موسوعة المتسابقين في السيرة النبوية (11)

موسوعة المتسابقين في السيرة (11)

معلومات عن الوفود

التي وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم

لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكةَ، وكسر هوازن بحُنَين، وحاصر أهل الطائف في حصنهم، استقام له الأمر في الحجاز، وبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجًا؛ فكانت القبائل تُرسِلُ وفودها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لتتعلم منه الدينَ، أو لتفتكَّ منه أسرى وقعوا في قبضة المسلمين في بعض السرايا والبعوث، وإليك لائحةً بأبرز الوفود التي وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر سنة 9هـ وبداية سنة 10هـ:

وفود هوازن سنة 8هـ:

بعد مُنصرفِه صلى الله عليه وسلم من الطائف أمضى أيامًا لم يُقسِّمْ غنائمَ حُنَين بين المسلمين؛ ينتظر قدومَ هوازن عليه، ودخولَهم في دين الله، فلما أبطؤوا عليه قسَم الغنائم بين صَحْبه، وأعطى المؤلَّفةَ قلوبُهم، وكبارَ الأقوام، فجاءه وفدٌ من هوازن بعد ذلك، يرأسُهم زهير بن صرد، وقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن فيما أصبْتم الأمهات، والعمَّات، والخالات، وهن مخازي الأقوامِ، وأنشده أبياتًا يَستعطِفُه فيها منها (البحر البسيط):

امنن علينا رسولَ الله في كرم فإنك المرء نرجوه وننتظرُ امنن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك مملوءة من مخضها الدررُ

فخيَّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأموال والسَّبْي، فاختاروا السَّبْي، وقالوا: لا نعدل بالأحسابِ شيئًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم))، فقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك قال الأنصار، أما جُفاة الأعراب فامتنعوا أن يردُّوا إليهم ما قسَم لهم من الغنائم، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم قرضًا، وحبس عائلةَ مالك بن عوف سيدهم عنده حتى جاءه، وأسلَمَ، فردَّ إليه عائلته، وأكرمه، وأنشده مالك بن عوف أبياتًا مدح فيها حلمه وكرمه.

وفود ثقيف:

روى ابن إسحاق أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن ثقيف تَبِعه عروة بن مسعود، فلحِقَه قبل أن يصلَ المدينةَ، فأسلم، وسأله أن يعودَ إلى قومه يدعوهم للإسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنهم قاتلوك)) فأجاب: أنا أحبُّ إليهم من أبكارهم.

فخرج إلى قومه، وأشرف عليهم من عليَّة (مكان مرتفع) يدعوهم للإسلام، فرَمَوْه بالنَّبْل حتى قتلوه، وتحقَّق ما حذَّره منه الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، ثم خافت ثقيفٌ بعد قتلها لعروةَ بن مسعود، وأرسلت وفدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرادوا منه أن يترك لهم صنمَهم ثلاث سنوات، فأبى عن ذلك، فسألوه أن يتركَه لهم سنتين فسنةً فشهرًا، فأبى، فسألوه أن يعفيَهم من هدمه، فأجابهم لذلك، وأرسل معهم المغيرةَ بن شعبة، وأبا سفيان بن حرب يهدمانه، وأرادوا منهم أن يحطَّ عنهم الصلاة، وقالوا: إذا صلينا تعلو استُنا! فقال: ((لا خيرَ في دين لا صلاةَ فيه)).

وفود عدي بن حاتم الطائي:

وكان من خبره أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أرسل عليَّ بنَ أبي طالب في خمسين فارسًا؛ ليهدم صنمَ طيِّئ فاعترضه عبَّادُه من الوثنيين، فهزمهم واستاق نعَمهم، وسبى بعضَ نسائهم، وكان في السبي سفانة بنتُ حاتمٍ الطائي، أختُ عدي، وفرَّ أخوها عديٌّ، فلما جاءت سفانة للمدينة قالت: (يا رسول الله، هلك الوالدُ، وغاب الوافد، فامنن عليَّ!) فسألها: من الوافدُ؟ فأجابت عديُّ بن حاتم، فقال: ((الفار من الله ورسوله))، ثم منَّ عليها بعد ذلك، وأطلقها، ولما جاءت إلى أخيها عديِّ بن حاتم خبَّرته بما رأت من كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه، ودعَتْه للوفود إليه، فجاء عديٌّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذه إلى بيته، فمرَّا بعجوز استوقفت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم طويلاً، فلما رأى عديٌّ ذلك قال: (ما هو بمَلِك!) فلما دخل بيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدَّم إليه وسادةً حشوها لِيفٌ، وقال: اجلس على هذه، فردَّها إليه عديٌّ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنت تجلس عليها، وقال له: ((يا عديُّ، أسلِمْ تَسْلمْ)) كرَّرها ثلاثًا، فقال له عدي: إني على دينٍ، فخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أعلمُ بدينه منه، وبسيرته التي كان يسير فيها بقومِه، فقال عدي: والله ما علم بهذا إلا نبيٌّ!

وأسلَم عديٌّ، وأخبره النبيُّ صلى الله عليه وسلم بحوادث يراها إن طالَتْ به الحياة، وقد رأى اثنتَيْنِ منها، وبقيت واحدة أخبَرَ بها مَن حضره، وستقع كما أخبر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، والاثنتان اللَّتان رآهما عديٌّ: فيض المال، ومسير الظَّعينة من صنعاءَ إلى الحيرة لا تخاف إلا الله، أما التي لم يرَها فهي عودة جزيرة العرب مروجًا وأنهارًا.

وفد بني حنيفة:

وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفدٌ من بني حنيفة، فيهم مُسيلمة الكذَّاب، فجلس يحفظ لهم رحالَهم، ووفدوا هم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأسلموا، وأمر لهم بعطايا، فسألهم هل بقي منهم أحدٌ؟ فأجابوا أنه لم يبقَ منهم إلا واحد يَحْفظُ لهم رِحالَهم ومتاعهم، فأمر له بمثل ما أمَرَ لهم وقال: ((أما إنه ليس بشرِّكم مكانًا لحفظه رِحالَكم ومتاعكم))؛ وفي أثر آخر: أن مسيلمة قال: لو جَعلَ ليَ الأمرَ من بعده لاتَّبعتُه!

فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه ثابت بن قيس بن شمَّاس، وكان في يدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم جريدةٌ، فقال: لو سألتني هذه القطعةَ ما أعطيتُكها، وإني لأريك الذي رأيت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى بيده سوارين من ذهبٍ، فنفخهما فطارا، فأوَّلهما كذابين يخرجانِ من بعدِه، مُسيلمةُ أحدُهما، والآخر: الأسود العَنْسي، وما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يناقضُ كرمَه وبذلَه بالمعروف، بل هو من باب إلزام المخالف بالحقِّ، وإقامه الحجة عليه؛ حتى لا يشكَّ أحدٌ في كذب دعواه.

وفد بني تميم:

وكان من خبرهم أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى بني كعب من خزاعةَ مَن يَأخذُ منهم الصدقات، فمنعَتْهم تميمٌ من أدائها، فأرسل النبيُّ إليهم سريةً من خمسين فارسًا أمَّر عليها عُيَينة بن حصن الفزاري؛ لتأديبهم، فأسَرَ منهم أحدَ عشرَ رجلاً وعشرين امرأةً، وثلاثين صبيًّا، فجاء في إثرهم وفدٌ من بني تميمٍ ضمَّ الزَّبَرْقانَ بنَ بدر، والأقرعَ بنَ حابسٍ، وقالوا: يا محمد، اخرج إلينا نفاخِرْك، وتكلَّم خطيبُهم، فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثابتَ بنَ قيس بن شمَّاس فردَّ عليه، وافتخَر شاعرُهم الزَّبَرقان بن بدرٍ، فأجابه شاعرُ الرسولِ حسَّان بقصيدة مطلعُها (البحر البسيط):

إن الذوائبَ من فهر وإخوتَهم ♦♦♦ قد بيَّنوا سُنةً للناس تُتَّبَعُ

فقالوا: خطيبُكم أخطبُ من خطيبنا، وشاعرُكم أفصحُ من شاعرنا، فأسلموا، وردَّ النبي صلى الله عليه وسلم إليهم أَسْراهم، وأحسن معاملتهم، وفيهم نزلتْ آياتٌ من سورة الحجرات: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 4، 5].

وفود كعب بن زهير:

كان كعب بن زهير شاعرًا مناوئًا للدعوة الإسلامية، وكان أبوه زهيرٌ قد رأى قبلَ موته رؤيا أفزعتْه، وقد قصَّها على ابنَيْه: كعبٍ وبجير، وأوصاهم باتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم الذي سيُبعَثُ في مكة، فلم يَشأ الله التوفيقَ لكعب، وحارب الدعوة الإسلامية، ولما ظهر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قومه في مكة، ظلَّ كعب ينتقل من حيٍّ إلى حي من أحياء العرب، فراسله أخوه بجير، وأخذ له الأمانَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، واستأمن لنفسه، ثم أنشده قصيدتَه التي مطلعُها:

بانَتْ سعادُ فقلبي اليومَ مَتْبُولُ ♦♦♦ متيَّمٌ إثرَها لم يُفْدَ مَكْبولُ

إلى أن قال:

نُبِّئت أن رسولَ الله أوعدني والعفوُ عند رسول الله مأمولُ مهلاً هداكَ الذي أعطاك نافلةَ ال قرآنِ فيه مواعيظٌ وتفصيلُ لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثُرتْ فيَّ الأقاويلُ إن الرسولَ لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلولُ

وأعطاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بُردتَه التي ظل الخلفاء يتوارثونها جيلاً بعد جيل إلى أن حفظت في متحف إسطنبول.