• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

نفحات قرآنية (13)

بخاري أحمد عبده

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/10/2012 ميلادي - 15/12/1433 هجري

الزيارات: 4960

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نفحات قرآنية (13)


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ [المسد: 1 - 5].

 

الآيات - بالنظرة الأولى - تُنذِر بيتَ أبي لهب بسوء المآل، وتُبشِّر بهلاك محقَّق يُحِيق فلا ينفع فيه مال، ولا تُجدِي أعمال، ولا تُغنِي عشيرة ولا نسب، وتصور زوجَيِ السُّوء يغلاَّن في قرنٍ[1] ويَدُعَّان[2] إلى جهنَّم دعًّا؛ حيث يذلُّ كلٌّ منهما ويخزى، وتخرجهما مخرج ابتِذال وهوان.

 

وهي كذلك تُوحِي بأنَّ زوجي السُّوء قد سبق عليهما القول؛ فلا مَجال لأوبةٍ، ولا مطمحٍ في إيمان، ولا رجاء في خلَّة أو شفاعة، وكأنَّ المولى بهذا القرار وبهذا الإعلان المبكِّر يُوحِي إلى رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بمثْل ما أوحى إلى نوح: ﴿ لَنْ يُؤْمِنَ... فَلَا تَبْتَئِسْ ﴾ [هود: 36]، ﴿ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [هود: 37]، ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ﴾ [هود: 46]، ﴿ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [هود: 48].

 

ذلك محصلة النظرة الأولى، ولكنَّ القرآن معجز، ومن إعجازه أنَّه يُعطِي عطاءً غير مجذوذ، وأنَّ مُقتَطفاته خالدة لا يُدرِكها بِلًى، ثرَّة[3] لا يلحقها نُضوب، ريَّانة لا يَعتَرِيها ذُبول، مُثمِرة أبدًا، ومواقفه - برغم قدمها، وتعلُّقها بأشخاص مُعيَّنين - تظلُّ ريَّانة تتقلَّب مع دهرك، وتَعكِس لك من صُوَرِ مُعاصِريك وأحداث عَصرِك ما ترى خِلالها وُجوهًا تعرفها، وأحداثًا تعيشُها، ومشاكي تفيض بالنُّور، ومَواطِن تَغُوص في الظُّلمة، وبِقاعًا ترفل في الخير، ومراجل تغلي بالعَلْقَم، وتتوقَّد تحتَها النار، ودُعاة مِن ورَثَة الأنبياء، يبلون المر، ويتجرَّعون الصاب، ويلقون ما يلقون وهم ينشدون:

إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الحَقِيقَةَ عَلْقَمًا
لَمْ يُخْلِ مِنْ أَهْلِ الحَقِيقَةِ جِيلاَ
وَلَرُبَّمَا قَتَلَ الغَرَامُ رِجَالَهَا
قُتِلَ الغَرَامُ كَمِ اسْتَبَاحَ قَتِيلاَ

 

ومن شواهد العطاء الذي لا ينفد، هذه السورة الفريدة في القُرآن، التي كثيرًا ما نَتجاوَز إلى غيرها؛ ظانِّين أنها تُصوِّر مَوقِفًا ساكِنًا سجَّلت السماء فيه ضَلال العمومة، وعنت العشيرة الأقربين، أو أنها تُعالِج تصرُّفًا اقتَضَى التنديد، والتهديد، والتشهير؛ حتى يكون صاحبه عبرةً ومثلًا للآخِرين، أو أنها نص حكمٍ استثنائي اقتضَتْه ظُروفٌ سلَفتْ، ولن تتكرَّر.

 

والحقُّ أنَّ السورة رغْم جوِّها الذي يبدو شخصيًّا، تحوي من مشاهد الدُّنيا، وحقائق الآخِرة معاني ننتثل منها جهد الطاقة، ووسع البصيرة، ويَبقَى بعد كلِّ ذلك مزيدٌ لمستزيد.

 

فقصة هذه العمومة الضالَّة تُذكِّر بمثلٍ في الأوَّلين يجمع بين برِّ البنوَّة، وفَظاظة الأبوَّة، ويتلو عليه من سِيرة إبراهيم - عليه السلام - قول الله: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾ [مريم: 41 - 47].

 

وتذكر بنزغ الشيطان بين يوسف وإخوته، وكيف لعب ببني يعقوب حتى اجترَؤُوا على يعقوب، وتقرأ في ذلك من سورة يوسف قوله - سبحانه -: ﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ [يوسف: 8 - 10].

 

وتذكر بامرأة نوح وامرأة لوط، وكلُّ هذه كانت هزَّات في بيوت نبوَّة، ولكنَّها لم تبلغ في إيجابيَّتها ما بلَغ شأن أبي لهب.

 

قصَّة تلك العُمومة الضالَّة تُثِير - ضِمن ما تُثِير - حقيقة أنَّ المؤمنين إخوة، وأنَّ الإسلام رحمٌ بين أهله، وأنَّ كلَّ مَن احتلَّ في دولة الإسلام الصدارة، وتبوَّأ المركز الأسمى ملكًا كان أو رئيسًا، أو أميرًا، فهو أبٌ، وأخ، وعم، فإنِ استبدَّ وعطل، أو صدَّ وتعلل، أو استميل فمال وانطوى، كان في موقعه الذي هو فيه أبا لهب، وصارَ في زُمرة اللهبيين إلى تباب.

 

ويَقِيني أنَّ الله أحكَمَ هذه السورة، وأثبَتَها كي تذهب مثلاً يعتبر به كلُّ مَن عادَى ما أنزل الله اغتنامًا للفرصة، أو جلبًا للجاه، أو إبقاءً على السلطة، أو تحبُّبًا للسلطان، أو مُطاوَعة للهوى، أو إيثارًا للمألوف أو اغتِرارًا بالصولة، أو اعتِدادًا بالقوَّة ونفخة الشيطان، أو انبِهارًا بما أُتِيح له من زينة الحياة الدنيا.

 

والسورة إذ تُسجِّل موقف زوجي السوء تُعلِّم الدعاة أنَّ الشيطان - وهو يكيد - قد يدورُ حولك دوراتٍ ماكرة، ويُجنِّد ضدك من داخلك ومن بني جلدتك أسنَّة وأرماحًا، وقنوات يُمزِّق بها الأشلاء، ويقطع بها الأوصال، وقد يتَّخِذُ من أهلك خيولاً تُثِير بسنابكها الغُبار لتكثف الظُّلمة، وتخنق الأنفاس، وقد ينصب منهم دُعاة يحدون إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذَفُوه في النار، هكذا حتى يتآكَل المسلمون من الداخل، ولقد لقَّن الشيطان أولياءه هذا الأسلوب فمارَسُوه، وأيقَنُوا بالممارسة أنَّ الشجرة لا يقطَعُها إلا فرع منها، عرفوا ونسينا نحن رغم الأحاديث الصحيحة الصريحة التي فصلت لنا هذه القضيَّة ((... هم من جِلدتنا ويتكلَّمون بألسنتنا))، ((... وإنَّ ربي قال: يا محمد... وإنِّي أعطيتك لأمَّتك ألاَّ أهلكهم بسنة عامَّة، وألاَّ أسلِّط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا)).

 

لا محسوبية في الإسلام:

والقُرآن إذ يُشهِّر بعمِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا التشهيرَ المرَّ، يضع قاعدة أنَّه لا محسوبيَّة في الإسلام؛ ذلك لأنَّ أبا لهب لَم يكُنْ أوَّل الكافرين ولا آخِرهم، بل له نُظَراء ربما كانوا أفجَرَ منه وأعتى، ولكنَّ القُرآن خصَّه بالتشهير؛ كي يتَّضح من أوَّل وهلة أنَّ لحمة النسب قد تُحقِّق قُرب مكان، ولكنَّها لا تُحقِّق قُرب مكانة، وأنَّ الحسيب النسيب إذا أجرم لا يفلت في الإسلام من العقاب.

 

ويحضرني في هذا المقام حكمة تتناسَب مع هذه القضية هي قول الشاعر:

إِنِّي وَقَتْلِي سُلَيْكًا ثُمَّ أَعْقِلَهُ
كَالثَّوْرِ يُضْرَبُ لَمَّا عَافَتِ الْبَقَرُ

 

إلاَّ أنَّ أبا لهب هنا ضرب لأنَّه كان في العائقين، وكان يَخُوضُ مع الخائضين.

 

ورابطة الإسلام التي يعتدُّ بها هي رابطة الإيمان التي تُورِث الحب؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96]، والتي تُوجِب الترابُط والاجتِماع في الله؛ ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ [الكهف: 28].

 

أمَّا العلاقات الدنيويَّة الدنيا، فإنها تُعادِل في ميزان الإسلام لا شيء، فإذا جرَّت إلى الضلال وأورثت العمى كانت منبوذةً ممنوعةً؛ ﴿ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾ [العنكبوت: 25].

 

واستحالَتْ تلك العلاقات يوم الدِّين صياحًا يفري الحشا؛ ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ [الفرقان: 27 - 28].

 

والقرآن حريصٌ على أنْ يقرَّ في أذهان المسلمين معنى "لا محسوبية"، وحتى لا يتوهَّم أنَّ هذه القاعدة اخترمت باستغفار إبراهيم لأبيه، يُؤكِّد القاعدة ثم يُبادِر بتعليل ذلك الموقف: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ﴾ [التوبة: 113 - 114].

 

والعمدة في هذا الباب قولُ الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 23 - 24].

 

وتأكيدًا لهذه المعاني، ونبذًا للصِّلات الدنيا إذا تضاربت مع وَشائج القِيَم، نقرأ في القُرآن ما يُوحِي - في ظنِّي - بأنَّه لا قداسة لتُرابٍ تُغتال فوقه القيم، وتُوءَد الحريَّات، ولا قَداسة لأبوَّة أو بنوَّة أو أخوَّة، تقفُ موقف الحرب أو تُؤثِر جانب السلب وهي ترى دُعاة القيَم وحمَلَة مشاعل الأنبياء يُقصَون، ويُؤذَون، ويُردُّون، ذلك ما أستَوحِيه مِن رفض المولى - سبحانه - أنْ يقسم ببلدٍ يُضارُّ فيها الرسول، وتستحل حرمته، ولا بوالدٍ وولدان تستَقطِبهم الأنوية، أو تستَهوِيهم الفرديَّة، أو تستَعبِدهم النفعيَّة العَمياء، أو تُحرِّكهم الإمعيَّة البَلهاء، أو تشلُّهم السلبيَّة الصفراء؛ فلا يُذِيعون معروفًا ولا يُنكِرون مُنكَرًا، ذلك قول الله: ﴿ لَا أُقْسِمُ [4] بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ [5] بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾ [البلد: 1 - 3].

 

وانحِطاط أولي القربى الأدنين إلى هذا الدرك شيءٌ يكره العُرف العربي، ولقد قال قائل العرب قديمًا:

وَظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً
عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ

 

وقال قائلهم حديثًا:

وَيْحَ جَنْبِي أَخِي وَيَنْكَأُ جُرْحِي
بِيَدَيْهِ فَمَنْ يَشُدُّ الضّمَادَا

 

فلا عجب إذًا إذَا رأينا الدِّين يُحتِّم مُفاصَلة هؤلاء، ولكن مع مُوالاتهم بالوعظ، وملاحقتهم بالقول المؤثِّر البليغ؛ مصداق قَوْل الله: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ [النساء: 63].

 

عودٌ إلى أبي لهب:

والحقُّ أنَّه لم يُعرَف في العشيرة الأقربين عتلٌّ كأبي لهب، في أذيَّته لابن أخيه، وتنقُّصه له ولدِينه، فلكم بالَغَ في العداوة، ونبا نبوًا بعيدًا، ومِن شواهد هذا:

(1) موقفه من الدعوة منذ اللحظة الأولى، فلقد أخرج البخاري عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - أنَّ النبيَّ خرج إلى البطحاء فصعَدَ الجبل فنادى: ((يا صَباحاه))، فاجتمعتْ إليه قريش فقال: ((أرأيتم إنْ حدَّثتكم أنَّ العدوَّ مُصبحكم، أو ممسيكم أكنتم مصدقيَّ؟))، قالوا: نعم، قال: ((فإنِّي نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد))، فقام أبو لهب ينفض يديه وهو يقول: تبًّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ هكذا في غير اتِّزان، ولا تروٍّ، ولا أناةٍ، ولا عفَّة لسان!

 

وروى أحمدُ والطبَراني عن ابن عباس أنَّه قال: سمعت ربيعة ابن عباد الديلي يقول: إنِّي لمع أبي - رجل شاب - أنظُر إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتبع القبائل، ووراءه رجلٌ أحول وَضِيء الوجه، ذو جمة[6]، يقفُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على القبيلة فيقول: ((يا بني فلان، إنِّي رسول الله، آمُركم أنْ تعبدوا الله ولا تُشرِكوا به شيئًا، وأنْ تصدقوني، وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به))، فإذا فرغ قال الآخَر: يا بني فلان، هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه، فقلت لأبي: مَن هذا؟ قال: عمُّه أبو لهب.

 

وهذا دأب الطُّغاة ينصتون لِخُصومهم، ويَرصُدون حركاتهم، ويخلَعُون عليهم أشنَعَ النُّعوت، وينحلونهم شتَّى الجرائم بَغيًا، يمهِّدون بذلك إلى ما يُبيِّتون من إيذاء وقهر وتصفية، ألم يقل فرعون: ﴿ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26]، ألم يقل الملأ من قومه: ﴿ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 127].

 

(2) ولقد شذَّ وحدَه عن بني هاشم يومَ أجمعت الخصوم على مُقاطَعتهم إنْ هم آزَرُوا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحالَف عليهم الخصوم، ووقَّع معهم على صحيفة المقاطعة والتجويع والضغط، وطابَ له أنْ يرغد وينعم ويتخم وبنو أبيه يَبِيتون على الطَّوى، ويتقوَّتون بورق الشجر.

 

(3) ومن كيده أنَّه فسَخ خطبة ولدَيْه لبنتي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كراهيةً وإضرارًا، وإثقالاً على رسول الله.

 

إلى غير ذلك من المُضايَقات وسوء الجوار، وكلها تُنبِئ عن الشذوذ والنفسيَّة المتقيحة التي لا تعرف البرَّ، ولا تنمُّ عن رجولة أو نخوة أو عزَّة.



[1] القرن: الحبل.

[2] يدفعان.

[3] ثرَّة: غزيرة.

[4] ظني أنَّ (لا) على بابها نافية وليست مُلغاة أو زائدة.

[5] حلٌّ؛ أي: مستباح.

[6] الجمة: مجتمع شعر الرأس.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نفحات قرآنية (8)
  • نفحات قرآنية (9)
  • نفحات قرآنية (10)
  • نفحات قرآنية (11)
  • نفحات قرآنية (12)
  • نفحات قرآنية (14)
  • نفحات قرآنية (15)
  • نفحات قرآنية (16)
  • نفحات قرآنية (17)
  • نفحات قرآنية (18)

مختارات من الشبكة

  • نفحات رمضانية تدبرية: ثلاثون نفحة تدبرية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • وأطل علينا شعبان بنفحة من نفحات الخير(مقالة - ملفات خاصة)
  • نفحات قرآنية في سورتي الكافرون والإخلاص(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الماعون والكوثر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور الشمس والضحى والعصر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الفجر والبلد(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي البروج والأعلى(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الانفطار والمطففين(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور عم والنازعات والتكوير(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي القيامة والإنسان(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب