• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

الفرقة كربة

د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/11/2012 ميلادي - 21/12/1433 هجري

الزيارات: 10328

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ولا تكونوا أمثالهم (1)

الفُرقة كربة


قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 105].

 

الوَحْدة والتسانُد المُخلِص هما سرُّ النصر والنجاح، والفُرقة والتشَرذُم تُشتِّت الجهد وتُبعثِر النتائج فتجعلها هباءً منثورًا؛ ولذلك نهى الله - تعالى - المؤمنين أن يسلكوا طريق أهل الكتاب في التفرُّق في السياسة والاختلاف في الدِّين فيَهلكوا هلاكهم؛ فقال - تعالى - مخاطبًا إياهم: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾ [آل عمران: 105]، فلا يَنبغي أن يكون العِلم والمعرفة بشرائع الله سببًا في الفُرقة والخِلاف، وهما أداة الوحدة والائتلاف، وأعلمَهم بجزاء المُختلِفين من أهل الكتاب؛ ليَعتبروا فلا يَختلفوا، فقال تعالى: ﴿ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 105] لا يُقادَر قدره ولا يُعرف مداه[1].

 

وقدَّم الافتراق على الاختلاف؛ للإيذان بأن الاختلاف علَّة التفرُّق، وهذا مِن المفادات الحاصِلة مِن ترتيب الكلام وذكْر الأشياء مع مقارنتِها، وفيه إشارة إلى أن الاختلاف المذموم والذي يؤدِّي إلى الافتِراق، وهو الاختلاف في أصول الديانة الذي يُفضي إلى تكفير بعض الأمة بعضًا، أو تفسيقه، دون الاختلاف في الفروع المبنيَّة على اختلاف مصالح الأمة في الأقطار والأعصار، وهو المعبَّر عنه بالاجتهاد، ونحن إذا تقصَّينا تاريخ المذاهب الإسلامية لا نجد افتراقًا نشأ بين المسلمين إلا عن اختلاف في العقائد والأصول، دون الاختلاف في الاجتهاد في فروع الشريعة، والبيِّنات: الدلائل التي فيها عِصمة مِن الوقوع في الاختلاف لو قيِّضتْ لها أفهام[2].

 

وأخرَج عبْد بن حميد عن الحسَن قال: كيف يَصنع أهل هذه الأهواء الخبيثة بهذه الآية في آل عمران: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾ [آل عمران: 105]؟ قال: "نبذوها وربِّ الكعبة وراء ظهورهم".

 

وأخرَج أحمد وأبو داود والحاكم عن معاويَة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أهل الكتاب تفرَّقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملَّة، وتفترِق هذه الأمة على ثلاث وسبعين مِلة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، ويخرج في أمتي أقوام تتجارى تلك الأهواء بهم كما يَتجارى الكَلبُ بصاحبه، فلا يبقى منه عِرق ولا مفصل إلا دخله)).

 

يَتجارى: التجاري، تفاعل مِن الجرْي، وهو الوقوع في الأهواء الفاسِدة، والتداعي فيها، تشبيهًا بجرْي الفرَس.


الكَلَب: قال ابن الأثير: "داء يَعْرِض للإنسان من عضِّ الكلْب الْكَلِب فيُصيبُه شِبْه الجُنون فلا يَعضُّ أحدًا إلا كَلِب، وتَعْرِض له أعْراضٌ رَدِيئة، ويَمْتَنِع مِن شُرْب الماء حتى يموت عَطَشًا.


قال العباد:

يَحصل لذلك المَعضوض بسبب هذه العضَّة ضررٌ وألم يَصل إلى جميع جسده، ولا يبقى منه مَفصِل أو عِرق إلا دخله.

 

قال الإمام الشاطبي:

معنى هذه الرواية أنه - عليه الصلاة والسلام - أخبر بما سيكون في أمته مِن هذه الأهواء التي افترقوا فيها إلى تلك الفِرَق، وأنه يكون فيهم أقوام تُداخِل تلك الأهواء قلوبهم حتى لا يُمكن في العادة انفِصالها عنها وتوبتهم منها، على حدِّ ما يُداخل داء الكلَب جِسم صاحبه فلا يَبقى مِن ذلك الجسم جزء من أجزائه ولا مَفصِل ولا غيرهما إلا دخله ذلك الداء، وهو جرَيان لا يَقبل العلاج ولا ينفع فيه الدواء، فكذلك صاحِب الهوى إذا دخَل قلبه، وأُشرِب حبه، لا تعمل فيه الموعظة ولا يَقبل البرهان، ولا يَكترِث بمَن خالَفه.

 

وأخرَج الحاكم عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يأتي على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حَذْو النعل بالنعل، حتى لو كان فيهم مَن نكَح أمَّه علانيةً كان في أمتي مثله، إن بني إسرائيل افترَقوا على إحدى وسبعين ملَّة، وتَفترِق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار إلا ملة واحِدة فقيل له: ما الواحدة؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي)).

 

وأخرج ابن ماجه عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((افترقَت اليهود على إحدى وسبعين فِرقة، فواحدة في الجنة وسَبعون في النار، وافترقَت النصارى على اثنتَين وسبعين فِرقة، فإحدى وسَبعون في النار وواحِدة في الجنَّة، والذي نفس محمد بيده لتفترقَنَّ أمتي على ثلاث وسبعين فِرقة، فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار، قيل: يا رسول الله، مَن هم؟ قال: الجماعة)).

 

وأخرَج أحمد عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن بني إسرائيل تفرَّقت إحدى وسبعين فرقة، فهلكَت سبعون فِرقة وخلصَت فِرقة واحدة، وإن أمتي ستَفترِق على اثنتَين وسبعين فِرقة، تهلك إحدى وسبعون فِرقة وتخلُص فِرقة)) قيل: يا رسول الله، مَن تِلك الفرقة؟ قال: ((الجماعة، الجماعة)).

 

وأخرج أحمد عن أبي ذرٍّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اثنان خير مِن واحد، وثلاثة خير مِن اثنين، وأربعة مِن ثلاثة، فعليكم بالجماعة؛ فإن الله لم يجمع أمتي إلا على هُدى)).

 

وأخرَج ابن مردويه عن كَثير بن عبدالله بن عمرو بن عَوف عن أبيه عن جدِّه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ادخلوا عليَّ، ولا يَدخل عليَّ إلا قُرَشي)) فقال: ((يا معشر قريش أنتم الولاة بعدي لهذا الدِّين، فلا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون، ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾ [آل عمران: 105]، ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]))[3].

 

عن ابن عمر قال: خطَبنا عمر بالجابية فقال: "يا أيها الناس، إني قمتُ فيكم كمقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينا فقال: ((.... عليكم بالجماعة، وإياكم والفُرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، مَن أراد بُحبُوحة الجنَّة فليلزم الجماعة...)).؛ الترمذيُّ، وبُحبُوحة الجنة: وسطها، والفذُّ هو الواحد.

 

وعن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن فارَق الجماعة شِبرًا فقد خلع ربقة الإسلام مِن عنقه))؛ أبو داود، أراد برِبقة الإسلام: عَقد الإسلام، وأصلُه أن الرِّبق حبْل فيه عدة عرًى يُشدُّ بها الغنم، الواحدة مِن العُرى: رِبقة.

 

وأيُّ جماعة هي المُرادة؟ هي جماعة المسلمين العامة؛ إذ لم تكن ثَمَّ أحزاب ولا تكتُّلات على عهد رسول الله - عليه الصلاة والسلام - فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((عليكم بالجماعة)) المراد به جماعة المسلمين العامَّة، التي يَنطوي تحتَها كل مُسلم، هذا معنى كلام رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذ - كما أسلفنا - لم تكن الأحزاب، ولا التكتُّلات، ولا العصبيات، ولا القوميات، موجودةً على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم.

 

حِرص الكفار على تَفريق المسلمين:

لما شعَر أعداء الله بأن في اتِّحاد المسلمين قوة لهم كما لا يخفى، مزَّقوهم إربًا؛ مزَّقوهم إلى قوميات، واشتعَلت في تركيا جماعة "تركيا الفتاة" التي تبثُّ القومية التركية في تركيا، وتَفصِلها عن الإسلام، واشتعَلت في بلاد العرب ما يُقاوِم القومية التركية، وهي القوميَّة العربية؛ ففضَّلوا العربيَّ النصراني على التركِيِّ المُسلم، وتقسَّموا إلى دُوَيلات، كل دوَيلة ترفَع شِعارها الجاهليَّ؛ فمصر ترفَع الشعار الفِرعوني، والعِراق ترفع الشعار البابلي، كل حزب بما لدَيهم فَرِحون، كما قال تعالى: ﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [المؤمنون: 53].

 

ولم يقف الأمر إلى هذا الحدِّ، بل المذاهب أيضًا - التي يُفترَض فيها جميعها أن يكون مُنطلقها كتاب الله وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في الفُتيا ثم أقوال الصحابة - تعصَّب لها أهلُها غاية التعصُّب؛ تعصب الشافعية في أوقاتٍ للمذهب الشافعي أيما تعصُّب، وتعصَّب الأحناف للمذهب الحنفي أيما تعصُّب، وكذلك الحنابِلة، وكذلك المالكيَّة، حتى صدَرت جملة مِن الفتاوى تُحرِّم على بعض أهل المذاهب الزواج مِن المذهب الآخَر، وقد شكا مِن هذا الصنعاني - رحمه الله تعالى - صاحب كتاب "سبل السلام" وهو ابن الأمير الهاشميِّ المشهور، وذكر - رحمه الله تعالى - أبيات شِعر يتوجَّع فيها غاية التوجُّع من أهل زمانه الذين ناصَبوه العداء، لا لذنب اقترفه، ولا لإثم ارتكبه، إلا لكونه متَّبعًا للدليل الوارد مِن الكتاب والسنَّة، فقال - رحمه الله تعالى - ناعيًا على قومه، وناعيًا أيضًا على أقربائه مِن آل بيت الرسول - عليه الصلاة والسلام - الذين تعصَّبوا للمذهب الزَّيدي، قال فيهم وفي غَيرهم مِن المتعصِّبة الذين نبَذوا الأدلة وراء ظهورهم:

 

وأقبَح مِن كل ابتداع رأيته
وأنكاه للقلب الْمُوفَّق للرشْد
مَذَاهِب مَن رام الْخلاف لبعضِها
يعَضُّ بأنياب الأساوِد والأُسْد
فيَرميه أهل الرَّفْض بِالنّصب فِرْيَة
ويَرميه أهل النصب بالرفض والجحدِ
وَلَيْسَ لَهُ ذَنْب سوى أَنه غَدا
يُتَابع قَول الله فِي الحلِّ وَالعقد
لإن عدَّه الْجُهَّال ذَنبًا فحبذا
بِهِ حبَّذا يَوْم انفرادِيَ فِي لحدي

 

وتوجَّع آخَر فقال:

وإن يَسألوا عن مذهبي لم أَبُحْ بهِ
وأكتُمه، كِتمانه ليَ أسلَم
فإن حنفيًّا قلتُ، قالوا بأنني
أُبيح الطِّلا وهْو الشراب المُحَرَّم
وإن مالكيًّا قلت، قالوا بأنني
أبيح لهم لحْم الكِلاب، وهُمْ هُمُ
وإن شافعيًّا قلت، قالوا بأنني
أبيح نِكاح البنت، والبنت تَحْرُمُ
وإن حنبليًّا قلتُ، قالوا بأنني
ثَقيلٌ، حَلُولِيٌّ، بَغيضٌ، مُجسِّمُ
وإن قلت مِن أهل الحديث وحزبه
يقولون تَيْسٌ، ليس يَدري ويَفهم
تعجَّبتُ مِن هذا الزمان وأهله
فما أحد مِن أَلسُن الناس يَسلم[4]

 

الرأي والرأيُ الآخَر:

مِن أبرز عوار الديمقراطية الغربية المعاصِرة أنها رفعت شعارات ((الرأي والرأي الآخَر)) و((التعدُّدية الحزبية))، وهذه شعارات تبدو لأول وَهلة براقة، لكنها أخذت صورُا مُغايِرة تمامًا على أرض الواقع؛ فالأحزاب السياسية أقرب إلى التناحُر والتطاحُن منها إلى التشاور والتناصُح، وصارت العملية السياسية أشبه بمسرحية هزليَّة لا تعرِف قيمًا ولا توثِّق عهدًا ولا تتبنى مَعروفًا؛ وهذا لأن المنظومة السياسية الديمقراطية لا ترتكِز في الأساس إلى أسُس ومعايير ثابِتة تَحتكم إليها، بل هي معارِك طاحنة يَحكمها الأهواء، وإلا كيف يتَّفق القوميُّ مع الشُّيوعيِّ مع الرأسماليِّ، فهذا يُعلي مصلحة وطنه أو إقليمِه، وذاك يُلغي الملكيَّة الفردية ويُسوِّي بين الطاقات والملكات والقدرات، والأخير يُعلي قيمة السوق الحرِّ ويفتح الباب على مصراعَيه للمُرابين والانتهازيين والاحتكاريين، فبالله كيف يتَّفقون ومشارِبُهم شتَّى؟!


إن النظام الديمقراطي يفرِّق أكثر مما يُجمِّع، ويُكرِّس العداوة لا التآلُف، وهو عين الفُرقة التي ذمَّها الله - تعالى - في كتابه وحذَّرنا مِن مغبَّتها، ولذلك قال أهل التفسير:

وقال بعضهم: ﴿ تَفَرَّقُوا واخْتَلَفُوا ﴾ معناهما مختلِف؛ فقيل: تفرَّقوا بالعداوة، واختَلفوا في الدِّين.

 

وقيل: تفرَّقوا بسبب استِخراج التأويلات الفاسدة لتلك النصوص، واختلفوا في أنْ حاوَل كل واحد منهم نصرَة مذهبِه.

 

وقيل: تفرَّقوا بأبدانهم - بأنْ صار كل واحد مِن أولئك الأخيار رئيسًا في بلد[5]، قال السعدي: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا ﴾، ومن العجائب أن اختلافهم ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾ الموجِبة لعدم التفرُّق والاختلاف، فهم أولى مِن غيرهم بالاعتِصام بالدِّين، فعكَسوا القضية مع عِلمهم بمخالفتهم أمر الله، فاستَحقوا العِقاب البليغ، ولهذا قال تعالى: ﴿ وأولئك لهم عذاب عظيم ﴾ [6].

 

وقال الشعراوي:

وهذا القول الحَكيم يَنهى عن اتِّباع الهوى الذي يؤدِّي إلى الفُرقة، برغم وضوح آيات الحق - سبحانه - لهم؛ لأن هؤلاء الذين يتَّبعون الهوى مِن بعد وضوح قضية الحق سيُصليهم الله النار، ولهم عظيم العذاب[7].

 

يقول سيد قطب - رحمه الله -:

إن قيام هذه الجماعة ضرورة مِن ضرورات المنهج الإلهي ذاته؛ فهذه الجماعة هي الوسط الذي يتنفَّس فيه هذا المنهج ويتحقَّق في صورته الواقعية، هو الوسط الخيِّر المتكافِل المُتعاوِن على دعوة الخير، المعروف فيه هو الخير والفضيلة والحق والعدل، والمُنكَر فيه هو: الشرُّ والرذيلة والباطل والظلم، عمل الخير فيه أيسَر مِن عمل الشرِّ، والفضيلة فيه أقل تكاليف مِن الرذيلة، والحق فيه أقوى مِن الباطل، والعدل فيه أنفع من الظلم، فاعل الخير فيه يجد على الخير أعوانًا، وصانع الشر فيه يجد مقاوَمةً وخِذلانًا، ومِن هنا قيمة هذا التجمُّع، إنه البيئة التي ينمو فيها الخير والحق بلا كبير جهْد؛ لأن كل ما حوله وكل مَن حوله يُعاوِنه، والتي لا يَنمو فيها الشر والباطل إلا بعسْر ومشقَّة؛ لأن كل ما حوله يُعارِضه ويُقاوِمه.

 

والتصوُّر الإسلامي عن الوجود والحياة والقِيَم والأعمال والأحداث والأشياء والأشخاص يَختلف في هذا كله عن التصوُّرات الجاهلية اختلافًا جوهريًّا أصيلاً، فلا بدَّ إذًا مِن وسط خاص يَعيش فيه هذا التصوُّر بكل قيمه الخاصة، لا بد له مِن وسط غير الوسط الجاهليِّ، ومِن بيئة غير البيئة الجاهلية.

 

هذا الوسط الخاص يَعيش بالتصور الإسلامي ويَعيش له؛ فيَحيا فيه هذا التصوُّر، ويتنفَّس أنفاسَه الطبيعية في طلاقة وحرية، ويَنمو نُموه الذاتي بلا عوائق مِن داخله تؤخِّر هذا النمو أو تُقاومه، وحين توجَد هذه العوائق تُقابلها الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهْي عن المُنكَر. وحين توجَد القوة الغاشمة التي تصدُّ عن سبيل الله تجد مَن يُدافعها دون منهج الله في الحياة.

 

هذا الوسط يتمثَّل في الجماعة المُسلمة القائمة على ركيزتَي الإيمان والأُخوَّة، الإيمان بالله؛ كي يتوحَّد تصوُّرها للوجود والحياة والقيم والأعمال والأحداث والأشياء والأشخاص، وتَرجِع إلى ميزان واحد تقوم به كل ما يَعرِض لها في الحياة، وتتحاكَم إلى شريعة واحدة مِن عند الله، وتتَّجه بولائها كله إلى القيادة القائمة على تحقيق منهج الله في الأرض، والأُخوَّة في الله؛ كي يقوم كيانها على الحب والتكافُل اللذَين تَختفي في ظلالهما مَشاعر الأثَرة، وتتضاعف بهما مشاعِر الإيثار، الإيثار المُنطلِق في يسْر، المُندفِع في حرارة، المطمئنِّ الواثق المُرتاح.

 

وهكذا قامت الجماعة المسلمة الأولى - في المدينة - على هاتَين الركيزتَين، على الإيمان بالله ذلك الإيمان المُنبثِق مِن معرفة الله - سبحانه - وتمثُّل صفاته في الضمائر؛ وتقواه ومُراقبته، واليقظة والحساسية إلى حدٍّ غير معهود إلا في الندرة مِن الأحوال، وعلى الحبِّ، الحب الفياض الرائق، والودِّ، الودِّ العذب الجميل، والتكافُل، التكافل الجادِّ العميق، وبلغت تلك الجماعة في ذلك كله مبلغًا، لولا أنه وقَع لعُدَّ مِن أحلام الحالِمين! وقصة المؤاخاة بين المُهاجِرين والأنصار قصة مِن عالم الحقيقة، ولكنها في طبيعتها أقرب إلى الرؤى الحالِمة، وهي قصة وقعتْ في هذه الأرض، ولكنها في طبيعتها مِن عالم الخُلد والجِنان!

 

وعلى مثل ذلك الإيمان، ومثل هذه الأخوة يقوم منهج الله في الأرض في كل زمان، ومِن ثَمَّ يعود السياق فيُحذِّر الجماعة المسلمة مِن التفرُّق والاختلاف؛ ويُنذرها عاقبة الذين حملوا أمانة منهج الله قبلها - مِن أهل الكتاب - ثم تفرَّقوا واختلفوا، فنزَع الله الراية منهم، وسلَّمها للجماعة المُسلمة المتآخيَة[8].



[1] انظر: "أيسر التفاسير": (1 /190).

[2] "التحرير والتنوير": (3 /184) بتصرُّف.

[3] انظر: "الدر المنثور": (2 /406) بتصرُّف.

[4] سلسلة التفسير للعدوي: (61/8)، بتصرُّف.

[5] "اللباب في علوم الكتاب": (4 /262).

[6] "تفسير السعدي": (1 /142).

[7] "خواطر الشعراوي": (1 /1121).

[8] "في ظلال القرآن": (1 /414).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة
  • إمتاع الرفقة بتمحيص إتحاف الفرقة برفو الخرقة
  • الحذر من الفرقة
  • الذين يعشقون الفرقة
  • فقه الانقياد
  • خطورة الفرقة وأسبابها
  • الفرقة بين الناس: مخاطرها وسبل الوقاية منها
  • الفرقة ومخاطرها للمسلمين

مختارات من الشبكة

  • الفرق بين الفرقة الناجية وباقي الفرق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بعض ما يتعلق بالثلاث والسبعين فرقة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البوسنة: حفل استقبال شهر رمضان المبارك(مقالة - المسلمون في العالم)
  • القلائد المرجانية في ضبط العقيدة السفارينية الموسومة (بالدرة المضية في عقد الفرقة المرضية) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفرقة بين الجيران في المجتمع(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الفرقة الناجية(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • عقيدة الفرقة الناجية(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ما الفرق بين حروف المعاني - حروف المباني - الحروف الأبجدية؟ ستفهم الفرق الآن(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الفرقة الناجية والطائفة المنصورة (س/ج)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب