• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

خاتم النبيين (42) أحداث السنة التاسعة من الهجرة

خاتم النبيين (42) أحداث السنة التاسعة من الهجرة
الشيخ خالد بن علي الجريش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/3/2023 ميلادي - 15/8/1444 هجري

الزيارات: 2633

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خاتم النبيين (42)

أحداث السنة التاسعة من الهجرة


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا المصطفى الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين؛ أما بعد:

فمرحبًا بكم - أيها الكرام - في برنامجكم خاتم النبيين، أيها الأفاضل الكرام، أسلفنا الحديث في الحلقة الماضية عن إقامة النبي عليه الصلاة والسلام في مكة بعد فتحها، وأيضًا عن كسره للأصنام حول الكعبة، وعن بعثه عليه الصلاة والسلام السرايا للأصنام الأخرى في البوادي، وأيضًا كذلك ذكرنا غزو النبي صلى الله عليه وسلم لثقيف في الطائف وهوازن، وأيضًا كيف نصر الله تعالى جنده وأولياءه، ثم ذكرنا إحرام النبي عليه الصلاة والسلام من الجعرانة وعمرته ورجوعه إلى المدينة، إلى غير ذلك مع ختمنا للحلقة في الدروس والعِبر.

 

وفي حلقتنا هذه بإذن الله تعالى نستعرض ما حدث في السنة التاسعة من الهجرة، وهي التي تسمى عام الوفود، فقد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة بعد فتح مكة ما يزيد على ستين وفدًا، وفي العام التاسع بعث النبي صلى الله عليه وسلم عماله على الصدقات، وحذرهم عليه الصلاة والسلام من الغُلُول؛ وهو أخذ شيء منها لنفسه بدون حق؛ ولهذا قال عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من غلَّ بعيرًا أو شاة، أتى به يحمله يوم القيامة))، وفي حديث ابن اللتبية رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته))؛ [متفق عليه]، وأيضًا كذلك في شهر رجب من العام التاسع من الهجرة، حدثت غزوة تبوك؛ وهي غزوة العسرة، وهي آخر غزواته عليه الصلاة والسلام، وكانت في وقت شديد الحر، وفي قحط وضيق شديد في النفقة والظهر، وكان سبب هذه الغزوة أن النبي عليه الصلاة والسلام بلغه أن هرقلَ ملكَ الروم جمع جموعًا كثيرة من القبائل لحرب المسلمين، فلما علم بذلك النبي عليه الصلاة والسلام جهَّز جيشه، وخرج إليهم، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم، وكانت تلك الغزوة حين اشتد الحر وطابت الظلال، وأينعت الثمار، ومع ذلك أسرع المسلمون يتجهزون للخروج فيها، وأخذت القبائل خارج المدينة تتوافد على المدينة للمشاركة في تلك الغزوة، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة في هذه الغزوة، فجاء أبو بكر رضي الله عنه بماله كله، وجاء عمر رضي الله عنه بنصف ماله، وجاء عثمان بن عفان رضي الله عنه بألف دينار، فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينها: ((ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم))، ولما حثهم النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثانية، تصدَّق عثمان بمائة بعير مكمَّلة ومحمَّلة، ثم حثهم، فتصدق بمائة أخرى، ثم حثهم فتصدق بمائة ثالثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما على عثمان ما عمل بعد اليوم))، وتتابع الصحابة في إنفاقهم لهذه الغزوة، فلما حصلت تلك الصدقات، قال المنافقون ما قالوا؛ فقد قالوا عن عبدالرحمن بن عوف عندما تصدق بأربعين أوقية من ذهب، قالوا بأنه فعل هذا رياء، وعندما تصدق أبو عقيل رضي الله عنه بنصف صاع من تمر، وهذا الذي يجده قالوا: إن الله غنيٌّ عن صدقة هذا؛ فنزل قول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [التوبة: 79]؛ الآية، وجاء أيضًا كذلك البكَّاؤون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهم أناس محتاجون يحبون الخروج في تلك الغزوة، ولكنهم لا يملكون ما يحملهم، تولَّوا وهم يبكون، عندما ردَّهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال الله تعالى فيهم: ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾ [التوبة: 92]، فمنهم من رزقه الله ناضحًا، فشارك في الجهاد، ومنهم من بقِيَ معذورًا، ومنهم من تصدق بعرضه؛ وهو عُلْبَةُ بن زيد رضي الله عنه؛ فقام ليلته وقال: "لم يكن لي ما يحملني إلى الجهاد، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في مال أو جسد أو عرض"، فكانت صدقته تلك من الصدقات المتقبَّلة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المنافقون يثبطون الناس عن الجهاد، ويقولون: إن النبي لا طاقة له بالروم والسفر بعيد، فردَّ الله تعالى عليهم بقوله: ﴿ وْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ ﴾ [التوبة: 42]، وقال بعض المنافقين: لا تنفروا في الحر؛ فنزل قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ﴾ [التوبة: 81].

 

وخاض المنافقون في التثبيط في العزائم كما هي عادتهم، وكذلك أيضًا بنى المنافقون مسجد الضِّرَارِ، ويزعمون أنه للتوسعة على المسلمين، وهم يريدون به الضرر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين، فطلبوا من النبي عليه الصلاة والسلام قبيل الغزوة أن يصلي فيه، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: ((إني على جناح سفر، وحال شغل، ولو قدمنا إن شاء الله، لأتيناكم فصلينا لكم فيه))، فنزلت الآيات بعد رجوعه من تبوك، فأمر بإحراق المسجد؛ حيث قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [التوبة: 107]؛ الآيات، وعملهم هذا هو جرأة وكذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ووقاحة ولؤم، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بإحراقه وهدمه، وخرج ذلك الجيش إلى تبوك بعدد يبلغ ثلاثين ألفًا، ومضى رسول الله عليه الصلاة والسلام بالجيش فضرب عسكره في ثنية الوداع، عقد في ذلك المكان الألوية والرايات ونظم الجيش، وكان رئيس المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول، معه بعض المنافقين عسكروا قريبًا من جيش المسلمين، فلما سار الجيش تخلَّف ابن أبي، ومن معه، وقالوا: لا طاقة لنا بذلك، وبدأ يرجف بالمسلمين نعوذ بالله من النفاق والمنافقين، وكان في المدينة أناس حبسهم العذر عن الخروج إلى تبوك؛ فقال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا، إلا كانوا معكم؛ حبسهم العذر))؛ [متفق عليه]، وحينما كان أبو ذر قد أبطأ به بعيره، أخذ متاعه منه، فجعله على ظهره، ثم لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ماشيًا؛ فقال النبي عليه الصلاة والسلام حينها: ((رحم الله أبا ذر؛ يمشي وحده، ويموت وحده، ويُبعث وحده))، وأصاب الناس مجاعة فقالوا للنبي عليه الصلاة والسلام: ((لو نَحَرْنا بعض نواضحنا فنأكل منها، فقال: افعلوا، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنا إن فعلنا ذلك، قلَّ النواضح، ولكن ادْعُهم بشيء من أزوادهم، وادْعُ بالبركة فيها، فجاء كل منهم بشيء يسير حتى جمعوا شيئًا من الطعام، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة فيه، ثم أخذوه فما بقي من وعاء في الجيش إلا مَلَؤوه من الطعام، فأكلوا وشبعوا وأبقوا))، وعندما كانوا في طريقهم ليلًا، ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لقضاء الحاجة والوضوء، فتأخر عليهم حتى حان وقت الصلاة، فقدَّموا عبدالرحمن بن عوف فصلى بهم ركعة، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأدرك معهم الركعة الثانية، فكان النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلاة خلف عبدالرحمن بن عوف، ولم يصلِّ عليه الصلاة والسلام خلف أحد غيره، ثم قال لهم بعد أن سلَّم: ((أحسنتم، أو قال: أصبتم))؛ [رواه مسلم]، وكانوا قد باتوا ليلة من الليالي في طريقهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من يكلؤنا الليلة؟ قال بلال: أنا، فلعله نام بلال فما استيقظوا إلا بعد الشمس))، وفي رواية أبي قتادة قال النبي صلى الله عليه وسلم حينها: ((إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصلِّ الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى))؛ [رواه مسلم]، وكان نومهم عذرًا لهم؛ لأنهم اتخذوا الأسباب للقيام للصلاة ولم يهملوها، كما قد يفعله من لم يتخذ الأسباب ويعذر أيضًا نفسه بنومه هذا، وهذا لا شك أنه خلل كبير، وخطأ جسيم، وإهمال وتقصير، ولما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وضُربت له القُبة، خطب الناس وحثهم على الجهاد، وأخبرهم بخير الناس وشر الناس، وأقام عليه الصلاة والسلام في تبوك عشرين يومًا لم يلقَ عدوًّا، وكان يرسل السرايا إلى بعض الجهات، وخلال تلك العشرين يومًا أوضح النبي عليه الصلاة والسلام للأمة عددًا من الأحكام الشرعية، فكانوا يسألونه ويجيبهم، أو يحدثهم ابتداء، وجاء بعض القبائل حال إقامته هناك، فصالحوه ودفعوا الجزية، ومنهم من أسلم، ورجع النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم إلى المدينة ولم يقاتلوا، وإنما كانت لهم هيبة في نفوس الروم، وحصل مصالح عظيمة أخرى متنوعة، ولما أقبل النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة، جاء المنافقون وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي لهم في مسجد الضرار، فنزل الوحي على النبي عليه الصلاة والسلام وهو قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [التوبة: 107]؛ الآية، فلما نزل الوحي أمر النبي صلى الله عليه وسلم اثنين من الصحابة، أمرهما أن يذهبا إلى المسجد ويهدماه ويحرقاه، ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فجاء المتخلفون عن الغزوة؛ وهم أربعة أصناف؛ الصنف الأول: صنف مأمورون بالتخلف، وهم مأجورون، وهم من أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقوا في المدينة، ولهم أجر الغزاة، والصنف الثاني: معذورون؛ وهم الضعفاء والمرضى ونحوهم، والصنف الثالث: عصاة مذنبون ليس لهم أعذار؛ وهم الثلاثة الذين خُلِّفوا ومن معهم، والصنف الرابع: المنافقون الذين ليس لهم أعذار، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد أمر الصحابة رضي الله عنهم عندما قدموا على المدينة ألَّا يكلموا هؤلاء المخلفين الثلاثة بغير عذر، ولا يجالسوهم، ولا يحادثوهم، أيها الكرام، سنكمل الحديث بإذن الله تعالى عن الواقع لهؤلاء، وما كان لهم، وما كان عليهم في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، ونستعرض الآن شيئًا من الدروس والعبر من هذا العرض؛ وهي كالآتي:

الدرس الأول: في تحذير النبي صلى الله عليه وسلم لعماله أن يأخذوا شيئًا ليس لهم، وهو ما يُعرَف بالغُلُول، هو خطاب للأمة جميعًا وتحذير لها، فإن الموظف والمكلف بعمل يجب عليه أن يترفع عن ما ليس له، ويكون أمينًا، أما إذا خان الأمانة، وأخذ الهدايا والعطايا، فهذا محظور؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفَلَا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟))، فما أخذه المكلف بعمل غلولًا أو رشوة أو نحوهما من أوجه الفساد، ليعلم ذلك المسكين أنه سيأتي به يوم القيامة فضيحة له، ويُحاسَب عليه، فعليه غُرْمُه، ولغيره غُنْمُه، وهو سُحْتٌ يأخذه وحرام يأكله، فكيف يهنأ ذلك المسكين بهذا وهو يعلم أنه حرام لا يحل له؟ وكل جسم نبت من سحت، فالنار أولى به، نسأل الله تعالى العافية، فما هي حاله؟ عندما يكون الناس يوم القيامة حفاة عراة كل منهم يقول: نفسي نفسي، حتى الأنبياء، وهذا مشغول بمحاسبة ذلك المال الذي أخذه بغير حقه، فليتحلل اليوم، ولْيَتُب الآن.


الدرس الثاني: في سرعة نفقة الصحابة رضي الله عنهم لتجهيز جيش العسرة ترغيبٌ في الصدقة في سبيل الله، وهذه الصدقة لها مخرجاتها الطيبة، ولها آثارها الحميدة، فمن ذلك أنها مضاعفة، وأنها مخلوفة، وأنها تدفع ميتة السوء، وأنها تطفئ غضب الرب، وأن المتصدق تحت ظل صدقته يوم القيامة، وأنها تدفع البلاء وتكفر الذنوب، وأنها أيضًا كذلك برهان على قوة الإيمان، وأيضًا هي تطهر المال وتزيده، وأيضًا هي سبب في دعاء الملائكة للمتصدق، وكذلك سبب في الألفة، ودليل على الكرم، وهي نقل للمال من حساب الدنيا إلى حساب الآخرة، إلى غير ذلك من المصالح، فإن هذه المكاسب والمصالح تجعلك أخي الكريم تُقْبِل على الصدقة، وتجعلها عملًا ثابتًا لك، ولتعلم أن ما ذهب منك فهو مرصود لك لا يتعداك، وكُتب لك أجره، فهو لم ينقصك شيئًا، فكن أخي الكريم متصدقًا ومكثرًا، فإن مالك الذي تصدقت به هو الذي لك، أما ما أبقيت، فهو لغيرك، وإني اقترح عليك ذلك المقترح الصغير، ولكنه كبير في أثره ومخرجاته؛ وهو أن تضع في بيتك حصالة صغيرة يراها الجميع من أهل البيت، فيتصدقون بالقليل أو الكثير، ثم تُفتَح دوريًّا ويُدفَع ما فيها في سُبُل الخير، وقد تكون مجالًا للصدقة في السر؛ حيث لا يراه أحد؛ فيكون تحت ظل الله يوم القيامة، وهذه الفكرة هي تدريب للنفس وأهل البيت على البذل والجود، والعطاء والكرم.


الدرس الثالث: لا تستقلَّ شيئًا تنفقه في سبيل الله، ولا تستكثر شيئًا؛ فالكل من فضل الله تعالى عليك، فليتصدق كل منا مما فتح الله عليه، فقد تصدق أحدهم في تلك الغزوة بنصف صاع من تمر، وتصدق آخر بعِرضه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة))، ولا تستقل قليلًا، فإن عدم الصدقة أقل منه.


الدرس الرابع: حدث في هذه الغزوة صدقة من الصدقات، وهي صدقة من نوع آخر، وكانت من الصدقات المتقبَّلة؛ وهي صدقة عُلْبَة بن زيد رضي الله عنه بِعِرضه، عندما لم يجد شيئًا يتصدق به، فإن الصدقة بالعرض؛ وهي إباحة الآخرين الذين اغتابوه أو ظلموه هي عمل صالح جليل أجره عظيم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]، فالتسامح عن الحقوق مطلب كبير، وأجره عظيم جزيل جسيم.


الدرس الخامس: في تلك الغزوة كان أناس بالمدينة لم يخرجوا إليها حبسهم العذر، وقد كانت نيتهم معقودة على الخروج، ولكنهم لم يخرجوا لضعف أو مرض أو نحوهما، فهم قد بلغوا درجة هؤلاء المجاهدين؛ ولهذا قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا، إلا كانوا معكم؛ حبسهم العذر))، فالنية الصالحة يبلغ بها المسلم الدرجات العلا، وإن لم يعمل، إن كان معذورًا، وبالمناسبة فإنني أوصيك أخي الكريم بالإكثار من الطاعة القولية والفعلية، حتى إذا مرضت أو سافرت كُتب لك وإن لم تفعلها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا مرض العبد أو سافر، كُتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا))؛ [رواه مسلم].


الدرس السادس: في تلك الغزوة حصل لهم فوات لصلاة الفجر، فلم يستيقظوا إلا بعد خروج الوقت، فلما استيقظوا، صلوها على صفتها، وهذا هو الواجب، ولكنهم لم يناموا من ليلهم إلا وقد اتخذوا الأسباب المعينة؛ ولذلك وضعوا من يوقظهم، ولكنه نام عن ذلك، في حين أن بعض المصلين يصلي تلك الصلاة بعد وقتها، ويحتج بنومه، وهو لم يتخذ الأسباب المعينة على الاستيقاظ، وهو يعذر نفسه في هذا، وفي حقيقة الأمر بأنه لا عذر له في فعله هذا، وإن كان غير معذور، فإن صلاته - كما يقوله جمع من أهل العلم - ليست على الأمر الشرعي، فهي خارج وقتها بلا عذر، وعلى مقتضى ذلك؛ فلا تصح منه تلك الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من عمل ليس عليه أمرنا، فهو رد))، فعليه التوبة والاستغفار من ذلك، بل إن بعض أهل العلم قالوا بأنه إذا تعمد ذلك فيُخشى عليه من أن يُوصَف بترك الصلاة، وتركها كفر، نعوذ بالله من ذلك؛ لأنه صلَّاها في غير وقتها، فهو كمن لم يصلِّها، وقد ورد في الحديث أن من صلاها في وقتها أصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان، فمن يرضى أن يُوصَف بخبث النفس والكسل، فَلْنَسْتَعِنْ بالله، ولنصحح المسار ما دمنا في زمن الإمكان.


الدرس السابع: في مكث النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم في تبوك عشرين يومًا، كانت هذه العشرون حافلةً بالعلم والتعليم وبيان الشرائع، وهكذا شأن المسلم في مجالسه في حِلِّه وترحاله يجعل شيئًا منها فيما يفيد، فيتعلم البعض من البعض الآخر، ولا تمضي مجالسنا كلها أحاديث جانبية قد تكون خالية مما يفيد، بل إن الأمر يكون ساعة وساعة، وذلك سبيل المؤمنين في حلهم وترحالهم.


الدرس الثامن: عندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، وهما ركعتا القدوم من السفر، وهذه سنة شبه مهجورة عند البعض، فعلى المسلم إذا قدم من سفر ودخل بلده أن يبدأ في المسجد فيصلي ركعتين ثم يتوجه إلى بيته.


الدرس التاسع: ظهور معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة، عندما جاعوا وكادوا ينحرون بعض الإبل، أشار بعضهم أن نجمع بعض الطعام فجمعوا ما جمعوا، ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة، فكثُر ذلك الطعام حتى أكلوا جميعًا وشبعوا وأبقوا كثيرًا، وهذه المعجزات هي خوارق للعادة، يجريها الله تبارك وتعالى على يد نبيه عليه الصلاة والسلام؛ لتكون آية على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم، وإن القراءة والتأمل في تلك المعجزات مما يقوِّي قلب المؤمن، ويكون سببًا لثباته.


الدرس العاشر: المنافقون في تلك الغزوة كانوا شوكة على المؤمنين، فأحيانًا يثبطون، وأحيانًا يستهزؤون، وأخرى يعاتبون، فليس منهم إلا ذلك نسأل الله العافية، وسبحان من قدر عليهم ذلك قدرًا وكونًا، علمًا بأنهم كانوا يتعبون في ذهابهم ورجوعهم وصلاتهم إن صلوا، وغير ذلك من الأعمال، لكنه هباء منثور لا يستفيدون منه شيئًا، لا في الدنيا، ولا في الآخرة، بل هو وبال عليهم فيهما جميعًا، وهم في الدرك الأسفل من النار، فَلْنَسْتَعِذْ بالله من النفاق والمنافقين، ولا نشمت بأحد منهم حتى لا يصيبنا ما أصابهم، ولنسأل الله تبارك وتعالى الثبات، وإن الأعمال الصالحة الخفية، وهي خبايا الأعمال، تعتبر سياجًا بإذن الله تعالى من النفاق، وإن كثرة ذكر الله تعالى أيضًا هو سياج آخر، وهكذا يتخذ المسلم الأسباب التي تبعده عن النفاق والمنافقين، ولا يخالطهم؛ حتى لا يصيبه ما أصابهم، نسأل الله تعالى العافية، ونسأله تبارك وتعالى أن يبعد بيننا وبين النفاق والفساد، كما باعد بين المشرق والمغرب، اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافِنا واعفُ عنا، وأصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خاتم النبيين (37)
  • خاتم النبيين (38)
  • خاتم النبيين (39)
  • خاتم النبيين (40)
  • خاتم النبيين (41)
  • خاتم النبيين (43) حجة الوداع
  • خاتم النبيين (44)
  • خاتم النبيين (45) شيء من هديه عليه الصلاة والسلام

مختارات من الشبكة

  • خاتم النبيين (35) أحداث السنة الثامنة من الهجرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاتم النبيين (32) أحداث السنة السابعة من الهجرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاتم النبيين (36) أحداث غزوة مؤتة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاتم النبيين (34) أحداث وقعت بعد غزوة خيبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاتم النبيين (17) الأحداث بين بدر وأحد، وعددها 15 حدثا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاتم النبيين (19) تكميل لأحداث غزوة أحد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاتم النبيين (31): كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والزعماء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بكونه خاتم النبيين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقتطفات من سيرة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمام المرسلين (2)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • مقتطفات من سيرة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمام المرسلين (1)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب