• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ما انتقد على «الصحيحين» ورجالهما، لا يقدح فيهما، ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    على ضفاف عاشوراء {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه} ...
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    وما ظهر غنى؟
    السيد مراد سلامة
  •  
    سؤال وجواب في أحكام الصلاة
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    خطبة: يكفي إهمالا يا أبي
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    خطبة: فتنة التكاثر
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    تحريم الاستغاثة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم
    د. وفا علي وفا علي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { ودت طائفة من أهل ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    إطعام الطعام من أفضل الأعمال
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    { لا تكونوا كالذين كفروا.. }
    د. خالد النجار
  •  
    دعاء من القرآن الكريم
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    تخريج حديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    أخلاق وفضائل أخرى في الدعوة القرآنية
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    مراتب المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم فيها
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / إدارة واقتصاد
علامة باركود

الفلسفة الاقتصادية للتسخير في منظور الاقتصاد الإسلامي

الفلسفة الاقتصادية للتسخير في منظور الاقتصاد الإسلامي
د. عبدالله محمد قادر جبرائيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/5/2025 ميلادي - 1/12/1446 هجري

الزيارات: 401

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الفلسفة الاقتصادية للتسخير في منظور الاقتصاد الإسلامي


التسخير لغةً هو القهر والتذليل والتسهيل، ويدل على ما يذِلُّ وينقاد ويتهيأ للإنسان، وهذا المعنى يتطابق مع مفهومه المصطلح عليه في الفكر الإسلامي، المتضمن أن الكون بكل ما فيه من ثروات ومواد مهيَّأة للانتفاع منها؛ لأن الله تعالى قد ذلَّل الكون وهيأه، وجعله ذا قابلية للانتفاع منها من قِبل الإنسان بمجرد إدراك قوانينه، ومعرفة قواعده التي تحكم ظواهره المختلفة، ثم توظيفها في خدمة الإنسانية، والانتفاع منها في التوصل إلى الرفاهية العامة، فخيرات الكون غير متناهية حسب المنظور الإسلامي، ويكفي أن يبحث الإنسان عنها، ويستكشف وجودها، لتصير نافعة له في حاجاته المتنوعة وفي معاشه[1].

 

ولا شكَّ أن عملية التسخير تأتي بعد الاستخلاف؛ لأن الله تعالى عندما جعل الإنسان خليفةً على الأرض، وطلب منهم عمارة الأرض؛ بقوله تعالى: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]، فإن الله تعالى سخر كافة ما في السماوات والأرض للإنسان لكي يستغلها ويستثمرها، ويعمر الأرض من خلالها، ويحقق خلافته على الأرض بشكل صحيح وإيجابي، وأصبح الوجود بكل ما فيه من طاقات وإمكانيات متاحة مهيأة للانتفاع منها من قِبل الإنسان[2]، وعند الاستخلاف ثم التسخير ألزمهم أن يتبعوا هُداه، وأن يطيعوا أوامره ونواهيه؛ لأنهما رتَّبا للبشر حقوقًا معينة ومن ثَم واجبات معينة عليهم، وأكد جميع الفقهاء أن كل شيء في الوجود هو ملك لله تعالى، حتى الإنسان وما يمتلكه هو ملك له أيضًا، والإنسان يكون حائزًا للمال فقط[3]، وقد استخلفه عليه للانتفاع منه لأجل إشباع حاجاته الخاصة والعامة، بشرط عدم الإضرار بمصالح الجماعة[4]، فالملكية – إذًا - لا تعدو أن تكون منحة إلهية، وليست حقًّا للإنسان، وهي أمانة واستخلاف يمارسها المالك بوصفه مستخلفًا أو نائبًا على مال الله، وفق ما أمر به الشرع[5]، وفي إسناد التشريع الإسلامي الملكيةَ لله ثم تسخيرها للإنسان بعد استخلافه عليها، ما يؤكد عدم الاقتصار على المصالح الفردية فقط، بل وجوب تحقيق المصالح الاجتماعية منها أيضًا؛ حيث خلق الله تعالى الأموال لخدمة ومنفعة الإنسانية جميعًا، بدون التفاضل والتفاوت فيما بينهم، وبنظرة متساوية للجميع، ثم استخلفهم وفق هذا المنظور، والاستخلاف على مال الله تعالى يعني إكرام الناس وفقًا لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70]، بل اعتبر الإنسان بذلك أكرمَ ما في الوجود، ولذلك اختاره خليفةً له في الأرض، وسخر له كل موجودات الكون من أرضه وسمائه ونجومه، وشمسه وقمره، وبحاره وأنهاره؛ ليتمكن من العيش على هذه الأرض بعزٍّ وكرامة[6]، ويتصرف على النحو الذي لا يُهدر فيه مصالح الجماعة، التي هي في مقدمة مقاصد الشارع من شرعه[7]، ومن المعلوم أن هذه المقاصد تتضمن حفظ الدين والعقل والنفس والنسل والمال، وتسخير الله الأموال للإنسان إنما هو لأجل تحقيق هذه المصالح، وهو ما يعني تحقيق مصالح الإنسان، ودرء الأضرار عنه، وتيسير الحياة عليه[8].

 

ومن الأدلة القرآنية على التسخير قول الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20].

 

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ [إبراهيم: 32، 33].

 

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [النحل: 12].

 

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ﴾ [الحج: 65].

 

﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [فاطر: 13].

 

﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 12، 13].

 

من هذه الآيات في القرآن الكريم يتبين لنا أن الله عز وجل لم يقتصر في تسخيره للإنسان على كل ما في السماوات والأرض فحسب، بل سخر له القوانين الكونية أيضًا؛ حتى يستغلها ثم يستثمرها باستمرار لأجل بناء حضارة إنسانية متطورة وقوية، تنعم البشرية تحتها بالرخاء والرفاهية والعيش الرغيد، ومن ثَم شكر الله على هذه النِّعم والآلاء اللامتناهية، وهذا يعني أن الثروات والأموال مهما كان شكلها، إنما هي ملك لله وهو الذي منحها للإنسان، وأعطاه حق التصرف فيها، وجعله مسؤولًا عن نتائجها، وأوجب عليه إخضاع جميع تصرفاته لأحكامه وأوامره ونواهيه؛ ويطبق ما ورد في هذه الآية الكريمة: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77]، وهذه الآية تبين الفلسفة الاقتصادية للملكية بكل ما فيها من الاستخلاف والتسخير، وطلب الإعمار من الإنسان، وتبين الأحكام الآتية[9]:

1- إن ثروات وأموال الإنسان عطاء ومنحة من الله تعالى للإنسانية بنظرة متساوية، لا تفضيلَ فيها لأحد على أحد.

 

2- عدم الإعراض عن الدنيا من أجل الآخرة عند التصرفات المالية المختلفة، وذلك بإيجاد التوازن بين هدفَيِ الدنيا والآخرة من قِبل الفرد المسلم.

 

3- الإحسان بهذه الثروات تجاه أفراد المجتمع بجميع أوجهها من هِبة وهدية، وصدقات واجبة وتطوعية، وفتح مشاريع اقتصادية متنوعة خيرية وغيرها، وتفعيل النشاطات الاقتصادية من خلالها.

 

4- تجنب استخدام هذه الأموال في المجالات التي تخلق الفساد والإفساد في الأرض؛ لأن شريعة الله تعني إعمار الأرض وتطويرها، وليس إفسادها وتخريبها.

 

والفلسفة الاقتصادية للتسخير تؤكد شيئًا آخر هو أن وضع الفرد تجاه المال، إنما هو وضع الخازن أو النائب أو الوكيل، وليس وضع المالك المطلق[10]، وأن الفرد فيها موظف قائم بعمل الوكيل أو النائب عن الجماعة في تصرفاته الاقتصادية المختلفة بأمواله، التي هي بالأصل مال الجماعة[11]، وعمله هذا يعني أن على الفرد أن يحقق هدفين؛ هما:

1- وجوب استثمار أمواله وعدم حبسها عن النشاطات الاقتصادية نيابة عن الجماعة.

 

2- إنفاق أمواله لصالح الجماعة المسلمة وسد حاجاتها؛ وذلك وفقًا للآية الكريمة: ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الحديد: 7].

 

إذًا فمفهوم الخلافة الذي أشرنا إليه يعتمد على قانون آخر هو قانون التسخير؛ الذي يعبر عن حكمة إلهية لجعل موجودات الكون كافة تحت سيطرة الإنسان؛ لكي يستغلها ويستثمرها وفق التعليمات والتوجيهات الإلهية، لكي يجعل العبودية لله وحده، وتصبح الإنسانية سواسية كأسنان المشط، ويسقط من خلالها كل طواغيت الاستغلال من حكَّام وأموال، وقوانين واقتصاد وغيرها، وليثبت بأن عصب الحياة المادية هو بالأصل ملك حقيقي لله تبارك وتعالى، وأن الأموال كلها لله وحده، وهو المالك الحقيقي، والناس خلفاؤه في الأرض، وأمناؤه عليها وعلى ما فيها من أموال وثروات، تلك الخلافة التي تتطلب:

1- شكر نِعم الله وعدم كفرانه؛ بقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [فاطر: 39]، وقول الله عز وجل: ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34].

 

2- الإنفاق من أموالهم وعدم البخل بها لاكتساب أمر عظيم عند الله تعالى؛ بقوله تعالى: ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الحديد: 7].

 

3- وهذا يعني أن المستخلف (الإنسان) خاضع لمراقبة الله، ومسؤول أمامه في كل تصرفاته؛ بقول الله تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [يونس: 14].

 

4- اغتنام الفرصة من قِبل الإنسانية للاستفادة من المنح الإلهية المختلفة؛ للنجاح في الامتحان الرباني؛ حيث إن هباته ومعطياته للبشرية هي للابتلاء؛ بقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 165]، وجعل هذه الموهوبات غير متساوية عند الاكتساب، والدخول إلى النشاطات الاقتصادية؛ أي جعل الأخذ والاستفادة من الأموال والثروات حسب قاعدة: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴾ [النجم: 39، 40]؛ أي إن الفلسفة الاقتصادية للتسخير في هذا الجانب لها منظوران؛ هما:

أ- المنظور المتساوي لجميع أفراد الأمة؛ بقوله تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ [الحديد: 7]، وللبشرية جمعاء بقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ ﴾ [الأنعام: 165]، فهذه الآيات توجه الخطاب للبشرية بشكل متساوٍ باعتبارهم جميعًا خلفاءه في الأرض، بدون التفاوت أو التمييز فيما بينهم، وأن البشرية هم بمنزلة النوَّاب والوكلاء؛ لذا يتوجب عليهم الالتزام بأوامر الله بدون استثناء.

 

ب- المنظور غير المتساوي، وهو يأتي بعد توزيع الدخل القومي عند دخول العناصر الإنتاجية المختلفة إلى العمليات الإنتاجية، وتبذل جهودها في إنتاج السلع والخدمات المختلفة وفقًا للضوابط الشرعية المختلفة، وهذا يعني أن الفلسفة الاقتصادية للتسخير تثبت العدل الإلهي في العالمين، باعتبار أن الجميع متساوون في الانتفاع من أملاك الله تعالى، ومن ثَمَّ يتوجب أن يكونوا متساوين أمام القوانين الاقتصادية وغيرها في الدولة واقتصادها الإسلامي، أما عند دخولهم إلى النشاطات الاقتصادية المختلفة، فإن التفاضل يبدأ فيما بينهم على وفق ما يقدمونه من عمل، وما يبذلونه من جهد للمجتمع والدولة الإسلامية.

 

إذًا فمبدأ الاستخلاف يرتبط بمبدأ آخر هو مبدأ التسخير[12]، وهذا التسخير يعني أن الله لم يخلق الكون والإنسان عبثًا؛ بدليل قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الدخان: 38، 39]، وقوله: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، وقوله عزوجل: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191]، بل خلقهم لتحقيق غرضين أساسيين؛ هي:

1- العبادة: بدليل قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

 

2- إعلاء شأن العقل والتفكير والبحث؛ لأجل استثمار واستغلال موارد الأرض، ومجالاته المختلفة لصالح البشرية، ولنَيل خيري الدنيا والآخرة؛ بدليل قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]، وقوله عز وجل: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 13]، وقوله تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [النحل: 12]، وقوله عز وجل: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54].

 

إن هذين الهدفين يُشكلان جوهر مبدأ التسخير الذي يشكل مع مبدأ الاستخلاف مجملَ الأسس المبدئية للاقتصاد الإسلامي[13]، وهما اللذان تميزانه عن الأنظمة الاقتصادية الوضعية؛ ذلك أن أنماط الملكية في هذه الأنظمة تعتمد على العلاقات الاجتماعية السائدة تدعمها علاقات حقوقية، يجسدها القانون الوضعي النابع من طبيعة هذه العلاقات[14]،بينما تستمد أنماط الملكية في الاقتصاد الإسلامي وجودها وكيانها من فلسفة الاستخلاف والتسخير اللذين يبينان علاقة الإنسان برب العالمين، من خلال تسخير ما في السماوات والأرض للإنسان، الذي جعله خليفته على الأرض، للانتفاع من ثرواتها ومواردها المختلفة بتفويض منه[15]، باعتباره المالك الأصيل، وذلك ضمن الضوابط المختلفة للشريعة الإسلامية.

 

وهكذا عندما ننظر إلى الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف من خلال الفلسفة الاقتصادية للتسخير، نجد أنفسنا بإزاء منهج فكري تفرد به الإسلام عن كل المناهج الفكرية الوضعية قديمِها وحديثها؛ حيث يتميز الفكر الاقتصادي الإسلامي بالتفاؤل والآفاق المفتوحة والإيجابية في هذا الجانب، في الوقت الذي يتميز الفكر الاقتصادي الغربي بالتشاؤم إزاء منظورهم للموارد الاقتصادية والحاجات الإنسانية المتطورة، مما يعطي التفوق الفكري للاقتصاد الإسلامي على الاقتصادات الوضعية؛ حيث تعد هذه النظرة التفاؤلية عبر الفلسفتين المذكورتين حافزًا قويًّا على التحضر والاختراع، والسعي في استخراج الخيرات المتعددة الكامنة في الطبيعة بثقة عالية، لا يعرف العبث، ولا ينبئ بمشاهدَ مأساوية منتظرة ممثَّلة في مجاعة ممكنة للعالم[16] أو غيرها، وهكذا فإن ما يسعى إليه الاستخلاف من خلال التسخير، واعتبار كل ما في الكون مذللًا ومسخرًا للإنسان ومادة لنشاطه، المقصود منه هو استغلال موارده واستثماره؛ لأن ثروات الكون وموارده تتلاشى قيمتها إذا لم يقم الإنسان باستغلالها بالشكل الصحيح؛ لأن الظواهر الطبيعية لن تتحول إلى موارد اقتصادية نافعة بدون قيام الإنسان باستغلالها استغلالًا أمثلَ، ومن هنا تكون الموارد الاقتصادية غير اقتصادية ليس بحسب نوعها فقط، وإنما تبعًا لاقتصادية استغلالها[17]، إذا لم تُستغل بالشكل الشرعي المطلوب.

 


[1] د. عبداللطيف هميم، نظرية الاستخلاف في الفكر الإسلامي وأثرها في بناء الشخصية دراسة مقارنة، مطبعة النواعير، رمادي، عراق، ط1، 1411هـ/ 1990م، ص14.

[2] عبدالجبار أحمد عبيد السبهاني، الاستخلاف والتركيب الاجتماعي في الإسلام، رسالة ماجستير (غير منشورة)، جامعة بغداد، 1985، ص39.

[3] منذر عبدالحسين الفضل، الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة في الشريعة الإسلامية والقانون العراقي، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1977، ص69، 70.

[4] محمد أبو زهرة، التكافل الاجتماعي في الإسلام، الدار القومية للطباعة والنشر، 1964، ص9.

[5] منذر عبدالحسين الفضل، المصدر السابق، ص69، 70.

[6] د. محمود محمد بابللي، الاقتصاد في ضوء الشريعة الإسلامية، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1، 1975، ص66.

[7] نفس المصدر، ص70.

[8] د. أنور مصباح سوبره، شركات استثمار الأموال من منظور إسلامي، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت – لبنان، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص21.

[9] د. محمد عبدالمنعم الجمال، موسوعة الاقتصاد الإسلامي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط2، 1406هـ/1986، ص186.

[10] البهي الخولي، الاشتراكية في المجتمع الإسلامي بين النظرية والتطبيق، مطبعة الاستقلال الكبرى، بغداد، بدون تأريخ، ص116.

[11] نفس المصدر، ص124، 125.

[12] جاسم محمد شهاب البجاري، دراسات في الفكر الاقتصادي العربي الإسلامي، شركة مطبعة الجمهور، موصل، 1990، ص29.

[13] جاسم محمد شهاب البجاري، المصدر السابق، ص30.

[14] نفس المصدر، ص30.

[15] د. فاضل عباس الحسب، في الفكر الاقتصادي الإسلامي، عالم المعرفة – بيروت، 1401هـ/ 1981م، ص28، 29.

[16] د. عبداللطيف هميم، المصدر السابق، ص25.

[17] نفس المصدر، ص25.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عناصر الإنتاج ومدخولاتها (مكافآتها) في الاقتصاد الإسلامي
  • دور الزكاة في تحقيق التنمية والانتعاش الاقتصاديين للبلدان الإسلامية
  • إنشاء مؤسسات زكوية للقضاء على الفقر والمسكنة والعوز في البلدان الإسلامية
  • تقييم تعريفات الاقتصاد عند الاقتصاديين الوضعيين بمنظور الاقتصاد الإسلامي
  • الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد الإسلامي
  • الفلسفة الاقتصادية لملكية الإنسان في منظور الاقتصاد الإسلامي

مختارات من الشبكة

  • اقتصاد التقاعد في منظور الاقتصاد الإسلامي (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • (البطالة - العمالة - العمارة) من منظور الاقتصاد الإسلامي (WORD)(كتاب - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • البطالة - العمالة - العمارة من منظور الاقتصاد الإسلامي(كتاب - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • البطالة والعمالة والعمارة من منظور الاقتصاد الإسلامي(كتاب - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • دور الاقتصاد الإسلامي في تعزيز نظم الاقتصاد العالمية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • قراءات اقتصادية (41) الاقتصاد من منظور الفهم السليم(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • إيطاليا: منتدى عن الاقتصاد من منظور إسلامي في تورينو(مقالة - المسلمون في العالم)
  • حقائق الاقتصاد في الإسلام من منظور محايد!!(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • قراءات اقتصادية (1) فيلسوف الاقتصاد: الاقتصاد والحياة اليومية(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • أنواع الاقتصاد حول العالم ومعايير تصنيفها(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/1/1447هـ - الساعة: 10:1
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب