاء.

وليعلم المسلم بأن الذِّكْر هو أحبُّ الكلام إلى الله تعالى، وهو سبب النَّجاة في الدُّنيا والآخِرة، وهو سبب الفلاح، وحفظٌ لصاحبه من الكفر ومن الشيطان ومن النار، به يُذْكَر العبد عند الله، ويصلِّي الله وملائكته على الذِّاكر، وهو أقوى سلاح، وهو خير الأعمال وأزكاها وأرفعها في الدَّرجات، وخيرٌ من النَّفقة، به يضاعف الله الأجرَ، ويغفر الوِزْرَ، ويُثْقِل الميزان، ومجالسه هي مجالس الملائكة ومجالس الرُّسل، ومجالس المغفرة والجنَّة والإيمان والسعادة والرَّحمة والسَّكينة، وفضائله كثيرة، قرنه الله بالصلاة فقال: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ ﴾ [النساء: 103]، وقرنه بالجمعة فقال: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ ﴾ [الجمعة: 10]، وقرنه بالصوم فقال: ﴿ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ [البقرة: 185]، وقرنه بالحجِّ فقال: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200]، وقرنه بالجهاد فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ ﴾ [الأنفال: 45]، ولا يتقيَّد بزمنٍ ولا حال، أمر الله به على جميع الأحوال فقال: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ﴾ [النساء:103].

ويكثر من نوافل الصلوات بعد الفرائض، كالرواتب التي قبل الفرائض وبعدها، وهي اثنتا عشرة ركعة، أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر. ويواظب على النوافل المقيَّدة، مثل أربع قبل الظهر، وأربع بعدها، وأربع قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، وصلاة الليل، وهي إحدى عشرة ركعة كما في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يواظب عليها ويقضيها وقت الضحى لو نام عنها، وصلاة الضحى ركعتان أو أكثر، فالمحافظة على النوافل سببٌ من أسباب محبَّة الله، ومَنْ نال محبَّة الله حفظه وأجاب دعاءه، وأعاذه ورفع مقامه؛ لأنها تكمل النَّقص وتجبر الكسر وتسدُّ الخََلَل.

ويُكْثِرُ من الصدقة في العَشْر؛ إذ الصَّدقة فيها أفضل من الصَّدقة في رمضان، وما أكثر حاجات الناس في العَشْر من النفقة والاستعداد للحج وللعيد وطلب الأضحية ونحوها، وبالصَّدقة ينال الإنسان البرَّ، ويضاعَف له الأجر، ويُظلُّه الله في ظلِّه يوم القيامة، ويفتح بها أبواب الخير، ويغلق بها أبواب الشرِّ، ويفتح فيها باب من أبواب الجنة، ويحبَّه الله ويحبَّه الخَلْق، ويكون بها رحيمًا رفيقًا، ويزكي ماله ونفسه، ويغفر ذنبه، ويتحرَّر من عبودية الدِّرهم والدِّينار، ويحفظه الله في نفسه وماله وولده ودنياه وآخِرته.

ويُكْثِر من الصيام في أيام العَشْر، ولو صام التسعة الأيام لكان ذلك مشروعًا؛ لأن الصِّيام من العمل الصالح، ولأنه ثبت في الحديث أنه كان يصوم يوم عاشوراء، وتسع ذي الحجَّة، وثلاثة أيام من الشَّهر، وما ورد عن عائشة أنه ما صام العَشْر؛ فالمراد إخبار عائشة عن حاله عندها، وهو عندها ليلةٌ من تسع، ولربَّما تَرَكَ الشيء خشية أن يُفرض على أمَّته، ولربَّما تَرَكَه لعذرٍ من مرض أو سفر أو جهاد أو نحوه، وإذا تعارض حديثان أحدهما مُثبِت والآخَر نافي؛ فإننا نقدِّم المثبت على النافي، لأن عنده زيادة علم.

وينبغي للمسلم أن يسابق في هذه العَشْر بكل عمل صالح، ويُكْثِر من الدُّعاء والاستغفار، ويتقرَّب إلى الله بكل قُرَبة، وينبغي للمسلم إذا دخلت عليه العَشْر وهو يريد أن يضحِّي؛ فلا يأخذ من شَعْره ولا بشرته شيئًا، وأمَّا مَنْ يُضحَّى عنه فلو أمسك لكان حسنًا، باعتباره يضحِّي في الأصل بأضحية وليِّه، وإن لم يمسك فلا حرج عليه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضل عشر ذي الحجة
  • وظائف ذي الحجة
  • فضل الحج وعشر ذي الحجة
  • فضل عشر ذي الحجة
  • فضائل عشر ذي الحجة وبعض حكم الحج
  • أحكام عشر ذي الحجة
  • عبادة النبي صلى الله عليه وسلم في الحج
  • سنة مهجورة
  • وليال عشر
  • فضائل العشر وسنن العيد وأحكام الأضحية
  • أخي المسلم: جاءتك العشر فاجتهد
  • العشر من ذي الحجة كيف نعيشها؟
  • أيام معلومات وليال عشر
  • خير أيام الدنيا
  • بين الحج والحياة الدنيا
  • ماذا أفعل في أيام العشر؟ (1)
  • أحب الأيام إلى الله
  • أبواب الأجر في الأيام العشر
  • تعظيم الأجر في أيام العشر
  • البدار البدار لاغتنام هذه العشر الأخيار
  • العشر تمضي فما سهمك فيها؟!
  • أيام العشر من ذي الحجة (خطبة)
  • أعمال الخير في الأيام العشر
  • اغتنام الأجر فيما بقي من العشر (خطبة)
  • جلب السرور والبشر في الحث على الأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر
  • اغتنام الأيام العشر في أحب الأعمال إلى الله جل جلاله (خطبة)
  • العشر المباركات
  • ستون فائدة من حديث: ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر
  • الأيام العشر من ذي الحجة... أيام من ذهب (خطبة)
  • بشريات عظيمات لأصحاب الأعمال الصالحات في هذه الأيام المباركات
  • بث السرور والبشر في فضائل الجهاد والعمل الصالح في الأيام العشر
  • فضل العشر الأوائل من ذي الحجة
  • يسألونك عن العشر: فضل الأيام العشر من ذي الحجة

مختارات من الشبكة

  • الكنوز العشر في الأيام العشر الأولى من ذي الحجة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فضل العشر من ذي الحجة وما يستحب فعله في هذه الأيام (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أفضل أيام الدنيا أيام العشر من ذي الحجة(محاضرة - ملفات خاصة)
  • الأيام العشر من ذي الحجة (فضائلها وما يستحب فيها)(مقالة - ملفات خاصة)
  • لماذا اجتهادنا في العشر الأول من ذي الحجة أقل منه في العشر الأواخر من رمضان؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوصايا العشر في العشر من ذي الحجة!(مقالة - ملفات خاصة)
  • عشر فضائل في عشر ذي الحجة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل العشر الأوائل من ذي الحجة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السرور والبشر في فضائل أيام ذي الحجة العشر (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • فضائل أيام العشر من ذي الحجة (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب