• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

الخسوف وأهوال القيامة (خطبة)

الخسوف وأهوال القيامة (خطبة)
سامي بن عيضه المالكي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/7/2018 ميلادي - 17/11/1439 هجري

الزيارات: 16414

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخسوف وأهوال القيامة


الحمد لله العفو الكريم، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، جعل الحياة الدنيا داراً للابتلاء والاختبار، ومحلاًّ للعمل والاعتبار، وجعل الآخرة دارين: داراً لأهل كرامته وقربه من المتقين الأبرار، وداراً لأهل غضبه وسخطه من الكفار والفجار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المختار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الأخيار، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.


أما بعد:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33].


عباد الله: الشمس والقمر آيتان من آيات الله العظيمة الدالة على كمال قدرته وعظيم خلقه سبحانه وتعالى؛ ولذا نجد أن الله يذكرهما دائمًا في كتابه العزيز عند ذكر الآيات العظيمة الدالة على أنه الإله الحق المتفرد بالخلق، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [فصلت: 37].


وإن اختلال نظام هاتين الآيتين من الدلائل العظيمة على قرب القيامة ونهاية هذا العالم، فذهاب الشمس والقمر دليل على قيام الساعة، قال تعالى: ﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ﴾ [القيامة: 7 - 10].


ومن الظواهر التي كثرت في هذا الزمان الكسوف والخسوف، والتفسير العلمي لهاتين الظاهرتين، حسي وشرعي، فالحسي هو أن الخسوف اختفاء القمر أو بعضه في أثناء مرور الأرض بينه وبين الشمس، أما الكسوف فهو اختفاء الشمس أو بعضها في أثناء مرور القمر بينها وبين الأرض.

 

وقد يسأل سائل: كيف يغطي القمر قرص الشمس، مع أنه أصغر منها بأربعمائة مرة؟

والجواب: أن الشمس أبعد عن الأرض من القمر بأربعمائة مرة، وهذا ما يجعلهما يظهران بالحجم نفسه، لذلك يمكن للقمر أن يحجب أشعة الشمس كليًّا إذا مر بينها وبين الأرض.

 

أما الشرعي لكسوف الشمس وخسوف القمر فهو ما بينه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بقوله: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وإنما يخوف الله بهما عباده". متفق عليه.


عباد الله: أسألكم وأسأل نفسيَ الخاطئة: لماذا فسدت أحوال بعضنا، وكثرت ذنوبنا، وقست قلوبنا، وضعفت نفوسنا؟ ذلكم - أيها الأحبة - لما نقص إيماننا بمعادنا، وضعف يقيننا بلقاء ربنا، وغلب رجاؤنا على خوفنا، فآثرنا الدنيا على الأخرى، ونسينا الطامة الكبرى، يوم يبعثَر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، ويعلم المفرط أنه ما كان إلا في غرور.

 

عباد الله: الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان، وسبب لرسوخ القلب في العرفان، وكثيرًا ما يَقْرِن الله تعالى بين الإيمانِ به والإيمانِ باليوم الآخر، ﴿ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [الطلاق: 2]، ﴿ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [آل عمران: 114]، ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [النساء: 59]؛ ذلكم أن من لم يؤمن بالمآب، والجزاء والحساب، والثواب والعقاب، فلا يمكن أن يؤمن بالله رب الأرباب.

 

عباد الله: لا تغرنكم الحياة الدنيا، فـإنه: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ [الرحمن: 26]، كلُّ حيٍ سيفنى، وكلُّ جديدٍ سيبلى، وما هي إلا لحظةٌ واحدة تخرج فيها الروح إلى بارئها، فإذا بالعبد في عداد الأموات.

ذهب العمر وفات، يا أسير الشهوات، ومضى وقتك في سهو ولهو وسبات، بينما أنت على غيك حتى قيل مات.

نعم والله! ذهبت الشهوات، ومضت الملهيات، وبقيت التبعات، وطويت صحيفة العبد على الحسنات أو السيئات.

 

والموت ليس نهاية الحياة، بل هو بداية رحلة طويلة إلى الدار الآخرة، ومن مات قامت قيامته؛ فإذا مات العبد، نزل أولَ منازل الآخرة، القبر، وهو روضةٌ من رياض الجنة أو حفرةٌ مِن حُفَرِ النار، ينزل فيه العبد وحيداً فريداً لا أنيس له ولا رفيق إلا عمله الصالح.

 

ولا تزال الأرض تستودع ما يُدفَن فيها من الأموات حتى يشاءَ الله أن تقوم الساعة، فيأمرَ إسرافيلَ - عليه السلامُ - بالنفخ في الصور، فإذا نَفَخَ إسرافيلُ في الصور النفخةَ الأولى نفخةَ الصعق، صَعِقَ الناس وماتوا، وانتهت الدنيا بأكملها، كل ما تراه سيفنى، لن تبقى القوى البشرية، ولا قدراتهم التكنولوجية، ولا وكالاتهم الفضائية، ولا مراكبهم وأقمارهم الصناعية.

 

حتى إذا مات الأحياء كلهم، ولم يبق إلا الله - جل جلاله -، نادى - سبحانه -: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد، فيرد تعالى على نفسه: ﴿ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾.


أين الجيوش الجرارة؟.. لا شيء إلا الله، ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67].


ثم ينفخ إسرافيلُ في الصور النفخةَ الثانية، نفخةَ البعث، فتتطاير الأرواح وتعود إلى الأجساد، فإذا هم قيام ينظرون، ينفضون التراب عن رؤوسهم.

وأول من يبعث رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، وهو أول من تنشق عنه الأرض، كما جاء في الصحيحين.

 

ثم يخرج الناس جميعًا من قبورهم حفاة عراة غُرْلاً، أي: غير مختونين، فيحشرون على أرضٍ غيرِ هذه الأرض: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [إبراهيم: 48].


وروى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (يُحشَر الناس يوم القيامة على أرضٍ بيضاءَ عَفْرَاءَ كقُرْصَة النَّقِي "يعني كالخبزة المصنوعة من الدقيق النقي" ليس فيها عَلَمٌ لأحَد ) أي علامة بناء أو أثر.


ويجتمع الناس في ذلك الموقف العظيم على صعيد واحد، فيغشاهم من الكرب ما يغشاهم، ويصيبهم الرعب والفزع، يشيب الولدان، وتشخص الأبصار، وتبلغ القلوب الحناجر.

 

الشمس كورت، لُفّت وذهب ضوءها، النجوم انكدرت وتناثرت، الجبال نسفت وسيّرت فأصبحت كالقطن المنفوش، العشار عُطِّلَت، الأموال تُركت، التجارات والعقارات والأسهم نُسيت، السماء كشطت ومسحت وأزيلت، البحار سُجِّرَت، وإلى كتل من الجحيم تحولت، الجحيم سعرت وأوقدت، والجنة أزلفت وقُرِّبت. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2].


إنه يوم القيامة، يومُ الصاخةِ والقارعةِ والطامةِ، ويومُ الزلزلةِ والآزفةِ والحاقة، يومَ يقومُ الناس لرب العالمين؛ يومٌ عظيم، وخَطْبٌ جَسِيم، يومٌ مقداره خمسون ألف سنة، يجمع الله فيه الخلائق أجمعين، من لدُن آدم - عليه السلام - إلى قيام الساعة؛ ليفصل بينهم ويحاسبَهم.

 

وتدنو الشمس من الخلائق مقدارَ مِيل، ويفيضُ العرقُ منهم بحسب أعمالهم، فمنهم من يبلغ عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ إلى حِقْوَيه، ومنهم يبلغ إلى مَنْكِبَيه، ومنهم من يُلْجِمه العرق إلجامًا، وتبقى طائفة في ظل الله -جل جلاله-، يوم لا ظل إلا ظله.

 

ويُكرِم اللهُ أنبياءَه في عَرَصَات القيامة بالحوض المورود، ولكل نبيٍ حوض، وحوضُ نبينا - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا، يَرده المؤمنون بالله ورسوله، المتبعون لشريعته، ويُطرد عنه الذين استنكفوا واستكبروا عن اتباعه.

 

فإذا اشتد الكرب بالناس في المحشر، ذهبوا إلى آدم وأولي العزم من الرسل: نوحٍ وإبراهيمَ وموسى وعيسى؛ ليشفعوا لهم إلى ربهم ليفصل بينهم، فكلهم يقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله، نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري، حتى إذا يئس الخلائق من شفاعتهم أتوا إلى خاتمِ النبيينَ وأفضلِ المرسلين وسيدِ ولد آدم أجمعين، محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - فسألوه الشفاعة إلى ربهم، فيقول: "أنا لها، أنا لها"، فيذهب فيستأذن على ربه، ثم يخر ساجداً تحت العرش، ويفتح الله عليه من محامده والثناء عليه، ثم يشفِّعه في خلقه.

 

وتنزل ملائكة السماء الدنيا فيحيطون بالناس، ثم ملائكة السماء الثانية من ورائهم حتى السابعة، ثم يجيء الله - سبحانه - كما يليق بجلاله وعظمته على عرشه ليفصل بين العباد، ويحمل عرشه يومئذٍ ثمانيةٌ من الملائكة.

 

ويُنصب الميزان فتوزن به أعمال العباد، ﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 102، 103].


وتُنشر دواوين الخلق، وهي صحائف الأعمال التي كتبها الملائكة الحافظون، فيُعطَى كلُّ إنسانٍ كتابَه مفتوحًا: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 13، 14].


فأما المؤمن فيأخذ كتابه بيمينه ويقول: ﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19، 20]، يعني تيقنتُ الحساب وعملتُ له.

 

وأما الكافر فيأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره إذلالاً وتقريعًا ويقول: ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾ [الحاقة: 25 - 29].

ويحاسِب الله الخلائق من الإنس والجن إلا مَن استثناهم ممن يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب.

 

ويخلو الله بعبده المؤمن، ويضع عليه سِتره فلا يسمعه أحد، ولا يراه أحد، ويقرّره بذنوبه: عملتَ كذا، وعملت كذا؛ فيقرّ ويعترف، ثم يقول الله: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم.

وأما الكفار فيُنادَى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين.

 

ويختم الله على أفواههم، وتشهد عليهم ألسنتهم وأسماعهم وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم وجلودهم بما كانوا يعملون، ﴿ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [فصلت: 21 - 23].


عباد الله: وفي آخر مشاهد القيامة، يُنصب الصراط على مَتْن جهنم، وهو جسرٌ أدقُّ من الشعر، وأحَدُّ من السيف، عليه كَلالِيبُ تخطِف الناس، ويُعطَى المؤمنون نورَهم فيعبرون، ويُطفأ نورُ المنافقين فيسقطون، ويكون مرور الناس على الصراط، على قدر أعمالهم ومسارعتهم إلى طاعة الله في الدنيا، فمنهم من يمر كلَمْح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ثم كالريح، ثم كالفرس الجواد، ثم كركاب الإبل، ومنهم من يعدو، ثم من يمشي، ثم من يزحف، ومنهم من تَخْطَفه الكَلالِيبُ فتلقيه في النار، ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 71، 72].

أقول قولي هذا....

 

الخطبة الثانية

الحمد لله المحيي المميت، المبدئ المعيد، الفعَّال لما يريد، والصلاة والسلام على صحب الحوض المورود، واللواء المعقود، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

عباد الله، من أراد صلاح قلبه، واستقامة أمره، فليستحضر لقاء ربه، ووقوفه بين يديه.

 

فيا أخي الحبيب، تصور نفسك في القيامة، وأنت واقف بين الخلائق، ثم نودي باسمك: أين فلان ابن فلان؟ هلم إلى العرض على الله، فقمت ترتعد فرائصك، وتضطرب قدمك، وتنتفض جوارحك من شدة الخوف، وتصور وقوفَك بين يدي جبار السماوات والأرض، وقلبك مملوء من الرعب، وطرفك خائف، وأنت خاشع ذليل، قد أمسكْتَ صحيفة عملك بيدك، فيها الدقيق والجليل، فقرأتها بلسان كليل، وقلب منكسر، وداخَلَكَ الخجل والحياء من الله الذي لم يزل إليك محسنا، وعليك ساتراً.

 

فبالله عليك! بأي لسان تجيبه حين يسألك عن قبيح فعلك، وعظيم جرمك؟ وبأي قدم تقف بين يديه؟ وبأي طرف تنظر إليه؟.

كيف بك إذا قال لك: يا عبدي، ما أجللتني، أما استحييت مني؟! استخففت بنظري إليك؟! ألم أحسن إليك؟! ألم أنعم عليك؟! ما غرك بي؟ مَا غَرَّكَ بربك الكريم؟


أخي الحبيب: تذكر أهل الإيمان والعمل الصالح حين يخرجون من قبورهم وقد ابيضت وجوههم بآثار الحسنات، لا يحزنهم الفزع الأكبر، وتتلقاهم الملائكة: هذا يومكم الذي كنتم توعدون.

 

تذكر عندما يقول الرب تبارك وتعالى بحقهم: يا ملائكتي، خذوا بعبادي إلى جنات النعيم، خذوهم إلى الرضوان العظيم، فأصبحوا بحمد الله في عيشة راضية، وفتحت لهم الجنان، وطاف حولهم الحور والولدان، وذهب عنهم النكد والنصب، وزال العناء والتعب.

 

فلا إله إلا الله! ما أعظمَ الفرقَ بين هؤلاء وأولئك! وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ .

عباد الله: كم مِن الآيات المُفزعات، والعظات الزَّاجرات، والعِبر المتتابعات، والمنذرات المتعاقبات، تمُرُّ علينا في هذا الكون المترامي الأطراف من أرض وسماوات، لا يَخاف عندها قلب، ولا تدمع لها عين، ولا يحصل حينها توبة، ولا معها وبعدها إكثار مِن طاعة، وإقلاع عن معصية، وقد حذَّرَنا ربنا - جلَّ وعلا - أن نكون كالكافرين في الإعراض عن آياته  الحادثة والمشاهدة، فقال سبحانه: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ * أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [يوسف: 105 - 107].


لذلك لما كسفت الشمس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزع وفزع معه المسلمون فزعاً شديداً.

وخرج - عليه الصلاة والسلام - مسرعاً إلى المصلى حتى أن رداءه سقط من عليه ولم يشعر به من شدة فزعه وخوفه وهول تلك الآية العظيمة، وعندما وصل المصلى نادى مناد بالناس "الصلاة جامعة"، فاجتمع الناس رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، فصلى بهم صلاة غريبة لغرابة واقعتها، والناس يصرخون ويبكون خوفاً من الله تعالى، ولقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الصلاة الجنة والنار ورأى أموراً جساماً، فرأى النار، فقال: ما رأيت منظراً أفظع منها - اللهم أجرنا من النار -، ثم بعد الصلاة خطب الناس خطبة بليغة وعظهم وذكرهم بربهم سبحانه.

 

وثبت عند البخاري، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إن هذه الآيات التي يرسلها الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى ودعائه واستغفاره).


ووجب على العباد وهم يرون هذه الآيات تترى في زمانهم حينا بعد حين أن يعودوا إلى الله بتوبة نصوح وعمل صالح ونية خالصة، مع العزم على إصلاح الأوضاع ورد المظالم وصفاء القلوب، وتوحيد الكلمة، وصيانة الدماء والأعراض، وتوجيه الطاقات والقدرات لتعمير الأرض، ونشر الإسلام وإرساء العدل، وتربية النفوس على القيم العظيمة، واللجوء إلى الله والتضرع بين يديه، وتذكر الآخرة والاستعداد لها.

تزَودْ من التقوى فإنكَ لا تدري
إذا جنَّ ليلٌ هلْ تعيشَ إلى الفجر؟
فكمْ من صحيحٍ ماتَ من غيرِ علةٍ
وكمْ من عليلٍ عاشَ حينًا من الدهرِ
وكمْ من صغارٍ يرتجى طولَ عُمْرَهْم
وقدْ أُدْخِلَتْ أجسادَهُمْ ظُلمَة القبرِ
وكمْ من عرُوسٍ زَينوها لِزَوجها
وقدْ قُبضَتْ أَرْواحَهُم ليلةَ القدرِ
وكمْ من فتىَ أمسى وأصبحَ ضاحكًا
وقدْ نُسِجَتْ أكفَانَهْ وَهوَ لا يدري

ألا صلوا وسلموا على البشير النذير..


اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وأهلك الزنادقة والكافرين وآمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.


اللهم أصلح حال المسلمين اللهم اجمع كلمتهم على الحق وردهم إلى دينك رداً جميلاً.

اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود..


اللهم اجعلنا مكثرين لذكرك، مؤدين لحقك حافظين لأمرك، راجين لوعدك، مؤملين لفضلك، شاكرين لنعمك، واجعلنا ممن يؤمن بلقائك، ويرضى بقضائك، ويخشاك حق خشيتك.


اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا.. اغفر لهم ذنوبهم وخطاياهم واغسلهم من خطاياهم بالماء والثلج والبرد...

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والاموات ...

اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ...

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار..

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين.. والحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الكسوف والخسوف
  • خسوف قمر
  • الإيمان بأحوال السماوات وتغيراتها يوم القيامة (خطبة)
  • الخسوف وعلامات الساعة
  • خطبة: الخسوف الثلاثة
  • خطبة مختصرة عن أهوال القيامة
  • أهوال القيامة مشاهد تنخلع منها القلوب (الجزء الأول) (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • آيتان من آيات الله: الخسوف والكسوف (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • موعظة الخسوف والكسوف (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صلاة الاستسقاء وصلاة الخسوف والكسوف وصلاة الاستخارة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أشراط الساعة الكبرى (5) الخسوف والدخان وطلوع الشمس من مغربها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحفة الملهوف بأحاديث الخسوف والكسوف (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الخسوف: دروس وعبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في دقائق.. أحكام الخسوف والكسوف(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • الفزع عند الخسوف في عصر العلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخسوف والكسوف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آية الكسوف والخسوف (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب