• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    كثرة تلاوته صلى الله عليه وسلم القرآنَ على فراشه ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    عمى البصيرة يورد المهالك
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    شرح أحاديث الطهارة
    لطيفة بنت عبداللطيف
  •  
    خطبة: موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    حقوق اليتيم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الإسلام كفل لأهل الكتاب حرية الاعتقاد
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    أثر الأدلة الشرعية في تحقيق مقصد حفظ الدين (دليل ...
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    خطبة: العدل ضمان والخير أمان
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    الورد والآس من مناقب ابن عباس (خطبة)
    السيد مراد سلامة
  •  
    الصلاة دواء الروح
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    فضل ذكر الله تعالى
    أحمد عز الدين سلقيني
  •  
    قواعد قرآنية في تربية الأبناء
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    مائدة التفسير: سورة الماعون
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    وقفات ودروس من سورة آل عمران (3)
    ميسون عبدالرحمن النحلاوي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

خطورة القول بلا علم (خطبة)

د. سعود بن غندور الميموني


تاريخ الإضافة: 2/5/2018 ميلادي - 17/8/1439 هجري

الزيارات: 48044

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطورة القول بلا علم

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ بفضلِهِ، ويُذِلُّ مَن يشَاءُ بِعدْلِهِ، وأشْهدُ أنَّ محمَّدًا عَبدُهُ ورسُولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ في الأوَّلينَ، وصلَّى اللهُ عليهِ فِي الآخِرِينَ، وصلَّى اللهُ عليهِ فِي الملإِ الأَعلَى إِلى يومِ الدِّينِ... أمَّا بَعدُ:

فاتَّقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ- واعْلَمُوا أنَّهُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُحْسِنَ اغْتِنَامَ الْمَوَاسِمِ الْفَاضِلَةِ بِمَزِيدِ عِنَايَةٍ وَاجْتِهَادٍ فِي أَنْوَاعِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لا سِيَّمَا في هذِه الأَيامِ المبارَكَاتِ أَيَّامِ شَهرِ شَعبَانَ، فَإِنَّ للهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفْحَاتٍ، وَالسَّعِيدُ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا، وَاغْتِنَامُ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ هُوَ تَوْفِيقٌ مِنَ اللهِ لِلْعَبْدِ وَمِنَّةٌ عَلَيهِ، وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَغْتَنِمَ هَذِهِ الْمَوَاسِمَ قَبْلَ أَنْ يَنْقَطِعَ نَفَسُهُ وَتَسْكُنَ جَوَارِحُهُ:

تَزَوَّدْ قَرِينًا مِنْ فِعَالِكَ إنَمَّا
قَرِينُ الْفَتَى فِي الْقَبْرِ مَا كَانَ يَفْعَلُ
فَلَنْ يَصْحَبَ الْإِنْسَانَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ
إِلَى قَبْرِهِ إلاَّ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ

 

عِبَادَ اللهِ... لَقَدْ أَشْرَقَتْ شَمْسُ الإِسْلامِ عَلَى قَوْمٍ كَانُوا فِي جَاهِلِيَّةٍ عَمْيَاءَ، كَانُوا يَعْبُدُونَ الصَّنَمَ مِنَ الْحَجَرِ، وَيَصْنَعُ أحَدُهُمْ مَعْبُودَهُ مِنَ الْحَلْوَى فَإِذَا جَاعَ أَكَلَهَا، وَتُولَدُ لِلرَّجُلِ البِنْتُ مِنْ لَحْمِهِ وَدَمِهِ فَيَدْفِنُهَا فِي التُّرَابِ خَشْيَةَ الْعَارِ، فَضْلاً عَنِ الظُّلْمِ الَّذِي كَانَ يَقَعُ عَلَى النِّساءِ وَالضُّعفَاءِ وَالْيَتَامَى وَالْمسَاكينِ، حَتَّى كَانَ شِعَارُ الْجَاهِلِيَّةِ "مَنْ لَا يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَم".. أَشْرَقَتْ شَمْسُ الْإِسْلامِ عَلَى مُجْتَمَعٍ هَكَذَا؛ فَمَحَتْ مِنْه آثَارَ الظُّلْمِ وَالْجَاهِلِيَّةِ..


وَكَانَتْ الْأدَاةُ فِي ذَلِكَ هِي نُورُ الرِّسَالَةِ، وَعَنْدَمَا نَتَكَلَّمُ عَنِ الرِّسَالَةِ الْإلَهِيَّةِ التِي نَزَلَتْ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّنَا نَتَكَلَّمُ عَنْ غِذَاءِ الْأَرْواحِ وَنَبْضِ الْقُلُوبِ أَلَا وَهُوَ "الْعِلْمُ"، وَمَا أَدْرَاكُمْ مَا الْعِلْمُ، إِنَّه نُورُ الدُّنْيا وَحَيَاتُهَا، وَغِذَاءُ الأَرْوَاحِ وَلُبُّهَا، وَصَانِعُ الأُمَمِ وَرَافِعُهَا، لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أنْ يَطَلُبَ الزِّيادَةِ مِنْ شَيْءٍ إلاَّ مِنَ الْعِلْمِ، فَقَالَ سُبْحَانَه لَهُ آمِراً: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾.. وعلَى هذَا كَانتْ مَكانَةُ الْعِلْمِ في الإسلامِ لا تُضَاهَى، وفَضيلةُ العُلماءِ لا تُبَارَى، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ" رواهُ أَصحابُ السُّنَنِ.


وعَلَى العَكْسِ أَيضاً.. كَانتْ خُطُورةُ التَّعَالُمِ والقَولِ علَى اللهِ بِلا عِلمٍ مِن أَشَدِّ الذُّنوبِ وأَكبَرِ السَّيئاتِ؛ قَالَ تعَالَى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾.. قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحمه اللهُ مفسراً لهذِه الآيةِ: "رَتَّبَ (سبحانَهُ) الْمُحَرَّمَاتِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ، وَبَدَأَ بِأَسْهَلِهَا وَهُوَ الْفَوَاحِشُ، ثُمَّ ثَنَّى بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْهُ وَهُوَ الْإِثْمُ وَالظُّلْمُ، ثُمَّ ثَلَّثَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ تَحْرِيمًا مِنْهُمَا وَهُوَ الشِّرْكُ بِهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ رَبَّعَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ الْقَوْلُ عَلَيْهِ بِلَا عِلْمٍ، وَهَذَا يَعُمُّ الْقَوْلَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِلَا عِلْمٍ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَفِي دِينِهِ وَشَرْعِهِ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فَتَقَدَّمَ إلَيْهِمْ سُبْحَانَهُ بِالْوَعِيدِ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِهِ، وَهَذَا بَيَانٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ إلَّا بِمَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَحَلَّهُ وَحَرَّمَهُ" انتَهَى كلامُهُ.


عِبَادَ اللَّهِ... إِنَّ الْكَلاَمَ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ هُوَ أَصْلُ الشِّركِ وَالْكُفْرَانِ، وَأَسَاسُ الْبِدَعِ وَالْعِصْيَانِ، وَها نَحْنُ نَرَى مِنْ بَعْضِ النَّاسِ جُرْأَةً عَلَى التَّوْقِيعِ عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَجُرْأَةً فِي الْكَلاَمِ فِي دِينِ اللهِ فِي مُدْلَهِمِّ الْمَسَائِلِ وَخَطِيرِ الْقَضَايَا، رَأَيْنَا شَيئاً يَغِيظُ الْمُؤْمِنِينَ..


إنكَ لَتَعْجَبُ عِنْدَمَا تَجِدُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ أَحْكَامَ الطَّهَارَةِ وَالصَّلاَةِ ثُمَّ تَجِدُهُ يَتَكَلَّمُ فِي مَسَائِلَ لَوْ عُرِضَتْ عَلَى أَبِي بِكْرٍ أَوْ عُمَرَ لَجَمَعَ لَهَا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، لَكِنَّكَ تَجِدُ هَذَا الْمُسْتَخِفَّ بَدِينِ اللَّهِ يَتَكَلَّمُ وَكَأَنَّ الْوَحْيَ يَنْزِلُ عَلَيهِ.. بِكُلِّ ثِقَةٍ يَتَكَلَّمُ وَكَأَنَّه جَمَعَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ والآخِرِينَ.. تَرَاهُ قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ عَالِماً ومُفتِياً في مِسائِلَ عَظيمةٍ وأُمُورٍ كَبيرةٍ، كمَسائلِ الوَلاءِ والبَراءِ والحِجَابِ، والموسِيقَى والغِناءِ والسِّينِما، يَتحدَّثُ كَأنَّمَا قَد قَرأَ السُّنةَ كُلَّهَا، فكَمْ قَرَأَ مِنَ السُّنَّةِ؟ وهل اطَّلعَ على تَفَاسِيرِ الصَّحابةِ والسَّلفِ وفَهِمَهَا؟ لَيتَهُ يُخْبِرُنَا: هَلْ عَرَفَ العَامَّ مِنَ الخَاصِّ؟ هَلْ عَرَفَ الْمُطْلقَ مِنَ المُقَيَّدِ؟ هَلْ عَرَفَ الْمُجْمَلَ مِنَ الْمُبَيَّنِ؟ هَلْ عَرَفَ الظَّاهِرَ مِنَ الْمُؤوَّلِ؟ لَيتَ شِعْرِي.. هَلْ عَرفَ الصَّحيحِ مِنَ السَّقيمِ، هَلْ عَرَفَ الْمُتَّصِلَ مِنَ الْمُنْقَطِعِ؟ هَلْ عَرَفَ الْمَحفُوظَ مِنَ الشَّاذِّ؟!!


لَقدْ صَدَقَ فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ قَوْلُ ابْنُ الْقَيِّمِ:

مُتَفَيْهِقٌ مُتَشَدِّقٌ مُتَضَلِّعٌ
بالجَهلِ ذُو ضَلْعٍ مِنَ الْعِرْفَانِ
مُزْجَى البِضَاعةِ في العُلُومِ وإنَّهُ
زَاجٍ مِنَ الإِيهَامِ والْهَذَيَانِ
عَجَّتْ فُرُوجُ الْخَلقِ ثُمَّ دِمَاؤُهُمْ
وحُقُوقُهُمْ.. مِنهُ إلى الدَّيَّانِ

 

أيهَا المسلمونَ... مَا أَسوأَ أَنْ تَرَى خَوَّاضاً مُنَازِلاً في حَلائِبِ العِلْمِ وهُوُ عَنِ العِلمِ غَافِلٌ، وبالكتابِ والسُّنَّةِ جَاهِلٌ، يَظُنُّ بَعقلِهِ أنَّ مجرَّدَ الحَمَاسِ للدِّينِ يُجِيزُ له الكَلامَ بغَيرِ عِلمٍ! بل هُوَ حَرامٌ عليهِ وحَرامٌ على كلِّ امْرِئٍ أنْ يتَحَدَّثَ في دِينِ اللهِ بغَيرِ عِلمٍ ولَوْ زَعَمَ أنَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الدِّينِ!


تَجِدُ الوَاحِدُ مِن هَؤلاءِ يَتحَدَّثُ ولاَ يَرَى عَواقِبَ قَوْلِهِ، يتَحَدَّثُ ولا يَخَافُ أنَّهُ قَالَ عَلَى اللهِ بغَيرِ عِلمٍ! أَلاَ فبُعْداً لهؤلاءِ الأَمواتِ! أَلاَ يتَّعِظونَ؟ ألاَ يَعلَمُونَ أَنَّهُم مَوقُوفُونَ ليومٍ عَظِيمٍ! ألاَ يَعلَمُونَ أَنَّ رُبَّ كَلِمةٍ يَقولُهَا أَحَدُهُم تَهوِي بهِ في النَّارِ سَبعِينَ خَرِيفاً، كمَا قَالَ نَبيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم.

قَدِّرْ لِرِجْلِكَ قَبلَ الخَطْوِ مَوضِعَهَا
فمَنْ عَلاَ زَلَقاً عَن غِرَّةٍ زَلَجَا
وَلاَ يُغَرَّنْكَ صَفْوٌ أَنْتَ شَارِبُهُ
فَرُبَّمَا كَانَ بالتَّكدِيرِ مُمْتَزِجَا

 

أيها الموحِّدونَ.. إنَّ الكلامَ في دِينِ اللهِ إنَّمَا يَكونُ بضَوابِطَ شَرعِيَّةٍ لا يجوزُ للمُسلمِ أنْ يَتَجَاوَزَهَا، ألاَ يَعلَمُ ذَلكَ الرَّجُلُ أنَّ كِبارَ الصَّحابةِ والعُلماءِ تَورَّعُوا عَنِ الفُتْيَا في دِينِ اللهِ خَوفاً مِنَ الوقُوعِ فيمَا حَذَّرَ اللهُ مِنهُ مِنَ القَولِ بِلا عِلمٍ، روى الطَّبَرِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي اللهُ عنه، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيُ اللَّهُ عَنْهُ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ: ﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴾ فَقَالَ: هَذِهِ الْفَاكِهَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا الْأَبُّ؟ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ: لَعَمْرُكَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ يَا عُمَرُ".


وفي مُسنَدِ ابنِ المُبَارَكِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: اخْتَلَفْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي اللهُ عنه سَنَةً، مَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِيهَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِلَّا أَنَّهُ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ فذَكَرَ فِيهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَعَلاَهُ كَرْبٌ شَدِيدٌ حَتَّى رَأَيْتُ الْعَرَقَ يَحْدِرُ عَنْ جَبْهَتِهِ..


عَرَقٌ وخَوفٌ وهُو يُحدِّثُ عَن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَشيةَ أَنْ يُخطِئَ عَليهِ. بَلْ كانُوا يُمْسِكُونَ عَنِ التَحْدِيثِ أَصلاً خَوفاً مِن ذَلكَ؛ رَوَى ابنُ مَاجَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: قُلْنَا لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي اللهُ عنه: حَدِّثْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "كَبِرْنَا وَنَسِينَا، وَالْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَدِيدٌ!".


وهذَا الإمامُ مَالكٍ رحمه اللهُ يُسْأَلُ عَن أَربعِينَ مَسألةٍ، فَأجَابَ في أربعةٍ مِنهَا، وقال في سِتٍّ وثَلاثينَ مَسألةٍ: (لاَ أَدْرِي)، فَتعَجَّبَ السَّائِلُ وقالَ: مَاذا أَقولُ للنَّاسِ؟! أَأَقولُ لَهم مَالِكٌ لاَ يَدْرِي؟! ومَنْ يَدرِي إذَا لَم يَدْرِ مَالِكٌ؟! فقالَ لَه الإمامُ مَالكٌ: (نعَم، لاَ أدرِي وأَخبِرِ النَّاسَ أنَّ مَالِكاً لا يَدرِي).. فَنِعْمَ الأَدبُ معَ كَلامِ اللهِ ورسُولِهِ.


فلْنَتَّقِ اللهَ - عبادَ اللهِ - ولْنَحْرِصْ على التَّحَرِّي في القَولِ والعَمَلِ، بلْ يَجِبُ ألاَّ نَسمَعَ إلاَّ لَمَنْ نَثِقُ في دِينِهِ ودِيانَتِهِ وعِلْمِهِ مِمَّنْ شُهِدَ لَهُمْ بالعِلْمِ والعَمَلِ.

نسألُ اللهَ سُبحانهُ وتَعَالى أَنْ يُبَصِّرَنَا في أُمورِ دِينِنَا إنَّه عَلَى كلِّ شيءٍ قَديرٌ.

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ، جَلَّ شَأْنُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْماؤُهُ وَلَا إلَهَ غَيْرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم.. أَمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللَّهِ... إنَّه مِنَ الوَاجِبِ عَلينَا في هذِه الأَيَّامِ التي وَقَعَتْ فِيهَا الْفِتنُ في بَعضِ بِلادِ المسلِمِينَ -والَّتِي تَتبَعُهَا بَلادٌ أُخرَى علَى نَفسِ الِمنوَالِ- مِنَ الوَاجبِ علينَا أَنْ نَتَّبِعَ العُلماءَ الرَّبانِيينَ الذينَ يَقومُونَ بالحَقِّ ولا يُمَيِّعُونَهُ. ولْنَعْلَمْ.. أنَّ العِلْمَ والفَتَاوَى لاَ يُؤخَذَانِ مِنْ مَواقِعِ التَّواصُلِ أَو مِن أَفْوَاهِ المُغَرِّدِينَ والمغَرِّدَاتِ، وإنَّمَا الدِّينُ كِتابٌ وسُنَّةٌ، طُرُقُهُ مَعروفَةٌ وعُلمَاؤهُ مَعروفُونَ.

علينَا أنْ نَحتَاطَ لِدِينِنَا كمَا نَحتَاطُ لِدُنْيَانَا.


ولْنَتَذَكَّرْ دَائِماً أنَّ الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقعَ في الحَرامِ..

فخُذْ مِنَ الحَلالِ مَا تَيَقَّنْتَ، ودَعْ مَا عَلِمتَ حُرْمَتَهُ، ومَا اشْتَبَهَ عَليكَ فدَعْهُ ورُدَّهُ إلى أهلِ العِلمِ العَارِفِينَ بكتابِ اللهِ وسنَّةِ رَسولِهِ صلى الله عليه وسلم.


عِبادَ اللهِ.. أَلا وإنَّ المسلِمَ مَأمُورٌ بالإِيجابيَّةِ في حَياتِه، فالمُسلمونَ لا يَعرفونَ السلبيَّةَ ولا السُّكوتَ، أو الرِّضَا بالبَاطِلِ، وإنَّما يَجبُ على كُلِّ مُسلِمٍ أن يَكونَ إِيجابِيًّا آمِرًا بالمعرُوفِ نَاهِيًا عَن المنكَرِ علَى قَدرِ استِطاعَتِهِ كمَا جاءَ في كلامِ خَيرِ البشَريَّةِ صلى الله عليه وسلم:

"مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" رواه مسلمٌ.. فَمَنْ أَنْكَرَ بِيدِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ -مُلْتَزِمًا الضَّوَابِطَ الشَّرْعِيَّةَ- فَقَدْ سَلِمَ وَأَدَّى مَا عَلَيهِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُنْكِرَ بِقَلْبِهِ فَلَا يَرْضَى؛ فَصُمُودُ الْإِنْكارِ الْقَلْبِيِ هُوَ آخِرُ حَلبَاتِ الْمُجَاهَدَةِ فَإِيَّاكَ أَنْ يُسْرَقَ مِنْكَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا عَدُوَّا الْحَرامَ حَرامًا وَإِنَّ ضَعُفُوا مَعَهُ. نسألُ اللهَ أَنْ يُوفِّقَنَا لِمَا يُحبُّ ويَرضَى.


اللَّهُمَّ انْصُرِ الإِسْلامَ وأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْلِ بِفَضْلِكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ والدِّينِ، وَمَكِّنْ لِعِبَادِكَ الْمُوَحِّدِينَ، واغْفِرْ لَنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والأَمْوَاتِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْزِيَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ.. اللَّهُمَّ اجْزِهِمْ عَنَّا رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ.. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ وَعَافِهِمْ واعْفُ عَنْهُم.

اللهمَّ وَفِّقْ ولي أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى، وخُذْ بناصيته لِلبِرِّ وَالتَّقْوى، واجْعَلْ وِلايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ واتَّقَاكَ.

اللهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا فِي مَشَارِقِ الأَرضِ ومَغَارِبِهَا، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ علَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، وَرُدَّهُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وبالإِجَابَةِ جَدِيرٌ، وأَنْتَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • فوائد وأحكام من قوله تعالى: { ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم... }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة القول الحسن في جواب القول لمن (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة القول الحسن في جواب القول لمن(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • ما انتقد على «الصحيحين» ورجالهما، لا يقدح فيهما، ولا يقلل من شأنهما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخلاصة في أحكام العيد(مقالة - ملفات خاصة)
  • من صور القول على الله بغير علم: الفتوى بغير علم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقيقة الإيمان... ثم تدبرت!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحقيق القول في تعريف علم الحديث رواية ودراية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • العلم قبل القول والعمل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القول النفيس في بيان خطورة الفتوى بغير علم يا أهل الفيس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/1/1447هـ - الساعة: 16:46
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب