• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

(سرية الرجيع آلام لا تضيع) يا لأقدار الله يباع لمن قتل أباه

(سرية الرجيع آلام لا تضيع) يا لأقدار الله يباع لمن قتل أباه<br />
حسام الدين أبو صالحة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/5/2023 ميلادي - 20/10/1444 هجري

الزيارات: 7936

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

(سرية الرجيع آلام لا تضيع)

يا لأقدار الله يُباع لمن قَتَلَ أباه

حادثة أليمة، ووقعة مريرة، شدةُ ألمها، وكدر مرارة طعمها يكمُن في الغدر، ويتضح في الخديعة، والخيانة، والمكر من قوم غِلاظ العقول، قساة القلوب، من مشركي قبيلتي عَضَل، وقارَّة[1].

 

فاجعة بمعنى الكلمة حاكتْها قبيلةُ هُذيل بالتضامن مع قبيلتي عَضَل والقارَّة، بدهاء الذئب، وتلوُّن الحِرْباء، ونعومة الحيَّة، وانقضاض المفترس الضاري بستة – وقيل: بعشرة على اختلاف الرواية - من خير الصحابة، وأتقاهم لله، وأنقاهم سجية، فلم تكن حربًا وجهًا لوجه، ولا نزالًا متكافئًا في العدد، ومتساويًا في العُدَّة؛ حيث كان الصحابة عشرة على أعلى تقدير لإحدى الروايتين، والمشركون مائتي رامٍ، ولم يتم إخبارهم بسوء ما ينتظرهم؛ فيأخذون الحَيطة، ويبادرون بالحذر، لكنهم أُخِذوا على حين غِرَّة، وانهالوا عليهم كالكلاب المصابة بالسُّعَار، والضباع المتكاثرة على حَمَلٍ وديع، لا يَقْوَى على الفرار، انقضوا عليهم من كل حَدَبٍ وصوب، وحاصروهم بغتةً، وقتلوهم فجأة رميًا من أقواسهم بالسهام[2].

 

ومع تلك الصورة القاتمة، والمشهد بأحداث معتمة، فإن الصحابة لم يُثْنِهم عن الصدق بموطن الوغى، والحرب، والاقتتال، والثبات على الشهادة في سبيل الله تعالى فنالوها، وقد صدقوا الله تعالى، ورسوله، الإخلاصَ في العمل؛ فصدقهم الله وعده؛ بتسطير اسمهم، وتدوين ذواتهم بسجل الشهداء؛ فقد خرجوا دون تردد أو خوف، مع أن الناتج مجهول، والدرب وَعْرٌ، والصحراء شاسعة، وذئاب البشر بكل وادٍ يهيمون، وشياطين الإنس بالفساد يعيثون[3].

 

هؤلاء الصَّحب الكِرام عزَّ الزمان بمثلهم، وقلما أن يجود بنظيرهم؛ فقد اصطفاهم الله تعالى، واختارهم لرفقة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتأييد شريعته ونصرته، دون سائر البشر؛ فصدق الرسول صلى الله عليه وسلم القائل: ((خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون، وينذِرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السِّمَنُ))[4].

 

هؤلاء الصحابة هم أفضل المسلمين؛ لأنهم عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم، ووضح لهم أمور الدين وأخذوه عنه مباشرةً، فهم أفضل الناس علمًا بسُنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومقاصد التشريع، وعلى أيديهم تم نشر الدين في الفتوحات، والغزوات[5].

 

فجلوس أحد الصحابة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ساعةً من نهار خيرٌ وأفضل وأعظم من عبادة أحدنا أربعين سنةً، أو خير من عبادة عمره كله؛ فعن ابن عباس قال: ((لا تسبُّوا أصحاب محمد؛ فلَمقام أحدهم ساعةً – يعني: مع النبي صلى الله عليه وسلم - خيرٌ من عمل أحدكم أربعين سنةً))، وفي رواية وكيع: ((خير من عبادة أحدكم عمره))[6].

 

فدَيدَنُ الصحب الكرام إخلاصُهم، وصدق يقينهم، وحرصهم على الموت أكثر من رغبتهم في حياة زائفة زائلة، واسمع معي إلى دعاء عبدالله بن جحش واشتياقه الحقيقي إلى الشهادة في سبيل الله، قال: ((اللهم ارزقني رجلًا شديدًا حَرْدُهُ، شديدًا بأسه، أقاتله فيك، ويقاتلني، ثم يأخذني؛ فيجدع أنفي، وأذني، فإذا لقيتك غدًا، قلت: مَن جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك، وفي رسولك، فتقول: صدقت))[7].

مقدمة لأسباب عَدَاء بعض القبائل للمسلمين:

تكالبت بعض القبائل العربية على غزو المسلمين، وقتالهم، وشجَّعهم على تكالبهم هزيمةُ المسلمين بغزوة أُحُد في شوال في السنة الثالثة للهجرة، واستشهاد سبعين من الصحابة بتلك الغزوة؛ ما أغراهم على التدبير بسوء، والمكر بليل؛ لإيقاع الضرر بالمسلمين، والنَّيل منهم بشتى الطرق، وسائر السُّبُل، وكل الحيل، وقد تشجعت قبيلتا (أسد بن خزيمة بن مدركة)، و(هذيل بن مدركة) على غزو المدينة بتلك الفترة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم باغتهم قبل هجومهم، وآثَرَ القدوم إليهم قبل مجيئهم[8].

 

عندما نَمَا خبرُ توافق قبيلتي أسد وهذيل إلى سَمْعِ النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عبدالله بن أنيس رضي الله عنه، وذكر له قصة خالد بن سفيان الهذلي، وطلب منه أن يذهب إليه ويقتله؛ لأنه هو الرأس المدبِّر، ولو قُتل فإنه من الصعب أن تتجمع تلك القبيلتان، ومن ثَمَّ يتجنب الرسول صلى الله عليه وسلم مأساة كبرى قد تتعرض لها المدينة المنورة، وثمة مشكلة؛ وهي أن عبدالله بن أنيس لم يُرَ من قِبل خالد بن سفيان الهذلي، ولا يعرفه، فقال: "يا رسول الله، انْعَتْه حتى أعرفه"؛ فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم علامة غريبة؛ قال: ((إذا رأيتَه وجدت له قُشَعْرِيرة))؛ يعني: حين تراه ستُصاب بالرعب، فقال عبدالله بن أنيس: "يا رسول الله، ما فَرِقْتُ من شيء قط"؛ أي: ما خفت من شيء أبدًا، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((بلى، آية ما بيني وبينه أن تجد له قشعريرة إذا رأيته)).

 

ذهب عبدالله بن أنيس، ودخل المنطقة التي فيها قبائل هذيل، ومن بعيد رأى خالد بن سفيان الهذلي؛ يقول عبد الله بن أنيس: "فلما رأيته هِبْتَهُ، وفرِقت منه، فقلت: صدق الله ورسوله".

 

أخذ عبدالله بن أنيس يفكر كيف يمكن أن يغتال هذا الرجل الضخم، فقرر أن يذهب إليه؛ ليحتال عليه بحيلة، وكان ذلك بعد وقت دخول صلاة الظهر، وخشِيَ أن يفوته وقت صلاة الظهر، ولكنه إذا صلى الظهر فقد يراه؛ فيكتشف أمره؛ لذلك اجتهد عبدالله بن أنيس اجتهادًا غريبًا، وبعد ذلك أقر الشرع هذا الاجتهاد؛ وهو أن يصلي، وهو يسير إليه، قال: "فصليت، وأنا أمشي نحوه، أومئ برأسي الركوع والسجود"؛ يعني: يشير برأسه للركوع والسجود، وهو يمشي، سبحان الله! وأصبحت هذه الصلاة معروفة في الفقه بصلاة الطالب، وصلاة المطلوب؛ أي: الذي يطلب رجلًا للقتل، والذي يُطلَب للقتل.

 

قال: "فلما انتهيت إليه، قال: من الرجل؟"؛ أي: خالد يسأل عبدالله بن أنيس، "قلت: رجل من العرب سمع بك، وبجمعك لهذا الرجل، فجاءك لهذا"، قال: "أجَل، أنا في ذلك"، قال عبدالله: "فمشيت معه شيئًا حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف، حتى قتلته، ثم خرجت، وتركته، وعُدتُ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال قبل أن أتكلم: ((أفلح الوجه))، قلت: قتلته يا رسول الله، قال: ((صدقت))"، وبمقتل خالد بن سفيان بن نجيح؛ زعيم قبيلة هذيل، رجعت هذيل عن الغزو[9].

 

وبالنسبة لقبيلة أسد؛ فقد جمع طُلَيحة الأسدي وأخوه سلمة ابنا خويلد عددًا كبيرًا من بني أسد؛ ليقصدوا حرب النبي صلى الله عليه وسلم؛ رجاءَ أن ينالوا عند زعماء مكة منالًا، وقد ظنوا أن المدينة أصبحت قريبة منهم، وسهلة عليهم، وممن على شاكلتهم، بعد أن أشاعت قريش خبر هزيمة مزعومة؛ فعلِم النبي صلى الله عليه وسلم بما اتفقوا عليه، وما أرادوا، وما كان ليتركهم حتى ينفذوا ما يريدون، وإن كان فوق طاقتهم، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم لهم أبا سلمة في المحرم من السنة الرابعة للهجرة في خمسين ومائة من المهاجرين والأنصار، سار أبو سلمة، حتى وصل إلى قطن؛ وهو ماء لبني أسد، ويظهر أنهم مع ما كانوا قد أزمعوه من حرب النبي صلى الله عليه وسلم، فُوجئوا، فأذهلتهم المفاجأة؛ فتفرَّقوا مذعورين، وتركوا نعمًا كثيرة لهم من الإبل والغنم، غنِمها أبو سلمة[10].

السبب الرئيس لمقتل الصحابة بسَرِيَّة الرَّجيع:

هذيل لم تنسَ مقتل زعيمها؛ فذهبت لقبيلة الهون بن خزيمة بن مدركة، وألَّبت قبائل عَضَل والقارَّة - وهما قبيلتان من قبائل الهون بن خزيمة - على الغدر بالمسلمين، فانطلق وفد من عَضَل والقارَّة للمدينة، لتقع بسببهما فاجعة الرجيع.

 

فتذكر كتب التاريخ والسير[11]: دخلت السنة الرابعة من الهجرة، فكان فيها غزوة الرجيع في صفر.

 

سبب إرسال النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته بسرية الرجيع:

ولسرية الرجيع[12] روايتان تختلفان في سبب إرسال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة بتلك السرية، وعددهم، واسم أميرهم، لكنهما يتفقان في خيانة وغدر الكافرين بهم، وقتلهم لهم جميعًا؛ فالرواية الأولى كانت لمحمد بن إسحاق، والثانية للإمام البخاري عن أبي هريرة، وأصحهما رواية البخاري.

 

ففي الرواية الأولى لمحمد بن إسحاق[13] نجد ما يلي:

أولًا: سبب إرسال النبي صلى الله عليه وسلم لسرية الرجيع أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أُحُد في السنة الرابعة من الهجرة في صفر رهطٌ من عَضَل والقارَّة؛ فقالوا له: ((يا رسول الله، إن فينا إسلامًا وخيرًا، فابعث معنا نفرًا من أصحابك يفقِّهوننا في الدين، ويُقرِئوننا القرآن، ويعلموننا شرائع الاسلام؛ فبعث النبي صلى الله عليه وسلم معهم عددًا من أصحابه)).

 

ثانيًا: عدد من أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم ستة من أصحابه؛ حيث ذكر موسى بن عقبة أنهم ستة مع تسميتهم؛ وهم:

١- مرثد بن أبي مرثد الغنوي.

٢- وخالد بن البكير.

٣- وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح.

٤ -وخبيب بن عدي.

٥- وزيد بن الدَّثِنَة.

٦- وعبدالله بن طارق.

 

ثالثًا: أمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم مرثد بن أبي مرثد الغنوي.

 

رابعًا: خرج الصحابة مع قوم عَضَل، والقارَّة؛ قال ابن هشام: "عَضَل والقارَّة، من الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وقال أيضًا: يُقال: الهون، بضم الهاء"[14].

 

وقال ابن دريد: "القارَّة أَكَمَة سوداء فيها حجارة، كأنهم نزلوا عندها فسُمُّوا بها.

 

وقيل: عضل: قبيلة مضرية عدنانية، ينتهي نسبها إلى عَضَل بن الديش، كان موطنها شرق مكة المكرمة، والقارَّة: قبيلة مجاورة لعضل.

 

قبيلة عَضَل هي قبيلة خندفية مضرية عدنانية من القارَّة، من بني الهون بن خزيمة، ينتهي نسبها إلى:
عَضَل بن الديش بن محلم بن غالب بن عائذة بن يثيع بن مليح بن الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

 

قبيلة عَضَل اليوم داخلة بالحلف ضمن بني شعبة من قبيلة بني كنانة، فالهون جد قبيلة عَضَل أخو كنانة[15].

 

وقد جاء الوفد يطلبون مَن يُعلِّم قومهم شرائع الإسلام، والتفقه في الدين، وتلاوة القرآن، حتى إذا وصلوا إلى الرجيع؛ والرجيع اسم لماء بين مكة، وعُسْفَان، وهو أقرب إلى عُسْفَان؛ وهي قرية على مسافة ثمانين ميلًا (128 كم تقريبًا) من مكة شمالًا على طريق المدينة - غدروا بهم، فاستصرخت عضل والقارَّة؛ أي: نادَوا على حي من هذيل يُقال لهم: بنو لِحْيان؛ وبنو لحيان بكسر اللام، وقيل بفتحها، ولحيان هو ابن هذيل نفسه، وهذيل هو بن مدركة بن إلياس بن مضر، وزعم الهمداني النسَّابة أن أصل بني لحيان من بقايا جُرْهُم، دخلوا في هذيل، فنُسبوا إليهم.

 

قال الواقدي: "إن سبب خروج بني لحيان عليهم قتلُ خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي، وكان قتل خالد بن سفيان هذا على يد عبدالله بن أنيس كما ذكرنا آنفًا، وذكر أبو داود قصته بإسناد حسن"[16].

 

فقد أرادت بعض قبائل العرب كهذيل أن تثأر من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ وذلك انتقامًا لمقتل فارسهم القوي "خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي" على يد "عبدالله بن أنيس"[17]، فقرروا أن يكيدوا لهم ويخادعوهم، وكان ذلك بأن أرسلت قبيلة هذيل قبيلتي عَضَل والقارَّة إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأخبروه كذبًا أن بين قومهم بوادرَ دخول في الإسلام، إلا أنهم يحتاجون مَن يعلمهم أمور الدين وقراءة القرآن.

 

لماذا اختارت هذيل قبيلتي عَضَل والقارَّة؟


وقد اختارت هذيل قبيلتي عضل والقارَّة؛ لأنهما من القبائل المتحالفة مع المسلمين؛ ولذلك فلن يشك الرسول صلى الله عليه وسلم في أنهما يُضْمِران له الغدر.

 

فأخبرت عضل والقارَّة بني لحيان بوصولهم؛ فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رامٍ، فاقتصوا آثارهم بمكان كان الصحابة قد نزلوا به؛ حيث كان الصحابة يسيرون بالليل، ويكمُنون بالنهار، ويتغذون على التمر، حتى وجدوا مأكلهم التمر؛ فقالوا: "تمر يثرب"؛ فاتبعوا آثارهم حتى وصلوا إليهم، فصعد الصحابة إلى الفَدْفَدِ، وهو أعلى الجبل؛ ليتحصنوا به، ثم أمسك الصحابة أسيافهم بأيديهم؛ ليذودوا عن أنفسهم، فأحاطهم المشركون بسهامهم وقِسِيِّهم، قائلين لهم بكذب من القول، وغدر بإضمار نية، وخيانة مضمرة: "إنا والله ما نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئًا من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه ألَّا نقتلكم"[18].

 

وقد صدق المشركون بشطر قولهم: "ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئًا من أهل مكة"؛ حيث أصابوا باثنين من الصحابة أسِيرَين لهما كانا بمكة؛ كما قال ابن هشام: "باعوهما بأسيرين من هذيل كانا بمكة"، وقيل باعوهما بثمن بمكة[19]؛ وبذلك أصابت هذيل ربحًا سواء بالبيع أو الاستبدال للصحابيين الجليلين: خُبيب بن عدي، وزيد بن الدَّثِنَة، فقدِموا بهما مكة، فباعوهما، فابتاع خبيبًا – أي: اشتراه - حجير بن أبي إهاب التميمي حليف بني نوفل، ثم باع حجير خبيبًا لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل، وكان حجير أخا القتيل - الحارث بن عامر - لأمه؛ ليقتل عقبة خبيبًا بأبيه الحارث، فقد سمع عمرو بن دينار جابر بن عبدالله، يقول: "الذي قتل خبيبًا هو أبو سِرْوَعة"؛ وأبو سروعة بكسر السين المهملة، وسكون الراء، وفتح الواو، والعين المهملة: كنية عقبة بن الحارث[20].

 

وفي رواية بريدة بن سفيان بأنهم اشترَوا خبيبًا بأَمَةٍ سوداءَ، وقال ابن هشام: "باعوهما بأسيرين من هذيل كانا بمكة"، ولا منافاة بينهما لإمكان الجمع باستبدالهم بهما جميعًا[21].

 

وأما زيد بن الدَّثِنَة، فابتاعه – أي: اشتراه - صفوان بن أمية؛ ليقتله بأبيه أميةَ بن خلف، وقال ابن سعد: "الذي تولى قتله نسطاس مولى صفوان بن أمية".

 

خامسًا: ثلاثة من الصحب الكرام ما وثِقوا بعهد الكافرين، ولا أمِنوا بوعد المشركين؛ وهم مرثد، وخالد بن البكير، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، فقالوا: "والله لا نقبل من مشرك عهدًا ولا عقدًا أبدًا"، وأنشد عاصم بن ثابت قائلًا:

ما علتي وأنا جَلْدٌ نابلُ
والقوس فيها وَتَرٌ عُنابلُ
تزلُّ عن صفحتها المعابلُ
الموت حق والحياة باطلُ
وكل ما حمَّ الإله نازلُ
بالمرء والمرء إليه آيلُ

 

وقال عاصم: "أما أنا، فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر"، ثم يدعو الله تعالى في تلك اللحظة الفارقة، وبموطن لا يراه فيه ولا يسمعه أحدٌ إلا الله الواحد الأحد، الفرد الصمد؛ بقوله: "اللهم أخبر عنا نبيك"، وقيل: "اللهم أخبر عنا رسولك"، وفي رواية الطيالسي عن إبراهيم بن سعد: "فاستجاب الله لعاصم، فأخبر رسوله خبرَه، فأخبر أصحابه بذلك يومَ أُصيبوا".

 

فلم يَضَع هؤلاء الثلاثة أسيافهم، ولم يثِقوا بعهدهم، ولم يصدقوا كلامهم، ولم يأمنوا بوعدهم، ولم ينزلوا لقولهم؛ فناجزوهم بالسيوف فقاتلوهم، حتى قُتلوا جميعًا؛ حيث رماهم بنو لحيان بالنَّبل حتى استُشهد الثلاثة[22].

 

فبنو لحيان خانوا عهدهم في تأمين الصحابة الستة على دمائهم، وعدم قتلهم بإزهاق أرواحهم؛ حيث لم تفِ بوعدها إياهم، فقتلوا أربعةً منهم، ومن بقِيَ دون قتل؛ وهما: خبيب بن عدي، وزيد بن الدَّثِنَة، باعوهما بمكة لمن قام بقتلهما أيضًا، ألا لعنة الله على الظالمين[23].

 

وبالعودة للماضي القريب الذي ليس ببعيد، فبعد هزيمة المشركين يوم بدر أمر النبي صلى الله عليه وسلم عاصمَ بن ثابت رضي الله عنه بقتل رأس الكفر عقبة بن أبي مُعَيْط الأموي، فقطع عنقه، ويوم أُحُدٍ خرج عاصم ملبيًا للجهاد فشارك في المعركة، وقتل اثنين من حاملي راية المشركين؛ وهما: مسافع بن طلحة بن أبي طلحة، وأخوه كلاب، وقيل الحارث، فكلما رُميَ أحدهم بسهم أتى أمَّه سلافة بنت سعد بن الشهيد الأوسية، وهي من قبيلة عاصم بن ثابت، من بني عمرو بن عوف، فتقول لابنها: من رماك؟ فيقول: "سمعت رجلًا حين رماني يقول: خذها وأنا ابن الأقلح"، فعرفته؛ فنذرت إن أمكنها الله تعالى من رأس عاصم لتشربنَّ فيه الخمر، وأعلنت بين العرب أن من جاء برأسه له مائة ناقة[24].

 

جعل عاصم بن ثابت يقاتلهم، ويرتجز، ورمى حتى فَنِيَت نبله، ثم طاعنهم حتى انكسر رمحه، وبقِيَ السيف؛ فقال: "اللهم إني حميتُ دينك أول النهار، فاحمِ لي لحمي آخره".

 

علمت هذيل بمقتل عاصم بن ثابت، وعلمت أن هناك جائزة مالية مقدارها مائة ناقة لمن أتى برأسه لسلافة بنت سعد بن الشهيد - رضي الله عنها؛ لأنها أسلمت يوم الفتح، وهي أم الصحابي الجليل عثمان بن طلحة بن أبي طلحة حامل مفتاح الكعبة - فجثته ما زالت في مكانها، فرجعوا؛ ليقطعوا رأسه، ويبيعوه لسلافة، ولكن الله يحمي أولياءه الصالحين، ويستجيب لهم، فلم يمكِّنهم منه، فقد أرسل جندًا من جنوده تحمي جثته؛ وهو الدَّبْر - ذكور النحل - فجعلت تحوم حول جثته، ولا يستطيعون إليها سبيلًا، فاتفقوا على أن يأتوا إليه مساءً، ولا يعلمون أنه محميٌّ من الله عز وجل، فحين رجعوا من الليل وجدوا أن سيلًا عظيمًا قد نزل، وحمل الجثة، ولا يعلمون أين هي، فرجعوا خائبين؛ فلذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين بلغه أن الدبر منعته: "حفظ اللهُ العبدَ المؤمنَ"؛ فلذلك لُقِّبَ بحَمِيِّ الدَّبْرِ.

 

ففي الحديث الصحيح في البخاري، عن أنس قال: ((افتخر الحيَّان من الأنصار: الأوس، والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة؛ حنظلة الراهب رضي الله عنه، ومنا من اهتز له عرش الرحمن؛ سعد بن معاذ رضي الله عنه، ومنا من حَمَتْهُ الدَّبْرُ؛ عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح رضي الله عنه، ومنا من أُجيزت شهادته بشهادة رجلين؛ خزيمة بن ثابت رضي الله عنه، وقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمعه غيرهم: زيد بن ثابت، وأبو زيد، وأُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم)).

 

سادسًا: وأما زيد بن الدَّثِنَة، وخبيب بن عدي، وعبدالله بن طارق، فلانوا، ورقُّوا، ورغِبوا في الحياة، فنزلوا إليهم بالعهد والميثاق، فأعطوا بأيديهم، فلما استمكنوا منهم، أسروهم، ثم أطلقوا أوتار قِسِيِّهم، فأوثقوهم بها، فقال الرجل الثالث وهو عبدالله بن طارق: "هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم؛ إن لي في هؤلاء لأسوةً؛ يريد القتلى"؛ أي: إن أول القصيدة قدح لا مدح، وهجاء لا ثناء، فبداية العهد غدرٌ بربط أيديهم بأوتار قسيهم، ثم خرجوا بهم إلى مكة؛ ليبيعوهم بها، حتى إذا كانوا بالظهران، رفض السير معهم فجرَّروه، وعالجوه على أن يصحبهم، فانتزع عبدالله بن طارق يده من القِران؛ أي الرباط، ثم أخذ سيفه، واستأخر عنه القوم، فرمَوه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره بالظهران.

 

وأما خبيب بن عدي وزيد بن الدَّثِنَة، فقدموا بهما مكة، فاستبدلوا بهما أسيرين لهذيل كانا بمكة، وقيل باعوهما؛ حيث اشترى حجير بن أبي إهاب التميمي حليف بني نوفل - خُبيبًا، ثم ظل عنده فترة أسيرًا، ببيت مارية مولاة حجير بن أبي إهاب الذي اشترى خبيبًا أولًا.

 

وفي رواية بريدة بن سفيان: "فأساؤوا إليه في إسَارِهِ، فقال لهم: ما تصنع القوم الكرام هذا بأسيرهم؟ قال: فأحسنوا إليه بعد ذلك، وجعلوه عند امرأة تحرسه".

 

وروى ابن سعد من طريق موهب مولى آل نوفل، قال: "قال لي خبيب وكانوا جعلوه عندي: يا موهب، أطلب إليك ثلاثًا؛ أن تسقِيَني العَذْبَ، وأن تجنِّبني ما ذُبح على النُّصُب، وأن تُعْلِمني إذا أرادوا قتلي"[25]؛ فالصحابي يطلب أن يأتوا له بطعام حلال، لا أن يأتوا له بشيء ذُبح على النصب؛ والنصب هي الأصنام؛ قال الله تعالى في المأكولات المحرمة: ﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ﴾ [المائدة: 3]؛ فهو من المحرمات.

 

ثم قدَّم حجير خُبيبًا لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل، وكان حجير أخا القتيل - الحارث بن عامر – لأمه؛ ليقتل عقبة خبيبًا بأبيه الحارث، فمن اشترى خبيبًا ساقه إلى عقبة بن الحارث، فبقي أسيرًا عنده، حتى انقضت الأشهر الحرم، وفي فترة الأسر حصلت كرامات من الله عز وجل لعبده الصالح خبيبٍ؛ فتقول إحدى بنات الحارث بن عامر، وهي زينب بنت الحارث، زوجة عقبة، وقيل: أخته، وفي روايات أخرى قالت مارية مولاة حجير بن أبي إهاب، وحاضنة لأبي الحسين بن الحارث بن عامر، وكان طفلًا حينئذٍ: "حُبس خبيب في بيتي، ولقد اطلعت عليه، وإن في يده لَقُطْفًا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه".

 

احتمل أن يكون كل من مارية وزينب رأت القطف في يده يأكله، وأن التي حُبس في بيتها مارية، والتي كانت تحرسه زينب؛ جمعًا بين الروايتين، ويحتمل أن يكون الحارث أبًا لمارية من الرضاع.

 

وقد قالتا (زينب ومارية): "والله ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل قطفًا من عنب في يده، وإنه لَمُوثَق بالحديد، وما بمكةَ من ثمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبًا".

 

عندما حان موعد القتل كان خبيب قد قال للمرأة التي تحرسه أيًّا كانت، سواء أكانت زينب بنت الحارث، أو ماريةَ، أو موهبَ، أو جويريةَ؛ حيث وقع عند ابن بطال أن اسم المرأة جويرية، فيحتمل أن يكون لما رأى قول ابن إسحاق من كونها مولاة حجير بن أبي إهاب، أطلق عليها جويرية؛ لكونها أمةً، أو يكون وقع له رواية فيها أن اسمها جويرية، ولعلها زينب؛ فقد أخبر عبيدالله بن عياض أن بنت الحارث؛ وهي زينب بنت الحارث - لقد قال خبيبٌ للمرأة أن تُشْعِرَه إذا اتفقوا على قتله، فلما أخبرته أنهم قد اجتمعوا، استعار منها مُوسى يستحِدُّ بها، فأعارته[26]؛ والاستحداد: حلق العانة، وسُمِّيَ استحدادًا لاستعمال الحديدة؛ وهي الْمُوسَى[27].

 

عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من الفطرة: حلق العانة، وتقليم الأظفار، وقص الشارب))، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عشرٌ من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء، قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة))[28].

 

فأعارته الموسَى، وكان لها طفلًا فغفلت عنه، فنزل الطفل عند خبيب، وبيده السكين، فأخذه خبيب رضي الله عنه، وأجلسه على رجله، فالتفتت المرأة، فوجدت الطفل على رجل خبيب، والسكين بيده، فتقول: "ففزعت فزعةً عرفها خبيب"، فقال: "أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك"، أي دين هذا؟ وأي إيمان؟ وأي شجاعة؟ الرجل مقتول صبيحة الغد، والسكين بيده، والأخذ بالثأر بين يديه؛ إنها تربية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم معلم البشرية، فالمؤمن ليس من شيمته الغدر، حتى وهو في أحْلَكِ الظروف، وقد تجلى هذا الموقف في نفس المرأة، فحين أسلمت قالت: "والله ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب".

 

وفي رواية: حين رأى المرأة عليها معالم الخوف على ولدها، قال لها: "ما كان يؤمنك أن أذبحه بهذا الموسى، وأنتم تريدون قتلي غدًا؟ فقالت له: إني أمنتك بأمان الله، فخلَّى سبيله، فقال: ما كنت لأفعل"؛ أي: أقتله.

 

وفي صبيحة اليوم التالي خرج به القوم الذين اشتركوا في شرائه، وخرج معهم أهل مكة؛ شيوخهم، ونساؤهم، وصبيانهم، وعبيدهم، وخرجوا معهم بخشبة، حتى إذا كانوا خارج الحرم بالتنعيم، نصبوا تلك الخشبة، فصلبوه عليها، فقال لهم خبيب وهو موثوق بالحبال: "دعوني أصلي ركعتين"، فتركوه، فركع ركعتين خفيفتين، ثم انصرف، فقال: "والله لولا أن تحسبوا أن بي جزعًا لزدتُ"، فكان خبيب رضي الله عنه أول من سنَّ هذه الصلاة قبل القتل؛ فيقول أبو هريرة رضي الله عنه: "كان خبيب هو سنَّ لكل مسلم قُتل صبرًا"[29].

 

وحمل المشركون إلى خبيب نبأ مصرع أخيه ورفيقه زيد بن الدَّثِنَة رضي الله عنهما، ظانِّين أنهم بهذا يسحقون أعصابه، ويُذيقونه ضعف الممات، وما كانوا يعلمون أن الله الرحيم قد استضافه، وأنزل عليه سكينته ورحمته، وراحوا يساومونه على إيمانه، ويلوِّحون له بالنجاة إذا ما هو كَفَرَ بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومن قبلُ بربه الذي آمن به، ولعله لأول مرة في تاريخ العرب يصلبون رجلًا، ثم يقتلونه فوق الصليب، ولقد أعدوا من جذوع النخل صليبًا كبيرًا أثبتوا فوقه خبيبًا، وشدُّوا فوق أطرافه وثاقه، واحتشد المشركون في شماتة ظاهرة، ووقف الرماة يشحذون رماحهم، وجرت هذه الوحشية كلها في بطء مقصود أمام البطل المصلوب.

 

لم يغمض عينيه، ولم تبرحِ السَّكِينة العجيبة المضيئة وجهه، وبدأت الرماح تنُوشه، والسيوف تنهش لحمه، وهنا اقترب منه أحد زعماء قريش وقال له: "أتحب أن محمدًا مكانك، وأنت سليم معافًى في أهلك؟"، وهنا لا غير انتفض خبيب كالإعصار، وصاح في قاتليه: "والله ما أُحِبُّ أني في أهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويُصاب رسول الله بشوكة"؛ نفس الكلمات العظيمة التي قالها صاحبه زيدٌ، وهم يهمون بقتله، نفس الكلمات الباهرة الصادعة التي قالها زيد بالأمس، ويقولها خبيب اليوم؛ ما جعل أبو سفيان – ولم يكن قد أسلم بعد - يضرب كفًّا بكفٍّ، ويقول مستغربًا: "والله ما رأيت أحدًا يحب أحدًا، كما يحب أصحاب محمدٍ محمدًا"[30].

 

أخذ المشركون يمثِّلون بخبيب وهو حيٌّ، ويقطعون لحمه قطعة قطعة، وهو صابر محتسب، فقد وكل أمره لله، فمن شدة إيمانه بالله، لم يشعر بالعذاب؛ فأخذ يُنشد ويقول:

لقد جمع الأحزاب حولي وألَّبوا
قبائلهم واستجمعوا كل مجمعِ
وكلهم مبدي العداوة جاهد
عليَّ لأني في وثاقي بمَضْيَعِ
وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم
وقُرِّبت من جذع طويل ممنَّعِ
إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي
وما أرصَدَ الأحزاب لي عند مصرعي
فذا العرش صبِّرني على ما يُراد بي
فقد بضَعوا لحمي وقد ياس مطمعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يُبارِك على أوصال شِلْوٍ ممزَّعِ
وقد خيَّروني الكفر والموت دونه
وقد هَمَلَتْ عيناي من غير مَجْزَعِ
وما بي حذار الموت إني لَميتٌ
ولكن حذاري جُحْمُ نارٍ ملفَّعِ
فلست أبالي حين أقتل مسلمًا
على أيِّ جنب كان في الله مصرعي
ولستُ بمبدٍ للعدو تخشعًا
ولا جزعًا إني إلى الله مرجعي

 

فعند ذلك تحرك خبيب رضي الله عنه على الخشبة، فانقلب وجهه عن القبلة؛ أي الكعبة؛ فقال: "اللهم إن كان لي عندك خيرٌ فحوِّل وجهي نحو قبلتك"، فحوَّل الله وجهه نحوها، فقال: "الحمد لله الذي جعل وجهي نحو قبلته التي رضِيَ الله لنفسه، ولنبيه، وللمؤمنين"، ثم رفع يديه، وهو تحت التعذيب، وأخذ يدعو على الكفار؛ فقال كلماته الخالدة: "اللهم أحْصِهم عددًا، واقتلهم بَددًا، ولا تُبْقِ منهم أحدًا"، هذه الكلمات ترددت في آذان قريش، فقد كانوا يعلمون معانيها، ومعنى من قالها، وهو مظلوم؛ فيقول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: "حضرته يومئذٍ فيمن حضره مع أبي سفيان، فلقد رأيتُه يلقيني على الأرض؛ فَرَقًا من دعوة خبيب، وكانوا يقولون: إن الرجل إذا دُعِيَ عليه، فاضطجع لجنبه، زالت عنه".

 

إن والي حمص سعيد بن عامر الجمحي رضي الله عنه أيام أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كان ممن حضر مصرع خبيب، ودعوته في الجاهلية؛ يقول سعيد بن عامر: "فوالله ما خطرت على قلبي دعوة خبيب وأنا في مجلس قط إلا غُشِيَ عليَّ".

 

وقد أنشد حسان بن ثابت رضي الله عنه رثاءً في خبيب بن عدي رضي الله عنه، عندما قُتل صبرًا بمكة:

 

ما بال عينك لا ترقا مدامعها
شحًّا على الصدر مثل اللؤلؤ الفلقِ

على خبيبٍ وفي الرحمن مصرعُهُ
لا فشل حين تلقاه ولا نزِقِ

فاذهب خبيبُ جزاك الله طيبة
وجنةَ الخلد عند الحور في الرفقِ

ماذا تقولون إن قال النبي لكم
حين الملائكة الأبرار في الأفقِ

فيم قتلتم شهيدُ الله في رجل
طاغٍ قد أوعث في البُلدان والطرقِ

 

من قتل خبيبًا؟

وقد اختُلف فيمن قتل خبيبًا، فقيل: أبو سِرْوَعَة عقبة بن الحارث بن عامر؛ قتله بأبيه، وكان صغيرًا؛ فعنه قال: "ما أنا قتلت خبيبًا؛ لأني كنت أصغر من ذلك، ولكن أبا ميسرة العبدري أخذ الحربة، فجعلها في يدي، ثم أخذ بيدي، وبالحربة، ثم طعنه بها، حتى قتله".

 

وقيل: إن المشركين دعَوا أربعين ولدًا ممن قُتل آباؤهم يوم بدر، فأعطَوا كل واحد رمحًا، وقالوا: هذا الذي قتل آباءكم، فطعنوه بتلك الرماح حتى قتلوه.

 

وأما زيد بن الدَّثِنَة، فاشتراه صفوان بن أمية؛ ليقتله بأبيه أمية بن خلف؛ قال ابن إسحاق: "وأما زيد بن الدَّثِنَة، فابتاعه - أي اشتراه - صفوان بن أمية؛ ليقتله بأبيه أمية بن خلف، وبعث به صفوان بن أمية مع مولًى له، يُقال له نسطاس إلى التنعيم، وأخرجوه من الحرم ليقتلوه، واجتمع رهط من قريش، فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان حين قُدِّم ليُقتل: أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمدًا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه، وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وأني جالس في أهلي، قال: يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا كحبِّ أصحاب محمدٍ محمدًا، ثم قتله نسطاس"[31].

 

الرواية الثانية للبخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ وهي أصح الروايتين[32].

 

أولًا: ذكر البخاري أن سرِية الرجيع وبئر معونة شيء واحد، وليس كذلك؛ لأن سرية الرجيع كانت سرية عاصم وخبيب في عشر أنْفُس، وهي مع عضل والقارَّة، وأما بئر معونة، فكانت سرية القرَّاء السبعين، وهي مع رَعْل وذكوان، ولم يقع ذكر عَضَل والقارَّة عند البخاري صريحًا، وإنما وقع ذلك بالتفصيل عند ابن إسحاق[33].

 

ثانيًا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من أصحابه، وليس ستة؛ كما برواية ابن إسحاق.

 

هؤلاء الصحابة العشرة بيان أسمائهم كالآتي:

1- عاصم بن ثابت.

2- مرثد بن أبي مرثد.

٣- خبيب بن عدي.

٤- زيد بن الدَّثِنَة.

٥- عبدالله بن طارق.

٦- خالد بن البكير.

٧- معتب بن عبيد.

٨- معتب بن عوف.

 

حيث لم تذكر كتب السيرة إلا هؤلاء الثمانية فقط، والباقي كانوا تبعًا لهم، فلم يحصل الاعتناء بتسميتهم.

 

ثالثًا: كان الغاية من إرسال النبي صلى الله عليه وسلم لهم بتلك السرية النص المذكور برواية البخاري؛ بقوله: ((بعثهم سريةً عينًا))؛ أي لاستطلاع واستكشاف أخبار أهل قريش بمكة للنبي صلى الله عليه وسلم.

 

رابعًا: أمَّر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري، جَدَّ عاصم بن عمر بن الخطاب، وقيل: خال عاصم لا جده، وليس مرثد بن أبي مرثد الغنوي، كما برواية ابن إسحاق.

 

خامسًا: انطلق الصحابة، حتى إذا كانوا بالهَدَأَة، وهو موضع بين عُسْفَان ومكة، وهي على سبعة أميال من عُسْفَان، ذكروا لحي من هذيل، يُقال لهم: بنو لحيان؛ أي: أخبرت عَضَل والقارَّة حيًّا من هذيل - وهم بنو لحيان - بقدوم الصحابة، فنفروا لهم قريبًا من مائتي رجل، كلهم رامٍ، أو مائة منهم رامٍ، ومائة غير رامٍ، خلافًا للعدد المذكور برواية ابن إسحاق؛ حيث قال: مائة رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرًا تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فاقتصوا آثارهم، وقيل: إن راعية غنمٍ من هذيل قد كشفت أمر الصحابة؛ ففي رواية أبي معشر في مغازيه: "فنزلوا بالرجيع سَحَرًا، فأكلوا تمر عجوة، فسقطت نواة بالأرض، وكانوا يسيرون الليل، ويكمنون النهار، فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنمًا، فرأت النواة، فأنكرت صغرها، فقالت: هذا تمر يثرب، فصاحت في قومها أتيتم، فجاؤوا في طلبهم فوجدوهم قد كمنوا في الجبل، قوله: حتى لحقوهم في رواية ابن سعد، فلم يَرُعِ القوم إلا بالرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم".

 

فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فَدْفَدٍ، وهو أعلى الجبل، وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا، وأعطونا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق، ولا نقتل منكم أحدًا؛ قال عاصم بن ثابت أمير السرية: "أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك"، فرمَوهم بالنَّبل، فقتلوا عاصمًا في سبعة، وليس في ثلاثة كما ذكرت رواية ابن إسحاق، وباقي القصة كما ذكرت الروايتين معًا.

 

حقيقة مؤلمة، وحادثة محزِنة، وواقعة مفجِعة، فقد تكاثرت الابتلاءات بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في تلك الفترة؛ حيث ما برح النبي صلى الله عليه وسلم التسليم بقضاء الله في استشهاد سبعين من الصحابة بغزوة أحد، في شوال من السنة الثالثة للهجرة، إلا ويقرع وقع آذانه فاجعة أخرى بعد أربعة أشهر من مقتل الصحابة بتلك الغزوة؛ ففي شهر صفر من السنة الرابعة للهجرة استشهد عشرة من خيرة صحابته بسرية الرجيع على يد قبيلة من هذيل تسمى بني لحيان، بالتواطؤ مع قبيلتي عضل والقارَّة، ثم تتوالى النوازل الجِسام، ويقع على عاتق النبي صلى الله عليه وسلم أشد الإيلام، بفاجعة ثالثة أكثر إيلامًا، وأشد حزنًا، وأكبر عددًا، بينها وبين الحادثة السابقة لها أيام معدودة، ففي نفس شهر صفر من السنة الرابعة للهجرة استشهد سبعون آخرون من أكارم الصحابة وخيرهم، من حافظي كتاب الله تعالى، ممن يحتطبون بالنهار، ويقومون بالليل عند بئر معونة، على يد عامر بن الطفيل، فاستصرخ عليهم قبائلَ من بني سُلَيم: عصية، ورعلًا، وذكوان، فأجابوه بمقتل سبعين راكبًا[34]؛ فكأن أبا الطيب المتنبي يصف تكاثر المحن بالمسلمين في تلك الفترة، وإن جاء بعدها بثلاثمائة عام بقوله:

رماني الدهر بالأرْزاء حتى
فؤادي في غشاء من نبالِ
فصرتُ إذا أصابتني سهامٌ
تكسَّرت النِّصال على النصالِ

 

حيث قدم عامر بن مالك أبو براء المدعوُّ بملاعب الأسِنة، عم عامر بن الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، فدعاه إلى الإسلام، فلم يُسلِم، ولم يبعد؛ فقال: ‏((يا رسول الله، لو بعثت أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى دينك، لرجوتُ أن يجيبوهم، فقال‏ صلى الله عليه وسلم:‏ ‏إني أخاف عليهم أهل نجد‏، فقال أبو براء:‏ أنا جار لهم))، فبعث معه أربعين رجلًا، في قول ابن إسحاق، وفي الصحيح أنهم كانوا سبعين، والذي في الصحيح هو الصحيح، وأمَّر عليهم المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة الملقب بالمعنق؛ ليموت، وكانوا من خيار المسلمين، وفضلائهم، وساداتهم، وقرَّائهم، فساروا يحتطبون بالنهار، يشترون به الطعام لأهل الصُّفة، ويتدارسون القرآن، ويصلون بالليل، حتى نزلوا بئر معونة - وهي أرض بين بني عامر، وحَرَّة بني سُليم - فنزلوا هناك، ثم بعثوا حرام بن ملحان أخا أم سليم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدوِّ الله عامر بن الطفيل، فلم ينظر فيه، وأمر رجلًا فطعنه بالحربة من خلفه، فلما أنفذها فيه، ورأى الدم، قال حرام:‏ "الله أكبر، فزتُ وربِّ الكعبة‏".‏

 

ثم استنفر عدوُّ الله لفوره بني عامر إلى قتال الباقين، فلم يجيبوه لأجل جوار أبي براء، فاستنفر بني سُليم، فأجابته عصية ورعل وذكوان، فجاؤوا، حتى أحاطوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاتلوا حتى قُتِلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد بن النجار، فإنه ارتثَّ من بين القتلى، فعاش، حتى قُتِل يوم الخندق‏[35].

 

يا ألله! بالشهر نفسه، والعام ذاته، وبأيام متقاربة، وبالحجة نفسها، والسبب ذاته، وبنصٍّ من عبارة واحدة تم الاتفاق عليها بقولهم: "يا نبي الله، أرسِل لنا بعضًا من صحابتك يعلمونا الدين، ويُقرِئونا القرآن"، وكأنه استدراج للصحابة؛ لمقتلهم؛ فتقارب الوقت، واتحاد السبب، وتوحد النص، واتفاق الغاية والنتيجة - جعل البخاريَّ يؤرِّخ لسرية الرجيع، وبئر معونة على أنهما حدث واحد، لكنه غير ذلك[36].

 

ويكأن المشركين اتفقوا معًا سرًّا وبليلٍ قاتم معتم على استئصال شوكة المسلمين عن بكرة أبيهم؛ فهم يريدون حجب ضياء الشمس بأكفِّهم، وإطفاء النور بأفواههم، لكن أنَّى لهم؛ فالله غالب على أمره، وهو سبحانه متم نوره، ولو كره الكافرون؛ قال تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8].

 

قال أمية بن المقري:

لا تجزعنَّ لخطب ما به حيلٌ
تغني وإلا فلا تعجز عن الحيلِ
لا شيء أولى بصبر المرء في قدرٍ
لا بد منه وخطب غير منتقلِ
لا تجزعن على ما فات حيث مضى
ولا على فوتِ أمرٍ حيث لم تنلِ
فليس تغني الفتى في الأمر عدته
إذا تقضَّت عليه مدة الأجلِ

 

وقد تألم النبي صلى الله عليه وسلم لأجل هذه المآسي تألمًا شديدًا، وتغلَّب عليه الحزن والقلق، حتى دعا على هؤلاء القوم والقبائل التي قامت بالغدر والفتك بأصحابه؛ ففي الصحيح عن أنس قال: ((دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحابه ببئر معونة ثلاثين صباحًا، يدعو في صلاة الفجر على رعل، وذكوان، ولحيان، وعصية، ويقول: عصية عصت الله ورسوله))[37].

 

صبر النبي صلى الله عليه وسلم على كل هذا الابتلاء، وجميع هذا البلاء بعزيمة راسخة، ويقين ثابت بنصر الله تعالى له؛ فوفَّاه الله تعالى أجره بغير حساب، وأعقب لهم العسر يسرًا، فقد انقشع الظلام بالنور، والعَتَمَةُ بالضياء، والضيق بالاتساع؛ قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، وعن صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبت لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير؛ إن أصابه ما يحب، حمِد الله وكان له خيرٌ، وإن أصابه ما يكره، فصبر، كان له خير، وليس كل أحد أمره كله خير إلا المؤمن))[38].

 

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "ومن يتصبَّر يصبِّره الله، وما أُعطِيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر"[39].

 

قال ابن القلانسي:

يا نفسُ لا تجزعي من شدةٍ عظُمت
وأيقني من إله الخلق بالفرجِ
كم شدة عَرَضَتْ ثم انجلت ومضت
من بعد تأثيرها في المال والْمُهَجِ

 

ومع كل هذا الصبر الجم، وذاك التحمل لبلاء أعم، لم ينسَ النبي صلى الله عليه وسلم صحابته المقتولين غدرًا وغبنًا وظلمًا، حتى وإن طال الزمن، فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى مكة مع رجل من الأنصار، وأمرهما بقتل أبي سفيان بن حرب؛ انتقامًا لمقتل خبيب بن عدي، وزيد بن الدَّثِنَة بمكة، حتى أتيا البيت فطافا به، وصليا، ثم خرجا، فمرَّا بمجلس لأهل مكة، فعرف عمرو بن أمية بعضُهم، فصرخوا بأعلى صوتهم: هذا عمرو بن أمية، فثار أهل مكة إليهما، وقالوا: ما جاء إلا لشرٍّ، فلم يستطيعا قتل أبي سفيان، ثم خرجا إلى التنعيم، فإذا بخشبة خبيب، وحوله حرس، فصعِد عمرو بن أمية خشبته، واحتمله على ظهره، فما مشى به إلا نحو أربعين خطوة، حتى نذروا به، فطرحه على الأرض، فاشتدوا في أثره، فأخذ الطريق فأعيوا ورجعوا، وانطلق صاحبي، فركب البعير، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، وأما خبيب، فلم يُرَ بعد ذلك وكأن الأرض ابتلعته[40].

 

وبعد مُضِيِّ ستة أشهر من غزوة بني قريظة، غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني لحيان في جمادى الأولى، في السنة السادسة للهجرة يطلبهم بأصحاب الرجيع؛ وهم خبيب وأصحابه رضي الله عنهم الذين قُتلوا ببئر معونة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وجَدَ - أي حزِن - وجدًا شديدًا على أصحابه المقتولين بالرجيع، وأراد أن ينتقم من هذيل؛ فأمر أصحابه بالتهيؤ، وأظهر أنه يريد الشام؛ ليدرك من القوم غرة - أي غفلة - واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله عنه، وخرج في مائتي رجل ومعهم عشرون فرسًا، ولما وصل صلى الله عليه وسلم إلى المحل الذي قُتل فيه أهل الرجيع، ترحم عليهم، ودعا لهم بالمغفرة، فسمعت به بنو لحيان، فهربوا إلى رؤوس الجبال، وأرسل السرايا في كل ناحية، فلم يجدوا أحدًا، وأقام على ذلك يومين، فلما رأى صلى الله عليه وسلم أنه فاته ما أراده من غرتهم، قال: ((لو أنا هبطنا عُسْفَان لرأى أهل مكة أنَّا قد جئنا مكة))، فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عُسْفَان، وهذا يدل على أن أصحابه كانوا أكثر من مائتين، وهو يخالف ما تقدم أنه خرج في مائتي رجل، إلا أن يُقال: زادوا على المائتين بعد خروجه، ثم بعث فارسين من أصحابه، حتى بلغا كراع الغميم، ثم كرَّا راجعَين، وفي لفظ آخر: فبعث أبا بكر رضي الله عنه في عشرة فوارس ...؛ القصة، وقد يُقال: لا منافاة بين اللفظين، ثم توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة[41].

 

فنور الله تعالى ساطع بآفاق الكون، وقد انتشر الإسلام بأرجاء الدنيا بعد أن كان المسلمون قلةً مستضعفين، لا يأمن الواحد منهم على نفسه عند قضاء حاجته، فها هو حال الدنيا لا يدوم على حال، وسبحان من له الدوام؛ فدوام الحال على حال ضرب من المحال؛ ولله در القائل:

مفتاح باب الفرج الصبر
وكل عسر بعده يسرُ
والدهر لا يبقى على حالة
وكلُّ أمر بعده أمرُ

 

خلاصة الدروس واستخلاص العبر من التاريخ والسير:

١- أمرُ النبي صلى الله عليه وسلم لازم النفاذ، وطاعته واجبة.

 

٢- النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولو علِمه، لما أرسل صحابته بالرجيع.

 

٣- الله تعالى هو من يُطْلِع النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الغيب كمقتل عاصم بن ثابت.

 

٤- قال الثوري: "أكره للأسير المسلم أن يمكِّن من نفسه إلا مجبورًا"، وعن الأوزاعي: "لا بأس للأسير المسلم أن يأبى أن يمكِّن من نفسه، بل يأخذ بالشدة والإباء من الأسر والأنفة من أن يجري عليه ملك كافرٍ، كما فعل عاصم".

 

٥- في نزول خبيب وصاحبه جوازُ أن يستأسر الرجل؛ قال المهلب: "إذا أراد أن يأخذ بالرخصة في إحياء نفسه، فعل كفعل هؤلاء، وعن الحسن: لا بأس أن يستأسر الرجل إذا خاف أن يُغلَب".

 

٦- لا عهد ولا ميثاق للكافرين ليوم الدين؛ فقد قتلوا الصحابة بعد عهدهم لهم بالأمان.

 

٧- الأخذ بالأسباب، والتزود بالزاد من مأكل ومشرب عند السفر والارتحال.

 

٨- فِراسة العرب بالغة؛ إذ راعية غنمِ هذيل استطاعت الإرشاد عن الصحابة من خلال نواة التمر المتساقطة منهم، بعد أكلهم؛ فنواة تمر المدينة أصغر حجمًا من نواة تمر مكة.

 

٩- مشروعية صلاة الطالب والمطلوب للقتل.

 

١٠- النظافة من الإيمان، وحلق العانة من الفطرة.

 

١١- سن ركعتين لمن يُقتَل في سبيل الله صبرًا.

 

١٢- عدم الاستهانة بأي شيء، وإن كان بسيطًا، وأخذ الحَيطة والحذر من أبسط الأمور؛ فنواة التمر دلَّت عليهم، وكشفت أمرهم، وأخبرت مكانهم.

 

١٣- لا تخُنْ من خانك، والأطفال لا تؤاخَذ بفعل أهلها؛ فلم يذبح خبيبٌ طفلَ زينب بنت الحارث برغم ما فعلوه به.

 

١٤- مشروعية الدعاء على الظالمين والقتلة والخائنين كدعاء خبيب على قاتليه.

 

١٥- خبيب أول من سنَّ ركعتين للمقتول صبرًا.

 

١٦- خبيب أول من صُلِب من المسلمين على جذع نخل بمكة.

 

١٧- خبيب وزيد بن الدَّثِنَة أول من تم بيعهما لأبناء من قتلا آبائهم.

 

١٨- عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح رضي الله عنه لُقِّب بحَمِيِّ الدَّبْرِ.

 

١٩- من صدق مع الله في حياته، يصدق الله تعالى معه، ويحفظه، حتى وإن مات، كما حفظ الله تعالى جسد عاصم من قطع رأسه، وخبيب بأن ابتلعته الأرض.

 

٢٠- أداء الأمانة إلى المشرك وغيره.

 

٢١- الامتداح بالشعر حين ينزل بالمرء هوانٌ في دين، أو ذلة القتل، يُرغم بذلك أنف عدوه، ويحدد في نفسه صبرًا وأنفة.

 

٢٢- كرامة كبيرة لخبيب في أكله من قطف عنب في غير أوانه.

 

٢٣- علامة من علامات نبوته بإجابة دعوة عاصم بأن أخبر الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالخبر، قبل بلوغه على ألسنة المخلوقين.


[1] الكاتب.
[2] الكاتب.
[3] الكاتب.
[4] المحدث: ابن رجب، المصدر: جامع العلوم والحكم، الصفحة أو الرقم: 2/477، خلاصة حكم المحدث: صحيح.
[5] الدرر السنية، الموسوعة الحديثية.
[6] المحدث: شعيب الأرنؤوط، المصدر: تخريج شرح الطحاوية، الصفحة أو الرقم: 693، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح.
[7] ص: 18، كتاب السيرة النبوية، راغب السرجاني، عبدالله بن جحش رضي الله عنه، المكتبة الشاملة.
[8] الكاتب.
[9] السيرة النبوية، أ.د/ راغب السرجاني، تجمع قبائل هذيل لحرب المسلمين.
[10] كتاب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم سَرِيَّة بني أسد.
[11] الكامل في التاريخ لابن الأثير 746، 6163، تاريخ الطبري 1163، 6431، الرحيق المختوم لصفي الدين المباركفوري 260، 446.
[12] الرَّجيع: وهو ماء لهذيل بصدور الهدَّة، والهدة على سبعة أميال منها، والهدة على سبعة أميال من عُسْفَان، وبرواية للبخاري: "حتى إذا كانوا بالهَدَأَة"، بدل قوله: "بين عُسْفَان ومكة"، وعند ابن إسحاق "الهدَّة" بتشديد الدال بغير همز، قال: وهي على تسعة أميال من عُسْفَان. وقال البكري: الرَّجيع، بفتح أوله وبالعين المهملة في آخره: ماء لهذيل لبني لحيان منهم، بين مكة وعُسْفَان بناحية الحجاز، وعُسْفَان قرية جامعة منها إلى كراع الغميم ثمانية أميال، والغميم بالغين المعجمة: وادٍ، والكراع: جبل أسود عن يسار الطريق شبيه بالكراع، ومن كراع الغميم إلى بطن مرٍّ خمسة عشر مِيلًا، ومن مر إلى سرف سبعة أميال، ومن سرف إلى مكة ستة أميال؛ [كتاب عمدة القاري لشرح حديث البخاري].
[13] الرواية الأولى: عن عاصم بن عمر بن قتادة: ((قدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أُحُدٍ نفر من عَضَل والقارَّة، فقالوا: يا رسول الله، إن فينا إسلامًا، فابعث معنا نفرًا من أصحابك يفقهونا في الدين، ويُقرئونا القرآن، ويعلمونا شرائع الإسلام، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرًا من أصحابه؛ ستةً: مرثد بن أبي مرثد الغنوي، حليف حمزة بن عبدالمطلب ... قال: فذكر القصة، قال: وأما مرثد بن أبي مرثد، وخالد بن البكير، وعاصم بن أبي الأقلح، فقالوا: والله لا نقبل عهدًا من مشرك، ولا عقدًا أبدًا، فقاتلوهم حتى قتلوهم ...))؛ [الهيثمي (ت: ٨٠٧)، مجمع الزوائد ٦‏/٢٠٢، رجاله ثقات].
[14] السيرة النبوية لابن هشام، ج: 2، ص: 169.
[15] الموسوعة الشاملة، تاريخ أبي الفداء، ١٦ مايو ٢٠١٥.
[16] كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري؛ بدر الدين العيني، كتاب المغازي، ٢٩، باب غزوة الرجيع.
[17] البداية والنهاية، مقتل خالد بن سفيان الهذلي؛ قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن ابن عبدالله بن أنيس، عن أبيه؛ قال: ((دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد بلغني أن خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني، وهو بعرنة فائتِهِ فاقتله)).
[18] الرواية الأولى المذكورة: رواية محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة.
[19] الكاتب.
[20] روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبدالله أنه سمعه يقول: "الذي قتل خبيبًا أبو سِرْوَعَة عقبةُ بن الحارث بن عامر بن نوفل، وكان القتل بالتنعيم، وأبو سروعة، بكسر السين المهملة، وقيل: بفتحها، وفتح الراء، وقيل: بفتح السين وضم الراء.
[21] كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري؛ بدر الدين العيني، كتاب المغازي: ٢٩، باب غزوة الرجيع.
[22] الكاتب.
[23] الكاتب.
[24] سلسلة من سيرته صلى الله عليه وسلم، ماء الرجيع، عدنان بن سالم الشيداد.
[25] فتح الباري: 7/ 382.
[26] سلسلة من سيرته صلى الله عليه وسلم، ماء الرجيع، عدنان بن سالم الشيداد.
[27] شرح النووي على مسلم (3/148).
[28] رواه البخاري: ١٠٣٦، ٥٨٩٠.
[29] رواه البخاري.
[30] رجال حول الرسول، خالد محمد خالد.
[31] السيرة النبوية لابن هشام، ذكر يوم الرجيع، كتاب صفة الصفوة، ص: 249، زيد بن الدثنة بن معاوية رضي الله عنه، المكتبة الشاملة.
[32] الرواية الثانية: عن أبي هريرة: ((بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرةَ رهط سرِيةً عينًا، وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري، جد عاصم بن عمر بن الخطاب، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهَدَأَة، وهو بين عُسْفَان ومكة، ذكروا لحي من هذيل، يُقال لهم: بنو لِحيان، فنفروا لهم قريبًا من مائتي رجل كلهم رامٍ، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرًا تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فاقتصوا آثارهم، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فَدْفَدٍ وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق، ولا نقتل منكم أحدًا، قال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا، فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرمَوهم بالنَّبل فقتلوا عاصمًا في سبعة، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق، منهم خبيب الأنصاري، وابن دَثِنَة، ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم، أطلقوا أوتار قِسِيِّهم فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم؛ إن لي في هؤلاء لأسوةً - يريد القتلى - فجرَّروه وعالجوه على أن يصحبهم، فأبى، فقتلوه، فانطلقوا بخبيب، وابن دثنة، حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع خبيبًا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبدمناف، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرًا، فأخبرني عبيدالله بن عياض، أن بنت الحارث أخبرته: أنهم حين اجتمعوا استعار منها مُوسى يستحِدُّ بها، فأعارته، فأخذ ابنًا لي وأنا غافلة حين أتاه، قالت: فوجدته مُجْلِسه على فخِذِه والموسى بيده، ففزِعت فزعةً عرَفها خبيب في وجهي، فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، والله ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل من قطف عنب في يده، وإنه لَمُوثَق في الحديد، وما بمكةَ من ثمر، وكانت تقول: إنه لَرزق من الله رزقه خبيبًا، فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحِلِّ، قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، ثم قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جزعٌ لطوَّلتها، اللهم أحصهم عددًا، ما أبالي حين أقتل مسلمًا = على أي شِقٍّ كان لله مصرعي، وذلك في ذات الإله وإن يشأ = يبارك على أوصال شِلْوٍ ممزَّعِ، فقتله ابن الحارث، فكان خبيب هو سنَّ الركعتين لكل امرئ مسلم قُتِلَ صبرًا، فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أُصيب، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم، وما أُصيبوا، وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصمٍ حين حُدِّثوا أنه قُتل؛ ليُؤتوا بشيء منه يُعرَف، وكان قد قتل رجلًا من عظمائهم يوم بدر، فبُعث على عاصم مثل الظُّلَّة من الدَّبْرِ، فحمتْهُ من رسولهم، فلم يقدروا على أن يقطع من لحمه شيئًا ...))؛ [البخاري (ت: ٢٥٦)، صحيح البخاري، ٣٠٤٥، صحيح].
[33] كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري؛ بدر الدين العيني، كتاب المغازي: ٢٩، باب غزوة الرجيع.
[34] الكاتب.
[35] بوابة السيرة النبوية، مأساة بئر معونة، المرجع: الرحيق المختوم، الموضوع: السرايا والبعوث بين أحد والأحزاب.
[36] الكاتب.
[37] الرحيق المختوم للمباركفوري 263، 446.
[38] الراوي: صهيب بن سنان الرومي، المحدث: الألباني، المصدر: السلسلة الصحيحة، الصفحة أو الرقم: 147، إسناده صحيح على شرط مسلم.
[39] الراوي: أبو سعيد الخدري، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 1469، [صحيح].
[40] الكامل في التاريخ، لابن الأثير، 748، 6163.
[41] بوابة السيرة النبوية، غزوة بني لحيان، المرجع: السيرة الحلبية، إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصبر على أقدار الله
  • الصبر على أقدار الله
  • خطبة عن الصبر على أقدار الله
  • علو الهمة بالرضا بأقدار الله تعالى
  • غزوة الرجيع
  • ظاهرة قتل الأزواج والزوجات: أسبابها، والوقاية منها
  • من أقدار الله في التاريخ
  • إن من البيان لسحرا

مختارات من الشبكة

  • السرية التامة في غير حاجة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فوائد وعبر من حادثتي الرجيع وبئر معونة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غزوة الرجيع(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • ماء الرجيع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • موسوعة المتسابقين في السيرة النبوية (10)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سرايا الرسول (صلى الله عليه وسلم)(مقالة - ملفات خاصة)
  • مداعبات في فترة الملكة بعد عقد القران(استشارة - الاستشارات)
  • من سرايا النبي وغزواته(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • الهروب من ازدراء الناس بممارسة العادة السرية(استشارة - الاستشارات)
  • من سرايا الرسول صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب