• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / الموت والقبر واليوم الآخر / في أحوال القيامة والجنة والنار
علامة باركود

حسرات وندامات

حسرات وندامات
أحمد محمد مخترش


تاريخ الإضافة: 29/11/2012 ميلادي - 15/1/1434 هجري

الزيارات: 88178

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حسرات وندامات


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول. وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان. وسلم تسليما كثيرا.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

أما بعد:

عباد الله، فاعلموا أن المتأملَ لحالنِا نحنُ المسلمين اليوم. وحالِ زماننا وما ظهر فيه الآفاتِ والفتنِ، وما حصل فيه من انفتاحٍ كبيرٍ على الدنيا وزُخرُفها حتى ظن أهلها أنهم قادرون عليها، أو مخلدون فيها. وقد قست منا القلوب، وتحجرت العيون، وهُجرَ كتابِ علامِ الغيوب. بل قُرأ والقلوبُ لاهيةٌ ساهيةٌ في لُججِ الدنيا. وغفلنا ولم نشعر أننا غفلنا وهذه لعمرُ اللهِ أدهى وأمرُ فينا. لقد ظهر المكرَ بالليلِ والنهار بأساليبَ ووسائلَ خبيثة ماكرةٌ تزينُ الفاحشة وتصدُ عن الآخرةِ. وفشت الفواحشُ والمظالم، ونيلَ من الأعراض، وأُكلتُ الأموال. وهبت رياحُ المعصيةِ فأطفأت شموعَ الخشيةِ من قلوبِنا. فكثر المفرطون العاصون للرحمن والمتشبهون بالكفار.

 

لهذا كله كان لا بد من الوقوفِ مع بعضِ مشاهدِ الحسرةِ في الآخرة لعل النفوسَ تستيقظُ وتخشعُ وتذلُ فتبادر إلى الحسنى، فما هناك من أمر هو أشد دفعا للنفوس إلى فعل الخير من أمر الآخرة، والوقوف بين يدي من له الأولى والآخرة، فهيا يا عباد الله إلى مشاهد من الحسرة أسأل الله أن لا نكون جميعاً من أهل الحسرة.

 

إنه يوم الحسرة: وما أدراك ما يومُ الحسرة، يومٌ انذرَ به وخوّفَ، وتوعدَ بهِ وهدّد، قال الله عز وجل: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [مريم: 39] إنذارٌ وإخبارٌ في تخويفٍ وترهيبٍ بيومِ الحسرةِ حين يقضى الأمر، يوم يجمعُ الأولون والأخرون في موقفٍ واحد، يسألون عن أعمالهم. فمن آمنَ واتبع سعِدَ سعادةً لا يشقى بعدها أبدا. ومن تمردَ وعصى شقي شقاءً لا يسعدُ بعده أبدا، وخسرَ نفسَهُ وأهلَهُ وتحسرَ وندِمَ ندامةً تتقطعُ منها القلوبُ وتتصدعُ منه الأفئدةُ أسفا. وأيُّ حسرةٍ أعظمُ من فواتِ رضاء الله وجنته واستحقاقِ سخطهِ وناره على وجهٍ لا يمكنُ معه الرجوعُ ليُستأنف العملُ، ولا سبيلَ له إلى تغييرِ حالهِ ولا أمل. وقد كان الحالُ في الدنيا أنهم كانوا في غفلةٍ عن هذا الأمرِ العظيم، فلم يخطر بقلوبِهم إلا على سبيلِ الغفلةِ حتى واجهوا مصيرَهم فيا للندمِ والحسرة، حيثُ لا ينفعُ ندمُ ولا حسرة. آه من تأوه حين إذٍ لا ينفع، ومن عيونٍ صارت كالعيون مما تدمع. إنها حسرةُ بل حسرات، أنباءٌ مهولات، نداماتٌ وتأسفاتٌ ورد ذكرها في غير ما آية من الآيات تصدرُ عن معرضين ولا هين ولاهيات عن يومُ الحسرة والحسرات.

 

نذكر بعض منها في هذه الخطبة من رسالة ﴿ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ﴾ [ص: 67] بتصرف يسير. إنها تذكرةٌ وعظات، علنا أن نحاسبَ أنفسِنا ما دمنا في مهلةٍ من أعمارٍ وأوقات وقبلَ أن نندمَ حيث لا ينفعُ ندمُ ولا حسرات.

 

فمن هذه الحسرات "أجاركم الله من الحسرات": الحسرةُ على أعمالٍ صالحةٍ: شابتها الشوائبُ وكدرتها مُبطلاتُ الأعمالِ من رياءٍ وعُجبٍ ومنةٍ، فضاعت وصارت هباءً منثورا، في وقتٍ الإنسانُ فيهِ أشدُ ما يكونُ إلى حسنةٍ واحدةٍ: ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47] ﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الزمر: 48] الفضل عند الله ليس بصورة الأعمال بل بحقائق الإيمان. القصد وجه الله بالأقوال والطاعات والشكران. بذاك ينجو العبد من حسراته، ويصير حقا عابد الرحمن.

 

الحسرةُ على التفريطِ في طاعةِ الله: وتصرمِ العمرِ القصيرِ في اللهثِ وراء الدنيا حلالِها وحرامِها، والاغترارِ بزيفِها مع نسيانِ الآخرةِ وأهوالِها: ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56] ﴿ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزمر: 57] ﴿ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الزمر: 58] ﴿ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [الزمر: 59].

 

الحسرةُ على التفريطِ في النفسِ والأهل: أن تقيَهم من عذاب جهنم، يوم تفقدَهم وتخسرَهم مع نفسُك بعد ما فتنتَ بهم، ذلك هو الخزيُ والخسار والحسرةُ والنار، حالك: ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر: 15].

 

الحسرةُ على أعمالٍ صالحة: كان الأمل بعد اللهِ عليها، ولكنها ذهبت في ذلك اليومِ العصيب إلى من تعديت حدودَ اللهِ فيهم فظلمتَهم في مالٍ أو دمٍ أو عرض، فكنتَ مفلساً حقا: ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ [طه: 111]. فيأخذُ هذا من حسناتِك وهذا من حسناتك، ثم تفنى الحسنات فيطرحُ عليك من سيئاتِ من ظلمتَهم ثم تطرحُ في النار.

 

حسرةُ جُلساءِ أهلِ السوء: يومَ انساقوا معهم يقودونَهم إلى الرذيلةِ، ويصدونَهم عن الفضيلةِ، إنها لحسرةُ عظيمةٌ في يومِ الحسرة يعبرون عنها بعضِ الأيدي يومَ لا ينفعُ عضُ الأيدي كما قال ربي: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 27] ﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ ﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ *وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 165 - 167].

 

ومن أعظم المشاهد حسرة في يوم القيامة يوم يكفر الظالمون بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا محتجين ومتبرئين فذلك قول الله: ﴿ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 38، 39]. فيا حسرة الظلمة وأعوانهم حين يعلمون فداحة جريمتهم في تنفيذ رغبات الظالمين، لكن حيث لا ينفعهم علم العالمين، وعندها لسادتهم يقولون: ﴿ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ ﴾ [غافر: 47]؟ فإذا بالسادة أذلة قد عنت وجوههم للحي القيوم لا يملكون لأنفسهم شيئا ولا يستطيعون يقولون: ﴿ إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ﴾[غافر: 48].﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [العنكبوت: 12، 13]. فالعقلاء بمقولتهم لا يغترون، وإن فعلوا فأنهم يوم إذ في العذاب والحسرة مشتركون.

 

وهنا يأتي حادي الغواة، وهاتف الغواية يخطب خطبته الشيطانية القاصمة يصبها على أوليائه: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ [إبراهيم: 22]. طعنةٌ أليمةٌ نافذةٌ لا يملكونَ أن يردوها عليه، وقد قضي الأمر وفات الأوان: ﴿ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ﴾ [إبراهيم: 22]. ثم يأنبهم على أن أطاعوه: ﴿ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ [إبراهيم: 22]. نفض يده منهم وهو الذي وعدهم ومنّاهم ووسوس لهم.

 

فيا للحسرة والندم. الحسرةُ على أموالٍ جمعت من وجوه الحرام: رباً ورشِوةٍ وغشٍ غصب وسرقةٍ واحتيالٍ وغيرِها. فيا لله أي حسرةٍ أكبر على امرؤٍ يؤتيه اللهُ مالاً في الدنيا، فيعملُ فيه بمعصيةِ الله، فيرثَه غيرَه فيعملُ فيه بطاعةِ الله، فيكونُ وزره عليه وأجرُه لغيره.

 

ويا لحسرة وندامة أولئك العاملين على نشر المفاسد سواء عبر القنوات أو تسجيلات الغناء أو المجلات أو غير ذلك من وسائل نشر هذه المفاسد يا حسرتهم يوم يأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم وأوزاراً مع أوزارهم،  فيا عباد الله أتدري يا من أرسلت لصديقك أغنية عبر الجوال أتدري إلى كم قد وصلت من الأشخاص،  كلا لا تدري فربما قد وصلت إلى المئات بل إلى الآلاف وأنت لا تدري فهل تفكرت أنك ستأتي يوم القيامة بأوزارك وأوزار هؤلاء معك. فو الله لتتحسر وتتندم حين لا ينفع الندم.

 

وأي حسرة أكبر على امرِئٍ أن يرى عبدا كان الله ملّكه إياه في الدنيا يرى في نفسه أنه خيراً من هذا العبد، فإذا هذا العبد عند الله أفضل منه يوم القيامة.

 

أي حسرة أكبر على امرؤ أن يرى عبدا مكفوف البصر في الدنيا قد فتح الله له عن بصره يوم القيامة وقد عميَ هو، إن تلك الحسرة لعظيمة عظيمة.

 

أي حسرة أكبر على امرؤ علم علما ثم ضيعه ولم يعمل به فشقيَ به، وعمل به من تعلمه منه فنجى به.

 

أما الحسرةُ الكبرى فهي: عندما يرى أهلَ النار أهلَ الجنةِ وقد فازوا برضوانِ الله والنعيم المقيم وهم يقولون: ﴿ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ﴾ [الأعراف: 44]؟  ﴿ قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 44].

 

وحسرة أعظم: يومَ ينادي أهلُ النار أهل الجنةِ: ﴿ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 50].

 

وحسرة أجل: حين ينادي أهلُ النارِ مالكاً خازن النار: ﴿ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾ [الزخرف: 77، 78].

 

ومنتهى الحسرة وقصاراها: حين ينادون ربَهم عز وجل وتبارك وتقدس: ﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ﴾ [المؤمنون: 107]. فيُجبَهم بعد مـدة: ﴿ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾ [المؤمنون: 108]. طال الزفيرُ فلم يُرحم تضرُعهم هيهاتَ لا رقة تغني ولا جزعُ.

 

فيا حسرة العاصي وندامته يوم يموت على عصيانه،  يا حسرته يوم يرى مقعده،  يا حسرته يوم يأخذ كتابه بشماله ويرى غيره يأخذ كتابه بيمينه،  يا حسرته يوم يُساقُ مع المجرمين إلى النار ويرى المؤمنين يساقون إلى الجنة،  فوالله ليتحسر ويتحسر على ما فرط،  ليتحسر على كل صلاة أضاعها،  ليتحسر على كل يوم لم يصمه،  ليتحسر على زكاة منعها،  ليتحسر على كل ساعة أضاعها لم يذكر الله فيها.

 

فيا حسرة المقصرين. ويا خجلة العاصين. لذات تمرٌ وتبعاتٌ تبقى. تريدون نيل الشهواتِ والحصولَ في الآخرةِ على الدرجات.

 

أخي يا عبد الله دع الذي يفنى لما هو باقٍ وأحذر زلل قدمِك، وخف حلول ندمك واغتنِم شبابك قبل هرمِك، واقبل نصحي ولا تخاطر بدمك، ثم تتحسرُ حين لا ينفعُ ندمك. إذا نهاك امرُؤٌ ناصحٌ عن الفاحشاتِ انزجر وانتهِ،  إن دنياً يا أخي من بعدها ظلمةُ القبرِ وصوتُ النائحِ لا تساوي حبةً من خردلٍ أو تساوي ريشةً من جانحِ جعلنا الله وإياكم من الرابحين السعداء، يومَ يخسرُ المبطلون الأشقياء، ويتحسرَ المتحسرون التعساء، إن ربي وليُ النعماء وكاشفَ الضرِ والبلاء.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى،  والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،  وعلى أصحابه الأخيار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،  وسلم تسليماً كثيرا،  أما بعد

 

عباد الله وبعد هذا البيانِ من كتاب الرحمنِ عن صورِ الخزي والحسرةِ والخسران. فهل آن لنا أن نعدَ لهذا الموقفِ العظيمِ عدته؟ ونعملَ جاهدين على الخلاصِ من صفاتِ أهلِ هذه المواقفِ المخزيةِ. هل آن لنا أن نُخلص العبادةَ لله وحده، ونجردَ المتابعةِ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. هل آن لنا أن نحذرَ من كلِ ناعقٍ ملبسٍ خائنٍ يمكرُ في الليلِ والنهار قبل أن تقولَ نفسُ يا حسرتاه ولا مناة حين مناص. هل آن الأوان لضعفةِ الأتباع أن يتبرءوا من متبوعيهم الظالمين المفسدين فلا يكونوا أداة لهم في ظُلمٍ في دماء أو أموالٍ أو أعراض طمعاً في جاه أو حطام. هل آن الأوان للإنابةِ والبراءةِ من الظالمين قبل أن يتبرءوا من تابعيهِم بين يدي الله يومَ ينقلبون عليهم فيلعن بعضَهم بعضا حيث لا ينفع لعن ولا ندم. هل آن الأوان للمرأة المسكينة في زماننا اليوم أن تنتبه لهذه المواقف فتتبرأ في دنياها اليوم من كل ناعق لها باسم الحرية والتمدن ومتابعة الأزياء والموضات. وحتى لا تحق عليها الحسرة الكبرى حينما يتبرأ منها شياطين الأنس والجن الذين أضلوها ثم لا يغنوا عناها من عذاب الله من شيء إلا الخصام والتلاعن المذكور في كتاب الله: هل آن الأوان لمن أعطوا قيادهم لجلساءِ السوءِ والمفسدينَ في الأرض، ومن هم دعاةُ على أبوابِ جهنمَ يسوقونهم إلى الرذيلةِ ويفتحون قلوبَهم للمكر والألاعيب والصدِ عن الفضيلة. هل آن لهم أن ينتهوا ويقطعوا صلَتَهم بهم وطاعتَهم لهم ما داموا في زمنٍ من مهلةٍ وإمكان، وإن لم يقطعوها في الدنيا، فهيَ لا شكَ منقطعة يومَ القيامةِ وستنقلبُ عداوةً وخصاماً وحسرةً: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]. هل آن الأوان للعصاة عموما وللمجاهرين بالمعاصي. هل آن للجميع هل آن لهم أن يعلونها توبةً عاجلةً نصوحاً قبل الممات وقبل يومَ الحسرات بلا مبررات واهيات فالحقائق ساطعات غير مستورات وإن تعامتها نفوس أهل الشهوات.

 

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27]

 

هل آن الأوان لمضيع وقته أمام ما تبثه هذه القنوات من محرمات أن يتوب ويؤوب. هل آن الأوان لمن عقلُه أصبح في أذنيه ولبه بات في عينيه من أثر البهتان فيه وانطلى الزورُ عليه أن يتوبَ قبل أن يقفَ أمام الله فتشهدُ الأعضاء والجوارح بما كان يكسب ثم لا يكونُ إلا الحسرات، فما تغني الحسرات؟ ﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ ﴾ [فصلت: 22 - 24].

 

عباد الله في يومِ القيامة يبحثُ كلِ إنسان عن أي وسيلة مهما كانت ضعيفة واهية لعلَها تصلُحُ لنجاته من غضبِ الله. وكل يحاول إلقاء التبعة على غيره، لكن حيث لا تنفع المحاورات ولا الخصومات ولا التنصل من التبعات، ثم لا يكون إلا الحسرات: أعاذني الله وإياكم من أن نكون ممن يقفون موقف الحسرة والندامة حينها

 

ألا وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله على النبي المصطفى، والرسول المجتبى، كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال تعالى قولاً كريماً ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] اللهم صلِّ وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك محمد،  وعلى آله وصحبه،  وارض اللهم عن خلفائه الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيك محمد.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأنصر عبادك الموحدين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال، يا حي يا قيوم.

اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آنس وحشتنا في القبور، وآمن فزعنا يوم البعث والنشور.

اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع.

اللهم كن للمستضعفين والمظلومين والمضطهدين. اللهم فرج همهم ونفس كربهم وارفع درجتهم واخلفهم في أهلهم. اللهم أزل عنهم العناء واكشف عنهم الضر والبلاء. اللهم أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء. يا سميع الدعاء.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

عباد الله:﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90] ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.....

 

المادة منقولة من المدونة الشخصية للكاتب؛ وقد نشرتها شبكة الألوكة كما هي في مصدرها





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • أول يوم في القبر حسرة وندامة على الكافرين وسرور وبشر للمؤمنين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فلنحذر الحرص على الإمارة والوزارة فإنها حسرة وندامة وخسارة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حسرات المجرمين والظالمين يوم القيامة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حسرات المجرمين والظالمين(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • من حسرات يوم القيامة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أحسرة تريدها أم حسرات؟!(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الاستقامة قبل الندامة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ندامة الكُسَعِي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حسرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المخدرات.. تبعات وحسرات(محاضرة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب