• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / تربية الأولاد
علامة باركود

تربية الأبناء (خطبة)

تربية الأبناء (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/12/2021 ميلادي - 3/5/1443 هجري

الزيارات: 30917

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تربية الأبناء


الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ العظيم الأعظمِ، الكريم الأكرمِ، الحكيم الأحكم، التواب الوهاب المنعمِ، ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 4، 5]، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 14]، وأشهد أن محمدًا عبدهُ ورسولهُ، وصفيهُ وخليلهُ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33]، عليه وعلى آله وصحابتهِ وتابعيه، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومٍ لا ريبَ فيه، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا لا مزيد عليه، أمَّا بعدُ:

فاتقوا اللهَ عباد اللهُ؛ فمن تفكَّرَ في العواقِبِ أخذَ بالحذَر، ومن أيقنَ بطول الطريقِ تأهَّبَ للسفرِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].

 

معاشر المؤمنين الكرام، يتفق الجميع أن من أعزِّ أمنياتِ الإنسان، أن يرزقه الله ذريةً طيبةً، وولدًا صالحًا يَبرهُ ويدعو له؛ قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].

 

الأبناء مصابيح البيوت, وقرة العيون، وفلذات الأكباد تمشي على الأرض، هم بهجة الدنيا، ونبض الحياة، وهم أحباب الرحمن، وهِبةُ المنان، وهم زهرة اليوم, وثمرةُ الغدِ, وأملُ المستقبل، بنجاحهم يقاسُ تقدم الأمم، وبسواعِدهم تُبني الأمجاد وتُعتلى القمم، وصدق الله: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46]، وفي الحديث: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"؛ رواه مسلم.

 

والأبناءُ أمانة الله في أعناق الآباء، وتربيتهم والعناية بهم فريضةٌ ومسؤوليةٌ من أعظم المسؤوليات، "ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته"، والتربية تعني صِناعةَ الإنسان، وتعني تشكيلَ مسلماتهِ وقيمهِ ومعتقداته، كما أنها توجيهٌ للفِكر, وتهذيبٌ للسلوك، وتقويمٌ للأخلاق، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، قال ابن عمر رضي الله عنه لرجل: "أدب ابنك فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدبته؟"، والتربية الصحيحة هي التي تبنِي في نفس الناشئ الفضائل، وتصونه من الرذائل، التربية رعايةٌ شاملةٌ لشخصية الإنسان، بهدف إيجادِ فردٍ متوازنٍ يعبدُ اللهَ ويعمرُ الأرضَ ويتزودُ للآخرة، والشبابُ هم ثروةَ الأمَّة الغالية، وهم العَصَبُ الفعَّال في حياةِ الأمم، وفي المقابل فإن انحرافَهم هو أعظمُ ما يشغلُ المهتمين والغيورين، من الآباءَ والمربِّين، فمنحرفُ اليومِ هو مجرمُ الغدِ ما لم تتداركهُ عِنايةُ الله، والمتأملُ في أحوال شبابِ اليوم، لن يسره الحال أبدًا، فقد ازداد بُعدُهم عن المنهج الصحيح، والطريق المستقيم، زهِدوا في الصلوات والمساجد، وانتشرَ بينهم الدُّخان والشيشةٍ وغيرها من المفترات والمخدرات، وتزايدت بينهم وبشكل مخيف جرائم الشرفِ والزنا والتَّحرشِ، والعلاقاتِ المحرَّمةِ بين الجنسين، وكذلك ما يتعلقُ بانحراف العقائِد، واعتناقِ الأفكارِ الإلحادية التي تُشككُ في ثوابت الدِّين ومُسلماتهِ.

 

وأغلبُ ذلك يأتي تقليدًا أعمى لمشاهير اليهود والنصارى، من اللاعبين والممثلين والمصارعين واشباههم، ممن لا حظَّ لهم في دينٍ ولا خلق، بل وصل بهم الحالُ أن يتبجحوا فيعلنوا شذوذهم في الاعلام، وصدَقَ من لا ينطقُ عن الهوى صلى الله عليه وسلم القائل: "لتتبعُنَّ سنن الذين مِن قَبلِكم، شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذِراع، حتى لو دخَلوا جحر ضبٍّ لاتَّبعتموهم"، وفي رواية صحيحة: "حتَّى لو كانَ فيهم من يأتي أُمَّهُ علانيَةً لَكانَ في أمَّتي من يصنعُ ذلِكَ"، قلنا: يا رسول الله، اليهودُ والنصارى؟ قال: "فمن؟"؛ رواه الشيخان.

 

والأمر ليس باليسير يا عباد الله، فتشبهُ الظاهرِ يُفضي ولا شك إلى تشبه الباطن، كالتشبه في اللباس والهيئة، ولقد انتشرت ظاهرةُ القزعِ بين شبابنا بشكلٍ غريبٍ وعجيب، وما هو القزع، إنه حلقُ بعضُ الرأسِ وتركُ بعضهِ الآخر، وهو ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيحِ الذي أخرجهُ البخاري ومُسلمٌ، قال ابن عمر رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن القزع، ويشتدُّ التحريمُ إذا كانَ تشبُهًا بالكفار؛ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا كان قزعًا مشبَّهًا للكفار فإنه محرَّم، لأن التشبه بالكفار محرَّم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقومٍ فهو منهم".

 

ونعودُ لموضوع الانحرافِ فنلحظُ أنَّ زاويةُ الانحرافِ تزدادُ اتِّساعًا حينَ ينشأُ الشابُّ بلا حصانةٍ، ويتلقى فِكرًا بلا مناعةٍ، وحينَ تتكونُ شخصيّتهُ بلا تربيّةٍ ولا انضباط، وإنَّك لا تجني من الشوكِ العنبَ، ومع الأسفِ الشديدِ فإن جيلًا مُغيبًا بهذا التدني والانفلاتِ الأخلاقي، واهتزاز الثوابت وغياب الهدف، إن شبابًا بهذا الخواء، لا يمكن أن يرفعَ أمَّةً، ولا أن يدفعَ عنها نِكايةً، وصدقَ من قال: ما يبلغُ الأعداءُ من جاهلٍ، ما يبلغُ الجاهلُ من نفسهِ، إذًا فلا بدَّ من وقفةٍ جادةٍ واهتمامٍ بهذا الأمر، ففي صحيح مسلمٍ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ.

 

وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما نحل والدٌ ولده أفضلَ من أدبٍ حسن)؛ قال الإمامُ ابن القيمِ رحمهُ اللهُ: (كم ممَّن شقي ولدُهُ وفلذةُ كبدهِ في الدنيا والآخرةِ بإهماله وتركِ تأديبهِ وإعانتهِ على شهواتهِ، ويزعمُ أنهُ يُكرمهُ وقد أهانهُ، وأنهُ يرحمهُ وقد ظلمهُ، ففاتَهُ انتفاعُهُ بولده، وفوَّتَ عليهِ حظَّهُ في الدنيا والآخرة، وإذا تفكَّرتَ في فساد الأولادِ، رأيتَ أنَّ عامتهُ مِنْ قِبَل الآباء)، وقال الإمامُ الغزالي رحمهُ اللهُ: "إن الصبي أمانةٌ عند والديهِ, وقلبهُ الطاهرُ جوهرةٌ نفيسةٌ خاليةٌ من كل نقشٍ، وهو قابلٌ لكلِّ ما يُنقشُ فيه، فإن عُوِدَ الخيرَ نشأَ عليهِ وسعُدَ في الدنيا والآخرة، هو وكلُّ مُعلِمٍ لهُ ومؤدبٍ، وإن عُودَ الشَّرَ وأهملُ إهمالَ البهائِمِ، شقِي وهَلك، وكانَ الوزرُ في رقبةِ مُربيهِ والقيّمِ عليه".

 

أيها الآباء الكرام، العناية بتربية الأبناء، هي مسلكُ الأخيارِ, وطريقُ الأبرارِ، ولا تفْسُدُ الأمَّةُ ولا تهلكُ, إلا حين تفسُدُ أجيالهُا، ولا ينالُ الأعداءُ من أمةٍ إلَّا إذا نالوا من شبابها ذكورًا وإناثًا، ولقد رسمَ النبيُ صلى الله عليه وسلم منهجًا واضِحًا في وصيتهِ لابن عمهِ عبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما؛ حيث قال لهُ: "يا غلام، ألا أعلِمُك كلماتٍ ينفعُكَ اللهُ بهن؟ احفَظ اللهَ يحفظك، احفظ اللهَ تجدهُ أمامك، تعرَّف إلى اللهِ في الرخاءِ يعرفك في الشدَّة، إذا سألت فاسأل اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، واعلم أنَّ الأمَّةَ لو اجتمعت على أن ينفعوكَ بشيءٍ لم ينفعوكَ إلا بشيءٍ قد كتبهُ اللهُ لك، وإن اجتمعوا على أنَّ يضروكَ بشيءٍ لم يضروكَ إلا بشيءٍ قد كتبهُ اللهُ عليك"، والنفسُ كما قال الإمامُ الشافعيُ رحمهُ اللهُ إن لم تشغلها بالحقِّ شغلتك بالباطل، والشابُ إن لم ينشغِل بالخير وبما ينفعُه، تخطفتهُ الأفكارُ الطائِشةُ، وعاشَ في دوامةٍ من التُّرهاتِ والاهتمامات التافهة، وصدقَ من قالَ: إنَّ الفراغَ والشبابَ والجِدةَ مفسدةٌ للمرءِ أي مفسدة، ألا وإن حُبَّ الشهواتِ وإيثارَ الملذاتِ, والركونَ للراحةِ والدَّعةِ، هو الذي يُسْقِطُ الهِمَمَ، ويُفتِّرُ العزائِمَ، فكم من فِتيانٍ يتساوونَ في نبَاهةِ الذِّهنِ، وذكاءِ العقلِ، وقوةُ البصيرةِ، ولكنَّ قَويَّ الإرادةِ مُنهم، وعالي الهمَّةِ فيهِم، ونفَّاذَ العزيمةِ بينهم، تراه هو الكاسِبُ المتفوقُ، وهو الذي يجدَ ما لا يجدون، ويبلغُ من المحامدِ والمراتبِ ما لا يبلغونَ، بل إنَّ بعضَ الشبابِ قد يكونُ أقل إمكانيةً وأضعفَ وسيلةً، ولكنهُ يفوقُ غيرهُ بقوةِ الإرادةِ, وعلو الهمَّةِ والإصرارَ على النجاح والتفوق..

 

قد هَيَّؤوُكَ لأمرٍ لو فَطِنتَ له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

وإن قوي العزيمة منْ تكونُ إرادته تحت سُلطانِ دينهِ وعقله، وليس عبدًا لشهواته، أسيرًا لملذاته، "فتَعِس عبد الدينار وعبد الدرهم"، فاتقوا الله جميعًا أيها المؤمنون، ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105].

اللهم بارِك...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كثيرًا كثيرًا، أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أنَّ من أهمِّ القواعدِ في التعاملِ مع الأبناءِ أنَّ نوقِن أنَّ الهدايةَ ليست بأيدينا، بل بيد اللهِ وحدهُ، وأنَّهُ ليس بأيدينا إلا النصحَ والإرشادَ فقط، ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 272]، ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ﴾ [الشورى: 48]، فلا نوحٌ عليه السلام استطاعَ أن يَهدِيَ ابنه، ولا إبراهيمُ عليه السلامُ استطاعَ أن يهدِيَ أباهُ، ولا لوطٌ عليه السلام استطاعَ أن يهدِيَ زوجته، ولا نبينا صلى الله عليه وسلم استطاع أن يهدي عمهُ وصناديدَ قومِه، ومهما أوتينا من الوسائل والامكانيات، فإننا لا نملك من الأمر شيئًا، بل الأمرُ كله للهُ وحدهُ، هو مالك القلوب، ومقلبُها كيف يشاء، وما نحن إلا مجردُ أسبابٍ شرعها الله عزَّ وجلَّ، فإن أذِن سبحانه حدثَ التغييرُ، وإلا فالأمر؛ كما قال جل وعلا: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 29]، هذه هي سنةُ اللهِ الكونيةِ التي كرَّر ذكرها في كتابه العزيز: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].

 

وهذا هو دورنا والمطلوبُ مِنَّا فقط، وهو ما ينبغي أن نتذكرهُ جيدًا؛ لأنَّ هذا هو الذي يحملنا على الاستكانة، وعلى التضرِّعِ والاجتهاد بالدعاء، فهو وحدهُ تعالى الهادِي والمصلُحُ، وقلوبُ العبادِ جميعًا بين إصبُعين من أصابعهِ سبحانهُ، فمن شاءَ أقامهُ، ومن شاءَ أزاغهُ، ولقد قال الله تعالى لخير خلقهِ وأحكمِهم في الدعوة: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]، وليجعل الدَّاعِي بين يدي دُعائهِ صدقةٌ طيبة، ينوي بها هداية وصلاح المنصوح، ففي الحديث الصحيح: "داووا مرضاكم بالصدقة".

 

القاعِدة الثانية: لا بدَّ من إيجاد أرضيةٍ خصبةٍ صالحة، تُسهِم في حُسنِ التَّلقِي من قِبلِ الأولادِ، وذلك بإظهار الودِّ والمحبةِ لهم، وتحري الأوقات والأحوالِ المناسِبة؛ لأن التغيرَ المطلوبَ يستوجِبُ تعاونًا من الطرفين..

 

القاعدة الثالثة: كما أنَّهُ مطلوبٌ من الأبناء أن يتحلَّوا بالاحترام والتقدير، فيجب أنَّ يتحلَّى الآباءُ بالصبرِ الجميل، والرحمةِ، والحكمةِ، والاعتدالِ والإنصافِ.

 

القاعِدة الرابعة: ليسَ المطلوبُ من أولادنا أن يكونوا نُسخًا مُكررةً منَّا، ولكن المقصودَ أن نتفِقَ نحنُ وهم على ما لا نِزاعَ فيهِ بيننا وبينهم، وهو ضرورةُ اكتسابِ الأخلاقياتٍ والسلوكياتٍ الحسنةِ, والقيمِ التي يرضاها ربُّ العالمين منَّا ومنهم، والبعد عن المحرمات والمنكرات..

 

القاعِدة الخامسة: يجبُ أن نوطِّن أنفسنا على ثقافةِ الممكن، فمهما ساءت الأمور، وطالَ الزمنُ، ولم تظهر تباشِيرُ الصلاحِ، فلا يأسَ ولا قنوطَ، بل تفاءَلٌ وصبرٌ وأملٌ، وانتظارُ الفرجِ عبادةٌ، وما بين غمضةِ عينٍ وانتباهتِها يغيرُ اللهُ من حالٍ إلى حال.

 

والقرآنُ العظيمُ يقدمُ لنا نموذجًا مِثاليًّا في تقديمِ النصحيةِ، فقد حكى لنا عن لقمَانَ الحكيم وكيفَ بدأ بالأهم: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، ثم يذكرهُ بمراقبةِ اللهُ لهُ فيقول: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 16]، وينصحه: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]، وتأمَّل كيفَ يكرِّرُ عليهِ يا بني، يا بني.

 

ويعظهُ مرةً بعدَ أخرى، فيحذِرُه من الأخلاقِ السيئةِ التي تَكثُر في الشبابِ بالتفصِيلِ، فيقول: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18]، ثم ينصحُهُ بالأخلاق الحسنةِ ويقولُ: ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 19]، فأسألُ اللهَ تعالى أن يهدِينا وأولادنا والمسلمينَ أجمعين، وأن يجعلهم قرة عين في الدنيا والدين.

 

ويا بن آدم، عشْ ما شئت فإنك ميت، وأحبِب مَن شئت فإنك مُفارقُه، واعمَل ما شئتَ فإنك مَجزي به، البر لا يَبلى والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت، وكما تدين تُدان.

 

اللهم صلِّ على محمد...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تربية الأبناء
  • الثواب والعقاب في تربية الأبناء
  • أصول تربية الأبناء في السنة النبوية
  • تربية الأبناء على تحمل المسئولية
  • تربية الأبناء على احترام الذات
  • الاحتساب في تربية الأبناء سبيل راحة الآباء
  • تعلم تربية الأبناء
  • تربية الأبناء
  • الأم وتربية الأبناء
  • نعم (المدمرة) في تربية الأبناء
  • الدعاء للأبناء طريق صلاحهم (خطبة)
  • معاني (الأب) في القرآن أربعة (الوالد، العم، الجد، ما تأكله وترعاه الماشية)
  • فن تربية الأبناء بالدعاء
  • فن تربية الأبناء بالمشاورة
  • تأثير الأدعية في الأبناء (خطبة)
  • خطبة: تربية الأبناء والبنات في زمن الفتن والشبهات
  • حق الطفل وتربية الأبناء بين الواجب الضروري والحاجيات والتحسينيات (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • تربية أولادنا (8) التربية بالعقوبة وضوابطها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية أولادنا (6) التربية الخلقية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية أولادنا (5) التربية بالقصة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية أولادنا (4) التربية بالمواقف والأحداث (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية أولادنا (3) أساليب تربوية: التربية بالتحفيز (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية أولادنا (2) التربية بالحب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية أولادنا (1) التربية بالدعاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية الأفراد وكيفية غرسها فيهم(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مناهج التربية العقدية عند الإمام ابن تيمية "بحث تكميلي" لرسالة ماجستير التربية(رسالة علمية - آفاق الشريعة)
  • التربية والتوفيق(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب