• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

نفحات قرآنية (25)

نفحات قرآنية (25)
بخاري أحمد عبده

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/2/2013 ميلادي - 2/4/1434 هجري

الزيارات: 4271

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نفحات قرآنية (25)


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيام[1] كَمَا كُتِبَ[2] عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ[3] مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ[4] فِدْيَةٌ[5] طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ[6] خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ[7] رَمَضَانَ[8] الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[9] يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا[10] الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا[11] اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ[12] تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 183 - 185] بنفوس رمضت من هجير الحياة، وحُمَّتْ[13] (بضم الحاء وتشديد الميم المفتوحة) بالجوى[14]، والأجواءُ التي تتعاقبُ على دنيا المسلمينَ وَخِيمةٌ[15]، خانقةٌ، نستقبلُ برْدَ هذه الآيات قانعين بالأرواح، حسبُنا أنْ نقبسَ[16] منها القَبْسة، ونستروحَ[17] النَّسمة بل النَّسمات التي تحملُ في تضاعيفِها السَّنى والسَّناء، والطهرَ والإيمان، ولقد عُولجتْ هذه الآياتُ حتى ظُنَّ (بالبناء للمجهول) أنها استُفرِغَتْ (بالبناء للمجهول)، وأنَّ معانيها استبانتْ وانتُثِلتْ (بالبناء للمجهول)، فلم يَعُد هناك مزيد لمستزيد، ولكنَّه القرآن، لا يشبع منه العلماءُ، ولا يَخْلَقُ عن كثرة الردِّ ولا تنقضي عجائبُه، هو الذي لم تنته الجنُّ إذْ سمعتْه حتى قالوا: ﴿ ...إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﴾ [الجن: 1]، فهو بحكم كونِه يخاطبُ ذَوِي البَداوة السَّطحيين، وذوي الوعي الفَطِنين، وذوي التَّجارِب من المتأخرين ودُعاة العَلمانية والمادانية المفتونين المغرورين: لا تنفد معانيه، ولا يُجَذُّ[18] (بالبناء للمجهول) عطاؤُه، ينهل كلُّ جيل من فيضِه الزَّاخر بقدر حجمه، ويعب كفاء خبراتِه وعلمه، فكلمات القرآن ستبقى حافلةً بالمعاني، جامعة للهدى، مددًا ثرًّا غزيرًا إلى يومِ القيامة، كالشَّمس ترسلُ من شعاعها ما ترسلُ كلَّ يوم، ولكنَّ انتفاع النَّاس بأسرارها وأضوائها، وطاقاتها يختلفُ من جيلٍ إلى جيل إلى جيل، كذلك القرآن وصدق الله: ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [لقمان: 27].

 

بيئة الآيات الكبرى تطهِّر، وتحرِّر وتبنى، والآيات تشكِّل قطاعًا في سورة البقرة التي تولي اهتمامَها للمسلمين، وقد تركَّزوا في المدينة جماعةً مستقلة تبذرُ بذورَها، وتعمق جذورَها، وتعلي فروعها، وتمد ظلالها، وتتطلع كي تنشئَ دولةً فَيْنانة طيبة الجنى، مهيبة، ذات شوكة، دولة تصمدُ أمام تحدِّيات أهلِ الكتاب بكلِّ ما جُبِلوا عليه من مكابرةٍ وحقد وحسد، وتحريفٍ للكلم، وقلبٍ للحقائق، وغزوٍ للأفكار التي طالما انخدعتْ بهم وتأثَّرت بأكاذيبهم باعتبارهم أهلَ كتابٍ وعلم.

 

فالسورةُ تهتمُّ أولاً: بنزْح مخلفاتِ اليهود العَفِنة، التي تراكمتْ على عقول العرب، ثانيًا: بهزِّ الصورة الكاذبة التي انطبعتْ في أدمغةِ العربِ عن اليهود، ثالثًا: تهتم بأنْ تُحِلَّ (بضم التاء وكسر الحاء) محلَّ الأباطيل والتُّرَّهات التي غزا بها اليهودُ أفكارَ العرب الرازحين تحت وطْأَة عقدة الأمية، التي استغلها اليهودُ أسوأَ استغلالٍ.

 

وتحقيقًا لهذه الغاية دأبت السُّورةُ على تناول أهلِ الكتاب، وإسقاطِ أقنعتهم، وفضح ألاعيبِهم، وكشفِ زيفِهم، ونبذِ مواقفِهم، وتعريةِ تاريخِهم، وتجريدِهم من الهالات الكاذبة التي أحاطوا بها أنفسَهم، وهكذا تتحرَّر العقولُ من آثار الغزوِ الفكري الذي مارسه اليهودُ ضدَّ العرب سنينَ طويلة وقرونًا، وكذلك تستخلصُ العِبَرَ مما حاق بهؤلاء، وتتهيأ كي تستوعبَ حقائقَ الإسلام، وتنتفعَ بنفحاتِ القُرآن وتشريعاتِه التي اقتضاها وضعُ المسلمين الجديد، وتميزهم أمةً مستقلة ذاتَ منهجٍ قويم، ومقصد سام.

 

وخلال ذلك تجيء آياتٌ تجلو العقيدةَ وتعمِّق جذورَها، وآياتٌ تنحت من التَّاريخ، وآيات تعرض من مشاهدِ القِيامة، وآياتٌ تشيرُ إلى أصولِ العلم، وأخرى تتحدَّثُ عن عِللِ النَّفس، وتتتبعُ حركاتِ الملتوين المنافقين، وكل هذه الهدايات التي حفلت بها السُّورةُ تتضافرُ على إعدادِ المسلم، وتربيتِه حتى يمارسَ دورَه القيادي على الأرض: خليفةً، ثاقبَ الفكر، بعيدَ النَّظر، يتحرَّى الأصلح، ويكسر كلَّ الحواجز التي تعوقُ استتباب السَّلام، حتى يتبوأ المقام الأسنى والمحل الأرفع، ويتهيأ للكمال المقدَّر له في الدُّنيا والآخرة، حتى يجتازَ ويدرجَ نحو مقامِ الشَّهادة، مقامِ خيرِ أمةٍ أخرجتْ للنَّاس.

 

سورة البقرة إذًا:

1- تنزح ما تراكمِ في العقلياتِ والقلوب من قِيَم، ومفاهيم ورؤى ما أنزلَ اللهُ بها من سلطان.

 

2- تنسِفُ قواعدَ الذين استعمروا يومئذٍ عقولَ العرب، وانتصبوا في أعينِهم، وقلوبِهم أوثانًا تضلُّ وتبهر.

 

3- تجلو الأوعيةَ التي ظلَّتْ زمانًا منطوية على قاذوراتِ اليهود حتى تنظَّف تمامًا، وتطهر وتعكس.

 

4- تشحنُ هذه الأوعيةَ بقيم الإسلام، وتقيمُها على منهجِ الإسلام، وتغذوها بحقائقِ الإسلام.

 

تلمس كلَّ هذا في يسرٍ وأنت ترجعُ بصرَك - متمعنًا - في آيات السورة الكريمة، وهي تقذِفُ بالحقِّ على الباطل فتدمغُه فإذا هو زاهق، وتناديهم وتناقشُهم فيما يثيرون وفيما يزعمون، وتورِدُ من مواقف الخيانةِ والكفران والإجرام ما يدين السَّلف والخلف، واقرأ من قول الله: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ... ﴾ [البقرة: 40] إلى قول الله: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ... ﴾ [البقرة: 177] صفحات اتهامٍ طويلة ينشرُها القرآن، ورغم هذا وقع العربُ في الشِّراك، وسقطوا نهب الأظفار والأنياب.

 

البيئة الصغرى:

وآياتُ الصِّيام تَرِدُ ضمنَ آياتٍ تكوِّن قطاعًا متميزًا من قطاعات السُّورة، قطاعًا يتناول المجتمعَ الجديد الذي تكامل ونما، وازدهر في المدينة المنورة، ويتضمنُ هذا القطاعُ شرائعَ جنائية، وأحوالاً شخصية، ومعاملاتٍ مالية واجتماعية، وأوامر تعبدية، وكلها تنبثقُ من التقوى، وتحفز نحو مزيدٍ من تقوى.

 

تلمس هذا وأنت تقرأ من قول الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ... ﴾ [البقرة: 178] إلى قولِه - سبحانه -: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188]، وتلمس - وأنت تقرأ - عنصرَ التقوى ينعشُ بين الآيات كما تنعشُ النُّجوم، ويربطُ بينها بالرِّباطِ الوثيق؛ فعلةُ القِصاص التقوى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 179]، والحامل على الوصيةِ التقوى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 180]، وعلة الصِّيام التقوى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، والهدفُ من التبيين التقوى: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187]، ويؤازر التقوى - في عملية الرَّبط - خصالٌ هي في حقيقتِها أقباسٌ من التقوى: ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].

 

وتحسُّ - وأنت تقرأ - أنَّ روحَ التحرير تتغلغلُ في هذا القِطاع الأصغرِ تغلغلَهُ في ذلك القطاعِ الأكبر، تحسُّها في القصاص الذي يستأصل المولى به شأفةَ الإجرامِ من نفسِك كي تتحرَّرَ من وطأة الشرِّ، وضغوطِ الشَّيْطان، وتحكمَ الغرائز الدَّنِيَّة.

 

وتحسُّها في الوصية[19] التي تحطِّم بها أغلالَ المادة وأطواقَ الأثرة، والانفرادية، وتحسُّها في الصِّيام تقهرُ به الشهوةَ وتتحرَّرُ من استعبادِ المعدة، ونزواتِ المزاج، وشَرَكِ الشيطان.

 

حق الشهر الكريم:

وكمنهجي في النَّفحات - لستُ أنوي تناولَ الأحكام والمعاني المباشرة التي تسخو بها آياتُ الصِّيام، فقد كفانا مؤونةَ هذا أفذاذٌ لا يُشقُّ لهم غبار، ولم تعيهم شاردةٌ أو واردة، فوق أنَّ كثيرًا من المسلمين يتقرَّبون إلى الله في هذا الشَّهر الكريم بنشرِ كلِّ ما قيل في حقِّ الآيات وفي شأن الصِّيام، ومنهجي الأثير أنْ أقرأ وأقرأ، فإذا انطبعَ في وجداني معنًى، أو هزَّ فكري خاطرٌ، أو ألقيت في رُوعي نفحةٌ، تهيأتُ لها وتصيَّدتُ وقيدت.

 

ولكني - وفاءً بحق الشَّهر، ومجاراةً لغيري، وإشباعًا للرغبات المتطلعة - سأسوق معانيَ مُجملة موجزة للآياتِ ثُمَّ أعودُ بعدها إلى منهجي الأثير.

 

1- يجبهك - من أول وَهْلة - نداءُ الإيمان، والنِّداءُ بصفة الإيمان حَرِيٌّ أنْ يثيرَ في المؤمنين كلَّ قوى الإيمان، وأنْ يهيئَهم لما وراء النداء من تكاليفَ ثقيلةٍ على من لم يتدرَّع بالإيمان، وأن يحشدَهم تحت مظلة الإيمان جماعةً متكاملة، متعاونةً متوالية، وإيحاءً بأنَّ رابطة الإيمان هي القوةُ العاصمة الدافعة للمجتمع الإسلامي الوليد، كانتْ كلُّ الآياتِ التي بدأتْ بهذا النداء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ آيات مدنية نزلتْ في المدينة بعد أنْ انتظمَ عقدُ المسلمين وتكوَّنوا أمةً متميزة ذاتَ كيانٍ ومنهج، وأهدافٍ عُليا، فكأنَّ النداء بوصف الإيمان يشي بالمسؤوليةِ الجماعية التي تحتِّمُ التآمرَ بالمعروف والتناهي عن المنكر، والتعاونَ على البرِّ والتقوى.

 

2- وبعد الاستجاشةِ وتهيئةِ الجوِّ النفسي الملائم - بنداء الإيمان - يعلنُ المولى فرضيةَ الصِّيام، ويهوِّنُ عليهم فيذكر أنَّ هذا سنةُ اللهِ في الأمم: ﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 183]، والإشارة إلى الأمم السَّابقة التي ابتُليت بالصِّيام فيها تنشيطٌ للأمة كي ينافسوا غيرَهم ويسارعوا إلى جميلِ الخِلال، وحميدِ الخصال، وإيقاظِ روح التنافس والاستباق بهذا الأسلوب يهوِّن من الآصار والتكاليف، ويجعل الأمر حبيبًا إلى النَّفس - وإن كان شاقًّا - وإثارةُ رُوحِ الاستباق لا تدل على أنَّ ميدان التسابق يتشابَهُ في كلِّ نواحيه، بل تدلُّ فقط على وحْدةِ الهدف (التقوى، والظفر بالرضوان)، فلأولئك منهجٌ وكيفيات، ولنا منهج وكيفيات، ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة: 48]، والمولى الذي بوَّأَ هذه الأمةَ مكانةً تعلو على كلِّ الأقدار ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، ورفعها حتى احتلَّتْ مستوى الشَّهادة على النَّاس؛ ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: 143] - لا يرضى منَّا إلا أن نكونَ السَّابقين السابقين، والسَّبق في منازل الآخرة لا يتأتَّى بالتفريط في أنصبائِنا من الدُّنيا، فيا ويلَ المسلمين إنْ حُشِروا إلى الله عجافًا مريشين[20].

 

3- وغاية المستبقين التقوى والصِّيام على النحو الذي أمر الإسلام به من أهم أسبابه؛ إذ فيه:

1- امتثالُ الأمر الرَّباني، واجتنابُ النواهي الإلهية، ومخالفةُ النفس بالامتناع عن المشتهيات انصياعًا وزلفى، ورجاءً وخوفًا.

 

2- والصَّوم تدريبٌ على المراقبة، والصَّبر عما تجنح إليه النفوس، وهما يعينان على تبين الطَّريق، وتحمل المشاق التي تزخر بها طرائقُ التقوى.

 

3- والصَّوم بحقائقه وآدابه يضيِّقُ مجاري الشَّيطان، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدَّم، وكل همه أنْ يعوقَ ويقطع طريقَ السَّالكين إلى الله، والصَّوم - فوق ذلك - يحرِّكُ كامنَ العطف، ويغري بالطَّاعات، والطاعات تقوى، ومدارج إلى مزيدٍ من تقوى، والحقُّ أنَّ الصَّومَ تربيةٌ لأنواعِ القوى التي يتسلَّح بها المؤمنُ، فالمؤمن في أوج قوتِه يكون في أوج تقواه، فبين القوة والتقوى تناسبٌ طرديٌّ (إذا زاد أحدُهما زاد الآخر...).

 

إنَّ الصَّومَ يكبح جماحَ الأعضاءِ المنطلقةِ مع رياحِ الشَّهوات ويفطم النُّفوسَ الأمَّارةَ عن المألوفات، ويعدل القوى الدَّنِيَّة ويعليها، ويوجهها نحو ما يزكيها ويسعدها في الدارين، فهو - بهذه المعاني - رياضةٌ وجنة، وإيثارٌ خالص لما عند الله.

 

ولذا كان - من دون العبادات - خالصًا لربِّ العالمين ((الصِّيام لي، وأنا أجزي به)).

 

والصَّومُ - بهذا العطاء الجمِّ - رحمةٌ وإحسان، ونفحةٌ ومنحة إلى النَّاس من ربِّ العالمين.

 

4- والصَّوم بعد ذلك أيامٌ معدودات هي أيامُ رمضان، ولم يكلِّفْنا اللهُ بصوم أشهرٍ أو سنوات، ولم يفرضْ علينا صومَ الدَّهر، فما أهونَ الأيام التي تحصر وتعدُّ، ولا سيما إذا قورنت بالمصالح الجمَّة التي تنجمُ من الصِّيام، والمولى - زيادة في التهوين - يستعمل جمعَ القلة[21] ﴿ أيام ﴾ إيحاءً بأنَّها قليلةٌ لمن استغرقَ مخلِصًا وانشغل بتحقيقِ هداياتِه، وتحري كمالاتِه، فإنه يستقبل الشَّهر، وسرعان ما يودِّعه متعجبًا من سرعة انطوائه.

 

5- والصَّوم في غمرة هداياتِه خفيفُ الظِّلِّ يسير، والمولى لا يكلفنا عُسرًا، ولا يحمل علينا إصرًا، بل لا يفتأ - سبحانه - ييسِّر ويخفِّف، ويشد الأزرَ حتى تهونَ التكاليفُ علينا، فلا عجب إذا راعى:

أ- جانبَ أولئك المتلبسين بالمشَاقِّ من مرضى ومسافرين، فرخَّص لهم أن يفطروا ويقضوا أيامًا بقدرِ الأيام التي أفطروا فيها.

 

ب- بل لا عجبَ إذا تدرَّج الله بالنَّاس، ففرض الصِّيام في أول الأمر اختيارًا، من نشطَ صام، ومن لم ينشطْ أفطر، وأطعم عن كلِّ يومٍ مسكينًا، حتَّى إذا دُرِّبتِ النفوسُ وتهيأت، وألفت القلوبُ وتعلقت - تقرَّرَتْ حتميةُ الصَّوم بقوله سبحانه: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، وقد كان كُتِبَ قَبْلُ اختيارًا بقوله سبحانه: ﴿ ...وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184]، فنُسِخَ الحكمُ بالنسبة للأقوياء الأصحَّاء القادرين، وبقي في حقِّ الشيخ والشيخة.

 

6- والشهر بعد هذا عظيمٌ، ومن جوانب عظمته: اختيارُه ليكون شهرَ القرآن وما أدراك ما القرآن؟ فكأنَّنا حين نصوم هذا الشهر:

أ- نمتثل لأمرِ الله.

 

ب- ونحتفلُ بالقرآن وهداياتِه وبيناتِه.

 

ج- ونتزوَّدُ لأيامِ العام، وسني العمر: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].

 

7- وحتَّى لا يُظن أنَّ حكمَ نسخ التخيير الذي كان ينسخ أيضًا رخصةَ المسافر والمريض، أعاد - بعد أن قرر حتمية الصَّوم بـ ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ - اللهُ أمرَ الرخصة الممنوحةِ لهما تأكيدًا ودفعًا للوَهْم.

 

8- وأعلن المولى - هنا - صراحةً قانونَ التيسير؛ هذا القانون الذي تضمنه كثير من المواقفِ الإسلاميةِ والأوامرِ الإلهية، ثُمَّ ذكر صراحةً في مثل قوله سبحانه: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].

 

9- والمولى حين يفسِّرُ الأيامَ المعدوداتِ بشهرِ رمضانَ، وحين يأمرُ المريضَ والمسافر بقضاءِ عدةٍ من أيام أخر، إنما يهدفُ إلى إتمامِ النِّعمة بإكمال العدَّة، وحين يعلِّمُنا هذا التعليمَ الشامل المحيط بكلِّ جوانب الصَّوم يضطرُّنا إلى التكبير، والتنزيه والإجلال.

 

وحين يرعى جوانبَ الضَّعف فينا نحن البشر، حين يشرِّع، وحين يرعى الظَّرف فيخفف ويرخِّص، يضطرنا إلى أن نحمدَه ونشكره.



[1] الصَّوم لغةً: مطلقُ الإمساك عن الشيء، وشرعًا: هو الامتناع عن شهوتَيْ البطن والفرج بنية، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وكمال الصَّوم في اجتناب سائرِ المحرَّمات، والتحلي بآداب الإسلام.

[2] التشبيه في أصل الوجوب، بصرْف النَّظر عن الكمِّ والكيف، والوقت.

[3] عليه أيام عدد ما فاته تُقضى في وقتٍ آخر.

[4] الإطاقة: القوة والقدرة عليه مع مشقةٍ جسدية أو نفسية، أو بلا مشقة، فتكون بمعنى (الوسع)، والوسع: القدرة مع السهولة.

[5] الفِدية: مال ونحوه يجبر به الإنسان تقصيرًا وقع منه في عبادة من العبادات.

[6] بأن زاد فأطعم أكثرَ مِن مسكين، أو تطوَّع فأطعم من غير تقصيرٍ أو إخلال بواجب.

[7] من الشهرة والظهور.

[8] الرَّمض، والرمضاء: شدة حرِّ الشمس، قال الزمخشري: عند تسمية الشهور وافق هذا الشهر أيام رمض الحرِّ، فسُمِّي رمضان.

[9] أوثرت كلمة (أخر) على كلمة (أخرى) دفعًا لما قد يتوهم من أن (أخرى) نعت (لعدة) وحينئذ يلتبس المقصود بغيره.

[10] في العبارة إشارة إلى أنَّ صيام رمضان لا يحصل المقصود منه إلا باستيفاءِ العدَّة كلِّها، هذا فوق أنها علة الأمر بمراعاة العدة.

[11] ولتكبروا: علة ما علم من كيفية القضاء والخروج عن عهدة الفطر.

[12] لعلكم تشكرون: علة الترخيص والتيسير، قال الزمخشري: شرع المولَى جملة ما ذكر من: أمر الشَّاهد بصوم الشهر، وأمر المسافر والمريض بمراعاة عدَّة ما أفطرَ فيه، ومن الترخيص في إباحةِ الفطرِ شحذًا للهمم، ودفعًا نحو الحرص، وتوفيرًا لفرص الشكر، وإطلاقًا للألسنة؛ كي تلهج بالتعظيم والتكبير، هذا ويدخل في التكبير: التكبير الذي نمارسه منذ رؤية هلال شوال إلى الفراغ من خطبة العيد.

[13] أصيبت بالحمى.

[14] الجوى: الحرقة.

[15] سيئة.

[16] قبس، واقتبس، أخذ واستفاد.

[17] نستروح: نتشمم.

[18] لا ينقطع.

[19] كان ذلك قبل آيات المواريث التي حدَّدت الأنصباء، ونصَّت على حقِّ الوالدين وغيرِهما، ومن ورَّث فلا وصيةَ له ويبقى النصُّ قائمًا بالنسبة لغير الورثة من الأقربين.

[20] مسلوخين.

[21] جمع القلة يستعمل فيما دون العشرة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نفحات قرآنية (21)
  • نفحات قرآنية (22)
  • نفحات قرآنية (23)
  • نفحات قرآنية (24)
  • نفحات قرآنية (26)
  • نفحات قرآنية (27)
  • نفحات قرآنية (28)
  • نفحات قرآنية (31)

مختارات من الشبكة

  • نفحات رمضانية تدبرية: ثلاثون نفحة تدبرية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • وأطل علينا شعبان بنفحة من نفحات الخير(مقالة - ملفات خاصة)
  • نفحات قرآنية (17)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من خصائص رمضان: لله نفحات من رحمته يصيب بها من شاء من عباده وشهر رمضان أرجى الأزمنة لذلك(مقالة - ملفات خاصة)
  • نفحات قرآنية في سورتي الكافرون والإخلاص(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الماعون والكوثر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور الشمس والضحى والعصر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الفجر والبلد(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي البروج والأعلى(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الانفطار والمطففين(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/11/1446هـ - الساعة: 13:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب