• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير آية: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)

تفسير آية: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)
الشيخ محمد حامد الفقي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/4/2015 ميلادي - 25/6/1436 هجري

الزيارات: 41726

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير آية

﴿ يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ﴾

 

بسم الله الرحمن الرحيم

قول الله تعالى ذكره: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 21، 22].

 

«العبادة» في المصباح: عبدت الله أعبده عبادة. وهي الانقياد والخضوع؛ واسم الفاعل: عابد. والجمع عباد وعبدة. مثل كافر وكفار وكفرة. ثم استعمل فيمن اتخذ إلها غير الله، وتقرب إليه، فهو عابد الوثن والشمس، وغير ذلك. ا هـ.

 

وفي الصحاح: تقول عبد بين العبودة والعبودية. وأصل العبودية: الخضوع والذل. والتعبيد: التذليل. يقال طريق معبد. والبعير المعبد: المهنوء بالقطران المذلل. والعبادة: الطاعة. والتعبد: التنسك. اهـ.

 

وفي مفردات الراغب: العبودية إظهار التذلل. والعبادة أبلغ منها: لأنها غاية التذلل. ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال. وهو الله تعالى. ولهذا قال {17: 23 ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ ويقال طريق معبد، أي معبد مذلل بالوطء. وبعير معبد: مذلل بالقطران. وعبدت فلانا إذا ذللته؛ وإذا اتخذته عبداً؛ قال تعالى {26: 22 ﴿ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ ا هـ.

 

وفي فروق العسكري: الفرق بين العبادة والطاعة: أن العبادة غاية الخضوع، ولا تستحق إلا بغاية الإنعام. ولهذا لا يجوز أن يعبد غير الله تعالى، ولا تكون العبادة إلا مع المعرفة بالمعبود. والطاعة: الفعل الواقع على حسب ما أراده المريد متى كان المريد أعلى رتبة ممن يفعل ذلك، وتكون للخالق والمخلوق، والعبادة لا تكون إلا للخالق ا هـ وقال العلامة ابن القيم في مدارج السالكين (1: 40) العبادة تجمع أصلين: غاية الحب بغاية الذل والخضوع. والعرب تقول: طريق معبد؛ أي مذلل، والتعبد: التذلل والخضوع. فمن أحببته ولم تكن خاضعاً له؛ لم تكن عابداً له. ومن خضعت له بلا محبة، لم تكن عابداً له؛ حتى تكون محباً خاضعاً، ومن ههنا كان المنكرون محبة العباد لربهم منكرين حقيقة العبودية، والمنكرون لكونه محبوباً لهم، بل هو غاية مطلوبهم ووجهه الأعلى نهاية بغيتهم: منكرين كونه إلها، وإن أقروا بكونه رب العالمين وخالقاً لهم. فهذا غاية توحيدهم، وهو توحيد الربوبية الذي اعترف به مشركو العرب، ولم يخرجوا به من الشرك. كما قال تعالى {34: 87 ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ وقال تعالى {31: 25 ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ وقال 23: 84، 85 ﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾ [1] ولهذا يحتج عليهم به على توحيد إلهيته، وأنه لا يعبد غيره. كما أنه لا خالق غيره ولا رب سواه. ا هـ.

 

وقال مصححه المرحوم السيد رشيد رضا معلقا على ما ذكر: العبادة: عبارة عن الاعتقاد والشعور بأن للمعبود سلطة غيبية فوق الأسباب، يقدر بها على النفع والضر. فكل دعاء أو ثناء أو تعظيم يصاحبه هذا الاعتقاد والشعور فهو عبادة. ا هـ ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ أبدعكم وأنشأكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة قال تعالى {23: 12 ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ * وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ * وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ وقال تعالى {32: 7 ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ وهذا المعنى في القرآن أكثر من أن يحصى.

 

وكل ذلك يقول الله للناس: كيف تعبدون وتذلون وتخضعون وتفزعون وتلجأون وتدعون في شدة وكرب وعسر ويسر، وتسألون حاجكم من تعلمون أنه لا يخلق ولا يرزق، بل هو مخلوق مربوب ذليل معبد لخالقكم وخالق من قبلكم وخالق كل شيء ومسخره لكم؛ بل هو ميت لا يملك لنفسه ضراً، ولا نفعاً؛ ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ( 16: 20، 21 ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ فأخلصوا لله وحده العبادة واكفروا بكل ما يعبد من دونه: من إنسان أو ملك أو كوكب؛ أو شجر، أو حجر أخلصوا لله وحده الدين – ألا لله الدين القيم – منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون واكفروا بالجبت والطاغوت: الذي يصرف عن عبادة الله، وعن طاعة الله وحده: من كل كتاب، أو إنسان، أو شيء يصدكم عن الله وعن إخلاص الدين والطاعة له وحده ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ و«التقوى» اتخاذ ما يقيك ويجنك ويحفظك من كل ما تخاف وتكره. وأخوف ما يخافه العاقل ويكرهه ويتحفظ منه بكل ما يقدر: غضب الله وسخطه، الذي يعقبه كل مخاوف الدنيا ومكارهها؛ وكل مخاوف الآخرة وأهوالها ومضايقها وأحزانها الدائمة.

 

ألا وإنه لا وقاية تقي غضب الله وسخطه، وتحفظ من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وتقي من شقاء الدنيا وخسران الآخرة، إلا إخلاص الدين لله؛ وإخلاص الطاعة لله، وإخلاص العبادة بجميع أنواعها: من قلبية؛ وجسمية ومالية وقولية، لله وحده وإسلام القلب لله وإحسان العمل لله والتجرد لله من كل غير. فلا يتوجه القلب إلا لله وحده؛ ولا يرغب إلا إليه، ولا يرهب إلا منه. ولا يذكر اللسان ذكر الخشية والرغبة إلا هو ولا يضرع إلا إليه، ولا يدعو سواه. ولا تخرج اليد شيئاً من المال إلا تقربا إليه وحده، ولا تتحرك الجوارح إلا ابتغاء مرضاته وحده. ولا تتقرب إليه إلا بما يحب مما ارتضاه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ {39: 11- 18 ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ * وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 11 - 21].

 

﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا ﴾ وقال تعالى في سورة نوح ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا ﴾ وقال في سورة النبأ ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ﴾ وقال في سورة الزخرف ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ وقال في سورة طه ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ﴾.

 

قال الراغب الأصبهاني في مفرداته ﴿ وجَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا ﴾ أي ذللها ولم يجعلها نائية لا يمكن الاستقرار عليها وقال: المهد؛ والمهاد: المكان الممهد الموطأ. قال ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا ﴾ و﴿ مهادا ﴾ وذلك مثل قوله ﴿ الْأَرْضَ فِرَاشًا ﴾ ومهدت لك كذا: هيأته وسويته.

 

يعني الله أنه تفضل على الناس بأن هيأ لهم الأرض كالفراش الممهد الموطأ، الذي يجد النائم فيه كل راحته، بلا تعب ولا عناء، ليعرفوا لله تعالى فضله في ذلك فيشكروه بإخلاص العبادة له وحده. لأنه لم يشركه أحد من أوليائهم ومعبوداتهم في تسويتها ولا تمهيدها. وتوفير الراحة عليها. فلا ينبغي أن يشركوا معه في عبادته أحدا.

 

﴿ وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ﴾ قال تعالى في سورة الذاريات ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ الأيد: القوة. وقال في سورة ق ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ الفروج: الشقوق والفتوق. وقال في سورة غافر ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ وقال في سورة الشمس ﴿ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴾ وقال في سورة النبأ ﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ﴾ يعني الله جل ذكره. أنه هو الذي أحكم بناء السماء وحبكها، وشد بناءها ﴿ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾ وقال في سورة فاطر ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ وهو الذي قال لها وللأرض ﴿ وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ وهو القوي القاهر لهذا العالم العلوي وما فيه، المسخر له؛ المحكم أمره القابض على زمامه وحده. فهل ينبغي أن يعظم القلب أو يجل، أو يخضع لأحد سواه من العبيد الأذلاء الضعفاء؛ العاجزين عجزا ذاتيا، حتى أنهم لأعجز من الذبابة. ومن ذا الذي يسوي هؤلاء الموتى برافع السماء وبانيها؛ وسامكها وحابكها، وممسكها فيعطيه من العبادة دعاء ونذرا، وذبحا، ورجاء ورغبا ورهبا، ما هو حق القاهر فوق عباده الحكيم الخبير إنه لا يفعل ذلك إلا من حرم نعمة الإدراك وفقد ميزة الإنسانية، فهو كالأنعام بل أضل سبيلا، فهو يمشي مكبا على وجهه، بل هو ميت حقت عليه كلمة العذاب. مهما زين له الشيطان ذلك بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان تخلع بهرجها فينكشف عن حقيقة الشرك الأكبر الذي حرم الله على صاحبه الجنة ومأواه النار. وما للظالمين من أنصار.

 

﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ قال تعالى في سورة البقرة ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 165 - 167] وقال تعالى في سورة إبراهيم ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ * وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴾ وقال في سورة سبأ ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ وقال في سورة الزمر ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ﴾ وقال في سورة فصلت ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [فصلت: 9].

 

قال الإمام ابن جرير: الند العدل والمثل، كما قال حسان:

أتهجوه، ولست له بندٍّ
فشركما لخيركما الفداءُ

 

يعني بقوله «ولست له بند» لست له بمثل ولا عدل. وكل شيء كان نظير الشيء وشبيها له فهو ند اهـ ويدل على أن معنى الند العدل قوله تعالى أول سورة الأنعام ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ أي يسوون به تعالى غيره ممن لم يخلق سماء ولا أرضا ولا جعل ظلمات ولا نورا؛ ويجعلونه له ندا وشبيها في العبادة والطاعة، والمحبة والذل، والخوف والرغبة والرهبة، فيحبونهم كما يحب المؤمن الله؛ ويدعونهم كما يدعو المؤمن الله، ويستمدون منهم المدد كما يستمد المؤمن من الله، ويجعلون لهم من أموالهم النذور كما يجعل المؤمن لله. والله هو الأحق بذلك وحده. ولا ينبغي شيء من هذا لغيره، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون وعما يظنون بهم من ظن السوء: أنه لا يستجيب الدعاء إلا بواسطة أوليائهم الذين اتخذوهم من دونه ليقربوهم إلى الله زلفى، ويقدمون لهم من الحرث والأنعام والنقد؛ والشموع وغيرها ما لا يليق إلا بالله رب العزة. ويطوفون حول قبورهم والأنصاب التي نصبوها عليها كما يطوف المؤمن حول بيت الله. ويتعلقون بأستار قبورهم رجاء المغفرة والقبول، كما يتعلق المؤمن بأستار بيت الله، ويحجون إلى قبورهم من البلاد الشاسعة كما يحج المؤمن إلى بيت الله. ويتخذون لهم الأعياد – يسمونها موالد – يجتمعون فيها ويحرصون عليها كما يجتمع المؤمنون في مناسك ومشاعر بيت الله. وكل ذلك مضاهاة من أولئك المشركين لأولئك الموتى بالله؛ واتخاذهم أندادا مع الله. ولا حول ولا قوة إلا بالله. لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها. ولهم آذان لا يسمعون بها ﴿ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾.

 

لم يسووهم بالله في خلق ولا رزق ولا إحياء ولا إماتة، ولا أي شيء من صفات الربوبية وخصائصها. بدليل ما قص الله عنهم وما سألهم مقرراً فأجابوا ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ﴾ ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾.

 

وليس يلزم في الندية المماثلة من كل وجه، والمناظرة في كل صفة، بل يكفي فيها التشبيه ولو بوجه واحد. فإنك تقول: فلان ند فلان. إذا كان مماثلا له في السن فقط، وإن لم يجتمع معه في أي صفة أخرى، من اللون؛ والعقل، والعلم، والدين.

 

وقد روى ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس قال «قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. فقال: جعلتني لله ندا؟ ما شاء الله وحده».

 

والمشرك شبه أولياءه بالله، في أنه جعل لهم من قلبه الحب، والذل والخضوع، واعتقاد التأثير الغيبي بدون سبب ظاهر، ودعاهم في شدائده؛ ونذر لهم، وحلف بهم. وكل ذلك تعظيم لا يستحقه إلا الله. فلما أعطاهم ذلك من قلبه ولسانه وجوارحه كان ذلك اتخاذ أنداد. وإن لم يشبههم به سبحانه في قدرة أو خلق أو إرادة، بلى قد شبه بعض المشركين في زمننا أولياءهم بالله في الملك وعلم الغيب. فزعموا أنهم يتصرفون في الكون، ويعلمون شئونه ويحفظونه، ويدفعون عنه البلاء من الأمراض ونحوها، مما يكون الله قد قضاه؛ ويفتخر بذلك بعضهم فيزعمه مما منَّ به عليه. وأن مجلسهم الباطني يشير على الله بما يفعل في الخلق من أرزاق وآجال وسعادة وشقاوة، ولم نسمع بشيء من ذلك في جاهلية العرب الأولى. تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيرا ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه:

العبد يراد به المعبد الذي عبده الله فذلـله ودبره وصرفه؛ وبهذا الاعتبار فجميع المخلوقين عبيد الله، من الأبرار والفجار؛ والمؤمنين والكفار، وأهل الجنة وأهل النار، إذ هو ربهم كلهم ومليكهم، لا يخرجون عن مشيئته وقدره وكلماته التامة التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر؛ فإذا عرف العبد أن الله ربه وخالقه؛ وأنه مفتقر إليه تعالى ومحتاج إليه عرف عبوديته المتعلقة بربوبيته. وهذا العبد يسأل ربه ويتضرع إليه ويتوكل عليه، لكن قد يطيع أمره وقد يعصيه؛ وقد يعبده مع ذلك، وقد يعبد الشيطان والأصنام، ومثل هذه العبودية لا تفرق بين أهل الجنة وأهل النار، ولا يصير بها الرجل مؤمناً، قال تعالى ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ فإن المشركين كانوا يقرون أن الله خالقهم ورازقهم، وهم يعبدون غيره. قال تعالى ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ فمن وقف عند هذه الحقيقة؛ وعند شهودها ولم يقم بما أمر به من الحقيقة الدينية التي هي عبادته المتعلقة بإلهيته وطاعة أمره وأمر رسله كان من جنس إبليس وأهل النار، حتى يدخل في النوع الثاني من معنى العبد. وهو العبد بمعنى العابد. فيكون عابدا لله لا يعبد إلا إياه. فيطيع أمره وأمر رسله, ويوالي أولياءه المؤمنين المتقين ويعادي أعداءه. وهذه العبادة متعلقة بإلهيته. ولهذا كان عنوان التوحيد «لا إله إلا الله» بخلاف من يقر بربوبيته ولا يعبده، أو يعبد معه إلها آخر. فالإله الذي يألهه القلب بكمال الحب والتعظيم والإجلال والإكرام، والخوف والرجاء. وهذه العبادة هي التي يحبها الله ويرضاها ومن أجلها خلق خلقه، كما قال ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ وبها وصف المصطفين من عباده وبها أرسل رسله.

 

والعبادة والطاعة والاستقامة ولزوم الصراط المستقيم ونحو ذلك من الأسماء مقصودها واحد. ولها أصلان:

أحدهما: أن لا يعبد إلا الله.

والثاني: أن يعبده بما أمر وشرع، لا بغير ذلك من الأهواء والبدع؛ قال تعالى ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدً ﴾ وقال ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ فالعمل الصالح هو الإحسان، وهو فعل الحسنات. والحسنات: ما أحبه الله ورسوله وهو ما أمر به من إيجاب أو استحباب. فما كان من البدع التي في الدين ليست مشروعة فإن الله لا يحبها ولا رسوله، فلا تكون من الحسنات ولا من العمل الصالح. وقوله ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ و ﴿ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ﴾ فهو إخلاص الدين لله وحده. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول «اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً ولا تجعل لأحد فيه شيئاً».

 

إذا تبين هذا فكمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله. وكلما ازداد العبد تحقيقاً للعبودية ازداد كماله وعلت درجته. والناس في هذا الباب يتفاضلون فيه تفاضلا عظيما، وهو على حسب تفاضلهم في حقيقة الإيمان. وهم ينقسمون فيه إلى عام وخاص. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار؛ تعس عبد القطيفة؛ تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شِيك فلا انتُقش، إذا أعطى رضي، وإذا منع سخط» فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الدرهم وعبد الدينار وعبد القطيفة وعبد الخميصة، وذكر فيه ما هو دعاء وخبر؛ وهو قوله «تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش» وهذه حال من عبد المال. فإنه إذا أعطي منه رضي، وإذا منع سخط، وهكذا حال من كان متعلقا برياسة أو بصورة أو نحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له ذلك رضي، وإن لم يحصل له سخط. فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له، إذ الرق في الحقيقة والعبودية هو رق القلب وعبوديته. وروى عن عمر رضي الله عنه «الطمع فقر، واليأس غنى؛ وإن أحدكم إذا يئس من شيء استغنى عنه » وهذا أمر يجده الإنسان من نفسه، وقال إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم ﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا له ﴾ فإن العبد لا بد له من رزق، وهو محتاج إلى ذلك. فإذا طلبه من الله صار عبداً لله فقيراً إليه؛ وإذا طلبه من مخلوق صار عبداً لذلك المخلوق فقيرا إليه.

 

وقد دلت النصوص على الأمر بمسألة الخالق، والنهي عن مسألة المخلوق في غير موضع كقوله ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ وقال تعالى ﴿ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ وقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس «إذا سألت فاسأل الله، وإن استعنت فاستعن بالله» وفي الدعاء الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لما فعل به أهل الطائف ما فعلوا «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين؛ وأنت ربي. اللهم إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك سخط عليَّ فلا أبالي؛ غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي سخطك، أو يحل علي غضبك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك».

 

وكلما قوى طمع العبد في فضل الله ورحمته، ورجاؤه لقضاء حاجته ودفع ضرورته قويت عبوديته لله وحريته مما سواه، فكما أن طمعه في المخلوق يوجب عبوديته له؛ ويأسه منه يوجب غنى قلبه عنه. كما قيل «استغن عمن شئت تكن نظيره وأفِضل على من شئت تكن أميره. واحتج إلى من شئت تكن أسيره» فكذلك طمع العبد في ربه ورجاؤه له يوجب عبوديته له. وإعراض قلبه عن الطلب من الله والرجاء له يوجب انصراف قلبه عن العبودية لله. لا سيما من كان يرجو المخلوق ولا يرجو الخالق، بحيث يكون قلبه معتمداً إما على رياسته وجنوده وأتباعه ومماليكه، وإما على أهله وأصدقائه، وإمام على أمواله وذخائره، وإما على سادته وكبرائه كمالكه وملكه وشيخه؛ ومخدومه وغيرهم؛ ممن هو قد مات أو يموت. قال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ وكل من علق قلبه بالمخلوقين: أن ينصروه، أو يرزقوه، أو يهدوه. خضع لهم قلبه وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك. وإن كان في الظاهر أميراً لهم مدبراً لهم، متصرفا بهم. والعاقل ينظر إلى الحقائق لا إلى الظواهر؛ فالرجل إذا تعلق قلبه بامرأة ولو كانت مباحة له، يبقى قلبه أسيراً لها تحكم فيه وتتصرف بما تريد، وهو في الظاهر سيدها لأنه زوجها، وفي الحقيقة هو أسيرها ومملوكها، فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن. واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن، فالحرية حرية القلب؛ والعبودية عبودية القلب، كما أن الغني غنى القلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم «ليس الغنى عن كثرة العرض؛ وإنما الغني غنى النفس».

 

ومن أعظم هذا البلاء إعراض القلب عن الله. فإن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله والإخلاص له لم يكن شيء قط عنده أحلى من ذلك، ولا ألذ ولا أطيب. والإنسان لا يترك محبوبا إلا بمحبوب آخر يكون أحب إليه، أو خوفا من مكروه. فالحب الفاسد إنما ينصرف القلب عنه بالحب الصالح أو بالخوف من الضرر. قال تعالى في نبيه يوسف ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ فالله يصرف عن عبده ما يسوءه من الميل إلى الصور والتعلق بها ويصرف عنه الفحشاء بإخلاصه لله ولهذا يكون قبل أن يذوق حلاوة العبودية لله والإخلاص له تغلبه نفسه باتباع هواها. فإذا ذاق طعم الإخلاص وقوي في قلبه انقهر هواه بلا علاج. قال تعالى ﴿ إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ فإن في الصلاة دفعاً للمكروه، وهو الفحشاء والمنكر، وفيها تحصيل المحبوب وهو ذكر الله. وحصول هذا المحبوب أكبر من دفع المكروه فإن ذكر الله وعبادة القلب لله مقصود لذاتها. فأما اندفاع الشر عنه فهو مقصود بغيره على سبيل التبع.

 

والقلب فقير بالذل إلى الله من جهتين: من جهة العبادة والعلة الغائبة. ومن جهة الاستعانة والتوكل، وهي العلة الفاعلية. فالقلب لا يصلح ولا يفلح؛ ولا يسر ولا يلتذ ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه والإنابة إليه. ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن ولم يسكن. إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه من حيث هو معبوده ومحبوبه ومطلوبه، وبذلك يحصل له الفرح والسرور واللذة والنعيم والسكون، والطمأنينة. وهذا لا يحصل إلا بإعانة الله له. ولا يقدر على تحصيل ذلك له إلا الله. فهو دائما مفتقر إلى تحقيق ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ ا هـ ببعض اختصار هذا وليست العبادة تلك الصور الظاهرة، والحركات الميكانيكية؛ والأعمال التقليدية. فإنها كلها ميتة لا تحقق معنى ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ بل طالما كانت شراً على أهلها المرائين المخادعين الكاذبين؛ اتخذوها شبكة لصيد مآرب الدنيا؛ وحبلا يحتطبون فيها حطاما الفاني. وصرفت القلوب عن خوف الله وخشيته وطال عليها الأمد فقست، وكثير منهم فاسقون خارجون على الله وعلى شرائعه؛ وعلى حدوده العبادة: تعبيد الروح والقلب لله، وامتزاج ذلك بكل ذرة، وكل عمل وكل خلق وكل حال. من كان كذلك كان من عباد الله المخلصين. جعلنا الله منهم بفضله وكرمه. محمد حامد الفقي.

 

المجلة

السنة

العدد

التاريخ

الهدي النبوي

الثانية

الرابع والعشرين

ربيع الأول سنة 1358 هـ



[1] والآيات بعدها كذلك سؤال للمشركين تقريرا لهم عن رب السماوات السبع ورب العرش العظيم من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه وختمها كلها ﴿ سيقولون لله ﴾.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير آية: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر}
  • تفسير آية: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله}
  • تفسير آية: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات}
  • تفسير آية: ﴿ كزرع أخرج شطأه ﴾ في الثناء على الصحابة
  • تفسير آية: { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم }
  • { يا أيها الناس اعبدوا ربكم }
  • { يا أيها الناس اعبدوا ربكم }

مختارات من الشبكة

  • تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تدبر آية: يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية: (يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المصادر الأولية لتفسير كلام رب البرية: المحاضرة الثانية (تفسير الآيات الناسخة للآيات المنسوخة)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • تفسير: (قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ...)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب