• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم

الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/2/2025 ميلادي - 7/8/1446 هجري

الزيارات: 1190

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله ربِّ العالمين، إله الأولين والآخرين، وقيُّوم السماوات والأرضين، سبحانه سبحانه، بهَرت عظمته قلوب العارفين، وأظهرت بدائعه لنواظر المتأملين، نصب الجبال فأرساها، وأرسَل الرياح فأجراها، ورفع السماء فأعلاها، وبسط الأرض فدحاها، الملائكة من خشيته مشفقون، والرسل من هيبته خائفون، والجبابرة لعظمته خاضعون، ﴿ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ﴾ [الروم: 26].

 

ونشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد الأحد، القيوم الصمد، الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ، لا مغيث غير الله، ولا مجير غير الله، ولا معين غير الله، ولا ناصر غير الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى والرسول المجتبى الرحمة المهداة والنعمة المسداة، صاحب المقام المحمود والحوض المورود، الشفاعة العظمى، سيد الأولين والآخرين على الله ولا فخر ذاك:

الشفيع مقامه المحمودُ
ولوائه بيد العلا معقودُ
فاذا توافدت للحساب وفودٌ
قالوا تقدَّم بالأنام زعيمَا
صلوا عليه وسلموا تسليمًا
فيقوم بالباب العلي ويسجدُ
ويقول يا مولاي آن الموعدُ
فيُجاب قلْ يسمع إليك محمدُ
ونريك منا نَضرة ونعيمًا
صلِوا عليه وسلموا تسليمَا

اللهم صلِّ عليه وسلم على آله وأصحابه الطيبين الأبرار الذين كانوا فيما بينهم رحماء، فرضي عنه ربُّ الأرض والسماوات، وعن التابعين وتابعين بإحسان إلى يوم الدين؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [الأحزاب:69-71]؛ أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثاتها بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ أما بعد:

فالصدق من أعظم الأخلاق التي يتصف بها إنسان؛ لذا كان محل عناية القرآن؛ فقال تعالى موجهًا نداءه لكل مَنْ آمن به ربًّا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]؛ للدلالة على أن المجتمع المسلم يجب أن يتصف بهذه الصفة الرائعة صفة الصدق؛ لأنها مفتاح كل خير.

 

ولقد تجلى الصدق في شخصية الصادق الأمين -صلى الله عليه وسلم- فلو كان الصدق رجلًا، لكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهيَّا لنتعرف عن كثب على الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم.

مُحَمَّدٌ أَشْرَفُ الأعْرَابِ والعَجَمِ
مُحَمَّدٌ خَيْرٌ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ
مُحَمَّدٌ باسِطُ المَعْرُوفِ جَامِعَة
مُحَمَّدٌ صاحِبُ الإِحْسانِ والكَرَمِ
مُحَمَّدٌ تاجُ رُسْلٍ اللهِ قاطِبَة
مُحَمَّدٌ صادِقُ الأٌقْوَالِ والكَلِمِ
مُحَمَّدٌ ثابِتُ المِيثاقِ حافِظُهُ
مُحَمَّدٌ طيِّبُ الأخْلاقِ والشِّيَمِ
مُحَمَّدٌ خُبِيَتْ بالنُّورِ طِينَتُهُ
مُحَمَّدٌ لَمْ يَزَلْ نُوراً مِنَ القِدَمِ
مُحَمَّدٌ حاكِمٌ بالعَدْلِ ذُو شَرَف
مُحَمَّدٌ مَعْدِنُ الإنْعامِ وَالحِكَمِ
مُحَمَّدٌ ذِكْرُهُ رُوحٌ لأَنْفُسِنَا
مُحَمَّدٌ شُكْرُهُ فَرْضٌ عَلَى الأُمَمِ

 

شهادة ربِّ العالمين بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم:

يكفيه -صلى الله عليه وسلم- فخرًا وشرفًا شهادة رب العالمين بصدقه في قوله، فقد قال الله تعالى مزكيًا له -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون ﴾ [الزمر: 33].

 

وصدق الله عز وجل حين قال عنه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِين ﴾ [الصافات:37].

 

وقال تعالى: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم:2: 4].

 

شهادة خديجة رضي الله عنها: وها هي عائشة تستدل على رعاية الله تعالى وحفظه للنبي -صلى الله عليه وسلم- بصفات الكمال ومنها الصدق؛ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ............... (إلى) قَالَ: فَجِئْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُونِي حَتَّى ذَهَبَ عَنِّي الرَّوْعُ فَقُلْتُ» يَا خَدِيجَةُ مَا لِي؟ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَى عَلَيَّ فَقَالَتْ: أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقَ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ[1].

 

شهادة قريش بصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم-:

أيها الإخوة الأحباب، لقد عرف النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ نعومة أظفاره بالصادق الأمين، واشتَهر ذلك بين الصغير والكبير، فلم يُجرب عليه كذبٌ قط؛ لما أرد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجهر بالدعوة، أراد بفطنته -صلى الله عليه وسلم- أن ينتزع منهم قبل إخبارهم بأمر الرسالة الشهادةَ له بالصدق في القول والعمل؛ ليقيم عليهم الحجة من أنفسهم؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، صَعِدَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِي» - لِبُطُونِ قُرَيْشٍ - حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟»، قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ»، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ [المسد: 2][2].

 

«شهادة أبي سفيان - رضي الله عنه - للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالصدق أمام هرقل، قبل أن يسلم، عندما سأله هرقل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: عن سؤال هرقل لأبي سفيان: «.. فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا قَالَ»، وفي آخر القصة يقول هرقل لأبي سفيان: « وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ: لَا، فَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعِ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ يَذْهَبُ فَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ وَسَأَلْتُكَ)[3].

 

شَهِدَ الأنامُ بصِدْقِهِ حتى العِدَا      والحقُّ ما شَهِدَتْ به الأعداءُ

 

«شهادة أبي جهل لعنه الله»:

وها هو ألد أعداء النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي حاربه وحاول قتله أكثر من مرة، وألَّب على صناديد قريش، إنه عدو الله (أبو جهل لعَنه الله)، يشهد له -صلى الله عليه وسلم- بالصدق في دعوته ورسالته، وما منعه من الإيمان به إلا الكبر والحسد؛ قال المِسْورُ بنُ مَخْرمة - وهو ابنُ أختِ أبي جهل - لأبي جهل: يا خالي، هل كنتم تتَّهِمون مُحَمَّدًا بالكذِب قبلَ أن يقولَ ما قال؟ فقال: يا بنَ أختي، واللهِ لقد كان محمدٌ فينا وهو شاب يُدعَى "الأمين"، فما جرَّبنا عليه كَذِبًا قطُّ، قال: يا خال، فما لكم لا تتَّبعونه؟! قال: يا بن أختي، تنازَعْنا نحن وبنو هاشم الشرفَ، فأطعَموا وأطعَمْنا، وسَقَوا وسَقَيْنا، وأجارُوا وأَجَرْنا، حتى إذا تجاثَيْنا على الرُّكَب - وكنَّا كفَرَسَيْ رهانٍ - قالوا: مِنَّا نبيٌّ، فمتى نُدرِك مثلَ هذه؟

 

وقال الأخنسُ بنُ شريق يومَ بدرٍ لأبي جهل: يا أبا الحكم، أخبِرْني عن محمدٍ، أصادِقٌ هو أمْ كاذبٌ، فإنه ليس ها هنا من قريش أحدٌ غيري وغيرُك يسمعُ كلامنا؟ فقال أبو جهل: وَيحك! واللهِ إن محمَّدًا لصادق، وما كَذَب محمدٌ قط، ولكنْ إذا ذهبتْ بنو قُصَي باللواءِ والحِجابةِ والسِّقايةِ والنُّبوَّة، فماذا يكون لسائِر قريش؟"[4].

 

صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الجد والهزل:

أيها الإخوة، إن بعض الناس ربما يتجوز في باب الكذب، فيكذب مازحًا ليضحك الناس، ويظن أن ذلك من باب الفكاهة الجائزة، ولكنه في الحقيقة أمرٌ منهي عنه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بهْز بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِمَنْ يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ؛ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ»[5].

 

ولقد كان معلِّم البشرية الصدق، وكان يمازح أصحابه، ولكنه لا يقول إلا حقًّا وصدقًا صلى الله عليه وسلم.

 

عُرف عنه -صلى الله عليه وسلم- صدقه في الجد، أما في الهزل فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يَمزح مع أصحابه، ولكن لم يكن يقول إلا صدقًا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَمْزَحُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا»[6].

 

ومن دعابته ومزاحه -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، احْمِلْنِي، قَالَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- «‌إِنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ»، قَالَ: وَمَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ إِلَّا النُّوقُ»[7].

 

قال صاحب عون المعبود رحمه الله: لَمَّا كان المتعارَف عند العامَّة في بادي الرَّأي استعمال ولدِ النَّاقة فيما كان صغيرًا لا يصلُح للركوب، وإنما يقال للصَّالح: الإبلُ - تَوَحَّش الرجلُ على فهم المعنى، فالإبل - ولو كبارًا - أولادُ النَّاقة، فيَصْدُق ولد النَّاقة بالكبير والصغير"؛ اهـ[8].

 

صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في جميع حركاته وسكناته -صلى الله عليه وسلم-:

لقد كان -صلى الله عليه وسلم- صادقًا في جميع حركاته وسكناته، صادقًا في كل ما يتفوَّه به؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ عَنْ ذَلِكَ، قَالُوا: تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَكَلَّمُ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، قَالَ: فَأَمْسَكْتُ, فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ، فَقَالَ: "اكْتُبْ, فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ: مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ"[9].

 

حتى الإشارة بالعين لم يَرضها -صلى الله عليه وسلم- أن تكون خائنة، ففي الحديث عن مُصعبِ بن سعْدٍ عن سعْدٍ، قال: وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ لِلْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبَايَعَهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ، قَالُوا: وَمَا يُدْرِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ أَعْيُنٍ"[10].

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

فالاقتداء بالصادق الأمين صلى الله عليه وسلم:

وبعد أيها الإخوة الأعزاء، واجب علينا أن نقتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صفة الصدق، فقد أمرنا وأخبرنا أن في الصدق هداية ورشادًا، وأن في الكذب غواية وضلالًا، وأن الصدق سبيل الأبرار، وأن الكذب سبيل الفُجَّار؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَالْبِرُّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَالْفُجُورُ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ ثَمَّ اللَّهِ كَذَّابًا»[11].

 

واحذَروا الكذب، فإنه من صفات المنافقين؛ ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاث مَن كُنَّ فيه كان منافقًا: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتُمِن خان))[12].

 

حصول البركة في الأرزاق:

أيها الإخوة، إذا أردتم البركة والغنى، فعليكم بالصدق، وإياكم والكذب؛ فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا - أو قال: حتى يتفرَّقا - فإن صدَقا وبيَّنا، بُورِك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا، مُحِقَتْ بركة بيعهما)[13].

 

شهادة ضمان لدخول جنة الرحمن:

الصدق أحد الضمانات التي ينال بها المسلم الجنة؛ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا أَوْعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ".

قالوا: تحبُّ المصطفى العَدْناني
قلتُ: اشهدوا فهو الحبيبُ الثاني
والأولُ اللهُ الذي خَصَّه
بشفاعةٍ كبرى وبالقرآنِ

 

اللهم استُرنا ولا تفضَحنا، وأكرِمنا ولا تُهنا، وكن لنا ولا تكُن علينا.

 

اللهم لا تدَع لأحدٍ منا في هذا المقام الكريم ذنبًا إلا غفَرته، ولا مريضًا إلا شفيتَه، ولا دَينًا إلا قضيته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا ميتًا إلا رحِمته، ولا عاصيًا إلا هديته، ولا طائعًا إلا سدَّدته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاحٌ إلا قضيتَها يا رب العالمين.

 

اللهم اجعَل جمعنا هذا جمعًا مرحومًا، وتفرُّقنا من بعده تفرُّقًا معصومًا، ولا تجعل فينا ولا منَّا ولا معنا شقيًّا أو محرومًا.

 

اللهم اهدِنا واهدِ بنا، واجعلنا سببًا لمن اهتدى.

 

اللهم إن أردتَ بالناس فتنةً، فاقبِضنا إليك غيرَ خزايا ولا مفتونين ولا مغيِّرين ولا مبدِّلين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم احمِل المسلمين الحفاةَ، واكسُ المسلمين العراةَ، وأطعِم المسلمين الجياعَ.

 

اللهم لا تحرِم مصرَ من الأمن والأمان، اللهم لا تحرِم مصر من التوحيد والموحدين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

‌اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائرَ أعداء الملة والدين.

 

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعَل اللهم ولايتنا فيمن خافَك واتقاك، واتَّبع رضاك يا رب العالمين.



[1] «مسند أحمد» (43/ 114 ط الرسالة)، «والبخاري (4956) و(6982)، ومسلم (160) (253)».

[2] ) البخاري، كتاب: تفسير القرآن، باب: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، برقم (4770). ومسلم، كتاب: الإيمان، باب: في قوله تعالى:﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، برقم (208).

[3] «مسند أحمد» (4/ 202 ط الرسالة): «البخاري (7) و(2978) و(3174) و(5980) و(6260) و(7196).

[4] هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى" لابن قيم الجوزية (ص 50 - 51) - دار الريَّان للتراث - القاهرة.

[5] «مسند أحمد» (12/ 279 ط الرسالة):«وأخرجه الحميدي (1122)، ومسلم (1890) (128)، والنسائي 6/38 من»

[6] أخرجه الطبراني في الأوسط (8/305، رقم 8706)، قال الهيثمي (9/17): إسناده حسن. وأخرجه أيضًا: أحمد (2/340، رقم 8462)، والبخاري في الأدب المفرد (1/102، رقم 265)، والبيهقي (10/248، رقم 20963).

[7] أخرجه الطبراني في الأوسط (8/305، رقم 8706)، قال الهيثمي (9/17): إسناده حسن، وأخرجه أيضًا: أحمد (2/340، رقم 8462)، والبخاري في الأدب المفرد (1/102، رقم 265)، والبيهقي (10/248، رقم 20963).

[8] (عون المعبود: 13/ 343).

[9] «سنن أبي داود ت الأرنؤوط» (5/ 490)، «وأخرجه ابن أبي شيبة 9/ 49 - 50، وأحمد (6510)، والدارمي (484)، والحاكم 1/ 105 - 106».

[10] «سنن أبي داود ت الأرنؤوط» (4/ 319)، «وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 491 - 492، والبزار (1151)، والنسائي (4067)، وأبو يعلى (757)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 330».

[11] أخرجه البخاري (5/2261، رقم 5743)، ومسلم (4/2012، رقم 2607).

[12] أخرجه أحمد (2/189، رقم 6768)، والبخاري (1/21، رقم 34)، ومسلم (1/78، رقم 58)،

[13] أحمد (3/402، رقم 15357)، والبخاري (2/732، رقم 1973)، ومسلم (3/1164، رقم 1532)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تحفة الزائرين لمدينة النبي الصادق الأمين (1)
  • تحفة الزائرين لمدينة النبي الصادق الأمين (2)
  • الصادق الأمين .. خاتم المرسلين .. منقذ العالمين
  • الشيخ الدكتور جماز الجماز في لقاء بعنوان ( الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم )
  • خطبة: الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم
  • الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم (خطبة)
  • الحق الواضح المبين في الذب عن عرض الصادق الأمين لقذلة بنت محمد القحطاني

مختارات من الشبكة

  • تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته(الحب الصادق بين الزوجين)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (الحب الصادق بين الزوجين)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله تقتضي الإيمان الصحيح الصادق برسول الله صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النبي الصادق صلى الله عليه وسلم(مقالة - ملفات خاصة)
  • الصدق والكذب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عيسى ابن مريم النبي المبارك والرسول الصادق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الخامسة عشرة - الأخيرة) بالقرآن يتميز الصادق عن المنافق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسئلة وأجوبة على كتاب "البرهان في تجويد القرآن" تأليف: محمد الصادق قمحاوي (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ستون لفتة للمسيحي الصادق الحر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • محاضر مجلة الأحكام الشرعية بتونس لمحمد الصادق البليش تنشر لأول مرة(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب