• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / التوحيد / في آيات الله
علامة باركود

رحمة الله تعالى

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/9/2007 ميلادي - 23/8/1428 هجري

الزيارات: 148820

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رحمة الله تعالى

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عمَّ برحمته جميع خلقه، خلقهم ورزقهم وأعطاهم، ورحم المؤمنين رحمة خاصة؛ فهداهم صراطه المستقيم، ووفقهم لعمل ما يرضيه، ثم منَّ عليهم بالخلد في دار النعيم.

 

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ رحمه ربه وأكرمه بالرسالة، وجعله رحمة للناس أجمعين ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وملأ قلبه بالرحمة فكان رحيمًا بأمته، مشفقًا عليها، يدلها على أسباب رحمة الله تعالى ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الفتح: 29]، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ فإن التقوى سبب لرحمة الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28]، وقال سبحانه: ﴿ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات:10].

أيها الإخوة المؤمنون: من أسماء الرب جلَّ جلاله، وتقدست أسماؤه: الرحمن والرحيم، ومن صفاته العلى جل في علاه: الرحمة، وهي رحمة عامة شاملة، شملت جميع خلقه.

 

واسم الرحمن: دال على صفة ذاتية، واسم الرحيم: دال على صفة فعلية.

 

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن الرحمنَ دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دالٌ على أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله: ﴿ وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]، ﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 117]، ولم يجئ قط (رحمن بهم) فعلم أن رحمن هو الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته"[1].

 

وقد جاء اسم الرحمن في القرآن في سبعة وخمسين موضعًا، وجاء اسم الرحيم في مائة وأربعة عشر موضعًا[2].

 

وهذا يؤكد اتصاف ربنا جلَّ جلاله بالرحمة، وأنه رحيم بخلقه؛ إذ كُرِّر ذلك في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى. 

وصفة الرحمة لله تعالى هي صفة كمال لائقة بذاته كسائر صفاته العلى، وليست كرحمة المخلوقين التي يعتريها النقص والعجز والضعف؛ بسبب نقصهم وعجزهم وضعفهم، والله تعالى له الكمال المطلق؛ فكانت له الرحمة الكاملة التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه.

 

إنها رحمة رَحِمَ بها عباده من ملائكة وإنس وجن وحيوان، ورحم بها جميع مخلوقاته، وإذا كان ما في الوجود من آثار التدبير والتصريف الإلهي شاهدًا بملكه سبحانه؛ فإن ما لله تعالى على خلقه من الإحسان والإنعام شاهدٌ برحمةٍ تامةٍ وسعت كل شيء.

 

وآثار رحمته العامة والخاصَّة باديةٌ للعيان، ظاهرةٌ للعقلاء، أدركتها العقول، واستقرت في الفِطَر، وشاهدها الخلق.

 

فبرحمته جلَّ في علاه أوجد خلقه من العدم، ورباهم بالنعم، ودبرهم أحسن تدبير، وصرفهم أجمل تصريف.

وبرحمته تعالى أرسل إلينا رسله، وأنزل علينا كتبه، وهدانا من الضلالة، وبصَّرنا من العمى، وأرشدنا من الغي، ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].

 

وبرحمته تبارك وتعالى عرّفنا من أسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وأفعاله الحكيمة ما عرفنا به أنه ربنا ومولانا ومعبودنا، وعلَّمنا ما لم نكن نعلم، وأرشدنا لمصالح ديننا ودنيانا ﴿ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5]، ﴿ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113]، ﴿ فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 239].

 

وبرحمته تعالى خلق الشمس والقمر والأنجم، وجعل الليل والنهار، وبسط الأرض وجعلها مهادًا وفراشًا وقرارًا وكفاتًا للأحياء والأموات ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 61 - 62]. 

وبرحمته ينشئ السحاب، وينزل الغيث، +ويُحْيي الأرض بعد موتها، ويخرج للأحياء من شجرها وخضرتها وثمارها، وسائر أرزاقها ما يأكلون وما يقتاتون، وسخر لهم ما في الأرض مما ينفعهم وينفع دوابهم، وسخر لهم ما يحملهم في البر والبحر والجو ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الرُّوم: 50]، ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾[الجاثية: 13]، ﴿ وَالخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 8]، ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي البَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ ﴾ [إبراهيم: 32]، ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الوَلِيُّ الحَمِيدُ ﴾ [الشُّورى: 28].

 

ومن رحمته جلَّ جلاله أنه أحوجَ الخلقَ بعضَهم إلى بعض لتتم مصالحهم، ولو أغنى بعضهم عن بعض لتعطلت مصالحهم، وانحل نظامهم، وكان من تمام رحمته بهم أن جعلَ فيهم الغني والفقير، والعزيز والذليل، والعاجز والقادر، والراعي والمرعي، ثم أفقر الجميع إليه، ثم عمَّ الجميع برحمته[3].

 

﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزُّخرف: 32].

وبرحمته جلَّ في علاه وضع الرحمة بين عباده ليتراحموا بها، وكذلك بين سائر أنواع الحيوان، فهذا التراحم الذي بينهم بعض آثار الرحمة التي هي صفته ونعمته، واشتقَّ لنفسه منها اسم (الرحمن الرحيم) وبهذه الرحمة قوام العالم ونظامه.

 

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله خلق الرحمة يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السموات والأرض)) وفي رواية: ((فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمةً، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة)) وفي رواية: ((إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحشُ على ولدها - وفي رواية: حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه - وأخَّر الله تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة))؛ رواه الشيخان[4].

إن أوسع المخلوقات شيئًا عرش الرحمن الرحيم، وأوسعَ الصفاتِ رحمته؛ فاستوى على عرشه الذي وسع كل المخلوقات بصفة رحمته التي وسعت كل شيء، ولما استوى على عرشه باسم (الرحمن) الذي اشتقه من صفة الرحمة، وتسمى به دون خلقه، كتب بمقتضاه على نفسه يوم استوائه على عرشه حين قضى الخلق كتابًا فهو عنده، وضعه على عرشه أن رحمته سبقت غضبه، وكان هذا الكتابُ العظيمُ الشأنِ كالعهدِ منه سبحانه للخليقة كلها بالرحمة لهم، والعفو عنهم، والمغفرة والتجاوزِ والستر والإمهال والحِلم والأناة؛ فكان قيام العالم كله في السماء والأرض بمضمون هذا الكتاب، الذي لولاه لكان للخلق شأن آخر[5].وقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لما خلق الله الخلق كتب كتابه: إن رحمتي تغلب غضبي))، وفي رواية: ((إن رحمتي سبقت غضبي))[6].

 

وهذا موافق لقوله سبحانه: ﴿ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 12]، وهو جلَّ ذكره يكتب على نفسه ما شاء؛ لأنه لا آمر له ولا ناهي يوجب عليه ما يطالبه به، ولكنه سبحانه إذا وعد عباده وعدًا أنجزه ﴿ وَعْدَ الله لَا يُخْلِفُ اللهُ المِيعَادَ ﴾ [الزُّمر: 20]، ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله ﴾ [التوبة: 111]. 

ومن رحمته تعالى أنه يُعيذ من سخطه برضاه، ومن عقوبته بعفوه، ومن نفسه بنفسه.

 

وخَلْقُ الجنة وما فيها من النعيم المقيم ما هو إلا رحمةٌ منه سبحانه بعباده المؤمنين، فبرحمته خلقت، وبرحمته عمرت بأهلها، وبرحمته وصلوا إليها، وبرحمته طاب عيشهم فيها.

 

روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أحد يُدخله عمله الجنة)). فقيل: "ولا أنت يا رسول الله"؟! قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني ربي برحمة)) وفي رواية: ((إلا أن يتغمدني ربي برحمة منه وفضل))[7].

 

ومن رحمته تعالى أنه ما عذَّب العصاة من عباده إلا بعد أن ابتلاهم، وبيَّن لهم طريق الحقّ فرفضوه، ودلَّهم على الخير فما قبلوه، ولو شاء سبحانه لعذَّبهم بلا ابتلاء ولا اختبار، ولو فعل لكان ذلك عدلاً منه؛ لأنه خلقهم ويتصرف فيهم كيف شاء، ولكن رحمته - التي وسعت كل شيء - اقتضت أن يُعْذِرَ إليهم، ويقيمَ الحجة عليهم قبل أن يعذبهم ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء: 165].

وآثار رحمة الله تعالى على خلقه ليس يحدها الحد، ولا يحصيها العد؛ ففي كل شأن من شؤون الخلق تجد آثارًا لرحمة أرحم الراحمين بهم.

 

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وتأمل قوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ القُرْآَنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ ﴾ [الرَّحمن: 1 - 4].

 

كيف جعل الخلق والتعليم ناشئًا عن صفة الرحمة، متعلقًا باسم الرحمن، وجعل معاني السورة مرتبطةً بهذا الاسم، وختمها بقوله: ﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ ﴾ [الرَّحمن: 78]، فالاسم الذي تبارك هو الذي افتتح به السورة، وهو اسم "الرحمن" إذ مجئ البركة كلها منه، وبه وضعت البركةُ في كل مبارك... إلى أن قال رحمه الله: وإذا أراد الله بأهلِ الأرض خيرًا نشر عليهم أثرًا من آثار اسمه الرحمن، فعمر به البلاد وأحيا به العباد، وإذا أراد بهم شرًّا أمسك عنهم ذلك الأثر، فحلَّ بهم من البلاء بحسب ما أمسك عنهم من آثار اسمه الرحمن... وأنت لو تأملت العالم بعين البصيرة لرأيته ممتلئًا بهذه الرحمة الواحدة، التي أنزلها إلى الأرض كامتلاء البحر بمائه، والجو بهوائه، فسبحان أحكمِ الحاكمين وأرحم الراحمين"[8]!!

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحشر: 22].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله تعالى بفعل ما أمر، واجتنبوا الفواحش ما بطن منها وما ظهر، واعلموا أن الله شديد العقاب، وأنه غفور رحيم.

 

أيها المؤمنون: من آثارِ رحمة الله تعالى بعباده أن فتح للعصاة منهم أبواب التوبة، فمهما أسرفوا على أنفسهم في الذنوب، ومهما ارتكبوا من الشرك والكفر والعصيان فإنهم إذا تابوا وصدقوا مع الله تعالى قَبِل اللهُ توبتهم، وزكى أعمالهم، وعفا عن ماضيهم ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزُّمر: 53].

 

وروى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد))[9]. 

وأحظى الناس برحمة الله تعالى أهل طاعته، الذين آمنوا به، وصدقوا رسله، والتزموا شريعته، وجانبوا المعاصي والمحرمات. وإذا تسلط عليهم الشيطان فاستزلهم، وزين لهم المعصية؛ فوقعوا فيها، سرعان ما يرجعون ويتوبون ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156]، ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 135 - 136].

 

وأبعد الناس عن رحمة الله تعالى مَن عبدوا غيره، وخضعوا لسواه، وقدموا أهواءهم على شريعته، وارتكبوا مناهيه، وخالفوا أوامره..

 

وبقدر قرب العبد من الله تعالى محبةً، وخوفًا، ورجاءً، وإنابة، والتزامًا بفرائضه يكون قربه من نيل رحمة الله تعالى وعفوه. وتبعدُ رحمة الله تعالى عن العبد بقدرِ ابتعاده عن شريعته. 

فحذارِ أن تغرَّ العبدَ نفسُه فيتَّكل على رحمة الله تعالى بلا عمل صالح، فكما أنه سبحانه غفور رحيم فهو كذلك شديد العقاب، وسريع العقاب، وعزيز ذو انتقام، وبطشه شديد، وأخذه أليم ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴾ [هود: 102 - 103].

 

أيها الإخوة: ما أحوج المسلمين في هذا العصر إلى النظر بعين الاعتبار واليقين إلى رحمة أرحم الراحمين؛ حيث تكالب الأعداء على دينهم، وأحاطت بهم المشكلات من كل جوانبهم، وعمت الأزمات بلدانهم، وزين لهم شياطين الجن والإنس من قوى ظالمة، ومنافقين موت-ورين أنه لا مخرج من هذه الأزمات والمشكلات إلا بتبديل دينهم، وتغيير شريعتهم، واستبدالها بما يرضي الكافرين والمنافقين، وهذا والله هو الابتلاءُ للمؤمنين الصادقين، وهو الفتنة لضعفاء الإيمان واليقين. 

فإن ثبت المؤمنون على دينهم، ورفضوا تبديل شريعتهم، وتحملوا تبعات ذلك فإنهم قد أحسنوا، ورحمةُ الله تعالى قريب من المحسنين. ومن تزعزع منهم، وتفلت من دينه، وتنازل عن شريعة ربه؛ فإنه يضر نفسه ولا يضر الله شيئًا، وكيف يطلب رحمة الله تعالى من غيَّر دينه، وترك شريعته؟!

 

ومن رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أنه يثبتهم في الابتلاءات، ويربط على قلوبهم، ويقوي نفوسهم. وكلما زاد الظالمون في ابتلائهم ومحاولة فتنتهم لَ-حَظَ المؤمنون رحمة الله تعالى فطمعوا فيها، فثبتوا وتحملوا ألوان الأذى والعذاب؛ كما ثبت سحرة فرعون على إيمانهم لما هددهم فرعون بقوله: ﴿ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 71 - 73]. 

لقد ذهبوا وذهب فرعون وجنده، وبقي ثباتهم على الحق مكتوبًا في صحائفهم؛ ليكون سببًا لرحمة الله تعالى لهم في قبورهم وفي آخرتهم، وما نفع فرعونَ كفرُه وعلوُّه وجبروته؛ بل كان سببًا في بعده عن رحمة أرحم الراحمين، فغضب الله عليه، وعذبه في قبره قبل نشره، ولعذاب الآخرة أخزى ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ ﴾ [غافر: 46].

 

ألا وصلُّوا وسلموا على خير خلق الله كما أمركم بذلك ربكم.

 


[1] "بدائع الفوائد" (1/ 28)، وشرح نونية ابن القيم (1/ 14) وأيضاً (2/ 37).

[2] انظر: "النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى" لمحمد النجدي (1/ 77).

[3] انظر: "مختصر الصواعق المرسلة" (2/ 303 - 304).

[4] أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه البخاري في التوحيد باب: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ﴾ [آل عمران: 28]. (7404)، ومسلم في التوبة باب: سعة رحمة الله تعالى وأنها تغلب غضبه (2715 - 2725)، وأخرجه من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه مسلم (2735)، وهذه الروايات كلها لمسلم.

[5] "مختصر الصواعق المرسلة" (2/ 303 - 304).

[6] نفس الحديث المخرج في هامش (4) بلفظ آخر.

[7] أخرجه البخاري في المرضى باب: تمني المريض الموت (5673)، ومسلم في صفات المنافقين باب: لن يدخل أحد الجنة بعمله؛ بل برحمة الله تعالى (2816)، والرواية الأولى لمسلم، والثانية للبخاري.

[8] "مختصر الصواعق المرسلة" (2/ 304 - 305).

[9] أخرجه البخاري في الرقائق باب الرجاء مع الخوف (6469)، ومسلم في التوبة باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها تغلب غضبه (2755)، واللفظ لمسلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأمراض
  • ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء
  • فارسة الليل
  • سعة رحمة الله تعالى بعباده
  • دموع القلب
  • كتب على نفسه الرحمة
  • لا يأس من رحمة الله
  • رحمة الله
  • حاكمية الله في قلب المؤمن
  • رحمة
  • لا يأس من رحمة الله
  • رحمة الله للرحماء
  • سعة رحمة الله بعباده
  • ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها
  • رحمة الله في الكون
  • رحمة الله بالإنسان
  • لا راد لرحمة الله أبدا (خطبة)
  • الله تعالى لا يظلم عباده
  • رحمة الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم
  • ترى من يستحق رحمة الله؟!
  • خطبة عن رحمة الله
  • رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين
  • مظاهر وأسباب رحمة الله تعالى (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • دموع الرحمة على الشيخ غلام الله رحمتي 1355-1442هـ 1937-2021م(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صبيب الرحمة في مآثر المحدث المسند الشيخ غلام الله رحمتي، رحمه الله تعالى 1358-1442(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الرحمة في سيرة المصطفى ورحمته بأمته(كتاب - ملفات خاصة)
  • الرحمة المهداة: مظاهر الرحمة بالبشر في شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • خاطرة: بين رحمة الكهف وكهف الرحمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الثغر الباسم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: الرحمة العمرية (5)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خلق الرحمة عند نبينا محمد صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن الرحمة(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- عن رحمة الله تعالى
ريان - الأردن 10-02-2016 07:47 PM

رائع جدا ما شاء الله

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب