• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / المعاملات / في البيوع واكتساب المال
علامة باركود

جريمة الغصب: مضارها وأحكامها

جريمة الغصب: مضارها وأحكامها
أحمد الجوهري عبد الجواد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/9/2015 ميلادي - 8/12/1436 هجري

الزيارات: 30805

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

جريمة الغصب: مضارُّها وأحكامُها

(خطبة فقهية)


إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله.


أما بعد فيا أيها الأحبة!

الإسلامُ دينُ الدنيا والآخرة، فليس الإسلامُ دينَ رهبانيةٍ انعزل أهله في كوخٍ ينشغلون بإصلاح أنفسِهم وتهذيبِها، ونسَوا أنهم خُلقوا في هذه الأرض وحقُّها عليهم عمارتُها ومعايشةُ أهلِها ومخالطتُهم كي يأخذوا بأيديهم إلى طريق الله.

 

وليس الإسلامً دينَ بِيعةٍ أو كنيسةٍ انصرف أهلها عنها إلى مُتَع الحياةِ الزائلةِ الزائفةِ، وتركوا دينهم فيها هناك، وراحوا يتعاملون فيما بينهم كما تُملي عليهم أهواؤهم ورغباتُهم.

 

ليس الإسلام هذا ولا ذاك.

 

بل الإسلام دينُ الدنيا والآخرة؛ دين الدنيا الذي يحثُّ الناسَ على السعي في مناكبها لتحصيل المعايِش وكسبِ الأرزاق، ويدعوهم إلى بذل الجهد في عمارتها والقيام على بنائها، ثم يأمرهم أن يجعلوا كلّ ذلك وسيلة للعبور إلى الآخرة، ولهذا فهم في تحصيل معايشهم وكسب أرزاقهم وعمارة أرضهم مثلهم تمامًا في أداء فرائضهم وإقامة واجباتهم؛ لأن كلّ ذلك يسير وفق شريعة الله لا على على حسب الرغبات والشهوات.

 

ولأنّ الإسلامَ رسالة إلى البشر فقد جاء بشريعة تعالج أخطاءهم التي تنتج عن طبيعتهم البشرية التي من ضمنها الحرص والشحّ والبخل الذي يؤدّي إلى وقوع المظالم فيما بينهم وعالج الإسلام هذه المظالم بالترغيب والترهيب وجعل في تشريعه للمستمسكين به أحكامًا صارمةً.

 

ومن هذه المظالم التي تحدث بين البشر " جريمة الغصب "، وهي نوعٌ من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان نتيجةَ حرصه على المال والمادّة وغفلة قلبه عن مراقبة الله - تعالى - ومراعاة حدوده.

 

وفي هذه الخطبة سنتعرّف معًا على هذه الجريمة: "الغصب"، ما هو؟ وما أنواعه؟ وما حكمه؟ وما عقوبته؟

 

 

فتعالوا بنا - أيها الأحبّة ! - نتعرّض لنفحات كلامِ ربِّنا وسنّةِ نبيّنا ونتعرف على إجابة هذه الأسئلة.

 

ما هو الغصب؟

يعرّف علماؤنا الكرام - بارك الله في علمهم ونفعنا به - الغصب فيقولون: الغصب هو أخذ حقّ الغير بغير حقّ.

 

إذًا هو حقّ يتملّكه رجلٌ أخٌ في الإسلام أو الآدميّة، قد تعب فيه حتى حصّله، وأتى آخر جريء لا يراعي حدود الله ولا حقوق العباد وتعدّى على ما ليس له بحقّ فأخذه ظلمًا وعدوانًا !

 

يا لله لو تصوّر القلب هذه الجريمة لوجدها تجمع جرائم كبرى مجتمعة:

• جريمة الغفلة عن الله

• وجريمة الجرأة على حدود الله

• وجريمة إثارة البغض والكراهية في قلوب خلق الله

• وتجرئة غيره على فعل هذه الجريمة حتى تستمرأ في المجتمع وتكون ظاهرة

• وجريمة الانتفاع بما ليس له بحقّ

• وجريمة حرمان مالك من الانتفاع بملكه

 

وكثيرٌ غيرها من الجرائم لا يعدّ ولا يحصى فلربما يترتب على افتقاد مالك الشيء المغصوب هلاكُ أملاكٍ أو ضياعُ حقوقٍ أو تأخّرُ واجباتٍ أو وجوبُ غراماتٍ.. وتفكّر معي في هذه الآية: ﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾ [الكهف: 79].

 

فتخيّل حياة هؤلاء بدون سفينتهم التي يتقوّتون بها ويسعون على معايشهم بواسطتها !!

 

فلو أنّ الذي غصب أخاه حقّه تفكّر في هذا أو في شيء منه لمَا أقدم على هذه الجريمة النكراء التي يبغضها الله ورسوله.

 

ولهذا حرّم الله ورسوله الغصب؛ لأنه ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة:

قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾. [إبراهيم: 42، 43].

 

﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ ماذا يقول ذلك الغاصب يوم يقف بين يدي ربّه؟

 

اعتمد على قوّته؟ يومها ستذهب القوى.

 

اعتمد على جاهه؟ اضمحلّ ذلك الجاه.

 

اعتمد على المنصب؟ راح ذلك المنصب.


فماذا يقول لربّه يومها؟

وتأملوا معي هذا الحديث: عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ قَالَ أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَتَكَلَّمَتْ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا قَالَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَتْ صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟![1]

 

يا له من يوم ! لو تفكّر الإنسان في أحواله وأهواله ما جرؤ على ارتكاب مظلمة فضلا عن اغتصاب أحد حقّه فإن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل والله تعالى يقول: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾. [البقرة: 188]، وقال تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾ [النساء:29/ 4.]

 

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ".[2]

 

ويوم القيامة سيؤدّي ذلك الحقّ إلى صاحبه لكنه لن يؤديه إليه يومها من مال أو أملاك، فليس هناك أموال أو أملاك، فكيف يؤديه إليه؟ اسمه الجواب من النّبيّ - صلى الله عليه وسلّم - يقول - كما عند مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - قَالَ:" أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟ " قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ فَقَالَ: " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ ".[3]

 

هذا جزاء من فعل الحرام، وغصب مال أخيه، واستولى عليه بغير حقّ، ولم يسمع لتوجيهات القرآن وتوجيهات المصطفى عليه الصلاة والسلام.

 

ألم يسمع ذلكم الغاصب قوله - صلى الله عليه وسلم - وهو يعظ الدنيا في حجة الوداع قائلا:
"إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَام، كَحُرْمَةِ يَوْمكُمْ هَذَا، فِي بَلَدكُمْ هَذَا، فِي شَهْركُمْ هَذَا ".[4]

 

ألم يسمع ذلكم الغاصب قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لاَ يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ".[5]

 

عبارة تقشعرّ منها الجلود ! وتذوب لأجلها النفوس !

 

"وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ".

 

ومعنى ينتهب أي يأخذ ويسلب ما لا يجوز له ولا يحق، لكنه يأخذه ظلمًا وعدوانًا.

 

فالنهبة هي كل ما يؤخذ بلا حق قهرًا وظلمًا.

 

"وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ" فيا لله ! لأيّ قلبٍ قاس يسمع ذلك الوعيد ولا يلين؟ وأي فؤاد تطرقه هذه الكلمات ولا يخشع؟ وأي جوارح تسمع تلك العبارة ثمّ تقدم على فعل هذه الجريمة الشنيعة؟!

 

ألم يسمع ذلكم الغاصب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من ظلم من الأرض شيئًا طوّقه من سبع أرضين". [6]


ومن يستطيع ذلك؟

 

هل تدرون ما معنى طوّقه من سبع أرضين؟

قال العلماء: معنى طوّقه من سبع أرضين: أنه يكلّف نقل سبع أرَضين في القيامة وحملها إلى أرض المحشر ثم تكون كالطوق في عنقه.

 

فليحذر مَن ينقل الحدّ على جاره ومن يزرع شيئًا في أرض جاره ومن يجور على أيّ حقٍّ من حقوف إخوانه المسلمين.

 

وهل سمع ذلك الغاصب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أخذ من الأرض شيئًا بغير حقه خُسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين".[7]

 

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أَخذ من طَرِيق الْمُسلمين شبْرًا جَاءَ يَومَ القِيامَةِ يحملهُ من سبع أَرضين".[8]

 

وأخيرًا: ألم يسمع ذلك الغاصب قول الله تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 1 - 6]، توعدهم الله تعالى بالويل وأنذرهم يومًا عظيمًا يبعثون فيه بين يديه مع أن التطفيف كما يداّ عليه اسمه غصبُ القليلِ، فما ظنك بغصب الكثير؟

 

اللهمّ إنّا نتوب إليك من قسوة قلوبنا ومن عدوان أنفسنا ومن ظلمنا غيرنا ونسألك أن تعيننا على ردّ المظالم لأهلها وما غصبناه حقًّا فكان أهله أحياء فوفّقنا إلى ترضيتهم ومن كان منهم عندك في الأموات فرضّه عنا يا كريم ! وعلينا ردّ مظلمتنا إياه إلى أهله، يا ذا المنّ والعطاء، يا ذا الفضل والإنعام، يا عفو يا غفور.

 

أيها الأحبّة !

حرام حرام على مسلم أن بعتدي على غيره بغير حقّ، حرام حرام أن يعتدي مسلم على حق غيره بغير حق، حرام حرام أن يعتدي مسلم على مال غيره بغير حقّ، حرام حرام أن ينتفع بما غصبه من مالٍ أو أرضٍ أو سيارةٍ أو متاعٍ أو غيره، لا يحقّ له أن يستمتع بها أو أن يؤدي بها عملا أو يقضي بها حاجة، بل زيادة في إثمه بقاء هذا الشيء المغصوب في يده بعيدًا عن صاحبه، هذا مما يزيد في وزره وسيئاته.

 

واسمعوا إلى نبيّ الإسلام الكريم يؤصّل لهذا الأمر الهام فيقول فيما رواه أبو داود وغيره وحسنه الألباني عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يأخذ أحدكم متاعَ أخيه، لا لاعبًا ولا جادًّا، ومن أخذ عصا أخيه فليردها".[9]


يا الله ! لا لاعبًا ولا جادًّا، نعم فلا ينبغي أن يروّع المؤمن أخاه المؤمن بأخذ حاجته من غير علمه ولا يغصبه ذلك بعلمه فإن كثيرًا من ذلك المزاح ينقلب إلى غضبٍ وشجارٍ.

 

فيجب على من كان في يده شيء لأخيه المسلم أن يردّه إليه، ولا ينتفع به، ولا يبقيه معه، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:" مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِىَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لاَ يُقْبَلُ فِيهِ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ وَأُعْطِىَ صَاحِبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَتْ عَلَيْهِ ".[10]

 

وهنا أسئلة واقعيّة تَعرض لنا بعد بيان هذه الأحكام: ألا وهي:

أولا: ماذا يفعل من كان غصب أرضًا في الماضي السحيق وجرى له منها منافع ومكاسب ويريد أن يرجعها إلى صاحبها اليوم؟

والجواب: يردّها إلى صاحبها وجميع ما كيله منها، فإن كان لا يعلم قدره، ماذا يفعل؟ يحسبها بأجرة مثلها ويردّها مع أجرتها؟

 

السؤال الثاني: ومن غصب أرضًا فغرسها أو بني فيها، ماذا يفعل بغرسه أو بنائه؟

والجواب: يُلزم بقلع الغرس، وهدم البناء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس لعرقٍ ظالمٍ حقّ".[11]

 

السؤال الثالث: فإن كان زرعها ماذا يفعل بالزرع؟

والجواب: يأخذ نفقته ويكون الزرع لمالك الأرض فعن رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شىء، وله نفقته".[12]

 

جزاء وفاقًا، فلابد أن ترجع الحقوق لأصحابها ويعوّض صاحب الخسارة من أيّ نوعٍ عن خسارتهم بلا ظلم ولا حيف ولا سيف انتقام، نسأل الله أن ينشر فينا العدل ويُعمَّ القِسطَ بين النّاس.

 

السؤال الرابع: إذا تلف الشيء المغصوب أو باعه، ماذا يفعل؟

والجواب يردّ ثمنه إلى صاحبه، لكن ليس ثمنه هو ما باعه به، إنما ثمنه هو ما يحكم به أهل الخبرة في هذا الوقت؛ فإنّ العادة في الشيء المغصوب - كما المسروق - يباع بثمن بخسٍ لأنّ غاصبه لم يتعب فيه فيرضى فيه بأيّ مقابل، فلا يردّ ذلك الثمن ولكن الثمن الذي يحكم به أهل الخبرة.

 

إنّ الغاصب - لا شكّ - يعرّض حياته لخطر، ويعرّض حياة غيره للخطر، والمجتمع الذي تنتشر تلك الجريمة فيه مجتمع متهالك ليس بين أبنائه أواصر محبّة ولا رباطات سلام ولا يتمتّع أفراده بالأمان ومجتمع كهذا مجتمع خرب، وماذا ينتظر من وراء مجتمع خرب إلا أفراد على شاكلته كالبلد الذي خبث لا يخرج نباته إلا نكِدًا ﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف: 58].

 

وتعظم المصيبة ويشتدّ الخطب إذا كان ذلكم الغاصب ممن يُنتظر منه الصلاح والإصلاح؛ لأنه يقتدى بفعاله ويهتدى بأعماله ! فإنّ الله تعالى يقول: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 16، 17].

 

إنّ صلاح المجتمع في ترابط أفراده وتآلفهم، وحرصهم على مصالح بعضهم، ويومئذٍ ينتفي الخوف وينتهي الفزع، ويحصل السلام ويحلّ الأمان وفي اتباع شريعة الله تعالى فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر تحصيل ذلك لو التزمها النّاس ـ، نسأل الله أن يذيق قلوبنا طعم الإيمان به وجميل الرضى بحكمه وحسن الانقياد لشرعه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلق فسوّى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.

 

أما بعد أيها الإخوة!

إنّ الإسلام يربّي أبناءه على العزّة والكرامة التي تأبى عليه الخنوع لغاصب أو الخضوع لمستذلّ ومن هنا شرع لمن أراده غاصبٌ بسوء أو قصد ماله بتعدٍ أن يدافع عن نفسه ولا يترك ماله عرضةً لنهب النّاهبين وكلأً مستباحًا للغاصبين، بل يمنع ذلك المعتدي ويدفعه بما استطاع بنفسه أو بإخوانه المسلمين ولا خير فيمن استغاث به وصاح فما لبى نداءه ولا أجاب صياحه ! لا خير فيمن رأى أخاه المسلم تنتهك كرامته وتغتصب أمواله فضلا عن عرضه وحريمه والمسلمون ماضون إلى أعمالهم وأشغالهم يسمعون صراخه ولا يجيبونه ويرون هزيمته ولا ينجدونه وكأنّ هؤلاء ما سمعوا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا "، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ:" تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ ".[13]

 

وقد روى ابن حبان في صحيحه عن البراء قال: مرّ النبي صلى الله عليه و سلم على مجلس الأنصار فقال: "إن أبيتم إلا أن تجلسوا فاهدوا السبيل، وردوا السلام، وأغيثوا الملهوف".[14]

 

أمّا إذا لم يسمعوه، أو لم تكن عندَ أحدٍ نخوةٌ، أو تكاثرَ عليه الغاصبون المجرمون بجمعهم فقد ندبه الشرع إلى الدفاع عن نفسه إن اعتدي عليه، أو عن عرضه إن مسّ بسوء، أو عن ماله إن أخذ، فإن قُتل دون شيء من ذلك وهو يدافع عنه فهو شهيد، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِى؟ قَالَ:" فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ ". قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِى؟ قَالَ:" قَاتِلْهُ ". قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِى؟ قَالَ:" فَأَنْتَ شَهِيدٌ ". قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ:" فَهُوَ فِى النَّارِ ".[15]

 

تلك عزّة الإسلام وتلك كرامته وتلك تربيته، ألا يخنع المسلم لمجرم، فإن فعل ذلك المجتمع كله عزوا وسادوا واطمأنوا وأمنوا وسلموا، تلك تشريعات الإسلام التي جاءنا بها منذ خمسة عشر قرنًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ترغيب في الخير وتوفير لأجوائه وإعانة عليه، وتحذير من الشرّ ومحو أسبابه وتخليص من وقع فيه، ثم عقوبة من تعدّى وأساء وظلم لئلا يعكّر على المسالمين الآمنين حياتهم فهل من مدّكر؟!

 

"ألم يَأنِ للمصلحين ومُحِبِّي السلام أن يبعدوا عن أعينهم الغشاوة، فيراجعوا تعاليم الإسلام بتدبر وإنصاف، ليجدوا ما فيه من سعادة الإنسانية في حاضرها ومستقبلها؟!".[16]

 

اللهم وفقنا لما فيه الخير، اللهم سدد الخطى، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم اجعل لنا عوناً على طاعتك، وأمدنا بمددٍ من عندك، وأعنا على فعل الخيرات وترك المنكرات، اللهم انصر من نصر دينَ محمّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأمتَه واجعلنا منهم، واخذل من خذل دين محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمّته ولا تجعلنا منهم.. الدعاء.



[1] أخرجه ابن ماجه (4010)، وابن حبان (5058)، وغيرهما، وحسّنه الألبانيّ في صحِيح الجامع (4598).

[2] أخرجه البيهقي (11325)، وأحمد (21119)، وغيرهما، وصححه الألباني في الإرواء (1459).

[3] أخرجه مسلم (2589).

[4] متفق عليه؛ أخرجه البخاري (105)، ومسلم (1679).

[5] متفق عليه؛ أخرجه البخاري (2343)، ومسلم (57).

[6] متفق عليه؛ أخرجه البخاري (2452)، ومسلم (1610).

[7] أخرجه البخاري (2454).

[8] أخرجه أبو يعلى، وغيره، وحسّنه الحافظ، انظر الفتح (5/ 104).

[9] أخرجه أبو داود (4982)، والترمذي (2249)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7578).

[10] أخرجه البخاري (2317).

[11] أخرجه الترمذي (1394)، والبيهقي (142/ 6)، وصححه الألباني في صحيح الترمذيّ.

[12] أخرجه الترمذي (1378)، وابن ماجه (2466)، وصححه الألباني.

[13] أخرجه البخاري (2211).

[14] أخرجه ابن حبان (2/ 358)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح لغيره.

[15] أخرجه مسلم (140).

[16] تيسير العلام (2/ 248) للبسام.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العارية والغصب والشفعة والوديعة وإحياء الموات واللقطة ( من بداية المتفقه )
  • تعريف الغصب وحكمه وأحكامه
  • خلاصة القول في الحجر والغصب والإتلاف
  • من أحكام الغصب في الفقه
  • من أحكام رد العقار المغصوب
  • شرح حديث: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه

مختارات من الشبكة

  • ملخص بحث: جرائم الإعلام الجديد - دراسة تحليلية لواقع جرائم شبكات التواصل الاجتماعي وكيفية مواجهتها عربيا ودوليا(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • عقوبة التعزير بأخذ المال(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • السلوك الإجرامي كركن من الأركان المادية لجريمة التلوث السمعي في القانون(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • غصب الأرض جريمة عظمى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ألمانيا: ازدياد جرائم اليمين المتطرف تجاه المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مكافحة جرائم الشرف(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • العقوبة ومناسبتها للجريمة(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • الجريمة الإلكترونية في الشرق الأوسط(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ماهية الجريمة الجنائية(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • صربيا: اعتقال مشتبهين بجرائم حرب في مذبحة سريبرينيتسا(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب