• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

تذكير العباد بأخبار كندة والبحرين وبني مراد

تذكير العباد بأخبار كندة والبحرين وبني مراد
محمد السيد حسن محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/3/2022 ميلادي - 4/8/1443 هجري

الزيارات: 3967

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تذكير العباد بأخبار كندة والبحرين وبني مراد

 

هذه متفرقات متنوعات نافعات من سيرة هذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأفردتها ببيان متسق، ولجامع الخير بينها، ولعامل القرب فيها، وكما هو العهد في هذه السيرة النبوية المباركة، فإن فيها سننًا حسنًا، وأسوة وقدوة وهديًا، ويكأننا نعايش الحدث، وإذ نحن ندارسه وكما لو كنا جزءًا من هذا الحدث أيضًا.

 

وأعالجه في خمس مسائل؛ هي:

المسألة الأولى: ((أتاكم أهل اليمن أضعف قلوبًا، وأرق أفئدة، الفقه يمانٍ، والحكمة يمانية)):

هذا ثناء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على أهل اليمن، وهو خبر عنه صلى الله عليه وسلم، وهو علم منه عنهم أولاء أهل اليمن، وهذا علم اجتماعي بأحوال الناس، وإذ تختلف الأخلاق أو تنطبع بطبيعة أهل كل محلة، ولأنه قد جاء في الحديث الآخر أن أهل اليمن هؤلاء، وإنما هم أصحاب غنم؛ ولهذا السبب قد كان لذلكم أثره في تطبع طباعهم من الغنم سكينة ووقارًا، وعلى حد قوله صلى الله عليه وسلم: ((أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة وألين قلوبًا، الإيمان يمانٍ، والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم))[1].

 

وهذا بيان آخر أن أصحاب الفخر والخيلاء هم أولاء الذين يتتبعون الإبل، وذكر أن مثلهم في ذلكم هو ربيعة ومضر.

 

وهذا شأن عام، وإنما ليس يؤخذ هذا على عمومه، وإنما ليس يدرس هذا على إطلاقه.

 

وهذا إرث اجتماعي خالد، حسن علم الدعاة العاملين به؛ وكيما يكونوا على أهبة استعدادهم لملاقاة الناس، وكيف مدخل لهؤلاء، وكيف سبيل إلى هؤلاء، وهذا فن دعوي باهر على كل حال، وحين إعطائه حقه ومدارسته، ولربما رجع الداعية غنيًّا بإخوانه، وإذ كان من دونه، ولربما عاد خلو اليدين لا يد واحدة!

 

غير أنه صلى الله عليه وسلم كان قد أثنى على أهل اليمن، وحين قبلوا بشراه صلى الله عليه وسلم، وفي مقابلة إعراض بني تميم عن قبول البشرى، وقد أنفت الإشارة إلى ذلك في حينه من هذه السيرة النبوية المباركة.

 

وحين روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن عمران بن حصين قال: ((دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم، فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم، قالوا: قد بشرتنا فأعْطِنا، مرتين، ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن، فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو تميم، قالوا: قد قبلنا يا رسول الله، قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر، قال: كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض، فنادى منادٍ: ذهبت ناقتك يا ابن الحصين، فانطلقت، فإذا هي يقطع دونها السراب، فوالله لوددت أني كنت تركتها))[2].

♦♦ ♦♦ ♦♦


المسألة الثانية: ((لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا، وهكذا ثلاثًا)):

هذا قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبدالله بن حرام رضي الله تعالى عنه، صاحب الجمل، ويوم اشتراه منه نبينا صلى الله عليه وسلم ومن ثَمَّ ليرده عليه منحة وهدية وفضلًا، وصاحب يوم الأحزاب، ويوم أن قدم عناقًا صغيرة وصاعًا من شعير لأهل الخندق، وإذ كانوا ألفًا، ومن فضله تعالى، ثم ببركة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإذ يكفي هذا الذي نكتبه ألفًا! وإذ كانوا جياعًا طاوين، ومن ثلاثة أيام، وها هم حَفَرَةُ الخندقِ! وهو صاحب الأخوات السبع، وحين أوصاه والده بهن، ويوم استشعر شرف الشهادة يوم أحد، ويوم أن أوفى رضي الله تعالى، وحين تزوج ثيبًا هي سهيلة بنت مسعود الأنصارية رضي الله تعالى عنهما، وقد كان شابًّا يافعًا، وحرصًا على أخواته، وحين قامت عليهن رضي الله تعالى عنها، وحتى ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، وحين ساءله: ((وهلا بكرًا تداعبها وتداعبك، يا جابر؟)) فكان جوابه أجل أخواته، وها هي تفليهم يا رسول الله.

 

وعلى كل حال، فهذا يعد وعدًا منه صلى الله عليه وسلم لجابر، وحين تأتي جزية البحرين، ليكون له منه نصيب قدره الثلاثة الكفوف ملء اليدين.

 

ولعل هذا الوعد؛ ولعلمه صلى الله عليه وسلم حاجة جابر رضي الله تعالى عنه، وعونًا له، وليقوم على أسرته، وخاصة ومعه أخواته السبع، وبرًّا به، وكما قد بر بوالده يومًا، وإذ كان البر دَينًا له ثمنه وجزاؤه وفضله، وعقباه الخير في الدنيا وفي الآخرة.

 

وهذا مثال لتحسس الراعي أمور رعيته، ويقوم على مؤنة الضعاف منهم.

 

وإلا أن هذا النبي العربي الأمي الكريم صلى الله عليه وسلم، كان قد اختاره ربه سبحانه، وقبل مجيء مال البحرين هذا.

 

ولكن المال كان قد جاء إبان خلافة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وحين أوفى بوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذ أصبح هذا دَينًا على بيت مال المسلمين، فيؤدَّى عن الأمير حال وفاته، وحال سماحية بيت المال بذلك؛ أي: توافر المال عنده.

 

وفيه إيفاء أبي بكر، وقد أوفى بما هو أعظم، ويوم أرسل جيش أسامة بن زيد إلى بلاد الشام، وإنفاذًا لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك قبل وفاته.

 

ولكنَّ جابرًا وحين كان قد راح إلى أبي بكر طالبًا ما وعد به النبي صلى الله عليه وسلم، وإذ أعرض عنه ثلاثًا، ولعله لشغل شغله وقته هذا، ولكثرة أشغال الأمير الأمين، وكما هو معروف، وكان أن قال له جابر: "فإما أن تعطيني، وإما أن تبخل عني".

 

وفيه جواز المطالبة بما وعد به الإمام، ويظل دينًا على بيت المال، وكما أنف، وإلا ما طالب به جابر، وإلا لَما أقره أبو بكر، ولَما أعطاه.

 

وهذا من عقود التبرعات النافعة نفعًا محضًا، وللولي إبرامها إيجابًا، وللولاة مقابلتها قبولها، ولا تتوقف على كثير توافر شروط الرضا، ومن حيث كان تكييفها على ما أنف، وهذا ليس بابه ها هنا.

 

وهي من سلطة ولي الأمر، وكما أنف غير مرة في موضعه من هذه السيرة النبوية المباركة أيضًا، وما يوم حنين منا ببعيد.

 

ولكن مطالبة جابر لأبي بكر، ولكن قيام أبي بكر بالوفاء، وكلاهما - إذًا - دال على ثبات الخط العام للدولة الإسلامية، فما يقره ولي، يصير ملزمًا لمن أتى بعده، وسواء كان هذا على المستوى المحلي للدولة، أو على نطاق علاقاتها الدولية الأخرى.

 

وهذا عُرف قانوني إقليمي، وهو عهد دولي قائم، وبه تستقر الأحوال، وتستقيم الأمور.

 

ولكن يهودَ أيست من هكذا عهد، ولكنَّ بني صهيون نكصت من هكذا وعد، وحين قال الله تعالى عنهم: ﴿ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 100].

 

والبخل: هو أن يمنع المرء ما يجب عليه فلا يؤديه، وهذا الذي دعا جابرًا أن يطالب به، وهذا وجه.

 

وهو الإمساك عما في أيدي الشخص، وهذا وجه آخر.

 

وهو عكس الشح، وهو الإمساك عما ليس من ذات يد العبد، بل من غيره.

 

فعن جابر بن عبدالله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو قد جاءني مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا، فلم يجئ حتى قُبض النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء مال البحرين، أمر أبو بكر مناديًا فنادى: من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دَين أو عدة فليأتِنا، فأتيته، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي كذا وكذا، فحثا لي ثلاثًا - وجعل سفيان يحثو بكفيه جميعًا، ثم قال لنا: هكذا قال لنا ابن المنكدر - وقال مرة فأتيت أبا بكر، فسألت، فلم يعطِني، ثم أتيته فلم يعطِني، ثم أتيته الثالثة فقلت: سألتك فلم تعطِني، ثم سألتك فلم تعطني، ثم سألتك فلم تعطني، فإما أن تعطيني، وإما أن تبخل عني، قال: قلت: تبخل عني؟ ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك، قال سفيان، وحدثنا عمرو، عن محمد بن علي، عن جابر، فحثا لي حثية، وقال: عدها فوجدتها خمسمائة، قال: فخذ مثلها مرتين، وقال يعني: ابن المنكدر: وأي داء أدوأ من البخل))[3].

♦♦ ♦♦ ♦♦


المسألة الثالثة: ((أمَا إنَّ ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيرًا)):

هذا قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لفروة بن مسيك المرادي، وحين قدم إليه، ويوم أبت همدان، وقد كانت بينهما وقعة قبلُ، ويوم أثخنت قبيلة همدان قبيلة مراد، وفي يوم كان دعيه "يوم الردم".

 

وهذا تطييب لخاطر فروة، وحين جاء مسلمًا، وعلى كل حال، فهذا هو خُلُق هذا النبي، الذي تعودناه أبدًا، يمسح دمعًا، ويزيل غمًّا، ويفرج كربًا، ويربت صدرًا، وحين سأله، وعما إذا كان يوم الردم ما زال مؤثرًا، ومما أصاب مرادًا يومها ذلك، وإذ وأن نعم، وحين سأل النبي صلى الله عليه وسلم فروة: ((يا فروة، هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم؟)) وعلى حد قول فروة مجيبًا: يا رسول الله، من ذا الذي يصيب قومه ما أصاب قومي يوم الردم لا يسوؤه ذلك؟ ومنه كان تلطف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم معه تضميدًا لجراحه، وحين قال: ((أما إن ذلك لم يزدْ قومك في الإسلام إلا خيرًا)).

 

وهذا قول الصدق؛ ولأن المرء يكلمه ما يكْلم قومه، ولأنك ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى[4].

 

وهذا قول الصدق، ولأن الإسلام نعمة عظيمة، ومعه تنجبر الخواطر الكواسر، وبه تندمل الجروح الغوائر، وما من مصيبة من بعد الكفر، وليس معه من نعمة، وإن كبرت، وما من نعمة خير من الإسلام، وليس معه من مصيبة، وإن عظمت، ولأن الله تعالى يهب صبرًا، وينعم جبرًا، ويمن كسبًا، ويزيل غمًّا، ويكشف حزنًا، ويجبر كسرًا، وإن المسلم وحين يسترجع، وليجدنَّ الفلاح أمامه ومن خلفه؛ ولأن الله تعالى قال: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].

 

ولا سيما أن وجود هذا النبي كرم من الله وفضل، وترياق رباني لأمته، وكان منه يوم غنائم حنين، وحين لاطف الأنصار بقوله: ((يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضُلَّالًا، فهداكم الله بي؟ وعالة، فأغناكم الله بي؟ ومتفرقين، فجمعكم الله بي؟ ويقولون: الله ورسوله أمنُّ، فقال: ألا تجيبوني؟ فقالوا: الله ورسوله أمن، فقال: أما إنكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا، وكان من الأمر كذا وكذا لأشياء عددها، زعم عمرو أن لا يحفظها، فقال: ألَا ترضَون أن يذهب الناس بالشاء والإبل، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ الأنصار شعار والناس دثار، ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا وشِعبًا، لسلكت وادي الأنصار وشعبهم، إنكم ستلقَون بعدي أثَرَة، فاصبروا حتى تلقَوني على الحوض))[5].

 

وهذا حق للأمة، أن يقوم أميرها على أمرها، وإراحتها، وليس يغمض طرفًا، وإلا وهم مطمئنون!

 

وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم، يستشعر عظم المسؤولية، وهو إذ يقوم على حاجات أهل الصُّفَّة، وهذا هو موقفه مع أهل بيته، وحين ذكر التاريخ أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادمًا، وقد كان أهل الصفة وعلى حالهم من عوز وحاجة، وما كان منه إلا أن حزم أمره، وسوى أنه حسم قراره.

 

فعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة بعث معه بخميلة، ووسادة من أدم حشوها ليف، ورحيين وسقاء وجرتين، فقال علي لفاطمة ذات يوم: والله لقد سنوت حتى لقد اشتكيت صدري، قال: وقد جاء الله أباك بسبي، فاذهبي فاستخدميه، فقالت: وأنا والله قد طحنت حتى مجلت يداي، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما جاء بك أي بنية؟ قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت، فقال: ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله، فأتيناه جميعًا، فقال علي: يا رسول الله، والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: قد طحنت حتى مجلت يداي، وقد جاءك الله بسبي وسعة، فأخدمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لا أعطيكما وأدَعُ أهل الصفة تطوى بطونهم، لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم، فرجعا، فأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفتهما، إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما، فثارا، فقال: مكانكما، ثم قال: ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ قالا: بلى، فقال: كلمات علمنِيهنَّ جبريل، فقال: تسبحان في دبر كل صلاة عشرًا، وتحمدان عشرًا، وتكبران عشرًا، وإذا أويتما إلى فراشكما، فسبحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبرا أربعًا وثلاثين، قال: فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقال له ابن الكواء: ولا ليلة صفين؟ فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق، نعم، ولا ليلة صفين))[6].

 

وأرأيت يوم أن وقف عمر الفاروق على حاجة امرأة صاح أبناؤها من طوي جوعهم، وحتى وقف بنفسه يعجن عجينًا، ويشعل نارًا، ويخبز خبزًا، وحتى ما انصرف إلا وهم آكلون؟!

 

وهذا هو الفاروق رضي الله عنه نفسه وحين خطب الناس فقال: ((والذي بعث محمدًا بالحق، لو أن جملًا هلك ضياعًا بشط الفرات، خشيت أن يسأل الله عنه آل الخطاب، قال أبو زيد: آل الخطاب: يعني: نفسه، ما يعني غيرها))[7].

♦♦ ♦♦ ♦♦


المسألة الرابعة: التخلية قبل التحلية:

وهذا عمرو بن معديكرب، وحين عرض على قيس بن مكشوح المرادي الذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليسمع منه، وحين راح إليه خبره، وهذا عمل مبرور، وإذ كان الحق والعدل أن يسمع من صاحب الشأن، لا أن يسمع مما قيل عنه، فإن هذا أدعى لوصول الدعوة صافية من عكر، ولعلها توافق قلبًا صافيًا فيسلم، وما جل ما يصيب الدعاة العاملين، وإلا ممن ليسوا يحسنون عنهم خبرًا، وممن لا يتقنون عنهم نقلًا.

وهذا أمر جد مشاهد.

 

وهذا أمر جد مهم، وإذ يتوافر على أمور هامة؛ منها:

الأمر الأول: هو ذلكم الاستعداد الذاتي للذهاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وللسماع منه مباشرة، وهذا عمل حسن، ولأن التشويش الإعلامي والصخب الإعلاني يعملان عملهما في النفوس، فدل على كم تجرد هذا عمرو بن معديكرب.

 

الأمر الثاني: هو ذلكم الرفض التام من حليفه قيس بن مكشوف المرادي، وهذا عمل الصاحب السوء، وهذا قرين الشر، وحين يدفع باتجاه الصد، وهذا أمر له رد فعله السلبي في كلا الصاحبين، ولعل هذا ما عوفي منه عمرو هذا يومه هذا.

 

الأمر الثالث: هو الذهاب لسماع الحق الذي لا ريب فيه، والذي هو مخلى من تراطم ركام جاهلية لصيقة، وهذا ما سجله التاريخ، وأنا أسجله لهذا عمرو بن معديكرب، ولأن الذهاب ومن خلال ركام خيم ليس يجعل الذهن صافيًا، لسماع حق جديد، ولكن الرجل قال قوله هذا: يا قيس، إنك سيد قومك، وقد ذكر لنا أن رجلًا من قريش يُقال له: محمد قد خرج بالحجاز يقال: إنه نبي، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه، فإن كان نبيًّا كما يقول، فإنه لن يخفى علينا إذا لقيناه اتبعناه، وإن كان غير ذلك علمنا علمه[8].

 

ويكأن هذا القول ممهور برضا العقلاء عنه، وحين سجل التاريخ هذا الميراث الصادق في خلع ما يؤمن به المرء وراء ظهره، وتجريد النفس لسماع الجديد مجردًا أيضًا، ومن ثم لتلقي الحق، وهذا أمر فصل، ولأنك تجد الناس يذهبون، وما يحملون في جعبتهم من خلالها وصفاتها ونعوتها، وإذ هم غير مستعدين للتنازل، ومثل هذه الحيثية، وحين يجلس بها في مجلس التفاوض والنقاش والأخذ والرد، فإنها ليست تؤتي أكلها غالبًا أو دائمًا!

 

ولهذا السبب، وحين راح عمرو بن معديكرب، وبهذا التجرد فينعم الله تعالى عليه بالحق، فيسلم ومن توه، وأما قيس بن مكشوح المرادي، فبقي في وحل الطين، وبله الجاهلية وعفنها وعيبتها وركامها، وحين لم يستطع التخلية بينه وبين ما عاثت به جاهليته.

 

وهذا أمر جد هام، وكما قد رأيت: الذهاب إلى غرفة الاجتماع مُخَلًّى؛ وليخرج منها مُحَلًّى!

 

ولكن عمرًا هذا كان قد ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكما نفر غيره يومه هذا، ولكنه عاد وأسلم وحسن إسلامه، وشهد الفتوحات في عهد كل من أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله تعالى عنهما.

 

وليس مهمًّا تاريخ ذلك، وعلى ما قيل في السنة التاسعة أو العاشرة من هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والثبات منه تعالى.

 

ومرة أخرى: الذهابَ الذهابَ إلى غرفة الاجتماع مُخَلًّى؛ وليخرج منها مُحَلًّى!

♦♦ ♦♦ ♦♦


المسألة الخامسة: ((فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟)):

هذا قول نبينا محمد صلى الله عليه لوفد الأشعث بن قيس، وحين جاؤوا إليه مسلمين، وهو استفهام إنكاري، فيه معنى الإنكار على من لبس الحرير من رجال هذه الأمة، ولأن هذا الحرير لباس تنعم ورقيق، والأصل في رجال الأمة هو الاخشوشان، والأخذ على يد ذات نفس العبد، أن يكون متصرفًا على نسق التواضع والجلد، لا على لبس الأعاجم.

 

ولكن اللافت هو قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم آنف الذكر، ويكأنه ينكر على من أسلم أن يكون هذا لباسه، وليس هذا فحسب، بل هناك معنى ألطف، وهو ذاك الذي تنبغي المعونة فيه، والديانة به، وحين يكون هناك ذلكم الانسجام التام بين الهدي الظاهر لهذا الدين، وبين ما اعتقد العبد من أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن مطلق التوحيد هو ذلكم الالتزام بشعائر الله تعالى قلبًا وقالبًا، ظاهرًا وباطنًا، قولًا وعملًا، وأنه هذا هو المتبادر من قوله صلى الله عليه وسلم: ((ألم تسلموا؟)) وحين كان جوابهم، وأن نعم، فكان استفهامه الإنكاري هذا: ((فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟)).

 

ودلالة على أن الإسلام له تبعة هكذا التزام، وليس يحل التحلل من ربقة هذه الالتزامات، ولأن القول بغير ذلك هو مطية التحلل من الشعائر، والانفكاك من الهدي الظاهر، وأنت خبير بمدى ما لهذا الهدي من قيمة، في الأخذ بأسباب التثبيت، وما له من تمايز في موجبات المفاصلة.

 

ولكن القوم كانوا قد شقوا هذا لباس الحرير عنهم، وفي لمحة على مدى الانقياد، وعن لفتة صادقة تنم عن إسلاس، وهذا الذي يكون عليه المسلم كل حين من أمره؛ ولأنه الله تعالى قال: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، وكذا قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51].

 

ولكن هذا الأشعث بن قيس رضي الله تعالى عنه، كان قد أثار مسألة النسب من جديد، وحين نسب نفسه، وهذا النبي إلى قبيلة كندة من اليمن، ومعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم ينتسب إلى قبيلة قريش، والفارق من جهة النسب لا غير، وإلا فإن أكرم الناس عند الله أتقاهم، وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح؛ وكما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

 

ولهذا السبب أراد صلى الله عليه وسلم أن يصحح هذا، وبقوله: ((لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا، ولا ننتفي من أبينا))، فأرجع النسب إلى وضعه الصحيح، وكما قلت فإن هذا هو الموافق لطبائع الأمور، وغير النسب إلى الأبوين مخالف، وفيه ما فيه من اختلاط الأنساب، وهو ما وقف له النبي صلى الله عليه وسلم، وحين قال له الأشعث بن قيس: ((يا رسول الله، نحن بنو آكل المرار، وأنت ابن آكل المرار))، في نسبة إلى كندة إحدى قبائل اليمن.

 

وبه علم حفظ النبي صلى الله عليه وسلم للشريعة، ومن أمرين:

الأمر الأول: حفظها بالهَدْيِ الظاهر؛ وكيما يحافظ المسلم على نفسه من الذوبان في معركة التحلل من الالتزامات، وحين ليس يكون العبد قابضًا على دينه، ولا سيما أوقات الفتن والمحدثات والأزمات، وهذا الذي قال عنه هذا النبي صلى الله عليه وسلم يومًا: ((إن من ورائكم زمان صبر، للمتمسك فيه أجر خمسين شهيدًا منكم))[9].

 

وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر))[10].

 

الأمر الثاني: وحفاظًا على الأنساب، وألا تختلط، ولما في هذا الاختلاط مما هو غني عن بيانه، من زواج محرمات، أو استبعاد لمن حل أو حلت.

 

وكما أنه أمكن به فوات مستحقي الإرث من أنصبائهم، أو إدخال من ليسوا من ذوي حقوقهم، وغير ذلك.

 

وإن لم يكن فيه غير الحق والصدق لكفاه ذلك، ولأن ديننا هو دين الصدق والعدل والقسطاس المستقيم.

 

وهذا الذي جاء الإسلام لتصحيحه، ومن جملة ما أتى لاستقامة الناس على أمر الله تعالى، وألا تختلط عليهم أمورهم، وألا تلتبس أحوالهم، ومن تقادم الأزمان، ومن موجب النسيان.

 

ودلك على صحة مذهبنا هذا ما رواه الإمام ابن ماجه رحمه الله تعالى عن الأشعث بن قيس: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة، ولا يروني إلا أفضلهم، فقلت: يا رسول الله، ألستم منا؟ فقال: نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفو أمَّنا، ولا ننتفي من أبينا، قال: فكان الأشعث بن قيس يقول: لا أوتَى برجل نفى رجلًا من قريش من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد))[11].

 


[1] صحيح البخاري: 4388.
[2] صحيح البخاري: 3191.
[3] صحيح البخاري: 3137.
[4] صحيح البخاري: 6011.
[5] صحيح مسلم: 1061.
[6] تخريج المسند، شعيب الأرنؤوط: 838، خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن.
[7] تاريخ الطبري: ج 3 / 272.
[8] البداية والنهاية، ابن كثير: ج: 5/ 84.
[9] صحيح الجامع، الألباني: 2234.
[10] العلل الكبير، الترمذي: 329، خلاصة حكم المحدث: فيه عمر بن شاكر، قال البخاري: هو مقارب الحديث.
[11] صحيح ابن ماجه، الألباني: 2132، خلاصة حكم المحدث: حسن.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أرجوزة تحفة المهتدين بأخبار المجددين للعلامة جلال الدين السيوطي
  • منظومة تحفة الظرفاء بأخبار الخلفاء للعلامة جلال الدين السيوطي
  • كتاب أخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطي (ت 646هـ / 1248م)

مختارات من الشبكة

  • تذكير العباد بنعم المنعم وشكرها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تذكير العباد بأحكام الصوم من زاد المعاد للإمام العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • تذكير العباد بحقوق الأولاد(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • شرح حديث: ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • موجة الحر: تذكير وعبر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احذر يا عبد الله من حقوق العباد فإن لها من الله طالبا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة هدية ابن العماد لعباد العباد ( نسخة أخرى )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تذكير عباد الرحمن بفقه شهر شعبان(مقالة - ملفات خاصة)
  • تذكير أهل الإيمان بصفة عباد الرحمن(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • مخطوطة إخبار المستفيد بأخبار خالد بن الوليد(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب