• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / المعاملات
علامة باركود

الكسب المشروع والكسب غير المشروع وآثار كل منهما

الكسب المشروع والكسب غير المشروع وآثار كل منهما
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/11/2018 ميلادي - 12/3/1440 هجري

الزيارات: 121305

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الكسب المشروع والكسب غير المشروع

وآثار كل منهما [1]

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب70 - 71]. أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيها الناس، اعلموا - رحمني الله وإياكم - أن الله تعالى خلق عباده على هذه الأرض ليعبدوه وحده لا شريك له، ولا بقاء لهم في هذه الأرض إلا برزق يعيشون به، فسخر لهم أسباب رزقهم: فسماء تمطر وأرض تنبت، وعقول تفكر وجوارح تسعى وتكتسب.

 

قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ﴾ [الذاريات 56-57].

وقال: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية 13].

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس، اتقوا الله وأجملوا في الطلب؛ فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم)[2].

 

عباد الله، إن الرزق بالمال قدرٌ مكتوب يُنال بالسعي إليه وسلوك سبله، قال تعالى: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً ﴾ [مريم 25].

 

ونفس الإنسان ميالة إلى المال؛ لأن حياة الإنسان قائمة عليه، وعزه وكرامته باستغنائه عن أموال الناس. وبالمال أيضاً: العون على صلاح الدين والتقرب إلى الله تعالى بأعمال صالحة عظيمة، فمنه النفقة على النفس والوالدين والزوجات والأولاد والأقارب والإحسان إلى الفقراء والأيتام وأصحاب الحاجات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النبي صلى الله عليه و سلم: (إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة) [3].

 

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس فلما أنزلت هذه الآية: ﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران92].قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران92] وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله، حيث أراك الله قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين) فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.[4].

 

وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه )[5].

 

عباد الله، إن دين الإسلام دين الوسطية والاعتدال لا إفراط فيه ولا تفريط. ففي موضوع اكتساب المال انتشر في العلم المعاصر نظريتان: النظرية الاشتراكية التي تحرم الفرد الملكية الخاصة أو تضيق نطاقها المباح له. وهذه النظرية قد اندثر كثير من معالمها والعمل بها بعد التسعينيات من القرن الماضي؛ لأن عوامل هدمها في داخلها؛ لمخالفتها العقل والواقع والشرع، ففيها ظلم لأصحاب الجهد، وتعويد للمجتمع على الكسل والاتكال على جهود الآخرين.

 

والنظرية الأخرى هي النظرية الرأسمالية وهي التي تطلق العنان للإنسان أن يأخذ المال من أي طريق، والغاية تبرر الوسيلة لديها، وليس فيها للفقراء والمساكين فيه حظ معلوم. وهذه النظرية هي الأكثر شيوعاً في العالم، وفيها إجحاف بحق الفقراء، وتزرع في قلوبهم الحقد على الأغنياء الذين يزدادون كل يوم غنى وربما من عرق الفقراء، والفقراء كل يوم يزدادون فقراً إلى فقرهم.

 

لكن الإسلام له نظرته العادلة التي لا تنسى الفقير ولا تظلم الغني. حيث أباح للإنسان حق التملك وتحصيل ما يصل إليه جهده من المال، ولكن بالضوابط الشرعية التي تراعي حقوق الشرع وحقوق الفرد وحقوق المجتمع. فلم يبح له اكتساب المال من الوسائل المحرمة التي يعود ضررها على دينه ودنياه وعلى الناس، بل أمره بتحري المال الذي يطلبه، والابتعاد عن الحرام الصِّرف أو حتى الذي فيه شبهة، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة172].

 

وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم وجد تمرة مسقوطة فقال: (لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها)[6]. لأنه عليه الصلاة والسلام لا تحل له الصدقة.

 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج وكان أبوبكر يأكل من خراجه فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبوبكر فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبوبكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فأعطاني بذلك، فهذا منه. فأدخل أبوبكر يده فقاءَ كلَّ شيء في بطنه)[7].


أيها المسلمون، إن الله تعالى كما أمر باكتساب المال وأخذه من الحلال نهى كذلك عن تناوله من الحرام، بأي وسيلة كانت. قال تعالى: ﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة188].

 

وهناك صور متنوعة لتناول المال من الحرام، فمنها: التعامل بالربا بطرقه القديمة والحديثة، وهذه الصورة هي التي عم بلاؤها وطم في مجتمعاتنا اليوم، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة278 - 279].

 

ومنها: الرشوة، وهذه الصورة التي ضيعت على الناس كثيراً من الحقوق، وزادت الظالم بغياً والمظلوم قهراً، قال رسوله الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الراشي و المرتشي في)[8].

 

ومنها: التطفيف في الكيل والوزن وخداع المشتري وغشه، قال تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطفيفين1-6].

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن غشنا فليس منا)[9].

 

ومنها أكل أموال اليتامى ظلماً، وهذا الفعل عاقبته وخيمة، فال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾ [النساء10].

 

ومنها: السرقة والسلب والنهب والخيانة، وهذه الجرائم المالية تفشو عندما لا يطبق شرع الله في حق أهل الجريمة، وهناك صور أخرى لأخذ المال من الحرام.

 

أيها الأحبة الفضلاء، لقد حرص الإسلام على حث المسلم على اكتساب المال من الحلال وتحذيره من الحرام. فمن سلك سبل الاكتساب الطيب تنامى ماله ونجا من الآفات المالية والأزمات الاقتصادية، إذا أتم ذلك بأداء حق الله وحق خلقه من ذلك المال.

 

لقد دُلَّ المسلم على سبل صالحة تزيد من ماله وتحفظه عليه من الكوارث والجوائح وتحرسه من الآفات التي تذهبه أو تنقصه، فبعد قيام المسلم بالنفقات الواجبة على النفس والزوجات والوالدين والأولاد ومن ولِّي عليه - فُتح له أبواب صالحة تباركُ ماله - منها الواجب ومنها المستحب-، فمن ذلك: دفع الزكاة المفروضة، وما سميت زكاة إلا لأنها تزكي المال أي: تنميه وتزيده، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ39].

 

ومنها: الصدقة المستحبة في سبل الخير، ويدخل ذلك تفريج كربات المكروبين وقضاء الدين عن المدينين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال) [10].

 

ومنها: صلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه) [11].

 

ومنها: الاقتصاد وترك الإسراف والتبذير، وهذا من صفات عباد الرحمن، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾ [الفرقان 67].

 

أيها المسلمون، إن المال الحلال وأكل الطيبات دليل على شرف النفوس وعزتها، وهو سبب للبركة في الجسم والعمر والمال والأهل والأولاد، وهو سبب لطيب أفعال صاحبه وتحسين أخلاقه ومعاملاته، وهو بوابة لدخول واحات الراحة والاطمئنان والعيش الهنيء، وسبب لمحبة الناس لصاحبه واحترامه وائتمانه والثقة به وسلامة سمعته بينهم.

 

إن الكسب الطيب وإنفاقه في الوجوه الطيبة نجاة في الدنيا والآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة عند ربه حتى يسأل عن خمس: عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم)[12].


معشر المسلمين، هناك نفوس لا تتحاشى تناول المال من الحرام، بل صارت تعاف الحلال ولا تلتذ إلا بأكل الحرام، وهي تظن أن ذلك يجلب لها المال والسعادة، والحقيقة عكس ذلك، فكسب المال من الحرام وإنفاقه فيه هلاك في الدنيا وفي الآخرة.


فالكسب الحرام يبعد صاحبه عن الله تعالى ويقربه من مقته وغضبه، ويجعله محط الذم بين الناس الطيبين.

والكسب الحرام يحبط الأعمال ويهلك الأموال ويحجب عن صاحبه باب الدعاء والرحمة.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً ﴾ [المؤمنون:51] ثم ذكر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الرجلَ يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومأكله حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ) [13].


والكسب الحرام يضر بدن صاحبه ويسبب البلاء فيه وفي أهله وأولاده، فكم نسمع من أمراض قاتلة نزلت على ذلك البيت أو تلك الأسرة التي تتعامل بالمال الحرام.


والكسب الحرام يورث صاحبه الهموم والقلق والحياة التعيسة والأمراض النفسية.

والكسب الحرام سبب لسوء الخاتمة.

والكسب الحرام سبب لتعسير الحساب واستحقاق العذاب وذهاب الحسنات يوم القيامة.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا، أو سفك دم هذا وضـرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته -قبل أن يقضى ما عليه- أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) [14].


فيا خسارة متناولي الحرام والمنفقين أموالهم في الحرام، فهل من متعظ قبل الفوات؟

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

أيها المسلمون، لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زمان يقل تحري المال الحلال فيه، وهذا يدل على فساد ذلك الزمان، وها نحن نجد بعض ملامح ذلك الزمان في أيامنا هذه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام) [15].


كم هم اليوم الذين يتحرون في مكاسبهم ويخافون من مكاسب الحرام؟

وكم هم اليوم الذين يخلصون في أعمالهم ووظائفهم بقوة وأمانة في أدائها لينالوا الراتب الحلال؟

وكم هم الذين يجدون البركة في مكاسبهم وأثرها في بيوتهم وأهليهم؟


عباد الله، هناك مشكلات كبيرة تحدث في المجتمعات سببها قلة مراقبة الله في المكاسب وتصريف الأموال في غير موضعها. فكم هي الفجوات والنزاعات التي تحصل.. ومن أسبابها العظيمة: الخيانات المالية.


إن من المشكلات الممتدة التي تعانيها بلادنا: النزاع في الأراضي التي يسطو عليها من لا يخاف الله تعالى ولا يبالي باكتساب الحرام.. ناسياً العواقب الوخيمة لسلبه حقوق غيره. إننا نسمع ما يجري من شدة الاختلاف والشجار في الأراضي، ولو كان هناك مراقبة لله تعالى في قضية الكسب والتملك لما حصل ما حصل. ألا فليعلم ذلك الظالم الآخذ أرض غيره إما بقوة وإما بحيلة أن ذلك لا يفوت عند الحكَم العدْل سبحانه وتعالى، ولو قضى له به قضاة الدنيا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب له النار وحرم عليه الجنة، قالوا: وإن كان شيئا يسيراً يا رسول الله، فقال: وإن كان قضيباً من أراك)[16].


وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي: يا رسول الله، إن هذا قد غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي: (ألك بينة)؟ قال: لا، قال: (فلك يمينه) قال: يا رسول الله، إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه وليس يتورع عن شيء، فقال: (ليس لك منه إلا يمينه) فانطلق ليحلف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدبر: (لئن حلف على مال ليأكله ظلماً ليلقين الله وهو عنه معرض) [17].


وعن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال: ( إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)[18].


ألا فاتقوا الله -يا عباد الله- فيما تأكلون وتشربون وتلبسون وتسكنون وتركبون، فمن لم يجد فليصبر وليتعفف؛ فالصبر على القلة خير من الصبر على الذلة، والصبر على الجوع خير من الصبر على النار.


كانت زوجة صالحة تقول لزوجها عندما يخرج إلى عمله: "اتق الله فينا؛ فإننا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار".


عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وأردفني خلفه وقال: (يا أبا ذر، أرأيت إن أصاب الناس جوع شديد لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك كيف تصنع؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: تعفف يا أبا ذر) [19].

هذا وصلوا وسلموا على النبي المختار...

 


[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في17/6/1432هـ،20/5/2011م.
[2] رواه ابن ماجه واللفظ له والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
[3] رواه البخاري.
[4] رواه البخاري.
[5] رواه مسلم.
[6] متفق عليه.
[7] رواه البخاري .
[8] رواه أحمد والترمذي والطبراني، وهو صحيح.
[9] رواه مسلم.
[10] رواه مسلم.
[11] متفق عليه.
[12] رواه الترمذي والطبراني، وهو صحيح.
[13] رواه مسلم.
[14] رواه مسلم.
[15] رواه البخاري.
[16] رواه مسلم.
[17] رواه مسلم.
[18] متفق عليه.
[19] رواه أحمد وابن حبان والحاكم، وهو صحيح.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الكسب الحلال
  • الدعوة إلى الكسب
  • تمجيد الكسب في الإسلام
  • الحث على الكسب الحلال (1)
  • أفضل الكسب الزراعة
  • الكسب الطيب والكسب المحرم (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الكسب الحرام: فساد ودمار (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الكسب والمطعم الحلال هناء وسعادة وراحة بال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من الكسب الحرام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • طيب الكسب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الكسب الحلال شرف المؤمن وعزه وكرامته وصون دينه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الكسب المحرم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من الكسب الحرام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفرق الدلالي المائز بين "الكسب والاكتساب" في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مهلكات الكسب الحرام في الأسرة وخارجها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة كتاب الكسب(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب