• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

العمل والإتقان (2) (خطبة)

العمل والإتقان (2) (خطبة)
خميس النقيب

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/6/2022 ميلادي - 16/11/1443 هجري

الزيارات: 19742

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العمل والإتقان 2 (خطبة)

 

الحمد لله الواحدِ الأحد الفردِ الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، الحمد لله الذي أتقَن كلَّ شيء خلقه، وبدأ خلقَ الإنسان من طينٍ، وسخر له الكون، وفضَّله على الخلق أجمعين، ورزقه من الطيبات، وهداه النجدين، وأرسَل له الصادق الأمين، رزقه الهدى، وأرشده للعمل، وأجل حسابه ليوم الدين.

 

لك الحمد ربي على فضلك، لك الحمدُ ربي على نعمك، لك الحمد ربي على هديك، أشكرك ربي على آلائك وكرمك.

 

الحمد لله قامت بربها الأشياء، وسبحت بحمده الأرض والسماء، ولا زال الكون محكومًا بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، فما من شيء إلا هو خالقه، ولا من رزق إلا هو رازقه، ولا من خير إلا هو سائقه، ولا من أمر إلا هو مدبره، ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ [الرعد: 2].

 

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، اعتزَّ بالله فأعزه، وانتصر بالله فنصره، وتوكل على الله فكفاه، وتواضع لله فشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ويسر له أمره، ورفع له ذكره، وذلل له رقابَ عدوِّه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليك يا رسول الله، وعلى أهلك وصحبك، ومن تبعك بإحسان إلى يوم الدين.

 

١- قيمة الوقت والإتقان:

أيها المسلمون عباد الله، إن المؤمن الذي يحس بقيمة الوقت، يسلُك طريق العمل والإتقان، يرتسم طريق الجد والإحسان، فالوقت هو رأس مال الإنسان، بل الوقت هو الحياة التي منحها له الرحمن.

 

وكلما مضى الوقت فإنه ينقص من عمره، ويقرِّبه من لقاء الله خطوة، ولا يدري كم بقي من عمره بعض خطوة، أم خطوة، أم خطوات؟ يقول الحسن البصري رضي الله عنه: "إنما أنت أيها الإنسان أيامٌ مجموعةٌ، فإذا ذهب يومُك فقد ذهب بَعْضُك".

 

أيها الإنسان، إذا مر يوم من حياتك فقد وقعت ورقة من شجرتك، وطويت صفحة من صفحاتك، وسقط جدار من بنيانك.

 

يقول عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، نعم الليل والنهار يعملان فيك كيف؟ يقربان كل بعيد، ويُبليانِ كل جديد، ويَفُلَّانِ كل حديد، يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن تُوزَن عليكم، ويقول أيضًا: لو قيل: إن كل الناس يدخلون الجنة إلا واحدًا، لظننت أني ذلك الواحد؛ بينما يقول الصديق أبو بكر رضي الله عنه: والله لا آمَنُ مكرَ الله وإن كانت إحدى قدمي في الجنة، المسلم يعلم ذلك فيتجه من فوره إلى العمل لإعمار الأرض طالما بقي على قيد الحياة.

 

عباد الله، المسلم يعلم أن الله سائلٌ الإنسانَ يومَ القيامة، يوم الجزاء، يوم الحساب، ((عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟))؛ لذلك يضنُّ بوقته من أن يضيع عبثًا دون فائدة، أو أن يُبعثر سُدًى دون ثمرة، يعلم أن الوقت نعمة كبرى، نعمة من الله يجب أن تُشكَر بالانتفاع بها، ولا ينبغي أن تُكفَر بالتفريط فيها، فيكون الخسران لبني الإنسان في كل الأحيان، قال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3]، قال الشافعي رضي الله عنه: لو لم ينزل للناس من القرآن إلا هذه السورة لَكَفَتْهم.

 

لذلك فالوقت هو الحياة، واستغلاله في العمل والإتقان طريق النجاة، وهذا يتسق مع القول المأثور: "اعمَلْ لآخرتِكَ كأنك تموتُ غَدًا، واعمَلْ لدُنْياك كأنك تعيشُ أبدًا".

 

الزمن من أثمن الأشياء التي لا يستطيع الإنسان شراءها، وإنْ مرَّ لا يعود إلى الوراء، للوقت قيمة عظيمة في الإسلام، وخاصة عند أهل العلم، ومن فرَّط في وقته فقد فرط في حياته.

 

ومن الناس من يضيِّع وقته في الغفلة واللهو والغِيبة والنميمة، ولا يحسن استثماره، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كَمَا فِي الصَّحِيحِ: ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ))، فالخاسر وقته مغبون؛ كالذي يبيع سلعته بأقل من ثمنها، أو يشتريها بأكثر مما تستحق، والحسرة الكبرى في الآخرة حتى وإن كان الإنسان في الجنة يتحسَّر على ساعةٍ فاتَتْه لم يعمل فيها لنفسه، ولم يذكر فيها ربَّه.

 

الذي لا يشعر بقيمة الوقت لا يعمل، ومن لا يعمل لا يتقن، ومِنْ ثمَّ يضيع نفسه، ويُضيِّع مَنْ يقُوتُ أو يعول من أولاد أو رعية، قال رسول الله صلى الله عليه وسم: ((كفَى بالمرء إِثمًا أن يُضَيِّع مَنْ يقُوتُ))؛ رواه أبو داود، وفي رواية: ((مَنْ يعُول)).

 

قالَ ابنُ القيم رَحِمَه الله تعالى: "وأعظمُ هذِهِ الإضاعاتِ إضاعتانِ، هُمَا أصْلُ كُلِّ إضاعةٍ: إضاعةُ القلبِ، وإضاعةُ الوقتِ؛ فإضاعةُ القَلْبِ مِنْ إيثارِ الدنيا على الآخِرَةِ، وإضاعةُ الوقتِ مِنْ طولِ الأمَلِ، فاجتمعَ الفسادُ كُلُّهُ في اتِّباعِ الهوى وطولِ الأمَلِ، والصلاحُ كُلُّه في اتِّـباعِ الهُدى، والاستعدادِ لِلقاءِ".

 

المؤمن الحق لا يؤخِّر عمل اليوم إلى الغد؛ لأن للغد عملًا لا يتَّسِع لغيره، هو حريص على أن يكون يومُه خيرًا من أمسه، وأن يكون غدُه خيرًا من يومه، وأن يطيل حياته بالعمل الصالح، فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: ((مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ))؛ رواه الترمذي.

 

أيها المسلمون، المؤمن الحق حريصٌ على أن يخلف من عنده علمًا نافعًا، أو عملًا طيِّبًا، أو مشروعًا مثمرًا، أو صدقةً جارية، أو ذرية صالحة؛ أبو الدرداء صحابي جليل، رأوه وهو في أواخر حياته يغرس جوزةً، وهو في الشوط الأخير من حياته، فتعجبوا فقال: وما لي لا أغرسها ولي ثوابها، ولغيري ثمرها.

 

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ وَفِي يَدِهِ فَسْلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا))؛ رواه أحمد.

 

٢ - العمل مرئي والإتقان قربة:

عباد الله، مما يسوق الإنسان إلى العمل، ويشجع على الإتقان أن العمل مرئي لله، والإتقان معروف عند مولاه؛ بل يشاهده رسول الله وأولياء الله قال تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105].

 

الذين يعلمون ذلك يعملون ويتقنون، وهناك فرق بين جاهلية مقيتة مظلمة، وإسلام معمر مضيء، حينما بُعث النبي عليه الصلاة والسلام قال عنه سيدنا جعفر لملك الحبشة: "كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونسيء الجِوار، ونقطع الرَّحِم، حتى بعث الله فينا رجلًا نعرف أمانته، وصدقه، وعفافه، ونسبه".

 

أيها المسلم، إن عملك الذي تعمله، إن حِرفتك التي تحترفها، إن مهنتك التي تمتهنها- تجارة، أو صناعة، أو زراعة، أو وظيفة - إن هذا العمل وحده إذا كان في الأصل مشروعًا، وسلكت فيه الطرق المشروعة، وأردت منه كفاية نفسك، وأهلك، وخدمة المسلمين، ولم يشغلك عن فريضة، ولا عن عمل صالح، هذا العمل الحرفي، المهني، الذي ترتزق منه، إتقانه وأداؤه على وجه صالح هو قربة من الله عز وجل، وهو عمل صالح يستحق صاحبه دخول الجنة.

 

٣- العمل والإتقان طريق الأنبياء: كل الأنبياء كان لهم عمل، كانت لهم حِرفة، كانت لهم مهنة، كان عندهم إتقان، كيف؟!

 

♦ آدم عليه السلام عمِلَ في الزّراعة، كما نُقل عن أنس رضي الله عنه أنه كان يعمل بالحياكة، ورُويَ أنه أوَّل من عمل بالحِياكة.

 

♦ إدريس عليه السلام، فقد ذكر الشيباني في كتابه "كسب الأنبياء" أن إدريس عليه السلام كان يعمل بالخياطة، وقيل: هو أول من خطَّ بالقلم، وخاط الثوب.

 

♦ نوح عليه السلام كان متقنًا في صنعته بدليل صناعتهِ للسفينة بإتقان؛ لِقولهِ تعالى: ﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ ﴾ [هود: 37- 38].

 

♦ إبراهيم ولوط عليهما السلام؛ حيث جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنهما اشتغلا بالزراعة.

 

♦ إبراهيم عليه السلام بنى الكعبة مع ابنه إسماعيل، فأتقنها وحملا الحجارة بإخلاصٍ، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]، وهو أول من اختتن، وضاف الضيفين، وقيل: كان يتاجر بالقماش.

 

♦ داود عليه السلام فقد كان حدادًا، وألانَ اللهُ له الحديدَ، وعلمه ربُّه صنعة تعلَّمها وأتقنها أيَّما إتقان، ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ ﴾ [الأنبياء: 80]، وكان يصنع الدروع الحربية.

 

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ [سبأ: 10، 11].

 

إن الله وصف الدروع بأنها صنعة لبوس، فمجرد وصفها بأنها صنعة يدل على الإتقان، علاوة على ذلك، فقد أرشد داود عليه السلام إلى نقاط فنية تزيد من الإتقان في هذه الصنعة فقال: ﴿ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ ﴾ [سبأ: 11]، والدرع السابغة؛ أي: الطويلة الساترة غير القصيرة، ﴿ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ﴾ [سبأ: 11]؛ أي: اجعل حلقاتها بقدر محدد، لا هي بالواسعة تسمح بدخول السلاح في مسامها، فينال المحارب منها الأذى، ولا هي بالضيقة تعيق حركته، لا هي بالدقيقة تضعف عن الحماية، ولا بالغليظة المرهقة.

 

وخصَّ النبيُّ عليه الصلاةُ السلام داودَ عليه السلام بقوله: ((ما أكَلَ أحَدٌ طَعامًا قَطُّ، خَيْرًا مِن أنْ يَأْكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبِيَّ اللَّهِ داوُدَ عليه السَّلامُ، كانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ))، وقد خصه بالذِّكر؛ لأنّه كان ملكًا، ونبيًّا، وصانعًا في نفس الوقت، وهو من الأنبياء الذين عملوا بالحُكمِ والمُلك، قال تعالى: ﴿ يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ﴾ [ص: 26]؛ حيثُ كان خليفةً في الأرض.

 

♦ سليمان عليه السلام؛ حيث جاء عن الإمام الثعالبي أن سُليمان عليه السلام كان أوَّل من عمل في صناعة الصابون.

 

والله تعالى قال في حق سليمان والجن: ﴿ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ﴾ [سبأ: 12، 13].

 

الجن تصنع له أشياء بإتقان؛ "المحاريب": أماكن العبادة، "والتماثيل": صور، وكانت الصور جائزة في شريعتهم، ﴿ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ ﴾: آنية الطعام؛ مثل حياض الماء من ضخامتها، ﴿ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ﴾ قدور جمع قدر، وهي عظيمة ثابتة لا تتحرك من ضخامتها.

 

كان سُليمان عليه السلام وريثًا للحُكم بعد أبيه داود عليه السلام، فقد كان يُشاورهُ في الحُكم؛ لوفرة عقله، فقال تعالى عن ذلك: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ﴾ [النمل: 16]؛ أي: ورثهُ في النبوة والمُلك والحُكم، وكان ملكًا على الشام، وقيل: إنه مَلَكَ الأرض جميعها، وكان في حُكمهِ ربَّانيًّا، وعادلًا، بعيدًا عن الطُّغيان والظُّلم، وقد أعطاه الله تعالى مُلكًا عظيمًا وكبيرًا.

 

ورويَ أن سُليمان عليه السلام كان يصنع المكاييل.

 

♦ كان نبي الله عيسى عليه السلام يعمل بالطب لعلاج المرضى، يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة آل عمران: ﴿ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ ﴾ [آل عمران: 49].

 

♦ يوسف عليه السلام فقد كان وزيرًا للمالية أو التموين، وهو منصبٌ يتعلَّق بالأموال، والإحصاءات، والتخزين والتوزيع، ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55].

 

♦ زكريا عليه السلام فقد كان يعمل بالنِّجارة، بدليل ما جاء عن النبي عليه الصلاةُ والسلام: ((كان زكريا نجارًا)).

 

♦ إلياس عليه السلام كان يعمل في الغزل.

 

♦ موسى عليه السلام فقد كان يعمل برعي الغنم، إضافةً إلى عمله بالتجارة؛ مما يدل على إعلاء شأن العمل، وتشريف للعاملين، وقد عمل بالكتابة؛ حيث كان يكتب التوراة بيده.

 

♦ وسيد البشرية سيدنا مُحمد عليه الصلاةُ والسلام، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرعى الغنم لأهل مكة بالقراريط، قال سويد: يعني كل شاة بقيراط، فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ))، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: ((نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ))، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وِآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ , فإتقان العمل يدل على كمال العامل.

 

وعمل النبي صلي الله عليه وسلم بالتجارة بعد عمله برعي الغنم، وذلك بعد أن طلب من عمه أبي طالب، وهو في سن الثانية عشر من عُمره أن يصحَبَهُ معه في تجارتهِ إلى بلاد الشام، وهناك التقوا بالراهب "بَحيرا" الذي أخبر أبا طالب أن ابن أخيه محمدًا سيكون له شأنٌ عظيمٌ، ثُمّ كانت رحلته الثانية إلى بلاد الشَّام في تجارةٍ للسيدة خديجة رضي الله عنها مع غُلامها ميسرة، وما قاله عن صدقه وأمانته وإتقانه، وظل يتاجر حتى لحق بالرفيق الأعلى.

 

٤- عدم الإتقان خسران وخذلان: إتقان العمل يعود نفعه على صاحبه، ومن لم يعمل يبقى في الخذلان، ومن لم يتقن يتعرض للخسران، كيف؟!

 

يُروى أن هناك رجلًا بنَّاءً يعمل في إحدى الشركات سنوات طويلة، فبلغ به العمر أن أراد أن يقدم استقالته ليتفرغ لعائلته، فقال له رئيسه: سوف أقبل استقالتك بشرط أن تبني منزلًا أخيرًا، فقبل رجل البناء العرض، وأسرع في الانتهاء من بناء المنزل دون تركيز وإتقان، من ثم سلم مفاتيحه لرئيسه، فابتسم رئيسه، وقال له: هذا المنزل هدية مني لك بمناسبة نهاية خدمتك للشركة طول السنوات الماضية، فَصُدِمَ رجل البناء، وندم بشدة أنه لم يتقن بناء منزل العمر.

 

وأنت أخي المسلم، لماذا تَرضَى للآخرين ما لا ترضاه لنفسك؟!

 

لماذا تهتم بعملك الخاص ونفعك الخاص غير المتعدي، ولا تهتم بأعمال الآخرين؟!

 

الله تعالى غني عن أعمالك وعبادتك، وليس بحاجة إليها، فأنت الذي بحاجة إليها، وإلى أجرها العظيم، وكل عمل تقدمه خيرًا أو شرًّا، مُتقَنًا أو غير متقنٍ فهو لك، فاتقِ ربك، وأتقن عملك.

 

٥- اليد العليا خير من اليد السفلى: لتكن يدك ممرًّا لعطاء الله، وفاقد الشيء لا يعطيه؛ لذلك لا بد من السعي والعمل، لا بد من الجد والاجتهاد، لا بد من الإحسان والإتقان، بعيدًا عن الكسل والتواكل والخذلان، ذكر صاحب كتاب موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق، قال: ورد أن شقيق البلخي ودع صديقه إبراهيم بن أدهم، لسفره في تجارة، ولم يلبث إلا مدة يسيرة، ثم عاد ولقيه إبراهيم، فعجب لسرعة إيابه من رحلته، فسأله: لِمَ رجع؟ فقص عليه قصة شهدها أنه رأى طائرًا أعمى كسيحًا، وجاء طائر آخر يحمل إليه الطعام ويمده به، حتى يأكل ويشبع، فقال شقيق: إن الذي رزق هذا الطائر الأعمى الكسيح في هذه الخربة لقادر على أن يرزقني، وقرر العودة، فقال له إبراهيم بن أدهم: سبحان الله، يا شقيق، ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى العاجز الكسيح، ولا تكون أنت الطائر الذي يسعى ويكدح، ويعود بثمره على العُمْي من حوله، أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اليدُ العُليا خيرٌ من اليدِ السُّفلى))؛ متفق عليه.

 

٦- اليوم عمل وغدًا الجزاء: يقول الله تعالى في الحديث القدسي: ((إنما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أوفيها لكم، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه)).

 

إن اتباع الهوى يفسد العمل، ويقتل الوقت، بل يعطله ويفقده قيمته، وطول الأمل ينسيك نفسك، ويلهيك عن آخرتك ومصيرك، كيف؟! قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن أخوف ما أخاف اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة".

 

الليالي تتوالى، والأيام تتسارع، والساعات تنقضي، تشدنا إلى الله شدًّا، تقربنا من مَنْهانا المعلوم، ومصيرنا المحتوم، قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ارتحلت الدنيا وهي مدبرة، وارتحلت الآخرة وهي مقبلة، ولكل واحدة منها بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، اليوم العمل ولا حساب، وغدًا الجزاء ولا عمل"؛ رواه البخاري.

 

إن العامل المتقن ضرورة حياتية، والصانع المتقن ظاهرة حضارية، والزارع المتقن صنعة بشرية، وعلى سواعد كل هؤلاء يقوى المجتمع، ويتحضَّر الناس، وترتقي البشرية، وتستقر الحياة، فلا خلل ولا ملل ولا كسل؛ بل أمل وكفاح وعمل، هؤلاء يهديهم ربهم السُّبُل القويمة، ويفتح لهم الأبواب المغلقة، ويكون معهم بالإرشاد والتوفيق والسداد، قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].

 

اللهم ارزُقنا الإخلاص في العمل، والستر والتوفيق في الدنيا والآخرة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العمل والإتقان (1) (خطبة)
  • حبوط العمل (خطبة)
  • د. خالد الزايد للفرحة: التوازن بين العمل والبيت مهمة صعبة تتفهمها الزوجة
  • رمضان أفراح الأرواح (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • فضل العمل الصالح عند فساد الزمن والمداومة على العمل وإن قل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ركائز العمل المؤسساتي في الإسلام: العمل الجماعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أول العمل آخر الفكرة، وأول الفكرة آخر العمل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • السرية في العمل(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • العمل عبادة والإتقان ريادة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تحفة العمال بثمرات إتقان الأعمال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تطوير العمل(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • اترك أثرا صالحا (العمل اللازم والعمل المتعدي)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تنبيهان حول تخير أفضل الأعمال الصالحة في العشر والحذر من موانع قبول العمل(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • العلم والعمل دعامتا العمل الإسلامي(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب