• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

البشارة بالنبي عليه الصلاة والسلام في العهد القديم ( التوراة )

البشارة بالنبي عليه الصلاة والسلام في العهد القديم ( التوراة )
د. محمد بن عبدالسلام

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/6/2013 ميلادي - 6/8/1434 هجري

الزيارات: 93099

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

البشارة بالنبي عليه الصلاة والسلام في العهد القديم (التوراة)


مقدمة:

الإسلام هو خاتم الرسالات؛ فهو الجامع لما قبله، الناسخ لما سبَقه، الذي لا دينَ بعده، فيه من الأخلاق ما يضمن صلاحَ العباد، ومن التشريعات ما يضمن صلاح الدنيا والآخِرة، ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا من بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [آل عمران: 19].


والدين الذي يملِك صفات الكمال، لا تنقصه شهادة تأتيه من خارجه، لكي تُثبِت صحة رسالته، وسلامةَ عقيدته، وصدقَ حامله للعالَمين الرسولِ الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أخرج به الله - تعالى - الناسَ من الكفر والضلال إلى الإيمان بالله وحده، ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الواحد الأحد، ولا يُعْوِزه شهادةٌ تأتيه من خارج دينه؛ لكي تُثبت أنه خاتم الأنبياء، أو أن رسالته هي آخر الرسالات.

 

إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي علَّم رجلاً بدويًّا يَئِدُ البنات كعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حتى صار بعد الإسلام قائدًا للبشرية، وحاكمًا للعالم، ومِن أعظم قادة التاريخ - لا يَحتاج لمن يَشهَدُ له!

 

إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أحيا الله - تعالى - به أمة بأكملها من موات الجهل والظلم والفوضى والوثنية، وحوَّلها من رُعاة للغنم إلى قادة للأمم - لا يحتاج لمن يشهد له، كيف والله - تعالى - يقول: ﴿ لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 166]؟

 

ويقول أيضًا: ﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ من أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].

 

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي فتح الله - سبحانه - به عيونًا عميًا، وأسمع به آذانًا صمًّا، وشرَح به قلوبًا غُلفًا - لا يحتاج لمن يشهد له من خارج رسالته، أو من خارج الكتاب الذي أُنزل إليه؛ إذ إن رسالة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ما كانت تستمدُّ قوَّتها من شهادة السابقين، إنما كانت تستمدُّها من ذاتها، وتحمل في نفسها الشهادة بصدقِها، والبيانات الناطقة بأنها الحق، وأنها من الله - تعالى.

 

ونحن إذ نتحدَّث عن بعض البشارات التي وردَت في التوراة والإنجيل تُبشِّر بالنبي الكريم، فإنما يدفعنا إلى ذلك ما يلي:

الدافع الأول: أن ما جاء في الكتب السابقة من الإخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ووصفِه هو في حدِّ ذاته وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم الذي جاء به نبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث ذكر القرآن ذلك، فقال - تعالى -: ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي من بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6]، وذلك على لسان عيسى - عليه السلام - وقال - تعالى -: ﴿ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾ [الأعراف: 157].

 

أما الدافع الثاني، فإنه يَنبع من حبِّنا الجمِّ، وشوقنا الكبير لصاحب الرسالة العظمى - صلى الله عليه وسلم - كيف لا، وهو أستاذنا ومعلمنا، وزعيمنا وقائدنا؟! وهل أعطانا بشرٌ مثلما أعطانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟! وهل لمخلوق على مخلوق فضلٌ مثل فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا؟!

 

فما لنا إذًا لا نلتمس خُطَاه، ونقتفي أثره، ونُنقِّب عنه في كتُب الأوَّلين وفي كتب الآخرين، فتسعد بذكره قلوبنا، وتَنشرِح به صدورنا، وتَقَر به عيوننا؟

 

وأما الدافع الثالث، فهو ما نَصْبو إليه من هداية الضالين، وتثبيت المتشكِّكين، وإرشاد التائهين، من داخل هذا الدِّين ومن خارجه.

 

بهذه الدوافع نقف مع بعض البشارات التي وردَت في كتُب الأنبياء السابقة، وعلى ألسنتهم - عليهم السلام.

 

البشارة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العهد القديم (التوراة):

لقد بشَّر الأنبياء السابقون - عليهم السلام - برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودليل هذا قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ من كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ من الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 81].


إن الله أخذ العهد والميثاق على كل نبي لئن بُعث محمد - صلى الله عليه وسلم - في حياته، ليؤمننَّ به، ويترك شرعه لشرعه، وعلى ذلكم فإنَّ ذكرَه موجود عند كل الأنبياء السابقين.

 

فهو دعوة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وقد أخبرنا الله - تعالى - أن خليل الرحمن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وابنه إسماعيل - صلى الله عليه وسلم - كانا يَبْنيان البيت الحرام ويدعوان، ومِن دعائهما ما قصَّه القرآن في سورة البقرة، قال - عز وجل -: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129].

 

ولا تزال التوراة الموجودة اليوم - على الرغم من تحريفها - تحملُ شيئًا من هذه البشارة، فنجد فيها أن الله - تعالى - استجاب دعاء إبراهيم في إسماعيل - عليهما السلام - فقد ورَد في التوراة في سفر التكوين في الإصحاح (17 - 2): "وأما إسماعيل، فقد سميت لك فيه، هأنا أُباركه وأثمره، وأكثره كثيرًا جدًّا، اثني عشر رئيسًا يلد، وأجعله أمة عظيمة كثيرة".

 

وهذا النص ورَد في التوراة السامرية بألفاظ قريبة جدًّا، والترجمة الحرفية للتوراة العبرانية لهذا النص: "وأما إسماعيل، فقد سمعت لك فيه، هأنا أباركه وأكثِّره بمأدمأد".

 

النص العبراني "مأدمأد" صريح في اسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فالمترجمون ترجموه (جدًّا جدًّا، أو كثيرًا كثيرًا)، والصواب هو: محمد؛ لأنها تُلفَظ بالعبراني (مؤدمؤد)، واللفظ العبراني قريب من العربي.

 

وهو بِشارة موسى - صلى الله عليه وسلم -:

قال - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].

 

وقد بَقِي من هذه البشارة بقيَّة في التوراة؛ ففي سفر التثنية الإصحاح (17 - 18 - 19) على لسان موسى: "قال لي الرب: قد أحسَنوا فيما تكلموا، أُقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمِه، فيُكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي، أنا أطالبه".

 

والنَّص يصف كما ترَون تبشير الله - تعالى - لموسى - عليه السلام - بنبيٍّ سوف يَبعثه من وسط إخوة بني إسرائيل، وأن هذا النبي سيكون مثل موسى، ويُخبر النص أيضًا: أن الذي لا يتبع هذا النبي ولا يسمع لكلامه، فإن الله - تعالى - سوف يعاقبه.

 

إن البشارة تشترط شرطين: الأول أن ذلك النبي من وسط إخوة بني إسرائيل، والثاني أنه مثل موسى.

 

والشرطان السابقان لا ينطبقان إلا على رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - فهو من أبناء إسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - وأبناء إسرائيل (يعقوب) هم أبناء إسحاق بن إبراهيم؛ لذلك فالنبي - صلى الله عليه وسلم - من وسط إخوة بني إسرائيل.

 

وكذلك فإن موسى - صلى الله عليه وسلم - ومحمدًا - صلى الله عليه وسلم - كليهما كان صاحب شريعة جديدة، ورسالة مُستقلة، وبذلك فإن شرط المثليَّة وقرب المكانة بَين ذلك النبي وموسى - عليهما السلام - مُتحقِّق في النبي - صلى الله عليه وسلم - ولذلك ورَد في القرآن في سورة الأحقاف: ﴿ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ من بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الأحقاف: 30].

 

وهذان الشرطان لا ينطبقان على يوشع بن نون، ولا على المسيح - عليه السلام - لأنهما كانا من بني إسرائيل، وليسا من وسط إخوة بني إسرائيل، ولو كان المراد واحدًا منهما، لقال الله: (أقيم لهم نبيًّا منهم)، بل لم يكن هناك داعٍ لتحديد من أين يخرج ذلك النبي؛ لأن خروجه من بني إسرائيل هو أمر مألوف لا يحتاج لتوضيح أو تحديد.

 

وكذلك وُلِد كلٌّ من موسى ومحمد - عليهما السلام - نتيجة لحمْلٍ طبيعي، وأيضًا جاء موسى - عليه السلام - من بيت اختص بالخدمة الدينيَّة وهم بنو لاوي، وكذلك جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - من بيت اختصَّ بالخِدمة الدينيَّة؛ حيث كان بنو عبدمناف يقومون على الرِّفادة والسِّقاية.

 

وكذلك تزوج كل من موسى ومحمد - عليهما السلام - قبل تلقِّي الرسالة الإلهية، وكانت لهما ذُرية، كلاهما عدَّد زوجاته بعد الرسالة، وتعرَّض بسبب ذلك للنقد والتجريح، وكان كل من موسى ومحمد - عليهما الصلاة والسلام - رجلَ حربٍ.

 

والكتاب المقدَّس[1] نفسه ينفي أن بني إسرائيل قد قام فيهم نبيٌّ مثل موسى بعده، فقد جاء في سفر التثنية الإصحاح (34 - 5: 11): "فمات هناك موسى عبد الرب في أرض مواب، حسب قول الرب، ودفنه في الجواء في أرض مواب مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم، وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات، ولم تكلَّ عينه ولا ذهبَت نَضارته، فبكى بنو إسرائيل موسى في عربات مواب ثلاثين يومًا، فكملت أيام بكاء مناحة موسى، ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حِكمة؛ إذ وضع موسى عليه يدَيه، فسمِع له بنو إسرائيل وعمِلوا كما أوصى الربُّ موسى، ولم يقم بعدُ نبي في بني إسرائيل مثل موسى الذي عَرَفه الربُّ وجهًا لوجه في جميع الآيات والعجائب التي أرسله الرب ليعملها في أرض مصر بفرعون، وبجميع عبيده وكل أرضه".

 

فالكتاب المقدَّس يُخبر - كما هو واضح - أن بني إسرائيل بعد موسى - عليه السلام - لم يخرج منهم نبيٌّ مثله، فكيف يدَّعي بعد ذلك أهلُ الكتاب أن النبي الذي وصفه الله - تعالى - بأنه مثل موسى - عليه السلام - قد خرَج من بني إسرائيل؟!

 

"وأجعل كلامي في فمه"، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي جعل الله كلامه في فمه؛ حيث كان أُميًّا لا يقرأ من المصحَف.

 

الديار التي سكنها قيدار:

قيدار هو الجد الأكبر لقبائل مكة، وهو من أبناء إسماعيل - عليه السلام - كما تُخبرنا المصادر التاريخية، وكما يخبرنا أيضًا الكتاب المقدس في سفر التكوين الإصحاح (25 - 13): وهذه أسماء بني إسماعيل بأسمائهم حسب مواليدهم: نبايوت بِكْر إسماعيل، وقيدار، وأدبائيل، ومبسام.


وقيدار بن إسماعيل يُنسب له العرب المستعربة، والتي تُسمى أيضًا بالعرب العدنانية؛ نسبة إلى عدنان الذي انحدَر من صلب قيدار بن إسماعيل - عليه السلام - وسيدنا محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - هو من نسْل قيدار.

 

والديار التي سكنها قيدار هي الديار التي سكَنها إسماعيل، وهي الديار التي سكَنها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي مكة المُكرَّمة.

 

هذا هو قيدار بن إسماعيل الذي انحدرت منه القبائل التي سكنَت مكة، ولا تزال تَسكُنها حتى الآن، ولكن ما هي سالع؟

سالع هي جبل سَلْع بالمدينة المنورة، وهو جبل يقع غرب المسجد النبوي على بُعد (500 متر) تقريبًا من سوره الغربي، يبلغ عَرضه ما بين (300 - 800 متر)، وارتفاعه (80 مترًا)، ولهذا الجبل أهميةٌ تاريخية، فلقد وقعت على سفوحه أو بالقرب منه عدة أحداث هامة، أهمها غزوة الخندق التي تجمَّع فيها المشركون في جهته الغربية، وكان يَفصل بينه وبينهم الخندق، وكان سفح جبل سَلْع مقرَّ قيادة المسلمين؛ إذ ضُرِبت خيمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورابَط عدد من الصحابة في مواقعَ مختلفةٍ منه، عند قاعدة الجبل سكنت منذ العهد النبوي قبائلُ عدة، وفي العهد العثماني أقيمت على قمته عدة أبنية عسكرية ما زالت آثارها باقية حتى الآن، وفي عصرنا الحالي أحاط العمران بالجبل من كل ناحية، وصار جزءًا من حدود المنطقة المركزية للمدينة المنورة.

 

ولكن ماذا يقول الكتاب المقدَّس عن الديار التي سكنها قيدار وعن سالع؟

ورد في سفر أشعياء الإصحاح (42 - 1: 17):

• (42 - 1): "هو ذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سُرَّت به نفسي، وضعتُ روحي عليه، فيُخرج الحق للأمم".

 

• (42 - 2): "لا يَصيح ولا يرفع ولا يُسمَع في الشارع صوته".

 

• (42 - 3): "قصبة مرضوضة لا يُقصف، وفتيلة خامدة لا يُطفأ، إلى الأمان يخرج الحق".

 

• (42 - 4): "لا يكلُّ ولا يَنكسِر حتى يضع الحق في الأرض، وتنتظر الجزائر شريعته".

 

• (42 - 5): "هكذا يقول الله - عز وجل - الربُّ خالق السموات وناشرها، باسط الأرض ونتائجها، معطي الشعب عليها نسمة، والساكنين عليها رُوحًا".

 

• (42 - 6): "أنا الرب قد دعوتك بالبَرِّ، فأُمسك بيدك وأحفظك، وأجعلك عهدًا للشعب ونورًا للأمم".

 

• (42 - 7): "لتفتح عيون العُمْي، لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة".

 

• (42 - 8): "أنا الرب هذا اسمي، ومجدي لا أُعطيه لآخَر، ولا تسبيحي للمنحوتات".

 

• (42 - 9): "هو ذا الأوليات قد أتَت، والحديثات أنا مُخبِر بها، قبل أن تَنبُت أُعلمكم بها".

 

• (42 - 10): "غنُّوا للرب أغنية جديدة، تسبيحة من أقصى الأرض أيها المنحدرون في البحر، وملؤه والجزائر - جمع جزيرة - وسكانها".

 

• (42 - 11): "لترفع البرية ومُدنها صوتها، الديار التي سكنها قيدار لتترنم، سكان سالع من رؤوس الجبال ليَهتفوا".

 

• (42 - 12): "ليعطوا الرب مجدًا، ويُخبروا بتسبيحه في الجزائر".

 

• (42 - 13): "الرب كالجبار يَخرج كرجل حُروب، ينهض غيرته، يَهتف ويَصرخ ويقوى على أعدائه".

 

• (42 - 14): "قد صمْتُ، منذ الدهر[2] سكتُّ، تجلَّدت، كالوالدة أصيح أنفخ وأنخر معًا".

 

• (42 - 15): "أخرِّب الجبال والآكام، وأُجفِّف كل عشْبِها، وأجعل الأنهار يبسًا وأنشف الآجام".

 

• (42 - 16): "وأُسيِّر العُمْي في طريق لم يعرفوها، في مسالك لم يدروها، أُمشِّيهم، أجعل الظلمة أمامهم نورًا، والمُعْوَجَّات مستقيمة، هذه الأمور أفعلها ولا أتركهم".

 

• (42 - 17): "قد ارتدُّوا إلى الوراء، يخزي خزيًا المُتكلون على المنحوتات، القائلون للمسبوكات: أنتنَّ آلهتنا".

 

من هو عبد الله ومختاره الذي يتحدَّث عنه النص السابق؟!

النص السابق لا يمكن أن ينطبق إلا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو عبد الله ومختاره، الذي أخرج الحق للأمم وانتظرت الجزر شريعته، ولم يكلَّ ولم يَنكسِر، حتى وضع الحق في الأرض، وأرشد الناس إلى جميع الحق، فهو صاحب الشريعة الكاملة التي أتمَّها الله - عز وجل - في عهده، ولم يَقبِضْه إلا بعد اكتمالها؛ "لا يكلُّ ولا يَنكسِر حتى يضع الحق في الأرض"؛ ولذلك يقول الله - تعالى - في سورة المائدة: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

 

والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أخرج الحق لكل الأمم؛ فهو صاحب الرسالة العالمية لجميع أهل الأرض؛ ولذلك يقول الله - تعالى - للنبي في قرآنه: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158]، ويقول أيضًا: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

 

وهو الذي عصمه الله - عز وجل - من المشركين حتى بلَّغ رسالته، وأدَّى أمانته، "فأُمسِك بيدك، وأحفظك، وأجعلك عهدًا للشعب، ونورًا للأمم"؛ ولذلك يقول الله - عز وجل - في قرآنه مخاطبًا نبيَّه: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ من النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67].

 

والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أخرج الناس من ظلمة الشِّرك وعبادة الأصنام والمنحوتات، إلى عبادة الله الواحد؛ "أنا الرب، هذا اسمي، ومجدي لا أعطيه لآخَر ولا تسبيحي للمنحوتات".

 

والنص السابق لا يَنطبِق على المسيح - عليه السلام - الذي لم يدَّعِ أنه قد أخرَج كل الحق للأمم، بل قال قبل رحيله: "إن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأقول لكم، لكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك رُوح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق"؛ كما ورَد في إنجيل يوحنا، كما أن المسيح أخبرنا أنه لم يأتِ إلا لهداية بني إسرائيل؛ كما جاء في إنجيل متَّى: "لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالَّة".

 

وكلمة: "وضعتُ روحي عليه"؛ تَعني: النصرة والتأييد من الله - عز وجل - وهي عامة لجميع الأنبياء، ولا يَختص بها المسيح مِن دونهم، ومثال ذلك ما جاء في الكتاب المقدس: "وكان روح الله على عزريا بن عوديد"، وأيضًا ما جاء في الكتاب المقدس في سفر العدد: "يا ليت كل شعب الرب كانوا أنبياء إذا وضع الله روحه عليهم".

 

ومن المعلوم أيضًا أن دعوة المسيح - عليه السلام - لم تظهر في الديار التي سكنها قيدار، وهي مكة! ولا رفعَت بها الصحراء صوتها! كما أنها قد ظهرت في بني إسرائيل، وهي أمة كتابية ليست من عبَدة الأصنام مثل أهل مكة الذين بعُث فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بل إن المسيح - عليه السلام - قد بُعث في بني إسرائيل في وقت كانوا قد تخلَّصوا فيه من الوثنية وعبادة الأصنام تمامًا.

 

ولو افترضنا أن النصَّ يتحدَّث عن المسيح - عليه السلام - فهو بذلك يُثبت أن المسيح هو عبدٌ لله، وليس ابنًا له أو شريكًا معه في الألوهية؛ "هو ذا عبدي الذي أعضده".

 

والمفاجأة التي وجدناها في النص عند قراءته في النسخة الإنجليزية - وما أكثر المفاجآت عند مقارنة النسخة العربية بالنسخة الإنجليزية! - هي أن كلمة (الأمم) الواردة في النص ليست ترجمة لكلمة "Nations" كما هو متوقَّع، ولكن الكلمة الواردة في النسخة الإنجليزية "Gentiles"، وتترجم بالعربية إلى الأُمِّيين.

 

ويقول قاموس الكتاب المقدس عن هذا اللفظ: إن اليهود يستخدمونه على الأمم الأخرى من غيرهم، فهم يَعتبرون أنفسهم حمَلة الرسالات، وشعب الله المختار.

 

ويقول أيضًا: إن اليهود يستخدمونه كمصطلح لاحتقار الأمم الأخرى من غير اليهود باعتبارها أممًا وثنية، وبالطبع يرفض النصارى هذا التقسيم باعتبارهم أيضًا من أهل الكتاب.

 

وهذا هو الحق عند المسلمين، وهو أن هذا اللفظ كان يستخدم لوصف الأمم من غير أهل الكتاب قبل ظهور الإسلام؛ كما يُخبرنا القرآن الكريم: ﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا ﴾ [آل عمران: 20]، ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ﴾ [آل عمران: 75].

 

وهم الذين بُعث فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [الجمعة: 2]، ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾ [الأعراف: 157]، ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 158].

 

والصفات السابقة هي تقريبًا نفس الصفات التي وردَت في النص الذي رواه عطاء بن يسار قال: لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قلت: أخبرني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة، قال: أجل والله! إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومُبشِّرًا ونذيرًا وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتُك المتوكِّل، ليس بفظٍّ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويَغفِر، ولن يَقبضه الله حتى يُقيم به المِلَّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غُلفًا" [3].

 

ما هي التسبيحة الجديدة التي من أقصى الأرض؟

إنها إعلانٌ برسالة جديدة، وكلمة (من أقصى الأرض) تشير إلى المَشرِق الأقصى؛ إذ إن أقصى القدس جزيرة العرب، وأقصى جزيرة العرب القدس؛ لذلك يقول الله - تعالى - في كتابه الكريم: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ من آيَاتِنَا ﴾ [الإسراء: 1].


ما هي البرية ومدنها، وما هي الديار التي سكنَها قيدار، ومَن هم سكان سالع؟

البرية هي الصحراء، والديار التي سكنها قيدار هي مكة، وسكان سالع هم سكان جبل سلع بالمدينة المنورة "لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال".


من هم العُمْي الذين ساروا في طريق لم يَعرفوها، وكان الله معهم ولم يتركهم؟

إنهم المؤمنون بالدين الجديد، ومُتَّبِعو الرسالة، الذين أبصروا في نور الإسلام، بعد أن كانوا عُمْيًا في الجاهلية التي زاغوا فيها عن التوحيد، وارتدُّوا فيها إلى الوراء، وعبَدوا المنحوتات، وقالوا للمسبوكات: "أنتنَّ آلهتنا".


وكيف ترفع البرية صوتها، وتُخبر بالتسبيح في الجزائر؟ إنما يكون ذلك برفع الأذان والنداء (الله أكبر الله أكبر) يَسمعها سكان الصحراء وما حولها.


ما المقصود بقوله: "الرب كالجبار يَخرج كرجل حروب"؟

إنها عشرات الحروب التي تمَّ خوضها لإخراج الناس من الكفْر إلى الإسلام، وليس أدلَّ على ذلك من أن صاحب الرسالة قد وصَل عدد الغزوات التي خرَج إليها بنفسه - صلى الله عليه وسلم - سبعًا وعشرين غزوة في سبع سنوات فقط؛ من أجلِ نشْر التوحيد وإعلاء الحق في الأرض.


وماذا يكون شيلاميم الذي أمسكه الله - تعالى - منذ زمن طويل؟

إنه دين التوحيد - الإسلام - الذي بعَث الله - تعالى - به جميع الأنبياء إلى البشَر، فزاغوا عنه، وأشركوا مع الله آلهة أخرى؛ فكان لا بد من بعثه ونشْره مرة أخرى بعد ضلال الناس عنه، وانقطاعه من الأرض زمنًا طويلاً! وحمل الكلمة على "الإسلام" هو الأظهر للنص، والأوضَح للمعنى، ولا يستقيم السياق إلا به؛ فالله - تعالى - يقول: أمسكتُ الإسلام منذ زمن طويل، وغاب التوحيد عن الأرض؛ لذلك سأخوض الحروب وأُخرِّب الجبال والآكام من أجل إظهاره مرة أخرى، وأما حملها على (السلام) فإنه يكون مُناقضًا للمعنى، ومخالفًا للنص؛ فكيف يقول الله - تعالى - إذًا أمسكتُ السلام منذ زمن طويل؛ لذلك سأخوض الحروب وأُخرِّب الجبال والآكام؟!


وإلا فمَن الذي قد أخرج الحق للأمم وانتظرت الجزُر شريعته، وحفظه الله - تعالى - وعصَمه من الناس حتى وضع الحق في الأرض، وقضى على عبادة الأصنام والمنحوتات، وجعله الله - تعالى - نورًا للأميِّين، وخرجَت دعوته من الصحراء، في الديار التي سكنها قيدار وهي مكة، ورفعت بها الصحراء صوتها، وهتَف بها من الجبال سكان سالع بالمدينة بعد أن عبدوا الأصنام والمنحوتات، واشتهر بكثرة حروبه وغزواته غير النبي محمد - صلى الله عليه وسلم؟!


وقبيل وفاة موسى - عليه السلام - ساق خبرًا مُباركًا لقومه بني إسرائيل، فقد جاء في سِفر التثنية (33 - 1: 3): "هذه البركة التي بارك بها موسى - رجلُ الله - بني إسرائيل قبل موته، فقال: جاء الربُّ من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس، وعن يمينه نار شريعة، فأحب الشعب، جميع قدِّيسيه في يَدك، وهم جالسون عند قدمك، يتقبلون من أقوالك".


وأكَّد هذه النبوءة النبي حبقوق؛ حيث يقول (3 - 3: 6): "الله جاء من تيمان، والقدوس من جبل فاران، سلاه، جلاله غطى السموات، والأرض امتلأت من تسبيحه، وكان لمعان كالنور، له من يده شعاع، وهناك استتار قدرته، قدامه ذهب الوبأ، وعند رجليه خرجت الحمى، وقَف وقاس الأرض، نظر فرجف الأمم...".


وقبل أن نمضي في تحليل النص نتوقف مع الاختلاف الكبير الذي تعرَّض له هذا النص في الترجمات المختلفة:

فقد جاء في ترجمة السبعينية: "واستعلن من جبل فاران، ومعه ربوة من أطهار الملائكة عن يَمينه، فوهب لهم وأحبَّهم، ورحم شعبهم، وباركهم وبارك على أظهاره، وهم يدركون آثار رجلَيك، ويَقبلون من كلماتك، أسلم لنا موسى مثله، وأعطاهم ميراثًا لجماعة يعقوب".


وفي ترجمة الآباء اليسوعيِّين: "وتجلى من جبل فاران، وأتى من رُبا القدس، وعن يَمينه قبس شريعة لهم".


وفي ترجمة 1622م: "شرف من جبل فاران، وجاء مع ربوات القدس، من يمينه الشريعة"، ومعني (ربوات القدس) أي: ألوف القدِّيسين الأطهار.


كما في ترجمة 1841م: "واستعلن من جبل فاران، ومعه ألوف الأطهار، في يمينه سنة من نار".


واستخدام ربوات بمعنى ألوف أو الجماعات الكثيرة معهودٌ في الكتاب المقدَّس: "ألوف: ألوف تخدمه، وربوات: ربوات وقوفٌ قدَّامه"[4]، ومثله قوله: "كان يقول: ارجع يا ربِّ إلى ربوات ألوف إسرائيل"[5]، فالربوات القادمون من فاران هم الجماعات الكثيرة من القدِّيسين، الآتين مع قدوسهم الذي تلألأ في فاران.


والنص التوراتيُّ يتحدث عن ثلاثة أماكن تقع منها البركة:

أولها: جبل سيناء؛ حيث كلَّم الله - عز وجل - موسى.


وثانيها: ساعير، وهو جبل يقع في أرض يهوذا [6].‏


وثالثها: هو جبل فاران، وتُنبِئ المواضع التي ورَد فيها ذكر (فاران) في الكتاب المقدَّس أنها تقع في صحراء فلسطين في جنوبها، لكن تذكر التوراة أيضًا أن إسماعيل قد نشأ في برية فاران[7]، ومن المعلوم تاريخيًّا أنه نشأ في مكة المكرمة في الحجاز.


ويرى اليهود والنصارى في هذا النصِّ أنه يتحدَّث عن أمرٍ قد مضى يَخصُّ بني إسرائيل، وأنه يتحدث عن إضاءة مجْد الله - عز وجل - وامتداده لمسافات بعيدة شملت فاران، وسعير، وسيناء.


ويرى المسلمون أن النصَّ نبوءةٌ عن ظهور عيسى - عليه السلام - في سعير في فلسطين، ثم محمد - صلى الله عليه وسلم - في جبل فاران؛ حيث يأتي ومعه الآلاف من الأطهار مؤيَّدين بالشريعة من الله - عز وجل - وذلك مُتحقِّق في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمور:

أولاً: أن جبل فاران هو جبل مكة؛ حيث سكن إسماعيل، تقول التوراة عن إسماعيل: "كان الله مع الغلام فكَبِر، وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس، وسكن في برية فاران، وأخذتْ له أمه زوجة من أرض مصر" [8].


وقد انتشر أبناؤه في هذه المنطقة، فتقول التوراة: "هؤلاء هم بنو إسماعيل... وسكنوا من حويلة إلى شور" [9]، وحويلة كما جاء في قاموس الكتاب المقدَّس منطقة في أرض اليمن، بينما شور في جنوب فلسطين، وعليه فإن إسماعيل - عليه السلام - وأبناءه سكنوا هذه البلاد الممتدَّة جنوب الحجاز وشماله، وهو يشمل أرض فاران التي سكنها إسماعيل.


ثانيًا: أن وجود منطقة اسمها فاران في جنوب فلسطين لا يمنع من وجود فاران أخرى هي تلك التي سكنها إسماعيل - عليه السلام - وقامت الأدلة التاريخية على أنها الحجاز؛ حيث بنى إسماعيل وأبوه - عليهما السلام - الكعبة، وحيث تفجَّر زمزم تحت قدميه، وهو ما اعترف به عدد من المؤرِّخين؛ منهم: المؤرخ (جيروم)، واللاهوتي (يوسبيوس)، فقالا بأن فاران هي مكة.


ثالثًا: لا يقبل قول القائل بأن النص يَحكي عن أمر ماضٍ؛ إذ التعبير عن الأمور المستقبلية بصيغة الماضي معهود في لغة الكتاب المقدس؛ يقول (اسبينوزا): "أقدَمُ الكتَّاب استعملوا الزمن المستقبل للدلالة على الحاضر وعلى الماضي بلا تمييز، كما استعملوا الماضي للدلالة على المستقبل، فنتج عن ذلك كثير من المتشابهات".


رابعًا: نسأل فنقول: لِمَ خصَّ جبل فاران بالذِّكْر دون سائر الجبال، لو كان الأمر مجرَّد إشارة إلى انتشار مجد الله؟


خامسًا: ومما يؤكد أن الأمر مُتعلِّق بنبوءة محمد - صلى الله عليه وسلم - الحديث عن آلاف القدِّيسين، والذين تُسميهم بعض التراجم: (أطهار الملائكة)؛ أي: أطهار الأتباع؛ إذ يُطلَق هذا اللفظ ويراد به: الأتباع، كما جاء في سفر الرؤيا (12 - 17) أن: ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، "وحارب التنين وملائكته"، فمتى شهدَتْ فاران مثل هذه الألوف من الأطهار؟ فما ذلك إلا محمد وأصحابه.


سادسًا: وما جاء في سفر حبقوق (3 - 3: 6) يؤيِّد قول المسلمين؛ حيث يقول: "الله جاء من تيمان، والقدوس من جبل فاران، سلاه، جلاله غطى السموات، والأرض امتلأت من تسبيحه، وكان لمعان كالنور، له من يده شعاع، وهناك استتار قدرته، قدامه ذهب الوبأ، وعند رجلَيه خرجت الحمى، وقف وقاس الأرض، نظر فرجف الأمم...."، فالنص شاهد على أنه ثمة نبوة قاهرة تلمع كالنور، ويملأ الآفاق دويُّ أذان هذا النبي بالتسبيح، و(تيمان) كما يذكر مُحرِّرو الكتاب المقدَّس هي كلمة عبرية معناها: (الجنوب)، ومِن هذا كلِّه فالقدوس المُتلألئ في جبال فاران هو نبي الإسلام، فكل الصفات المذكورة لنبيِّ فاران مُتحقِّقة فيه، ولا تتحقَّق في سواه من الأنبياء الكرام.


النبي حبقوق (3 - 2) يقول: "يا رب، قد سمعتُ خبرك، فجزعتُ: الله جاء من تيمان، والقدوس من جبل فاران"، وسبب جزع النبي اليهودي أنه علم أن خاتم الأنبياء سوف يأتي من نسْل إسماعيل (القدوس) من جبل فاران؛ لأن (فاران) هي أول أرض سكنها إسماعيل[10]، و(تيمان) هي أرض ابن إسماعيل[11]، أو هي نسْله، فلما علم النبي اليهودي بأن خاتم الأنبياء وخاتم الرسالات يكونان من نسْل إسماعيل - عليه السلام - جَزِع خوفًا على اليهود وحزنًا؛ لأن النبي الخاتم ليس منهم.


للذي ببكة مباركًا:

يقول الله - تعالى - في كتابه العزيز: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96، 97]، الآية تتحدث عن بيت الله، وتتحدَّث عن بكَّة كمكان لبيت الله، الذي أمر الله الناس أن تحجَّ إليه.


فهل ورَد في الكتاب المُقدَّس نصٌّ يتحدَّث عن بيت الله ببكة، يحج الناس إليه؟

ورد في (المزمور) (84 - 4): "طوبى للساكنين في بيتك أبدًا يُسبِّحونك، سلاه - سلاه"، كلمة تتكرَّر كثيرًا في الكتاب المقدس، ويقول قاموس الكتاب المقدس: إنها تعني صمتًا، أو فترة توقُّفٍ أو فاصلاً.


• (5 - 84): "طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم".


• (84 - 6): "عابرين في وادي البكاء، يُصيرونه ينبوعًا أيضًا ببركات يغطون مورة".


• (84 - 7): "يذهبون من قوة إلى قوة، يرون قدام الله في صِهيون".


ولكن ما علاقة (وادي البكاء) الذي ورَد في النص ببكة؟!

وإذا كان الله - تعالى - يقول: يرون قدام الله في صِهيون، فما علاقة (صهيون) بالبيت الحرام الموجود في بكة؟!


أما وادي البكاء وعلاقته ببكة، فإن وادي البكاء في النسخة الإنجليزية لنفس النص مكتوبة (وادي بكة)، وليس وادي البكاء كما هو في النص العربي، ونلاحظ أنها تبدأ بحرف (بي) كابتال (B)، مما يدل على أنه اسم لعلَمٍ لا يمكن ترجمته.


وأما كلمة صِهيَون، فمعناها الأصلي: المكان المقدَّس، أو المجتمع الديني الخالص؛ كما ورَد في القاموس الإنجليزي للكتاب المقدس، والنصُّ كما ورَد في النسخة الإنجليزية هو هكذا:

Blessed are they that dwell in thy house. They will be still praising thee blessed is the man whose strength is in thee in whose heart are ways of them who passing through the valley of Bacamake it awell The rain also filleth the pools they go from strength to strength every on of them in Zion appeareth before God".


وبذلك فإن الترجمة الصحيحة للنص الإنجليزي هي كما يأتي: "طوبى للساكنين في بيتك أبدًا يُسبحونك، طوبى لأناس عزهم بك، طرق بيتك في قلوبهم، عابرين في وادي بكة يصيرونه ينبوعًا، المطر أيضًا يغطيه بالبركات، يذهبون من قوة إلى قوة، يرون قدام الله في الأرض المقدسة".


وبالمناسبة، فإن قاموس الكتاب المقدس لم يستطِع تحديد أين توجد بكَّة، وكل ما قاله عن موقعها: (ربما) يكون هذا مكان يمرُّ به الحُجاج!


فهل هناك بكة غير التي يحج إليها المسلمون؟! ولو كان هناك بكة غيرها، فهل ادَّعى أحد أن بها بيت الله الذي يحج إليه الناس؟!



[1] هذا باعتبار ما يُطلقونه عليه، وإلا فهو من كتابات البشر، كما أقرُّوا هم بذلك، فنحن نَنقُله كاسم علمٍ عُرِف به.

[2] في النسخة الإنجليزية: "أمسكتُ سلامي منذ زمن طويل"، ويقول القاموس الإنجليزي للكتاب المقدس: إنها مكتوبة في النسخة العبرية (شيلاميم)، ومن المعلوم أن حروف كلمة شيلاميم أو شالوم بالعبرية هي نفس الحروف التي تُشتَق منها كلمة الإسلام.

[3] رواه البخاري (2125).

[4] سفر دانيال (7- 10).

[5] سفر العدد (36- 10).

[6] سفر يشوع (15- 10).

[7] سفر التكوين (21- 21).

[8] سفر التكوين (21- 20: 21).

[9] سفر التكوين (23- 16: 18).

[10] سفر التكوين (21- 21).

[11] سفر التكوين (25- 13).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نبع البشارة برسول الإسلام
  • تحديد البشارة برسول الإسلام
  • محمد في الكتاب المقدس "عرض"
  • بين السيد المسيح والنبي محمد في القرآن والإنجيل (تعقيب على مقالة 1)
  • بين السيد المسيح والنبي محمد في القرآن والإنجيل (تعقيب على مقالة 2)
  • بين السيد المسيح والنبي محمد في القرآن والإنجيل (تعقيب على مقالة 3)
  • البشارة بالنبي عليه الصلاة والسلام في العهد الجديد ( الإنجيل )
  • حديث الكتاب المقدس عن اللبنة أو حجر الزاوية
  • اختلاف اليهود والنصارى في أسفار العهد القديم
  • أسفار العهد القديم ( تعريفها - لغاتها - وكيف صارت مقدسة؟ )
  • كيف وصلتنا أسفار العهد القديم؟
  • تراجم أسفار العهد القديم
  • فحص أسفار العهد القديم
  • البشارة بالنبي عند أفراد من أهل الكتاب
  • الرد على شبهة أن قصص القرآن الكريم مأخوذة من العهد القديم
  • نبوءات العهد القديم عن الرسول الخاتم
  • البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ومضامينها التربوية

مختارات من الشبكة

  • بشائر الإسلام ورسالة النبي عليه الصلاة والسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بشائر من الرسول عليه الصلاة والسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بشارة ملائكية في فضل الصلاة والسلام على خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تقديم البشارة على النذارة في القرآن الكريم ومضامينها التربوية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أيها الأنام أفشوا السلام تدخلوا دار السلام بسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلام محمد وسلام المسيح عليهما السلام(مقالة - ملفات خاصة)
  • داود عليه السلام في القرآن الكريم والعهد القديم (التوراة) دراسة قرآنية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • البشارة والإنذار في دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم كما وصفها القرآن الكريم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تشجير نسب الأنبياء عليهم السلام من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • بركات الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وقوله تعالى: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) الآية(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب