• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير سورة الليل

تفسير سورة الليل
يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/1/2025 ميلادي - 12/7/1446 هجري

الزيارات: 1002

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سُورَةُ اللَّيْلِ

 

سُورَةُ (وَاللَّيْلِ): مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ الْجُمْهورِ[1]، وَآيُهَا: إِحْدَى وَعِشْرُونَ آيَةً.

 

أَسْمَاءُ السُّورَةِ:

وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ أَسْمائِهَا: سُورَةُ (اللَّيْلِ)، سُورَةُ (وَاللَّيْلِ)، سُورَةُ (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى)[2].

 

الْمَقاصِدُ الْعَامَّةُ لِلسُّورَةِ:

حَوَتْ هَذِهِ السُّورَةُ الْكَثِيرَ مِنَ الْمَقَاصِدِ وَالْمَعَانِي الْعَظِيمَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ[3]:

بَيانُ شَرَفِ الْمُؤْمِنينَ وَفَضَائِلِ أَعْمالِهِمْ، وَمَذَمَّةِ الْمُشْرِكينَ وَمَسَاويهِمْ.

أَنَّ اللهَ يَهْدِي النَّاسَ إِلَى الْخَيْرِ.

 

أَنَّ اللهَ أَرْسَلَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم لِلتَّذْكِيرِ بِاللهِ وَمَا عِنْدَهُ، فَيَنْتَفِعُ مَنْ يَخْشَى فَيُفْلِحُ، ويَصْدِفُ عَنِ الذِّكْرَى مَنْ كَانَ شَقِيًّا؛ فَيَكونُ جَزَاؤُهُ النَّارَ الْكُبْرَى.

 

شَرْحُ الْآيَاتِ:

قَوْلُهُ: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾، أَقْسَمَ اللهُ تَعَالى بِاللَّيْلِ حِينَ يُغَطِّي الْأَرْضَ بِظَلَامِهِ[4].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾، وَأَقْسَمَ بِالنَّهَارِ إِذَا ظَهَرَ وَبَانَ بِزَوالِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَطُلوعِ الشَّمْسِ[5].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى ﴾، وَأَقْسَمَ بِالَّذِي خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَهُوَ اللهُ تَعَالى، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ﴾ [سورة الذاريات: 49][6].

 

قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ ﴾، أي: عَمَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُكَلَّفُونَ، ﴿ لَشَتَّى ﴾، أي: مُخْتَلِفٌ[7]، فَسَاعٍ فِي خلَاصِ نَفْسِهِ وَنَجَاتِهَا، وَسَاعٍ فِي هَلاكِهَا وَشَقَائِهَا[8]، كَمَا في حَدِيثِ أَبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا»[9].

 

وَقَوْلُهُ تَعَالى: ﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾، هُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ[10].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى ﴾، أَيْ: بَذَلَ حَقَّ اللَّهِ مِنْ مَالٍ وَعِلْمٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حُقوقِ اللهِ تَعَالَى، ﴿ وَاتَّقَى ﴾، أي: وَاتَّقَىْ اللَّهَ فِي بَذْلِهِ[11].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾، أَيْ: صَدَّقَ بِـ (لَا إِلَه إِلّا اللَّهُ)، وَبِمَا تَقْتَضيهِ[12]، وَمَا تَرتَّبَ عَلَيْهَا مِنَ الثَّوابِ الْعَظيمِ الَّذِي هُوَ الْجَنَّةُ[13].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ ﴾، أي: فَسَنُهَيِّئُهُ[14]، ﴿ لِلْيُسْرَى ﴾، أي: لِكُلِّ يُسْرٍ وَسُهُولَةٍ[15].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ﴾، أي: بَخِلَ بِبَذْلِ حَقِّ اللهِ، واسْتَغْنَى عَنْ عِبادَةِ اللهِ[16].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾، أي: بِـ(لَا إِلَهَ إِلّا اللهُ) وَمَا تَقْتَضِيهِ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعَظيمَةُ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ[17].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾، أي: لِكُلِّ عُسْرٍ وشِّدَّةٍ، فَتَكُونُ الطَّاعَةُ أَعْسَرَ شَيْءٍ عَلَيْهِ، وَتَكونُ الْمَعْصِيَةُ أَسْهَلَ شَيْءٍ عَلَيْهِ[18].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ ﴾، (مَا) هُنَا نَافِيَةٌ، أَيْ: لَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ شَيْءٌ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالى: ﴿ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه ﴾ [سورة الحاقة: 28][19]،﴿ إِذَا تَرَدَّى ﴾، أَيْ: هَلَكَ وَأُلْقِيَ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ بِسَبَبِ بُخْلِهِ -وَالْعِياذُ باللهِ-[20]، كَمَا قالَ اللهُ تَعَالى: ﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [سورة آل عمران: 180] الآيَةَ[21].

 

قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾، أَيْ: إنَّ عَلَيْنَا بِمُقْتَضَى حِكْمَتِنَا وَرَحْمَتِنَا بِعِبَادِنَا أَنْ نُبَيِّنَ لَهُمْ أَسْبابَ الْهِدايَةِ[22]، بِوَاسِطَةِ رُسُلِنَا وَكُتُبِنَا، وَمَا أَوْدَعْنَاهُ فِي فِطْرَةِ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ أَسْبَابِ هِدَايَتِهِ.

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ ﴾،أي: وإنَّ لَنَا مُلْكَ الْحَيَاةِ الآخِرَةِ،﴿ وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى ﴾وَالْحَيَاةَ الدُّنْيَا[23].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فَأَنذَرْتُكُمْ ﴾، أي: خَوَّفْتُكُمْ[24]،﴿ نَارًا تَلَظَّى ﴾، أي: تَتَلَهَّبُ، وَهِيَ نَارُ الآخِرَةِ[25].

 

قَوْلُهُ: ﴿ لاَ يَصْلاَهَا ﴾، أي: لَا يَدْخُلُهَا وَيُقَاسِي شِدَّتَها وَحَرَّهَا ﴿ إِلاَّ الأَشْقَى ﴾ وَهُوَ الْكَافِرُ[26].

 

قَوْلُهُ: ﴿ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾هذا وَصْفٌ لِلْأَشْقَىْ في الآيَةِ السذضابِقَةِ، وهوَ أَنَّهُ: كَذَّبَ بِالحَقِّ، وَتَوَلَّىْ وأَعْرَضَ عَنِ طَاعَةِ اللهِ[27].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا ﴾، أيْ: يُبْعَدُ عَنِ النَّارِ، ﴿ الأَتْقَى ﴾، وهوَ الَّذِي اتَّقَى اللهَ تَعَالى بِفِعْلِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ[28].

 

ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ أَوْصافِ الْمُتَّقِي، وهيَ كَمَا يَلِيْ:

قَوْلُهُ: ﴿ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ ﴾، أي: يَصْرِفُهُ في مَصَارِفِ الْخَيْرِ[29]، ﴿ يَتَزَكَّى ﴾،أَيْ: يَصْرِفُ مَالَهُ في طَاعَةِ اللهِ؛ لِيُطَهِّرَ نَفْسَهُ مِنَ الذُّنوبِ، وَمَالَهُ مِنَ الْآفَاتِ[30].

 

قالَ ابْنُ كَثيرٍ رحمه الله: "وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ حَكَى الْإِجْمَاعَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهَا، وَأَوْلَى الْأُمَّةِ بِعُمُومِهَا، فَإِنَّ لَفْظَهَا لَفْظُ الْعُمُومِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى ﴾[سورة الليل: 19]، وَلَكِنَّهُ مُقَدَّمُ الْأُمَّةِ وَسَابِقُهُمْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، وَسَائِرِ الْأَوْصَافِ الْحَمِيدَةِ"[31].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى ﴾، أَيْ: لَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ منْ يَدٍ أَوْ مَعْروفٍ؛ فَيَقْصِدَ بِإيتَائِهِ مُجازَاتَهَا[32].

 

قَوْلُهُ: ﴿ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ﴾، أي: لَكِنْ يُؤْتِي هَذَا الْمَالَ وَيُنْفِقُهُ في وُجوهِ الْخَيْرِ، وَطَلَبِ رِضَا الله، لَا لِغَرَضٍ آخَرَ مِن أَغْراضِ الدُّنْيَا؛ كَمُكافَأَةٍ أَوْ مَحْمَدَةٍ أَوْ سُمْعَةٍ أَوْ نَحْوِها[33]، وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالى: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُورًا ﴾ [سورة الإنسان: 9].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾، هذا وَعْدٌ بِالثَّوابِ الَّذِي يُرْضِيْهِ في الْآخِرَةِ[34].

وَبِهَذِهِ السُّورَةِ انْتَهَتْ سُوَرُ وَسَطِ الْمُفَصَّلِ[35].

 

بَعْضُ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْلَصَةِ مِنَ الْآيَاتِ:

مِنْ دَلَالَاتِ قَسَمِ اللهِ عز وجل بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ:

فِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾ [سورة الليل: 1-2]: دَلائِلُ تُشيرُ إِلَى عِظَمِ مَا أَقْسَمَ اللهُ بِهِ في هَذِهِ الْآياتِ، حَيْثُ أَقْسَمَ بِاللَّيْلِ حِينَ يُغَطِّي كُلَّ شَيْءٍ بِظَلامِهِ، وَأَقْسَمَ بِالنَّهارِ إِذَا ظَهَرَ وَبَانَ وَانْتَشرَ بِضِيائِهِ وَإِشْراقِهِ، فَجَعَلَ اللهُ مِنْ حِكْمَتِهِ الْعَظيمَةِ اللَّيْلَ رَاحَةً لِلْأَبْدانِ مِنَ الْكَدِّ وَالتَّعَبِ، وَجَعَل النَّهارَ طَلَبًا لِلْعَيْشِ وَالسَّعْيِ في مَنَاكِبِ الْأَرْضِ.

 

الاسْتِدْلَالُ عَلَىْ قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَىْ:

فِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى ﴾ [سورة الليل: 1-3]: أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَىْ بِنَفْسِهِ الْكَريمَةِ، فَهُوَ خَالِقُ الذَّكَرِ وَالأُنْثَى مِنَ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوانِ وَالنَّباتِ وَكُلِّ شَيْءٍ، وَهَذا يَدُلُّ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ الْعَظيمَةِ مَعَ أَنَّهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقينَ[36].

 

أَعْمَالُ الْعِبَادِ مُفْتَرِقَةٌ وَمُتَفَاوِتَةٌ:

في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾ [سورة الليل: 4]: أَقْسَمَ اللهٌ تَعَالَىْ بِمَا ذُكِرَ عَلَى أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ مُفْتَرِقَةٌ جِدًّا، وَمُتَفَاوِتَةٌ تَفَاوُتًا عَظِيمًا، فَبَعْضُها فِي رِضَاء اللهِ تَعَالىَ، وَبَعْضُها في سَخَطِهِ[37].

 

بَيَانُ مَنْزِلَةِ الْبَذْلِ والتَّقْوَىْ والتَّصْدِيْق بِالْحُسْنَىْ:

فِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾[سورة الليل: 5-7]: ذِكْرُ ثَلاثِ صِفَاتٍ عَظِيمَة، وهُيَ: التَّصَدُّقُ والصِّدْقُ وَالتَّقْوَى، وَفي ذَلِكَ عِدَّةُ دَلَالَاتٍ، مِنْهَا:

أولًا: أَنَّ مَنْ بَذَلَ وصَدَّقَ بِـ(لا إِلَهَ إِلّا اللهُ) وَالْتَزَمَ أَوَامِرَ اللهِ وَاجْتَنَبَ نَوَاهِيَهُ، فَإِنَّ اللهَ يُيَسِّرُ لَهُ الْخَيْرَ وَالْفَلاحَ، وَيَمْنَحُهُ الرِّضَا وَالتَّوْفيقَ، فَتَراهُ يَسِيرُ في طَريقِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، بَعيدًا عَنِ الْمَعَاصِي، مُيَسَّرًا لِطَريقِ الْجَنَّةِ، كَمَا قَالَ تَعالى: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [سورة الطلاق: 4][38].


ثانيًا: أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَوْصَافِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْذُلَ وَيُؤَدِّيَ الْحُقوقَ الَّتي عَلَيْهِ؛ سَوَاء كَانَتْ حُقُوقًا لِلَّهِ أَوْ حُقُوقًا لِلْخَلْقِ. وهُوَ مَعَ مَا يَبْذُلُه: يَسْتَشْعِرُ تَقْوَى اللهِ تَعَالَى فيمَا يَبْذُلُهُ وَيُؤَدِّيهِ مِنْ حُقُوقٍ.

 

ثالثًا: أَنَّ مَا يَبْذُلُهُ الْمُؤْمِنُ فِي الْحَقيقَةِ إِنَّمَا يَبْذُلُهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى رَبَطَ الْعَطَاءَ بِالتَّيْسيرِ؛ ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾.

 

ذَمُّ الْبُخْلِ وَالْاسْتِغْناء عَنِ الْعِبَادَةِ وَالتَّكْذِيْبِ بِالْحُسْنَىْ:

فِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾[سورة الليل: 8-9]: ذِكْرُ ثَلَاثِ صِفَاتٍ ذَمِيمَة، وهي: الْبُخْلُ وَالاِسْتِغْنَاءُ عَنْ عِبَادَةِ اللهِ، والتَّكْذِيْبُ، وَفي ذَلِكَ عِدَّةُ دَلَالَاتٍ، مِنْهَا:

أولًا: أَنَّ مِنْ أَخَصِّ أَوْصافِ الْكَافِرِ أَنْ يُكَذِّبَ بـ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)، ويَبْخَلَ بِبَذْلِ حَقِّ اللهِ تَعَالى وَحُقُوقِ الْخَلْقِ، وَلَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِأَدَاءِ مَا أَوْجَبَ اللهُ تَعَالى عَلَيْهِ مِنَ الْحُقُوقِ.


ثانيًا: أَنَّ مَنِ اسْتَغْنَى عَنْ عِبادَةِ اللهِ تَعَالى بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا، وَكَذَّبَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ؛ فَسَيَقُودُهُ ذَلِكَ إِلَى الْهَلَاكِ وَالْخَسَارَةِ[39].


ثالثًا: أنَّ مِنْ أَعْظَمِ عَلَامَاتِ شَقَاءِ الْإِنْسَانِ: أَنْ تَكونَ الْعِبادَاتُ أَثْقَلَ شَيْءٍ عَلَيْهِ، وَتَكُونَ الْمَعَاصِي أَسْهَلَ شَيْءٍ عَلَيْهِ[40].


التَّحْذِيرُ مِنْ طُغْيَانِ الْمَالِ:

فِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾ [سورة الليل: 11]: أَنَّ الْمَالَ لَا يَنْفَعُ صَاحِبَهُ، وَلَا يُنَجِّيِهِ مِنَ النَّارِ إِذَا كَانَ الْمَالُ قَدْ أَطْغَاهُ، وَبَخِلَ بِهِ، وَلَمْ يُنِفِقْهُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ.


تَيْسِيرُ اللهِ تَعَالَى أَسْبَابَ الْهِدَايَةِ لِمَنِ اخْتَارَ طَرِيقَهَا:

فِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ [سورة الليل: 12]: أَنَّ اللهَ تَعَالى مِنْ مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبادِهِ أَنْ يَسَّرَ لَهُمْ أَسْبابَ الْهِدَايَةِ؛ فَمَنِ اخْتَارَ طَرِيقَهَا أَعَانَهُ اللهُ تَعالى عَلَيْهَا، وَيَسَّرَ لَهُ الْيُسْرَى، وَمَنْ آثَرَ الضَّلالَةَ سَلَبَ عَنْهُ أَسْبَابَ الْهِدَايَةِ، وَيَسَّرَ لَهُ الْعُسْرَى[41]، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: «كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ»، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ العَمَلَ؟ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، قَالَ: أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾[سورة الليل: 5-6] الآيَةَ»[42].


اللهُ تَعَالَىْ لَهُ الْمُلْكُ كُلُّهُ:

في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى ﴾ [سورة الليل: 13]: أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ: ﴿ فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى ﴾ [سورة النجم: 25]؛ وَلِهَذَا فَمَنْ طَلَبَهُمَا مِنْ غَيْرِ اللهِ فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ[43]؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ وَالْأَمْرَ بِيَدِهِ، وَالعَطَاءَ وَالْمَنْعَ لِا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ سِوَاهُ، وَهَذَا الْكَوْنُ كُلُّهُ تَحْتَ تَصَّرُّفِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ أَدِلَّةٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمِنْهَا: قَالَ تَعَالى: ﴿ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ﴾ [سورة الأعراف: 54]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاَق * يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَاب ﴾[سورة غافر: 15-17]. وِمِنَ الْأَدِلَّةِ فِيْ الْسُّنَّةِ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ؟»[44].


التَّخْوِيفُ مِنَ النَّارِ:

فِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ﴾ [سورة الليل: 14]: التَّخْويفُ مِنَ النَّارِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهَا، وَقَدْ كَانَ نَبْيُّنَا صلى الله عليه وسلم كَثِيرًا مَا يُحَذِّرُ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ؛ شَفَقَةً مِنْهُ بِأُمَّتِهِ أَنْ يُلْقَى أَحَدٌ فِيهَا، كَمَا فِيْ حَدِيْثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشيرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ بِالسُّوقِ لَسَمِعَهُ مِنْ مَقَامِي هَذَا، قَالَ: حَتَّى وَقَعَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رِجْلَيْه»[45]. وَكَمَا فِيْ حَدِيْثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا النَّارَ، قَالَ: وَأَشاحَ، ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشاحَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبْكَلِمَةٍ طَيَّبَةٍ»[46]، وَفِي لَفْظٍ: «ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلاَ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أُوتِكَ مَالًا؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولًا؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يَرَى إِلَّا النَّارَ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلاَ يَرَى إِلَّا النَّارَ، فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ»[47]، وَمِنَ ذَلِكَ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين ﴾ [سورة الشعراء: 214]، دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ: «يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا»[48].

 

صِفَاتُ الّشَقِيِّ وَمَصِيْرُهُم:

فِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾[سورة الليل: 15-16]: ذِكْرُ صِفَاتِ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ، وأنَّهُمُ الْأَشْقِيَاء، الْمُكَذِّبُوْنَ بِالرُّسُلِ، وَالْمُعْرِضونَ عَنِ الدِّينِ، وأَنَّ مَصيرَهم: النَّارُ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ-.


صِفَاتُ الْمُتَّقِينَ وَمَصِيْرهم:

فِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى ﴾ [سورة الليل: 17-19]: ذِكْرُ أنَّ التَّقِيَّ هُوَ الَّذِي سَيُجَنِّبُهُ اللهُ تَعَالى النَّارَ، وَيُبَاعِدُهُ عَنْهَا، وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، وَهَذا وَاللهِ هُوَ الْفَوْزُ الْحَقِيقِيُّ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعالَى: ﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [سورة آل عمران: 185]، وَمِنْ صِفَاتِهِ:

أولًا: أَنَّه يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ وِقَايَةً؛ وَذَلِكَ بِفِعْلِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي، فَهَذَا هُوَ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يُرِيدُ النَّجَاةَ لِنَفْسِهِ.

 

ثانيًا: أَنَّهُ يَبْذُلُ مَالَهُ للهِ تَعَالَى طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ فِي مَصَارِفِ الْخَيْرِ، وَلَا يَبْذُلُهَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً ولَا طَلَبًا لِمَدْحِ النَّاسِ وَثَنَائِهِمْ، فَيُطَهِّرَ نَفْسَهُ مِنْ دَنَسِ الذُّنوبِ، وَيُطَهِّرَهَا مِنَ الشُّحِ وَالْبُخْلِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم ﴾[سورة التوبة: 103].

 

ثالثًا: أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ مَا يُنْفِقُ، وَلَا يَبْذُلُ مَا يَبْذُلُ مِنْ مَالِهِ لِيُكَافِئَ نِعْمَةً أَنْعَمَ بِهَا أَحَدٌ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله: "وَفِي الْآيَةِ: الْإِرْشَادُ إِلَى أَنَّ صَاحِبَ التَّقْوَى لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ مِنَنَ الْخَلْقِ وَنِعَمَهِمْ، وَإِنْ حَمَلَ مِنْهُمْ شَيْئًا بَادَرَ إِلَى جَزَائِهِمْ عَلَيْهِ؛ لِئَلاَّ يَتَبَقَّى لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ عَلَيْهِ نِعْمَةٌ تُجْزَىْ، فَيَكونُ بَعْدَ ذَلِكَ عَمَلُهُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، لَيْسَ لِلْمَخْلوقِ جَزَاءٌ عَلَى نِعْمَتِهِ"[49].

 

رابعًا: أَنَّه يُنْفِقُ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ ابْتَغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ، مُنْشَرِحًا لَهُ صَدْرُهُ، سَخِيَّةً بِهِ نَفْسُهُ، كَما قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ﴾ [سورة البقرة: 265]، فَهُوَ لَا يَنْتَظِرُ مِنْ أَحَدٍ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا؛ لأنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِخْلَاصَ للهِ تَعالى شَرْطٌ فِي قَبُولِ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا.

 

فَضِيلَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدْيقِ رضي الله عنه:

في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ﴾ وَمَا بَعْدَهَا: فَضِيلَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدْيقِ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ، وَالشّهَادَةُ لَهُ بِالْإِخْلَاصِ وَالصِّدْقِ وَزَكَاةِ النَّفْسِ.

 

إِثْبَاتُ صِفَتَي الْوَجْهِ وَالْعُلُوِّ للهِ تَعَالَى:

في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ﴾: إِثْبَاتُ صِفَتَيْنِ مِنْ صِفَاتِ اللهِ، وَهُمَا:

الأولى: صِفَةُ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالى أَضَافَهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: ﴿ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ ﴾، وَمَتَى أُضِيفَتِ الصِّفَةُ إِلَى الْمَوْصوفِ فَإِنَّنَا نُثْبِتُهَا، وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ وَجْهًا يَلِيقُ بِجَلالِهِ وَكَمَالِهِ وَعَظَمَتِهِ سبحانه وتعالى [50]، فَعَلَى هَذَا: نَحْنُ نَعْتَقِدُ أَنَّ لِرَبِّنَا عز وجل وَجْهًا يَلِيقُ بِجَلالِهِ وَكَمَالِهِ؛ بِلَا تَشْبيهٍ وَبِلَا تَمْثِيلٍ وَبِلَا تَحْرِيفٍ، فَلَا نَقُولُ: الْوَجْهُ هُوَ الثَّوَابُ، وَلَا نُعَطِّلُ الْوَجْهَ وَلَا نَنْفيِهِ، بَلْ نُثْبِتُهُ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا أَثْبَتَهُ هُوَ سُبْحَانَهُ لِنَفْسِهِ.

 

الثانية: صِفَةُ الْعُلُوِّ الْمُطْلَقِ، وَعُلُوُّ اللهِ تَعَالى صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ لَا تَنْفَكُّ عَنْ ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ، فَلَمْ يَزَلِ اللهُ وَلَا يَزَالُ عَالِيًا، فَلَا أَوَّلَ لِعُلُوِّهِ وَلَا آخِرَ، وَصِفَةُ الْعُلُوِّ مِنْ أَظْهَرِ صِفَاتِ اللهِ وَأَوْضَحِهَا، فَلَوْ لَمْ يَأْتِ الشَّرْعُ بِأَنَّ اللهَ عَالٍ عَلَى خَلْقِهِ لَعُلِمَ بِالْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ، فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ مَفْطُورُونَ عَلَى عُلُوِّ اللهِ جل وعلا؛ وَلِهَذَا اشِتَدَّ نَكِيرُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ صِفَةَ الْعُلُوِّ بَلْ كَفَّرُوهُ[51].


وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ: الشَّرْعُ وَالْفِطْرَةُ وَالْعَقْلُ وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ، فَتَنَوُّعُ طُرُقِ الاسْتِدْلَالِ لِصِفَةِ الْعُلُوِّ يَدُلُّ عَلَى وُضُوحِهَا.

 

إِرْضَاءُ اللهِ لِمَنْ أَنْفَقَ للهِ:

في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾: أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَنْفَقَ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ تَعَالى، وَطَلَبًا لِثَوَابِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالى سَوْفَ يُرْضِيهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهَذَا وَعْدٌ مِنَ اللهِ تَعَالى، وَاللهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ.



[1] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 80).

[2] ينظر: التحرير والتنوير (30/ 377-378).

[3] ينظر: مصاعد النظر بالإشراف على مقاصد السور (3/ 198)، التحرير والتنوير (30/ 377).

[4] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 317)، تفسير ابن كثير (8/ 417).

[5] ينظر: تفسير الرازي (31/ 181)، تفسير القرطبي (20/ 80).

[6] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 417).

[7] ينظر: تفسير الطبري (24/ 460).

[8] ينظر: تفسير البغوي (8/ 442)، تفسير القرطبي (20/ 82).

[9] أخرجه مسلم (223).

[10] ينظر: تفسير الطبري (24/ 460)، فتح القدير (5/ 550).

[11] ينظر: زاد المسير (4/ 454)، فتح القدير (5/ 551).

[12] ينظر: تفسير الطبري (24/ 463)، تفسير البغوي (8/ 442).

[13] ينظر: تفسير السعدي (ص926).

[14] ينظر: تفسير الطبري (24/ 466)، تفسير البغوي (8/ 446).

[15] ينظر: تفسير النسفي (3/ 631).

[16] ينظر: تفسير الطبري (24/ 467).

[17] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 84)، تفسير السعدي (ص926).

[18] ينظر: تفسير الزمخشري (4/ 762)، تفسير الألوسي (15/ 367).

[19] ينظر: أضواء البيان (8/ 549).

[20] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 317)، تفسير أبي السعود (9/ 167).

[21] ينظر: أضواء البيان (8/ 550).

[22] ينظر: تفسير الرازي (31/ 185)، تفسير البيضاوي (5/ 317).

[23] ينظر: تفسير الطبري (24/ 476)، تفسير الماوردي (6/ 289).

[24] ينظر: الوجيز للواحدي (ص1209)، تفسير الجلالين (ص811).

[25] ينظر: تفسير أبي السعود (9/ 167).

[26] ينظر: الوجيز للواحدي (ص1209)، تفسير النسفي (3/ 651).

[27] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 318).

[28] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 88).

[29] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 318).

[30] ينظر: تفسير الطبري (24/ 478)، تفسير ابن كثير (8/ 422).

[31] تفسير ابن كثير (8/ 422).

[32] ينظر: تفسير الطبري (24/ 478).

[33] ينظر: تفسير البغوي (8/ 449).

[34] ينظر: تفسير الطبري (24/ 480)، تفسير القاسمي (9/ 487).

[35] ينظر: التحرير والتنوير (30/ 392).

[36] ينظر: تفسير السعدي (ص926).

[37] ينظر: تفسير ابن عطية (5/ 490).

[38] ينظر: تفسير العثيمين – جزء عم (ص227).

[39] ينظر: طريق الهجرتين (ص14).

[40] ينظر: تفسير الزمخشري (4/ 762)، تفسير الألوسي (15/ 367).

[41] ينظر: تفسير الخازن (4/ 435)، التبيان في أقسام القرآن (ص69-70).

[42] أخرجه البخاري (1362) واللفظ له، ومسلم (2647).

[43] ينظر: تفسير البغوي (8/ 447)، فتح القدير (5/ 551).

[44] أخرجه البخاري (4812) واللفظ له، ومسلم (2787).

[45] أخرجه أحمد (18398)، وصححه ابن حبان (644).

[46] أخرجه البخاري (6539)، ومسلم (1016).

[47] أخرجه البخاري (1413).

[48] أخرجه البخاري (4771)، ومسلم (204) واللفظ له.

[49] التبيان في أقسام القرآن (ص71).

[50] ينظر: التمهيد لابن عبد البر (7/ 145)، مجموع الفتاوى (6/ 15).

[51] ينظر: شرح الطحاوية (ص288).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دلالات تربوية على سورة الليل
  • تفسير سورة الليل للأطفال
  • تفسير سورة التين
  • تفسير سورة العصر

مختارات من الشبكة

  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين تفسير سورة يونس (الحلقة السادسة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصل (34) تفسير سورة قريش (لإيلاف قريش)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سورة المفصل ( 33 ) تفسير سورة الماعون(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 32 ) تفسير سورة الكوثر ( إن شانئك هو الأبتر - الجزء الرابع )(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب