• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / الموت والقبر واليوم الآخر
علامة باركود

الموت

الموت
الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/10/2024 ميلادي - 2/4/1446 هجري

الزيارات: 4458

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الموت

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

معاشر المؤمنين، روى الإمام الطبراني في "معجمه" من حديث سهل بن سعد، ومعاذ بن جبل، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم بألفاظ متقاربة - أن الله سبحانه وتعالى أرسل جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا محمد، عشْ ما شئت فإنك ميِّت، واعمل ما شئت فإنك مَجزي به، وأحبِب مَن شئت فانك مفارقه، واعلَم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس)[1].

 

يا عباد الله، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، هذا الخطاب من ربكم سبحانه وتعالى يَحمله جبريل الذي يحكي الله عز وجل عنه: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾ [الشعراء: 193-195].

 

هذا الرسول الكريم ينزل بهذه الجمل الخمس، وبهذه التوجيهات الحقائق العظمى، لمن يا تُرى؟ لعبد مغفور له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، هو سيد الأولين والآخرين، وهو حبيب رب العالمين، أول من ينشق عنه قبره، وأول من يقعقع باب الجنة، فيقول خازنها: من؟ فيقول: محمد، فيقول: أُمرت ألا أفتح لأحد قبلك)[2].

 

هذا النبي الكريم هو صاحب القرآن المعجزة العظمى، وهو صاحب الخلق العظيم، وهو صاحب الشفاعة العظمى، واللواء المعقود، والحوض المورود، هو صاحب الفخر في الدنيا والآخرة؛ إذ يقول صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)[3].

 

وهذا جبريل ينزل إليه بهذه الحقائق قائلًا: (عش ما شئت فإنك ميت)، وإن طالت بك الليالي والأيام، فإنك لا شك من أهل الموت، وهذه حقيقة يعرفها صلى الله عليه وسلم ويعرفها غيرها غيره من الناس، ولكنها الأماني والغرور سيطرت على كثير من الناس، فصاروا يجعلونا في عالم المنسيات، وتراه يكدح ليلًا ونهارًا وكأنه قد قدِر على هذه الدنيا ولبسها، وأمسكها إمساك اليد، ولن تفلت من بين يديه، وهذا غرور يا عباد الله.


مضى الدهر والأيام والذنب
وجاء رسول الموت والقلب غافل
نعيمك في الدنيا غرور وحرة
وعيشك في الدنيا محال وباطل

 

لذا يقضي الله على جميع بني الإنسان بالموت، فيقول: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر:30]. ويقول سبحانه: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]، ويقول سبحانه: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26]. ويقول سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجمعة: 8].

 

يا عباد الله، إن طال العمر فلا ينبغي أن تغترَّ بهذه الدنيا، وإن كثرت الأموال والضيعات بين يديك، فلا تظُن أنك قادرٌ عليها وإنما هو سراب؛ يقول تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24].

 

هذا مَلِكٌ من ملوك الدولة العباسية، بلغ ملكه أطناب الدنيا من أقصاها إلى أقصاها، إنه أبو جعفر، ومن ذا الذي قرأ التاريخ فلم ير هذا الرجل العملاق؟! لقد ابتنى قصرًا عظيمًا في بغداد وبنى حول القصر مدينة عظيمة، وسمى القصر بقصر الخلد، وسمى المدينة مدينة السلام، وكان بعض المنجِّمين قد نظر في النجوم، وهي نظرة كاذبة، أن من سكن هذا القصر لا يمكن أن يموت فابتسم أبو جعفر، وما كان له أن يبتسم؛ لأن هذا يدجل عليه ويكذب، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد)[4] ، فقال هذا الكاهن: أرى أن من سكن هذا القصر لا يموت، فيأتي أبو العتاهية شاعر الزهد والحكمة، فيقول لأبي جعفر:

عش ما بدا لك سالِمًا
في ظل شاهقة القصور
يجري عليك بما أردت
مع الغدو في البكور
فإذا النفوس تغرغرت
بزفير حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنًا
ما كنت إلا في غرور

 

وفعلًا كان في غرور، فقد تهدَّم قصره، وحشرجت نفسه، وهو ليس راضيًا، فإن طالت بنا الأيام، وإن تقادمت بنا الأعمار، فإن مصيرنا إلى تلك الحقيقة، إنها حقيقة الموت التي لا يستطيع أحد أن يدفعها عن نفسه، لا يستطيع قوي بقوته، ولا ذو مال بماله، ولا ذو جاه بجاهه، بل يلج القصور فيقعقعها على أصحابها، فيسكنهم في اللحود وإن رغمت أنوف.

 

أين الملوك وأبناء الملوك ومن
كانت لهم عزة في الملك قعساء
نالوا يسيرًا من اللذات وارتحلوا
برغمهم فإذا النعماء بأساء

 

فهذا خطاب من الله لهذا النبي الكريم، ولأتباعه إلى يوم الدين، ولبني الإنسان عمومًا، عش ما شئت يا عبد الله من الليالي والأيام، ولكن مصيرك إلى تلك اللحظة الحاسمة نزلت بكل إنسان،

 

ومن نزلت بساحته المنايا
فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن
إذا نزل القضاء ضاق الفضاء

 

فقد كان صلى الله عليه وسلم يعالج سكرات الموت ويقول: (إن للموت لسكرات) [5]، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]، ويقول سبحانه: ﴿ وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق: 19].

 

فيا عبد الله، اعلم أن لك ليلتين ويومين، فالليلة واليوم الأول كنت في هذه الدنيا، وما هي إلا ومضة نظر، فإذا بك في عالم آخر، فما أنت قائل لربك غدًا، فهل أعددت لمثل هذه المواقف؟ هل أعددت لما بعد الموت؟ وهو المستقبل الذي يجب أن تهتم به، يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له من بعد موته)[6] ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (يتبع الميت ثلاثة: أهله، وماله، وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله)[7] ، فهل أعددت لهذا العمل الذي سيكون رفيقًا لك في قبرك، يوم أن يتخلى عنك المال والأهل والولد، ويعودون، وربما كانوا ساخطين عليك؛ لأنك لم تترك لهم من الأموال الكثيرة، وربما أصدر بعضهم عبارات نابية تُزعجك إن سمعتها، فهل هذا جزاء الإحسان، فأنت تؤثر على نفسك مَن لا يَعذِرك، وتترك المال لمن لا يشكرك، فماذا أنت قائل لربك؟ فكن كيسًا فطنًا، فهذا توجيه من الله عز وجل لنبينا صلى الله عليه وسلم، وهو توجيهٌ لنا بني الإنسان أنه متى ما عشنا في هذه الدنيا، فلا تفرح بها، وإنما هي لحظات سرعان ما تزول، وإذا بنا في عالم آخر.

 

ثم يعقب جبريل عليه السلام توجيهًا ثانيًا ونصيحة أخرى: (وأحبب مَن شئت فإنك مفارقه)، وفي هذا يجب على الإنسان ألا يَفرح بما آتاه الله عز وجل فرح الغرور، فمهما أعطيت من خيرات هذه الدنيا من صحة وعافية وسَعة رزق، أو زوجة أو ولد، فلا ينبغي لك أن تكترث به أعظم من اكتراثك بدين الله وحبك لله سبحانه وتعالى، فإنك إن أحببت شيئًا فانيًا، فأنت مفارقه بخلاف ما إن كانت محبَّتك للقرآن، ومحبتك للدين، ومحبتك للطاعات، فهذه تبقى حسنات ينفعك الله سبحانه وتعالى بها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم تنفعك في جنات النعيم؛ كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [يونس: 9].

 

اللهم بارك لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم هذا ما قلته لكم، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم فاستغفروه يغفر لكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.

عباد الله، اتقوا الله، ومواصلة لحديث نبينا صلى الله عليه وسلم وهو يوجهنا، وعلى المؤمن أن ينتفع بمثل هذه المواعظ كما قيل: من كان له من نفسه واعظ، لم يزل عليه من الله حافظ، فهذه المواعظ إن أنت عملتَ بها نفَعك الله بها في الدنيا والآخرة، فاسمع بارك الله فيك إلى بقية هذه النصائح العظيمة، وذلك أن نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (أتاني جبريل، فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميِّت، وأحبِب مَن شئت فإنك مفارقه، واعمَل ما شئت فإنك مجزي به)[8].

 

فمهما عملت يا عبد الله من خير أو شرٍّ، فأنت الذي تجازى به، وفي هذا دليل على عظمة الإخلاص، وعلى أن الإنسان مؤاخَذ بعمله، وفي هذا دليل على وجوب تصفية النية من كل شائبة، وعلى أن يكون العبد متوجهًا إلى الله في أعماله دقيقها وجليلها، ظاهرها وباطنها؛ يقول تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].

 

ويقول تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47]، فمن فعل الخير وجد الحسنات يوم القيامة، ومن عمل الشر - والعياذ بالله- وجد السيئات أمامه، فلا يلومنَّ إلا نفسه؛ كما يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه)[9].

 

من يعمل الحسنات الله يشكرها
والشر بالشر عند الله مثلان

ففي ذلك اليوم العظيم تجد سجل الحسنات، وتجد سجل السيئات، فما أنت قائل لربك عبد الله؟ فصحِّح من ساعتك عبد الله، وبإمكانك أن تصحح النية، وأن تصحح الخطرات الواردة على قلبك، ليكون قلبك صحيحًا سليمًا، فمن صلح قلبه صلَحت جوارحه، ومن فسد قلبه فسدت جوارحه، والله المستعان.

 

فعلى كل أحد أن يعلَم فيما كلَّفه الله من عملٍ؛ ليقوم به خير قيام، ليكون أمينًا على توحيد ربه وطاعته وتعظيمه، والعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيام بأمانة الولد، وحقوق الجار، والوالدين، وبما كلِّف به مِن عملٍ إن كان موظفًا، فعليه أن يقوم به خير قيام، وليعلم أنه إن خان في عمله، فإنه سيلقى شرًّا في ذلك اليوم، فليراقب الله - سبحانه وتعالى- ولتكن رقابته لله أعظم من رقابته لزميله أو مديره، وليعلم أن من خان في عمله وأخذ على ذلك رشوة، أو ما أشبهها، فإنما هو يضر نفسه، ولا ينبغي له أن يحتج بالكبار إن سرق خمسين ألفًا، قال قد سرق غيري أكثر من ذلك، فليس هذا بدليل، فمن سرق فإنما يضر نفسه في الدنيا والآخرة، وهذا الذي أعطيته وجب عليك أن تحمَد الله سبحانه وتعالى عليه، وإن أنت حمدته فسوف يجعل الله القليل كثيرًا، وإن أنت طمعت في غيره، فإنك لن تراه شيئًا؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (من فتح على نفسه باب مسألة لم يزل في فقر)[10]، فهكذا من نظر في حق الآخرين، أو من لم يكفه ما أعطاه الله - سبحانه وتعالى - فإنما هو يتكثر بمثل ذلك، وإذا فعل ذلك فعاقبته إلى قلة، والله المستعان.

 

كذلك عباد الله يوجِّهنا صلى الله عليه وسلم، إلى قيام الليل، قال: (واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل)، فأين الفرائض عباد الله؟ نبينا صلى الله عليه وسلم يلفت انتباهنا إلى قيام الليل قال: (واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل)، ولقيام الليل أثر في إصلاح الأفراد والأسر والمجتمعات؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربةٌ إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومَطردة للداء عن الجسد) [11]؛ رواه أحمد بن حنبل في مسنده من حديث بلال بن رباح رضي الله عنه.

 

هذا توجيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدأب الصالحين من قبلنا كانوا يحافظون على قيام الليل، فنحن نطالب أنفسنا برأس المال، ناهيك عن الأرباح، فقد حصل التفريط فيها إلا مَن مَنَّ عليه سبحانه وتعالى، وقليلٌ ما هم، ثم نختم هذه النصيحة الموجزة بقوله صلى الله عليه وسلم (وعزُّه استغناؤه عن الناس)، وفي ذلك دليلٌ على أن يكون المؤمن غنيًّا بالله سبحانه وتعالى، فإذا كنت قد استغنيت بالله فما ظنُّك بغيره؟ وماذا تريد من غيره؟ فقد كتب بعض الصالحين ينصح أخًا له في الله قائلًا له: فإن كان الله معك فمن تخاف؟ وإن كان عليك فمن ترجو؟ وفي هذا دليل على الإخلاص والرضا والتسليم والوثوق برب العزة والجلال، فإذا وثقت به، فمعاشرتك للناس وجلوسك مع الناس، إنما هو من باب الاستئناس، وإلا فقلبك مع الله سبحانه وتعالى، وفي هذا دليل على أن يكون العبد متعلقًا بالله معتصمًا بأمر الله سبحانه وتعالى، سواء كنت في الشرق أو الغرب، وأخوك من الناحية الأخرى، فأنت معتصم بالله وهو كذلك، فكلكم تعملون لله، ماذا التقاطع في الإسلام بينكم وأنتم يا عباد الله إخوان، فإن حصلت الاستجابة والاعتصام بالكتاب والسنة، فعل الناس كلهم ما يرضي الله سبحانه، فكانوا أحبة في الله متآخين، وإن لم تجتمع أجسادهم، فقد اجتمعت قلوبهم، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (الأرواح جنود مُجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)[12].

 

نسأل الله عز وجل أن يُصلح قلوبنا، اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم لا تدَع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا غمًّا إلا فرَّجته، ولا دينًا إلا قضيته.



[1] رواه الطبراني في الأوسط (4/ 360) والحاكم (7921)، وحسَّنه الألباني انظر الصحيحة (831).

[2] رواه مسلم (197) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

[3] رواه مسلم (8722) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[4] رواه أبو داود (3905) وابن ماجه (3726) وأحمد (2000) عن ابن عباس رضي الله عنه وصححه الألباني.

[5] رواه البخاري (4184) عن عائشة رضي الله عنها.

[6] رواه مسلم (1631) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[7] متفق عليه: رواه البخاري (6149) ومسلم (2960) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

[8] سبق تخريجه.

[9] رواه مسلم (2577).

[10] رواه أحمد (9411) وابن حبان (3387) عن أبي هريرة رضي الله عنه، صحيح الجامع (3025).

[11] رواه الترمذي (3549) انظر صحيح الجامع.

[12] رواه البخاري (3158) ومسلم (2638) عن عائشة رضي الله عنها.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لو كان يعلم أن الموت أجل محتوم لكبح جماح نفسه
  • موعظة عن الموت (خطبة)
  • في الاستعاذة بالله من الشيطان خوف أن يتخبط المسلم عند الموت
  • خطبة: ما آثارك بعد الموت؟ (1)
  • خطبة: ما أثارك بعد الموت؟ (2)
  • أجور لا تنقطع بعد الموت (خطبة)
  • علامات حسن الخاتمة عند الموت
  • موعظة في الموت والمشيب

مختارات من الشبكة

  • كلمات موجعة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ذكر الموت وتمنيه(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الموت في ديوان "تسألني ليلى" للشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الموت بوصلة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قلق الموت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خلع المريض مرض الموت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • موتوا تعيشوا(مقالة - موقع د. حيدر الغدير)
  • حوار بين الموت والمؤمن(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر)
  • من أسباب حسن الخاتمة .. الإكثار من ذكر الموت(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب