• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

بعض العبر من هجرة الرسول

بعض العبر من هجرة الرسول
علي مصطفى

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/1/2013 ميلادي - 27/2/1434 هجري

الزيارات: 31372

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بعض العبر من هجرة الرسول


إن الأُمم - وكذلك الأفراد - في حاجة إلى مَن يُذكرهم بنواحي العِبَر في تاريخ أسلافهم؛ حتى يتأسَّوا بهم لتحقيق غايتهم فيما يريدون من الخير ومن السعادة لأنفسهم وذوِيهم.

 

وإن أحسن ما نُذكِّر به الأُمم الإسلامية في هذه الأيام التي يكافحون فيها لردِّ حقوقهم من الغرب الذي غلَبهم عليها يومَ ضَعفهم لتخلِّيهم عن العمل بدينهم - هو بيان نواحي العبر في هجرة رسولهم - عليه الصلاة والسلام - إلى المدينة، تاركًا وطنه "مكةَ" الذي وُلِد فيه، ونشَأ بين جُدرانه، وتربَّى في أكنافه، والذي عاش فيه ثلاثة وخمسين عامًا بين أهله وقومه وعشيرته؛ كل ذلك لنُصرة عقيدته التي امتزَجت أصولها برُوحه، أو هي رُوحه التي لا يحيا بدونها؛ لأن فيها مرضاة ربِّه التي تفوق عنده كلَّ شيء حتى الحياة نفسها، التي هي أثمن ما يَحرص عليه الناس، ولقد هاجر مع الرسول - عليه السلام - بعضُ المسلمين الذين كانت عندهم قدرة على الهجرة، وترَكوا كذلك الأهل والولد، والمال والوطن؛ فرارًا بعقيدتهم التي اختلَطت بدمائهم، وسرى نورُها في أرواحهم حتى كأنها حياتهم، بل إذا تعارَضت الحياة مع نُصرة تلك العقيدة، ضحَّوا بالأُولى في سبيل الثانية؛ راضيةً نفوسُهم، مطمئنَّةً قلوبُهم، وهكذا إذا خالطت العقيدة شَغافَ القلوب، وداخَل الإيمانُ بها النفوسَ، أصبَحت فوق كل شيء، وأعزَّ من كل شيء؛ من المال والولد، والأهل والعشيرة، والتجارة الرابحة، والمساكن الباذخة، وهذا المعنى السامي في تقديس العقيدة، وتقديمها على كل ما نَملِك وعلى كل المُتَع الدنيوية، هو الذي يريده الله - سبحانه - من عباده المخلصين حقًّا، ومن لم يكن على هذا الوصف، فليتربَّص غضب الله، وليَنتظر عذابه وعقابه؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ [التوبة: 24].

 

أما نواحي العبر في هذا، فإنها ستَظهر لنا بعد بيان ما تحمَّله - عليه السلام - في سبيل دعوة قومه إلى الإيمان، وإقناعهم بأن للعالَم خالقًا، وأنه يجب عليهم أن يُقلعوا عن عبادة أحجارٍ لا تضرُّ ولا تنفع، وفي سبيل إقناع الرسول قومَه، آذوه وأصحابَه في أنفسهم وأموالهم وأهليهم وأرزاقهم، ولقد اشتدَّ المشركون في هذا، حتى أكل المسلمون ورقَ الشجر، والرسول - عليه السلام - مع ذلك صابرٌ على الأذى، حتى إنه أرسَل بعض المسلمين الذين لم تكن لهم طاقة على تحمُّل إيذاء المشركين إلى بلاد الحبشة؛ إشفاقًا عليهم، وبَقِي هو ومَن معه من المسلمين الذين لهم قدرة على تحمُّل الآلام بمكة، يتقبَّلون راضين كلَّ ما يَنزل بهم من تعذيب وتنكيلٍ.

 

ولما طال مُكث الرسول - عليه السلام - بين قومه وهو دائبٌ على دعوتهم إلى عبادة الله ثلاث عشرة سنة، لا يَفتُر لسانه عن ترديدها بين أسماعهم، ولا يَني قلبه عن الإخلاص إليهم، والنُّصح لهم، والحرص على إنقاذهم مما هم فيه من غيٍّ وضلال، حتى وصَف الله - سبحانه وتعالى - شدة اهتمامه بهدايتهم، وحرصه على تخليصهم بقوله: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6]، وبقوله - عز من قائل -: ﴿ طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾ [الشعراء: 1 - 4].

 

لَمَّا طال مُكث الرسول بين قومه وهو دائبٌ على دعوتهم، وهم صامدون على غيِّهم، والعمل على الإضرار به هو ومَن معه من المسلمين، أمرَهم بترْك مكة، حتى لم يَبقَ منهم إلا عددٌ قليل بعد هجرة مَن هاجر منهم إلى المدينة، وكان من بين مَن بقِي معه بمكة أبو بكر وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - وكان كلما استأذَن أبو بكر الرسولَ - عليه السلام - في الهجرة، يقول له: ((على رِسْلك؛ فإني أرجو أن يُؤذَن لي))، فيقول له أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت وأمي؟


ولما رأى المشركون أن أمر النبي - عليه السلام - سيَعظُم بعد هجرة المسلمين إلى المدينة، وبعد أن أسلمَ كثير من أهلها، وأنه سيُصبح خطرًا على حياتهم وتجارتهم بين مكة والشام إذا خرَج من بينهم إلى المدينة، وأفلَت من يدهم، لَما رأى المشركون ذلك، اجتمعوا في دار الندوة ليَتشاوَروا في أمرهم، وفي أنجع الطرق للتخلُّص من محمد - عليه السلام - وقد بحثوا في اجتماعهم ثلاثة حلولٍ، أولها: إخراجه من مكة ونفْيه منها، وثانيها: حبْسه حتى تَموت دعوتُه، وثالثها: قتْله بواسطة شباب مُختارين من قبائل قريش؛ حتى يتفرَّق دمُه بينها، ولا يتأتَّى لبني عبدالمطلب الأخْذُ بثأره، فيَقنعوا بالدِّيَة، وبذلك تتخلَّص قريش من محمد إلى الأبد، وقد نال الرأي الأخير إجماعَ قريش وصمَّموا على تنفيذه؛ ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30].

 

ولكن الله العليم بالسرائر أخبَر نبيَّه بما عزَم عليه كفار قريش، وأمرَه بالهجرة إلى المدينة، وأخبر صَديقه وصِدِّيقَه أبا بكر بذلك، وطلب أبو بكر من الرسول أن يَصحبه في هجرته، فأجابه الرسول إلى ما طلَب، وفرِح أبو بكر فرحًا عظيمًا؛ لِما سيكون له من شرفِ صُحبة الرسول بعد شرف صداقته، وفي الليلة التي حدَّدتها قريش لتنفيذ كيْدها، ونيْل مَكرها، أمر الرسول ابنَ عمه عليًّا أن ينام في فراشه، ويتسجَّى ببُرده؛ حتى يطمئنَّ المشركون على وجود فريستهم في مكانها، وأنهم لا شكَّ بالِغون ما أرادوا، ولكن الله الحافظ لرسوله، والناصر لحقِّه على باطلهم؛ ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51] - أعمى أبصارهم عن محمد - عليه السلام - كما عَمِيت بصائرهم عن الحق، فلقد خرَج من بينهم في الثُّلث الأخير من الليل وهو يقرأ قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [يس: 9].

 

وذهَب إلى دار صديقه أبي بكر وخرَجا معًا - والليل لم يَنته بعدُ - إلى غار ثَور، واختبأ فيه حتى يَئِس كفار قريش من العثور عليهما، مع أنهم - حين كانوا يُفتِّشون عن الرسول وصاحبه - وقفوا فوق الغار، حتى لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآهما، ولكن الله البالغ أمره، صرَفهم عن رؤيتهما، وكان الحزن قد اشتدَّ بأبي بكر، والخوف قد استولى عليه، ولكن الرسول - عليه السلام - طمْأَنه بقوله: ((﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين اللهُ ثالثهما؟!)).

 

ولقد سجَّل الله - سبحانه وتعالى - ذلك في كتابه الكريم، فقال: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].

 

ولقد بقِي الرسول وصاحبه في الغار ثلاثة أيام، حتى وافاهما دليلُهما، وسلَك بهما طريقًا غير معهود؛ حتى لا تَعرِفه قريش، فتُفسد عليهما خُطَّتهما التي رسماها لبلوغ غايتهما، وتحقيق هدفهما، وفي أثناء مُكثهما في الغار، كانت تُوافيهما في الغار أسماء بنت أبي بكر حاملةً لهما طعامَهما، وكذلك عبدالله ابنه؛ ليُطلعهما على أخبار قريش ومُؤامرتهم ضد دعوة الحق وصاحبها، ثم راعي غنم أبي بكر صباحًا ومساءً؛ ليُعطيهما من اللبن ما يُريدان، وليُذهب آثار أقدام عبدالله وأخته أسماء.

 

ولَمَّا أعلنَت قريش عن إعطاء مَن يُرشد إلى محمد مقدار دِيَته، وهو مائة من الإبل، أراد سُراقة بن مالك أن يكون الفائز بها، فركِب فرسه يريد محمدًا وصاحبه، بعد أن عرَف من رجل من قبيلته طريقهما، إلا أنه لم يفُز بما أراد، ورجع يَصرف الناس عن الرسول وصاحبه.

 

وأحبُّ أن يَسمع القارئ بنفسه وصْف بعض ما وقع لمحمدٍ وصاحبه، وما لَقِياه في رحلتهما فرارًا بقبَس نور النبوة أن تُطفئه أفواه المشركين؛ حتى يكون ذلك درسًا يَنتفع به المجاهدون من أُمته في سبيل نُصرة حقِّهم على باطل غيرهم، ولقد جاء هذا الوصف على لسان أبي بكر صاحب محمد - عليه السلام - في هجرته؛ عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: جاء أبو بكر - رضي الله عنه - إلى أبي في منزله، فاشترى منه رَحلاً...، فقال له أبي: يا أبا بكر، حدِّثني كيف صنَعتما ليلة سرَيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: نعم، أسْرَينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة، وخلا الطريق لا يمرُّ فيه أحد، فرُفِعت لنا صخرة طويلة، لها ظلٌّ، لم تأتِ عليها الشمس بعدُ، فنزلنا عندها، فأتيتُ الصخرة وسوَّيت بيدي مكانًا ينام فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ظلها، ثم بسَطت عليه فَروة، ثم قلت: نَمْ يا رسول الله، وأنا أنفضُ لك ما حولك، فنام وخرَجت أنفضُ له ما حوله، فإذا أنا برَاعٍ مُقبل بغنَمه إلى الصخرة يريد منها مثل الذي أرَدنا، فقلت: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من أهل المدينة أو مكة، فقلت: أفي غنمك لبنٌ؟ قال: نعم، قلت: أفتَحلُب؟ قال: نعم، فأخذ شاة، فقلت: انفُض الضَّرع من الشعر والتراب والقذى، ففعل وحلَب في قَعْبٍ معه كُثبَةً - (شيئًا قليلاً) - من لبنٍ، ومعي إداوة حمَلتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - يرتوي ويشرب ويتوضَّأ، فأتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نائم، فكرِهت أن أُوقظه، فوقَفت حتى استيقَظ، فصببتُ على اللبن من الماء حتى بَرَد أسفله، فقلت: اشرَب يا رسول الله، قال: فشرِب حتى رضِيت، ثم قال لي: ((ألم يأنِ للرحيل؟))، قلت: بلى، فارتَحلنا بعد ما زالت الشمس، واتَّبعَنا سراقةُ بن مالك بن جُعْشُم، ونحن في جَلَدٍ - أي: صُلب - من الأرض، فقلت: يا رسول، أُتينا! فقال: ((لا تَحزن؛ إن الله معنا))، فدعا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فارتطَمت يد فرسه إلى بطنها، فقال: إني قد علِمت أنكما دعوتما عليّ، فادْعُوَا لي، فالله لكما أن أَرُدَّ عنكما الطلب، فدعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل لا يَلقى أحدًا إلا قال: قد كُفيتُم، ما ها هنا، فلا يَلقى أحدًّا إلا ردَّه، قال: "ووفَى لنا"؛ أخرجه الشيخان.

 

ويقول المؤرخون: إن هذه الرحلة قد استمرَّت سبعة أيام متتابعة، وقد كانت في أيام قَيظٍ، حتى إن بعض المؤرخين يذهب إلى أنها كانت في شهر يوليه، ويقول آخرون - اعتمادًا على حساب فلكي -: إنها كانت في سبتمبر، وعلى كلا الرأيين فهي في وقتٍ شديد الحرارة، وخاصة في جزيرة العرب، وما أن بلَغ أهلَ المدينة مَقدمُ رسول الله، حتى خرجوا إليه يَستقبلونه، وقد كانوا ينتظرون قدومه كلَّ يوم، حتى إذا زال الظلُّ عنهم، رجعوا إلى ديارهم، وفي آخر يوم من رجوعهم، سمِعوا رجلاً من اليهود ينادي بأعلى صوته فوق إحدى آكام المدينة وهو يقول: "يا معشر العرب، هذا جدُّكم (حظكم) الذي تنتظرون"، فخرجوا يحملون أسلحتهم؛ إعزازًا لرسول الله، وتكريمًا لدين ربِّهم الذي أنعم عليهم به على يد محمد بن عبدالله وليدِ مكة، والمهاجر منها إلى المدينة، التي أصبَحت فيما بعد مركزَ الدعوة الإسلامية، والهداية الإلهية، إلى أن ضمَّت رُفاته الشريفة، وفازت بشرف بيت الرسول، كما فازَت مكة ببيت الله الحرام، ويأبى الله إلا أن تكون كلمته هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.

 

إن تلك النواحي من عِبر هجرة الرسول وفِراره بعقيدته، توضِّح لنا كيف جاهَد الرسول وأصحابه الذين أخلصوا نفوسهم لله، في سبيل إحقاق الحق وإزهاق الباطل، ويجب أن يكون لنا من هذا درسٌ نتَّخذه مبدأً أعلى للوصول إلى غاياتنا وتحقيق أهدافنا، ما دامت في سبيل الله، وفي سبيل إحقاق الحق، وإبطال الباطل.

 

والذي يُلاحظه القارئ الكريم مما تقدَّم أن مسلك الرسول - حين هاجر من موطن دعوته القديم إلى الموطن الجديد - كان على غرار ما يقوم به أصحاب كل دعوة إصلاحية من البشر.

 

ألا فليَكن للمسلمين عبرة من تاريخ رسولهم، من دروسه في تحمُّل المشاقِّ في سبيل عقيدتهم، وليَعلموا أن عقيدتهم التي فرَّطوا فيها ليست رخيصة القيمة؛ وإنما بُذِل في سبيلها دماءٌ ذكية، ونفوس أبيَّة، وقلوب طاهرة، ورؤوس شامخة، فعليهم أن يَحرصوا عليها، ويَستمسكوا بها، ويَدفعوا عنها مَن يريدها بسوءٍ، أو يَكيد لها بشرٍّ، وليَعلموا أن أيَّ شيءٍ في هذه الحياة لن ينال بسهولة، وبقدْر الجهد وبذْل التعب، يكون الجزاء والثمن، وليس للكسالى إلا الخسارُ والدَّمار، والذل والعار.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دروس من الهجرة النبوية
  • الهجرة النبوية
  • من وحي الهجرة
  • عبرة الهجرة
  • نبذة مختصرة لهجرة الرسول وأصحابه
  • سيرة الرسول: من الهجرة إلى غزوة بدر

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة العبر في خبر من عبر (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • لمحات من العبر في هجرة سيد البشر(مقالة - ملفات خاصة)
  • وفاة الرسول: دروس وعبر (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إتحاف ذوي الفكر بما في (آية النمل) من العبر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصة سبأ وما فيها من العبر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العبر في قول البخاري: "في إسناده نظر" (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • كم من فكرة أثمرت عبرة وأراقت عبرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: فتنة الدجال... العبر والوقاية (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة العبر في خبر من غبر(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الذيل على ذيل العبر للحافظ العراقي وعبد الغني المرشدي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
1- عبرة ولكن !!!
نجوى شحادة - لبنان 12-01-2013 07:58 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد اصبت يا حضرة الأخ علي مصطفى الكريم في عرض معاناة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام في حمل وتبليغ دعوة الإسلام والأثمان الباهظة التي دفعت من دماء المسلمين لتعزيز صرح الإيمان بالله الواحد الأحد وبما اُنزل على رسوله وبالتالي تفريط المسلمين اللاحقين بتضحيات أسلافهم حتى أذلهم الله وسلط عليهم من لا يرحمهم وأن قائمتهم لن تقوم إلا بالعودة الى كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهذا لا شك فيه ولكن في الموضوع عبرة هامة أخرى أحب أن ألفت إليها وهي أن الإسلام حورب في مكة (المدينة) بسبب ترف الناس وإنغماسهم بحظوظ الدنيا وصعوبة تخليهم عن كل ذلك من أجل أي عقيدة تطيح بامتيازاتهم فهاجر الرسول والذين معه الى يثرب أي الريف حتى نضجت قوة الدعوة وعديد المسلمين الذين كانوا في غالبيتهم من ريف يثرب وليس من مكة لأنهم أكثر قرباً لفطرة الله وأبعد عن متاع المدن وزخارف الحياة لذلك جاؤوا مع الرسول محمد صلوات الله عليه لفتح مكة يؤازرهم عدد من أخيار أهلها ومكن الله تعالى لهم النصر . بمعنى آخر أن أي مستقبل لأي تغيير دعوي لن يأتي من أي مدينة سبحان الله سنة من سنن الله وعليه يجب التركيز . وما يجري في سوريا اليوم علامة مؤكدة على أن الريف هو من قام بالثورة وهو الذي يمدها بالرجال لأكمال مسيرتها ضد جبروت الكفر والطغيان والظلم وهو من نجح في حصار المدن لإسقاطها من أيدي النظام الظالم وليس العكس ومن يراقب مجريات الأحداث يستشعر هذه العبرة التي كانت وستكون قدوة لأي تغيير مرتقب .

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب