• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الوالدان القدوة (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    النجاة من التيه - لزوم المحكم واتخاذ الشيطان عدوا
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    إدمان السفر
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من درر العلامة ابن القيم عن اللذات
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    نصيحتي لكم: خلاصة ما علمتني التجارب
    بدر شاشا
  •  
    تفسير سورة التكاثر
    أ. د. كامل صبحي صلاح
  •  
    تخريج حديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الشتاء وميادين العبادة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    الله الله في إسلامكم (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    الحديث السادس عشر: تحريم سب الأموات
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    حقوق المطلقات
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    بيان حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على العمل بكل ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أقسام القلوب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    بين حمدين تبدأ الحياة وتنتهي (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    وقفات تربوية مع سورة الفلق
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    سر الإلحاح في الدعاء
    د. مصطفى طاهر رضوان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

{ كتب ربكم على نفسه الرحمة.. } (خطبة)

{ كتب ربكم على نفسه الرحمة.. } (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/12/2023 ميلادي - 20/5/1445 هجري

الزيارات: 14919

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾

 

الحمد لله الذي كتب على نفسه الرحمة، والحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء، والحمد لله الذي سبقت رحمته غضبه، ﴿ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِين ﴾ [البقرة:64]، ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا ﴾ [النساء:83]، ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا ﴾ [النور:21].

 

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، فازَ واللهِ من تولاهُ، وسعُدَ من أطاعهُ واتقاهُ، وأفلحَ من لجأَ إليهِ ولاذَ بحماهُ، ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [النساء:125]..

 

وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهُ ورسولهُ، وصفيه وخليله، إمامُ الأنبياءِ، وصفوةُ الأولياءِ.. وأجملُ منك لم ترَ قطُّ عينٌ، وأفضلُ منك لم تلدِ النساءُ، خُلِقتَ مبرًّا من كلِّ عيبٍ، كأنّك قد خُلِقتَ كما تَشاءُ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آله السادةِ النجباءِ، وأصحابهِ البررةِ الأتقياءِ، والتابعين وتابعيهم مادامتِ الأرضُ والسماءُ، أمَّا بعدُ:

فأوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بتقوى اللهِ تبارك وتعالى، فاتقوا اللهَ ربكم، والتزموا شريعتهُ، وارجوا رحمتهُ، واحذروا معصيتهُ، ولا تأمنوا مكْرهُ؛ فإنه لا يأمنُ مكْرَ اللهِ إلا القومُ الخاسرون.. من تنبَّهَ سلِمَ، ومن غفَلَ ندِمَ، ومن عمِلَ صالحًا ربح وغنِمَ: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النساء:124]..

 

معاشر المؤمنين الكرام، جاء في صحيح البخاري ومسلم: قَالَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْيٍ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ». قُلْنَا لاَ وَاللَّهِ وَهِىَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا».

 

فيا له من درسٍ نبويٍّ رائعٍ جذاب، ويا له من مشهدٍ حيٍّ خلاب، تجلت فيه رحمةُ الأمِ بوليدها، الرحمةُ التي لا يمكن أن يرى البشرُ أعظمَ ولا أحنَّ منها فيما بينهم، ولذا جعلها المصطفى صلى الله عليه وسلم مؤشرًا لما لا نستطيعُ أن نُقَدِّرَ حجمهُ من رحمه أرحم الراحمين؛ جاء في الحديث الصحيح، قَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلَائِقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ».

 

بل جاء في صحيح البخاري: قال صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي»، وفي البخاري أيضًا: "إنَّ رَحْمَتي سَبَقَتْ غَضَبِي"، ورحمة الله جل وعلا: تتجلى في كل شيء، تتجلى ابتداءً في إيجاد البشر وخلْقهم في أحسن تقويم، وفي نشأتهم وتكريمهم وتفضيلهم على كثيرٍ ممن خلق تفضيلًا، وتتجلى في تسخيره لهم كلما في هذا الكون العظيم من النعم والأرزاق، وتتجلى في تعليم الإنسان ما لم يعلم مما يحتاجه في حياته؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل:78].

 

وتتجلى في إنزال هذا القرآن العظيم؛ قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَن * عَلَّمَ الْقُرْآن ﴾ [الرحمن:1]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس:57].

 

ورحمة الله تتجلى في إرسال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾[الأنبياء:107]، ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران:159]، ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة:128].

 

ورحمة الله تتجلى في إنزال الغيب، ﴿ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ﴾ [الروم:50]، ورحمة الله تتجلى في تجاوزه عن المذنبين إذا تابوا، قال الرحيم سبحانه: ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام:54]، وفي الحديث الصحيح: "أنَّ شيخًا كبيرًا هرمًا، قد سقط حاجباه على عَينيه، أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو مُدعِمٌ على عصًا؛ أي: متَّكئ على عصًا، حتى قام بين يدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلًا عمل الذنوبَ كلَّها، لم يترك داجةً ولا حاجة إلاَّ أتاها، لو قُسمَت خطيئتُه على أهل الأرض لأوبقَتهم (لأهلكَتهم) أله من تَوبة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "هل أسلمتَ؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّك رسول الله، قال: "تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهنَّ الله لك كُلهنَّ خيرات"، قال: وغدرَاتي وفَجراتي يا رسولَ الله؟ قال: "نعم، وغَدراتك وفجراتك"، فقال: الله أكبر، الله أكبر، ثمَّ ادعم على عصاه، فلم يزل يردِّد: الله أكبر، حتى توارى عن الأنظار".

 

فهلمَّ يا عباد الله إلى التوبة، فالغفور الرحيم يقول: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان:70]، وعودًا على الرحمة، فالإسلام كله رحمه جاء في الحديث الحسن قَالَ: صلى الله عليه وسلم: «لَنْ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَرَاحَمُوا، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّنَا رَحِيمٌ، قَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ وَلَكِنَّهَا رَحْمَةُ النَاسِ رَحْمَةٌ الْعَامَّةِ»، وفي صحيح البخاري، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ»، وجاء رَجُلٌ إلى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَشْتَكِي قَسَاوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ؟" فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "ارْحَمِ الْيَتِيمَ, وَامْسَحْ رَأسَهُ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُلَيِّنُ قَلْبَكَ، وَتَقْدِرُ عَلَى حَاجَتِكَ"، والحديث صححه الألباني.

 

ثم إن رحمة الله قريبةٌ جدًا يا عباد الله، وكل من طلبها بصدق، وبذل أسبابها فسيجدها بإذن الله وفضله ورحمته، فقد وجدها إبراهيمُ عليهِ السلامُ في النارِ، ووجدها يوسُفُ عليهِ السلامُ في الجُب وفي السجنِ، ووجدها يونُسُ عليهِ السلامُ في بطنِ الحوتِ في ظُلماتٍ ثلاثٍ، ووجدها موسى عليهِ السلامُ في موج اليم وفي قصر فرعون الطاغية، ووجدها أصحابُ الكهفِ في ذلك الكهفِ الموحش، في حينَ افتقدوها في بيوت وأحضان آبائهم وأمهاتهم، حتى قالَ بعضُهم لِبعضٍ: ﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ﴾ [الكهف:16].

 

ووجدها المصطفى صلى الله عليه وسلم هو وصاحبُهُ في الغارِ الضيق، ووجدها شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه اللهُ عندما أُدخِلَ السجن، فالتفتَ إلى السجانِ وتثملَ قولَ اللهِ تعالى: ﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحديد:13].

 

وهكذا سيجدُها كلُّ من طلبها مخلصًا لله، صادقًا مع اللهِ، ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم ﴾ [فاطر:2].

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم ﴾[آل عمران:73].

 

أقول ما تسمعون، الحمد وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده اللذين اصطفى.

 

الخطبة الثانية

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، معاشر المؤمنين الكرام، رحمةٌ الله رحمةٌ عظيمةٌ وقريبة، ومن أراد أن يستجلبُ رحمةَ اللهِ، فإن هناك طرقًا كثيرةً يسيرة، وأسبابًا عديدةً ممكنة، أول وأعظمُ هذه الأسباب، هو الايمانُ والعمل الصالح؛ قالَ جل وعلا: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾ [الجاثية:30].. ومن الأسباب الجالبة لرحمة الله تبارك وتعالى: طاعتهُ جل وعلا، وطاعةُ رسولِه صلى الله عليه وسلم؛ قالَ سبحانه: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران:132].

 

ومن أعظم الأسباب الجالبة لرحمة الله تعالى: اتباعُ الكتابِ والسنةِ؛ قال تبارك وتعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام:155].

 

ومن أعظم الأسباب الجالبة لرحمة الله تعالى: رحمةُ الخلقِ، والرفق بهم، قالَ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «الراحمونَ يرحمُهم الرحمنُ، ارحموا من في الأرضِ يرحمُكم من في السماءِ»، وفي البخاري قال صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم لا يُرحمُ».

 

ومن أعظم أسباب استجلاب رحمة الله تعالى: السعي في الصلح بينَ الأخوةِ المتخاصمين؛ قالَ تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات:10].

 

ومن أعظم أسباب استجلاب رحمة الله: زيارةُ المرضى، ففي الحديث الصحيح؛ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن عادَ مريضًا لم يزَلْ يخوضُ في الرحمةِ حتى يجلِسَ، فإذا جلَسَ اغتمَسَ فيها».

 

ومن أعظم أسباب استجلاب رحمة الله تعالى: التقوى؛ قالَ جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد:28].

 

ومن أعظم الأسباب الجالبة لرحمة الله تعالى: الاستماعُ والإنصاتُ للقرآن الكريمِ، وكذلك مدارسته وتعلمه وتعليمه؛ قال عز وجل: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف:204]، وفي صحيح مسلم: «ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللهِ يتلونَ كتابَ اللهِ، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينةُ، وغشيتهم الرحمةُ، وحفتهم الملائكةُ وذكرهم اللهُ فيمن عنده».

 

ومن أعظم الأسباب الجالبة لرحمة الله تعالى: الإكثارُ من التوبة والاستغفارُ؛ قال تعالى: ﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النمل:46]، كما أن من أعظم الأسباب الجالبة لرحمة الله تعالى: الصبرُ بأنواعه الثلاثة، الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على الأقدار المؤلمة؛ قال تبارك وتعالى: ﴿ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة:155]. ومن أعظم الأسباب الجالبة لرحمة الله تعالى: الإنفاقُ في سبيلِ اللهِ، قالَ سبحانه وتعالى: ﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة:99].

 

ومن أعظم الأسباب الجالبة لرحمة الله تعالى: الأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ؛ قالَ تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة:71]..

 

فاتَّقوا الله يا عباد الله، واحرصوا على استجلاب رحمة الله، بفعل ما تيسَّر من هذه الأسباب، جعلني الله وإياكم من المرحومين.

 

ويا بن آدم عشْ ما شئت فإنك ميِّت، وأحبِب من شئت فإنك مفارقُه، واعمَل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يَبلى، والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

 

اللهم صلِّ على محمد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير قوله تعالى: (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة)
  • التوحيد بين الواقع والمأمول (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • صفة الرحمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحريم التسمي أو الاتصاف بما خص الله به نفسه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قول الله تعالى: { كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه... }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحمد لله (3) حمد الله تعالى نفسه(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هديه - صلى الله عليه وسلم - في التداوي بسور مخصوصة(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • دلالة السياق في تنوع الحركات في البنية نفسها في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تضيق نفسي من مشاهير السوشيال ميديا(استشارة - الاستشارات)
  • أسرفت على نفسي... فهل لي من توبة؟(استشارة - الاستشارات)
  • كيف أعد نفسي للتربية الإسلامية؟(استشارة - الاستشارات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • متطوعو أورورا المسلمون يتحركون لدعم مئات الأسر عبر مبادرة غذائية خيرية
  • قازان تحتضن أكبر مسابقة دولية للعلوم الإسلامية واللغة العربية في روسيا
  • 215 عاما من التاريخ.. مسجد غمباري النيجيري يعود للحياة بعد ترميم شامل
  • اثنا عشر فريقا يتنافسون في مسابقة القرآن بتتارستان للعام السادس تواليا
  • برنامج تدريبي للأئمة المسلمين في مدينة كارجلي
  • ندوة لأئمة زينيتسا تبحث أثر الذكاء الاصطناعي في تطوير رسالة الإمام
  • المؤتمر السنوي التاسع للصحة النفسية للمسلمين في أستراليا
  • علماء ومفكرون في مدينة بيهاتش يناقشون مناهج تفسير القرآن الكريم

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/6/1447هـ - الساعة: 16:12
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب