• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تساؤلات وإجابات حول السنة
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأيام المعلومات وذكر الله (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    من تجاوز عن المعسر تجاوز الله عنه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الدرس التاسع عشر: الشرك (2)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحذر من استبدال الأدنى بالذي هو خير
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    خطبة: اغتنام عشر ذي الحجة خير الأيام
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    إعلام النبلاء بفضل العلم والعلماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تفسير: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    التحذير من الإسراف والتبذير
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    استحباب أخذ يد الصاحب عند التعليم والكلام والمشي
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    مفهوم الخصائص لغة واصطلاحا وبيان أقسامها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    خطبة: عشر ذي الحجة فضائل وأعمال
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية ...
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أحكام القذف - دراسة فقهية - (WORD)
    شهد بنت علي بن صالح الذييب
  •  
    إلهام الله لعباده بألفاظ الدعاء والتوبة
    خالد محمد شيت الحيالي
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

ضرب الأمثال بالغيث (1) كصيب من السماء

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/11/2016 ميلادي - 29/2/1438 هجري

الزيارات: 12676

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ضرب الأمثال بالغيث (1)

﴿ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [البقرة: 19].

 

الْحَمْدُ لِلهِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ، الرَّؤُوفِ الرَّحِيمِ؛ مُبْتَدِي النِّعَمِ وَمُتَمِّمِهَا، وَدَافِعِ الْبَلَايَا وَرَافِعِهَا، وَمُغْدِقِ الْخَيْرَاتِ وَمُتَابِعِهَا ﴿ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [البقرة: 212]، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَى وَاجْتَبَى، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا مَنَعَ وَمَا أَعْطَى، وَمَا عَافَى وَمَا ابْتَلَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا يُقَدِّرُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ؛ فَإِنْ أَصَابَتْهُمْ سَرَّاءُ شَكَرُوا فَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ، وَإِنْ أَصَابَتْهُمْ ضَرَّاءُ صَبَرُوا فَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِمْ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ إِذَا «تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ» يَرْجُو رَحْمَةَ اللهِ تَعَالَى فِي الْغَيْثِ الْمُبَارَكِ، وَيَخْشَى عَذَابَهُ فِي الرِّيحِ الْحَاصِبِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْمَدُوهُ إِذْ هَدَاكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ وَسَقَاكُمْ؛ فَإِنَّ الْغَيْثَ الْمُبَارَكَ مِنْ آثَارِ رَحْمَتِهِ، وَمِنْ عَظَائِمِ مِنَّتِهِ وَنِعْمَتِهِ ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة: 68 - 70].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: تَبْتَهِجُ النُّفُوسُ بِالْغَيْثِ الْمُبَارَكِ، وَلَا تَحِيدُ الْأَبْصَارُ عَنْ مَوَاقِعِ قَطْرِهِ، وَتَمْتَلِئُ الصُّدُورُ بِرِيحِ طَلِّهِ؛ فَيَبْهَجُ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، وَيَفْرَحُ بِهِ أَهْلُ الزَّرْعِ وَالْضَرْعِ كَمَا يَفْرَحُ بِهِ مَنْ لَا زَرْعَ لَهُ وَلَا ضَرْعَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى، وَقَدْ جُبِلَتِ النُّفُوسُ عَلَى الْفَرَحِ بِرَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ.

 

وَإِذَا كَانَ الْغَيْثُ الْمُبَارَكُ حَيَاةَ الْأَرْضِ؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ وَالْقُرْآنَ حَيَاةُ الْقَلْبِ، وَقَدْ ضَرَبَ اللهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مَثَلَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ أَحَدُهُمَا نَارِيٌّ وَالْآخَرُ مَائِيٌّ لِمَنْ لَا يَأْبَهُ بِالْإِيمَانِ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِالْقُرْآنِ، وَيَغْرَقُ فِي النِّفَاقِ.

 

وَحِينَ نَرَى أَثَرَ الْغَيْثِ الْمُبَارَكِ فِي الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهَا نَجِدُهُ يُحِيلُ غَبْرَاءَهَا إِلَى خَضْرَاءَ، وَيَبْعَثُ الْحَيَاةَ فِيهَا، فَتَدِبُّ الْحَيَاةُ فِيهَا بَعْدَ هُمُودِهَا ﴿ وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5] حِينَ نَرَى ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ فَيَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْقُرْآنَ يَعْمَلَانِ فِي حَيَاةِ الْقُلُوبِ وَرَبِيعِهَا أَشَدَّ مِمَّا يَعْمَلُهُ الْغَيْثُ الْمُبَارَكُ فِي الْأَرْضِ. وَعَلَى قَدْرِ مَا فِي الْقَلْبِ مِنْ مَاءِ الْإِيمَانِ يَحْيَا بِأَجْزَاءِ الْإِيمَانِ وَمُفْرَدَاتِهِ، كَمَا يَحْيَا بِآيَاتِ الْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ، وَلَا يَنْتَفِعُ الْمُعْرِضُ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ بِذَلِكَ، سَوَاءً كَانَ إِعْرَاضُهُ لِجُحُودٍ أَوْ شَكٍّ أَوْ مَرَضٍ حَجَبَ قَلْبَهُ عَنِ الِانْتِفَاعِ بِأَجْزَاءِ الْإِيمَانِ، وَآيِ الْقُرْآنِ كَمَا لَا تَنْتَفِعُ السِّبَاخُ مِنَ الْأَرْضِ بِالْغَيْثِ الْمُبَارَكِ.

 

وَالْمَثَلَانِ الْمَذْكُورَانِ جَاءَا فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، وَبَيَانِ أَوْصَافِهِمْ؛ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَعِيشُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَرَوْنَ مِنْهُمْ أَعْمَالَ الْإِيمَانِ، وَيَسْمَعُونَ مِنْهُمُ الْقُرْآنَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَنْتَفِعُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِفَسَادِ قُلُوبِهِمْ وَحَجْبِهَا عَنِ الِانْتِفَاعِ بِمَاءِ الْإِيمَانِ، وَغَيْثِ الْقُرْآنِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالكَافِرِينَ * يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 17 - 20].

 

«فَضَرَبَ لِلْمُنَافِقِينَ بِحَسَبِ حَالِهِمْ مَثَلَيْنِ: مَثَلًا نَارِيًّا، وَمَثَلًا مَائِيًّا؛ لِمَا فِي النَّارِ وَالْمَاءِ مِنَ الْإِضَاءَةِ وَالْإِشْرَاقِ وَالْحَيَاةِ؛ فَإِنَّ النَّارَ مَادَّةُ النُّورِ، وَالْمَاءَ مَادَّةُ الْحَيَاةِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْوَحْيَ الَّذِي أَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ مُتَضَمِّنًا لِحَيَاةِ الْقُلُوبِ وَاسْتِنَارَتِهَا؛ وَلِهَذَا سَمَّاهُ رُوحًا وَنُورًا، وَجَعَلَ قَابِلِيهِ أَحْيَاءَ فِي النُّورِ، وَمَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِهِ رَأْسًا أَمْوَاتًا فِي الظُّلُمَاتِ.

 

وَأَخْبَرَ عَنْ حَالِ الْمُنَافِقِينَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَظِّهِمْ مِنَ الْوَحْيِ وَأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنِ اسْتَوْقَدَ نَارًا لِتُضِيءَ لَهُ وَيَنْتَفِعَ بِهَا؛ وَهَذَا لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ فَاسْتَضَاءُوا بِهِ، وَانْتَفَعُوا بِهِ، وَآمَنُوا بِهِ، وَخَالَطُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِصُحْبَتِهِمْ مَادَّةً مِنْ قُلُوبِهِمْ مِنْ نُورِ الْإِسْلَامِ طَفِئَ عَنْهُمْ، وَذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ. وَلَمْ يَقُلْ بِنَارِهِمْ؛ فَإِنَّ النَّارَ فِيهَا الْإِضَاءَةُ وَالْإِحْرَاقُ، فَذَهَبَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا فِيهَا مِنَ الْإِضَاءَةِ، وَأَبْقَى عَلَيْهِمْ مَا فِيهَا مِنَ الْإِحْرَاقِ، وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ. فَهَذَا حَالُ مَنْ أَبْصَرَ ثُمَّ عَمِيَ، وَعَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ، وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ فَارَقَهُ بِقَلْبِهِ، فَهُوَ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ﴾ [البقرة: 18] ثُمَّ ذَكَرَ حَالَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَثَلِ الْمَائِيِّ، فَشَبَّهَهُمْ بِأَصْحَابِ صَيِّبٍ -وَهُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يُصَوَّبُ، أَيْ: يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ- فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ، فَلِضَعْفِ بَصَائِرِهِمْ وَعُقُولِهِمْ اشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ زَوَاجِرُ الْقُرْآنِ وَوَعِيدُهُ وَتَهْدِيدُهُ وَأَوَامِرُهُ وَنَوَاهِيهِ وَخِطَابُهُ الَّذِي يُشْبِهُ الصَّوَاعِقَ، فَحَالُهُمْ كَحَالِ مَنْ أَصَابَهُ مَطَرٌ فِيهِ ظُلْمَةٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ، فَلِضَعْفِهِ وَخَوَرِهِ جَعَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَغَمَضَ عَيْنَيْهِ خَشْيَةً مِنْ صَاعِقَةٍ تُصِيبُهُ».

 

لقد «ضَعُفَتْ أَبْصَارُ بَصَائِرِهِمْ عَنِ احْتِمَالِ مَا فِي الصَّيِّبِ مِنْ بُرُوقِ أَنْوَارِهِ، وَضِيَاءِ مَعَانِيهِ، وَعَجَزَتْ أَسْمَاعُهُمْ عَنْ تَلَقِّي رُعُودِ وُعُودِهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، فَقَامُوا عِنْدَ ذَلِكَ حَيَارَى فِي أَوْدِيَةِ التِّيهِ، لَا يَنْتَفِعُ بِسَمْعِهِ السَّامِعُ، وَلَا يَهْتَدِي بِبَصَرِهِ الْبَصِيرُ».

 

يَكَادُ بَرْقُ الْآيَاتِ وَسَنَا الْبَيِّنَاتِ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمُ الَّتِي لَمْ تَتَعَوَّدْ إِلَّا الظُّلُمَاتِ، وَيُعْمِي بَصَائِرَهُمُ الَّتِي لَمْ تَعْهَدْ إِلَّا الشَّهَوَاتِ؛ فَإِذَا اسْتَنَارُوا بِالْآيَاتِ قَلِيلاً طَغَتْ فِي نُفُوسِهِمْ آثَارُ الشَّهَوَاتِ فَفَرُّوا فِي الْمَتَاهَاتِ، وَتَوَقَّفُوا فِي الشُّبُهَاتِ؛ فَهُمْ فِي مَهَاوٍ سَحِيقَةٍ مِنَ الْجَهَالَةِ، وَفِي فَيَافٍ عَمِيقَةٍ مِنَ الضَّلَالَةِ ﴿ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ﴾ [البقرة: 20]. لِمَاذَا؟

 

لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لِلسَّنَاءِ، وَلَمْ يَنْسَجِمُوا مَعَ الضِّيَاءِ؛ فَهُمْ قَوْمٌ أَلِفُوا الضَّلَالَ، وَعَاشُوا فِي الظَّلَامِ، فَأَظْلَمَتْ قُلُوبُهُمْ بِالنِّفَاقِ، وَأَمْحَلَتْ مِنْ أَنْوَارِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ، وَلَوْ كَانَتْ تَسْمَعُهُ كُلَّ أَوَانٍ؛ فَالْعِبْرَةُ بِالْإِيمَانِ وَالْإِذْعَانِ، لَا بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ.

 

فَفِي الْآيَةِ تَعْبِيرٌ عَنْ زَوَاجِرِ الْقُرْآنِ بِالصَّوَاعِقِ، وَعَنِ انْحِطَاطِ قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ عَنْ قَرَارِ نُورِ الْإِيمَانِ فِيهَا بِخَطْفِ الْبَرْقِ لِلْأَبْصَارِ.

فالصَّيِّبُ تَشْبِيهٌ لِلْقُرْآنِ، وَالظُّلُمَاتُ وَالرَّعْدُ وَالْبَرْقُ تَشْبِيهٌ لِنَوَازِعِ الْوَعِيدِ بِأَنَّهَا تَسُرُّ أَقْوَامًا وَهُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِالْغَيْثِ، وَتَسُوءُ الْمُسَافِرِينَ غَيْرَ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ، فَكَذَلِكَ الْآيَاتُ تَسُرُّ الْمُؤْمِنِينَ؛ إِذْ يَجِدُونَ أَنْفُسَهُمْ نَاجِينَ مِنْ أَنْ تَحِقَّ عَلَيْهِمْ، وَتَسُوءُ الْمُنَافِقِينَ إِذْ يَجِدُونَهَا مُنْطَبِقَةً عَلَى أَحْوَالِهِمْ.

 

إِنَّهُ حَالُ الْمُنَافِقِينَ مَعَ الْإِيمَانِ وَأَعْمَالِ الْإِيمَانِ وَغَيْثِ الْقُرْآنِ؛ يَعِيشُونَ فِي التِّيهِ وَالِاضْطِرَابِ وَالْقَلَقِ.. يَتَأَرْجَحُونَ بَيْنَ لِقَائِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَعَوْدَتِهِمْ لِلشَّيَاطِينِ. بَيْنَ مَا يَقُولُونَهُ لَحْظَةً ثُمَّ يَنْكُصُونَ عَنْهُ فَجْأَةً. بَيْنَ مَا يَطْلُبُونَهُ مِنْ هُدًى وَنُورٍ وَمَا يَفِيئُونَ إِلَيْهِ مِنْ ضَلَالٍ وَظَلَامٍ.

 

وَمِنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ الْمُعْتَرِضِينَ عَلَى شَرِيعَةِ اللهِ تَعَالَى يَجِدُهُمْ فِي ذَلِكَ التِّيهِ وَالِاضْطِرَابِ وَالْقَلَقِ وَالضَّيَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ فَارَقُوا الْحَقَّ الَّذِي عَرَفُوهُ إِلَى أَوْدِيَةٍ مِنَ الْبَاطِلِ وَالشُّبُهَاتِ كَثِيرَةٍ، قَذَفَتْهَا أَفْكَارُ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، عُجِنَتْ بِشَهَوَاتِهِمُ الْمُنْحَطَّةِ، فَأَنْتَجَتْ هَوًى فَتَكَ بِقُلُوبِ أَصْحَابِهِ، فَلَا خَلَاصَ لَهُمْ مِنْهُ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ﴾ [آل عمران: 90].

 

نَعُوذُ بِاللهِ تَعَالَى مِنَ الضَّلَالِ بَعْدَ الْهُدَى، وَمِنَ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ الثَّبَاتَ عَلَى الْحَقِّ إِلَى الْمَمَاتِ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: عَلَى الْمُؤْمِنِ وَهُوَ يُمَتِّعُ نَاظِرَيْهِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى مِنَ الْغَيْثِ الْمُبَارَكِ أَنْ يَسْتَحْضِرَ هَذَا الْمَثَلَ الْعَظِيمَ الَّذِي ضَرَبَهُ اللهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ لِلْمُنَافِقِ الَّذِي يَعِيشُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَسْمَعُ آيَاتِ الْقُرْآنِ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِهَا، وَلَا يُلْقِي لَهُ بَالًا، بَلْ يَضْجَرُ مِنْهَا، وَيُفَارِقُ مَجَالِسَهَا وَيُحَارِبُهَا.

 

وَعَلَى الْمُؤْمِنِ إِذَا رَأَى آثَارَ الْغَيْثِ الْمُبَارَكِ، وَكَيْفَ نَمَا بِهِ الزَّرْعُ، وَاخْضَرَّتْ بِهِ الْأَرْضُ؛ فَاكْتَسَتْ بِهِ زِينَةً وَجَمَالًا، وَفَاحَتْ أَعْشَابُهَا عَبَقًا وَرِيحًا. عَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ أَثَرَ الْإِيمَانِ فِي الْقُلُوبِ وَصَلَاحِهَا أَعْظَمُ مِنْ أَثَرِ الْأَرْضِ بِالْمَاءِ. وَكَذَا أَثَرُ الْقُرْآنِ وَأَثَرُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْبِ أَعْظَمُ مِنْ أَثَرِ الْمَاءِ فِي الْأَرْضِ؛ وَلِذَا كَانَ الْقُرْآنُ رَبِيعَ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ.

 

وَوَاللهِ الَّذِي لَا يُحْلَفُ بِغَيْرِهِ إِنَّ الْقُلُوبَ لَتَصْلُحُ وَتَزْدَانُ بِالْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ وَالتَّفَكُّرِ وَالذِّكْرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ أَعْظَمَ مِنْ صَلَاحِ الْأَرْضِ وَزِينَتِهَا بِالْمَاءِ وَالْخُضْرَةِ. فَمَنْ أَرَادَ لِقَلْبِهِ أَنْ يَكُونَ أَجْمَلَ مِنَ الْأَرْضِ فِي مَوْسِمِ رَبِيعٍ تَتَابَعَتْ أَمْطَارُهُ، وَاهْتَزَّتْ أَرْضُهُ، وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يُنَمِّيَ إِيمَانَهُ، وَيَلْزَمَ قُرْآنَهُ، وَلَا يَتْرُكَ وِرْدَهُ مِنْهُ أَبَدًا، وَيُكْثِرَ نَوَافِلَ الْعِبَادَاتِ، وَيَجْتَنِبَ مُفْسِدَاتِ الْقُلُوبِ مِنَ الْمَعَاصِي وَالْحَسَدِ وَالرِّيَاءِ.

 

وَتُحَلِّقُ الْقُلُوبُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ بِمَا يَرِدَ عَلَيْهَا مِنْ آيِ الْقُرْآنِ وَأَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ إِلَى أَنْ تَصِلَ بِصَاحِبِهَا إِلَى دَرَجَةِ الْفَرَحِ بِاللهِ تَعَالَى وَبِكِتَابِهِ وَدِينِهِ وَطَاعَتِهِ وَقَدَرِهِ وَلِقَائِهِ؛ فَرَحًا أَعْظَمُ مِنْ فَرَحِ أَهْلِ أَرْضٍ مُجْدِبَةٍ أَصَابَهَا غَيْثٌ فَاخْضَرَّتْ. وَصَاحِبُ هَذَا الْقَلْبِ مِنْ فَرَحِهِ بِاللهِ تَعَالَى يَسْتَطِيبُ الْعِبَادَةَ وَقَدِ اسْتَثْقَلَهَا غَيْرُهُ، وَيَرْضَى بِمُرِّ الْقَضَاءِ حِينَ يَسْخَطُ سِوَاهُ، وَيَشْتَاقُ لِلِقَاءِ اللهِ تَعَالَى وَقَدْ خَافَ الْمَوْتَ غَيْرُهُ.

 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أسلوب ضرب الأمثال في الدعوة: أهميته ومتطلبات نجاحه
  • دواعي ضرب الأمثال في القرآن

مختارات من الشبكة

  • ضرب الأمثال بالغيث (2) (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • تفسير: (وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث أبي موسى: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأمثال العلمية في الامثال النبوية (عرض تقديمي)(كتاب - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب