• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / المعاملات
علامة باركود

الميراث

الميراث
محمد عبدالعزيز إبراهيم الزيات

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/10/2011 ميلادي - 24/11/1432 هجري

الزيارات: 31429

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الميراث

 

العناصر:

1- وصية الله أَوْلَى أن تُنفَّذ.

2- منهج لا يُقارن بمثله.

3- تلك حدود الله.

4- إصلاح ما كان من فساد.

5- ميراث من نوع فريد.

 

نص الخطبة

الحمد لله، مَن اتَّبع هداه فلا يَضِل ولا يشقى، ومن أعرَضَ عن ذكره فإن له معيشة ضنكًا، ويَحشره ربُّنا يوم القيامة أعمى، حينها يقول: أي رب، لِمَ حشرتني أعمى وقد كنت بصيرًا؟ فيأتيه الردُّ من قِبَل الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 126 - 127]، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحْده لا شريكَ له؛ فرَض الفرائض، وحَدَّ الحدود، فمَن أطاعه، دخل الجنة، ومَن عصاه، فلا يَلُومَنَّ إلاَّ نفسه.

وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله، اللهم صلِّ وسلِّم، وزِدْ وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه الطيِّبين الطاهرين، وارْضَ اللهم يا كريم عن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

فيا أيُّها الإخوة المسلمون، اعلموا أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - قد وصَّى عباده المؤمنين في كتابه المبين بوصايا عديدةٍ، منها: أنه وَصَّى - سبحانه - بالتقوى، فقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].

 

ووصَّى - سبحانه - بالإحسان إلى الوالدين، فقال: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ﴾ [الأحقاف: 15]، ووصَّى كذلك بوصايا عشر تَضبط علاقة العبد مع ربِّه، وعلاقته مع الناس أجمعين، فقال - جل وعلا -: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 151].

لكنه - سبحانه - وصَّى بوصيَّة خاصة في سورة خاصة، وبأسلوب خاص، فقال - سبحانه -: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11].

 

إنه - سبحانه - يوصي بتقسيم الميراث تقسيمًا إسلاميًّا على منهج القرآن الكريم، وهذا يعني أنه - سبحانه - وإن كان قد وصَّى بالتوحيد والتقوى - وهما من أعظم أمور الدين - مرة واحدة، فقد وصَّى وما زال يوصي إلى الآن - بل إلى قيام الساعة - بالْتِزام المنهج القرآني عند تقسيم الميراث، فقال: ﴿ يُوصِيكُمُ ﴾ بالفعل المضارع الذي يدلُّ على التجدُّد والاستمرارية، وفي ذلك إشارة واضحة إلى الاهتمام البالغ من القرآن بتقسيم الميراث تقسيمًا شرعيًّا مصدره الوحي المعصوم.

 

أيها الناس:

إن من عادة كل إنسان أن يُنَفِّذ وصيَّة مَن له مكانة عنده، وكلما عَلَت مكانة الموصِي، كان تَنفيذ وصيَّته ألْزَمَ، ولا سيَّما إن كرَّر نفس الوصية وأمَر بتنفيذها.

إن الله - جل في علاه - أعظم من كلِّ عظيم، وأكبر من كلِّ كبير، وأعلى من كلِّ عليٍّ؛ قال تعالى: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1]؛ لذا نقول: إنَّ وصيَّة الله في الميراث أَوْلَى أن تُنَفَّذ.

 

أيها المسلمون:

إنَّ منهج الإسلام في تقسيم الميراث منهج متفرِّد لا يُقارن بمثله؛ إذ لو نظرَنا إلى بقيَّة المناهج الوضعيَّة في تقسيم الميراث، لرأينا أنها لا تخلو من ظلمٍ وإجحاف؛ ذلك لأن الميراث في الإسلام إنما هو وصيَّة الله - سبحانه - الذي اتَّصف بكلِّ عدلٍ، وتَنَزَّه عن كلِّ ظلمٍ؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]، وقال - سبحانه -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ [النساء: 40]، ومن أسمائه - سبحانه - العدل، فهو يعطي لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه، بخلاف غيره من القوانين التي تَظلم المرأة بحِرمانها من الميراث، أو تَظلم الرجل بإعطائه مثلَ المرأة، ثم تُكَلِّفه بالإنفاق عليها، أو تُكَلِّفها هي بالإنفاق على نفسها، وهي الضعيفة التي لا تستطيع أن تعملَ مثل عمل الرجل؛ لذا فإن العدل المُطلق في هذه المسألة هو عدل القرآن الكريم في تقسيم الميراث بين مُستحقِّيه.

 

أيها الطائعون لربِّكم، اعْلَموا أن الله - عزَّ وجلَّ - لَمَّا ذكَر آيات الميراث، أعْقَبها بقوله تعالى - مُعلنًا ومُحَذِّرًا -: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 13- 14].

وتلك بمعنى هذه؛ أي: هذه أحكام الله قد بيَّنها لكم؛ لتعرفوها وتعملوا بها؛ يقول ابن كثير:

"أي: هذه الفرائض والمقادير التي جعَلها الله للورثة بحسب قُربهم من الميِّت، واحتياجهم إليه، وفَقْدهم له عند عدمه - هي حدود الله، ﴿ فَلاَ تَعْتَدُوهَا ﴾، ولا تُجاوزوها؛ ولهذا قال: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾؛ أي: فيها، فلم يزِد بعض الورثة، ولَم ينقص بعضًا بحيلة ووسيلة، بل ترَكهم على حُكم الله وفريضته وقِسمته، ﴿ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾؛ أي: لكونه غيَّر ما حكَم الله به، وضادَّ الله في حُكمه، وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسَم الله وحَكَم به؛ ولهذا يُجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المُقيم.

 

قال الإمام أحمد:حدَّثنا عبدالرزاق، أخبرنا مَعمر، عن أيوب، عن أشعث بن عبدالله، عن شهر بن حَوْشَب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوْصَى حافَ في وصيَّته، فيُختم له بشرِّ عمله، فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيَعدل في وصيَّته، فيُختم له بخير عمله، فيدخل الجنة))، قال: ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ﴾، إلى قوله: ﴿ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾.

 

أيها المسلمون:

إنَّ من حقِّ سائل أن يسأل: وماذا على الأبناء إن ارتكَب الآباء ما يُخالف شرعَ الله عند تقسيم الميراث؟

هنا نقول بوجوب إصلاح ما كان مخالفًا لشرع الله، وإن كان ذلك على حساب هذا المُصلِح بتَرْك ما في يده، وإعطائه لصاحب الحقِّ فيه، وليكن على يقين بأنَّ مَن ترَك شيئًا لله، عوَّضه الله خيرًا منه؛ قال قتادة بن دعامة السدوسي التابعي الجليل: وذُكِر لنا أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يقْدِرُ رَجلٌ على حَرَامٍ ثم يَدَعه ليس به إلاَّ مَخافة الله - عزَّ وجلَّ - إلاَّ أبْدَله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خيرٌ له من ذلك)).

 

وعن أُبَيِّ بن كعب - رضي الله عنه - قال: "ما من عبد ترَك شيئًا لله، إلاَّ أبدَله الله به ما هو خير منه من حيث لا يَحتسب، ولا تَهاون به عبد، فأخَذ من حيث لا يَصلح، إلاَّ أتاه الله بما هو أشد عليه"؛ رواه وكيع في "الزهد" (2/ 635)، وهنَّاد رَقْم (851)، وأبو نُعيم في "الحِلية" (1/ 253)، وإسناده لا بَأْس به، ويَشهد له حديث الزُّهري عن سالم عن أبيه مرفوعًا: ((ما ترَك عبد شيئًا لله لا يَتركه إلاَّ له، إلاَّ عوَّضه الله منه ما هو خير له في دينه ودنياه))؛ أخرَجه أبو نعيم في "الحِلية" (2/ 196).

 

وعن أبي قتادة وأبي الدهماء، وكانا يُكثران السفر نحو البيت، قالا: أتينا على رجل من أهل البادية، فقال لنا البدوي: أخَذ بيدي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجعل يُعَلِّمني مما علَّمه الله - عزَّ وجلَّ - وقال: ((إنَّك لا تَدَع شيئًا اتِّقاءَ الله تعالى، إلاَّ أعطاك الله - عزَّ وجلَّ - خيرًا منه))؛ رواه أحمد (5/ 363)، وإسناده صحيح، ورواه البيهقي (5/ 335)، ووكيع في الزهد، والقضاعي في مسنده.

 

هذا يوسف - عليه السلام - ترَك فاحشة الزنا بامرأة عزيز مصر، فعوَّضه الله - عزَّ وجلَّ - بأن أصبَحَ عزيزًا لمصرَ، وأصبحت تلك المرأة زوجته من حلالٍ.

وهذا سليمان - عليه السلام - ذبَح الخيل التي شغلتْه عن الصلاة؛ مرضاة لله - عزَّ وجلَّ - فعوَّضه الله ريحًا تجري بأمره رخاءً حيث أصاب.

وأنت - أخي المسلم - يومَ تترك مالاً حرامًا؛ لتقوم بردِّه إلى مستحقِّيه، فلْتَعْلَم عِلْمَ اليقين أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - قد تكفَّل لك بما هو خير لك منه في دينك ودنياك.

 

واستَمِع لهذه القصة، ومُلَخَّصها أنَّ رجلاً كان ببغداد يعمل بزَّازًا - يَبيع البزَّ؛ أي: الثياب؛ يعني: قمَّاش - له ثروة، فبينا هو في حانوته، أقْبَلَت إليه صبيَّة، فالْتَمَست منه شيئًا تَشتريه، فبينما هي تُحادثه، كشَفَت وجهها في خلال ذلك، فتحيَّر، وقال: قد والله تحيَّرت مما رأيت، فقالت: ما جِئْت لأشتري شيئًا، إنما لي أيَّام أتردَّد إلى السوق؛ ليقع بقلبي رجلٌ أتزوَّجه، وقد وقَعْت أنت بقلبي ولي مالٌ، فهل لكَ في التزوُّج بي؟ فقال لها: لي ابنة عم وهي زوجتي وقد عاهَدتها ألاَّ أُغَيِّرها، ولي منها ولد، فقالت: قد رَضِيت أن تَجِئ إليّ في الأسبوع نوبتين، فرَضِي، وقام معها فعَقَد العقد، ومضى إلى منزلها، فدخَل بها، ثم ذهب إلى منزله، فقال لزوجته: إنَّ بعض أصدقائي قد سألني أن أكون الليلة عنده، ومضى فبات عندها، وكان يمضي كلَّ يوم بعد الظهر إليها، فبَقِي على هذا ثمانية أشهر، فأنْكَرَت ابنه عمه أحوالَه، فقالت لجارية لها: إذا خرَج، فانظري أين يمضي؟

فتَبِعتْه الجارية وهو لا يدري، إلى أن دخل بيت تلك المرأة، فجاءَت الجارية إلى الجيران، فسألتْهم: لِمَن هذه الدار؟ فقالوا لصبيَّة قد تزوَّجت برجلٍ تاجر بزَّاز، فعادَت إلى سيدتها، فأَخْبَرَتْها فقالت لها: إيَّاكِ أن يعلمَ بهذا أحد، ولَم تُظهر لزوجها شيئًا، فأقام الرجل تمام السنة، ثم مَرِض ومات، وخلَّف ثمانية آلاف دينار، فعَمدت المرأة التي هي ابنة عمه إلى ما يستحقُّه الولد من التركة - وهو سبعة آلاف دينار - فأفْرَدَتْها، وقَسَمت الألف الباقية نصفين، وتَرَكت النصف في كيس، وقالت للجارية: خذي هذا الكيس واذْهَبي إلى بيت المرأة، وأعْلِميها أنَّ الرجل مات وقد خلَّف ثمانية آلاف دينار، وقد أخَذ الابن سبعة آلاف بحقِّه، وبَقِيَتْ ألف، فقَسَمتُها بيني وبينك، وهذا حقُّك، وسَلِّميه إليها، فمَضَت الجارية، فطَرَقت عليها الباب ودخَلت، وأَخْبَرَتها خبرَ الرجل، وحَدَّثتها بموته، وأَعْلَمتها الحال، فبَكَت وفتَحَت صندوقها، وأخْرَجَت منه رقعة، وقالت للجارية:
عودي إلى سيِّدتك، وسَلِّمي عليها عني، وأَعْلميها أنَّ الرجل طَلَّقني، وكتَب لي براءة، ورُدِّي عليها هذا المال؛ فإني ما أستحقُّ في تَرِكته شيئًا، فرَجَعت الجارية، فأَخْبَرَتها بهذا الحديث.

 

هل رأيتم مثل هذه التقوى؟ سبحان الله!

أيها الأحبَّة أحباب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رسالة نوجِّهها إلى كلِّ وارثٍ نُعلمه فيها أنَّ ثَمَّة ميراثًا آخر، هو أرفع قدرًا، وأعظم شأنًا، وأعلى مكانةً، إنه ميراث لا يَنقص بتقسيمه، ولا يَفنى بتوزيعه، ولا يُقَسَّم على أفراد دون أفراد، وإنما يتَّسع لِمَن شاء أن يَنهل منه ما شاء، كلٌّ بقدرِ استطاعته، إنه ميراث العلم والحِكمة.

 

تروي كتب السيرة أن الصحابي الجليل أبا هريرة - واسمه: عبدالرحمن بن صخر الدوسي - رضي الله عنه - ذهَب إلى أحد الأسواق بالمدينة، فوجَد الناس مشغولين بالبَيْع والشراء، كلٌّ يهمه الكسب والتجارة، فنادى على الناس: هَلُمُّوا، فتجمَّع الناس حوله، فقال لهم: أنتم هنا وميراث رسول الله يوزَّع هناك، فقالوا له: أين؟ فقال لهم: في المسجد، فترَكه الناس وذهبوا إلى المسجد مُسرعين - أفرادًا وجماعات - فلم يجدوا شيئًا يوزَّع، فعادوا إليه قائلين له: أتَهْزَأ بنا يا أبا هريرة؛ لم نجد شيئًا يوزَّع بالمسجد؟ فقال لهم: ألَم تجدوا أحدًا بالمسجد؟ فقالوا: وجَدنا قومًا يصلُّون، وآخرين يذكرون الله، وآخرين يقرؤون القرآن، فقال لهم: هذا هو ميراث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الأنبياء لَم يُوَرِّثوا دينارًا ولا درهمًا؛ وإنما ورَّثوا العلم، فمَن أخَذه، أخَذ بحظٍّ وافر)).

فمَن أخَذ العلم والحِكمة، وشغَل نفسه بالذِّكر والطاعة، فقد أخَذ بحظٍّ وافر، يَكفيه شرفًا أنه وريثُ النبيِّ الأكرم، الذي سَمَّى وارثيه بالعلماء؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((العلماء ورثة الأنبياء)).

فليَكُن هذا ميراثنا من تركة نبيِّنا، وهو خير ميراث من خير نبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكل واحدٍ من أُمَّة محمد بن عبدالله له حقٌّ في تَرِكته، فلا ينبغي لأحدٍ أن يستبدلَ الذي هو أدنى بالذي هو خير، بأن يكون اهتمامه بتركة الأموال أكثرَ من اهتمامه بتركة العلم والحكمة.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى.

 

أمَّا بعدُ:

فإننا نذكِّر بأنَّ منهج الإسلام في تقسيم الميراث، هو منهج متفرِّد في عدله؛ وذلك لأنه وصيَّة الله الأكثر اهتمامًا في كتابه الكريم، والتي جعَلها الله - عزَّ وجلَّ - ضمن حدوده، مثيبًا مَن أطاعه فيها، ومتوعِّدًا مَن عصاه.

ونذكِّر كذلك بإصلاح ما كان من فساد في تقسيم التركة، وردِّه إلى مستحقِّيه وجوبًا، وأن خيرًا منه هو ميراث النبي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي مَن أخَذه، فقد أخَذ بحظٍّ وافر.

نسأل الله العليَّ القدير: أن يَجعلنا من أهل القرآن الذين يقرؤون حروفه، ويُقيمون حدوده؛ إنه على ذلك قدير.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة عن الميراث
  • حرمان النساء من الميراث (خطبة)
  • الميراث وجدلية التوريث
  • للذكر مثل حظ الأنثيين
  • الميراث الحرام (خطبة)
  • مسألة الإقرار بمشارك في الميراث
  • المناسخة في الميراث
  • أحكام المفقود في الميراث
  • ميراث الحمل
  • التركة والحقوق المتعلقة بها
  • حرمان البنات من الميراث
  • دعوى مساواة المرأة في الميراث
  • حرمان المرأة الميراث
  • حتى لا يكون في الميراث نزاع (خطبة)
  • حكمة الله تعالى في إعطاء الحاضرين قسمة الميراث
  • خطبة: الظلم في الميراث
  • خطبة: التحذير من الظلم في توزيع الميراث

مختارات من الشبكة

  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (3) علم أصول الفقه علم إسلامي خالص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المقدمات في أصول الفقه: دراسة تأصيلية لمبادئ علم أصول الفقه (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (1) علم أصول الفقه يجمع بين العقل والنقل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حقيقة مفهوم الفقه وأثرها في تدريس علم الفقه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفرق بين قواعد الفقه وأصول الفقه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المصنف الفريد في علم أصول الفقه في ثوبه الجديد لعبدالحكيم مالك(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العالم بالفقه دون أصوله، والعالم بأصول الفقه دون فروعه: هل يعتد بقولهما في الإجماع؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فقه تاريخ الفقه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف علم أصول الفقه عند المالكية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الغرر الفرائد من شوارد الفوائد (4)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
2- وسام شرف
محمد عبد العزيز الزيات - الشهداء منوفية مصر 30-10-2011 10:51 PM

شهادة غالية ووسام شرف أن يكون هذا التعليق من فضيلتكم سيدى الدكتور، أما بمناسبة ما يحتاج إلي إبراز وتنوير فسوف يكون في بحث متكامل عن هذا الموضوع - قريبا - إن شاء الله، نسألكم الدعاء.

1- بداية الغيث
الشيخ الدكتور صبري أبوحسين - مصر 30-10-2011 08:36 PM

تاريخ علاقتي بالشاب الشيخ محمد الزيات يجعلني أوقن أنه بإذن الله سيكون علما من أعلام الدعوة الأزهرية الوسطية الشريفة، والدليل على هذه الباكورة التي تعد نقطة من غيث خطابي عميق ورائع في قادم الأيام... لكن ما زال في الخطبة مناطق تحتاج إلى إبراز وتنوير، فمشاكل الميراث كثيرة في مجتمعنا المسلم...

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب