• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

بداية النضال المسلح بين المسلمين والمشركين

بداية النضال المسلح بين المسلمين والمشركين
د. محمد زيتون

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/8/2012 ميلادي - 19/9/1433 هجري

الزيارات: 16311

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بداية النضال المسلح بين المسلمين والمشركين

 

قبل بدر:

كان انتقال المسلمين من مكة إلى المدينة إيذانًا بتغير حال المسلمين من الضَّعف إلى القوة، وإعلانًا بانقضاء الفترة الطويلة من الصبر على الأذى الذي كان يلحق بهم في مكة دون أن يحركوا ساكنًا، ولكي يعلن المسلمون عن هذا التحول، كان عليهم أن يظهروا قوَّتهم المسلحة التي سوف تتصدَّى بالردع؛ لتُرغم كل مَن تحدثه نفسه بالاعتداء عليهم برد كيدهم إلى نحورهم.

 

وإذا علمنا أن قريشًا كانت معلنة الحرب على المسلمين منذ قرَّرت استباحة دم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه، واضطَرَّت أتباع الإسلام على ترْك مكة، وهي ما زالت سادرة في غيَّها، تفتن المسلمين الذين لم يتمكَّنوا من الهجرة في دينهم.

 

وإذا علمنا أن القبائل بين مكة والمدينة وحول المدينة، قد تُحدِّثها نفسها بأن المسلمين غنيمة سائغة، عليهم أن يغتنموها بالإغارة على المدينة، وإذا علِمنا أن المشركين واليهود والمنافقين داخل المدينة يتربصون الدوائر بالمسلمين؛ خوفًا من تعاظم قوَّتهم الناشئة، وحرصًا على وقف نموِّها.

 

إذا علمنا كل هذا، تبيَّن لنا أن المسلمين آنئذٍ كانوا في حاجة إلى الإعلان عن قوَّتهم؛ حتى يَرْهَبها مَن يريد بهم شرًّا، أو يبيِّت عليهم عدوانًا، فكانت السرايا التي أرسلها الرسول - عليه الصلاة والسلام - أو خرج فيها بنفسه من العوامل التي وطَّد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بها قوة المسلمين وهيبتهم، وأثبت بها القوة المتحركة للمسلمين في المدينة، التي يجب على قريش وعلى القبائل غيرها حول المدينة أن تعمل حسابها، فلا يفكروا في العدوان على المسلمين أو مهاجمتهم في موطنهم الجديد.

 

ولعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يريد أن قريشًا تشعر أيضًا بقوة المسلمين؛ حتى تُقلع عن غيِّها، فلا تتمادى في فتنة المسلمين، ولكي تفكِّر في إيقاف هذه العداوة المُعْلَنة على المسلمين خاصة، وأنَّ المسلمين يستطيعون آنئذٍ - بموقعهم الاستراتيجي بين مكة والشام - أن يصيبوها بمقتل في أَحد مواردها الاقتصادية، وهي تجارتها المتوجهة إلى الشام أو القادمة منه.

 

ومن أجل هذا أرسل الرسول - عليه الصلاة والسلام - في رمضان بعد سبعة أشهر من هجرته "حمزة بن عبدالمطلب في ثلاثين رجلاً من المهاجرين، فوصل إلى ساحل البحر من ناحية العيص، واعترض عيرَ قريش القادمة من الشام، وفيها "أبو جهل بن هشام" في ثلاثمائة رجل، واصطفُّوا للقتال، فحجَز بينهم مجدي بن عمرو الجُهني، وكان حليفًا للفريقين، ولم يكن بينهم قتال[1].

 

وفي الشهر التالي في شوال أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب" في ستين رجلاً من المهاجرين، حتى بلغ ماءً بالحجاز - بأسفل ثَنِيَّة المرة على عشرة أميال من الجُحفة - فالتقوا بمائتين من المشركين، وعليهم "أبو سفيان بن حرب، أو عكرمة بن أبي جهل"، فكانت بينهم مناوشة، وفيها رمى سعد بن أبي وقاص بأول سهمٍ رمي به في الإسلام، ثم انصرف الفريقان دون قتالٍ، وقد لجأ إلى المسلمين "المقداد بن عمرو، وعُتبة بن غَزوان"، وكانا مسلمين في جيش المشركين، وبذلك تمكَّنا من الفرار من فتنة قريش.

 

وفي الشهر التالي في ذي العقدة، بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- سعد بن أبي وقاص في عشرين من المهاجرين على أقدامهم إلى الخَرَّار من أرض الحجاز؛ ليَعترضوا عيرًا لقريش، فمرَّت العير قبلهم، فانصرفوا إلى المدينة.

 

ثم خرج الرسول - عليه الصلاة والسلام - بنفسه بعد ذلك في أربع حملات متتابعة، كانت الأولى إلى الأَبْواء - في شهر صفر من السنة الثانية من الهجرة - فلم يَلْتَقِ بعير قريش، وعقد صلحًا مع مَخْشي بن عمرو الضَّمْري على ألاَّ يغزو بني ضَمرة، ولا يغزوه، ولا أن يُكثروا عليه جمعًا، ولا يُعينوا عليه عدوًّا، وكتَب بينه وبينهم كتابًا بذلك".

 

وكانت الحملة الثانية في الشهر التالي ربيع الأول إلى بُواط - قرب يَنْبُع على أربعة بُرُد من المدينة - وبلغ عدد الجيش مائتين من المسلمين، ولم يحدث فيها شيءٌ.

 

وعندما عاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، أغار كُرْز بن جابر الفِهْري في نفس الشهر على سرح المدينة، فاستاقه، فخرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- في طلبه حتى بلغ وادي صفوان من ناحية بدرٍ، فلم يدركه - وهي غزوة بدر الأولى - ثم رجع الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة.

 

وفي جمادى الآخرة من السنة الثانية، خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مائة وخمسين من المهاجرين على ثلاثين بعيرًا يتعقَّبونها؛ ليعترض عيرًا لقريش ذاهبة إلى الشام، حتى بلغ ذا العَشِيرة بناحية يَنْبُع، ففاتَته العير، ولكنه وادع فيها بني مُدْلج.

 

ونلاحظ أن هذه الحملات والسرايا سواء التي خرج فيها رسول -صلى الله عليه وسلم- أم لا، لم يحدث فيها قتالٌ، أو سفكُ دماءٍ، أو استيلاء على الأموال ومصادرتها، وإنما حدث في بعضها موادعة بني ضمرة، وبني مُدْلج بما يوطِّد سلطان المسلمين في هذه الأماكن، ويؤدي إلى إحكام الحصار الاقتصادي حول قريش.

 

وقد أظهرت هذه الحملات قوة المسلمين واستعدادهم للرد السريع على مَن يحاول الإغارة على المدينة، كما حدث في إغارة كُرْز الفهري على سرح المدينة، ولا شك أنها أشاعت الرهبة في نفس قريش وحمَلتها على أخذ الحذر والحيطة من المسلمين.

 

ثم كانت سرية "عبدالله بن جَحْش" هي آخر السرايا قبل موقعة بدر الكبرى، وحدث فيها ما لم يحدث في غيرها، من القتل الذي كان فتيلاً لإشعال نار الحرب في بدر.

 

ففي رجب من السنة الثانية أرسل الرسول - عليه الصلاة والسلام - عبدالله بن جَحْش في ثمانية من المهاجرين - كل اثنين يعتقبان بعيرًا - ودفَع إليه كتابًا، أمره ألاَّ ينظر فيه إلا بعد يومين من مسيره، ثم يمضي لِما أمره، ولا يستكره أحدًا من أصحابه، وبعد مضي يومين فتَح عبدالله الكتاب، فإذا فيه: "إذا نظرتَ في كتابي هذا، فَسِرْ حتى تنزل نخلة - بين مكة والطائف - فترصَّد بها قريشًا، وتعلم لنا من أخبارهم"، وأطاع "عبدالله" ومن معه ما أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاتَّجهوا إلى نخلة، وفي الطريق ضلَّ بعيرُ اثنين من أصحابه، فتخلَّفوا يبحثان عنه.

 

ومضى عبدالله وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة، فمرت به عيرٌ لقريش عليها عمرو بن الحَضرمي مع آخرين، وشك المسلمون في ذلك اليوم، هل هي من الشهر الحرام أم لا؟ وهو آخر يوم من شهر رجب، وعند ذلك قالوا: إن قاتلناهم، انتهكنا الشهر الحرام - أي إذا كان هذا اليوم من رجب - وإن تركناهم الليلة، دخلوا الحرم، وأخيرا أجمعوا على مُلاقاتهم، فرمى أحدُهم عمرو بن الحضرمي بسهم فقتَله، وأسروا اثنين، وفرَّ الثالث، واستولوا على العير، وقدِموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعير والأسيرين، وقد عزلوا من ذلك الخُمْس - وهو أول خُمس كان في الإسلام[2]، وأول قتيل في الإسلام، وأول أسيرين في الإسلام -وأنكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليهم ما فعلوا وقال: "ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام، ووقف العِير والأسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئًا.

 

وأسقط في يد عبدالله بن جحش وأصحابه، وظنوا أنهم قد هَلَكوا، وعنَّفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا، وحاولت قريش أن تستغل هذه الفرصة لإثارة العرب ضد المسلمين ودينهم، فقالت: إن محمدًا وأصحابه استحلُّوا الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، وأخذوا الأموال وأسروا الرجال، ورَدَّ عليهم المسلمون في مكة: بأن إخوانهم المهاجرين في المدينة إنما فعلوا ذلك في شعبان، وحاول اليهود إشعال نار الفتنة، واشتد ذلك على المسلمين، فنزل قول الله -تعالى- ليفصِّل في حقيقة هذه القضية المتعلقة بالحرب والسلام: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217]؛ فبيَّن لهم أن القتلَ في الشهر الحرام، وإن كان جرمًا كبيرًا؛ فإن ما يرتكبه المشركون: من الكفر بالله، والصد عن سبيله، وعن بيته، وإخراج المسلمين - وهم أهله - منه، وفتنتهم في دينهم - أكبرُ عند الله من قتالهم في الشهر الحرام، وبيَّن أن المشركين مصرِّين على قتال المسلمين؛ حتى يردُّوهم عن دينهم إن استطاعوا، وليس هناك جُرم أشنع من قتال المسلمين حتى يرتدوا عن دينهم، وعندما حكم الله في هذه القضية، سَرَّى عن المسلمين، وأخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- العِير والأسيرين، فافتدتهما منه قريش، وردَّ الله كيد المشركين إلى نحورهم، عندما بيَّن شناعة الجرم العظيم الذي يرتكبونه في حق المسلمين، عندما يصدونهم عن دينهم ويفتنونهم فيه، ويخرجون أهل المسجد الحرام منه، فلا جناح على مَن تقع عليه هذه الجرائم البشعة إن هو قاتلهم في الشهر الحرام، وإنما الإثم والبغي أن يقاتل في الشهر الحرام مَن لا يرتكب شيئًا من هذه الآثام[3].

 

غزوة بدر الكبرى:

يوم الفرقان يوم التقى الجمعان:

كان اللقاء بين المسلمين والمشركين في بدر، هو أول لقاء فاصل بين الحق والباطل، أظهر الله فيه جلالَ الحقِّ - مع قلَّة أتباعه - على الباطل وغطرسته وقُبحه مع كثرة أتباعه وأنصاره، وأعطى ذلك اللقاء للإنسانية الرشيدة درسًا عميقًا؛ لعلها تَعِيه وتستفيد منه في مستقبل أيامها، فيكون أفرادها مع الحق والخير والحرية والسلام، ولو كانوا قلَّة، وقد جعل الله ذلك آية من آياته التي تُتلى على مدى الزمن؛ ليَعتبر بها أفراد البشر على مدى تاريخهم الطويل: ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [آل عمران: 13].

كيف حدث اللقاء؟


خروج المسلمين إلى بدر:

كانت العِير التي خرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون معه إلى ذات العشيرة لاعتراضها في جمادى الآخرة، قد أفلتت منه حين توجُّهها إلى الشام، فلما حان موعد عودة تلك العير التي تحمل تجارة عظيمة لقريش، وعليها أبو سفيان بن حرب ومعه نحو أربعين رجلاً من قريش لحراستها - قال الرسول - عليه الصلاة والسلام - لأصحابه: ((هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعل الله يُنْفِلُكُمُوها))، وحَسِب المسلمون أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سوف لا يلقى حربًا كما حدث في المرات السابقة، فخرج مَن كان ظهره حاضرًا، وأبطأ عنه كثير من المسلمين، وخرجت معه الأنصار في هذه الغزوة لأول مرة، وضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عسكره ببئر أبي عِنبة على ميل من المدينة، واستعرض أصحابه، وردَّ من استصغر سنَّه.

 

وفي الثامن من شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة، خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً من المسلمين، تخلَّف منهم ثمانية؛ لأعمال أسندها إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو لطارئ حدث لبعضهم في الطريق، وكان المهاجرون في الجيش ثلاثة وثمانين رجلاً، والأنصار واحدًا وستين رجلاً من الأوس، ومائة وسبعين من الخزرج، وكان معهم فرسان، وسبعون بعيرًا - يعتقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد - وأُسْوتهم في ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يعتقب بعيرًا هو وعلي بن أبي طالب، ومَرْثَد الغَنوي، وأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يستمرَّ راكبًا عندما جاءت نوبة نزوله، وأحب صاحباه أن يستمر راكبًا، وقال لصاحبيه: ((ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجرِ منكما)).

 

ودفع الرسول -صلى الله عليه وسلم- اللواء إلى مصعب بن عُمير، وكان أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- رايتان سوداوان: راية المهاجرين مع "علي بن أبي طالب"، ويقال لها "العُقاب"، وراية الأنصار مع "سعد بن معاذ"، وجعل على الساقة "قيس بن أبي صَعْصَعة"، وقد جدَّ المسلمون في السير محاولين ألاَّ تُفْلِتَ منهم القافلة هذه المرة، وقد أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- العيون ليستطلع الأخبار، وسار حتى نزل واديًا يقال له: "ذَفِران"، حيث أتاه الخبر بخروج قريش؛ ليمنعوا عِيرهم.

 

حيطة أبي سفيان وخروج قريش:

لا شك أن أبا سفيان عندما نجا بالتجارة أثناء ذهابه إلى الشام، كان يتوقع أن يترصَّد له المسلمون أثناء دعوته؛ ولذلك أخذ حذره، فبدأ يتحسَّس الأخبار عن المسلمين، حتى علِم بخروجهم، فسلك خُطَّتين؛ ليضمن عدم وقوع القافلة في يد المسلمين.

 

أحدها: أنه طلب النجدة من قريش لحماية قافلتها، حين علِم بخروج الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليتصدَّى له، فأرسل "ضَمْضَم الغِفاري" إلى قريش، يدعوها إلى الخروج لحماية القافلة، واستطاع "ضَمْضَم" أن يثير الرعب في قلوب قريش خوفًا على قافلتها، لم يتخلف من أشرافها أحد إلا أبا لهب بن عبدالمطلب الذي بعث مكانه "العاص بن هشام"، فقد وقف "ضَمْضَم" ببطن الوادي على بعيره وقد جَدَع[4] أنفه، وحوَّل رَحْلَه، وشقَّ قميصه، وهو يصرخ: يا معشر قريش، اللَّطيمةَ اللَّطيمةَ[5]، أموالُكم مع أبي سفيان، قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوثَ، الغوثَ، فتجهزت قريش سريعًا، وخرجت على الصعب والذلول، وهي تقول: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير "ابن الحضرمي"، والله ليَعْلَمُنَّ غير ذلك[6].

 

والثانية: هي بذل أبي سفيان لجهوده، واستخدام خبرته، وحنكته في أن يسلك طريقًا مجهولاًَ، عندما يمرُّ قريبًا من المدينة، حتى ينجو بالتجارة؛ ولذلك تقدَّم العير حتى ورد ماء بدر، فعلِم بوصول عيون الرسول -صلى الله عليه وسلم- إليه، وأنه قريب منها، فعاد مسرعًا إلى العير، وسلك بها طريقًا ناحية الساحل، وترك بدرًا يسارًا، ونجحت خطته؛ فتمكن من أن ينجو بالعير من أيدي المسلمين.

 

تغيُّر الوضع:

اختلف الوضع بعد نجاة أبي سفيان بالعير بالنسبة لقريش وبالنسبة المسلمين، فبالنسبة لقريش: أرسل أبو سفيان إلى قريش، يقول: إنكم إنما خرجتم؛ لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، فقد نجاها الله فارجعوا، وقد رأى هذا الرأي بعضُ رجال قريش، وأخذ به بنو زُهرة، فعادوا، ولكنَّ أبا جهل بن هشام - وقد نظر إلى حُسن استعداد قريش، التي خرجت في قرابة ألف من رجالها، فيهم صناديد مكة، ومعهم مائة فرس، وسبعمائة بعير - رأى أن يجعل ذلك مظاهرة عسكرية يستعلي بها على المسلمين؛ ليكسب نصرًا معنويًّا، وكأنه كان يظن أن المسلمين سوف يُؤْثِرون الانسحاب لخوفهم من المشركين، فأحب أن يجعل خروج قريش إلى بدر - وتصدِّيها للمسلمين فيه - القضاء على كل الآثار التي أحدثتها السرايا التي أرسلها الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك، والغزوات التي خرج فيها إلى وَدَّان وبُواط، وذي العشيرة، فانطلق أبو جهل في عُتُوه وجبروته عندما وصلت رسالة أبي سفيان، يقول: "والله لا نرجع حتى نَرِد بدرًا - وكان بدرٌ موسمًا وسوقًا للعرب يجتمعون فيه كلَّ عام - فنقيم عليه ثلاثًا، فننحر الجَزُور، ونُطْعِم الطعام، ونَسقي الخمر، وتَعْزِف علينا القِيَان، وتسمع بنا العرب وبمسيرتنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدًا بعدها.

 

إن عودة قريش بعد أن نجت تجارتها، لا يَشينها أو يقلِّل من مكانتها ومنزلتها، فهي إنما خرجت لحماية التجارة، وقد تحقَّق لها نجاتها، ولكن الغرور لَعِب برأسها، فأحبَّت أن تظهر سلطاتها لا على المسلمين وحدهم، بل على العرب قاطبةً.

 

أما الوضع بالنسبة للمسلمين الذين لم يأخذوا عُدَّتهم للحرب، ولم يكن ذلك في حسبانهم، فإن عودتهم قبل أن تعود قريش معناه خوفهم من لقاء قريش، وأن عليهم بعد ذلك ألاَّ يتعرضوا لعير قريش، كما أن عودتهم سوف تؤدي إلى الحد من هيبتهم، وضَعف مكانتهم مع القبائل حول المدينة، وفي داخلها مع اليهود والمشركين والمنافقين، وكل المتربصين بالمسلمين الدوائر، بينما صمود المسلمين في أماكنهم وعدم انسحابهم قبل أن تنسحب قريش، فيه الحفاظ على مكانتهم ومنزلتهم؛ ولذلك كان الواجب عليهم الثبات، ولو أدى ذلك إلى المواجهة المسلحة مع قريش؛ ولذلك استشار الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بعد أن تغيَّر الوضع، وأصبح اللقاء مع جيش قريش أمرًا حتميًّا، فأشفق بعض المسلمين من هذا اللقاء الذي لم يستعدوا له، وقال: والله ما لنا طاقة بقتال القوم، ولكننا أردنا العير[7]، ولكنَّ كلمات مضيئةً أخرى تعبر عن عدم الخوف أو الرهبة من العدو، وتقدِّر الظرف الذي طرأ، وما سيترتب عليه، مما يوجب اللقاء مع العدو، ولو لم يأخذوا أُهْبَتَهم لذلك، فقام أبو بكر وعمر، فقالا وأحسنا، ثم قام المقداد بن عمرو، فقال: يا رسول الله، امضِ لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24]، ولكن: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق، لو سِرْتَ بنا إلى بَرْك الغِماد[8]، لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرًا ودعا له، ثم قال الرسول - عليه السلام -: ((أشيروا عليّ أيها الناس))، وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس وأنهم حين بايَعوه بالعقبة، قالوا: يا رسول الله: إنا بُراء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا، فأنت في ذِمَّتنا، نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخوَّف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصرة إلا ممن دهَمه بالمدينة، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو خارج بلادهم.

 

فلما قال ذلك، قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله، قال: ((أجل))، فقال: قد آمنا بك وصدَّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فو الله الذي بعَثك بالحق، لو استعرت بنا هذا البحر، فخُضته، لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تَلقى بنا عدوَّنا غدًا، إنا لصُبُر في الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يُريك منا ما تقرُّ به عينك، فسِرْ على بركة الله، فسُرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقول سعد، ونَشَّطه ذلك، ثم قال: ((سيروا وابشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم))[9].

 

وقد صور القرآن ذلك، فقال: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال: 5 - 8].

 

المواجهة بين المسلمين والمشركين:

أصبح اللقاء بين المسلمين وبين قريش أمرًا لا مفرَّ منه، وصار على كل فريق أن يحيط خبرًا بحالة عدوِّه؛ ليستغل الظرف المتاح له؛ ليتمكَّن من التغلب على عدوه، فذلك من عوامل النصر أو الهزيمة لكل فريق.

 

وقد مضت قريش حتى نزلت بالعدوة القُصوى من الوادي، وانتقل المسلمون من ذَفِران حتى نزلوا قريبًا من بدر - أي بالعُدوة الدنيا -: ﴿ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 42].

 

وحاول الرسول - عليه الصلاة والسلام - أن يستقصي الأمر بنفسه من بعض الأعراب في ذلك المكان، فأرسل بعض أصحابه إلى ماء بدر؛ حيث أتوه بغلامين لقريش كان يسقيان منه، فسألهما الرسول عن قريش، فقالا: هم وراء الكثيب الذي ترى، فقال: ((كم عُدتهم؟))، قالا: كثير، فقال: ((كم ينحرون كلَّ يوم؟))، قالا: يومًا تسعًا ويومًا عشرًا، فقال - عليه الصلاة والسلام - بفِطنته وذكائه: ((القوم فيما بين التسعمائة والألف)).

 

ثم قال لهما: ((فمَن فيهم من أشراف قريش؟))، قالا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وسهيل بن عمرو، وغيرهم من كبار مكة، فأقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الناس، فقال: ((هذه مكة قد ألقَت إليكم أفلاذ كبدها)).

 

وكان على كل مسلم أن يعدَّ نفسه لخوض معركة حامية الوطيس غير متكافئة مع عدوِّهم، وأن يستخدموا كلَّ ما يؤدي إلى تحقيق نصرهم، وأن يدلي كلٌّ منهم بما يراه محقِّقًا للانتصار، ولذلك تقدَّم الحُباب بن المنذر، فقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلٌ أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدَّمه ولا نتأخَّر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟

 

قال: ((بل هو الرأي الحرب والمكيدة))، فقال: يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماءٍ من القوم، فننزله، ثم تفور ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضًا، فنملؤه ماءً، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال الرسول - عليه السلام -: ((لقد أشرت بالرأي))، فنهض رسول الله ومن معه من المسلمين، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم، نزل عليه، ثم أمر بالقُلُب، فغُوِّرت وبنى حوضًا على القَليب الذي نزل عليه، فمُلئ ماءً.

 

وقدر سعد بن معاذ خطورة المعركة وعِظم نتائجها بالنسبة للدعوة الإسلامية إذا لم يتحقَّق النصر فيها، فنطق بعقيدة المؤمن الصادق الذي يحرص على انتصار الدعوة وحماية رسولها -صلى الله عليه وسلم- سواء بنفسه أو بغيره من المؤمنين، فقال: يا نبي الله، ألا نبني لك عريشًا تكون فيه، ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدوَّنا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدوِّنا، كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى، جلست على ركائبك، فلحِقت بمن وراءنا، فقد تخلَّف عنا أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبًّا منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربَّا، ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك، فأثنى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعا له بخير، ثم بُني لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عريش، فكان فيه.

 

واتخذ الرسول - عليه السلام - في تنظيم الجيش أسلوب تعبئة جديد وهو أسلوب الصفوف التي سواها وأمرها ألا تقاتل حتى يأمرهم بالقتال، بينما قاتل المشركون بأسلوب الكَر والفَر[10].

 

وبعد أن اتَّخذ الرسول كل الوسائل الممكنة له والتي تساعده في القتال، لجأ - عليه السلام - إلى ربه عندما أقبلت قريش إلى الوادي يطلب منه النصر والعون عليهم، فقال: ((اللهم هذه قريش قد أقبلت بخُيلائها وفخْرها، تُحادُّك وتكذِّب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم الغداة))[11].

 

وقد ألقى الله الطمأنينة في قلوب المسلمين، فأذهب عنهم الخوف والوجل، فتمتعوا بنو هادئ ومنَحهم راحة مكَّنتهم من القتال، وقد هيأ الله ميدان المعركة، فجعله في صالح المسلمين، فأنزل من السماء ماءً ثبت به الأرض تحت أقدام المسلمين، حتى سبقوا المشركين إلى ماء بدر، بينما كان المطر غزيرًا في جانب المشركين، فجعل الأرض تحت أقدامهم مُوحلة ومنَعتهم من السير.

 

ثم كان مدد السماء بالملائكة التي تُثبت قلوب المسلمين، وتَنزع منها الخوف، فالمطر يثبت أقدام المسلمين والملائكة تثبت قلوب المسلمين، وتُلقي الرعب والفزع في قلوب الكافرين؛ ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الأنفال: 11 - 12].

 

كانت هذه هي العوامل والأسباب التي اتخذها المسلمون لتحقيق الانتصار في بدر.

 

أما قريش، فقد أرادت أن تعلم حال المسلمين وقوتهم؛ لتكون على بيِّنة من أمرها، بعد أن أصرت على الاستعلاء والطغيان مُحادَّة الله ورسوله، فأرسلت عمير بن وهب الحُجمي؛ ليعرف لها عدد جيش المسلمين، وما قد يتبعه من كمين أو مددٍ، فدار عمير حول عسكر المسلمين واستطلع ما حوله من الوادي، ثم عاد ليقدم إليهم تقريره بأنهم قرابة ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلاً أو ينقصون، ثم وصف المسلمين بأنهم البلايا[12] تحمل المنايا، نواضح[13] يثرب تحمل الموت الناقع[14]، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم، فما خير العيش بعد ذلك؟ فرَوْا رأيكم[15].

 

ولا شكَّ أن هذا الوصف القوي الراعب المفزع لجيش المسلمين، قد حرَّك مشاعر رجال من قريش؛ ليتدبروا الأمر ويأخذوا حذرَهم من العواقب المحزنة لهذا اللقاء، لا سيما إذا علِمنا أن هناك رؤيا لعاتكة بنت عبدالمطلب أنذرتهم قبل خروجهم من مكة بأنهم سيخرجون لمصارعهم، ورؤيا لجهيم بن الصلت بالجُحفة أنذرتهم بأسماء من سيَلقى مصرعه وبنتيجة تلك المعركة التي ستُدخل اليُتم إلى كل خباء.

 

ولذلك ذهب حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة يريد إثناء قريش عن هذا اللقاء، فقال لعتبة: إنك كبير قريش وسيدها المطاع، فهل لك إلى ألا تزال تُذكَر فيها بخير إلى آخر الدهر؟ قال: وما ذاك؟ قال: ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي، قال: قد فعلت، وعلي عَقْله وما أُصيب من ماله، وعليك أن تحمل أبا جهل على أن ينقاد لهذا القرار؛ حتى يرجع الناس.

 

ثم وقف عتبة بن ربيعة، فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدًا وأصحابه شيئًا، والله لئن أصبتموه، لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، قتَل ابن عمه أو ابن خاله، أو رجلاً من عشيرته، فارجعوا وخلُّوا بين محمد وبين سائر العرب، فان أصابوه، فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك، ألفاكم ولم تَعرَّضوا منه ما تريدون.

 

وكادت كلمات عتبة التي تنظر إلى عواقب الأمور وتصغي إلى صوت العقل، أن يكون لها أثر في نفوس الناس وتَثنيهم عن القتال، إلا أن أبا جهل عندما علِم بذلك ثار ثورة عارمة، وأخَذته العزة بالإثم وأعلن عن غطرسة قريش وتبجُّحها وتكبُّرها، فقال: كلاَّ والله، لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأى أن محمدًا وأصحابه آكلة جزور وفيهم ابنه، فقد تخوُّفكم عليه، ثم حثَّ عامر بن الحضرمي على المناداة بثأره، فصرخ: واعمراه، واعمراه[16].

 

فكان ذلك نذيرًا بنشوب الحرب والقضاء على الرأي الذي دعا إليه عتبة، ولكنه كان نذيرًا باختلاف كلمة القيادة في جيش قريش، وذلك من أخطر الأمور في الحروب، وكان من عوامل الهزيمة لقريش.

 

لقاء الحق والباطل:

وفي يوم الجمعة السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة، ابتدأ القتال بين الجمعين بالمبارزة بعد أن قتَل حمزة الأسود المخزومي الذي حاوَل اقتحام حوض ماء المسلمين، فقد تقدَّم عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد، يطلبون المبارزة، فأخرج الرسول إليهم عبيدة بن الحارث وحمزة بن عبدالمطلب وعلي بن أبي طالب، فقتَل حمزة شيبة وعلي الوليد، وجرَح أبو عبُيدة وعتبة كلٌّ منهما صاحبه، فأقبل علي وحمزة على عتبة، فأجهزا عليه واحتملا صاحبهما، وساءت هذه البداية المحزنة قريشًا، فكرَّت في حنقٍ على المسلمين تريد النَّيْل منهم، فأمرهم الرسول أن يردوهم بالنبل وهو مستغرق في مناجاة ربه يطلب منه العون على هؤلاء الطغاة البغاة، ويقول: ((اللهم إن تهلك هذه العصابة، لا تعبد بعدها في الأرض، اللهم أنجِز لي ما وعدَّتني، اللهم نصرك))، ورفَع يديه مُلِحًّا في الدعاء حتى سقَط رداءه عن مَنكبيه، فرده عليه أبو بكر الصديق، وقال: بعض مناشدتك ربك، فإنه مُنجز لك ما وعدك.

 

وجاء نصر الله في مدد الملائكة لتثبيت المسلمين، وخرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس فحرَّضهم، وقال: ((والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل، فيُقتل صابرًا محتسبًا، مقبلاً غير مدبر - إلا أدخله الله الجنة))، وأخذ حَفنة من الحَصباء، فرمى بها قريشًا، وقال: ((شاهت الوجوه))، وأمر أصحابه فقال: ((شدوا))، فانطلق المسلمون أسودًا كاسرة نحو أعدائهم، فقتلوا صناديدهم وكُبراءهم، ولم يثبت لهم المشركون، ففرُّوا من الميدان وتبِعهم المسلمون، يقتلون ويأسِرون.

 

وقد طلب الرسول -صلى الله عليه وسلم- من المسلمين ألا يقتلوا بني هاشم وبعض رجال من سادات قريش مع أنهم اشتركوا في قتال المسلمين، وما فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك محاباة لأحد، وإنما علِم أن بعضهم قد أخرج كرهًا لا حاجة له بقتال المسلمين، كما أراد أن يرد الجميل لبني هاشم التي حمته أثناء إقامته بمكة، فقد شهِد العباس معه بيعة العقبة، ويرد جميل من قاموا بنقض الصحيفة من غير بين هاشم، فكان شفيعًا لهؤلاء وأولئك لدى المسلمين ساعة القتال.

 

وانجلت تلك المعركة الفاصلة بين الحق والباطل عن هزيمة ساحقة لقريش، فقَدت فيها سبعين قتيلاً من أشرافهم، وأُسِر منها سبعون آخرون، وفرَّ الباقون؛ ليتحدثوا عما حلَّ بهم من صَغار، وقدم من المسلمين إلى جنة الخلد أربعة عشر شهيدًا.

 

تَمَّ النصر للمسلمين وفرِح الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون بتأييد الله لهم؛ ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123].

 

ثم أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن يطرح قتلى المشركين في القَليب، وقد تذكَّر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما لاقى من أذى هؤلاء الطغاة المتجبرين، فقال: ((يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيِّكم، كذَّبتموني وصدَّقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام، ثم عدَّد مَن كان في القليب: هل وجدتم ما وعدَكم ربُّكم حقًّا، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًّا؟))، فقال المسلمون: يا رسول الله، أتنادي قومًا قد جُيِّفوا؟!

 

قال: ((ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني)).

 

وقْع أنباء بدر في المدينة وفي مكة:

بعد أن أقام الرسول - عليه الصلاة والسلام - ثلاثة أيام في بدر، تحرَّك المسلمون ومعهم الغنائم والأسرى متجهين إلى المدينة، وقد بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين يديه إلى المدينة بشرَين بالنصر والفتح والظفر على المشركين، هما: عبدالله بن رواحة، وزيد بن حارثة، فلما وصلا، جعل عبدالله بن رواحة ينادي وهو على راحلته في عالية أهل المدينة: يا معشر الأنصار ابشروا بسلامة رسول الله وقتْل المشركين وأسْرهم، قُتِل ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وأبو جهل... إلخ، وأُسِر سهيل بن عمرو... إلخ.

 

ثم أخذ يعلن ذلك في دُور الأنصار بالعالية، ويُقسم على ذلك لمن لم يُصدقه وصبيان المسلمين يساعدوه على إعلان نبأ النصر وينشدون: قُتِل أبو جهل الفاسق، وجعل زيد بن حارثة وهو على ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القَصْواء يعلن ذلك في أهل سافلة المدينة.

 

ولكن المشركين والمنافقين واليهود، أخذوا يكذِّبون ذلك ويقولون: ما جاء زيد إلا فلاًّ، وقال رجل من المنافقين لأسامة: قُتِل صاحبكم ومن معه، وقال آخر لأبي لُبابة: قد تفرَّق أصحابكم تفرُّقًا لا يجتمعون فيه أبدًا، وقد قُتِل عليه أصحابه، قُتِل محمد وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ماذا يقول من الرعب، وجاء فلاًّ، فقال أبو لبابة: يكذِّب الله قولك، وقالت اليهود: ما جاء زيد إلا فلاًّ[17].

 

وهكذا كان وقْع انتصار المسلمين على أعداء الإسلام في المدينة، بينما امتلأ المسلمون في المدينة فرحًا وبشرًا بنصر الله لرسوله، ثم قدِم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة ومِن خلفه الأسرى يحيط به النصر والظفر وتأييد الله تعالى، واستقبله عِلية الناس يهنئونه بما فتح الله عليه، وقد خافه كلُّ عدوٍّ له بالمدينة وحولها، فأسلم بشر كثير من أهل المدينة، ودخل عبدالله بن أُبي المنافق وأصحابه في الإسلام ظاهرًا[18].

 

ويذكر ابن كثير أن نبأ الفوز في هذه المعركة قد وصل إلى الحبشة بواسطة عين للنجاشي في الحجاز، وبشَّر النجاشي المسلمين المهاجرين إلى الحبشة بالنصر"[19].

 

وهذا يُبيِّن لنا تقصِّي الدول المجاورة والبعيدة لأخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين معه، وتتبُّعهم لما يحدث لهم، كما يُبيِّن لنا امتداد أنباء هذه المعركة إلى خارج الجزيرة العربية بما يؤكد أهميتها في الداخل والخارج، أما في مكة، فقد كان لأنباء هذه الغزوة وقْع الصاعقة التي أصابت معظم بيوتاتها، فأنكروها في البداية ولم يصدِّقوها.

 

وكان أول من قدِم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبدالله الخزاعي، فقالوا: ما وراءك؟ قال: قُتِل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف.. إلخ.

 

فلمَّا جعل يعدِّد أشراف قريش، قال صفوان بن أُمية وهو قاعد في الحجر محاولاً تكذيب ما يسمع - فرمى القائل بالجنون -: والله إن يعقل هذا، فأسالوه عني، فقالوا: وما فعل صفوان بن أمية؟ قال: ها هو ذاك جالس في الحجر، وقد والله رأيت إياه وأخاه حين قُتِلا[20].

 

وعندما تحقَّق الخبر، حزن الناس، وقطَّعت النساء شعورهن، وعقرت خيول كثيرة ورواحل، وناحت قريش على قتلاها، ولكنهم قالوا بعد ذلك: لا تفعلوا؛ حتى لا يبلغ محمد وأصحابه، فيَشمتوا بكم.

 

وكان وقْع الهزيمة أليمًا على أهل مكة؛ حتى مات أبو لهب كمدًا بعد سبعة أيام، ومشى نفر إلى أبي سفيان بن حرب وإلى مَن كان له مال من قريش في تلك التجارة، فسألوهم أن يهبوها؛ لكي يستعدوا بها لحرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففعلوا[21].

 

فأنزل الله في أهل مكة الذين يصرون على حرب المسلمين والصد عن سبيل الله بأموالهم التي يرصدوها لذلك: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36].

 

وقد نتج عن غزوة بدر أمور تحتاج إلى أن نلقي عليها نظرة منها:

1 - الغنائم:

فعندما ولَّى المشركون الأدبار، انطلقت طائفة من المسلمين خلف العدو تقتله وتأسره، وبَقيت طائفة تحرس النبي؛ خوفًا من أن يرجع أحد المشركين إليه، وانطلقت طائفة أخرى ثالثة تجمع الغنائم والأسلاب التي ترَكها المشركون.

 

وقد قال من جمع الغنائم: إنه أحق بالغنائم التي جمعها، وقال الذين تبعوا العدو: لولا نحن ما أصبتم شيئًا، لقد شغلنا القوم عنكم حتى جمعتم الغنيمة، وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله مخافة أن يعود إليه العدو: والله ما أنتم بأحق بالغنائم منا، والله لقد رأينا أن نقتلَ العدو إذ منحنا الله أكنافه، وأن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه مَن يمنعه، ولكنا خُفنا على رسول الله كرَّة العدو، فقمنا دونه، فما أنتم بأحق به منا[22].

 

وكاد متاع الدنيا من الغنائم - بعد هذا الصراع الطويل والنصر الحاسم - أن يُوقع بينهم الشقاق ويفسد ذات البين، فجعل الله أمرها إلى الله ورسوله، ونزل قول الله معاتبًا ومُحذرًا من أن تَستميلهم مغانم الدنيا عن أهدافهم العليا؛ ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 1].

 

فقسم رسول الله الغنائم بين الجميع على سواء بعد أخْذ الخمس منه[23]، وقد جعل للفرس مثل ما للفارس، وأعطى للورثة حصة من استُشهد ببدر، وجعل نصيبًا للثمانية الذين تخلَّفوا عن المعركة لأعمال أُسندت إليهم، أو لأعذار قُبِلت منهم، وعُدُّوا بدريين[24].

 

2 - الأسرى:

عندما مكَّن الله المسلمين من المشركين، وانطلقوا يقتلون صناديد قريش ويأسرونهم - نظر رسول الله إلى وجه سعد بن معاذ، وكان قائمًا على حراسة الرسول في جماعة من الأنصار، فرأى في وجه سعد الكراهية لما يصنع الناس من الأسر، فقال له الرسول - عليه الصلاة والسلام -: ((والله لكأنك يا سعد، تكره ما يصنع القوم؟))، فقال: أجل يا رسول الله، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك أحبَّ إلي من استبقاء الرجال[25].

 

هكذا كان رأي سعد بن معاذ هو الإثخان في القتل أثناء المعركة دون أسر أحد من المشركين، ولعل هذا هو المراد من قول الله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الأنفال: 67]؛ أي: إن المطلوب كما هي وجهة نظر سعد أثناء المعركة، هو القتل دون الأسر، ولكنَّ المسلمين قتَلوا سبعين وأسَروا سبعين.

 

وفي أثناء عودة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة واستعراضه للأسرى، أمَر بقتْل اثنين من الأسرى لجرائم شنيعة ارتكبوها ضد المسلمين، وعندما وصل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، كان عليه أن ينظر في أمر الأسرى، فاستشار أبا بكر وعليًّا وعمر، فقال أبو بكر: يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعَشيرة والإخوان، وعني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوَّة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله، فيكونوا لنا عَضدًا.

 

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما ترى يا ابن الخطاب؟))، قال: والله ما رأى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكِّننني من فلان قريب لعمر، فأضرب عنقه، وتمكِّن عليًّا من عقيل، فيضرب عنقه، وتمكِّن حمزة من أخيه، فيَضرب عنقه؛ حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديد قريش وأئمتهم، فمال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلت، وضرب لكل منهما مثلاً من الأنبياء، فقال: ((إن الله ليُليِّن قلوب رجال فيه، حتى تكون ألين من اللين، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه، حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: ﴿ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 36].

وكمثل عيسى قال: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118].

 

وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ [نوح: 26] وكمثل موسى قال: ﴿ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [يونس: 88].

 

أنت عالة، فلا يَبقينَّ أحد إلا بفداء أو ضربة عُنق))[26].

 

فكان فداء الأسير بين أربعة آلاف درهم وأربعمائة درهم حسب طاقته، ومن لم يستطع أن يدفع فدية، دُفِع إليه عشرة من غلمان المدينة، فعلَّمهم الكتابة، فإذا حذَقوا الكتابة، فهو فداؤه[27].

 

فنزل قول الله تعالى معاتبًا الرسول والمسلمين على الأسر دون الإثخان في الأرض وحب الدنيا والميل إليها؛ ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67 - 68].

 

وقد بيَّن الله في سورة محمد أن الأسر إنما يكون بعد الإثخان وإرهاب أعداء الله من المسلمين، فقال: ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ﴾ [محمد: 4].

 

فكان سبْقُ المغفرة في عِلم الله، وأن الغنائم وفداء الأسرى ستحل لهذه الأمة، هو المانع من إلحاق العذاب بالمسلمين عندما أخذوا الفداء، كما أنه لم يكن سبَق لهم حُكم فخالفوه؛ فلذلك قال: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 69].

 

وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- مبينًا حِلَّ الغنائم: ((أُعطيت خمسًا لم يُعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وحُلت لي الغنائم، ولم تُحل لأحد قبلي، وأُعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه، وبُعثت إلى الناس عامة))[28].

 

من ذلك يتبيَّن لنا أن العتاب على طلب عرَض الدنيا، إنما كان على الأسر أثناء المعركة والقتال دائر، كما رأى ذلك سعد بن معاذ، أما وقد تَمَّ الأسر ولم يَسبق فيه حُكم يمنعهم من الأسر، فقد أحل الله لهم ما أخذوا من فداء للأسرى.

 

وقد ضرب الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون معه المثل الأعلى للإنسانية كلها في حسن معاملة الأسرى والإحسان إليهم، وعدم مساسهم بسوء أو تشويههم، فقد قال الرسول عندما فرَّق الأسارى في أصحابه: استوصوا بالأسرى خيرًا، فكان المسلمون يبالغون في إكرام الأسير وتفضيله على أنفسهم، ويعبر عن ذلك أبو عزيز أخو مصعب بن عمير، وكان أحد الأسرى، فيقول: كنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدَّموا غذاءهم وعشاءَهم، خصوني بالخبز وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله - عليه السلام - إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كِسرة خبز، إلا نفحني بها، فأردها على أحدهم، فيردها عليّ، ما يَمسها[29].

 

وكان سهيل بن عمرو من الخطباء المفوهين الذين يُثيرون بخُطبهم الحماس بين المشركين ضد المسلمين، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، دعني أنزع ثنيَّتي سهيل بن عمرو، ويَدلع - أي يخرج - لسانه، فلا يقوم عليك خطيبًا في موطن أبدًا، فيقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو الأسوة الكاملة للإنسانية كلها في سلمها وحربها: ((لا أُمثِّل؛ فيُمثل الله بي، وإن كنت نبيًّا))[30].

 

وهكذا يعطي الرسول للناس درسًا بليغًا ساميًا في حُسن معاملة الأسير وعدم إلحاق الأذى به أو تشويهه في أي عضو من أعضائه.

 

3- الملائكة في بدر:

في الحرب الحديثة والقديمة بعد اكتشاف أسرار العدو ومعرفة حالته والتأثير على معنوياته - سواء بالاستخبارات أو المعدات الحديثة التي تسدِّد الضربات، وتمكِّن من يستخدمها من إحكام توجبه الضربة إلى خصمه - من أهم الأمور المحققة للنصر.

 

ونزول الملائكة في بدر أمر لا شك فيه؛ فقد ورد في الكتاب والسنة، ولكن اختلف في الدور الذي قامت به، هل شاركت في القتال فعلاً؟ أم أنها كانت لتثبيت قلوب المؤمنين؟

وأرى أن دور الملائكة في بدر كان قاصرًا على تسديد ضربات المسلمين، وكشْف الضَّعف في صفوف المشركين، وستر عورات جيش المسلمين؛ حتى لا ينفذ من خلالها العدو، ثم تكثير سواد المسلمين؛ حتى تطمئنَّ قلوبهم، فتثبُت الفئة القليلة المؤمنة أمام الفئة الكثيرة الكافرة، والقرآن يشير إلى نزول الملائكة بقوله: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9].

 

ثم يشير إلى الهدف المقصود من نزول الملائكة بنشر البُشرى بين صفوف المسلمين وطَمْأَنة قلوبهم بأن النصر آت من عند الله؛ ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126].

 

ثم يُبيِّن العمل والمهمة التي من أجلها أنزل الله الملائكة، وهي تثبيت قلوب المسلمين في القتال؛ حتى تكون ضرباتهم مسدَّدة، وإلقاء الرعب في قلوب المشركين؛ حتى تَطيش ضرباتهم؛ ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ﴾ [الأنفال: 12].

 

ثم يشير إلى تقليل عدد المشركين في أعين المسلمين؛ حتى لا يأخذهم الفزع من كثرتهم؛ ﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [الأنفال: 44].

 

ثم يُبيِّن القرآن تسديد الرمي وإصابة الهدف، فيقول: ﴿ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الأنفال: 12] ويقول: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ [الأنفال: 17].

 

أما ما يذكره بعض الصحابة من أنه رأى الملائكة تخرج من الشِّعب إلى بدر، وبأن سِيما الملائكة يوم بدر كانت عمائم بيضاءَ، قد أرْخوها على ظهورهم إلا جبريل، فإنه كانت عليه عمامة صفراء، فهذا أمر لا خلاف فيه؛ لأنه ليس هناك من ينكر نزول الملائكة، وأما ما يُروى عن أبي داود المازني وكان قد شهِد بدرًا، فقال: "إني لأتبع رجلاً من المشركين يوم بدر لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصلَ إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيري"[31]، فذلك في رأيي هو تسديد الملائكة لضربات المسلمين، فقد صارت رؤوس المشركين كثمرة ناضجة تسقط لأقل حركة أو جُهد من قاطفها، ولعل خير مثال على ذلك ما حدث لصائد الدبابات في حرب رمضان 1393هـ، الذي استطاع بمفردة أن يقضي على ست عشرة دبابة، وذلك بالثبات الذي وضعه الله في قلبه، وبتسديد الضربات، ودقة التوقيت لإطلاق قذيفته على صيده.

 

ولنا أن نسأل من يقول: إن الملائكة قاتلت في بدر، أين إذًا الدور العظيم والمكانة العليا لمن شهِد بدرًا والملائكة هم الذين قاتلوا؟!

 

ثم لو ثبت أن الملائكة قاتلت يوم بدر، وأيقن بذلك المشركون - سواء من فرَّ منهم أو من أُسر؛ كما تشير إلى ذلك بعض الروايات - فهل كان يعقل أن أحدًا منهم يمكن أن تحدِّثه نفسه أو يسيغ له عقله بأن يقاتل المسلمين بعد ذلك، وهو يعلم ويرى أن الملائكة في صفوف المسلمين تقاتل معهم؟!

 

ما أظن أن ذلك يسيغه العقل وفيه هلاك النفس، ومن ذلك نرى أن نزول الملائكة في بدر إنما كان معونة فنية معنويَّة، مكَّن الله بها المسلمين من تحقيق نصر الله في بدر؛ ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126].

 

4 - مكانة بدر في التاريخ:

ستظل موقعة بدر على مدى التاريخ الإنساني شاهدَ صدق على نصرة الله للحق، عندما يتمسَّك به أتباعه ويخلصون له ولو كانوا قلة، وهزيمته للباطل وجبروته وطُغيانه، ولو كان أتباعه كثرة، فهي مبادئ يقتدي بها أصحاب الدعوات والمبادئ في حياتهم؛ ليصلوا إلى حقوقهم، ويحموا أنفسهم؛ ﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال: 8].

 

ففيها أذلَّ الله الكفر وكسر شوكة الطغاة، وحطَّم كبرياء قريش المتغطرسة، وأزال مَن فيها من العُتاة والجبارين.

 

وفيها أعلى الله شأن المؤمنين وحماهم، وأظهر دعوتهم، ووطَّد هَيبتهم، ولفت نظر العرب في الجزيرة العربية كلها إلى التفكير في دعوة الإسلام.

 

وما زالت موقعة بدر تشد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى رحابها كلَّ عام؛ ليعيشوا في ظلها، ويُردِّدوا صدى ذكراها، ويستلهموا منها الدروس والعظات، بل ذكر شباب من المسلمين اسمها عمليًّا في حرب رمضان سنة 1393، فكان في الجيش الثالث على أرض سيناء اسم عملية بدر، وكتائب بدر:

وقد أنزل الله فيها سورة كاملة في القرآن؛ ليتربَّى على آياتها الأبناء؛ ليحقِّقوا ما حقَّق الآباء، وكان للبدريين منزلة لا تُسامَى، قال عنها الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((لعلَّ الله قد اطَّلع إلى أصحاب بدر يوم بدرٍ، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم)).

 

وقد سجل المسلمون أسماء من شهِدها؛ تعظيمًا لهم وإجلالاً، وتقديرًا للدور العظيم الذي قاموا به، فبدر آية للإنسانية على مدى التاريخ، تهتدي بها وتقتبس من عِبَرها وعِظاتها[32].

 

اللقاء الأول بين المسلمين واليهود:

كان انتصار المسلمين على قريش في بدر عاملاً لإظهار اليهود أحقادهم وأضغانهم على المسلمين، فقد شعروا بازدياد قوة المسلمين، فأحبوا أن ينالوا منها.

 

وكان يهود بني قَينقاع أول من أظهر العداء السافر للمسلمين، وسعوا في نقض المعاهدة بينهم وبين المسلمين، وكان يعيشون في طرف المدينة، ويَعتدون بقوَّتهم المكونة من سبعمائة مقاتل من أشجع اليهود، وكانوا محالفين لعبدالله بن أُبي زعيم المنافقين؛ ولذلك انطلقوا يُقلِّلون من شأن انتصار المسلمين في بدر، ويرثون قتلى قريش، ويحثونهم على الأخذ بالثأر، ويُشَبِّبون بنساء المسلمين، مع أن المعاهدة بينهم وبين المسلمين تقتضي أن يفرحوا بانتصار المسلمين؛ ولهذا ذهب إليهم الرسول - عليه الصلاة والسلام - في سوقهم؛ يُذكِّرهم بعهدهم، ويُحذرهم عاقبة نقْضهم للعهد، وافترائهم على المسلمين، والتعريض بهم، ولكنهم لم يرعوا للعهد حُرمة ولا ذمة، وأعلنوا للرسول - صلى الله عليه وسلم في صفاقة واستعلاء - عدمَ انقيادهم لبنود المعاهدة، وقالوا: يا محمد، لا يغرنَّك من نفسك أنك قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتَلتنا، لعرَفت أنَّا نحن الناس، وأنك لم تَلق مثلنا"[33].

 

فأنزل الله تعالى قرآنًا يتوعَّدهم بالهزيمة وبالنار ويضرب لهم الأمثال؛ ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [آل عمران: 12 - 13][34].

 

وقد ظهر استخفاف اليهود بالمسلمين عندما ذهبت امرأة من المسلمين إلى سوق بني قينقاع لتبتاع منه حليًّا، وجلست إلى صائغ هناك، فأراد بعض اليهود أن تكشف عن وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها، فعقده إلى ظهرها وهي لا تدري، فلما قامت، انكشفت سوْأتها وضحِك اليهود منها، وصاحت مُعبِّرة عما حلَّ بها من مهانة، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ، فقتله، فاجتمع اليهود على المسلم، فقتلوه.

 

وكان ذلك إشعالاً للحرب بينهم وبين المسلمين، ولجَؤوا إلى حصونهم، فخرج إليهم الرسول - عليه الصلاة والسلام - في منتصف شوال من السنة الثانية، وضرَب عليهم الحصار خمس عشرة ليلة، حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حُكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فشفَع فيهم عبدالله بن أُبي حليفهم وألحَّ على الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - طالبًا العفو ويقول: أحسن في مالي أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع، قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غزاة واحدة؟ إني امرؤ أخشى الدوائر، فحقن الرسول له دماءَهم على أن يرحلوا من المدينة، فخرجوا إلى أذرعات بالشام، حيث هلَك معظمهم هناك.

 

وغنِم المسلمون سلاحهم وضياعهم، وأدوات صناعتهم وأموالهم، وأراح الله بذلك المدينة من شرِّهم ومكرهم[35].



[1] ابن هشام، ج 1، ص 595، طبقات ابن سعد 2، البداية والنهاية، 3/ 234.

[2] وكان ذلك قبل أن ينزل الخُمس، نزل كما قسمه عبدالله بن جحش؛ انظر: البداية والنهاية 3/ 249.

[3] انظر: ابن هشام 1/ 591 - 607، طبقات ابن سعد 2/ 1 - 5، الطبري 2/ 402 - 417، زاد المعاد 2/ 83 - 85، البداية والنهاية 3/ 241 - 250، حياة محمد؛ لهيكل 242 - 252.

[4] جدَع بعيره: قطع أنفه.

[5] اللطيمة: الإبل التي تحمل البن والطِّيب.

[6] البداية والنهاية 3/ 258.

[7] البداية والنهاية 3/ 263.

[8] بَرْك الغِماد: موضع بناحية اليمن.

[9] ابن هشام 2/ 625

[10] جريدة الأهرام؛ مقال للواء شيب خطاب، 22/ 9/ 75.

[11] ابن هشام 2/ 621.

[12] البلايا: جمع بلية وهي الناقة أو الدابة تربط على غير الميت، فلا تُعلف ولا تسقى حتى تموت.

[13] النواضح: الإبل التي يُستقى عليها الماء.

[14] النافع: للثابت البالغ في الإفناء.

[15] ابن هشام 2/ 622.

[16] ابن هشام 2/ 622 - 623.

[17] البداية والنهاية 3/ 304.

[18] زاد المعاد 2/ 90.

[19] البداية والنهاية 3/ 304.

[20] ابن هشام 2/ 646.

[21] ابن هشام 2/ 671.

[22] ابن هشام 2/ 641.

[23] البداية والنهاية 3/ 303.

[24] حياة محمد؛ هيكل ص 269.

[25] ابن هشام 2/ 628.

[26] البداية النهائية 3/ 297.

[27] طبقات ابن سعد، ج 2، ص 14.

[28] البداية والنهاية 3/ 299.

[29] ابن هشام 2/ 645.

[30] ابن هشام 2/ 149.

[31] انظر ابن هشام 2/ 633.

[32] انظر غزوة بدر: ابن هشام 2/ 606 - 714، طبقات ابن سعد ص 2/ 6 - 18، زاد المعاد 2/ 85 - 90، البداية والنهاية 3/ 256 - 343، تاريخ الطبري 2/ 421 - 479، الكامل؛ لابن الأثير 2/ 116 - 137، ابن خلدون 2/ 19 - 22، حياة محمد 255 - 276، تاريخ الأمم الإسلامية؛ للحضري 102 - 107، فقه السيرة 232 - 257، القول المبين 166 - 181، السيرة النبوية؛ لمحمد مصطفى النجار، ص 161 ­- 173.

[33] ابن هشام 2 / 552.

[34] روى ذلك عكرمة عن ابن عباس؛ انظر: ابن هشام 3 / 87.

[35] انظر: ابن هشام 3/ 47 - 49، طبقات ابن سعد 3/ 19 - 20، الكامل؛ لابن الأمير 2/ 137 ، 2/ 138، ابن خلدون 2/ 23، الطبري 2/ 479 - 481، البداية والنهاية 4/ 3، الغزالي فقه السيرة 257 - 260، حياة محمد 277 - 281.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • امرأة عربية تقود النضال دفاعاً عن الدعوة السلفية
  • كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ( خطبة )
  • افتراءات وكذب المشركين
  • فقر المشرك

مختارات من الشبكة

  • إيطاليا: استعداد المسلمين لليلة القدر منذ بداية رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • بداية التفريق بين العشر وغيرها في عدد الصلاة ووقتها في الحرمين(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • بداية الجمع بين صلاة أول الليل وآخره في الحرمين(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • بداية شك بين زوجين(استشارة - الاستشارات)
  • بدايات الصراع بين الإنسان والشيطان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين البداية والنهاية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مسلمو دالتون يخططون لافتتاح مركز إسلامي جديد في بداية العام الجديد(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تركيا: استمرار النضال من أجل الحجاب(مقالة - المسلمون في العالم)
  • اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة في التجارب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • بداية الانطلاقة الثانية لثاني البشائر وحدوث معوقات عالقة في طريق الانطلاقة الثانية(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب