• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

حفظ العقل (خطبة)

عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/2/2019 ميلادي - 11/6/1440 هجري

الزيارات: 99818

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حفظُ العَقل [1]


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل: عمران102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


يقول الله تعالى: ﴿ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118]، وقال: ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7]، وقال: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُوْلِي النُّهَى ﴾ [طه: 54]، وقال: ﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾ [الفجر: 5].


أيها المسلمون، ذكر الله تعالى في هذه الآيات الكريمة العقل والألباب والنُّهى والحجر وهي أسماء لمسمى واحد، معناه: ما يعقل الإنسان وينهاه ويحجره عن المكروهات. وفي هذه العناية القرآنية إشادة بشأن العقل، وبيان لمنزلته السامية، ورتبته العالية في إدراك الأمور، والإفادة من الآيات والعِبر.


فالعقل نعمة عظيمة من نعم الله على الإنسان، فبه يهتدي إلى مصالح دينه ودنياه، وهو وهبة سَنيَّة وهبه إياها ليستعملها فيما ينفعه في عاجل أمره وآجله، لكن أكثر الناس استعملوها في منافع الدنيا، ولم يستعملوها في منافع الآخرة، فأخذوا أدنى الحظين، وفوتوا على أنفسهم أعلاهما.


عباد الله، لقد منح الله تعالى عقل الإنسان شأنًا عظيمًا؛ فجعله مناط التكليف، وعلامة الصلاح للأمر والنهي، فمن ملكه صار مكلفًا، ومن قصر عنه كالأطفال أو فقده كالمجانين سقط عنه التكليف. فكان العقل بهذا أساس الأعمال وينبوعها، والمميز بين الأشياء ومرجعها، فلا تكليف على قاصر حتى يبلغ، ولا على مجنون حتى يعقل.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق) [2].


وإذا أردتم أن تعرفوا-أيها الأحباب- فضل الله عليكم بهذه النعمة فانظروا إلى من فقدها كالمجانين وأصحاب الأمراض العقلية.

زوروا مشافي الأمراض النفسية، وانظروا إلى المجانين في الشوارع، واحمدوا الله على نعمته، واسألوه دوام فضله.


ومما يبين لنا عظم هذه النعمة وأهميتها في الشريعة الإسلامية كذلك: أن الجناية على العقل حتى يخرج عن حد التكليف توجب الدية كاملة كدية النفس؛ لأن العقل أشرف المعاني والأعضاء، وهو من أعظم آلات السعادة وصلاح الحياة.


ومما يدل على أهمية العقل أيضًا: أن الله تعالى جعله طريقًا إلى تدبر آياته، والتفكر فيما أودع في خلقه من بديع مصنوعاته، وجعله كذلك وسيلةً إلى الاعتبار بما جرى من العاقبة الحسنة لأهل طاعته، ومن العاقبة السيئة لأهل معصيته. قال تعالى: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد:24]، وقال: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر:42]، وقال: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف:111]، وقال: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج:46].


ومما يدل على أهمية العقل كذلك: أن الله تعالى عاتب المشركين الذين ألغوا عقولهم، وحجبوا تفكيرهم، فصاروا أُسراء لتقليد آبائهم المشركين، حتى منعهم ذلك من اتباع الحق، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة:170].


عباد الله، إن العقل عقلان: عقل تكليف، وعقل علم وخبرة، وهذا الثاني قدر زائد عن الأول، فالأول غريزي، والثاني اكتسابي نتج عن إدراك العلوم والمعارف، وانفتح بالتجارب والخبرات، وأهله هم الذين نسميهم الأذكياء أو العباقرة.


وأما عقل التكليف فهو نور يعرف به المكلف الخير من الشر، والنفع من الضر، والحق من الباطل، غير أن بعض الناس استعمل ذلك النور فنجا، وبعضهم الآخر أطفأه فمشى في ظلام دامس فهلك.


ونعني بهذا أن هناك من صرف عقله عن الآخرة وأعمله في جلب مصالح دنياه، ودفع مضارها، سواء كان طريقه إلى ذلك صحيحًا أم غير صحيح، وهذا حال الكافرين برب العالمين.


ومن الناس من أعمل عقله في الهدف الذي خُلق لأجله وهو عبادة الله تعالى، وهذا حال المسلمين، غير أنهم في ذلك صنفان:

الصنف الأول: من وظف عقله في التفكير في جلب مصالح الآخرة ودفع مضارها، مع أخذ ما تيسر له من أسباب العيش الدنيوي، جاعلاً الآخرة هدفه الرئيس في حياته، والدنيا تتبع ذلك، فهذا أعقل الناس وأصلحهم وأتقاهم وأنجحهم.


والصنف الثاني: من أعمل عقله في كيفية الوصول إلى خيرات الدنيا وملذاتها، صارفًا جُلّ تفكيره في ذلك، مكتفيًا من الإسلام ببعض الشعائر، فأضحى مغلبًا أمر دنياه على أمر آخرته، وهذه حياة أكثر المسلمين، حيث صار العمل للدنيا هو المستولي على الجهد والوقت والتفكير، وهم بهذا يخسرون خيراً كثيراً حينما جعلوا الآخرة في هامش اهتمامهم وعملهم.


أيها الأحبة الكرام، هناك عقول ذكية وألباب مشرقة، لكن في أحوال الدنيا وشهواتها فحسب، فهذه عقول خاسرة حين أظلمت في مصالح الآخرة ومنافعها، فهي ربحت الدنيا لكنها خسرت الآخرة.


فكم من ذكي ألمعي، ومخترع عبقري هداه عقله الواسع وذكاؤه الخارق إلى مجاهل ومسالك في أمور الدنيا لم يصل إليها أحد قبله، فصار صاحب اكتشافات وحقائق ونظريات، وأوصله عقله وذكاؤه إلى مقامات رفيعة في شؤون الحياة، لكنه لم يوصله إلى خالقه ويعرفه دين ربه الحق، فماذا استفاد من ذلك العقل الكبير والذكاء الوقاد لحياته الأبدية؟! فبئس العقل الناجح دنيويًا، المخفق أخرويًا!


وكم من إنسان مسلم لديه معرفة محدودة بمصالح الدنيا، ودراية ضئيلة بمعارفها وعلومها، ولكنه يعرف ربه، فيؤدي حقه، ويستعد للقائه بزاد التقوى، فهذا هو العاقل حقًا وليس ذلك المبدع والمخترع الكافر.


ولكن ما أجمل أن يكون لدى الإنسان عقل كبير في العمل للآخرة، والعمل للدنيا أيضًا، يفيد بذلك نفسه عند الله، ويفيد غيره من الناس في هذه الحياة.


عباد الله، إن العقل لا يسلم من أعداء يحيدون به عن الطريق المستقيم، ويعدلون به عن إعمال تفكيره فيما ينجيه عند ربه العظيم، ويصلح له حياته الدنيا صلاحًا غير مشوب بالباطل والأكدار:

فالعدو الأول هو الهوى، وهو "ميل النفس إلى ما تستلذه الشهوات من غير داعية الشرع"[3]. بحيث يصير الإنسان عبداً مطيعًا لكل ما تشتهيه نفسه من الباطل. وأصحاب العقول المعبدة للهوى لا يفكرون إلا بملذات أجسادهم وشهواتها العاجلة، وليس لديهم تفكير في أسباب النجاة في الآخرة، فهم في سكر الهوى والشهوة، فإذا جاءهم ملك الموت صحوا.


ولا يخفى أن " الهوى عن الخير صاد، وللعقل مضاد؛ لأنه ينتج من الأخلاق قبائحها، ويظهر من الأفعال فضائحها، ويجعل ستر المروءة مهتوكا، ومدخل الشر مسلوكا. قال بعض الحكماء: العقل صديق مقطوع، والهوى عدو متبوع". وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

يَا عَاقِلًا أَرْدَى الْهَوَى عَقْلَه
مَالَك قَدْ سُدَّتْ عَلَيْك الْأُمُور
أَتَجْعَلُ الْعَقْلَ أَسِيرَ الْهَوَى
وإنَّمَا الْعَقْلُ عَلَيْهِ أَمِير"[4].


فليحفظ المرء عقله من سلطان الهوى الذي إذا دخل في رعيته هلك، قال بعض أهل العلم: "والعقل والهوى متعاديان؛ فالواجب على المرء أن يكون لرأيه مُسعفا، ولهواه مسوّفا، فإذ اشتبه عليه أمران اجتنب أقربهما من هواه؛ لأن في مجانبته الهوى إصلاح السرائر، وبالعقل تصلح الضمائر""[5].


وقال آخر: "ولا ريب أن النفس إذا خالفت هواها أعقبها ذلك فرحًا وسروراً ولذة أكمل من لذة موافقة الهوى بما لا نسبة بينهما، وهنا يمتاز العقل من الهوى"[6].


"قيل لبعض الحكماء: أوصنا بأمر جامع، قال: احفظوا وعوا أنه ليس من أحد إلا ومعه قاضيان باطنان أحدهما: ناصح، والآخر: غاش، فأما الناصح فالعقل، وأما الغاش فالهوى، وهما ضدان فأيهما مِلت معه وَهى الآخر- يعني: ضعف-"[7].


والعدو الثاني للعقل: المعلومات الخاطئة، التي تشكلِّه في بوتقة انحراف، وتسقيه أسباب عطبه، ومادة انحرافه، حتى يختل توازنه الفكري، ويفسد سلوكه العملي، ويضل بذلك عن جادة الحق. وتلك المعلومات المضلة قد تأتيه من معلِّم أو وسيلة إعلامية مرئية أو مسموعة أو مقروءة، أو جليس مشوش الفكر.


ولو بقي المرء خِلواً من ذلك لكان جهله وبُعده عن تلك المعلومات المسمومة خيراً له؛ ولهذا ندم بعض الخائضين في الفلسفة وعلوم الضلال بعدما ضلت عقولهم في خضمها، ونصحوا الناس بالبعد عنها، وتمنوا لو ماتوا على عقائد العجائز [8]. وكم يحرص أعداء الحق اليوم على بث الشبهات لتضليل العقل المسلم، وتشويه أفكاره الصحيحة، وتشكيك صاحبه بثوابت دينه. ألا فليحفظ المسلم عقله وعقول أهله وأولاده من عادية الشبهات، وحملات التضليل والتشكيك؛ فإن الاستجابة لها وأد للعقل، وطمس لأنواره، وسبيل هلاكه.


والعدو الثالث للعقل: البيئة الفاسدة، التي تعج بالفساد والمفسدين، فكم تُكدر من عقول نقية، وتشوّه من صور ذهنية، وتزرع فيها من أفكار منحرفة، وتصورات مهلكة، حتى يغدو العقل بها أسير شهوات، أو حبيس شبهات مضلات. خصوصًا في هذا الزمن المُرّ الذي تقل فيه البيئات الصالحة، ويندر فيه الجلساء الصالحون.


فعلى الإنسان أن يحذر على عقله وعقول أهله وأولاده أضرار الهوى والمعلومات الخاطئة، والبيئة الفاسدة؛ فإنها أجنحة الشر الثلاثة التي تطير بالعقول إلى متاهات الغواية، وآفاق اللوثة الفكرية.


وليجعل مكانها التقوى والعلم النقي والبيئة الصالحة؛ فإنها قوارب النجاة للعقول في أمواج الانحراف العقلي الذي يعيشه عالم اليوم.

أيها المسلمون، لقد حافظ الإسلام على العقل البشري محافظة شديدة، واعتنى به اعتناء عظيمًا؛ فكان العقل من الكليات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية على حفظها، وهي الدين والنفس والمال والعرض والعقل؛ وذلك أن العقل موضع استقامة دنيا الإنسان ودينه، وسبب لسلامة ما حوله من ضرره.


فقد حرمت الشريعة الإسلامية على المسلم المفسدات العقلية التي تؤدي إلى الإخلال بالعقل فيصبح صاحبه كالمجنون لا يعرف الضار من النافع، ولا الزوجة من الأم أو البنت. وهذه المفسدات العقلية الحسية هي الخمور والمخدرات وما قام مقامها من المسكرات. فقد جاءت النصوص في القرآن والسنة بتحريم الخمر ويقاس عليه ما ماثله في الإسكار أو زاد عليه، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾ [المائدة90-91]. وقال النبي صلى الله عليه و سلم: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام )[9]. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لعن الخمر وعاصرها، ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها، وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقاها)[10].


معشر العقلاء، إن آفة السكر هي أم الخبائث، ومفتاح كل شر، وبوابة الهلاك؛ فكم حصل بسببها من سفك للدماء المعصومة، وإتلاف للأموال الخاصة والعامة، وانتهاك للأعراض المصونة حتى على المحارم، وكم قضت على طاقات نافعة وعقول ناضجة، وأشقَتْ من أسر سعيدة، وكم أذلت من عزيز، وأفقرت من غني، وأهانت من كريم، وصغرت من عظيم، وأمرضت من صحيح، وفرقت بين الأقارب والأحبة والأصدقاء.


وغير خافٍ على كل ذي حجا نظيف أن المسكرات إهلاك للفرد والمجتمع في مجالات شتى: إهلاك ديني، وإهلاك أخلاقي، وإهلاك اقتصادي، وإهلاك صحي ونفسي. وقد تحدث الناس عن أضرارها ووجوب تجنبها على اختلاف أديانهم وتخصصاتهم العلمية.


لذلك وجدنا بعض الدول العالمية الكبرى غير المسلمة حاربت الخمر في بعض الأوقات وأنفقت في سبيل ذلك أموالاً وقدرات كثيرة، لكنها لم تفلح؛ لعدم وجود الوازع الداخلي لدى المتعاطي. أما شعوب الإسلام فقد رباها الإسلام على ترك المسكرات طاعة لله، وسلامة للدين والدنيا، فقل تعاطي المسكرات بين أهلها. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه عند نزول آية تحريم الخمر قال: (فإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلاناً وفلاناً إذ جاء رجل فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرمت الخمر، فقالوا: أهرق هذه القِلال يا أنس، قال: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل). وهكذا يصنع التسليم لحكم الله تعالى.


نسأل الله أن يحفظ عقولنا من كل سوء، وينيرها بأنوار الهداية، وأن يصرف عنها أسباب الانحراف والغواية.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

عباد الله، إن الإنسان إذا استعمل عقله استعمالاً صحيحًا قاده إلى معرفة خالقه والعمل بشرائعه، والسير على طريق مرضاته، واستفاد من آيات الله تعالى المسطورة كثرةَ تلاوةٍ وتدبراً وعملاً، ومن آيات الله المنشورة في هذا الكون نظراً وتفكراً واهتداء، وانتفع من مواضع العبرة انكفافًا عن أسباب الهلاك، وإقبالاً على سبل النجاة.


قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة164].


ومن استعمل عقله استعمالاً صحيحًا ظهر على أقواله وأفعاله الصوابُ والاستقامة، وصار من أهل الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، وغدا محبوبًا عند أهل السماء وعند أهل الأرض.


وأصبح لديه نور يسلك بضيائه إلى منافع دنياه ومصالح عيشه من أسهل الطرق وأسلمها، وأضحى منشغلاً بأسباب نجاته غير منشغل بما يعني الناس ولا يعنيه.


وإذا زاد عقله في الإشراق والاتساع أصبح ينظم حياته الدينية والدنيوية، فيسير على خطط واقعية مرسومة بعيدة عن الفوضى والعشوائية، مستفيداً من أخطاء الماضي؛ لئلا يعود إليها في المستقبل، متعظًا بمواعظ الأيام ومرور الزمان ومن تجارب الآخرين وعقولهم.


فالعقل منظم الحياة ومديرها، فإذا تشبع بمعارف صحيحة وإضاءات سليمة كانت مخرجاته صائبة مفيدة.


أيها المسلمون، إن العقل إذا اكتمل واستنار عند صاحبه أثمر له معرفة استغلال الفرص وكيفية الاستفادة منها؛ فقد أدرك بتجاربه وتجارب غيره التي أضافها إلى عقله أن الفرص أطياف تمر، وأنفاس تخرج لا تعود مرة أخرى إلا أن يشاء الله، فعندما يجد الفرصة أو يعيش فيها فإنه يستفرغ حاجته منها ولا تفارقه إلا وقد نال منها ما يريد.


فيا أيها المسلم العاقل، عمرك فرصة، وفراغك فرصة، ورخاؤك فرصة، وأمنك فرصة، وقدرتك فرصة، وأمرك بيدك في بعض شؤونك فرصة، وامتلاك الوسائل الميسرة والمؤثرة فرصة؛ فلا تضيعن منك هذه الغنائم وتمر عليك وأنت نائم غير مكترث بها.


يا أهل الحجا، إن العقل إذا اكتمل واتسع عرف صاحبه كيف يخرج من المضائق، ويفك عنه قيد المآزق، وكيف يتعامل مع المواقف الشديدة التي تطيش فيها الأحلام، فينقُب عقله الفسيح جُدد الأزمات وحصونها العتيدة ليصل إلى مخارج من قبضتها بالأسباب المباحة والوسائل الصحيحة المتاحة.


وبعد هذا علينا-عباد الله- أن نشكر الله تعالى على نعمة العقل، ونستعملها في الفضائل وطمس معالم الرذائل، ونحفظها من جميع المفسدات الحسية والمعنوية، ونحصنها بالوعي التام والثقافة النظيفة، والمراقبة الكاملة لخالقها وواهبها سبحانه وتعالى.


وعلينا أن نعلم أن العقل البشري له حدوده التي لا ينبغي أن يتجاوزها بتفكيره؛ لأنه إذا سبح في غيره جوّه تاه وتحير، وتفرق وتضرر.


فمن منحه الله منحة العقل فقاده إلى الخير، وعَقَلَه عن الشر فما أعظم ما مُنح، وما أحسن ما به مُدِح.

يَعِيشُ الْفَتَى بِالْعَقْلِ فِي النَّاسِ إنَّه
عَلَى الْعَقْلِ يَجْرِي عِلْمُهُ وَتَجَارِبُهْ
وَأَفْضَلُ قَسْمِ اللَّهِ لِلْمَرْءِ عَقْلُه
فَلَيْسَ مِنْ الْأَشْيَاءِ شَيْءٌ يُقَارِبُهْ
إذَا أَكْمَلَ الرَّحْمَنُ لِلْمَرْءِ عَقْلَه
فَقَدْ كَمُلَتْ أَخْلَاقُهُ وَمَآرِبُهْ[11]

هذا وصلوا وسلموا على خير البشر...

 



[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في: 10/ 6/ 1440هـ، 15/ 2/ 2019م.

[2] رواه أحمد وأبو داود وابن حبان، وهو صحيح.

[3] كتاب الكليات - لأبى البقاء الكفوي (ص: 1542).

[4] أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص: 19-20). بتصرف.

[5] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، لابن حبان (ص: 5).

[6] غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، للسفاريني (1/ 69).

[7] العقل وفضله، لابن أبي الدنيا (ص: 62).

[8] ينظر مقالات بعضهم في شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز (ص: 208).

[9] رواه مسلم.

[10] رواه أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم، وهو حسن.

[11] أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص: 3).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دية العقل
  • خريطة العقل
  • نعمة العقل
  • أهمية العقل
  • العبث بالعقل
  • تحفة الكرام بوسائل صناعة العقل في الإسلام (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • احترام النفس البشرية في الحروب النبوية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهمية حفظ المتون عند السلف(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كراسة متابعة الطالب لحفظ المتون العلمية "من حفظ المتون حاز الفنون" (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم (4) وسائل تسهيل الحفظ وتثبيته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم (3) الحفظ النموذجي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم (2) أسس حفظ القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم (1) مدخل إلى حفظ القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حفظ اللغة العربية من حفظ الدين(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • أصول حفظ الكليات الخمس في بينات القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدورة السادسة عشرة من المسابقة المحلية لحفظ القرآن في البوسنك والهرسك(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب