• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

شم الرياحين في فضل عفو الله الكريم

شم الرياحين في فضل عفو الله الكريم
أبو زيد السيد عبد السلام رزق

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/12/2018 ميلادي - 17/4/1440 هجري

الزيارات: 61747

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شم الرياحين في فضل عفو الله الكريم


نعيش مع اسم من أسماء الله تعالى، ألا وهو اسم الله العفو وهو اسم من أسماء الله الحسنى، على وزن فعول بصيغة المبالغة، ومعناه: الذي يمحو السيئات، ويتجاوز عن المعاصي، وهو قريب من اسم الغفور؛ قال الخطابي: «العفو: الصفح عن الذنوب، وترك مجازاة المسيء»، وقال السعدي: «العفو، الغفور، الغفار الذي لم يزل، ولا يزال بالعفو معروفًا، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفًا، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه، وقد وعد بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82]، فالله تبارك وتعالى أظهر الجميل، وستر القبيح، لا يؤاخذ بالجريرة، ولا يهتك الستر، وهو سبحانه عظيم العفو وحسن التجاوز، وواسع المغفرة وباسط اليدين بالرحمة، وصاحب كل نجوى، ومنتهى كل شكوى، وكريم الصفح وعظيم المن، ومبتدئ النعم قبل استحقاقها، فكل خير فإنما هو منه سبحانه جل جلال ربي، وهو أرحم بعباده من الأم الحنون بولدها، وأرحم بعباده من الطائر بفرخه؛ عن زيد بن أسلم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فأخذ رجل فرخ طائر فجاء الطير، فألقى نفسه في حجر الرجل مع فرخه، فأخذه الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لهذا الطائر، جاء فألقى نفسه في أيديكم رحمةً لولده، فوالله لله أرحم بعبده المؤمن من هذا الطائر بفرخه)[1].

 

وقد ورد اسم الله العفو في القرآن الكريم خمس مرات:

في قوله تعالى: ﴿ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 43].

وفي قوله: ﴿ فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 99].

وفي قوله: ﴿ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء: 149].

وفي قوله: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [الحج: 60].

وفي قوله: ﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [المجادلة: 2].

 

الفرق بين العفو والمغفرة:

العفو أبلغ من المغفرة، فالعفو: المحو؛ أي: يمحو الله تعالى ذنوب العبد من صحيفته، فلا يقرره بها يوم القيامة، أما المغفرة فيغفرها الله تعالى له، لكنها مدوَّنة في صحيفته، ويقرِّره بها يوم القيامة؛ قال الغزالي: «العفو: هو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي، وهو قريب من الغفور، ولكنه أبلغ منه، فإن الغفران ينبئ عن الستر، والعفو ينبئ عن المحو، والمحو أبلغ من الستر»[2].

 

قال محمد منير الدمشقي في الإتحافات السنية: «العفو في حق الله تعالى عبارة عن إزالة آثار الذنوب بالكلية، فيمحوها من ديوان الكرام الكاتبين، ولا يطالبه بها يوم القيامة، وينسيها من قلوبهم؛ لئلا يخجلوا عند تذكيرها، ويثبت مكان كل سيئة حسنة، والعفو أبلغ من المغفرة؛ لأن الغفران يشعر بالستر، والعفو يشعر بالمحو، والمحو أبلغ من الستر».

 

قال بن القيم في نونيته:

وهو العفو فعفوُه وسِع الورى ♦♦♦ لولاه غار الأرض بالسكان

 

عن أبي بكر قال: «قام رسول الله على المنبر ثم بكى، فقال: سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين خيرًا من العافية»[3].

 

الله تعالى عفو يحب العفو:

أخرج الحاكم في المستدرك عن أبي ماجد - يعني الحنفي - قال: كنت قاعدًا مع عبدالله بن مسعود قال: إني أذكر أول رجل قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتي بسارق فقطع يده، فكأنما أسف وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قالوا: يا رسول الله، كأنك كرهت قطعه، قال: وما يمنعني، لا تكونوا أعوانًا للشيطان على أخيكم، إنه ينبغي للإمام إذا انتهى إليه حد أن يُقيمه، إن الله عز وجل عفو يحب العفو: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22][4].

 

وعن عائشة أنها قالت: «قلت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو؟ قال: (تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعفُ عني) [5].

 

فحري بكل مريد للإقبال على ربه، ألا يترك الشيطان يغلبه ويحول بينه وبين التوبة، بحجة أن الذنوب كثيرة أو عظيمة، فعفو الله أعظم؛ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليُعظم الرغبة؛ فإن الله لا يتعاظمه شيءٌ أعطاه» [6]، فذنوب العبد وإن عظُمت، فإن عفو الله ومغفرته أعظم:

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرةً
فلقد علمتُ بأن عفوك أعظمُ
إن كان لا يرجوك إلا محسنٌ
فمن الذي يدعو ويرجو المجرمُ
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا
وجميل عفوك ثم إني مسلمُ

 

لذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله تعالى العفو صباحًا ومساءً حتى مات وفارق الدنيا؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح:)اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)[7].

 

مظاهر عفو الله تعالى عن عباده:

من سَعة عفو الله: إمهال عباده قبل مؤاخذتهم؛ فهو سبحانه يقابل جهل العباد بالحلم، والذنوب بالمغفرة، والمجاهرة بالستر، والجحود بالإنعام، وعدم مسارعته سبحانه إلى عقابهم، والصبر عليهم؛ ليتوبوا وليؤوبوا إلى خالقهم وبارئهم، فقال سبحانه: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [النحل: 61]، قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: «ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه لو عاجل الخلق بالعقوبة، لأهلك جميع مَن في الأرض، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة؛ لأن العجلة من شأن مَن يخاف فوات الفرصة، ورب السماوات والأرض لا يفوته شيء أراده»[8]، وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أحد أصبر على أذًى يسمعه من الله عز وجل، إنه يُشرَك به ويُجعل له الولد، ثم هو يعافيهم ويرزُقهم» [9]، وصدق الله العفو: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الرعد: 6]؛ يقول السعدي: «أي: لا يزال خيره إليهم، وإحسانه وبره وعفوه نازلًا إلى العباد، وهم لا يزال شرهم وعصيانهم إليه صاعدًا، يعصونه فيدعوهم إلى بابه، ويجرمون فلا يحرمهم خيره وإحسانه، فإن تابوا إليه فهو حبيبهم؛ لأنه يحب التوابين ويحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا فهو طبيبهم، يبتليهم بالمصائب ليطهرهم من المعايب» [10].

 

من سَعة عفو الله تعالى يوم القيامة، عفوه عمن امتحشتهم النار، وغيَّرت ملامحهم، ولم يعملوا خيرًا قط؛ عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده، ما منكم من أحد بأشد مناشدةً لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقًا كثيرًا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير، فأخرجوه، فيخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نذَرْ فيها أحدًا ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدًا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتُم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقًا كثيرًا ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرًا)، وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40]، فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضةً من النار، فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط قد عادوا حممًا، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر، أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض؟ فقالوا: يا رسول الله، كأنك كنت ترعى بالبادية، قال: (فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم، يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا، أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا، أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا)[11].

 

وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليصيبن أقوامًا سفع من النار بذنوب أصابوها عقوبةً، ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته يقال لهم الجهنميون)[12].

 

من سَعة عفو الله تعالى عن عباده يوم القيامة: أنه يدخل من أمة النبي خلقًا كثيرًا بلا حساب، سبعون ألف مع كل واحد سبعين ألف؛ أي: ما يعادل أربعة مليار وتسعمائة مليون يدخلون الجنة من أمة النبي محمد بلا حساب عن أبي بكر الصديق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُعطيت سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، وقلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي عز وجل، فزادني مع كل واحد سبعين ألفًا"، قال أبو بكر رضي الله عنه: فرأيت أن ذلك آت على أهل القرى، ومصيب من حافات البوادي).

 

كيف تفوز بعفو الله تعالى:

التجاوز عن المعسر والعفو عنه، وعدم مؤاخذته على عدم استطاعته سدادَ الدَّين من أسباب العفو، فعليك أن تتجاوز؛ حتى يتجاوز الله تعالى عنك؛ عن حذيفة قال: "أُتِي الله بعبد من عباده آتاه الله مالًا، فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ قال: ولا يكتمون الله حديثًا، قال: يا رب آتيتني مالك، فكنت أبايع الناس وكان من خلقي الجواز، فكنت أتيسر على الموسر وأنظِر المعسر، فقال الله: أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي"، فقال عقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود الأنصاري: هكذا سمعناه من فِي رسول الله[13].

 

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرًا، فتجاوز عنه لعل الله يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه»[14]، وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن أبي قتادة أن أبا قتادة طلب غريمًا له، فتوارى عنه، ثم وجده فقال: إني معسر، فقال: آلله، قال: آلله، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفس عن معسر، أو يضع عنه)[15].

 

مَحبة الله تعالى للعبد من أسباب العفو؛ عن أنس قال: كان صبي على ظهر الطريق، فمر النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ناس من أصحابه، فلما رأت أم الصبي القوم، خشيت أن يوطأ ابنها، فسعت وحملته، وقالت: ابني، ابني، قال: فقال القوم: يا رسول الله، ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، ولا يلقي الله حبيبه في النار)[16].

 

خشية الله تعالى من أسباب العفو؛ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال رجل لم يعمل حسنةً قط لأهله: إذا مت فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فو الله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين، فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم، فغفر الله له»[17].

 

العفو عن المظالم من أسباب العفو:

يا ابن آدم، إن بينك وبين الله خطايا وذنوبًا لا يعلمها إلا هو، وإنك تحب أن يغفرها لك الله، فإذا أحببت أن يغفرها لك، فاغفر أنت لعباده، وإن أحببت أن يعفوها عنك، فاعفُ أنت عن عباده، فإنما الجزاء من جنس العمل، تعفو هنا يعفو هناك، تنتقم هنا ينتقم هناك، تطالب بالحق هنا يطالب بالحق هناك؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال له عمر رضي الله عنه: ما أضحكك يا رسول الله، بأبي أنت وأمي؟ فقال: رجلان جثيا من أمتي بين يدي رب العزة تبارك وتعالى، فقال أحدهما: يا رب، خذ لي مظلمتي من أخي، قال الله عز وجل: أعط أخاك مظلمته، قال: يا رب، لم يبق لي من حسناته شيء، قال الله تبارك وتعالى للطالب: كيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يا رب، فليحمل عني من أوزاري، قال: وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم، يوم يحتاج الناس فيه إلى أن يحمل عنهم أوزارهم، فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه، فقال: يا رب، أرى مدائن من فضة، وقصورًا من ذهب مكللة باللؤلؤ، فيقول: لأي نبي هذا؟ لأي صِدِّيق هذا؟ لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال: يا رب، ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه قال: بماذا يا رب؟ قال: تعفو عن أخيك، قال: يا رب، إني قد عفوت عنه، قال الله تعالى: خذ بيد أخيك فأدخله الجنة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة)[18].

كن قابل العذر واغفر زلة الناس
ولا تطع يا لبيبًا أمرَ وسواس
هلا تذكرت يومًا أنت مًدركه
يومًا ستخرج فيه كل أنفاس
يوم الرحيل عن الدنيا وزينتها
يوم الوداع شديد البَطش والباس
ويوم وضعك في القبر المخيف
وقد ردوا التراب بأيديهم وبالفاس
ويوم يبعثنا والأرض هائجةٌ
والشمس مُحرقة تدنو من الراس
والناس في منتهى جوع وفي ظمأ
وفي شقاء وفي همٍّ وإفلاس
يفر كل امرئ من غيره فَرَقًا
هل أنت ذاكر هذا اليوم أم ناسي
سيرسل الله أملاكًا مناديةً
هيا تعالوا لرب مطعمٍ كاسي
هيا تعالوا إلى فوز ومغفرة
هيا تعالوا إلى بِشر وإيناس
أين الذين على الرحمن أجرهم؟
فلا يقوم سوى العافي عن الناس

 

قال علي بن الحسين: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: ليَقُمْ أهل الفضل، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة بغير حساب، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: ما فضلكم؟ فيقولون: كنا إذا جهل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا أُسيء علينا عفونا، فيقولون: ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين)[19].

 

وسلامة الصدور من البغضاء والشحناء: من صفات أهل الجنة؛ في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على آثارهم كأحسن كوكب دري في السماء إضاءةً، قلوبهم على قلب رجل واحد، لا تباغض بينهم ولا تحاسد، لكل امرئ زوجتان من الحور العين، يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم»، فلا يصلح لسكنى الجنة من تلوث قلبه بالأدران، بل من صفت قلوبهم وطهُرت نفوسهم؛ لذا قال الله عز وجل في أهل الجنة: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47].

 

من أسباب عفو الله تعالى عن عباده التوبة الصادقة، وفعل الخيرات وترك المنكرات:

الله تبارك وتعالى يعفو عن المذنب، ويغفر للمسيء، ويتجاوز عن الخطائين، ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25]؛ عن عبدالرحمن بن جبير رضي الله عنه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم شيخ كبير هرم، سقط حاجباه على عينيه، وهو مدعم على عصًا - أي: متكئ على عصًا - حتى قام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلًا عمل الذنوب كلها، لم يترك داجة ولا حاجة إلا أتاها، لو قسمت خطيئته على أهل الأرض لأوبقتهم - لأهلكتهم - أله من توبة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((هل أسلمت؟))، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال: ((تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك كلهن خيرات))، قال: وغدراتي وفجراتي يا رسول الله؟ قال: ((نعم، وغَدراتك وفَجراتك))، فقال: الله أكبر، الله أكبر، ثم ادعم على عصاه، فلم يزل يردد: الله أكبر، حتى توارى عن الأنظار) [20]، قال ابن قتيبة في "غريب الحديث"؛ للخطابي: "أراد أنه لم يدع شيئًا دعته نفسه إليه من المعاصي إلا ركبه؛ وذلك مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].

 

أسأل الله تعالى أن يتجاوز عنا، اللهم يا من أظهر الجميل، وستر القبيح، يا من لا يؤاخذ بالجريرة، ولا يهتك الستر، يا عظيم العفو، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا صاحب كل نجوى، ومنتهى كل شكوى، يا كريم الصفح، يا عظيم المن، يا مبتدئ النعم قبل استحقاقها - نسألك أن تعفوَ عنا وترضى عنا رضا لا تسخط علينا بعده أبدًا، وصلى الله وسلم على البشير النذير صلى الله عليه وسلم.



[1] شعب الإيمان (9 / 6730).

[2] المقصد الأسنى: [1/ 140].

[3] [رواه الترمذي وصححه الألباني؛ مشكاة المصابيح: 2489].

[4] حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (4 / 1638)، وأخرجه الحاكم في المستدرك كتاب الحدود (4 / 382)، وقال: صحيح الإسناد.

[5] [صححه الألباني في المشكاة 2091].

[6] صحيح مسلم (8 / 6988).

[7] رواه ابن ماجه وصححه الألباني: [ 3871].

[8] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1393هـ)، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، لبنان، الطبعة: 1415هـ- 1995م، (2/ 389).

[9] صحيح مسلم (8 / 7258).

[10] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبدالرحمن بن ناصر بن السعدي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1420هـ -2000م، (ص413).

[11] أخرجه البخاري (4/ 1671، رقم 4305)، ومسلم (1/ 167، رقم 183).

[12] مسند أحمد (1 / 22)، وصححه الألباني في الصحيحة (4 / 1484)، والحديث قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (11 / 345): "رواه أحمد والبيهقي في "البعث"، من رواية سهل بن أبي صالح وسنده جيد؛ صحيح البخاري (9 / 7450).

[13] صحيح مسلم (5 / 4079).

[14] صحيح مسلم (5 / 4081).

[15] صحيح مسلم (5 / 4083).

[16] أخرجه أحمد في المسند الجزء (21 / 13467)، وقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

[17] صحيح مسلم (9 / 7156).

[18] أخرجه أبو يعلى في ((مسنده)) - كما في ((ابن كثير)) (3/ 550- 551) - والبخاري في ((الكبير)) (2/ 1/ 459)، وابن أبي الدنيا في ((حسن الظن بالله)) (66/ 116)، وابن أبي داود في ((البعث)) (32)، والحاكم (4/ 576)، قال الحاكم: ((صحيح الإسناد)).

[19] حلية الأولياء 3/ 139.

[20] أخرجه البزار في "مسنده " (4/ 79-80/ 3244 - كشف الأستار)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني "، (5/ 188-189/ 2718)، ومن طريقه ابن الأثير في " أسد الغابة " (2/ 372)، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/ 375-376/ 7235)، وقال: وإسناده جيد قوي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (14 / 3391)، وصححه في صحيح الترغيب والترهيب (3 / 3164).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لقاء مثمر مع أسرة برنامج الرياحين
  • نشيد الرياحين
  • تذييل بالرياحين
  • متى يعفو الله عمن أساء؟
  • عبق الرياحين

مختارات من الشبكة

  • نثر الرياحين في ذكر أمهات المؤمنين في أربعين حديثا: الأربعون الزوجية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الرياحين اليمانية: 100 مسألة في العقيدة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الاحتفال بشم النسيم(مقالة - ملفات خاصة)
  • الاحتفال بيوم (شم النسيم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نعمة حاسة الشم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الإعجاز العلمي في حاسة الشم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حاسة الشم: بين الإعجاز في الخلق وعظمة الخالق(مقالة - موقع د. محمد السقا عيد)
  • يوم شم النسيم(مقالة - ملفات خاصة)
  • شم النسيم من أعياد الفراعنة ( بطاقة دعوية )(كتاب - ملفات خاصة)
  • عيد شم النسيم من أعياد الفراعنة ( بطاقة دعوية )(كتاب - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب