• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (16)

إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (16)
الشيخ محمد طه شعبان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/8/2014 ميلادي - 14/10/1435 هجري

الزيارات: 6337

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (16)


قوله:

وكانَ في الخامسةِ اسمَعْ وثِقِ
الإفكُ في غَزْوِ بنِي المُصْطَلِقِ

 

وفي شعبان من السنة الخامسة من الهجرة كانت غزوة بني المصطلق[1].

 

وتسمى أيضًا: غزوة المُرَيْسِيع[2].

 

وبنو المصطلق بطن من قبيلة خزاعة الأزدية اليمانية، وكانوا يسكنون قديدًا[3] وعُسفان على الطريق من المدينة إلى مكة، فقديد تبعد عن مكة 120كيلو مترًا[4]، وعسفان تبعد 80 كيلو مترًا[5]، فيكون بينهما أربعون كيلو، في حين تنتشر ديار خزاعة على الطريق من المدينة إلى مكة ما بين مر الظهران التي تبعد عن مكة 30 كيلو، وبين الأبواء شرق مستورة بثلاثة أكيال التي تبعد عن مكة 240 كيلو، وبذلك يتوسط بنو المصطلق ديار خزاعة، وموقعهم مهم بالنسبة للصراع بين المسلمين وقريش، وقد عرفت خزاعة بموقفها المسالم للمسلمين، وربما كان لصلات النسب والمصالح مع الأنصار تأثير في تحسين العلاقات، رغم المحالفات القديمة بينهم وبين قريش ذات المصالح الكبرى في الطريق التجارية إلى الشام، ورغم سيادة الشرك في ديار خزاعة؛ حيث كانت هضبة المشلل التي كانت بها مناة في قديد، ورغم أن ديارها كانت أقرب إلى مكة منها إلى المدينة.

 

ولعل هذه العوامل أعاقت - في نفس الوقت - انتشار الإسلام في خزاعة عامة وبني المصطلق خاصة، الذين يستفيدون إلى جانب الموقع التجاري بوجود مناة الطاغية في ديارهم معنويًا وماديًا حيث يحج إليها العرب.

 

وأول موقف عدائي لبني المصطلق من الإسلام كان في إسهامهم ضمن الأحابيش في جيش قريش في غزوة أحد.

 

وقد تجرَّأت بنو المصطلق على المسلمين نتيجة لغزوة أحد، كما تجرَّأت القبائل الأخرى المحيطة بالمدينة، ولعلها كانت تخشى انتقام المسلمين منها؛ لدورِها في غزوة أُحد، وكذلك كانت ترغب في أن يبقى الطريق التجاري مفتوحًا أمام قريش لا يهدِّده أَحد؛ لِما في ذلك من مصالح لها محققة، فكانت بزعامة الحارث بن أبي ضرار تتهيأُ للأمر بجمع الرجال والسلاح وتأليب القبائل المجاورة ضد المسلمين[6].

 

قال ابنُ إسحاق - رحمه الله -:

بلغ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أن بني المصطلق يجمَعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرارٍ، أبو جويرية بنت الحارث، زوجِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما سمع رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بهم خرَج إليهم.

 

قال ابن هشامٍ:

واستعمل على المدينة أبا ذرٍّ الغفاري، ويقال: نميلة بن عبدالله الليثي.

 

قال ابن إسحاق:

حتى لقيهم على ماءٍ لهم يقال له: المريسيع، من ناحية قديدٍ إلى الساحل، فتزاحف الناسُ واقتتلوا، فهزَم الله بني المصطلق، وقتَل مَن قتَل منهم، ونفَّل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أبناءهم ونساءهم وأموالهم، فأفاءهم عليه[7].

 

وكان شعار المسلمين يوم بني المصطلق: يا منصور، أمِتْ أمت[8].

 

وقد أصيب رجلٌ من المسلمين من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكرٍ، يقال له: هشام بن صبابة، أصابه رجلٌ من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت، وهو يرى أنه من العدو، فقتَله خطأً[9].

 

وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد أغار عليهم فجأةً وهم غارُّون.

 

عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - وكان في ذلك الجيش، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أغار على بني المصطلِق وهم غارُّونَ، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتَل مُقاتِلَتَهم، وسبى ذراريَّهم، وأصاب يومئذٍ جويريةَ[10].

 

ومما حدَث في غزوة بني المُصطَلَقِ:

عن أبي سعيدٍ الخدريِّ - رضي الله عنه - قال: خرَجْنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني المصطلِق، فأصبنا سَبْيًا من سبي العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا العزبة وأحببنا العَزْل، فأردنا أن نعزِل، وقلنا: نعزل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا قبل أن نسأَله، فسألناه عن ذلك، فقال: ((ما عليكم ألا تفعلوا، ما من نسَمةٍ كائنةٍ إلى يوم القيامة إلا وهي كائنةٌ))[11].

 

ظهور حقد المنافقين بعد انتصار المؤمنين:

ولما انتصر المسلمون في تلك المعركة وظهَروا على عدوهم، اغتاظ المنافقون غيظًا شديدًا، وظهر حقدهم الذي كان دفينًا، فهذا عبدالله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين لم يستطِعْ كتمَ غيظِه.

 

عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرٍ أصاب الناسَ فيه شدةٌ، فقال عبدالله بن أبي لأصحابه: لا تُنفِقوا على من عندَ رسول الله حتى ينفضوا من حوله، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتُه، فأرسل إلى عبدالله بن أبي فسأله، فاجتهد يمينه ما فعل، قالوا: كذَب زيدٌ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فوقع في نفسي مما قالوا شدةٌ، حتى أنزَل الله - عز وجل - تصديقي في: ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ ﴾ [المنافقون: 1]، فدعاهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ليستغفرَ لهم، فلَوَّوْا رؤوسهم، وقوله: ﴿ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾ [المنافقون: 4]، قال: كانوا رجالاً أجملَ شيءٍ[12].

 

في رواية: فبعث إليَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقرأ، فقال: ((إن اللهَ قد صدقك يا زيد))[13].

 

وعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: كنا في غزاةٍ فكسَع[14] رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ما بال دعوى الجاهلية؟))، قالوا: يا رسول الله، كسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: ((دعوها؛ فإنها منتنةٌ)) فسمع بذلك عبدُالله بن أبي، فقال: فعَلوها، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنَّ الأعز منها الأذل، فبلغ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقام عمر فقال: يا رسول الله، دَعْني أضرِبْ عنق هذا المنافق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((دعه، لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتُل أصحابه))[15].

 

فقال له ابنه عبدالله بن عبدالله: والله لا تنقلبُ حتى تقرَّ أنك الذليل، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - العزيزُ، ففعَل[16].

 

وفي هذه الغزوة افترى المنافقون على عائشة - رضي الله عنها - حادثة الإفك، فأنزَل الله - تعالى- براءتها في القرآن.

 

لم يكتفِ عبدالله بن أبي بما فعله حين الرجوع من غزوة بني المصطلِق من محاولة تأليب المسلمين بعضهم على بعض، وبما قاله في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فعَل أمرًا عظيمًا وافترى على أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - الطاهرة الشريفة العفيفة الحصان الرَّزان، وطعَنها في شرفها، وافترى عليها كذبًا.

 

ولنتركِ السيدة عائشة - رضي الله عنها - تحكي لنا تفاصيل ما حدث، تقول السيدة عائشة - رضي الله عنها -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرًا أقرع بين أزواجه، فأيتهنَّ خرَج سهمها خرَج بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه، قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوةٍ غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما أُنزِل الحجاب، فكنت أُحمَل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوته تلك وقفَل، ودنونا من المدينة قافلين، آذَن ليلةً بالرحيل، فقمتُ حين آذنوا بالرحيل، فمشيتُ حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فلمستُ صدري، فإذا عِقدٌ لي من جزْعِ ظَفارِ قد انقطع، فرجعت فالتمست عِقدي فحبسني ابتغاؤه، قالت: وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني، فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يُهَبَّلْنَ[17]، ولم يغشَهن اللحم، إنما يأكلن العُلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفةَ الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جاريةً حديثة السن، فبعثوا الجمل فساروا، ووجدتُ عِقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم، وليس بها منهم داعٍ ولا مجيبٌ، فتيممت منزلي الذي كنت به، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسةٌ في منزلي، غلبَتْني عيني فنِمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي، فرأى سوادَ إنسانٍ نائمٍ فعرَفني حين رآني، وكان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرَفني، فخمَّرت وجهي بجلبابي، ووالله ما تكلَّمنا بكلمةٍ، ولا سمعت منه كلمةً غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته، فوطئ على يدها، فقمت إليها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين في نحر الظهيرةِ وهم نزولٌ، قالت: فهلَك مَن هلك، وكان الذي تولى كبر الإفك عبدالله بن أبي ابن سلول.

 

قال عروة: أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده، فيقره ويستمعه ويستوشيه.

 

وقال عروة أيضًا: لم يسمَّ من أهل الإفك أيضًا إلا حسان بن ثابتٍ، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحشٍ، في ناسٍ آخرين لا علم لي بهم، غير أنهم عصبةٌ - كما قال الله تعالى، وإنَّ كِبْرَ ذلك يقال له: عبدالله بن أبي ابن سلول.

 

قال عروة: كانت عائشة تكرَه أن يُسَبَّ عندها حسانُ، وتقول: إنه الذي قال:

فإنَّ أبي ووالدَه وعِرْضي
لعِرْضِ محمَّدٍ منكم وقاءُ

 

قالت عائشة: فقدمنا المدينة، فاشتكيتُ حين قدمت شهرًا، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، لا أشعر بشيءٍ من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللُّطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل عليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فيسلِّم، ثم يقول: ((كيف تيكم؟))، ثم ينصرف، فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت حين نقهت[18]، فخرجت مع أم مسطحٍ قِبَل المناصع[19]، وكان متبَرَّزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليلٍ، وذلك قبل أن نتخذ الكُنف قريبًا من بيوتنا، قالت: وأمرنا أمر العرب الأُوَل في البرية قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا.

 

قالت: فانطلقتُ أنا وأم مسطحٍ، وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبدمنافٍ، وأمها بنت صخر بن عامرٍ، خالة أبي بكرٍ الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وأم مسطحٍ قِبَل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثَرَت أم مسطحٍ في مِرطها[20] فقالت: تعِس مسطحٌ، فقلت لها: بئس ما قلتِ، أتسبين رجلاً شهد بدرًا؟ فقالت: أي هنتاه[21] ولم تسمعي ما قال؟ قالت: وقلت: ما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، قالت: فازددت مرضًا على مرضي، فلما رجعت إلى بيتي دخل عليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فسلم، ثم قال: ((كيف تيكم؟))، فقلت له: أتأذن لي أن آتيَ أبوي؟ قالت: وأريد أن أستيقن الخبر من قِبَلهما، قالت: فأذِن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت لأمي: يا أمتاه، ماذا يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية، هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأةٌ قط وضيئة عند رجلٍ يحبها، لها ضرائر، إلا كثَّرن عليها، قالت: فقلت: سبحان الله، أوَلَقد تحدَّث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحتُ، لا يرقأ لي دمعٌ ولا أكتحل بنومٍ، ثم أصبحت أبكي، قالت: ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالبٍ وأسامة بن زيدٍ حين استلبث الوحيُ، يسألهما ويستشيرهما في فِراقِ أهله، قالت: فأما أسامة فأشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي يعلَمُ من براءة أهله، وبالذي يعلَمُ لهم في نفسه، فقال أسامة: أهلك، ولا نعلم إلا خيرًا، وأما عليٌّ فقال: يا رسول الله، لم يضيِّقِ الله عليك، والنساء سواها كثيرٌ، وسلِ الجارية تصدُقْكَ، قالت: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريرة، فقال: ((أي بَريرةُ، هل رأيتِ من شيءٍ يريبك؟))، قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق، ما رأيتُ عليها أمرًا قط أغمصه[22]، غير أنها جاريةٌ حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجنُ فتأكله.

 

قالت: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يومه فاستعذَر من عبدالله بن أبي، وهو على المنبر، فقال: ((يا معشر المسلمين، مَن يعذِرُني من رجلٍ قد بلغني عنه أذاه في أهلي؟ والله ما علمتُ على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيرًا، وما يدخل على أهلي إلا معي)).

 

قالت: فقام سعدُ بن معاذٍ أخو بني عبدالأشهل، فقال: أنا يا رسولَ الله أعذرُك، فإن كان من الأوس ضربتُ عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتَنا ففعلنا أمرك، قالت: فقام رجلٌ من الخزرج، وكانت أم حسان بنت عمه من فخذِه، وهو سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، قالت: وكان قبل ذلك رجلاً صالحًا، ولكن احتملته الحميَّةُ، فقال لسعدٍ: كذبتَ لَعَمْرُ اللهِ لا تقتله، ولا تقدِر على قتله، ولو كان من رهطك ما أحببتَ أن يُقتَلَ، فقام أسيد بن حضيرٍ، وهو ابن عم سعدٍ، فقال لسعد بن عبادة: كذبتَ لَعَمْرُ الله لنقتلنَّه؛ فإنك منافقٌ تجادل عن المنافقين، قالت: فثار الحيانِ؛ الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمٌ على المنبر، قالت: فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفِّضُهم حتى سكتوا وسكت، قالت: فبكيت يومي ذلك كله لا يرقأ لي دمعٌ ولا أكتحل بنومٍ، قالت: وأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويومًا، لا يرقأ لي دمعٌ ولا أكتحل بنومٍ، حتى إني لأظن أن البكاء فالقٌ كبدي، فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي، فاستأذنتْ عليَّ امرأةٌ من الأنصار فأذنتُ لها، فجلست تبكي معي، قالت: فبينا نحن على ذلك دخل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - علينا فسلَّم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني بشيءٍ، قالت: فتشهَّد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حين جلس، ثم قال: ((أما بعد، يا عائشة، إنه بلغني عنكِ كذا وكذا، فإن كنت بريئةً، فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنبٍ، فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإن العبد إذا اعترف ثم تاب، تاب الله عليه)).

 

قالت: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالتَه، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرةً، فقلت لأبي: أجِبْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عني فيما قال، فقال أبي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت لأمي: أجيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال، قالت أمي: والله ما أدري ما أقول لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: وأنا جاريةٌ حديثةُ السن لا أقرأُ من القرآن كثيرًا: إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقرَّ في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئةٌ، لا تصدقوني، ولئن اعترفتُ لكم بأمرٍ، والله يعلم أني منه بريئةٌ، لتُصَدِّقُنِّي، فوالله لا أجدُ لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف حين قال: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18]، ثم تحولتُ واضطجعت على فراشي، والله يعلم أني حينئذٍ بريئةٌ، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزلٌ في شأني وحيًا يتلى، لَشأني في نفسي كان أحقرَ من أن يتكلم الله فيَّ بأمرٍ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فوالله ما رام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسه، ولا خرج أحدٌ من أهل البيت، حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرَحاء[23]، حتى إنه ليتحدَّر منه من العرق مثل الجمان[24]، وهو في يومٍ شاتٍ من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فسُرِّي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك، فكانت أول كلمةٍ تكلم بها أن قال: ((يا عائشة، أما الله فقد برَّأك)).

 

قالت: فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، فإني لا أحمَد إلا الله - عز وجل - قالت: وأنزل الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ﴾ [النور: 11]، العشر الآيات، ثم أنزَل الله هذا في براءتي، قال أبو بكرٍ الصِّديق: وكان يُنفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق على مسطحٍ شيئًا أبدًا، بعد الذي قال لعائشة ما قال، فأنزَل الله: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ ﴾ [النور: 22]، إلى قوله: ﴿ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، قال أبو بكرٍ الصديق: بلى والله إني لَأحب أن يغفر اللهُ لي، فرجع إلى مسطحٍ النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا.

 

قالت عائشة: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل زينبَ بنت جحشٍ عن أمري، فقال لزينب: ((ماذا علمتِ أو رأيتِ؟))، فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمتُ إلا خيرًا.

 

قالت عائشة: وهي التي كانت تُساميني[25] من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فعصَمها الله بالورع، قالت: وطفقَتْ أختُها حمنة تحارب لها، فهلكَتْ فيمَن هلَك.

 

قال ابن شهابٍ: فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهط.

 

ثم قال عروة، قالت عائشة: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل لَيقول: سبحان الله، فوالذي نفسي بيده ما كشفتُ من كنف أنثى قط، قالت: ثم قُتِل بعد ذلك في سبيل الله[26].

 

قوله:

ودُومَةُ الجَنْدَلِ قبل . . .
. . . . . . . . . . . . . . . .

 

أي: وقبل غزوة بني المصطلق كانت غزوةُ دُومة الجندل؛ حيث كانت في ربيع الأول من السنة الخامسة، وأما غزوة بني المصطلِق فكانت في شعبانَ من نفس السَّنة، كما تقدم.

 

قال ابن إسحاق: ثم انصرف رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة - أي: بعد بدر الموعد - فأقام بها أشهرًا حتى مضى ذو الحجة، وولي تلك الحجة المشركون، وهي سنة أربعٍ، ثم غزا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - دومة الجندل.

 

قال ابن هشامٍ: في شهر ربيعٍ الأول، واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري.

 

قال ابن إسحاق: ثم رجع رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يصل إليها، ولم يلقَ كيدًا، فأقام بالمدينة بقية سنته[27].

 

وأما الواقدي فقد ذكر تفاصيل أخرى للغزوة، فقال: "في ربيعٍ الأول على رأس تسعةٍ وأربعين شهرًا، خرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لخمس ليالٍ بقين من ربيعٍ الأول، وقدم لعشرٍ بقين من ربيعٍ الآخر.

 

قالوا: أراد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدنو إلى أدنى الشام، وقيل له: إنها طرفٌ من أفواه الشام، فلو دنوت لها كان ذلك مما يفزع قيصرَ، وقد ذكر له أن بدومة الجندل جمعًا كثيرًا، وأنهم يظلِمون مَن مرَّ بهم من الضافطة[28]، وكان بها سوقٌ عظيمٌ وتجارٌ، وضوى[29] إليهم قومٌ من العرب كثيرٌ، وهم يريدون أن يدنوا من المدينة، فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس، فخرج في ألفٍ من المسلمين، فكان يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دليلٌ له من بني عذرة يقال له: مذكورٌ، هادٍ خِرِّيتٌ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغذًّا[30] للسير، ونكب[31] عن طريقهم.

 

ولما دنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من دُومة الجندل قال له الدليل: يا رسول الله، إن سوائمَهم ترعى فأقِمْ لي حتى أطلع لك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم)).

 

فخرج العذريُّ طليعةً حتى وجَد آثار النَّعم والشَّاء وهم مُغرِبون[32]، ثم رجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره وقد عرف مواضعهم، فسار النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حتى هجم على ماشيتهم ورعائهم، فأصاب رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من أصاب، وهرَب من هرب في كل وجهٍ، وجاء الخبر أهل دُومة الجندل فتفرَّقوا، ونزَل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بساحتهم، فلم يجد بها أحدًا، فأقام بها أيامًا وبثَّ السرايا وفرَّقها حتى غابوا عنه يومًا، ثم رجعوا إليه، ولم يصادفوا منهم أحدًا.

 

وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل على المدينة سباع بن عُرفطة[33].

 

قوله:

. . . . . . . وَحَصَلْ
عَقدُ ابنةِ الحارِثِ بَعْدُ واتَّصَلْ

 

أي: وبعد غزوة بني المصطلق أعتق النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جويريةَ بنت الحارث - رضي الله عنها - وتزوَّجها.

 

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: وقعت جويريةُ بنت الحارث بن المصطلِق في سهم ثابت بن قيس بن شمَّاسٍ، أو ابن عم له، فكاتبَتْ على نفسها، وكانت امرأةً ملاحةً[34] تأخذُها العين، قالت عائشة - رضي الله عنها -: فجاءت تسألُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابتِها، فلما قامت على الباب فرأيتُها كرهتُ مكانها، وعرفتُ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيرى منها مثلَ الذي رأيت، فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث، وإنما كان من أمري ما لا يخفى عليك، وإني وقعتُ في سهم ثابتِ بن قيس بن شمَّاسٍ، وإني كاتبتُ على نفسي، فجئتُك أسألك في كتابتي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فهل لكِ إلى ما هو خيرٌ منه؟))، قالت: وما هو يا رسولَ الله؟ قال: ((أؤدي عنكِ كتابتَك وأتزوَّجك))، قالت: قد فعلتُ، قالت: فتسامع - تعني الناس - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قد تزوَّج جويرية، فأرسلوا ما في أيديهم من السَّبي، فأعتَقوهم، وقالوا: أصهارُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما رأينا امرأةً كانت أعظمَ بركةً على قومها منها، أُعتِق في سببها مائةُ أهل بيتٍ من بني المصطلِق[35].

 

قوله:

 

وَعَقْدُ رَيْحانةَ في ذي الخَامِسَهْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . .

 



[1] وقد اختلف في تاريخ هذه الغزوة؛ فعن عروة بن الزبير، أنها كانت في شعبان سنة خمسٍ؛ رواه عنه البيهقي في الدلائل (4/ 44).

وإلى ذلك ذهب موسى بن عقبة، ورواه عن ابن شهاب الزهري: أنها كانت في شعبان سنة خمس؛ مغازي موسى بن عقبة (229).

وأما ما ذكره البخاري في (صحيحه) (5/ 115)، وتبعه ابن سيد الناس في عيون الأثر (2/ 128) عن موسى بن عقبة أنها كانت في سنة أربع، فهو خطأ، كما ذكر ابن حجر.

وذكرها - أيضًا - الطبري في تاريخه (2/ 594) ضمن أحداث السنة الخامسة.

وأما ابن إسحاق سيرة ابن هشام (2/ 289)، فقال: كانت في شعبان سنة ست، وتبِعه خليفة بن خياط في تاريخه (80).

وقد رجَّح الحافظ ابن حجر - رحمه الله - أنها كانت في السنةِ الخامسة؛ حيث قال في الفتح (7/ 430):

قوله: وقال موسى بن عقبة سنة أربعٍ؛ كذا ذكره البخاري وكأنه سبق قلمٍ، أراد أن يكتب سنة خمسٍ فكتب سنة أربعٍ، والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرقٍ أخرجها الحاكم وأبو سعيدٍ النيسابوري والبيهقي في الدلائل وغيرهم، سنة خمسٍ، ولفظه عن موسى بن عقبة عن ابن شهابٍ: ثم قاتَل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق وبني لحيانَ في شعبان سنة خمسٍ، ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد عن ابن عمر أنه غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق في شعبان سنة أربعٍ، ولم يؤذَنْ له في القتال؛ لأنه إنما أذن له فيه في الخندق، كما تقدم، وهي بعد شعبان، سواءٌ قلنا: إنها كانت سنة خمسٍ، أو سنة أربعٍ، وقال الحاكم في الإكليل: قول عروة وغيره: إنها كانت في سنة خمسٍ، أشبهُ مِن قول ابن إسحاق، قلت: ويؤيِّدُه ما ثبت في حديث الإفك أن سعد بن معاذٍ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك، كما سيأتي، فلو كان المريسيع في شعبان سنة ست مع كون الإفك كان فيها، لكان ما وقَع في الصحيح من ذِكر سعد بن معاذٍ غلطًا؛ لأن سعد بن معاذٍ مات أيام قريظة، وكانت سنة خمسٍ على الصحيح - كما تقدم تقريره - وإن كانت - كما قيل - سنة أربعٍ، فهي أشد، فيظهر أن المريسيع كانت سنة خمسٍ في شعبان، لتكون قد وقعت قبل الخندق؛ لأن الخندق كانت في شوالٍ من سنة خمسٍ أيضًا، فتكون بعدها، فيكون سعد بن معاذٍ موجودًا في المريسيع، ورُمي بعد ذلك بسهمٍ في الخندق، ومات من جِراحته في قريظة، ويؤيده أيضًا أن حديث الإفك كان سنة خمسٍ؛ إذ الحديث فيه التصريح بأن القصة وقعت بعد نزول الحجاب، والحجاب كان في ذي القَعدة سنة أربعٍ عند جماعةٍ، فيكون المريسيع بعد ذلك، فيرجح أنها سنة خمسٍ؛ اهـ.

[2] قال ابن حجر - رحمه الله - الفتح (7/ 430):

غزوة بني المصطلق من خزاعة، وهي غزوة المريسيع.

أما المصطَلِق؛ فهو بضم الميم وسكون المهملة، وفتح الطاء المهملة، وكسر اللام، بعدها قافٌ، وهو لقبٌ، واسمه: جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة، بطنٌ من بني خزاعة.

وأما المُرَيْسيع، فبضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانيتين، بينهما مهملةٌ مكسورةٌ، وآخره عينٌ مهملةٌ، هو ماءٌ لبني خزاعة؛ اهـ.

[3] قديدٌ: تصغير القد، من قولهم: قددت الجلد، أو من القِد، بالكسر، وهو جلد السَّخلة، أو يكون تصغير القدد من قوله - تعالى -: {طَرَائِقَ قِدَدًا} [الجن: 11]؛ وهي: الفرق، وسئل كثير فقيل له: لِمَ سمي قديدٌ قديدًا؟ ففكَّر ساعة، ثم قال: ذهب سيله قددًا؛ معجم البلدان (4/ 313).

[4] انظر: المعالم الأثيرة في السنَّة والسيرة (222).

[5] انظر السابق (192).

[6] السيرة النبوية الصحيحة؛ الدكتور/ أكرم ضياء العمري (2/ 404، 405).

[7] سيرة ابن هشام (2/ 289، 290).

[8] السابق.

[9] السابق.

[10] متفق عليه: أخرجه البخاري (2541)، ومسلم (1730).

وأما الواقدي فقد ذكر تفاصيلَ أخرى للغزوة؛ قال الواقدي في مغازيه (1/ 404 - 407):

كان رأسُهم وسيِّدهم الحارث بن أبي ضرارٍ، قد سار في قومه ومَن قدَر عليه من العرب، فدعاهم إلى حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فابتاعوا خيلاً وسلاحًا، وتهيؤوا للمسير إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم.

وجعلت الركبانُ تقدَم من ناحيتهم فيخبرون بمسيرهم، فبلغ ذلك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فبعَث بريدة بن الحصيب الأسلمي يُعلِم علم ذلك، واستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقولَ، فأذِن له، فخرج حتى ورد عليهم ماءهم، فوجد قومًا مغرورين قد تألبوا وجمعوا الجموع، فقالوا: من الرجل؟ قال: رجلٌ منكم، قدمت لما بلغني عن جمعِكم لهذا الرجل، فأسير في قومي ومن أطاعني فتكون يدُنا واحدةً حتى نستأصله، قال الحارث بن أبي ضرارٍ: فنحن على ذلك، فعجل علينا، قال بُريدة: أركب الآن فآتيكم بجمعٍ كثيفٍ من قومي ومن أطاعني، فسُرُّوا بذلك منه، ورجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره خبر القوم، فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس، وأخبرهم خبرَ عدوهم، فأسرع الناس للخروج، وقادوا الخيول، وهي ثلاثون فرسًا، في المهاجرين منها عشرةٌ، وفي الأنصار عشرون، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسان، وكان عليٌّ - رضي الله عنه - فارسًا، وأبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، والزبير، وعبدالرحمن بن عوفٍ، وطلحة بن عبيدالله، والمِقداد بن عمرٍو، وفي الأنصار: سعد بن معاذٍ، وأُسَيد بن حضيرٍ، وأبو عبس بن جبرٍ، وقتادة بن النعمان، وعويم بن ساعدة، ومَعْن بن عدي، وسعد بن زيدٍ الأشهلي، والحارث بن حزمة، ومعاذ بن جبلٍ، وأبو قتادة، وأُبَي بن كعبٍ، والحُبَاب بن المنذر، وزياد بن لَبيدٍ، وفروة بن عمرٍو، ومعاذ بن رفاعة بن رافعٍ.

وخرَج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرٌ كثيرٌ من المنافقين لم يخرُجوا في غزاةٍ قط مثلها، ليس بهم رغبةٌ في الجهاد إلا أن يصيبوا من عرَض الدنيا.

فذهب الخبرُ إلى بني المصطلق، فكانت جويريةُ بنت الحارث تقول بعد أن أسلمت:

جاءنا خبره ومقتله ومسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يقدَمَ علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فَسِيءَ به أبي ومَن معه، وخافوا خوفًا شديدًا، وتفرَّق عنهم مَن كان قد اجتمع إليهم من أفناء العرب، فما بقي منهم أحدٌ سواهم، ثم انتهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المريسيع، وهو الماء، فنزله، وضرب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبةٌ من أدمٍ، ومعه من نسائه عائشةُ وأم سلمة، وقد اجتمعوا على الماء، وأعدوا وتهيؤوا للقتال، فصف رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه، ودفَع رايةَ المهاجرين إلى أبي بكرٍ - رضي الله عنه - وراية الأنصار إلى سعد بن عُبادة - رضي الله عنه - ويقال: كان مع عمار بن ياسرٍ - رضي الله عنه - راية المهاجرين.

ثم أمَر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فنادى في الناس: قولوا: لا إله إلا الله، تمنَعوا بها أنفسكم وأموالكم.

ففعَل عمرُ - رضي الله عنه - فأبَوا، فكان أول من رمى رجلٌ منهم بسهمٍ، فرمى المسلمون ساعةً بالنبل، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمَر أصحابه أن يحملوا، فحملوا حملة رجلٍ واحدٍ فما أفلت منهم إنسانٌ، وقُتِل عشرةٌ منهم، وأُسِر سائرهم، وسبى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الرجال والنساء والذرية، وغنمت النَّعَم والشاء، وما قُتِل أَحدٌ من المسلمين إلا رجلٌ واحدٌ.

وكان أبو قتادة يحدِّث قال: حمل لواء المشركين يومئذٍ صفوان ذو الشقر، فلم تكن لي بأهبةٍ حتى شددت عليه، وكان الفتح.

وكان شعارهم: يا منصور، أمِتْ أمت؛ اهـ.

قلت: في بعض هذه التفاصيل مخالفة لِما جاء في الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أغار عليهم وهم غارون.

خاصة قول الواقدي: ثم أمر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - فنادى في الناس: قولوا: لا إله إلا الله، تمنَعوا بها أنفسَكم وأموالكم.

وقد رجح محمد بن سعد رواية الواقدي على ما في الصحيحين، فقال - بعدما روى رواية الواقدي المغازي (1/ 407) -:

وكان ابن عمرَ يحدِّث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغار على بني المصطلق وهم غارُّون، ونَعَمهم تسقى على الماء، فقتَل مقاتلتهم وسبى ذراريهم، والحديث الأول أثبت عندنا؛ اهـ.

قلت: بل الأثبت هو ما في الصحيحين، والواقدي متهمٌ كما هو معلوم، وفوق ذلك أنه روى هذه الروايات بأسانيد مرسَلة.

وقد حاول الحافظ ابن حجر - رحمه الله - الجمع بين حديث ابن عمر، ورواية الواقدي، فقال - رحمه الله - الفتح (7/ 431):

فيحتمل أن يكون حين الإيقاع بهم ثبتوا قليلاً، فلما كثُر فيهم القتل انهزموا؛ بأن يكون لما دهمهم وهم على الماء ثبتوا وتصافُّوا ووقع القتال بين الطائفتين، ثم بعد ذلك وقَعَت الغلبة عليهم ...، وساق ذلك اليعمري في عيون الأثر، ثم ذكر حديث ابن عمر، ثم قال: أشار ابن سعدٍ إلى حديث ابن عمر، ثم قال: الأول أثبت.

قلت - ابن حجر -: والحُكم بكون الذي في السِّيَر أثبتَ مما في الصحيح - مردودٌ، ولا سيما مع إمكان الجمع، والله أعلم؛ اهـ.

قلت: وهذا الجمع بعيد، خاصة وقد صرح الواقدي في روايته أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمَر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فنادى في الناس: قولوا: لا إله إلا اللهُ، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم.

[11] متفق عليه: أخرجه البخاري (4138)، ومسلم (1438).

[12] متفق عليه: أخرجه البخاري (4903)، ومسلم (2772)، وفي رواية ابن إسحاق، والواقدي: أنها كانت في غزوة بني المصطلِق؛ سيرة ابن هشام (2/ 291)، ومغازي الواقدي (2/ 416).

[13] البخاري (4900).

[14] كسَع: أي ضرب دُبره وعجيزتَه بيدٍ أو رِجْل أو سيف وغيره.

[15] متفق عليه: أخرجه البخاري (4905)، ومسلم (2584).

[16] أخرجه الترمذي (3315)، وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".

[17] المهبل: الكثير اللحم، يقال: أصبح فلانٌ مهبلاً؛ أي: متورِّمًا متهيِّجًا، والمهبَّل الكثيرُ اللحم، الثقيل الحركة من السِّمَن؛ الدلائل في غريب الحديث (3/ 1111)، وتفسير غريب ما في الصحيحين (531).

[18] نقَهت: بفتح القاف، أي: أفقت من مرضي؛ مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض (2/ 25).

[19] المَناصع هي المواضع التي يتخلَّى فيها لقضاء الحاجة، واحدها: منصع؛ لأنه يبرز إليها ويظهر.

قال الأزهري: أراها مواضع مخصوصةً خارج المدينة؛ النهاية (5/ 65).

[20] قال عياض: المِرط: بكسر الميم، كساءٌ من صوف أو خز أو كتَّان، قاله الخليل، وقال ابن الأعرابي: هو الإزار، وقال النضر: لا يكون المِرط إلا درعًا، وهو من خزٍّ أخضر، ولا يسمَّى المِرط إلا الأخضر، ولا يلبَسه إلا النساء، وظاهر الحديث يصحح ما قال الخليل وغيره أنه كساء، وفي الحديث الصحيح: خرَج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرطٍ مرجلٍ من شعر أسود؛ مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 377).

[21] أي هنتاه: أي: يا هذه، وتفتح النون وتسكن، وتضم الهاء الآخرة وتسكن، وفي التثنية: هنتان، وفي الجمع: هنواتٌ وهناتٌ، وفي المذكر: هنٌ وهنانٌ وهنون، ولك أن تلحقها الهاء لبيان الحركة، فتقول: يا هنه، وأن تشبع الحركةَ فتصير ألفًا، فتقول: يا هناه، ولك ضم الهاء، فتقول: يا هناه، أقبِلْ.

قال الجوهري: "هذه اللفظةُ تختصُّ بالنداء".

وقيل: معنى يا هنتاه: يا بلهاءُ، كأنها نُسِبَت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرورِهم.

ومن المذكر حديث الصبي بن معبد: "فقلت: يا هناه، إني حريصٌ على الجهاد"؛ النهاية (5/ 279، 280).

[22] أغمصه: أي: أعيبها به وأطعن به عليها، ومنه: حديث توبة كعبٍ: "إلا مغموصٌ عليه النفاق"؛ أي: مطعون في دِينه، متَّهم بالنِّفاق؛ النهاية (3/ 386).

[23] البُرَحاء: الشدة والمشقة، وخص بعضُهم به شدةَ الحمَّى، ويقال للمحموم الشديد الحمى: أصابته البُرَحاء؛ لسان العرب (2/ 410).

[24] الجمان: هو اللؤلؤ الصغار، وقيل: حَبٌّ يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ، ومنه حديث المسيح - عليه السلام -: ((إذا رفَع رأسَه تحدَّر منه جمان اللؤلؤ))؛ النهاية (1/ 301).

[25] تساميني: أي: تعاليني وتفاخرني، وهو مفاعلة من السمو؛ أي: تطاولني في الحظوة عنده؛ النهاية (2/ 405).

[26] متفق عليه: أخرجه البخاري (4141)، ومسلم (2771).

[27] سيرة ابن هشام (2/ 213).

[28] الضافطة: جمع: ضافط، وهو الذي يجلِبُ المتاعَ إلى المدن؛ انظر: لسان العرب (7/ 344).

[29] ضوى إليه ضيًّا وضويًا: انضم ولجأ، وضويت إليه، بالفتح، أضوي ضويًا إذا أويتُ إليه وانضممت؛ لسان العرب (14/ 390).

[30] الإغذاذ: الإسراع؛ المغرب في ترتيب المعرب لبرهان الدين الخوارزمي (337).

[31] نكب: أي: تنحَّى، ونكَب عن الطريق: إذا عدَل عنه؛ النهاية (5/ 112)، وقد عدل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن طريقهم، وذهب إليهم من طريقٍ آخر، حتى لا يعلموا بوِجهته.

[32] مغربون: أي: بعيدون؛ يقال: غرب؛ أي: بعُد؛ انظر: الفائق في غريب الحديث للزمخشري (3/ 61).

[33] مغازي الواقدي (1/ 402- 404).

[34] وكانت امرأةً ملاحةً: أي ذات ملاحةٍ، وفعالٌ مبالغةٌ في فعيلٍ، والمليح: ضد القبيح؛ انظر: النهاية في غريب الحديث (4/ 355)، وشمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم لنشوان بن سعيد الحميري اليمني (9/ 6373).

[35] أخرجه أبو داود (3931)، وأحمد (26365)، وغيرهما، وصححه الألباني في تخريج فقه السيرة (309).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (13)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (14)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (15)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (17)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (18)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (19)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (20)

مختارات من الشبكة

  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (WORD)(كتاب - ملفات خاصة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (36)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (35)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (34)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (33)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (32)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (32)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (31)(مقالة - ملفات خاصة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (30)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (29)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب