• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم}

{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم}
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/2/2025 ميلادي - 17/8/1446 هجري

الزيارات: 850

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾

 

قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].

 

هذه الآيات موصولة بالآيات التي قبلها؛ إذ الآيات التي قبلها خُتمت بالأمر بطاعة الله ورسوله؛ فقد قال سبحانه: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 132]، وفي هذه الآيات بيان معنى هذه الطاعة المطلوبة التي تؤدي إلى التراحم والتواصل والتواد؛ ولذلك كانت هناك رواية بالقراءة من غير وصل بالواو ﴿ سَارِعُوا ﴾ بدل ﴿ وَسَارِعُوا ﴾، وإن رواية القراءة من غير وصل واضحة من حيث النسق في أنها تفصيل لمعنى الطاعة المطلوبة، والقراءة المشهورة التي عليها القرَّاء السبعة فيها ما يدل على أنها لبيان معنى الطاعة بالمعاني لَا بالنسق.

 

﴿ وَسَارِعُوا ﴾ المسارعة إلى الشيء المبادرة إليه بدون توانٍ ولا تراخ، مجاز في الحرص والمنافسة والفور إلى عمل الطاعات التي هي سبب المغفرة والجنة.

 

ويجوز أن تكون السرعة حقيقة، وهي سرعة الخروج إلى الجهاد عند التنفير؛ كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: ((وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا))؛ [متفق عليه]، والمسارعة على التقادير كلها تتعلق بأسباب المغفرة، وأسباب دخول الجنة.

 

ولم يقل سبحانه: أسرعوا؛ لأن المفاعلة تكون من اثنين في الغالب، والمعنى: ليسبق بعضكم بعضًا، أو ليسابق بعضكم بعضًا، إلى هذا الأمر؛ المغفرة والجنة.

 

وأما الأمر بالمسارعة فيما يجب فواجب، وأما فيما لا يجب فليس بواجب، ولكن المرء يُؤمر بأن يسارع، وفيه دليل على أنه لا ينبغي للمسلم أن يؤثِرَ غيره بالقربات؛ لأنه إذا آثر غيره بالقربات فهذا يعني التأخر، ومن أمثلة ذلك أن يؤثر غيره بمكانه الفاضل في الصف، بأن يتأخر عن مكانه في الصف الأول لرجل آخر، فإن هذا خلاف المسارعة إلى الخيرات.


ولكن إذا ترتب على إيثار غيره بهذا المكان مصلحة أكبر من مصلحة التقدم، لم يكن إيثاره من باب التأخر عن الخيرات؛ لأنه تنازل عن فضيلة إلى فضيلة أعلى، فلا يكون هذا إيثارًا في الحقيقة، ولا يدل على هذا زهد الإنسان في فعل الخير، بل هو انتقال من خير إلى ما هو خير منه.

 

والإيثار بالقرب؛ إما: «إيثار بواجب» فهو حرام، وإما «إيثار بمستحب» فهو مكروه.

 

مثال الإيثار بالواجب: رجل عنده مال لا يكفي إلا لحج رجل واحد، فيعطي غيره ليحُجَّ به ويدَع نفسه، ومثال الإيثار بمستحب: أن يؤثِره بالمكان الفاضل في الصف في الصلاة.

 

﴿ إِلَى مَغْفِرَةٍ ﴾ المغفرة: ستر الذنب وعدم المؤاخذة به، وليست هي مجرد التجاوز عن الذنب؛ لأن أصلها من «المِغفر»؛ وهو ما يُوضَع على الرأس حال الحرب يُتوقَّى به السهام والطعنات، وهو مفيد فائدتين؛ وهما: الستر والوقاية، ويدل لهذا قوله تعالى حينما يحاسب عبده في الآخرة ويقر العبد بذنوبه؛ فيقول: ((قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم)).

 

ففي صحيح مسلم عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي النَّجْوَى، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُؤوسِ الْخَلَائِقِ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ)).

 

فمن ستر الله عليه ذنبه في الدنيا فقد غفره له، فلا تتم المغفرة إلا بالتجاوز عن الذنب وعدم العقوبة عليه، وإلا فإن الستر نوع من المغفرة بلا شكٍّ، فإن الإنسان لو فُضح بذنبه والعياذ بالله، لم يكن هذا مغفرة، لكن إذا ستر عليه، فإن هذا فيه مهلة أن يجعل الله تعالى الأمر بينه وبين عبده؛ لعله يتوب ولا يعلم بذنبه.


والمسارعة إلى المغفرة إما بالاستغفار، وإما بعمل صالح؛ فالاستغفار أن يقول: "اللهم اغفر لي"، "أستغفر الله" وما أشبه ذلك، وإما عمل صالح؛ لأن من الأعمال الصالحة ما يكفِّر الله بها الخطايا؛ مثل: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة، فالعمل الصالح يُذهب العمل السيئ.


وقيل: هي المبادرة باتخاذ طريقها، بالمسارعة إلى التوبة بترك الذنوب، وكثرة الاستغفار؛ روى أبو داود بسند صحيح، قال صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135])).

 

ويلاحظ أن القرآن يعدِّي المسارعة في الخير بـ«إلى»، والمسارعة في الشر بـ«في»؛ فيقول سبحانه: ﴿ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾ [آل عمران: 176]، ويقول هنا: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ ﴾؛ لأن المسارعة في الكفر تنقُّل في براثنه، فهم في قبته المظلمة التي تحيط بهم يتنقلون بالضلال في أرجائها، وهم في مرتبة واحدة، أما المسارعة إلى المغفرة، فإنها انتقال من رتبة إلى رتبة، ومن مقام صالح إلى مقام أصلح منه.

 

وتقدم ذكر المغفرة على الجنة؛ لأنها السبب الموصِّل إلى الجنة.

 

﴿ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ عظَّم سبحانه وتعالى شأن المغفرة التي ينبغي طلبها والاتجاه إليها، فذكر بأنها تجيء من ربكم الذي خلقكم ونمَّاكم ورعاكم، فهي مغفرة تعلو بعلوِّ مصدرها، وهي الأمان والاعتصام.

 

فتنكير مغفرة ووصلها بقوله: ﴿ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾، مع عدم تأتِّي الإضافة بأن يُقال: (إلى مغفرة ربكم)؛ لقصد الدلالة على التعظيم.

 

﴿ وَجَنَّةٍ ﴾ المسارعة إلى الجنة هي المسارعة إلى موجبات دخولها؛ وهي الإيمان والعمل الصالح؛ إذ بهما تزكو الروح وتطيب، فتكون أهلًا لدخول الجنة.

 

وكما تجب المسارعةُ للمغفرة، فكذلك تجب المسارعة إلى الجنة، وإنما فصل بينهما؛ لأن الغُفْران معناه إزالة العقاب، والجنة معناها حصول الثواب، فجمع بينهما؛ للإشعار بأنه لا بُدَّ للمكلَّف من تحصيل الأمرين؛ لأن الإنسان لا تتم سعادته إلا بأمرين: زوال المكروه، وحصول المطلوب.

 

• وفيه أن «التخلية قبل التحلية»؛ فبالمغفرة تكون الزحزحة عن النار التي أوجبتها الذنوب، ومن ثَمَّ دخول الجنة؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [آل عمران: 185].

 

﴿ عَرْضُهَا ﴾ أي: كعرض، وخص العرض لأنه في العادة أدنى من الطول للمبالغة، ولا يعلم طولها إلا الله تعالى.

 

والمقصود المبالغة في وَصْف سعة الجنة؛ لأنه ليس شيء عنده أعرض منها بالنسبة لنا؛ ونظيره قوله: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ﴾ [هود: 107]، فإن أطول الأشياء بقاءً لدينا هي السماوات والأرض، فخُوطبنا على قَدْر ما عرفناه.

 

وفي هذا إشارة إلى اتساعها تنبيهًا؛ كما قال في صفة فرش الجنة: ﴿ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ﴾ [الرحمن: 54]؛ لأن البطانة أقل قيمة من الظِّهارة، فإذا كانت البطائن من الحرير الثمين، فكيف يكون ما فوق البطانة من الظِّهارة مما تراه الأعين ويسر الناظرين؟

 

وقيل: ولكن الصحيح أن عرضها وطولها واحد؛ إذ ليس لها عرض وطول وذلك لأنها مستديرة، وليست مربعة، وإذا كانت كذلك، فإن عرضها يكون طولها؛ وهذا القول صحَّحه جماعة من أهل العلم.


﴿ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾ وهذا نظير قوله تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].

 

والفرق بينهما أن التشبيه هنا بليغ، وأما التشبيه هناك فليس ببليغ، يعني من حيث الاصطلاح البلاغي - وإلا فكل القرآن بليغ - لأنهم يقولون: التشبيه غير البليغ إذا ذُكرت أداة التشبيه ووجه الشبه، وإذا حُذفت أداة التشبيه ووجه الشبه صار بليغًا، وهنا حُذفت أداة التشبيه ووجه الشبه، أما إذا ذُكرت أداة التشبيه، فإنه يسمى تشبيهًا مرسلًا، وإذا ذُكر وجه الشبه صار مرسلًا غير مؤكد.


نقول: فلان كالبحر كرمًا، وإن شئتَ فقُل: في الكرم، هذا التشبيه فيه كل الأركان الأربعة؛ لأن التشبيه له أركان أربعة مثل القياس: مشبَّه، ومشبَّه به، وأداة التشبيه، ووجه الشبه، باعتبار ذكر أداة التشبيه يسمَّى مرسلًا، وباعتبار ذكر وجه الشبه يسمى غير بليغ، يعني أن هذا أدنى أنواع التشبيه إذا ذُكِرَ المشبه والمشبه به، وأداة التشبيه ووجه الشبه، فهذا أدنى أنواع التشبيه.

 

وإذا حُذفت أداة التشبيه وذُكر وجه الشبه، صار مؤكدًا لكن غير بليغ؛ لأنك إذا قلت: فلان بحر في الكرم، أكدت أنه بحر في الكرم، لكن نقصت قليلًا، فإذا حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه صار تشبيهًا بليغًا، إذا قلت: "فلان بحر"، فإذا قلت: "رأيت بحرًا يعطي الدراهم بلا عدٍّ"، صار هذا أبلغ من الأول، ويسمَّى هذا أيضًا استعارة.

 

﴿ أُعِدَّتْ ﴾ هُيِّئتْ وأُحضرت، فهي موجودة الآن مهيَّأة، وهو نص حديث الإسراء في الصحيحين وغيرهما، خلافًا للمعتزلة، ووافقهم من أهل السنة القاضي منذر بن سعيد البلوطي الأندلسي الظاهري.

 

والْمُعِد هو الله تعالى، ولكنه ذُكر بصيغة المجهول ليوافق قوله فيما سبق: ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 131].

 

﴿ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ هم الذين اتقوا الله تعالى فلم يعصُوه بترك واجب، ولا بفعل محرَّم، وإن حدث منهم ذنب تابوا منه فورًا.

 

وجاء إعدادها للمتقين فخُصوا بالذكر؛ تشريفًا لهم، وإعلامًا بأنهم الأصل في ذلك، وغيرهم تبع لهم في إعدادها، وإن أُريد بالمتقين متقو الشرك، كان عامًّا في كل مسلم؛ طائع أو عاصٍ.

 

وقد أخذ بعد ذلك يبيِّن سبحانه وتعالى الصفات التي رفعتهم إلى هذه الرتبة، وجعلتهم يصلون إلى هذه المنزلة، فذكر خمس صفات، كلها ذات صلة وثيقة ببناء مجتمع سليم قويٍّ ثابت.

 

وقد أجرى على المتقين صفات ثناء وتنويه، هي ليست جماع التقوى، ولكن الاجتماع في محلها مؤذِن بأن المحل الموصوف بها قد استكمل ما به التقوى، وتلك هي مقاومة الشح المطاع، والهوى المتبع.

 

﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ ﴾ عبر بالمضارع الذي يفيد التجدد والاستمرار، وحُذف المفعول ليكون دالًّا على العموم؛ أي: يُنفقون كل ما يمكن إنفاقه من أعيان ومنافع وجاهٍ، بأن يتوسط لشخص أو يشفع له، فالإنفاق هنا عام.

 

ويجب أن نعلم أن الإنفاق ليس خاصًّا بالإنفاق على البعيد عنك، بل هو عام يشمل حتى الإنفاق على ابنك وبنتك، وأمك وأبيك وزوجتك، بل ونفسك، فحتى الإنفاق على النفس يُؤجر الإنسان عليه ويكون صدقة؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كلمةً جامعة نافعة مانعة: ((إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ))؛ [البخاري].

 

﴿ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ﴾ السراء: الحال المسرة كاليُسر والغِنى، والضراء: الحال المضرة كالفقر، وهذا وصف لهم بكثرة الإنفاق في سبيل الله، وفي كل أحايينهم من غِنًى وفقر، وعُسر ويسر، والمعنى: لا يمنعهم حال سرور ولا حال ابتلاء عن بذل المعروف؛ كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾ [البقرة: 274].

 

وكان الجمع بينهما هنا؛ لأن السراء فيها مَلهاة عن الفكر في شأن غيرهم، والضراء فيها ملهاة وقلة مَوجِدة؛ فملازمة الإنفاق في هذين الحالين تدل على أن محبة نفع الغير بالمال، الذي هو عزيز على النفس، قد صار لهم خلقًا لا يحجبهم عنه حاجب، ولا ينشأ ذلك إلا عن نفس طاهرة.

 

قال في زهرة التفاسير: "وهذا يشمل أحوالًا كثيرة؛ فهم يُنفقون في حال الغِنى والفقر، واليسر والعسر، وكل حال بمقدارها، وفي حال الصحة والمرض، وفي السرور والحزن، وحال عرس أو مأتم أو حبس، والمغزى في هذا أنه لا تشغلهم أنفسهم عن حاجة الناس إليهم أو إلى أموالهم، ولا تشغلهم همومهم الخاصة عن هموم الناس، والإنفاق منهم ليس لمناسبات تعرِض وتزول، ولا لأحوال تجيء ثم تَحُول، بل هو لطبيعة ثابتة فيهم مستقرة غير مفترقة لا تزايلهم، وقدَّم الإنفاق على غيره من الصفات؛ لأنه وصف إيجابي وما عداه سلبي أو يتصل به، والإيجابي في أكثر أحواله أشق من السلبي، ولأنه أدل على الإخلاص".

 

فابتُدئ بصفة التقوى الشاملة لجميع الأوصاف الشريفة، ثم جيء بعدها بصفة البذل؛ إذ كانت أشقَّ على النفس، فمخالفتها فيه منقبة شامخة، كما أن الإنفاق أدلُّ على الإخلاص، وأعظم الأعمال للحاجة إلى ذلك في الجهاد، ومواساة الفقراء.

 

ورُويَ عن عائشة أنها تصدَّقت بحبة عنب، وعن بعض السلف ببصلة.

 

• وفيه فضيلة الإنفاق على كل حال، فإن قال قائل: إذا كان الإنسان في ضرورة هو وعائلته، فهل يُنفق؟ نقول: لا ينفق على أجنبي، بل ينفق على نفسه وعائلته، وهو داخل في الآية؛ لأن إنفاقه على نفسه وعلى أهله صدقة.

 

﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ وصف لهم بالحِلم والكرم النفسي؛ أي: كافِّين عن إمضائه بالقول أو الفعل مع القدرة عليه، اتقاء التعدي فيه إلى ما وراء حقه، ونظيره قوله: ﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [الشورى: 37].

 

والغيظ: أصل الغضب، وكثيرًا ما يتلازمان، ولذلك فسَّره بعضهم هنا بالغضب.

 

وقيل: إنه أشد الغضب، يعني أنهم إذا غضبوا وثاروا، حبسوا غيظهم، ومعلوم أن من أشد ما يكون على الإنسان أن يحبس غيظه، ويعرِف ذلك من يكون سريع الغضب، فإنه إذا أراد أن يكظم الغيظ، يجد شدة عظيمة ومعاناة وألمًا، كأن أحدًا يصرعه صرعًا.

 

قال ابن عاشور: وكظم الغيظ إمساكه وإخفاؤه حتى لا يظهر عليه، وهو مأخوذ من كظم القربة: إذا ملأها وأمسك فمها، قال المبرِّد: فهو تمثيل الإمساك مع الامتلاء، ولا شكَّ أن أقوى القوى تأثيرًا على النفس القوة الغاضبة، فتشتهي إظهار آثار الغضب، فإذا استطاع إمساك مظاهرها، مع الامتلاء منها، دلَّ ذلك على عزيمة راسخة في النفس، وقهر الإرادة للشهوة، وهذا أكبر من قوى الأخلاق الفاضلة.

 

فالحاصل أن الغضب الشديد جمرة يُلقيها الشيطان في قلب ابن آدم حتى لا يدري ما يقول؛ ولهذا كان أصحَّ أقوال أهل العلم أنَّ من غضب غضبًا لا يملِك نفسه به، فإنه لا عبرة بقوله - أيًّا كان هذا القول - سواء كان طلاقًا أو خُلعًا، أو لعنًا أو قذفًا، أو غير ذلك، فإنه لا عبرة به؛ لأنه ليس له قصد، وبعض الناس - نسأل الله العافية - إذا غضِب تغيَّب عن الدنيا، فلا يرى مَن أمامه أبدًا، ولا يسمع قول من يتكلم، وربما يتكلم بكلام مكروه، ويصيحون به وهو لا يسمعهم من شدة غضبه.

 

ووردت أحاديثُ في كظم الغيظ وهو من أعظم العبادة:

روى أحمد عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ كَظَمَ غَيْظًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُؤوسِ الْخَلَائِقِ، حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ)).

 

وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ؛ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)).

 

وفي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((أَوْصِنِي - وفي رواية: مُرْنِي بِأَمْرٍ، وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ حَتَّى أَعْقِلَهُ - قَالَ: لَا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: لَا تَغْضَبْ))، وفي رواية لأحمد: ((قَالَ الرَّجُلُ: فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ)).

 

وفي رواية لأحمد عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَاذَا يُبَاعِدُنِي مِنْ غَضَبِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: ((لَا تَغْضَبْ))؛ [صحيح لغيره].

 

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: "قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَغْضَبْ)): أَرَادَ بِهِ أَلَّا تَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْغَضَبِ مِمَّا نَهَيْتُكَ عَنْهُ، لَا أَنَّهُ نَهَاهُ عَنِ الْغَضَبِ؛ إِذِ الْغَضَبُ شَيْءٌ جِبِلَّةٌ فِي الْإِنْسَانِ، وَمُحَالٌ أَنْ يُنْهَى الْمَرْءُ عَنْ جِبِلَّتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا، بَلْ وَقَعَ النَّهْيُ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَمَّا يَتَوَلَّدُ مِنَ الْغَضَبِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ".

 

وقال ابن كثير: "﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ [آل عمران: 134]؛ أي: لا يُعملون غضبهم في الناس، بل يكفُّون عنهم شرهم، ويحتسبون ذلك عند الله عز وجل.

 

وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن خادمًا لها غاظها فقالت: "لله درُّ التقوى ما تركت لذي غيظ شفاء".

 

وروى أبو داود بسند صحيح عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا: ((إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ، وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ)).

 

وروى أحمد بسند ضعيف: حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ صَنْعَانِيٌّ مُرَادِيٌّ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: إِذْ أُدْخِلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَكَلَّمَهُ بِكَلَامٍ أَغْضَبَهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَنْ غَضِبَ قَامَ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْنَا وَقَدْ تَوَضَّأَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَطِيَّةَ - وَقَدْ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ)).

 

﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ هو عدم المؤاخذة للمسيء على ذلك، وصفٌ لهم بالصفح والتجاوز عن زلَّات الآخرين؛ تكرمًا مع القدرة على العقوبة، وفعلهم هذا إحسان ظاهر، ومن هنا بُشِّروا بحب الله تعالى.

 

فأنتم إن عفَوتم عن السوء قد تعفون عن قدرة، وقد تعفون عن عجز، أما الله عز وجل فإنه يعفو عن قدرة، وهذا هو محل المدح، أما مجرد العفو فليس بمدح، حتى يكون عفوًا عن قدرة، فتركُ المؤاخذة على الذنب عفو وهو محمود، وخير منه الإحسان، ولكن يُشترط في الأمرين أن يكون ذلك عن قدرة لا عن عجز.

 

والعفو ثمرة لكظم الغيظ، وإنه يجب أن يكون معه؛ لأن الغيظ الشديد إذا لم يصحبه عفو فإنه يُمضُّ القلب، ويُفسد النفس، ويُنهك القِوى؛ فلا بد أن يقترن بالكظم العفوُ لمصلحة الشخص ولمصلحة الناس، ولكيلا تتولد الإحَن، وتتكاثر المحن.

 

وقوله: ﴿ عَنِ النَّاسِ ﴾ شامل يشمل حتى عن الكفار إذا لم يكونوا حربيين، فإن الإنسان إذا عفا عنهم فيما يتعلق بحقٍّ خاصٍّ، وكان في العفو إصلاح، فإنه يدخل تحت الآية الكريمة.


ولكن «العفو» ليس على عمومه لكل الناس بالاتفاق، فإن الإساءة إذا كانت في حق الله تعالى، فهي لله عز وجل، وليس لأحدٍ أن يعفو عنها.

 

فليس العفو هو الستر على الجرائم العامة؛ فإن الجرائم العامة إذا ظهرت وجب العقاب؛ لأنه تقليم لأظفارها، وقطع لآثارها، فلا يصح العفو عن زانٍ يعلن جريمته، ولا عن سارق اعتاد السرقة واستهان بالحرمات، وروَّع الآمنين، كما لا يصح العفو عن فسَّاق الألسنة، الذين يقذفون الناس، ويرمونهم بالسوء، ويعملون بذلك على إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا؛ فإن العفو في هذه الأمور استهانة بحرمات الله تعالى، إنما العفو المطلوب هو الذي يكون في أنواع الأذى الشخصي؛ وهي التي ينطبق عليها قول الله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وقوله تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].

 

روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ((مَا خُيِّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَأْثَمْ، فَإِذَا كَانَ الْإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ، وَاللَّهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ)).

 

قال ابن عاشور: العفو عن الناس فيما أساؤوا إليهم تكملة لصفة كظم الغيظ بمنزلة الاحتراس؛ لأن كظم الغيظ قد تعترضه ندامة، فيستعدي على من غاظه بالحق، فلما وُصفوا بالعفو عمن أساء إليهم، دلَّ ذلك على أن كظم الغيظ وصف متأصل فيهم، مستمر معهم، وإذا اجتمعت هذه الصفات في نفس سهل ما دونها لديها، وبجماعها يجتمع كمال الإحسان؛ ولذلك ذيَّل الله تعالى ذكرها بقوله:

﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134] يعني: الذين يُحسنون إلى الناس، ولكن هل المراد بذلك المحسنون فيما سبق، أو المحسنون فيما يُستقبل؟ بمعنى هل قوله: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134] عائد على قوله: ﴿ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ﴾ [آل عمران: 133، 134] وأن هؤلاء من المحسنين؟ أو أنه لما ذكر العفو؛ وهو إسقاط الإنسان حقه عن المؤاخذة، ذكر حالًا أخرى أكمل منها؛ وهي الإحسان فقال: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]؛ يعني: فإذا أحسنوا مع العفو، كان ذلك سببًا لمحبة الله؟ الثاني له وجه، والأول أعم.

 

ولقد ختم سبحانه هذه الآية بقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]؛ وهي الصفة الرابعة، وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى بهذه الصفة؛ لتوجيه النظر إليها، ولبيان أنها أعلى منازل التقوى، وأنها تُنال بها محبة الله تعالى، والإحسان معناه الإتقان والإجادة، وهو يُطلق في عبارات القرآن الكريم بإطلاقين:

أحدهما: أن يُراد به الإجادة المطلقة في كل ما يطالِب الله تعالى به عباده؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 30]، وقوله صلى الله عليه وسلم في إحسان العبادة: ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ))؛ [متفق عليه].

 

والثاني: أن يكون العمل أكثر من المكافأة؛ فهو لا يكافئ بالعدل بل يزيد؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، وقوله تعالى: ﴿ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [القصص: 77]، وقال الحسن: "الإحسان أن تعم ولا تخص؛ كالريح والمطر، والشمس والقمر".

 

والإحسان بالإطلاق الأول يتعدى بنفسه ويُذكر بجواره العمل، والثاني يتعدى بـ«إلى» ويُذكر بجواره المحسَن إليه.

 

وأقرب الإطلاقين في الآية الكريمة هو الثاني، فإنها تُومئ إلى أن البَر التقيَّ يكظم غيظه، ويعفو عمن ظلمه، بل يحسن إليه، إن كان للإحسان موضع، وإن الله سبحانه وتعالى أمر أهل الفضل بألَّا يذهب غيظهم بإحسانهم؛ فقد قال تعالى: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، فقد نزلت هذه الآية عندما حلف أبو بكر ألَّا يعطي بعض قرابته الذين خاضوا في حديث الإفك بالنسبة لعائشةَ زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن هذه الدرجة هي أقصى ما تصل إليه السماحة البشرية، وهي لا تكون إلا لنفسٍ مُحبة للناس؛ ولذلك كانت المكافأة هي حب الله تعالى.

 

روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ)).

 

• وفي الآية الحث على الإحسان، فإن كل إنسان يعلم أن الله يحب الإحسان سوف يُحسن ويتقدم إلى الإحسان ويحرص عليه؛ لأن محبة الله للعبد هي غاية ما يريد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير آية: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)
  • وقفات مع قوله تعالى: { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم }
  • فوائد من قوله تعالى: { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين }
  • {قاتل معه ربيون..}

مختارات من الشبكة

  • {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة} (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة} (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • وسارعوا إلى مغفرة من ربكم(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • وسارعوا إلى مغفرة من ربكم (بطاقة دعوية)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المسارعة والسباق نحو الجنات(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض... }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب