• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

حتى يغيروا (خطبة)

حتى يغيروا (خطبة)
سامح عبدالحميد خفاجة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/9/2020 ميلادي - 19/1/1442 هجري

الزيارات: 48399

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حتَّى يُغَيِّروا

 

عناصر الموضوع:

1- سنن الله لا تتبدل ولا تتغير.

2- إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

3- لا تُرفَع النعمة إلا بالمعصية.

4- قصص من القرآن تؤيد هذه السُّنَّة.

5- العودة إلى الله.

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه مَن يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ندَّ له، ولا ضدَّ له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.

 

وأشهد أن محمَّدًا عبدالله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، أدى الأمانة، وبلَّغ الرسالة، ونصح الأمة، فكشف الله به الغمَّةَ، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وتركنا على المحجَّةِ البيضاء، ليلُها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتبعها إلا كل منيب سالك.

 

فمن يُطِعِ الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا، ومن يعصِ الله ورسوله فقد خسِر خسرانًا مبينًا.

 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأمي، واجْزِهِ اللهم خيرَ ما جزيتَ نبيًّا عن أمته، ورسولًا عن دعوته ورسالته، وأحينا على سنته، وأمتنا على مِلَّتِهِ، واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقًا، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على آله وأصحابه، وأزواجه وأحبابه وذريته، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قلَّ وكفى خيرٌ مما كثُر وألهى، وإن ما توعدون لآتٍ، وما أنتم بمعجزين؛ أما بعد:

أولًا: سنن الله لا تبديل لها:

أيها الإخوة المسلمون، إن سنن الله عز وجل لا تتبدل ولا تتغير، مهما تغيرت الأزمنة أو اختلفت الأمكنة أو تبدَّلَ البشر، إنها سنن ثابتة لا تُحابي أحدًا، ولا تجامل إنسًا ولا جِنًّا؛ هكذا قال الله تعالى: ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [الفتح: 23].

 

وإن من سنن الله تعالى سُنَّة عظيمة نعرفها كلنا؛ هي سنة التغيير، وأن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالله لا يغير حال الناس من حسن إلى سيئ، أو من سيئ إلى حسن، أو من خير إلى شر، أو من شر إلى خير - إلا بعد أن يغير الناس ما بأنفسهم من الاتصال بالله جل شأنه؛ لذا فلقد أصَّل الله هذه السُّنَّة في كتابه العزيز؛ ليُنيرَ لهم الطريق فلا يضلوا عنها، وليعرفوا طريقهم إلى السعادة في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ ﴾: من النعمة والإحسان ورَغَدِ العيش، ﴿ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾: بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نِعَمِ الله إلى البَطَرِ بها، فيسلبهم الله عند ذلك إياها، وكذلك إذا غيَّر العباد ما بأنفسهم من المعصية، فانتقلوا إلى طاعة الله، غيَّر الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء إلى الخير والسرور، والغِبطة والرحمة؛ [تفسير السعدي].

 

فهو يتعقبهم بالحَفَظَةِ من أمره لمراقبة ما يحدثونه من تغيير في أنفسهم وأحوالهم، فيرتب عليه الله تصرفه بهم؛ فإنه لا يغير نعمةً أو بؤسًا، ولا يغير عزًّا أو ذِلَّةً، ولا يغير مكانةً أو مهانةً، إلا أن يغير الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم، فيغير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم، وإن كان الله يعلم ما سيكون منهم قبل أن يكون، ولكن ما يقع عليهم يترتب على ما يكون منهم، ويجيء لاحقًا له في الزمان بالقياس إليهم.

 

وإنها لحقيقة تلقي على البشر تَبِعَةً ثقيلةً؛ فقد قضت مشيئة الله وجرت بها سنته أن تترتب مشيئة الله بالبشر على تصرف هؤلاء البشر، وأن تنفَّذَ فيهم سنته بِناءً على تعرضهم لهذه السنة بسلوكهم، والنص صريح في هذا لا يحتمل التأويل، وهو يحمل كذلك - إلى جانب التبعة - دليلَ التكريم لهذا المخلوق، الذي اقتضت مشيئة الله أن يكون هو بعمله أداة التنفيذ لمشيئة الله فيه.

 

وبعد تقرير المبدأ، يُبرِز السياق حالة تغيير الله ما بقوم إلى السوء؛ لأنهم - حسب المفهوم من الآية - غيَّروا ما بأنفسهم إلى أسوأ، فأراد لهم الله السوء.

 

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11]؛ بيَّن تعالى في هذه الآية الكريمة أنه لا يغير ما بقوم من النعمة والعافية، حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعة الله جل وعلا؛ والمعنى: أنه لا يسلب قومًا نعمةً أنعمها عليهم، حتى يغيروا ما كانوا عليه من الطاعة والعمل الصالح، وبيَّن هذا المعنى في مواضعَ أُخَرَ؛ كقوله: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 53].

 

فالله تعالى ليس بظلَّام لأحد قط؛ قال الله تعالى:﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].

 

الجزاء من جنس العمل؛ إذا أحسن العبد أحسن الله إليه، وإذا أساء فقد أساء إلى نفسه، والله لا يبدأ بالشر، والله لا يبتدئ أحدًا بالعذاب والمضرة، ولكن الله بكمال عدله وحكمته لا يغير من حال إلى حال حتى يغير العباد ما بأنفسهم؛ لذا أمرنا الله أن نقدم لأنفسنا الخير حتى يأتيَنا الخير من الله، فإن العبد إذا كان في صلاح من دينه، واستقامة من أمره، حفِظَ الله عليه النعم، وزادهم من فضله، وأنزل عليهم البركات، وأخرج لهم من الأرض الخيرات؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]؛ المعنى: ولو أنهم آمنوا بالله واتقوه لتبدلت الحال، ولحلَّت عليهم البركات، ولأفاض الله عليهم من رزقه في السماء.

 

لما ذكر تعالى أن المكذبين للرسل يُبتَلون بالضراء موعظةً وإنذارًا، وبالسراء استدراجًا ومكرًا، ذكر أن أهل القرى لو آمنوا بقلوبهم إيمانًا صادقًا صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله تعالى ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرم الله - لفتح عليهم بركات السماء والأرض، فأرسل السماء عليهم مدرارًا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم، في أخصب عيش وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نَصَب؛ [تفسير السعدي].

 

وقال الله عز وجل: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16].

 

الآية على ظاهرها، وهذا وعد من اللهعز وجلأن الناس لو استقاموا على الطريقة التي رسم الله لهم من اتباع الشرع، وطاعة الأوامر، وترك النواهي - لأسقاهم الله الغيثَ الكثير الذي ينفعهم في حروثهم وفي آبارهم، وفي سائر شؤونهم؛ [ابن باز].

 

وقال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

 

وأن العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياةٌ طيبة في هذه الأرض، لا يهم أن تكون ناعمة رغِدَةً ثرية بالمال، فقد تكون به، وقد لا يكون معها، وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة في حدود الكفاية؛ فيها الاتصال بالله، والثقة به، والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه، وفيها الصحة والهدوء، والرضا والبركة، وسكن البيوت ومودات القلوب، وفيها الفرح بالعمل الصالح، وآثاره في الضمير، وآثاره في الحياة... وليس المال إلا عنصرًا واحدًا يكفي منه القليل، حين يتصل القلب بما هو أعظم وأزكى وأبقى عند الله.

 

وقال تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123].

المعنى والله أعلم: أن من اتبع هدى الله وهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلن يعتريَهُ الضلال ولا الشقاء، ولن يعرف القلق ولا الاضطراب، ولا الحَيرة ولا التعب النفسي، ولا الضيق الصدري، ولا ما ينزل على الناس من همٍّ أو غمٍّ أو كرب، أو غير ذلك مما يصيب مَن ضلَّ الطريق، وابتعد عن الهدي وعن الصراط المستقيم، من أراد السعادة والراحة والطمأنينة، فليلزم هديَ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ولكن مَن ابتعد عن الهدي وضلَّ الطريق وغيَّر ما بنفسه من طاعة الله عز وجل، غيَّر الله عنه ما هو فيه من خير إلى شر؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 124]، والحياة المقطوعة الصلة بالله ورحمته الواسعة ضنكٌ مهما يكن فيها من سَعَةٍ ومتاع؛ إنه ضنك الانقطاع عن الاتصال بالله والاطمئنان إلى حِماه، ضنك الحيرة والقلق والشك، ضنك الحرص والحذر؛ الحرص على ما في اليد، والحذر من الفَوْتِ، ضنك الجري وراء بارق المطامع، والحسرة على كل ما يفوت، وما يشعر القلب بطمأنينة الاستقرار إلا في رحاب الله، وما يُحِسُّ راحة الثقة إلا وهو مستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها... إن طمأنينة الإيمان تُضاعِفُ الحياة طولًا وعرضًا، وعمقًا وسعةً، والحرمان منه شِقْوَةٌ لا تعدلها شقوة الفقر والحرمان.

أيها الإخوة المسلمون:

إن الإنسان إذا غيَّر ما بنفسه من طاعة ربه، غيَّر الله عليه ما هو فيه، وأنزل عليه البلاء والمصائب، وشدَّد عليه بالعقوبات والنكبات والشدائد، والجدب والقحط والتفرق، ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].

 

قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 124].

 

إنها حقيقة مسلَّمٌ بها، أن كل ما نحن فيه من مشكلات نعاني منها هي نتيجةٌ لإعراضنا عن دين الله جل وعلا، إنها في حقيقتها أعراضٌ لمرض واحد، هي أعراض الإعراض؛ الإعراض عن شرع الله وهديِ نبيه صلى الله عليه وسلم.

 

وقال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [الروم: 41].

 

والمراد بالفساد الظاهر: المصائب والبلايا الظاهرة فيهما، الشاملة لمنطقة من مناطق الأرض من الزلازل، وقطع الأمطار والسنين، والأمراض السارية، والحروب والغارات، وارتفاع الأمن، وبالجملة: كل ما يفسد النظام الصالح الجاري في العالم الأرضي؛ سواء كان مستندًا إلى اختيار الناس أو غير مستند إليه، فكل ذلك فساد ظاهر في البر والبحر، مخلٌّ بطيب العيش الإنساني.

 

وقوله: ﴿ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾؛ أي: بسبب أعمالهم التي يعملونها من شرك أو معصية، وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]؛ [تفسير الميزان].

 

وقال تعالى: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].

المعنى: أن الذي أصابكم من هزيمةٍ يومَ أحد، قلتم بسبب ماذا؟ إنه بسبب معصيتكم ومخالفتكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقياسًا على ذلك، فكل ما أصاب الناس من بلاء هو من عند أنفسهم، بمعصيتهملله العظيم، ببعدهم عن الهديِ القويم، بانحرافهم عن الصراط المستقيم، بمحاربتهم للحق المبين، وقد يسأل المرء: من أين هذه المصيبة نزلت على رأسي؟ من أين جاءني هذا البلاء؟ اعلم حبيبي حفظك الله أنك أنت السبب، فتِّشْ في نفسك، وانظر إلى تقصيرك في حق الله، ستجد أنك أنت الذي غيَّرتَ فغيَّرَ الله عليك.

قال الله: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].

أي: مهما أصابكم أيها الناس من المصائب، فإنما هو عن سيئات تقدمت لكم، ﴿ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾؛ أي: من السيئات، فلا يجازيكم عليها، بل يعفو عنها.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، حدثنا الأزهر بن راشد الكاهلي، عن الخضر بن القواس البجلي، عن أبي سخيلة عن علي رضي الله عنه قال: ((ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله عز وجل، وحدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، وسأفسرها لك يا علي: ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا، فبما كسبت أيديكم))؛ [تفسير ابن كثير].

 

قال الله تعالى: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ [النساء: 79].

قال أبو جعفر: "يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾: ما يصيبك يا محمد من رخاء ونعمة، وعافية وسلامة، فمن فضل الله عليك، يتفضل به عليك إحسانًا منه إليك، وأما قوله﴿ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾؛ يعني: وما أصابك من شدة ومشقة، وأذًى ومكروه، ﴿ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾؛ يعني: بذنب استوجبتها به، اكتسبته نفسك.

 

حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: "﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ عقوبة يا ابن آدم بذنبك، قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((لا يصيب رجلًا خدش عود، ولا عثرة قدم، ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر))"؛ [تفسير الطبري].

 

هذا الحديث رواه الطبري في "التفسير" (5/ 175)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 153) من مرسل قتادة، فالحديث إسناده ضعيف، وقد ذكره الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1796).

قال ابن عبد البر: حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد ابن إسماعيل الترمذي قال: حدثنا الحميدي. وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبدالرحمن، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا إسحاق بن عيسى، قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا الزهري، عن عروة، عن زينب بنت أم سلمة، عن حبيبة بنت أم حبيبة، عن أمها أم حبيبة عن زينب بنت جحش، قال: ((استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه محمرًّا وجهه، وهو يقول: لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق سفيان بيده، وعقد عشرة، قالت: فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثُر الخَبَثَ)). [التمهيد 24/ 304 - 305].

 

لذا قال الله تعالى محذرًا من المعاصي: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25].

ذكر ابن عباس رضي الله عنه في تفسيرها: أمر الله المؤمنين ألَّا يُقِرُّوا المنكر بين أظْهُرِهم، فيعمهم الله بالعذاب، وعندما يصبح الكفر وتصبح الردة حرية، ويصبح العري ويصبح المجون والخنا والفحش والغناء فنونًا، وعندما تقع هذه الاختراقات لحدود الله سبحانه وتعالى، فإن هذا ولا شك يعرض الجميع لعقاب الله، فإن الله أنزل شرعًا ليُتَّبَعَ، وحدَّ حدودًا لتُحترم، ولا تُنتهك له حرمات سبحانه وتعالى.


إذًا علمنا مما سبق أن الله لا يغير نعمةً أنعمها على عباده، إلا إذا غير العباد من أنفسهم؛ قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأنفال: 53].

 

ذلك العذاب الذي أوقعه الله بالأمم المكذبة، وأزال عنهم ما هم فيه من النعم والنعيم، بسبب ذنوبهم وتغييرهم ما بأنفسهم، فإن الله لم يك مغيرًا نعمةً أنعمها على قوم من نِعَمِ الدين والدنيا، بل يبقيها ويزيدهم منها، إن ازدادوا له شكرًا - حتى يغيروا ما بأنفسهم من الطاعة إلى المعصية، فيكفروا نعمة الله ويبدلوها كفرًا، فيسلبهم إياها، ويغيرها عليهم، كما غيروا ما بأنفسهم، ولله الحكمة في ذلك والعدل والإحسان إلى عباده؛ حيث لم يعاقبهم إلا بظلمهم، وحيث جذب قلوب أوليائه إليه، بما يذيق العباد من النكال إذا خالفوا أمره.

 

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "وهل زالت عن أحد قط نعمة إلا بشؤم معصيته، فإن الله إذا أنعم على عبد بنعمة حفظها عليه ولا يغيرها عنه، حتى يكون هو الساعي في تغييرها عن نفسه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]".

 

ومن تأمل ما قص الله تعالى في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال نِعَمَهُ عنهم، وجد سبب ذلك جميعه إنما هو مخالفة أمره وعصيان رسله، وكذلك من نظر في أحوال أهل عصره وما أزال الله عنهم من نعمه، وجد ذلك كله من سوء عواقب الذنوب؛ كما قيل:

إذا كنت في نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم

 

فما حُفِظَتْ نعمة الله بشيء قط مثل طاعته، ولا حصلت فيها الزيادة بمثل شكره، ولا زالت عن العبد بمثل معصيته لربه، فإنها نار النعم التي تعمل فيها كما تعمل النار في الحطب اليابس.

 

إذا كنت في نعمة فارعها
فإن الذنوب تزيل النعم
وحُطْها بطاعة رب العبا
د فربُّ العباد سريع النِّقَم
وإياك والظلم مهما استطعـ
ـت فظلم العباد شديد الوخم
وسافر بقلبك بين الورى
لتبصر آثار مَن قد ظلم
فتلك مساكنهم بعدهم
شهود عليهم ولا تُتَّهم
وما كان شيء عليهم أضـ
ـر من الظلم وهو الذي قد قصم
فكم تركوا من جنان ومن
قصور وأخرى عليهم أطم
صلوا بالجحيم وفات النعيـ
ـم وكان الذي نالهم كالحلم

تعالَوا بنا أيها الأحبة نتجول عبر آيات الله نرى قصص الأمم السابقة التي غيرت، فغير الله عليهم وسلبهم نعمه وأهلكهم.
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].

 

وهذه القرية هي مكة المشرفة التي كانت آمنةً مطمئنةً لا يهاج فيها أحد، وتحترمها الجاهلية الجهلاء، حتى إن أحدهم يجد قاتل أبيه وأخيه، فلا يهيجه مع شدة الحميَّةِ فيهم والنعرة العربية، فحصل لها من الأمن التام ما لم يحصل لسواها، وكذلك الرزق الواسع.

 

كانت بلدةً ليس فيها زرع ولا شجر، ولكن يسَّر الله لها الرزق يأتيها من كل مكان، فجاءهم رسول منهم يعرفون أمانته وصدقه، يدعوهم إلى أكمل الأمور، وينهاهم عن الأمور السيئة، فكذبوه وكفروا بنعمة الله عليهم، فأذاقهم الله ضدَّ ما كانوا فيه، وألبسهم لباس الجوع الذي هو ضد الرغد، والخوف الذي هو ضد الأمن، وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم وعدم شكرهم؛ ﴿ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [النحل: 33].

 

القصة الثانية:

﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [سبأ: 15 - 21].

 

كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها، وكانت التبابعة منهم، وبلقيس - صاحبة سليمان - منهم، وكانوا في نعمة وغبطة في بلادهم وعيشهم، واتساع في أرزاقهم وزروعهم وثمارهم، وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه، ويشكروه بتوحيده وعبادته، فكانوا كذلك ما شاء الله، ثم أعرضوا عما أُمروا به، فعُوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد شَذَرَ مَذَرَ.

 

وكان من أمر السد أنه كان الماء يأتيهم من بين جبلين، وتجتمع إليه أيضًا سيول أمطارهم وأوديتهم، فعمد ملوكهم الأقادم، فبنَوا بينهما سدًّا عظيمًا محكمًا حتى ارتفع الماء، وحكم على حافات ذينك الجبلين، فغرسوا الأشجار واستغلوا الثمار في غاية ما يكون من الكثرة والحسن، كما ذكر غير واحد من السلف منهم قتادة: أن المرأة كانت تمشي تحت الأشجار وعلى رأسها مكتل أو زنبيل، وهو الذي تخترف فيه الثمار - المقطف أو القفص - فيتساقط من الأشجار في ذلك ما يملؤه من غير أن يحتاج إلى كلفة ولا قطاف؛ لكثرته ونضجه واستوائه، وكان هذا السد بمأرب: بلدة بينها وبين صنعاء ثلاث مراحل، ويعرف بسد مأرب.

 

وذكر آخرون أنه لم يكن ببلدهم شيء من الذباب ولا البعوض ولا البراغيث، ولا شيء من الهُوام؛ وذلك لاعتدال الهواء وصحة المزاج وعناية الله بهم، ليوحدوه ويعبدوه؛ كما قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ﴾، ثم فسرها بقوله: ﴿ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ ﴾؛ أي: من ناحيتي الجبلين والبلدة بين ذلك، ﴿ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾؛ أي: غفور لكم إن استمررتم على التوحيد.

 

وقوله: ﴿ فَأَعْرَضُوا ﴾؛ أي: عن توحيد الله وعبادته وشكره على ما أنعم به عليهم، وعدلوا إلى عبادة الشمس.

 

وقوله: ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ﴾: قيل: المراد بالعرم: المياه، وقيل: الوادي، وقيل: الجرذ، وقيل: الماء الغزير.

 

وذكر غير واحد منهم ابن عباس،ووهب بن منبه،وقتادة، والضحاك: أن الله عز وجل لما أراد عقوبتهم بإرسال العرم عليهم، بعث على السد دابةً من الأرض، يقال لها: الجرذ، نقبته؛ قال وهب بن منبه: وقد كانوا يجدون في كتبهم أن سبب خراب هذا السد هو الجرذ، فكانوا يرصدون عنده السنانير برهةً من الزمان، فلما جاء القدر غلبت الفأر السنانير، وولجت إلى السد فنقبته، فانهار عليهم؛ [تفسير ابن كثير: ج6 / ص: 508].

 

وقال قتادة وغيره: الجرذ: هو الخلد، نقبت أسافله حتى إذا ضعف ووهى، وجاءت أيام السيول، صدم الماء البناء فسقط، فانساب الماء في أسفل الوادي، وخرب ما بين يديه من الأبنية والأشجار وغير ذلك، ونضب الماء عن الأشجار التي في الجبلين عن يمين وشمال، فيبست وتحطمت، وتبدلت تلك الأشجار المثمرة الأنيقة النضرة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ ﴾ [سبأ: 16].

 

قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وعطاء الخراساني، والحسن، وقتادة، والسدي: وهو الأراك، وأكلة البرير.

 

﴿ وَأَثْلٍ ﴾: قال العوفي عن ابن عباس: هو الطرفاء.

 

وقال غيره: هو شجر يشبه الطرفاء، وقيل: هو السمر، فالله أعلم.

 

وقوله: ﴿ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾: لما كان أجود هذه الأشجار المبدل بها هو السدر، قال: ﴿ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾، فهذا الذي صار أمر تينك الجنتين إليه، بعد الثمار النضيجة والمناظر الحسنة، والظلال العميقة والأنهار الجارية، تبدلت إلى شجر الأراك والطرفاء والسدر ذي الشوك الكثير والثمر القليل؛ وذلك بسبب كفرهم وشركهم بالله، وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل؛ ولهذا قال: ﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ [سبأ: 17]؛ أي: عاقبناهم بكفرهم؛ قال مجاهد: ولا يعاقب إلا الكفور، وقال الحسن البصري: صدق الله العظيم، لا يعاقب بمثل فعله إلا الكفور، وقال طاوس: لا يناقش إلا الكفور.

 

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أبو عمر بن النحاس الرملي، حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا أبو البيداء، عن هشام بن صالح التغلبي، عن ابن خيرة - وكان من أصحاب علي - رضي الله عنه قال: "جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتعسر في اللذة، قيل: وما التعسر في اللذة؟ قال: لا يصادف لذةً حلالًا إلا جاءه من ينغصه إياها".

 

أيها الحبيب، هل تعرفت على هذه السنة العظيمة التي لا تحابي أحدًا؟ هل عرفت لماذا غيَّر الله النعمة التي كنت تتقلب فيها ليلَ نهارَ، ولم تؤدِّ شكرها؟

 

ما الواجب علينا؟

الواجب علينا الاصطلاح مع الله والعودة إليه والتوبة عما كان منا من ذنوب؛ كما قيل: ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رُفع إلا بتوبة؛ قال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].

 

فيا تاركًا للصلاة، تُبْ إلى الله وحافظ على صلاتك.

أيها العاصي، اترك معصيتك وتُبْ إلى الله.

أيها المانع للزكاة، تُبْ إلى الله.

كل صاحب معصية أو ذنب أيًّا كان نوعه يجب عليه أن يتوب إلى الله.

 

﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 147]، اللهم غيِّر عنا ما نحن فيه من همٍّ وغمٍّ، وبلاء ووباء، وضعف وذلة وانكسار.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لا يغير حتى يغيروا!
  • حتى يغيروا ما بأنفسهم
  • تفسير: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
  • تفسير: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم)
  • تفسير: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)

مختارات من الشبكة

  • حديث: لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حتى تعود لنا (أرضنا المباركة)، وحتى نعود لها بإذن الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حرف حتى في النحو(مقالة - حضارة الكلمة)
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى.. (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • يا رب (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • اذكر الله حتى تحرس قلبك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (13) لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • خطبة: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب