• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المنة ببلوع عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    حديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حقوق المسنين (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة النصر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    المرأة في الإسلام: حقوقها ودورها في بناء المجتمع
    محمد أبو عطية
  •  
    مفهوم الفضيلة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (7)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    خطبة أحداث الحياة
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    {هماز مشاء بنميم}
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الإيمان بالقرآن أصل من أصول الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أسباب اختلاف نسخ «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    خطبة: اشتداد المحن بداية الفرج
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: إن الله لا يحب المسرفين
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الستر

الشيخ إبراهيم بن صالح العجلان

المصدر: أُلقيت بتاريخ: 6/5/1430هـ
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/5/2009 ميلادي - 16/5/1430 هجري

الزيارات: 164205

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الستر

 

معاشر المؤمنين:

ماعزُ بن مالكٍ الأسلمي، أحدُ الأصحاب الأخيار ممن وقر الإيمانُ في قلبه، فآمن بربه، وصدَّق برسالة نبيِّه، وعاش في مدينة رسول الله يَحمل بين جنبَيه نورَ الإيمان، وضياء التَّقوى، بَيْدَ أنَّه لم ينفك عن بشريَّته، ولم ينسلخ من ضعفه الآدمي؛ ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28].

 

فزيَّن له الشيطانُ فعلَ الحرام، وأزَّته نفسُه الأمَّارة نحوَ الفاحشة أزًّا، وفي ساعة الغفلة وسكرة الشَّهوة وقع في الإثم، وكان من أمره ما كان.

 

عصى ماعزٌ ربَّه، وأيقن أنَّ ذاك من عَمَلِ الشيطان؛ إنه عدو مضل مبين، فاحترق قلبه، وتلوَّعت نفسُه ندمًا وأسفًا، وعاش أيامًا عدة في بُؤس وغمٍّ، وحسرةٍ وهمٍّ.

 

عندها قرر ماعز أنْ يبوحَ بأمره ذاك إلى أحد بني عشيرته، وهو هزَّال بن يزيد الأسلمي، الذي أشار عليه أن يعترفَ ويقرَّ أمام النبي - صلَّى الله عليه وسلم - بخطيئته.

 

مشى المذنب التائب تجرُّه رِجلاه نحوَ الرَّحمة المُهداة، فوقف في حياءٍ واستحياء، ونطق بجُرمه ومَعصيته، فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فكرر ماعز اعترافَه، وأقرَّ أربعًا، وألح على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُقيمَ حدَّ الله، فلم يكُن بدٌّ من إقامة الحد، حدِّ الرجم، فرجمه الصحابة حتَّى فاضت روحُه إلى بارئها، ثم صلَّى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا له، واستغفر، وأثنى على توبته وصدقه مع ربِّه.

 

فلما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ هزَّالاً الأسلميَّ هو الذي أشار عليه بالاعتراف، دعاه ثم قال: ((يا هزَّالُ، لو سترته بثَوْبك، كان خيرًا لك مما صنعت به)).

 

معاشرَ المؤمنين:

ما أجملَ الستر! وما أعظم بركتَه! وأبهى حُلَّته! الستر خُلُق الأنبياء، وسيما الصَّالحين، يورث المحبة، ويُثمر حسن الظَّن، ويُطفئ نارَ الفساد.

 

هو جوهر نفيس، وعُملةٌ ثمينة، وسلوكٌ راقٍ.

 

الستر طاعةٌ وقُربان ودِين وإحسان، به تَحفَظُ الأُمَّة ترابُطَها وبُنيانها، وبه تقومُ الأخلاق، ويبقى لها كيانها.

 

وصف الرَّحمن نفسه به، فهو سبحانه ستِّير يستُر كثيرًا، ويحبُّ أهل السَّتر؛ ففي الحديث الصحيح يقول النبي - صلى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله حَيِيٌّ سِتِّير، يُحب الحياء والستر))؛ رواه أبو داود والنَّسائي.

 

أقرَّ الإسلامُ بهذا الخلق الكريم، وحضَّ وكافأ عليه؛ ((ومَن سَتَرَ مُسلمًا في الدُّنيا، ستره الله في الدُّنيا والآخرة))؛ حديث صحيح، أخرجه مسلم.

 

ولأجل السَّتْر شرع الإسلام حد القذف؛ حتَّى لا تكون الأعراضُ بعد ذلك كلأً مباحًا.

 

ولأجل الستر أمر الشارعُ في إثبات حدِّ الزنا بأربعة شهود؛ حمايةً للأعراض، وصَوْنًا للمحارم.

 

ولأجل الستر أيضًا توعَّد الجبارُ أهلَ السوء، الذين يُحبون إشاعة الفاحشة - بالعذاب الأليم؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾ [النور: 19].

 

ومن أجل الستر أيضًا نَهى الإسلامُ عن التجسس على الآخرين؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾ [الحجرات: 12].

 

قال المُفسِّرون: التجسسُ: البحثُ عن عيبِ المسلمين وعورتهم، أمَّا خَيْر الخلق وأَعْرفُ الخلق بما يُرضي الله - تعالى - فقد كان عظيمَ الحياء، عفيفَ اللِّسان، بعيدًا عن كشف العورات، حريصًا على كَتْم المعائب والزلاَّت، كان إذا رأى شيئًا يُنكره ويكرهُه، عرَّض بأصحابه وألمح، كم من مرَّة قال للناس: ((ما بال أقوام يقولون كذا وكذا))، ((ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا)).

 

لقد أدَّب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أمَّته، فأحسن تأديبها يومَ أنْ خطب بالناس، فقال بنبرةٍ حادَّةٍ وصوتٍ عالٍ: ((يا معشر مَن آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتِهم، فإنَّه من يتبع عوراتِهم، يتبعِ الله عورته، ومن يتبعِ اللهُ عورتَه، يفضحه في بيته))؛ رواه الإمام أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان.

 

بهذا المنهج وهذه العِفَّة تربَّى الصَّحابة - رضوانُ الله عليهم - فستروا عيوبَ النَّاس، وطَوَوا معائبَهم.

 

فهذا صدِّيقُ الأُمَّة - رضي الله عنه - يقول: "لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلاَّ ثوبي، لأحببتُ أن أستره به"؛ رواه ابن أبي شيبة، وصحح سنده الحافظُ ابن حجر.

 

أمَّا الفاروق - رضي الله عنه - فحين سمع ذاك الرَّجل يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني عالجت امرأةً فأصبت منها دون أن أمسَّها"، بادره عمر - رضي الله عنه - يقول: "لقد سترك الله، لو سترت على نفسك".

 

وهذا ابنُ مسعود - رضي الله عنه - يُؤتى إليه في مَجلسه برجلٍ، فقيل له: هذا فلان تقطر لحيتُه خمرًا - أي: كثيرًا ما يشرب الخمر - فقال - رضي الله عنه -: إنَّا نُهينا عن التجسس، ولكن إنْ يظهر لنا منه شيءٌ، نأخذه به.

 

أما أمُّنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فقد جاءتْها امرأةٌ، فأخبرتها أنَّ رجلاً قد أخذ بساقها وهي مُحرمة - أي: حاول كشف عورتها - فقاطعتها عائشةُ، وأعرضت بوجهها وقالت: "يا نساءَ المؤمنين، إذا أذنبتْ إحداكُنَّ ذنبًا، فلا تخبرن به النَّاس، ولتستغفر الله، ولتتب إليه؛ فإنَّ العباد يُعيِّرونَ ولا يُغيِّرون، والله يُغَيِّر ولا يُعيِّر.

 

وأَوْلى النَّاس بالسَّتْر: أن يستر العبدُ نفسَه، ويُغطي عَيْبه، فليسَ من العافية - نسأل الله العافية - أنْ يفاخرَ العبدُ بالذنب أو أن يُباهي بالخطيئة، ليس من العافية تسميع العباد بالذُّنوب الخفيَّات، وخطايا الخلوات؛ يقول النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((كُلُّ أمتي معافى إلاَّ المجاهرون، وإنَّ من المجاهرة أنْ يعملَ الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربُّه، ويصبح يكشف ستر الله عليه))؛ أخرجه البخاري في صحيحه.

 

الستر على النفس بعد الخطيئة عملٌ فاضل مطلوب، يُرجى لصاحبه أنْ يكرمه ربه بالستر عليه في الآخرة.

 

ففي الصحيحين يقولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يُدنى المؤمنُ يوم القيامة من ربِّه - عز وجل - حتى يضعَ عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، فيقولُ: هل تعرف؟ فيقول: أيْ رب، أعرف، قال: فإنِّي قد سترتها عليك في الدُّنيا، وإني أغفرها لك اليوم، فيُعطى صحيفة حسناته)).

 

وأحقُّ الناس بالستر وكتم العيب هم ذوو الهيئات وأهل المروءة، الذين ليس مِن عادتِهم المجاهرة بالمعاصي، وليسوا من المسوِّقين للمنكرات، فالستر على هؤلاء يأتي في الصَّفِّ الأول والمقام الأكمل؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلاَّ الحدود))؛ رواه الإمام أحمد وغيره، وهو حديث حسن.

 

معاشر المؤمنين:

إذا قلَّبنا النَّظر في مُجتمعات المسلمين، نرى ظاهرةَ نشر الفضائح وإشاعة القبائح قد انتشرت انتشارًا مروِّعًا؛ عَبْرَ الهواتف المحمولة، وصفحات (الإنترنت)، وشاشات الفضائيَّات، حتَّى غدت هذه الأخبار وأحداثها أسرع انتقالاً، وأوسع انتشارًا، فلا دِين يَمنع، ولا خُلُق يردع.

 

فصِنفٌ من الناس - هداهم الله - تراه سمَّاعًا لقَالة السوء، نقَّالاً لأخبار الفَساد، يتلذَّذ بإشاعتها وإذاعتها، يتصدَّر المجالسَ بالتجريح والتخسيف، الظَّن عنده يقين، والإشاعة في منطقه حقيقة، والهفوة في ميزانه خُلق دائم، لا يمل من تكرار الأخبار المشؤومة، ولا يفتر من ترصد الأحداث المرذولة.

 

قال ابنُ القيم - رحمه الله -: "ومِنَ النَّاس مَن طبعُه طبع خنزير، يمر بالطيِّبات، فلا يقف عليها، وهكذا كثير من الناس يسمع منك ويرى من المحاسن أضعافَ المساوئ، فلا يحفظها ولا ينقلها، فإذا رأى سقطةً أو كلمةً عوراء، وجد بُغيته، وجعلها فاكهته ونَقلها".

 

عباد الله:

إنَّ بثَّ مثلِ هذا القاذورات وانتشارها آفةٌ خطيرةٌ، ومرض موجع، يفسد الدين، ويخرب الدنيا، فإذا تهتكتِ الأستارُ، تكسَّرَ الحياء من النُّفوس، وإذا نزع الحياء، فكَبِّرْ على العِفَّة والطهر بعدها أربعًا.

 

إذا علم العاصي - وكُلنا ذاك العاصي - أنَّ الأفواه لاكته، والنَّظرات قد نهشته، والأصابع قد أشارته، لم يبالِ بعدها بمجاهرةٍ في مَعصيته أو مفاخرة في ذنب.

 

روى أبو داود في سننه بسند صحَّحه النَّووي عن مُعاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّك إن اتَّبعت عَوْرَاتِ النَّاس، أفسدتهم أو كدت أن تفسدَهم))، شيوع الفاحشة وانتشارُ - عبادَ الله - شرارتِها الأُولى إذاعة الأخبار السيِّئة، والمعاصي الخفية، فيجترئ حينها وبعدها ضعافُ النفوس ومرضى القلوب على مُعاقرتها في الهواء الطلق، بلا خوفٍ من خالقٍ أو حياءٍ من مخلوق.

 

وإذا انتشرتْ المعائب، وأُفْشِيَت المثالبُ، فلا تسلْ بعد ذلك عن عدم ثِقَة الناس بعضهم ببعض، ولا تَسَلْ أيضًا عن الاعتراك والتصادُم بين أفراد المجتمع الواحد؛ إذ إنَّ إشاعة عورات الآخرين سببٌ لبذر الإِحَن والمحن، وتنافر القلوب وعدم الْتِمَامها.

 

إخوة الإيمان:

الستر على المعاصي لا يعني ترك مناصحة مَن وقع فيها، وإسداء التوجيه المناسب لهم، ولا يعني إسقاطَ الحدِّ على من وجب عليه الحد.

 

والستر على الخطايا أيضًا لا يعني تهوينها في النفس، وموت القلب تجاهها، فالقلب الذي لا ينقبض غيرةً على دين الله وحرمات المسلمين هو قلبٌ خاوي الإيمان.

 

وليس وراء إنكار القلب حَبَّة خردل من إيمان؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم.

 

عباد الله:

وإذا كان نشر فضائح العباد قد ذَمَّ الشرعُ فاعله وتوعده، فكيف بمَنْ يتهمون الآخرين بالظن، ويشيعون التُّهَمَ بالوهم، يفترون على الأبرياء، ويشوهون صورة الفضلاء بالإفْكِ والبهتان، فهذا الرجم بالإثم إن استهان به مَن استهان، فهو عند الله عظيم وجُرم كبير؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله وحدَه، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أمَّا بعد، فيا إخوةَ الإيمان:

وأشنع من التشهير بالمعصية وأقبح أنْ يُعيِّر المرءُ أخاه بالذنب، ويثلب عليه بالمعصية، فهذا - لعَمْر الله - خُلُقٌ دنيء، وسلوك تأباه الشِّيَم، وفي الحديث: ((لا تظهر الشَّماتة لأخيك، فيعافيه الله ويبتليك))؛ رواه الترمذي بسند ضعيف.

 

يقول الفضل بن عياض: "المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويُعيِّر"، ويقول الحسن البصري: كان يقال: مَن عَيَّر أخاه بذنب تاب منه، لم يَمتْ حتَّى يبتليه الله به.

 

فيا مَن يرجو الله واليوم الآخر، لسانَك لسانَك، صُنْه عن أعراض المسلمين، وسمْعَك سمعَك، صُنه عن التحسُّس والتجسس، فهذا - وربي - عملٌ ليس بخير، ولا يأتي بخير.

 

تذكَّر - أخي المسلم - كما أنَّ للناس عيوبًا، لك عيوبٌ أيضًا، وكما لهم حرماتٌ ومحارم، لك أيضًا مثل ذلك.

لَسَانُكَ لاَ تَذْكُرْ بِهِ عَوْرَةَ امْرِئٍ
فَكُلُّكَ عَوْرَاتٌ وَلِلنَّاسِ أَلْسُنُ
وَعَيْنُكَ إِنْ أَبْدَتْ إِلَيْكَ مَعَائِبًا
فَدَعْهَا وَقُلْ يَا عَيْنُ لِلنَّاسِ أَعْيُنُ

 

تذكر - أخي المسلم - أنَّ الجزاءَ من جنس العمل، جزاءً وفاقًا، فمن فضح إخوانَه المسلمين، سلَّط عليه ألسنةً حدادًا تهتك ستره، وتفضح أمره.

 

قال بعضُ السلف: أدركتُ أقوامًا لم يكُن لهم عيوبٌ، فذكروا عيوبَ الناس، فذكر الناسُ لهم عيوبًا، وأدركت أقوامًا كانت لهم عيوبٌ، فكفُّوا عن عيوب الناس، فنُسِيَت عيوبُهم.

 

عباد الله:

وإذا جعل المرءُ مَخافةَ الله بين عينيه، واستشعر حقًّا وصدقًا أنَّه سيتحمل وِزرَ كلِّ كلمة تهدم ولا تبني، لعفَّ لسانُه، وصَلَحَ منطقُه، وزان قولَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقلْ خيرًا أو ليصمت.

 

وأخيرًا - إخوةَ الإيمان - فخُلُقُ الستر هو الأصل والأساس في التعامُل مع الخطأ والأخطاء، إلاَّ أنه أحيانًا يكون التشهير والفضيحة هو الدَّواء وهو النصيحة، فإذا أعلن المرءُ فجوره، ودعا له ونادى، كان التحذيرُ منه وفضحه أسلوبًا واجبًا لا تبرأ الذِّمَّة إلا به.

 

سُئِلَ الإمامُ أحمد: إذا عُلِمَ من الرجل الفُجُور، أيُخبر به النَّاس، قال: لا، بل يستر عليه؛ إلاَّ أن يكون داعية.

 

ويكون التشهيرُ بأهل المعصية مطلوبًا أيضًا إذا كان ضررُها متعدِّيًا للمجتمع كلِّه؛ كمن يروج للانحرافات العَقديَّة والفكرية، أو يتعاطى السِّحر والكهانة والشَّعوذة، أو يروِّج للمُخدِّرات، أو يهدد الأمن.

 

فهؤلاء يَجبُ فضحُهم وهَتْك سترهم؛ حماية للدين، ونصحًا للأمة، وحفظًا للأعراض والعقول والدِّماء.

 

نسأل الله أن يستر عيوبنا، ويغفر ذنوبنا، ويتجاوز عن زلاَّتنا وهفواتنا، وأن يصون عوراتنا، ويؤمن روعاتنا؛ إنَّه - سبحانه - قريب مجيب الدعاء.

 

عباد الله، صلُّوا...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • استر ما ستره الله عليك
  • ستر المسلم
  • الستر الجميل
  • عرض وتلخيص لكتاب (الستر على أهل المعاصي) للدكتور خالد بن عبدالرحمن الشايع
  • هتك الأستار
  • الستر
  • الستر جمال وتوفيق
  • خطبة: الستر والتستر
  • خطبة: الستر على المسلمين
  • خطبة خلق الستر

مختارات من الشبكة

  • سلسلة أسباب الفوز بستر الله جل جلاله (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أسباب الفوز بستر الله جل جلاله (10)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أسباب الفوز بستر الله جل جلاله (20)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أسباب الفوز بستر الله جل جلاله (18)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسماء الله الحسنى (الغفور)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الستر فطرة والحجاب فريضة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الستر ... ومتى يكون(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الستر والحجاب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل الستر(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • خمائل الستر(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 


تعليقات الزوار
4- سترك الله دنيا وآخرة
محمد الهادي التليلي - تونس 08-10-2015 12:27 AM

كلام طيب وحفظ وستر للغة العربية سحر وبيان فبارك الله فيك وسترك وسترنا معك آمين وصلى الله على سيدنا محمد وسلم

3- الستر
هشام عبد الحميد - مصر 24-01-2015 01:39 PM

خطبه رائعة ما شاء الله جزاكم الله خيرا

2- الستر
امحمد بوزيان - الجزائر 09-05-2014 10:31 AM

جزاك الله خيرا يا فضيلة الموفق في كلمتك -إن من أحسن ما يتوسل به المرء إلى الله تعالى أن يستر الله عوراتنا ويؤمن روعاتنا وهذا مما كان يدعو به صلى الله عليه وسلم - ومن دعاء الشيخ الترمذي رحمه الله اللهم استرني واجبرني وهو من أفضل ما يسعى أن يتحلى به المسلم لأننا كلنا ذاك المسيء اللهم سلم سلم

1- جزيت الجنة
مراد حسن - مصر 12-02-2010 02:18 AM
خطبة رائعة جزاك الله خيرا من أحسن ماقرأت فى الستر لغة راقية وأدلة وافية واستشهادات فى محلها وإيجاز بليغ جعلها الله فى ميزانك ورزقنا وإياك الإخلاص فى القول والعمل
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/11/1446هـ - الساعة: 8:19
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب