• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    عمى البصيرة يورد المهالك
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    شرح أحاديث الطهارة
    لطيفة بنت عبداللطيف
  •  
    خطبة: موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    حقوق اليتيم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الإسلام كفل لأهل الكتاب حرية الاعتقاد
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    أثر الأدلة الشرعية في تحقيق مقصد حفظ الدين (دليل ...
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    خطبة: العدل ضمان والخير أمان
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    الورد والآس من مناقب ابن عباس (خطبة)
    السيد مراد سلامة
  •  
    الصلاة دواء الروح
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    فضل ذكر الله تعالى
    أحمد عز الدين سلقيني
  •  
    قواعد قرآنية في تربية الأبناء
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    مائدة التفسير: سورة الماعون
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    وقفات ودروس من سورة آل عمران (3)
    ميسون عبدالرحمن النحلاوي
  •  
    ما انتقد على «الصحيحين» ورجالهما، لا يقدح فيهما، ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / الملائكة
علامة باركود

خشية الملائكة (خطبة)

خشية الملائكة (خطبة)
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/10/2023 ميلادي - 18/3/1445 هجري

الزيارات: 8741

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خشية الملائكة


﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فاطر: 1]، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهَ وحدَه لا شريكَ له ولا نظيرَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ النشورِ.

 

أما بعدُ. فاتقوا -عبادَ اللهِ-؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

أيها المؤمنون!

الملائكةُ خلقٌ من خلقِ اللهِ، خلَقَهم من نورٍ، واصطفاهم لعبادتِه وتنفيذِ أمرِه، وجعلَ لهم من المكانةِ والخصائصِ والإمكاناتِ للقيامِ بأمرِه ما لا يصحُّ إيمانُ امرئٍ إلا بتصديقِه يقينًا لا يَعْتريه شكٌّ أو تأويلٌ، وصارَ الكفرُ بتلك العقيدةِ ضلالًا غارقًا في البُعدِ والتِّيهِ، مُوجِبًا لحبوطِ العملِ والخلودِ في النارِ، كما قال -تعالى-: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]. ولمّا كان عالَمُ الملائكةِ من عالَمِ الغيبِ، وكان العقلُ البشريُّ عاجزًا عن إدراكِ تفصيلِه؛ صارتْ معرفةُ ذلك العالَمِ الملائكيِّ قَصْرًا على ما وردَ ذِكرُه في نصوصِ الوحيِ المعصومِ الذي أَذِنَ اللهُ بإطْلاعِ خلْقِه عليه بنصٍّ من كتابٍ سماويٍّ أو خبرِ نبيٍّ، كما قال -تعالى-: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴾ [الجن: 26، 27]، وكان ما وراءَ ذلك من تكلُّفِ التخرُّصِ المذمومِ والرَّجْمِ بالغيبِ من مكانٍ بعيدٍ. هذا، وإنّ مما أبانَه الوحيُ ضخامةُ خلْقِ جمعٍ من الملائكةِ وشدةِ قوَّتِهم، كما قال -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، وروى ابنُ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنه- أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَهُ ‌سِتُّمِائَةِ ‌جَنَاحٍ (رواه البخاريُّ ومسلمٌ)، وقال صلى الله عليه وسلم: " رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ، ‌سَادًّا ‌عِظَمُ خَلْقِهِ ما بين السماءِ إلى الأرضِ " رواه مسلمٌ. وعرشُ الرحمنِ الذي يستوي عليه أعظمُ مخلوقاتِه، وقد قرّبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَظَمَةَ خَلْقِه إزاءَ خَلْقِ كرسيِّ الرحمنِ بمَثَلِ حلْقةٍ صغيرةٍ مُلقاةٍ في أرضٍ مُقْفِرَةٍ متراميةِ الأطرافِ شاسعةِ الأرجاءِ كما قرّبَ عظمةَ الكرسيِّ إزاءَ السماواتِ السبعِ الشِّدادِ بذلك المَثَلِ، فقال: " ما السماواتُ السبعُ في الكرسيِّ إلا ‌كحلقةٍ ‌ملقاةٍ بأرضٍ فلاةٍ. وفضلُ العرشِ على الكرسيِّ كفضلِ تلك الفلاةِ على تلك الحلقةِ " رواه ابنُ حبانَ في صحيحِه وصحَّحَه الألبانيُّ. ويَحْمِلُ ذلك العرشَ العظيمَ يومَ القيامةِ ثمانيةٌ من الملائكةِ الكرامِ؛ كما قال -تعالى-: ﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 17]. فكيف يكونُ عِظَمُ خلْقِ أولئك الملائكةِ الذين أقْدرَهمُ اللهُ -جلَّ وعلا- على حملِ هذا العرشِ العظيمِ؟! قد أخبرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن إحدى صفاتِ واحدٍ منهم في بيانِ قياسِ ما بين عاتقِه وشحمةِ أُذُنِه حين أَذِنَ اللهُ له بالإخبارِ عنها بعد إنبائه بها، فقالَ: " أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ؛ إِنَّ مَا بَيْنَ ‌شَحْمَةِ ‌أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ ". رواه أبو داودَ وقال ابنُ حجرٍ: " إسنادُه على شرطِ الصحيحِ "وصحَّحَه الألبانيُّ، وفي روايةِ الطبرانيِّ التي صحَّحَها الألبانيُّ: " أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، وَعَلَى قَرْنِهِ الْعَرْشُ، وَبَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ ‌خَفَقَانُ ‌الطَّيْرِ سَبْعمِائَةِ سَنَةٍ، يَقُولُ الْمَلَكُ: سُبْحَانَكَ حَيْثُ كُنْتَ! "؛ إذا كان هذا عِظَمُ خلْقِه فيما بين شحمةِ أُذُنِه وعاتقه؛ فكيفَ تكونُ عظمةُ سائرِ خلْقِه؟!

 

عبادَ اللهِ!

وغالبًا ما تكونُ القوةُ مدعاةً للطغيانِ والاستكبارِ عن العبادةِ والاستنكافِ عن الخضوعِ، إلا أنَّ الملائكةَ مع ضخامةِ خلْقِهم وشدةِ قوَّتِهم قد بلغوا في مقامِ العبوديةِ والذُّلِ للهِ والخضوعِ له الغايةَ، كما قال -تعالى: ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾ [الأنبياء: 19، 20]، وقال: ﴿ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ ﴾ [فصلت: 38]. يَحمِلُهم على ذلكمُ الانقطاعِ التعبديِّ عظيمُ خشيتِهم للهِ؛ كما قال -تعالى-: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 26 - 28]، وقال -سبحانه-: ﴿ لَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [النحل: 48 - 50]، وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، ‌أطَّتِ ‌السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوضِعُ أرْبَع أصَابعَ إلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا للهِ -تَعَالَى-.. والله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بالنِّساءِ عَلَى الفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأرُونَ إِلَى اللهِ -تَعَالَى- " رواه الترمذيُّ وحسَّنَه وصحَّحَه الألبانيُّ. وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ للهِ ملائكةً تَرْعُدُ فرائصُهم من خِيفتِه، ما منهم مَلَكٌ يَقْطُرُ دمعُه من عينِه إلا وقعتْ مَلَكًا قائمًا يصلي، وإنَّ منهم ملائكةً سجودًا منذُ خَلَقَ اللهُ السماواتِ والأرضَ لم يرفعوا رؤوسَهم، لا يرفعونَها إلى يومِ القيامةِ، وإنَّ منهم ركوعًا لم يرفعوا رؤوسَهم منذ خلقَ اللهُ السماواتِ والأرضَ، فلا يرفعونها إلى يومِ القيامةِ، فإذا رفعوا رؤوسَهم ونظروا إلى وجهِ اللهِ قالوا: سبحانَك ما عبدناك كما ينبغي لك! " رواه محمدُ بنُ نَصْرٍ وقال ابنُ كثيرٍ عن إسنادِه: " وهذا إسنادٌ لا بأسَ به ". ووصفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خوفَهم حين يَتلقَّوْنَ الوحيَ عندما يقضي اللهُ أمرَه في السماءِ، فيتملَّكُ الفَزَعُ قلوبَهم، ويأخذُ منهم كلَّ مَأْخذٍ، وتَضرِبُ بأجنحتِها تَطامُنًا لعظمةِ اللهِ وخضوعًا لأمرِه، في مشهدٍ مَهيبٍ بلغَ فيه الفَزَعُ والخوفُ مَبْلغًا عظيمًا كمَبْلَغِ الفَزِعِ حين يُذْعِرُه إزعاجُ صوتِ سقوطِ سلسلةِ الحديدِ الضخمِ على الصخرةِ الصَّمَّاءِ الملساءِ الضخمةِ، فلا ينطقون بعدَها إلا بعباراتِ الإجلالِ والتعظيمِ لقدْرِه والتصديقِ والامتثالِ لأمرِه، وذلك بعدَ أنْ يُسَرَّى عنهمُ الفَزَعُ الذي أَلجمَ مَنطقَهم وعَقَدَ على قولِهم، فقال: " إِذَا قَضَى اللهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا ‌خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا ﴿ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [سبأ: 23] " رواه البخاريُّ ومسلمٌ. وجبريلُ الروحُ الأمينُ -عليه صلواتُ اللهِ وسلامُه- أحبُّ الملائكةِ إلى اللهِ، وأقربُهم إليه، الذي جعل اللهُ له من المكانةِ والقوةِ ما وصفَه بقولِه -سبحانه-: ﴿ نَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ [التكوير: 19 - 21]- قد وصفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حالَه حين تَملَّكَه شعورُ الخشيةِ من مقامِ ربِّه ليلةَ أَسرى به إلى السماواتِ العُلى وانتهى به إلى سدرةِ المنتهى كحالِ البساطِ المُلقى على الأرضِ وقد تغيّرَ لونُه وتخلَّقَ فقال: " لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مَرَرْتُ عَلَى ‌جِبْرِيلَ فِي الْمَلإِ الأَعْلَى ‌كَالْحِلْسِ الْبَالِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ -عَزَّ وجل- " رواه ابنُ أبي عاصمٍ وحسَّنَه الألبانيُّ.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ.

أما بعدُ. فاعلموا أنَّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

 

أيها المؤمنون!

إنّ استشعارَ وَجَلِ الملائكةِ من ربِّهم وخشيتِهم له مع قوةِ خَلْقِهم وعصمتِهم من الذنوبِ من حين خَلَقَهم إلى أنْ يقضيَ الموتُ بانتهاءِ آجالِهم لَيدعو إلى تأملِ سببِ تلك الخشيةِ؛ لِيأخذَ به السائرُ إلى ربِّه حين يَقتفي هُدى الملائكةِ المعصومين وهو محفوفٌ بين ذنبٍ يُواقعُه ونعمةٍ يَقِلُّ عندها شكرُه؛ ليكونَ ذلك مزادةَ بِرٍّ تُدْنيه من ربِّه، ويعالجُ بها عِثارَ الطريقِ. فخوفُ الملائكةِ نابعٌ من عظيمِ علمِهم باللهِ -جلّ جلالُه-؛ إذ الخشيةُ خوفٌ مقرونٌ بالعلمِ، كما قال -تعالى-: ﴿ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 28]، ومن كان باللهِ أعرفَ كان منه أخوفَ، كما قال -سبحانه: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَتْقَاكُمْ وأعلمَكم بالله أنا " رواه البخاريُّ. والملائكةُ أقربُ الخلقِ إلى اللهِ -سبحانه-، وعلى حسبِ القُرْبِ والمنزلةِ من اللهِ تكونُ الخشيةُ، فكلَّما كان العبدُ أقربَ إلى اللَّهِ كان خوفُه منه أشدَّ؛ لأنَّه يُطالَبُ بما لا يُطالَبُ به غيرُه، ويجبُ عليه من رعايةِ تلك المنزلةِ وحقوقِها ما لا يجبُ على غيرِه. ومَثَلُ ذلك في الواقعِ الماثلُ بين يدي أحدِ الملوكِ المشاهِدُ له؛ يكونُ أشدَّ خوفًا منه من البعيدِ عنه؛ بحسبِ قربِه منه ومنزلتِه عنده ومعرفتِه به وبحقوقِه، وأنَّه يُطالَبُ من حقوقِ الخدمةِ وآدابِها بما لا يُطالَبُ به غيرُه، فهو أحقُّ بالخوفِ من البعيدِ. ويقينُ العلمِ بانفرادِ اللهِ بالهدايةِ والغوايةِ، وتقليبِ القلوبِ وتصريفِها وإزاغتِها، وأنَّ العبدَ مفتقرٌ لتثبيتِ ربِّه إيمانَه كلَّ لحظةٍ، وأنّه لا غنى له عنه طرفةَ عينٍ من أعظمِ ما يَحملُه على لزومِ عَتَبةِ الخشيةِ. فكان علمُ الملائكةِ بربِّهم، وقربُهم منه، وافتقارُهم إليه سببُ خشيتِهم له، كما ذكر ابن القيم.

 

مَلائِكَةٌ لا يَفْتُرونَ عِبادَةً
كَرُوبِيَّةٌ مِنهُم رُكوعٌ وَسُجَّدُ
فَساجِدُهُم لا يَرفَعُ الدَهرَ رَأسَهُ
يُعَظِّمُ رَبًّا فَوقَهُ وَيُمَجِّدُ
وَراكِعُهُم يَعنو لَهُ الدَهرَ خاشِعًا
يُرَدِّدُ آلاءَ الإلَهِ وَيَحمَدُ
قيامٌ عَلى الأَقدامِ عانينَ تَحتَهُ
فَرائِصُهُم مِن شِدَّةِ الخوفِ تَرْعَدُ
وَمِنهُم مُلِفٌّ في الجَناحينِ رَأسَهُ
يَكادُ لِذِكرى رَبِّهِ يَتَفَصَّدُ
مِنَ الخَوفِ لا ذو سأْمَةٍ بِعِبادَةٍ
وَلا هوَ مِن طولِ التَعَبُّدِ يَجهَدُ
وَدونَ كَثيفِ الماءِ في غامِضِ الهَوا
ملائِكَةٌ تَنحَطُّ فيهِ وَتَصعَدُ
وَبَينَ طِباقِ الأَرضِ تَحتَ بُطونِها
مَلائِكَةٌ بِالأَمرِ فيها تَرَدَّدُ
فَسُبحانَ مَن لا يَعرِفُ الخَلقُ قَدْرَهُ
وَمَن هوَ فوقَ العَرشِ فَردٌ مُوَحَّدُ
وَمَن لَم تُنازِعْهُ الخَلائِقُ مُلْكَهُ
وَإِن لَم تُفَرِّدهُ العِبادُ فَمُفرَدُ
مَليكُ السَمَواتِ الشِدادِ وَأَرضِها
وَلَيسَ بِشَيءٍ عَن قَضاهُ تَأَوُّدُ
هو اللَهُ باري الخَلْقِ وَالخَلْقُ كُلُّهُم
إِماءٌ لَهُ طَوْعًا جَميعًا وَأَعبُدُ
وَأنَّى يَكونُ الخَلقُ كَالخالِقِ الَذي
يَدومُ وَيَبقى وَالخَليقَةُ تَنفَدُ

‌‌





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإيمان بالملائكة وثمراته (خطبة)
  • من فضائل النبي: دفاع الملائكة عنه في الغزوات وغيرها
  • من سلسلة أحاديث رمضان حديث: ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة
  • من فضائل النبي: نزل ملك ليبشره بنورين، وترحيب الملائكة به في ليلة المعراج
  • نزول الملائكة يوم بدر ونيلهم الشرف الرفيع بقتالهم مع الصحابة
  • تفسير آيات من سورة غافر (دعاء الملائكة للمؤمنين)؟

مختارات من الشبكة

  • الملائكة تصلي على من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • خطبة: العدل ضمان والخير أمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع وباء كورونا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن الذنوب والمعاصي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القدوس، والسلام)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الورد والآس من مناقب ابن عباس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • على ضفاف عاشوراء {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه} (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/1/1447هـ - الساعة: 9:57
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب