• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

شعرات النبي صلى الله عليه وسلم: دراسة حديثية تاريخية

شعرات النبي صلى الله عليه وسلم: دراسة حديثية تاريخية
أ. د. فهمي أحمد عبدالرحمن القزاز

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/6/2024 ميلادي - 24/11/1445 هجري

الزيارات: 5660

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شعرات النبي صلى الله عليه وسلم

دراسة حديثية تاريخية

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آلهِ وصحبهِ ومن والاه؛ أما بعد:

فقد أخرج الإمام البخاري، وأحمد وغيرهما في وصف شعر النبي صلى الله عليه وسلم، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنه قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَصِفُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ((كَانَ رَبْعَةً مِنَ القَوْمِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلاَ بِالقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ، وَلاَ آدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ، وَلاَ سَبْطٍ رَجِلٍ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ، قَالَ رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ، فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ فَسَأَلْتُ، فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ))[1].

 

وكان شعره صلى الله عليه وسلم طويلًا يضرب مَنْكِبَه؛ فأخرج أحمد وغيره عَنْ أَنَسٍ أنه قال: ((إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَضْرِبُ شَعْرُهُ مَنْكِبَهُ))[2].

 

ومما ينبغي أنْ يُعلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه كاملًا في حَجِّه، ولم يُؤثَر عنه أنه حلق رأسه كاملًا في غير نسك الحج والعمرة[3].

 

وتتفق الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قَسَم شعره الشريف على الصحابة في حِجَّةِ الوداع لبعض من الناس الذين يَلُونه، وأعطى قسمًا من شعره لأبي طلحة ليفرقه في الناس، وأرسل منه لأم سُلَيم رضي الله عنهم جميعًا، وفِعْلُه يدل على جواز التبرُّك بشعره صلى الله عليه وسلم، وأنَّهُ أراد بقاء أثره في أمته إلى قيام الساعة، فإعطاؤهم له لا لشيء إلا لذلك، مع ما فهِمَهُ الصحابة من جواز استعماله للتَّطْبِيبِ والتَّطيُّب وغيره، كما سيأتيك من فعلهم وإقراره صلى الله عليه وسلم لفعلهم.

 

وما أسلفتُ فهِمَه الأصحابُ رضي الله عنهم وأرضاهم؛ فأخرج الإمام مسلم وغيره عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى مِنًى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: خُذْ وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ))[4].

 

وأخرجه مسلم وغيره بلفظ: ((لِلْحَلَّاقِ هَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ هَكَذَا، فَقَسَمَ شَعَرَهُ بَيْنَ مَنْ يَلِيهِ، قَالَ: ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْحَلَّاقِ وَإِلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أُمَّ سُلَيْمٍ)).

 

وفي رواية: ((فَبَدَأَ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ، فَوَزَّعَهُ الشَّعَرَةَ وَالشَّعَرَتَيْنِ بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: بِالْأَيْسَرِ فَصَنَعَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: هَا هُنَا أَبُو طَلْحَةَ؟ فَدَفَعَهُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ))[5].

 

وفي رواية مسلم وغيره: ((فَقَسَمَهُ فِيمَنْ يَلِيهِ))؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْبُدْنِ فَنَحَرَهَا وَالْحَجَّامُ جَالِسٌ، وَقَالَ: بِيَدِهِ عَنْ رَأْسِهِ، فَحَلَقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَقَسَمَهُ فِيمَنْ يَلِيهِ، ثُمَّ قَالَ: احْلِقِ الشِّقَّ الْآخَرَ، فَقَالَ: أَيْنَ أَبُو طَلْحَةَ؟ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ))[6].

 

وأخرج ابن حبان وغيره: ((فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَعْرَهُ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ النَّاسِ - الشَّعَرَةَ وَالشَّعَرَتَيْنِ - ثُمَّ قَبَضَ بِيَدِهِ عَلَى جَانِبِ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى شَعْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: احْلِقْ، فَحَلَقَ، فَدَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْبُدْنِ فَنُحِرَتْ - وَالْحَلَّاقُ جَالِسٌ عِنْدَهُ - فَسَوَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ شَعْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى شِقِّ جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى شَعْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: احْلِقْ، فَحَلَقَ، فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَعْرَهُ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ النَّاسِ - الشَّعَرَةَ وَالشَّعَرَتَيْنِ - ثُمَّ قَبَضَ بِيَدِهِ عَلَى جَانِبِ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى شَعْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: احْلِقْ، فَحَلَقَ، فَدَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ))[7].

 

واستنبط ابن حبان من هذه الأحاديث جملة أمور فقال: "فِي قِسْمَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَعْرَهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ أَبْيَنُ الْبَيَانِ بِأَنَّ شَعْرَ الْإِنْسَانِ طَاهِرٌ؛ إِذِ الصَّحَابَةُ إِنَّمَا أَخَذُوا شَعْرَهُ صلى الله عليه وسلم لِيَتَبَرَّكُوا بِهِ، فَبَيْنَ شَادٍ فِي حُجْزَتِهِ[8]، وَمُمْسِكٍ فِي تِكَّتِهِ، وَآخِذٍ فِي جَيْبِه[9]، يُصَلُّونَ فِيهَا، وَيَسْعَوْنَ لِحَوَائِجِهِمْ وَهِيَ مَعَهُمْ، وَحَتَّى إِنَّ عَامَّةً مِنْهُمْ أَوْصَوْا أَنْ تُجْعَلَ تِلْكَ الشَّعَرَةُ فِي أَكْفَانِهِمْ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يَقْسِمْ عَلَيْهِمْ صلى الله عليه وسلم الشَّيْءَ النَّجِسَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفْنَا، فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم، صَحَّ ذَلِكَ مِنْ أُمَّتِهِ؛ إِذْ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ، وَمِنْ أُمَّتِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِعَيْنِهِ نَجِسًا"[10].

 

قال النووي: "وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي حَلَقَ رَأْسَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي حجَّةِ الْوَدَاعِ؛ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ: مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْعَدَوِيُّ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: زَعَمُوا أَنَّهُ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، وَقِيلَ: اسْمُهُ خِرَاشُ بن أمية بن ربيعة الكُليبي بِضَمِّ الْكَافِ، مَنْسُوبٌ إِلَى كُلَيْبِ بْنِ حَبَشِيَّةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ"[11].

 

قلت: وحلاقة شعر النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للحلاق شرف ما بعده شرف، يُحسَد ويُغبَط فاعله؛ فأخرج الإمام أحمد، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِاللهِ قَالَ: ((كُنْتُ أَرْحَلُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ: فَقَالَ لِي لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي: يَا مَعْمَرُ، لَقَدْ وَجَدْتُ اللَّيْلَةَ فِي أَنْسَاعِي اضْطِرَابًا، قَالَ: فَقُلْتُ: أَمَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ شَدَدْتُهَا كَمَا كُنْتُ أَشُدُّهَا، وَلَكِنَّهُ أَرْخَاهَا مَنْ قَدْ كَانَ نَفِسَ عَلَيَّ مَكَانِي مِنْكَ لِتَسْتَبْدِلَ بِي غَيْرِي، قَالَ: فَقَالَ: أَمَا إِنِّي غَيْرُ فَاعِلٍ، قَالَ: فَلَمَّا نَحَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَدْيَهُ بِمِنًى، أَمَرَنِي أَنْ أَحْلِقَهُ، قَالَ: فَأَخَذْتُ الْمُوسَى فَقُمْتُ عَلَى رَأْسِهِ، قَالَ: فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِي وَقَالَ لِي: يَا مَعْمَرُ، أَمْكَنَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ شَحْمَةِ أُذُنِهِ، وَفِي يَدِكَ الْمُوسَى؟ قَالَ: فَقُلْتُ: أَمَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيَّ وَمَنِّهِ، قَالَ: فَقَالَ: أَجَلْ إِذًا أَقِرُّ لَكَ، قَالَ: ثُمَّ حَلَقْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم))[12].

 

وفي الطبراني بلفظ: ((... فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا مَعْمَرُ، قَالَ: وَجَدْتُ اللَّيْلَةَ فِي أَنْسَاعِي اضْطِرَابًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ شَدَدْتُهَا كَمَا كُنْتُ أَشُدُّهَا وَلَكِنْ أَرَادَ مَنْ يَنْفِسُ عَلَيَّ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِي... فقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا مَعْمَرُ، أَمْكَنَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن شَحْمَةِ أُذُنِهِ وَفِي يَدِكَ الْمُوسَى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَرَى ذَلِك مَنَّ الله عَلَيَّ وَفَضْلًا، قَالَ: أَجَلْ، قَالَ: فَزِدْ ذَلِكَ))[13].

 

وعند ابن أبي عاصم بلفظ: ((... وَلَكِنَّ بَعْضَ مَنْ حَسَدَنِي عَلَى مَنْزِلَتِي مِنْكَ هُوَ صَنَعَ ذَلِكَ لِتَسْتَبْدِلَ بِيَ غَيْرِي، قَالَ: مَا كُنْتُ لَأَفْعَلَ...))[14]، وأخرجه البغوي، وابن قانع في معجميهما مختصرًا[15].

 

قال الهيثمي: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَفِيهِ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عُقْبَةَ مَوْلَى مَعْمَرٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَلَمْ يُوَثَّقْ وَلَمْ يُجَرَّحْ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ[16].

 

قال ابن الأثير: "(نَسَعَ):... النِّسْعَةُ بِالْكَسْرِ: سَيْرٌ مَضْفور، يُجعل زِمَامًا لِلْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ تُنْسَجُ عَريضة، تُجْعل عَلَى صَدر الْبَعِيرِ، وَالْجَمْعُ: نُسْع، ونِسَع، وأَنْسَاع"[17].

 

قال الساعاتي:

قوله: (أَرْحَلُ): أي: أشد رحله على بعيره، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم خصَّه بذلك مدة سفره في حجة الوداع... وعبر عنه في الحديث بلفظ الجمع، إما لأن الرحل يحتاج إلى أكثر من نِسَعٍ، فبعضها يُشَدُّ على بطن البعير، وبعضها يُجعَل على صدره، وصرح في النهاية بأنها تُجعل على صدر البعير، وإما أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد رحال أزواجه أيضًا رضي الله عنهن لنسبتهن إليه، والله أعلم.

 

وقوله: (اضْطِرَابًا): معناه كثرة الحركة وعدم الاستقامة.

 

وقوله: (نَفِسَ): بفتح النون وكسر الفاء، يُقال: نفِستُ عليه الشيء نَفَاسةً: إذا لم تَرَهُ له أهلًا، والمعنى أن من حسدني على منزلتي عندك هو الذي أرخاها، بعد أن شددتها، يريد بذلك الكيد لي لتستبدل بي غيري.

 

قوله: (أَمَا إِنِّي غَيْرُ فَاعِلٍ): يعني: لست مستبدلًا بك غيرك.

 

قوله: (الْمُوسَى): قال أهل اللغة: الموسى يُذكَّر ويُؤنَّث، قال ابن قتيبة: قال الكسائي: هو فُعْلَى، وقال غيره: مُفْعَل من أوسَيتُ رأسه؛ أي: حلقته، قال الجوهري: والكسائي والفراء يقولان هي فُعْلَى مؤنثة، وعبدالله بن سعد الأموي يقول مُفعَل مذكر، قال أبو عبدالله: لم نسمع تذكيره إلا من الأموي.

 

وقوله: (وَقَالَ لِي: يَا مَعْمَرُ، أَمْكَنَكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ شَحْمَةِ أُذُنِهِ، وَفِي يَدِكَ الْمُوسَى): أي: فما ترى في ذلك؟

 

وقوله: (أَمَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيَّ وَمَنِّهِ): يريد أن من نعمة الله على ومنِّه أن خصَّني بخدمتك يا رسول الله، وسأقوم بها كما تحب.

 

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَجَلْ إِذًا أَقِرُّ لَكَ): معناه: نعم، حيث قد علمت أن هذا من نعم الله عليك ومنِّه، فحينئذٍ أسكن لك وأطمئنُّ حتى تقضى مهمتك، والله أعلم[18].

 

قال السندي: "قوله: (أمكنك)؛ أي: فانظر إلى مكانك منه"[19].

 

قلت: ومما ينبغي أنْ يُعلَم أنَّ أبا طلحة كان أول من أخذ من شعره صلى الله عليه وسلم من شِقِّه الأيمن؛ وهو زوج أم سُليم؛ وهي أم سيدنا أنس رضي الله عنهم أجمعين؛ فأخرج البخاري وغيره عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ))[20].

 

وفي رواية مسلم: ((فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ))؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ((لَمَّا رَمَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ، نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ، فَقَالَ: احْلِقْ، فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ: اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ))[21].

 

وكذا في رواية الترمذي: فعَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ((لَمَّا رَمَى النبي صلى الله عليه وسلم الجَمْرَةَ نَحَرَ نُسُكَهُ، ثُمَّ نَاوَلَ الحَالِقَ شِقَّهُ الأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ، ثُمَّ نَاوَلَهُ شِقَّهُ الأَيْسَرَ فَحَلَقَهُ، فَقَالَ: اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ))[22].

 

وفي رواية ابن حبان: ((فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ))؛ فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ((رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْبُدْنِ فَنُحِرَتْ - وَالْحَلَّاقُ جَالِسٌ عِنْدَهُ - فَسَوَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ شَعْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَقِّ جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى شَعْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: احْلِقْ، فَحَلَقَ، فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَعْرَهُ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ النَّاسِ - الشَّعَرَةَ وَالشَّعَرَتَيْنِ - ثُمَّ قَبَضَ بِيَدِهِ عَلَى جَانِبِ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى شَعْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: احْلِقْ، فَحَلَقَ، فَدَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ))[23].

 

قلت: وفعله صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى على ذي لبٍّ يدل على إرادته صلى الله عليه وسلم أنْ يبقى أثره في أُمَّتِهِ إلى قيام الساعة، وفيه جواز التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم، وفهِمَ الأصحاب رضي الله عنهم هذا المغزى والمعنى، فتسابقوا إلى شعراته الشريفة صلى الله عليه وسلم ليأخذوها؛ فأخرج الإمام أحمد بسنده عن ابْنَ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ((لَمَّا حَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ بِمِنًى، أَخَذَ شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنَ بِيَدِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ نَاوَلَنِي، فَقَالَ: يَا أَنَسُ، انْطَلِقْ بِهَذَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ مَا خَصَّهَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ تَنَافَسُوا فِي الشِّقِّ الْآخَرِ، هَذَا يَأْخُذُ الشَّيْءَ، وَهَذَا يَأْخُذُ الشَّيْءَ، قَالَ مُحَمَّدٌ: فَحَدَّثْتُهُ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيَّ، فَقَالَ: لَأَنْ يَكُونَ عِنْدِي مِنْهُ شَعَرَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ أَصْبَحَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَفِي بَطْنِهَا))[24].

 

قلت: وسبب خصِّه صلى الله عليه وسلم لأمِّ سُليم الأنصارية بهذه الشعرات دون غيرها لسببين:

الأول منهما: لأنها لم تحضر في حجة الوداع، ولِما لها من خصوصية في حياته صلى الله عليه وسلم؛ وعلِمنا ذلك من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ((جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: حَجَّ أَبُو طَلْحَةَ وَابْنُهُ، وَتَرَكَانِي، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ عمرة في رمضان تعدِلُ حِجَّة))[25].

 

وفي تاريخ بغداد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، قَالَتْ: ((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ وَابْنُهُ بِنَاضِحَيْهِمَا وَتَرَكَانِي، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَجْزِيكِ مِنْ حجَّةٍ))[26].

 

وهي أم سُليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، اخْتُلِف فِي اسمها، فقيل: سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: رميثة، وقيل: مليكة، ويُقال: الغُمَيصاء أَوِ الرُّمَيصاء، كانت تحت مالك بن النضر أبي أنس بن مالك في الجاهلية، فولدت له أنس بن مالك، فلما جاء اللَّه بالإسلام أسلمت مَعَ قومها، وعرضت الإسلام عَلَى زوجها، فغضب عليها، وخرج إِلَى الشام، فهلك هناك، ثم خلف عليها بعده أَبُو طلحة الأَنْصَارِيُّ، خطبها مشركًا، فلما علِمَ أنه لا سبيل له إليها إلا بالإسلام، أسْلَمَ، وتزوجها وحسن إسلامه، فولد له منها غلامٌ كَانَ قد أعجب به، فمات صغيرًا، فأسف عَلَيْهِ، ويُقال: إنه أَبُو عمير صاحب النُّغير، ثم ولدت له عَبْداللَّهِ بن أبي طلحة، فبُورك فيه، وهو والد إسحاق بن عَبْداللَّهِ بن أبي طلحة الفقيه وإخوته، وكانوا عشرة، كلهم حمل عنه العلم.

 

وعَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ((تَزَوَّجَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ، وَالْبَرَاءِ، قَالَ: فَوَلَدَتْ لَهُ بُنَيًّا، قَالَ: فَكَانَ يُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا، قَالَ: فَمَرِضَ الْغُلَامُ مَرَضًا شَدِيدًا، فَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَقُومُ صَلَاةَ الْغَدَاةِ يَتَوَضَّأُ، وَيَأْتِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَيُصَلِّي مَعَهُ، وَيَكُونُ مَعَهُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَيَجِيءُ فَيَقِيلُ وَيَأْكُلُ، فَإِذَا صَلَّى الظُّهْرَ تَهَيَّأَ وَذَهَبَ، فَلَمْ يَجِئْ إِلَى صَلَاةِ الْعَتَمَةِ، قَالَ: فَرَاحَ عَشِيَّةً، وَمَاتَ الصَّبِيُّ، قَالَ: وَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ، قَالَ: فَسَجَّتْ عَلَيْهِ ثَوْبًا، وَتَرَكَتْهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهَا أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، كَيْفَ بَاتَ بُنَيَّ اللَّيْلَةَ؟ قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، مَا كَانَ ابْنُكَ مُنْذُ اشْتَكَى أَسْكَنَ مِنْهُ اللَّيْلَةَ، قَالَ: ثُمَّ جَاءَتْهُ بِالطَّعَامِ، فَأَكَلَ وَطَابَتْ نَفْسُهُ، قَالَ: فَقَامَ إِلَى فِرَاشِهِ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ، قَالَتْ: وَقُمْتُ أَنَا، فَمَسِسْتُ شَيْئًا مِنْ طِيبٍ، ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى دَخَلْتُ مَعَهُ الْفِرَاشَ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ وَجَدَ رِيحَ الطِّيبِ، كَانَ مِنْهُ مَا يَكُونُ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى أَهْلِهِ، قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ يَتَهَيَّأُ كَمَا كَانَ يَتَهَيَّأُ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَوْدَعَكَ وَدِيعَةً، فَاسْتَمْتَعْتَ بِهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا، فَأَخَذَهَا مِنْكَ، تَجْزَعُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا، قَلَتْ: فَإِنَّ ابْنَكَ قَدْ مَاتَ، قَالَ أَنَسٌ: فَجَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا، وَحَدَّثَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فِي الطَّعَامِ وَالطِّيبِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَيْهَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: هِيهِ فَبِتُّمَا عَرُوسَيْنِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِكُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا، قَالَ: فَحَمَلَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، قَالَ: فَتَلِدُ غُلَامًا، قَالَ: فَحِينَ أَصْبَحْنَا، قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْمِلْهُ فِي خِرْقَةٍ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، وَاحْمِلْ مَعَكَ تَمْرَ عَجْوَةٍ، قَالَ: فَحَمَلْتُهُ فِي خِرْقَةٍ، قَالَ: وَلَمْ يُحَنَّكْ، وَلَمْ يَذُقْ طَعَامًا وَلَا شَيْئًا، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ مَا وَلَدَتْ؟ قُلْتُ: غُلَامًا، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ: هَاتِهِ إِلَيَّ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ، فَحَنَّكَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَعَكَ تَمْرُ عَجْوَةٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَخْرَجْتُ تَمَرًا، فَأَخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم تَمْرَةً وَأَلْقَاهَا فِي فِيهِ، فَمَا زَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَلُوكُهَا حَتَّى اخْتَلَطَتْ بِرِيقِهِ، ثُمَّ دَفَعَ الصَّبِيَّ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ وَجَدَ الصَّبِيُّ حَلَاوَةَ التَّمْرِ جَعَلَ يَمُصُّ حَلَاوَة التَّمْرِ وَرِيقَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ أَوَّلُ مَا تفَتَّحَتْ أَمْعَاءُ ذَلِكَ الصَّبِيِّ عَلَى رِيقِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: حُبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ، فَسُمِّيَ عَبْدَاللهِ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: فَخَرَجَ مِنْهُ رَجُلٌ كَثِيرٌ، قَالَ: وَاسْتُشْهِدَ عَبْدُاللهِ بِفَارِسَ))[27].

 

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ((قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَأَنَا ابْنُ ثَمَاني سِنِينَ، فَأَخَذَتْ أُمِّي بِيَدِي فَانْطَلَقَتْ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَّا قَدْ أَتْحَفَتْكَ بِتُحْفَةٍ، وَإِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى مَا أُتْحِفُكُ بِهِ، إِلَّا ابْنِي هَذَا فَخُذْهُ فَلْيَخْدُمْكَ مَا بَدَا لَكَ، فَخَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا ضَرَبَنِي ضَرْبَةً، وَلَا سَبَّنِي سَبَّةً، وَلَا انْتَهَرَنِي، وَلَا عَبَسَ فِي وَجْهِي...))[28].

 

وروى عَنْ أمِّ سُليم أنها قالت: ((دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لِي حَتَّى مَا أُبَالِي أَلَّا يَزِيدَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ أَهْلِي مَنْ لَهُ خَاصَّةٌ عِنْدِي، فَادْعُ اللَّهَ لَهُ فَدَعَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى مَا أُبَالِي أَلَّا يَزِيدَ، وَكَانَ فِيمَا دَعَا يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ وَآتِهِ مالًا وولدًا، فما أعلم أحدًا أصاب من لين العيش أفضل مما أصبتُ، ولقد دفنتُ بكفي هاتين من ولدي أكثر من مائة، لا أقول لَكُمْ: فِيهِ وَلَدُ وَلَدٍ وَلَا سَقْطٌ))[29].

 

وكانت أمُ سُليم تغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولها قصص مشهورة؛ منها ما أخرجه ابن سعد بسند صحيح، أنَّ أمَّ سليم اتخذت خنجرًا يوم حنين، فقال أبو طلحة: يا رسول اللَّه، هذه أم سليم معها خنجر، فقالت: اتخذته إن دنا منِّي أحدٌ من المشركين بَقَرْتُ بطنه؛ فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ((جَاءَتْ هَوَازِنُ يَوْمَ حُنَيْنٍ تُكْثِرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، فَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يَا هَوَازِنُ، يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، إِنِّي عَبْدُاللَّهِ وَرَسُولُهُ، يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَيَّ أَنَا عَبْدُاللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَهَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْعَنَ بِرُمْحٍ أَوْ يُرْمَى بِسَهْمٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ: مَنْ قَتَلَ مُشْرِكًا، فَلَهُ سَلَبُهُ، فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا، وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَمَلْتُ عَلَى رَجُلٍ فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ فَأُجْهِضْتُ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ دِرْعٌ، فَانْظُرْ مَنْ أَخَذَهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا أَخَذْتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَعْطِنِيهَا وَأَرْضِهِ مِنْهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، أَوْ يَسْكُتُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا، وَاللَّهِ لَا يُفِيئُهَا اللَّهُ عَلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِهِ ثُمَّ نُعْطِيكَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ عُمَرُ قَالَ: وَرَأَى أَبُو طَلْحَةَ مَعَ أُمِّ سُلَيْمٍ خِنْجَرًا، فَقَالَ: مَا تَصْنَعِينَ بِهَذَا؟ قَالَتْ: أُرِيدُ إِنْ دَنَا أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ أَبْعَجَ بَطْنَهُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَضَحِكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَى وَأَحْسَنَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْتُلْ هَؤُلَاءِ يَنْهَزِمُوا بِكَ))[30].

 

وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور أمَّ سُليم فتُتْحِفه بالشَّيء تصنعه له[31].

 

وهي - أي: أم سُليم - أمُّ الطفل الذي كنَّاهُ النبي بقوله: ((أبا عمير))، وقيل: هو من مات من أبناء أبي طلحة الذي حزن عليه كثيرًا كما مرَّ بك؛ فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ((كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ - قَالَ: أَحْسِبُهُ - فَطِيمًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا))[32].

 

وهي أخت أمِّ ملحان؛ وهي: أمُّ حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، زوج عبادة بن الصامت، وأخت أم سليم، وخالة أنس بن مالك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكرِمها ويزورها في بيتها، ويَقِيل عندها، ودعا لها بالشهادة، فخرجت مَعَ زوجها عُبادةَ غازيةً في البحر، فلما وصلوا إِلَى جزيرة قبرص، خرجت من البحر، فقُرِّبت إليها دابة لتركبها فصرعتها، فماتت ودُفنت في موضعها، وذلك في إمارة معاوية وخلافة عُثْمَان، ويُقال: إن معاوية غزا تلك الغزاة بنفسه، ومعه أَيْضًا امرأته فاختة بنت قرظة من بني نوفل بن عبد مناف[33].

 

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: ((كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ - وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَأَطْعَمَتْهُ وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ - أَوْ: مِثْلَ المُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ؛ شَكَّ إِسْحَاقُ - قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهمْ، فَدَعَا لَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ - كَمَا قَالَ فِي الأَوَّلِ - قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ، فَرَكِبَتِ البَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ البَحْرِ، فَهَلَكَتْ))[34].

 

وفي رواية مستخرج أبي عوانة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: ((أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَضَعَ رَأْسَهُ فِي بَيْتِ أُمِّ مِلْحَانَ، وَهِيَ إِحْدَى خَالَاتِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ يَضْحَكُ...))[35].

 

قلت: والجواب عن دخوله بيت أمِّ حرام وأخْتِها أنهما كانتا في دار واحدة ودخوله عليهما كان من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، كما رجَّحه كثير من العلماء[36]؛ فعن أنس، أنه قال: ((لم يكن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدخل بيتًا غير بيت أمِّ سليم إلا على أزواجه، فقيل له، فقال: إني أرحمها، قُتِلَ أخوها وأبوها معي)).

 

ورَوَتْ أمُّ سُلَيم عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم أحاديثَ، وكانت من عقلاء النساء[37].

 

والسبب الثاني الذي من أجله خصَّها المصطفى بشعره دون غيرها بالإرسال؛ لأنها كانت تجمع عرقه صلى الله عليه وسلم إذا نام في بيتها في قارورة أو قوارير؛ فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ((أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم اضْطَجَعَ عَلَى نَطْعٍ، فَعَرِقَ، فَقَامَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى عَرَقِهِ فَنَشَّفَتْهُ، فَجَعَلَتْهُ فِي قَارُورَةٍ، فَرَآهَا النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟ قَالَتْ: أَجْعَلُ عَرَقَكَ فِي طِيبِي، فَضَحِكَ النبي صلى الله عليه وسلم))[38].

 

وأخرج الإمام مسلم وغيره عن ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ((دَخَلَ عَلَيْنَا النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عِنْدَنَا، فَعَرِقَ، وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تَسْلِتُ الْعَرَقَ فِيهَا، فَاسْتَيْقَظَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ؟ قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا، وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ))[39].

 

وأقرَّها صلى الله عليه وسلم على فِعلِها بقوله: ((أصبْتِ))، بعد إقراره لها بضحكه، وهو يدل على رضاه كما علمت في حديث النسائي؛ وأخرج الإمام مسلم وغيره، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ((كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيْسَتْ فِيهِ، قَالَ: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا، فَأُتِيَتْ فَقِيلَ لَهَا: هَذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَامَ فِي بَيْتِكِ، عَلَى فِرَاشِكِ، قَالَ: فَجَاءَتْ وَقَدْ عَرِقَ، وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ، عَلَى الْفِرَاشِ، فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ، فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا، فَفَزِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا، قَالَ: أَصَبْتِ))[40]، وأخرج البخاري عَنْ أَنَسٍ: ((أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نِطْعًا، فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطعِ، قَالَ: فَإِذَا نَامَ النبي صلى الله عليه وسلم أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ، فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ، ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ))[41].

 

قال ابن حجر: "وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ اطِّلَاعُ النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى فِعْلِ أُمِّ سُلَيْمٍ، وَتَصْوِيبُهُ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ قَوْلِهَا إِنَّهَا كَانَتْ تَجْمَعُهُ لِأَجْلِ طِيبِهِ، وَبَيْنَ قَوْلِهَا لِلْبَرَكَةِ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَفْعَلُ ذَلِكَ لِلْأَمْرَيْنِ مَعًا"[42].

 

والجدير بالذكر أن الذي أوصل الشَّعر إلى أم سليم هو زوجها أبو طلحة؛ فأخرج الإمام أحمد بسنده عَنْ ثَابِتٍ الْبنانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ((لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْلِقَ الْحَجَّامُ رَأْسَهُ، أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِشَعْرِ أَحَدِ شِقَّيْ رَأْسِهِ بِيَدِهِ، فَأَخَذَ شَعَرَهُ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، قَالَ: فَكَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ تَدُوفُهُ فِي طِيبِهَا))[43].

 

فَكَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ تَدُوفُهُ فِي طِيبِهَا؛ فأخرج الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ((لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْلِقَ الْحَجَّامُ رَأْسَهُ، أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِشَعْرِ أَحَدِ شِقَّيْ رَأْسِهِ بِيَدِهِ، فَأَخَذَ شَعَرَهُ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، قَالَ: فَكَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ تَدُوفُهُ فِي طِيبِهَا))[44]، وفي رواية ((فَجَعَلَتْ تَجْعَلُهُ فِي طِيبِهَا)).

 

وأخرج الإمام أحمد وغيره عَنْ أَنَسٍ، ((أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ، قَبَضَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْ رَأْسِهِ، فَلَمَّا حَلَقَهُ الْحَجَّامُ أَخَذَهُ، فَجَاءَ بِهِ أُمَّ سُلَيْمٍ فَجَعَلَتْ تَجْعَلُهُ فِي طِيبِهَا))[45]، وفي رواية: ((تَجْعَلُهُ فِي سُكِّهَا))؛ فعَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، ((أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ بِمِنًى، أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ شِقَّ رَأْسِهِ، فَحَلَقَ الْحَجَّامُ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَكَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ تَجْعَلُهُ فِي سُكِّهَا[46]))[47].

 

وأبو طلحة زوج أم سُليم هو صاحبُ بَيرُحاء، الذي تصدق به في سبيل الله؛ فعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: ((كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءُ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ، تَابَعَهُ رَوْحٌ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَإِسْمَاعِيلُ عَنْ مَالِكٍ: رَايِحٌ))[48].

 

وهو من كان سببًا في معجزة النبي صلى الله عليه وسلم في تكثير الخبز؛ فعَنْ أَنَسٍ، ((أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ رَأَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم طَاوِيًا، فَجَاءَ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم طَاوِيًا، فَهَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا نَحْوٌ مِنْ مُدٍّ مِنْ دَقِيقِ شَعِيرٍ، قَالَ: فَاعْجِنِيهِ وَأَصْلِحِيهِ عَسَى أَنْ نَدْعُوَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَأْكُلَ عِنْدَنَا، قَالَ: فَعَجَنَتْهُ وَخَبَزَتْهُ فَجَاءَ قُرْصًا، قَالَ: فَقَالَ لِي: ادْعُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ نَاسٌ - قَالَ مُبَارَكٌ: أَحْسَبُهُ قَالَ: بِضْعَةً وَثَمَانِينَ - قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبُو طَلْحَةَ يَدْعُوكَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَجِيبُوا أَبَا طَلْحَةَ، فَجِئْتُ مُسْرِعًا حَتَّى أَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ أَصْحَابُهُ، قَالَ بَكْرٌ: فَقَفَدَنِي قَفْدَةً، فَقَالَ ثَابِتٌ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: رَسُولُ اللَّهِ أَعْلَمُ بِمَا فِي بَيْتِي مِنِّي، وَقَالَا جَمِيعًا عَنْ أَنَسٍ: فَاسْتَقْبَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا قُرْصٌ، رَأَيْتُكَ طَاوِيًا فَأَمَرْتُ أُمَّ سُلَيْمٍ فَجَعَلَتْ لَكَ قُرْصًا، قَالَ: دَعَا بِالْقُرْصِ، وَدَعَا بِالْجَفْنَةِ فَوَضَعَهُ فِيهَا، فَقَالَ: هَلْ مِنْ سَمْنٍ؟ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: قَدْ كَانَ فِي الْعُكَّةِ شَيْءٌ، قَالَ: فَجَاءَ بِهَا، قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو طَلْحَةَ يَعْصرَانِهَا حَتَّى خَرَجَ شَيْءٌ، فَمَسَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبَّابَتَهُ، ثُمَّ مَسَحَ الْقُرْصَ، فَانْتَفَخَ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، فَانْتَفَخَ الْقُرْصُ فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ، وَالْقُرْصُ يَنْتَفِخُ حَتَّى رَأَيْتُ الْقُرْصَ فِي الْجَفْنَةِ يَتَصَيَّعُ، فَقَالَ: ادْعُ عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِي، فَدَعَوْتُ لَهُ عَشَرَةً، قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ وَسَطَ الْقُرْصِ، فَقَالَ: كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ، فَأَكَلُوا حَوَالَيِ الْقُرْصِ حَتَّى شَبِعُوا، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي عَشَرَةً آخَرِينَ، فَدَعَوْتُ لَهُ عَشَرَةً آخَرِينَ، فَقَالَ: كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ، فَأَكَلُوا مِنْ حَوَالَيِ الْقُرْصِ حَتَّى شَبِعُوا، فَلَمْ يَزَلْ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ الْقُرْصِ حَتَّى شَبِعُوا، وَإِنَّ وَسَطَ الْقُرْصِ حَيْثُ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ كَمَا هُوَ))[49].

 

وفي رواية أنَّ الذي أوصل الشَّعْرَ الشريف إلى أمِّ سُليم هو ابنها سيدنا أنسٌ، ولا تناقُضَ بينهما؛ فأخرج الإمام أحمد عن ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ((لَمَّا حَلَقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ بِمِنًى، أَخَذَ شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنَ بِيَدِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ نَاوَلَنِي، فَقَالَ: يَا أَنَسُ، انْطَلِقْ بِهَذَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ مَا خَصَّهَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ تَنَافَسُوا فِي الشِّقِّ الْآخَرِ، هَذَا يَأْخُذُ الشَّيْءَ، وَهَذَا يَأْخُذُ الشَّيْءَ))[50].

 

والظاهر من النصوص أنها جمعته مع عرقه صلى الله عليه وسلم الذي كانت تجمعه عند نومه صلى الله عليه وسلم في بيتها، في قارورة أو قوارير؛ وأخرج النسائي عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ((أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم اضْطَجَعَ عَلَى نَطْعٍ، فَعَرِقَ، فَقَامَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى عَرَقِهِ فَنَشَّفَتْهُ، فَجَعَلَتْهُ فِي قَارُورَةٍ، فَرَآهَا النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟ قَالَتْ: أَجْعَلُ عَرَقَكَ فِي طِيبِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم))[51].

 

وأخرج الإمام مسلم وغيره عن ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ((دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عِنْدَنَا، فَعَرِقَ، وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تَسْلِتُ الْعَرَقَ فِيهَا، فَاسْتَيْقَظَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ؟ قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا، وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ))[52].

 

وأقرَّها صلى الله عليه وسلم على فعلها بقوله: ((أصبتِ))، بعد إقراره لها بضحكه، وهو يدل على رضاه كما علمت في حديث النسائي؛ وأخرج الإمام مسلم وغيره، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ((كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيْسَتْ فِيهِ، قَالَ: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا، فَأُتِيَتْ فَقِيلَ لَهَا: هَذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَامَ فِي بَيْتِكِ، عَلَى فِرَاشِكِ، قَالَ: فَجَاءَتْ وَقَدْ عَرِقَ، وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ، عَلَى الْفِرَاشِ، فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا، فَفَزِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا، قَالَ: أَصَبْتِ))[53].

 

وأخرجه البخاري عَنْ أَنَسٍ: ((أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نِطَعًا، فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ، قَالَ: فَإِذَا نَامَ النبي صلى الله عليه وسلم أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ، فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ، ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ، قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الوَفَاةُ، أَوْصَى إِلَيَّ أَنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ، قَالَ: فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ))[54].

 

وهذا ما فعله سيدنا عليٌّ مع فضل حَنُوطِ[55] النبي صلى الله عليه وسلم مما كان يحتفظ به؛ فعَنْ هَارُونَ بْنِ سَعْدٍ، ((أَنَّ عَلِيًّا أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِسْكٌ، وَقَالَ: هُوَ فَضْلُ حَنُوطِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم))[56].

 

ومن شدة حِرْصِ الصحابة بعدما علموا هذا التوجيه النبوي، وهذه الإشارة النبوية القولية والفعلية، حرَصوا ألَّا تقع شعرات النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض، وأن تقع في يد رجل منهم؛ فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ((لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَالْحَلَّاقُ يَحْلِقُهُ، وَأَطَافَ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ))[57].

 

وهذا فِعْلُ كبار الأصحاب، فهذا هو سيدنا خالد يأخذ من ناصية شعر المصطفى صلى الله عليه وسلم فيحتفظ به في قَلَنْسُوَتِهِ؛ فأخرج الطبراني عن عَبْدِالْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، ((أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقَدَ قَلَنْسُوَةً لَهُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، فَقَالَ: اطْلُبُوهَا فَلَمْ يَجِدُوها، فَقَالَ: اطْلُبُوهَا، فَوَجَدُوهَا فَإِذَا هِي قَلَنْسُوَةٌ خَلَقَةٌ، فَقَالَ خَالِدٌ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَابْتَدَرَ النَّاسُ جَوَانِبَ شَعْرِهِ، فَسَبَقْتُهُمْ إِلَى نَاصِيَتِهِ فَجَعَلْتُهَا فِي هَذِهِ الْقَلَنْسُوَةِ، فَلَمْ أَشْهَدْ قِتَالًا وَهِيَ مَعِي إِلَّا رُزِقْتُ النَّصْرَ))[58].

 

وفي رواية: ((فَاسْتَبَقَ النَّاسُ إِلَى شَعَرِهِ، فَسَبَقْتُ إِلَى النَّاصِيَةِ))؛ فعَنْ عَبْدِالْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: ((اعْتَمَرْنَا مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم فِي عُمْرَةٍ اعْتَمَرَهَا، فَحَلَقَ شَعَرَهُ، فَاسْتَبَقَ النَّاسُ إِلَى شَعَرِهِ، فَسَبَقْتُ إِلَى النَّاصِيَةِ فَأَخَذْتُهَا، فَاتَّخَذْتُ قَلَنْسُوَةً فَجَعَلْتُهَا فِي مُقَدِّمَةِ الْقَلَنْسُوَةِ، فَمَا وُجِّهْتُ فِي وَجْهٍ إِلَّا فُتِحَ لِي))[59].

 

وفي رواية: ((فَلَمْ أَشْهَدْ قِتَالًا وَهِيَ مَعِي إِلَّا رُزِقْتُ النَّصْرَ))؛ فعن عَبْدِالْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ((أَنَّهُ فَقَدَ قَلَنْسُوَةً لَهُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ فَقَالَ: اطْلُبُوهَا فَلَمْ يَجِدُوهَا فَقَالَ: اطْلُبُوهَا فَوَجَدُوهَا، فَإِذَا هِيَ قَلَنْسُوَةٌ خَلَقَةٌ، فَقَالَ خَالِدٌ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَابْتَدَرَ النَّاسُ جَوَانِبَ شَعْرِهِ، قَالَ: فَسَبَقْتُهُمْ إِلَى نَاصِيَته، فَجَعَلْتُهَا فِي هَذِهِ الْقَلَنْسُوَةِ، فَلَمْ أَشْهَدْ قِتَالًا وَهِيَ مَعِي، إِلَّا رُزِقْتُ النَّصْرَ))[60].

 

وذكر الذهبي في السير عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: ((بَعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم خالدًا إلى الحارث بن كعب أميرًا وداعيًا، وخرج مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فلما حلق رأسه، أعطاه ناصيته، فعُملت في مقدمة قلنسوة خالد، فكان لا يلقى عدوًّا إلَّا هزمه))[61].

 

وذكرها ابن حجر بإسناده وفيها قوله: ((فلم أشهد قتالًا وهي معي إلا تبيَّن لي النصر))[62].

 

ومما ينبغي أن يُعلمَ أنَّ سيدنا أنسًا أوصى أَنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ، قَالَ: فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ؛ فعَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ: ((أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نِطَعًا، فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ، قَالَ: فَإِذَا نَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ، فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ، ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ، قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الوَفَاةُ، أَوْصَى إِلَيَّ أَنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ، قَالَ: فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ))[63].

 

قال ابن حجر: "وروى ابن السكن، من طريق صفوان بن هبيرة، عن أبيه، قال: قال لي ثابت البناني: قال لي أنس بن مالك: ((هذه شعرة من شعر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فضعها تحت لساني، قال: فوضعتها تحت لسانه، فدُفن وهي تحت لسانه))"[64].

 

وكذا فعل محمد بن سيرين، وكان قد استوهب بعض الشعرات الشريفة من أم سليم؛ فأخرج البخاري وغيره عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: ((قُلْتُ لِعبيدَةَ: عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ النبي صلى الله عليه وسلم أَصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَسٍ، أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنَسٍ، فَقَالَ: لَأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا))[65].

 

قال الطبراني: (... وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: وَاسْتَوْهَبْتُ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ، فَوَهَبَتْ لِي مِنْهُ، فَلَمَّا مَاتَ مُحَمَّدٌ حَنَّطَ بِذَلِكَ السُّكِّ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ يُعْجِبُهُ أَنْ يُحَنِّطَ الْمَيِّتَ بِالسُّكِّ))[66].

 

قال ابن حجر: "هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات"[67].

 

وكذا فعل سيدنا عمر بن عبدالعزيز؛ قال الإمام النووي: "وأحوال عمر بن عبدالعزيز وفضائله غير منحصرة، وفيما أشرنا إليه كفاية، وكان مرضه الذي تُوفِّيَ فيه عشرين يومًا، وقيل له: مَن توصى بأهلك؟ فقال: إن وليي فيهم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، وأوصى أن يُدفن معه شيء كان عنده من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، وأظفار من أظفاره، وقال: إذا مت فاجعلوه في كفني، ففعلوا ذلك"[68].

 

وكذا فعل وعاء أهل السنة والجماعة الإمامُ أحمدُ، عندما وُهِبَ له ثلاث شعرات من هذه الشعرات، وأوصى أن تُوضَعَ ثنتان منها في كل عين، والثالثة على لسانه عند موته؛ فذكر الذهبي عن الخَلَّالِ: "أَخْبَرَنِي عِصْمَةُ بنُ عِصَامٍ، حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ، قَالَ: أَعطَى بَعْضُ وَلَدِ الفَضْلِ بنِ الرَّبِيْعِ أَبَا عَبْدِ اللهِ - وَهُوَ فِي الحَبْسِ - ثَلاثَ شَعرَاتٍ، فَقَالَ: هَذِهِ مِنْ شَعْرِ النبي صلى الله عليه وسلم.

 

فَأَوْصَى أَبُو عَبْدِاللهِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُجعَلَ عَلَى كُلِّ عَيْنٍ شَعرَةٌ، وَشَعرَةٌ عَلَى لِسَانِهِ، فَفُعِلَ ذَلِكَ بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ"[69].

 

ولم يتعامل الصحابة رضي الله عنهم مع هذه الشعرات للتبرُّك بها، أو لدفنها في الأرض معهم في أكفانهم فحسب، وإنَّما كان الصحابة يستخدمونها في الرُّقْيَةِ وإزالة أثر العين والحسد، بل كانوا يستخدمونها في طِيبِهم، فيُزاد طيبًا، فيكون من أطيب الطيب، كما مر بك في حديث أم سليم في البخاري ومسلم والنسائي، وهذا أيضًا فِعْلُ أمِّنا أمِّ سَلمةَ رضي الله عنها، زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأخرج البخاري وغيره عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: ((أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ - وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلاَثَ أَصَابِعَ مِنْ قُصَّةٍ - فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ، فَاطَّلَعْتُ فِي الجُلْجُلِ، فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا))[70].

 

وعَنْ ابْنِ مَوْهَبٍ: ((أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَرَتْهُ شَعَرَ النبي صلى الله عليه وسلم أَحْمَرَ))، كما أخرجه البخاري وغيره[71].

 

وكانت رضي الله عنها تنقع هذه الشعرات الشريفة في الماء، وتسقيها الناس رجاءَ بركتها؛ فعَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ: ((أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النبي صلى الله عليه وسلم فَأَخْرَجَتْ لَهُ جُلْجُلًا فِيهِ مِنْ شَعْرِ النبي صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا هُوَ قَدْ صُبِغَ أَحْمَرَ، وَكَانَ إِذَا اشْتَكَى أَحَدٌ وَأَصَابَتْهُ عَيْنٌ جَاءَ بِإِنَاءٍ فَحَصْحَصَتْ لَهُ فَشَرِبَ مِنْهُ))[72].

 

قال ابن حجر: "قَوْلُهُ: (وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلَاثَ أَصَابِعَ): فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى صِغَرِ الْقَدَحِ، وَزَعَمَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَدِ إِرْسَالِ عُثْمَانَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهُوَ بَعِيدٌ.

 

وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ: بِالْفَاءِ وَالْمُعْجَمَةِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ وَكِيعٌ فِي مُصَنفه بعدمَا رَوَاهُ عَنْ إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: كَانَ جُلْجُلًا مِنْ فِضَّةٍ، صِيغَ صَوَّانًا لِشَعَرَاتٍ كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

 

قَوْلُهُ: (وَكَانَ النَّاسُ إِذَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ - أَيْ مِنْهُمْ – عَيْنٌ)؛ أَيْ: أُصِيبَ بِعَيْنٍ أَوْ شَيْءٍ؛ أَيْ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ كَانَ.

 

قَوْلُهُ: (بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ)، بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ، هُوَ: مِنْ جُمْلَةِ الْآنِيَةِ.

 

وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ مَنِ اشْتَكَى أَرْسَلَ إِنَاءً إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَتَجْعَلُ فِيهِ تِلْكَ الشَّعَرَاتِ وَتَغْسِلُهَا فِيهِ، وَتُعِيدُهُ، فَيَشْرَبُهُ صَاحِبُ الْإِنَاءِ، أَوْ يَغْتَسِلُ بِهِ اسْتِشْفَاءً بِهَا؛ فَتَحْصُلُ لَهُ بَرَكَتُهَا"[73].

 

وهنا أبدع شرَّاح الحديث في أخذ الفوائد من الأحاديث أعلاه:

قال النووي: هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ فوائد كَثِيرَةٌ مِنْهَا:... التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم وَجَوَازُ اقْتِنَائِهِ لِلتَّبَرُّكِ".

 

ومنها: مواساة الإمام والكبير بين أَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ فِيمَا يُفَرِّقُهُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَطَاءٍ وَهَدِيَّةٍ وَنَحْوِهَا"[74].

 

وقال في موضع آخر: "وَفِيهِ التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ، وَبَيَانُ مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنَ التَّبَرُّكِ بِآثَارِهِ صلى الله عليه وسلم... وَتَبَرُّكهِمْ بِشَعْرِهِ الْكَرِيمِ، وَإِكْرَامهِمْ إِيَّاهُ أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ مِنْهُ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ سَبَقَ إِلَيْهِ"[75].

 

وقال ابن دحية: أما شعره صلى الله عليه وسلم، فقد كان الناس يستسقون به، وتداولوه من بعده.

 

قال ابن دريد: كل خُصلةٍ من الشعر قُصةٌ، والقُصة أيضًا ما أقبل على الجبهة من شعر الرأس، سُمِّيَ بذلك لأنه يُقَصُّ.

 

ثم قال: ولما جاز اتخاذ شعرات رسول الله صلى الله عليه وسلم للتبرك به، عُلِمَ أنه طاهرٌ، وقد ترجم عليه البخاري، وأراد بذلك رد قول الشافعي: إن شعر الإنسان إذا فارق الجسد نجس، وأنه إذا وقع في الماء نجَّسه.

 

وفيه دليلٌ أن ما أُخِذَ من جسد الإنسان من شعرٍ أو ظفرٍ أنه ليس بنجسٍ.

 

وللشافعي في ذلك من الجواب أن يقول: ذلك من خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم فلا يُقاس عليه، كما كان بوله ودمه صلى الله عليه وسلم طاهرين...[76].

 

وقال الطيبي: "وفيه جواز التبرك بشعره واقتنائه.

 

وقوله: (شِقه الأيمن فحلقه)؛ أي قال: احلق فحلقه، تدل على المحذوف القرينة الآتية.

 

فإن قلت: لِمَ حذف في الأولى وذكر في الثانية؟

قلت: ليدل على سرعة امتثال الحالق، وأنه كما أُمِرَ امتثل؛ نحوه قوله تعالى: ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ ﴾ [البقرة: 60]، كأنه طمع أن يُعطَى المحلوق، فلما آثر عليه أبا طلحة تقاعد عن سرعة الامتثال في المرة الثانية، والله أعلم"[77].

 

وقال العيني: "فِيهِ التَّبَرُّك بِشعرِهِ صلى الله عليه وسلم، وَغير ذَلِك من آثاره بِأبي وَأمي وَنَفْسِي هُوَ"[78].

 

وقال ابن حجر: "وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ: اطِّلَاعُ النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى فِعْلِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَتَصْوِيبُهُ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ قَوْلِهَا: إِنَّهَا كَانَتْ تَجْمَعُهُ لِأَجْلِ طِيبِهِ، وَبَيْنَ قَوْلِهَا لِلْبَرَكَةِ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَفْعَلُ ذَلِكَ لِلْأَمْرَيْنِ مَعًا.

 

وَيُسْتَفَادُ مِنْهَا أَيْضًا: أَنَّ الْقِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا حَلَقَ رَأْسَهُ بِمِنًى فِيهَا.

 

قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ الْقَائِلَةِ لِلْكَبِيرِ فِي بُيُوتِ مَعَارِفِهِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ ثُبُوتِ الْمَوَدَّةِ وَتَأَكُّدِ الْمَحَبَّةِ.

 

قَالَ: وَفِيهِ: طَهَارَةُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ وَعَرَقِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا دَلَالَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مُتَمَكِّنٌ فِي الْقُوَّةِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ ثَبَتَ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ طَهَارَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا"[79].

 

وقال الشوكاني: "فِيهِ: الْمُوَاسَاةُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ بِالْعَطِيَّةِ وَالْهَدِيَّةِ.

 

وَفِيهِ: تَنْفِيلُ مَنْ يَتَوَلَّى التَّفْرِقَةَ عَلَى غَيْرِهِ"[80].

 

قلت: ولعل من يجعل شعرات النبي صلى الله عليه وسلم في المسك أو أنواع الطِّيب يستند إلى فعل أم سُليم رضي الله عنها، وكذا فَعَلَ العلماء والصالحون على مر الأزمان، كما هو الملاحظ والمشاهَد، وكذا ما يُحفَظ به من الصناديق من فضة هو فعل الأصحاب، فكانت أم سلمة تحتفظ بهذه الشعرات بجُلْجُل من فضة؛ كما أخرج البخاري وغيره عن سيدتنا أم سلمة؛ فأخرج البخاري وغيره، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: ((أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ - وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلاَثَ أَصَابِعَ مِنْ قُصَّةٍ - فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ، فَاطَّلَعْتُ فِي الجُلْجُلِ، فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا))[81].

 

قال ابن حجر: "وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ: بِالْفَاءِ وَالْمُعْجَمَةِ وَقَدْ بَيَّنَهُ وَكِيعٌ فِي مُصَنفه بعدمَا رَوَاهُ عَنْ إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: كَانَ جُلْجُلًا مِنْ فِضَّةٍ صِيغَ صَوَّانًا لِشَعَرَاتٍ كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ شَعَرِ النبي صلى الله عليه وسلم".

 

وهنا ملحظ مهم ينبغي التنبيه عليه؛ أنَّ شعرات النبي صلى الله عليه وسلم وفق ما تم عرضه أعلاه قد أخذت اهتمامًا خاصًّا عند علماء الأمة عمومًا، وعند علماء الحديث خصوصًا؛ لأن انتقالها بين أفراد الأمة بمثابة المحافظة على حديث رسول الله ونقله، فهي أثر من آثاره صلى الله عليه وسلم قام بتوزيعه بيده الشريفة، فتناقل علماء الحديث عبارة عبيد السلماني التي نقلها عنه ابن سيرين جيلًا عن جيل؛ فعن محمد بن سيرين أنه حدث عبيد السلماني فقال: "لَأَنْ يَكُونَ عِنْدِي مِنْهُ شَعَرَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ أَصْبَحَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَفِي بَطْنِهَا"؛ فأخرج الإمام أحمد بسنده عن ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ((لَمَّا حَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ بِمِنًى، أَخَذَ شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنَ بِيَدِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ نَاوَلَنِي، فَقَالَ: يَا أَنَسُ، انْطَلِقْ بِهَذَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ مَا خَصَّهَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ تَنَافَسُوا فِي الشِّقِّ الْآخَرِ، هَذَا يَأْخُذُ الشَّيْءَ، وَهَذَا يَأْخُذُ الشَّيْءَ، قَالَ مُحَمَّدٌ: فَحَدَّثْتُهُ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيَّ، فَقَالَ: لَأَنْ يَكُونَ عِنْدِي مِنْهُ شَعَرَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ أَصْبَحَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَفِي بَطْنِهَا))[82].

 

وأكد البيهقي هذا المعنى، وهو أنَّ جميع من روى هذا الحديث وسمعه، ذَكَرَ هذا القول عن عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ أنه قال هذا القول؛ فقال مثل قولته هذه فقال: "وَيُذْكَرُ عَنْ أَيُّوبَ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَعَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ"[83].

 

وذكر البيهقي أيضًا في الرواية أنَّ قائل هذا القول هو ابن سيرين فقال: "قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَأَنْ يَكُونَ عِنْدِي مِنْهُ شَعْرَةٌ أَحَبُّ إِلِيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"[84].

 

قلت: ولا مانع من اجتماعهما، فكل من روى هذا الحديث، قال هذا القول، وحُقَّ لهم ذلك.

 

وفي هذه الأخبار دلالة على حرص العلماء ورغبتهم، وتشوُّفهم بأن تكون عندهم هذه الشعرات الشريفة، ووصفهم إياها بالوصف الدقيق كما مرَّ بك من النصوص أعلاه، وأنهم لو تملَّكوا منها واحدة خير لهم من الذهب والفضة، وكل ما على وجه الأرض، وحُقَّ لهم ذلك فيا ليتنا نحظى بما حظَوا به من هذه الشعرات الشريفات.

 

وفيما قدمت من النصوص أعلاه مدعاة للمحافظة على هذا الأثر الشريف، وتعاهده بالنقل بالسند المتصل، كما فعل المحدثون رحمهم الله تشرُّفًا وحرصًا على توثيق ذلك.

 

ويترتب على ذلك دعوة لمحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوثقوا من نسبة هذه الشعرات لصاحبها صلى الله عليه وسلم؛ فهي من آثاره الشريفة صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر قد تساهل فيه كثير من الناس في هذه الأيام، فترى أحدهم يقول: هذه خصلة كاملة من شعره صلى الله عليه وسلم، وهذا الآخر يطلع علينا يقول: تملكت ووهب لي شعرة من شعرات النبي صلى الله عليه وسلم، وتسأله: من أين لك هذا؟ فلا يجيب، وهذا الآخر يبني البيان، ويشيد المراقد، ويدعي أن لديه هذا الأثر الشريف، فيجعله بابًا للتربح والترزق والشهرة، ولو صح كل ذلك، لكنا أول من يتشرف بتقبيل والتبرك بهذه الشعرات الشريفة، ولَسَعَينا إليها مشيًا على الرأس، لا على القدم، كما فعل كبار الصحابة الكرام، وتابعوهم، وتابعو تابعيهم.

 

وأوجِّه الخطاب لهؤلاء فأقول: لا يشفع لكم حبكم وشغفكم به صلى الله عليه وسلم أن تنسبوا له صلى الله عليه وسلم ما لا يصح نسبته إليه، فالتعامل مع الأثر الشريف لا يختلف عن نقل سنته صلى الله عليه وسلم؛ التي قال عنها في الحديث المتواتر الذي أخرجه البخاري ومسلم: ((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))[85]، فنسبة هذه الشعرة إليه صلى الله عليه وسلم وهي لا تصح بمثابة الكذب عليه، أعاذنا الله وإياكم من فِعْلِ ذلك.

 

علمًا بأن أغلب هذه الشعرات الشريفة من شدة شغف ومحبة أصحابها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمروا ورثتهم أن تُدفَن معهم في لحودهم، وأن تُجعَل في حنوطهم تشرفًا ومحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما علمت فيما مرَّ بك في هذا البحث[86]، وكلامي هذا لا ينفي ما قلته سابقًا من أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبقى أثره في أمته إلى قيام الساعة، وسيبقى هذا الأثر كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ينبغي التثبت والتحري في ذلك فهو أمر عظيم؛ لأنه يتعلق بذات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بد أن تعامل معاملة نقل حديثه صلى الله عليه وسلم، سواء على طريقة المحدثين، أو على طريقة المؤرخين التي فيها تساهُل كما يعلم من طريقتهم، ولكن لا بأس، ففيهما الحدُّ من كثرة المدَّعين لهذا الأمر، والله أعلم بالصواب.

 

ومما ينبغي أن يُعلَم أن الأصحاب رضي الله عنهم لم يحتفوا بالشعرات من آثاره الشريفة فقط، بل كان ذلك أيضًا لأظافره التي قلَّمها صلوات ربي وسلامه عليه في حَجِّه؛ فأخرج الإمام أحمد وغيره عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، ((أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْمَنْحَرِ وَرَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ يَقْسِمُ أَضَاحِيَّ، فَلَمْ يُصِبْهُ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَا صَاحِبَهُ، فَحَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ فَأَعْطَاهُ، فَقَسَمَ مِنْهُ عَلَى رِجَالٍ، وَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ، فَأَعْطَاهُ صَاحِبَهُ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَعِنْدَنَا مَخْضُوبٌ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، يَعْنِي: شَعْرَهُ))[87].

 

وفي رواية: أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِاللهِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ ((شَهِدَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْمَنْحَرِ هُوَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَحَايَا فَلَمْ يُصِبْهُ وَلَا صَاحِبَهُ شَيْءٌ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ فَأَعْطَاهُ، وَقَسَمَ مِنْهُ عَلَى رِجَالٍ، وَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ فَأَعْطَاهُ صَاحِبَهُ، فَإِنَّ شَعْرَهُ عِنْدَنَا لمَخْضُوبٌ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ))[88].

 

وفي لفظ: ((... أنه شهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم عند المنحر هو ورجل من الأنصار يقسم، فقسم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فلم يُصِبْهُ ولا صاحبه، فحلق رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه، فأعطاه إياه، فقسم به على الرجال، وقلَّم أظفاره، فأعطاه صاحبه، قال: فإنه عندنا مخضوب بالحناء والكتم أو قال بالحناء))[89].

 

قلت: وهذا شأن الأصحاب رضي الله عنهم بكل شيء تعلَّق برسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى[90].

 

وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ على سيِّدنا مُحمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.



[1] صحيح البخاري (4/ 187) (3547).

[2] مسند أحمد مخرجًا (19/ 285) (12265).

[3] اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حكم حَلْقِ شعر الرَّأْسِ عمومًا لغير الحاجِّ: فذهب قوم للجواز، وذهب قوم للجواز لمن أراد به التنظيف، وذهب قوم إلى القول بالكراهة، وذهب قوم إلى القول ببدعته؛ [ينظر تفصيل ذلك في: حاشية ابن عابدين 5/ 261، ط: دار إحياء التراث العربي، والفواكه الدواني 2/ 401، والقوانين الفقهية 435، ط: دار الكتاب العربي، وأسنى المطالب 1/ 551، ط: المكتبة الإسلامية، والمغني 1/ 89، 90، ط: الرياض، ونيل الأوطار 1/ 153، 154، 155، ط: دار الجيل، وينظر التفصيل في: الموسوعة الفقهية الكويتية: (18: 95-96).

[4] صحيح مسلم (2/ 947) (56) بَابُ: بَيَانِ أَنَّ السُّنَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَرْمِيَ، ثُمَّ يَنْحَرَ، ثُمَّ يَحْلِقَ، وَالِابْتِدَاءِ فِي الْحَلْقِ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ رَأْسِ الْمَحْلُوقِ.

[5] صحيح مسلم (2/ 947) (1305).

[6] صحيح مسلم (2/ 947) (1305).

[7] صحيح ابن حبان محققًا (4/ 206)، ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ شَعْرَ الْإِنْسَانِ طَاهِرٌ إِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يُنَجِّسْهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الثَّوْبِ لَمْ يَمْنَعِ الصَّلَاةَ فِيهِ (1371).

[8] حجزة الإنسان: موضع عقد السراويل والإزار.

[9] جيب القميص: فتحته التي يدخل منها الرأس عند لبسه.

[10] صحيح ابن حبان محققًا (4/ 207-208).

[11] شرح النووي على مسلم (9/ 53).

[12] مسند أحمد، ط: الرسالة (45/ 221) (27249).

[13] المعجم الكبير للطبراني (20/ 447) (1096).

[14] الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (2/ 7) (671).

[15] معجم الصحابة للبغوي (5/ 335) (2165)، ومعجم الصحابة لابن قانع (3/ 99).

[16] ينظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (3/ 261) (5596)، وقال شعيب: إسناده ضعيف؛ لجهالة حال
عبدالرحمن بن عقبة، مولى مَعْمر بن عبدالله، فلم يذكروا في الرواة عنه سوى اثنين، ولم يذكره أحد بجرح ولا تعديل، وقال الحسيني: مجهول، فتعقبه الحافظ في "التعجيل" 1/807، بقوله: بل معروف، قلنا: يعني معروف العين، وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الصحيح، غير ابن إسحاق - وهو محمد - فقد روى له مسلم متابعةً، وهو حسنُ الحديث، ثم إنه صرَّح بالتحديث، فانتَفَتْ شُبهة تدليسه، يعقوب: هو ابنُ إبراهيم بن سعد الزُّهري.

[17] ينظر النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 48).

[18] ينظر: الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (12/ 187).

[19] ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 48).

[20] صحيح البخاري (1/ 45) (171).

[21] صحيح مسلم (2/ 948) (1305).

[22] سنن الترمذي، ت: بشار (2/ 247) (912)، قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وينظر: مسند أحمد، ط: الرسالة (19/ 144) (12092).

[23] صحيح ابن حبان محققًا (4/ 206) (1371).

[24] مسند أحمد، ط: الرسالة (21/ 254) (3685).

[25] صحيح ابن حبان (9/ 12)، ذكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْعُمْرَةَ فِي رَمَضَانَ تَقُومُ مَقَامَ حجَّةٍ لِمُعْتَمِرِهَا (3699).

[26] تاريخ بغداد، ت: بشار (11/ 332) (5192).

[27] مسند أحمد، ط: الرسالة، (20/ 227) (12865).

[28] ينظر: مسند أبي يعلى الموصلي (6/ 306) (3624).

[29] ينظر: إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (7/ 260) (6812)، وقال: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وهو في الصحيحين والترمذي دون قوله: "فما أعلم أَحَدًا..."، إِلَى آخِرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ.

[30] مسند أبي داود الطيالسي (3/ 552) (2192).

[31] المعجم الأوسط (3/ 75) (2535)، ومسند أبي داود الطيالسي (3/ 605) (2261).

[32] صحيح البخاري (8/ 45) (6203)، صحيح مسلم (3/ 1692) (2150).

[33] الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1931) (4137).

[34] صحيح البخاري (4/ 16) (788)، صحيح مسلم (3/ 1518) (1912).

[35] (4/ 493) (7456).

[36] ينظر: مسألة في قيلولة النبي صلى الله عليه وسلم عند أمِّ حرام للدمياطي (705هـ)، ينظر: لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام العدد: (23)، الرسالة رقم: (390)، بتحقيق: عادل عبدالرحيم.

[37] ينظر: ترجمتها في أسد الغابة: (7479)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: (4/ 1940) (4163)، الثقات: (3/ 461)، أعلام النساء: (2/ 256)، الدر المنثور: (ص: 208)، تجريد أسماء الصحابة: (2/ 323)، الإصابة في تمييز الصحابة: (8/ 408) (12077)، تقريب التهذيب: (2/ 622)، تهذيب التهذيب: (12/ 471)، الكاشف: (3/ 489)، تهذيب الكمال: (3/ 400، 407، 408)، الجرح والتعديل: (9/ 464)، حلية الأولياء: (2/ 57)، تلقيح فهوم أهل الأثر: (322، 369).

[38] صحيح مسلم (4/ 1815) (2331).

[39] صحيح مسلم (4/ 1815) (2331).

[40] صحيح مسلم (4/ 1815) (2331).

[41] صحيح البخاري (8/ 63) (6281).

[42] ينظر: فتح الباري لابن حجر (11/ 71).

[43] مسند أحمد، ط: الرسالة (19/ 466) (12483).

[44] مسند أحمد، ط: الرسالة (19/ 466) (12483).

[45] مسند أحمد، ط: الرسالة (20/ 436) (13218).

[46] قال ابن حجر: "والسُّكٍّ: بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ، هُوَ: طِيبٌ مُرَكَّبٌ، وَفِي النِّهَايَةِ: طِيبٌ مَعْرُوفٌ يُضَافُ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الطِّيبِ وَيُسْتَعْمَلُ"؛ [ينظر: فتح الباري لابن حجر (11/ 71)].

قلت: والسك هو الوعاء الذي يُوضَع فيه الطيب، وأطلق اسم الطيب عليه لاحتوائه له، وهذا ما تعارف عليه الناس جيلًا بعد جيل؛ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ: "السُّكُّ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ: طِيبٌ مَجْمُوعٌ مِنْ أَخْلَاطِ، وَالسُّكَّةُ قِطْعَةٌ مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وِعَاءً.

قَالَ مِيرَكُ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا نَفْسَ الطِّيبِ، فَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: كَلِمَةُ (مِنْ) لِلتَّبْعِيضِ؛ لِيُشْعِرَ بِأَنَّهُ كَانَ يُسْتَعْمَلُ مِنْهَا بِدُفْعَاتٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِهَا، فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهَا بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الْوِعَاءَ فَمِنْ لِلِابْتِدَاءِ"؛ [ينظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 2824)].

ويؤيد ما ذهبت إليه سياق الروايات فهي تدل على أنه الوعاء الذي يُوضَع فيه الطيب: ((... ثُمَّ تَجْعَلُهُ فِي سُكِّهَا))، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: ((دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عِنْدَنَا فَعَرِقَ وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تَسْلُتُ الْعَرَقَ فِيهَا))، وغيرها من الروايات، والله أعلم بالصواب.

[47] مسند أحمد، ط: الرسالة (21/ 447) (14059).

[48] صحيح البخاري (2/ 119) (1461).

[49] ينظر: مسند البزار (13/ 241) (6749)، مسند أبي يعلى الموصلي (7/ 174) (4151)، المعجم الكبير للطبراني (25/ 111) (280).

[50] مسند أحمد، ط الرسالة، (21/ 254) (3685).

[51] صحيح مسلم (4/ 1815) (2331).

[52] صحيح مسلم (4/ 1815) (2331).

[53] صحيح مسلم (4/ 1815) (2331).

[54] صحيح البخاري (8/ 63) (6281).

[55] قال الزمخشري: حنط الحنوط والحناط: كل مَا يطيب بِهِ الْمَيِّت؛ [الفائق في غريب الحديث (1/ 327)].

[56] مصنف ابن أبي شيبة (2/ 461) (11036)، قال الزمخشري: حنط الحنوط والحناط: كل مَا يطيب بِهِ الْمَيِّت؛ [الفائق في غريب الحديث (1/ 327)].

[57] صحيح مسلم (4/ 1812) (2325).

[58] المعجم الكبير للطبراني (4/ 104) (3804)؛ قال الهيثمي: "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى بِنَحْوِهِ، وَرِجَالُهُمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَجَعْفَرٌ سَمِعَ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَلَا أَدْرِي سَمِعَ مِنْ خَالِدٍ أَمْ لَا"؛ [مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (9/ 349) (15882)].

[59] مسند أبي يعلى الموصلي (13/ 138) (7183)، قال البوصيري: "رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ"؛ [ينظر: إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (7/ 271) (6832)].

[60] دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني (ص: 444) (367)، وينظر: سير أعلام النبلاء، ط الرسالة (16/ 130).

[61] سير أعلام النبلاء: (1/ 371).

[62] الإصابة في تمييز الصحابة (2/ 217).

[63] صحيح البخاري (8/ 63) (6281).

[64] الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 276).

[65] صحيح البخاري (1/ 45) (170).

[66] المعجم الكبير للطبراني (25/ 119) (290).

[67] المطالب العالية محققًا (13/ 359) (3195).

[68] ينظر تهذيب الأسماء واللغات (2/ 24)، والتاريخ المعتبر في أنباء من غبر (1/ 322).

[69] سير أعلام النبلاء، ط الرسالة، (11/ 337).

[70] صحيح البخاري (7/ 160) (5896).

[71] صحيح البخاري (7/ 160) (5897).

[72] مسند إسحاق بن راهويه (4/ 141).

[73] فتح الباري لابن حجر (10/ 352) [5896].

[74] ينظر: شرح النووي على مسلم (9/ 53).

[75] ينظر: شرح النووي على مسلم (15/ 82).

[76] الآيات البينات في ذكر ما في أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعجزات؛ [ابن دحية الكلبي: (1/ 238-242)].

[77] ينظر: شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (6/ 2010).

[78] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (10/ 63).

[79] ينظر: فتح الباري لابن حجر (11/ 71).

[80] نيل الأوطار (1/ 79).

[81] صحيح البخاري (7/ 160) (5896).

[82] مسند أحمد، ط الرسالة، (21/ 254) (3685).

[83] السنن الكبرى للبيهقي (7/ 107) (13410).

[84] السنن الكبرى للبيهقي (7/ 107) (13410).

[85] صحيح البخاري (1/ 33) (107)، صحيح مسلم (1/ 10) (3).

[86] قال أحمد تيمور باشا رحمه الله في كتابه: (الآثار النبوية) بعد أن ذكر أخبار التبرك بشعرات الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل أصحابه رضي الله عنهم: "فما صح من الشعرات التي تداولها الناس بعد ذلك، فإنما وصل إليهم مما قسم بين الأصحاب رضي الله عنهم، غير أن الصعوبة في معرفة صحيحها من زائفها"؛ (ص: 72).

[87] مسند أحمد مخرجًا (26/ 395) (16474)، وكذا ينظر صحيح ابن خزيمة (4/ 300) (2931)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 648) (1744)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

[88] مسند أحمد ط الرسالة (26/ 397) (16475)، صحيح ابن خزيمة (4/ 300) (2931)، بَابُ: اسْتِحْبَابِ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ مَعَ حَلْقِ الرَّأْسِ، مَعَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْأَظَافِرَ إِذَا قُصَّتْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُهَا حُكْمَ الْمَيْتَةِ، وَلَا كَانَتْ نَجِسًا كَمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَا قُطِعَ مِنَ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ، وَخَبَرُ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ))، عِنْدَ ذِكْرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي قَطْعِهِمْ أَلْيَاتِ الْغَنَمِ وَجَبِّهِمْ أَسْنِمَة الْإِبِلِ، فَكَانَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَوَابًا عَنْ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ، وَمَا يُشْبِهُهُمَا وَهُوَ فِي مَعَانِيهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وأخرجه الضياء في الأحاديث المختارة = المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما (9/ 384) (353-354)، قال الهيثمي: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ؛ [مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (4/ 19)].

[89] فوائد أبي القاسم الحرفي رواية الأنصاري (ص: 82) (33).

[90] ينظر: تبرك الأصحاب رضي الله عنه بكل شيء تعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري (3/ 193) (2731)، وصحيح البخاري (2/ 75) (1261)، وصحيح مسلم (4/ 1812) (2324)، ومصنف ابن أبي شيبة (2/ 461) (11036)، وغيرها من المصادر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أمور ثلاثة خافها النبي صلى الله عليه وسلم على أمته (خطبة)
  • نظم ما ورد من أسماء خيل النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أخبارها
  • إصابات النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد
  • هدي النبي صلى الله عليه وسلم في مكاتباته إلى الملوك وغيرهم
  • حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة (خطبة)
  • دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وقصة هرقل ملك الروم (خطبة)
  • حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في غزوة الأحزاب وكأنك معهم
  • عناية النبي صلى الله عليه وسلم بشعبان (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • محظورات الإحرام(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • أحكام متعلقة بحلق شعر المحرم(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • هل أترك الدعوة بسبب عادة نفسية؟!(استشارة - الاستشارات)
  • شيب النبي ولون شعره صلى الله عليه وسلم(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفة مع حديث الرسول عليه الصلاة والسلام - الصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم: كان صلى الله عليه وسلم رحيما بالمؤمنين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل حلق الرأس وثوابه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: إن تحت كل شعرة جنابة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • وأنت ترى الشعرة في طعامي ؟!(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • هل شعرت يومًا أنك شاهد زور؟!(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب