• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فتاوى الطلاق الصادرة عن سماحة مفتي عام المملكة ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    عناية النبي بضبط القرآن وحفظه في صدره الشريف
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    على علم عندي
    عبدالسلام بن محمد الرويحي
  •  
    عظمة الإسلام وتحديات الأعداء - فائدة من كتاب: ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    خطبة: أهمية التعامل مع الأجهزة الإلكترونية
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    نصيحتي إلى كل مسحور باختصار
    سلطان بن سراي الشمري
  •  
    الحج عبادة العمر: كيف يغيرنا من الداخل؟
    محمد أبو عطية
  •  
    تفسير سورة البلد
    أبو عاصم البركاتي المصري
  •  
    فضل يوم عرفة
    محمد أنور محمد مرسال
  •  
    خطبة: فضل العشر الأول من ذي الحجة
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: اغتنام أيام عشر ذي الحجة والتذكير بيوم عرفة
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    حقوق الأم (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    من مائدة العقيدة: شروط شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    تحريم صرف شيء من مخلوقات الله لغيره سبحانه وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الله يخلف على المنفق في سبيله ويعوضه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

أيها المؤمنون والدعاة لا تيئسوا المذنبين والعصاة (خطبة)

أيها المؤمنون والدعاة لا تيئسوا المذنبين والعصاة (خطبة)
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/8/2021 ميلادي - 14/1/1443 هجري

الزيارات: 11671

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أيها المؤمنون والدعاة

لا تُيَئِّسُوا المذنبين والعصاة

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ (آل عمران: 102).

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ (النساء: 1).

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ (الأحزاب: 70- 71).

 

أما بعد؛ فإنّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين آمين.

 

المسلمون ليسوا معصومين من الخطأ، وليسوا معصومين من الذنوب، وليسوا معصومين من المعاصي، لذلك فتحَ الله لهم بابَ التوبة وبابَ المغفرة، يستغفرون فيُغفَر لهم، يتوبون فيتوبُ عليهم.

 

لكنَّ بعض الناس يحكمُ على المذنبِ بأنّه مذنب حتى لو تاب، ويحكم على العاصي بأنه عاصٍ ولو تاب، ولا يجعل له مجالاً لأنْ يخرجَ من معصيته وذنبه وخطيئته.

 

عباد الله! أيها المؤمنون أيها الدعاة! لا تيئِّسوا ولا تقنِّطوا عباد الله من المذنبين التائبين والعصاة، لا تقنِّطوهم من رحمة الله، قَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ (الزمر: 53).

 

إنّ الله سبحانه وتعالى عاتب رسوله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَضْحَكُونَ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: « لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا »، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَكَ: لِمَ تُقَنِّطُ عِبَادِي؟! قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: « سَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا »؛ (حب) (113)، وانظر الصحيحة: (3194)، وتخريج فقه السيرة: (445).

 

وليس معنى هذا؛ ألا يأتيَ الداعي والخطيب والواعظُ بآيات فيها التخويف والعذاب؛ لأن الناسَ منهم من تقوِّمُه الجنة، والكلام عن الجنة، ومنهم من لا تقوِّمه إلا النار، والكلام عن النار.

 

قَال الْبُخَارِيُّ رحمه الله (ج6 ص126): [وَكَانَ العَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ يُذَكِّرُ النَّارَ، فَقَالَ رَجُلٌ لِمَ تُقَنِّطِ النَّاسَ؟! قَالَ: (وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أُقَنِّطَ النَّاسَ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ (الزمر: 53)، وَيَقُولُ: ﴿ وَأَنَّ الـمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ (غافر: 43).

 

وَلَكِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أَنْ تُبَشَّرُوا بِالْجَنَّةِ عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِكُمْ، وَإِنَّمَا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمُنْذِرًا بِالنَّارِ مَنْ عَصَاهُ)].

 

فالدعوة إلى الله بين البشارة وبين النذارة، فإذا وجدنا بعض الناس أسرف على نفسه بالمعاصي لا نقنطه من رحمة الله.

 

فلا تقنطوا أيها الدعاة مَن أراد الإسلام والإيمان، من أهل الشرك والكفران.

 

ولا تقنِّطوا من أراد التوبة والأوبة من أهل الكبائر والفسوق والعصيان، مهما كانت هذه الكبائر.

 

عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا؛ أَنَّ نَاسًا، مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، - الدعوة إلى الإسلام والإيمان والتوحيد، قالوا نسمع عن هذا! هذا طيب وهذا حسن-؛ (لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً؟!) - ما عملناه من القتل الكثير والزنا وما شابه ذلك، هل له كفارة؟ هل تذهب عنا تبِعاتُه؟ - فَنَزَلَ قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ ﴾، وَنَزَلَتْ: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ (الزمر: 53)، (خ) (4810)، (م) 193- (122).

 

فالتوبة تمسح الذنوب والخطايا والسيئات مهما كانت، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « لَوْ أَخْطَاتُمْ حَتَّى تَبْلُغَ خَطَايَاكُمُ السَّمَاءَ، ثُمَّ تُبْتُمْ؛ لَتَابَ عَلَيْكُمْ »؛ (جة) (4248)، صَحِيح الْجَامِع: (5235)، الصَّحِيحَة: (903).

 

ولقد تابَ الصحابةُ رضي الله عنهم، فكانوا قبل الإسلام على الشرك والكفرـ والفسوق والعصيان، آبوا ورجعوا عن ذلك إلى التوحيد والإيمان، وتابَ كثيرٌ مِمَّن بعدهم؛ من أهل الفسوق والعصيان، فأصحبوا علماءَ.

 

من الفسق والمعصية يصبح خطيبا ويدعو الناس، ويؤلِّفُ الكتبَ، ونأخذ عنهم، نذكر مثالين لهؤلاء الذين أصبحوا علماءَ، ودعاةً يُشارُ إليهم بالبنان، فمِنْ قَطْعِ الطريق على الناس، والعشقِ الحرام إلى عالمٍ محدِّث، عابدٍ زاهدِ في الدنيا يؤخذ عنه العلم والعبادة، تابوا فأصبحوا دعاة إلى الله علماءَ كرام وزهادا.

 

منهم الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضِ بنِ مَسْعُوْدِ بنِ بِشْرٍ التَّمِيْمِيُّ، الذي وُلِدَ بِخُرَاسَانَ، -أي: أفغانستان-، كَانَ شَاطِراً -أي لصًّا، فالشاطر هو الذي يشاطر الناس أموالهم-، يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ بَيْنَ أَبِيْوَرْدَ وَسَرْخَسَ، وَكَانَ سَبَبُ تَوْبَتِهِ؛ أَنَّهُ عَشِقَ جَارِيَةً، -أي فتاة من الحي-، فَبَيْنَا هُوَ يَرْتَقِي الجُدْرَانَ إِلَيْهَا، إِذْ سَمِعَ تَالِياً يَتْلُو: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ... ﴾ (الحَدِيْدُ: 16)، فَلَمَّا سَمِعَهَا، قَالَ: (بَلَى يَا رَبِّ، قَدْ آنَ)، وترك ما أراده من مقابلة تلك الجارية، فَرَجَعَ، فَآوَاهُ اللَّيْلُ إِلَى خَرِبَةٍ، فَإِذَا فِيْهَا سَابِلَةٌ، أبناء السبيل؛ من الناس؛ تجارٌ وأصحابُ أسفار، فَقَالَ بَعْضُهُم - وهو يسمع وهم يظنونه منهم-: (نَرحَلُ). وَقَالَ بَعْضُهُم: (حَتَّى نُصْبِحَ، فَإِنَّ فُضَيْلاً عَلَى الطَّرِيْقِ يَقْطَعُ عَلَيْنَا). قَالَ: (فَفَكَّرْتُ، وَقُلْتُ: أَنَا أَسْعَى بِاللَّيْلِ فِي الـمَعَاصِي، وَقَوْمٌ مِنَ الـمُسْلِمِيْنَ هَا هُنَا يَخَافُوننِي، وَمَا أَرَى اللهَ سَاقَنِي إِلَيْهِم إِلاَّ لأَرْتَدِعَ، اللَّهُمَّ إِنِّيْ قَدْ تُبْتُ إِلَيْكَ، وَجَعَلْتُ تَوْبَتِي مُجَاوَرَةَ البَيْتِ الحَرَامِ).

 

وَانْتَقَلَ إِلَى مَكَّةَ، وَنَزَلَهَا، إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فِي خِلاَفَةِ هَارُوْنَ -الرشيد-، وَكَانَ ثِقَةً، نَبِيْلاً، فَاضِلاً، عَابِداً، وَرِعاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. انظر: سير أعلام النبلاء، ط. الرسالة (8/ 423).

 

هذا وصف الذهبيِّ له، ووصفه أيضا أنه بتوبته أصبح إمامًا وقدوةً شيخا للإسلام والمسلمين.

 

من عِشْق جاريةٍ، إلى قطع طريقٍ، إلى عالمٍ من العلماء، وزاهدٍ من الزهاد، فلا تغترُّوا بأحداثِ أعمالِ حدثت في أول العمر، وما فعل فيه الإنسان، فالعبرة بالخواتيم.

 

والمثال الآخر؛ من شرطيٍّ سِكِّيرٍ إلى عالم نِحرير، إنه العالمُ المحدّث مالك بن دينار، فقد [روي عن مالك بن دينار أنه سئل عن سببِ توبتِه فقال:

(كنت شرطيًّا، وكنت منهمكًا على شربِ الخمر، ثم إنني اشتريت جارية نَفِيسةً، -اشترى فتاة ثمينة، غالية النقد-، ووقعت مني أحسن موقع، -أي: أحبّها حبًّا شديدا-، فولَدَت لي بنتا، فشغفت بها، -أي أحب بنته حبا شديدا-، فلما دبَّت على الأرض؛ -أي: بدأت تمشي-، ازدادت في قلبي حبًّا وألفَتْنِي وأَلِفْتها). -أحبّ ابنته وابنته أحبته-. قال:

(فكنت إذا وضعتُ المسْكِرَ بين يديّ؛ جاءت إليَّ وجاذبتني عليه، وهرقته على ثوبي). -وهي طفلة صغيرة-.

 

(فلما تم لها سنتان ماتت) -ومع ذلك لا تحبّ والدها أن يشرب الخمر-، (فأكمَدني حزنُها).

 

(فلما كانت ليلةُ النصف من شعبان، وكانت ليلةَ الجمعة؛ بِتُّ ثَمِلاً من الخمر، ولم أُصَلِّ فيها عشاء الآخرة، فرأيت فيما يرى النائم؛ كأنَّ القيامةَ قد قامت، ونُفخ في الصور)، -وعندما كنت أقرأ هذه الرؤيا وهذا الحلم اقشعر بدني، فكيف بالحقيقة يوم القيامة؟؟!

 

(وبُعثِرتَ القبور، وحشر الخلائق وأنا معهم، فسمعت حِسًّا من ورائي، فالتفتُّ؛ فإذا أنا بتِنِّيْنٍ أعظمَ ما يكون)، -ثعبان من الأنواع الضخمة والطويلة المخيفة-، (أسودَ أزرقَ، قد فتحَ فاه مسرعًا نحوي. فمررت بين يديه هاربا فزعا مرعوبا، فمررت في طريقي بشيخٍ نقيِّ الثوبِ، طيبِ الرائحة، فسلَّمتُ عليه، فردَّ السلام)، فقلت:

(أيها الشيخُ! أجرني من هذا التِّنِّين أجارك الله، فبكى الشيخ)، وقال لي: (أنا ضعيفُ، وهذا أقوى منِّي، وما أقدر عليه، ولكن مرَّ وأسرعْ، فلعلَّ اللهَ أن يتيحَ لكَ ما ينجِّيك منه).

 

(فولَّيتُ هارباً على وجهي، فصعِدت على شَرَفٍ من شُرُفِ القيامة)، -وللقيامة شرفات، وعندما صعد عليها رأى شيئا عجيبا، قال:-، (فأشرفْتُ على طبقات النيران، فنظرت إلى هولها، وكدتُ أهوي فيها من فزع التنين)، فصاح بي صائح: (ارجعْ فلستَ من أهلها! فاطمأنَنْتُ إلى قوله ورجعت.

 

ورجع التنين في طلبي فأتيت الشيخ)، فقلت: (يا شيخ سألتك أنْ تجيرني من هذا التنين، فلم تفعل، فبكى الشيخ)، وقال: (أنا ضعيفُ ولكنْ سِرْ إلى هذا الجبل؛ فإنَّ فيه ودائعَ المسلمين، فإن كان لك فيه وديعة فستنصرك).

 

قال: (فنظرت إلى جبل مستدير من فضة، وفيه كُوًى -أي: فَتَحَات ونوافذ- مخرَّمة، وستورٌ معلّقة، على كلِّ خَوخَةٍ وكوَّةٍ مصراعان من الذهب الأحمر، مفصَّلة باليواقيت، مكوكبةٌ بالدُّرِّ، على كلِّ مصراع سِترٌ من الحرير، فلما نظرت إلى الجبل، وَلَّيتُ إليه هاربا، والتنِّين من ورائي، حتى إذا قرُبْتُ منه)؛ صاح بعض الملائكة:

(ارفعوا الستور، وافتحوا المصاريع وأشرفوا! فلعلّ لهذا البائس فيكم وديعةً تجيرُه من عدوِّه).

 

(فإذا الستورُ قد رفعت، والمصاريع قد فتحت، فأشرفَ عليَّ من تلك المخرَّمات أطفالٌ بوجوهٍ كالأقمار)، -وهم أطفال المسلمين الذين يموتون في طفولتهم-، (وقرُب التنِّين منِّي، فتحيرت في أمري). فصاح بعض الأطفال:

(ويحكم! أشرِفوا كلُّكم فقد قرُب منه عدوُّه).

 

(فأشرفوا فوجًا بعد فوجٍ، وإذا أنا بابنتي التي ماتت -وعمرها سنتان- قد أشرفت عليَّ معهم، فلما رأتني؛ بكت)، وقالت:

(أبي والله!) (ثم وثَبَتْ في كِفَّةٍ من نورٍ، كرميةِ السهم، حتى مَثُلَت بين يديَّ، فمَدَّت يدها الشمال إلى يدي اليمنى، فتعلَّقْتُ بها، ومدَّت يدَها اليمنى إلى التنين فولى هاربا.

 

ثم أجلستني وقعدت في حجري، وضربت بيدها اليمنى إلى لحيتي)، وقالت: (يا أبت ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾) (الحديد: 16).

 

(فبكيت وقلت: يا بنية! وأنتم تعرفون القرآن؟!) -وعمرها سنتين-، فقالت: (يا أبت! نحن أعرف به منكم).

 

قلت: (فأخبريني عن التنين الذي أراد أن يهلكني؟)، قالت: (ذلك عملك السوء؛ قَوَّيتَه فأراد أن يُغرِقك في نار جهنم).

 

قلت: (فأخبريني عن الشيخ الذي مررت به في طريقي؟) قالت: (يا أبت! ذلك عملُك الصالحُ؛ أضعَفْتَه حتى لم يكن له طاقةٌ بعملك السوء).

 

قلت: (يا بنية! وما تصنعون في هذا الجبل؟!) قالت: (نحن أطفالُ المسلمين، قد أُسْكِنَّا فيه إلى أن تقوم الساعة، ننتظركم) -ينتظرون آباءهم-، (تقدمون علينا فنشفع لكم).

 

قال مالك: (فانتبهت فزعا) -مذعورا-، (وأصبحتُ فأَرَقْتُ المسكرَ وكسَّرْتُ الآنيةَ، وتبت إلى الله عز وجل، وهذا كان سبب توبتي]. من التوابين لابن قدامة (ص: 124- 126).

 

تاب فأصبح عَلَمًا من العُلَمَاءِ الأَبْرَارِ، مَعْدُوْدًا فِي ثِقَاتِ التَّابِعِيْنَ الزهاد الأخيار، وَمِنْ أَعْيَانِ كَتبَةِ الـمَصَاحِفِ، -كان يكتب المصاحف بيده ويبيعه فسيترزق منه، و- كَانَ مِنْ ذَلِكَ رزقه. انظر سير أعلام النبلاء، ط. الرسالة (5/ 362).

 

فمن تابَ تابَ الله عليه، ورَزَقه علما وتقوىً وقوة إيمان.

فلا تتعجّلوا وتقنِّطوا المذنبين عموما والتائبين خصوصا.

 

نرى بعض الناس إذا جاء بعض من عليه ذنوب معروف بين الناس أنه يشرب الخمر أو المخدرات أو الحشيش، إذا دخل المسجد كلّ العيون تنظر إليه، ثم يفرُّ ولا يرجع مرة أخرى، هؤلاء قنّطوه، لا تقنطوا المذنبين أو التائبين.

 

بعض الناس ينسى توبة التائب ويذكر معاصيَه!

فيقولون: هذا الذي كان يفعل ويفعل، الآن صار عالما وداعيا؟!! نعم! بل صار مَن قبْلَه عالما أيضا.

وهذا الذي كان يشرب ويسكَر، ويتعاطى المخدرات ونحوها؟ هل نزوجه من بناتنا وأخواتنا؟!

وهذا الذي كان يتعاطى المخدرات ويحشِّش، هل نزوجُ أبناءنا من بناته وأخواته؟!!

 

لماذا يا عباد الله؟ لماذا هذا؟ وقد قال الذهبي: [الشِّرْكُ أَعْظَمُ مِنْ قَطعِ الطَّرِيْقِ، وَقَدْ تَابَ مِنَ الشِّركِ خَلقٌ، صَارُوا أَفْضَلَ الأُمَّةِ، فَنَوَاصِي العِبَادِ بِيَدِ] -من؟ بيد- [اللهِ] -سبحانه وتَعَالَى-، وَهُوَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ]. سير أعلام النبلاء، ط. الرسالة (8/ 438).

 

فلنتَّقِ اللهَ عباد الله! ولا نُقَنِّط عباد الله المذنبين عموما، والتائبين خصوصا.

فلا نقنّطهم بل ندعوهم إلى الله، ومن تاب وجاء إلى بيت من بيوت الله هذا بأخص الخصوص نرحب به، ولا نذكِّره بماضيه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الآخرة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين، أما بعد:

هؤلاء المذنبون ما حالهم يوم القيامة؟ يقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الـمُؤْمِنَ")، -أي: يقرُّبه- ("فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ! حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ")، -لأنه اعترف بذنوبه كلِّها، فالآن يقرر في نفسه أنه قد هلك-، ("قَالَ") -سبحانه وتعالى-: ("سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ.

 

وَأَمَّا الكَافِرُ وَالـمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: ﴿ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾" (هود: 18)، (خ) (2441).

 

فنسأل اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ؛ أن يغفرَ لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وأن يثبت أقدامنا، وأن ينصرنا على القوم الكافرين.

 

اللهم وحِّد صفوفَنا، وألِّف بين قلوبنا، وأزِل الغِلَّ والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ (العنكبوت: 45).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • التراحم والأخوة بين المؤمنين (إنما المؤمنون إخوة)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صفات المؤمنين في سورة المؤمنون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، وأن محبة المؤمنين من الإيمان(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • أيها المؤمنون تذكرة للدعاة (PDF)(كتاب - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)
  • لماذا كان المؤمنون ضعفاء؟ (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • تدبر أول سورة المؤمنون وآخرها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: لا يدخل الجنة إلا المؤمنون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قد أفلح المؤمنون (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المؤمنون في يوم القيامة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 7/12/1446هـ - الساعة: 2:15
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب