• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير سورة يونس (الحلقة الثامنة) مأدبة الله لأوليائه في الدنيا بين الشاكرين والجاحدين

تفسير سورة يونس (الحلقة الثامنة) مأدبة الله لأوليائه في الدنيا بين الشاكرين والجاحدين
الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/1/2025 ميلادي - 4/7/1446 هجري

الزيارات: 655

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين

تفسير سورة يونس (الحلقة الثامنة)

مأدبة الله لأوليائه في الدنيا بين الشاكرين والجاحدين

 

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ * وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾ [يونس: 57 - 70].


بَلَغْنا في تدبُّرِ سورة يونس عليه السلام قريبًا من نصفها؛ ستًّا وخمسين آيةً، من تسعٍ ومائة آية، خاطب الله سبحانه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، موحيًا ومُثبِّتًا ومُعينًا، وآمِرًا بالتبليغ والتبيين، ومُصبِّرًا على الأذى، ومُبشِّرًا بخيري الدنيا والآخرة، ومن خلالها بيَّن تعالى طبيعةَ ما أوحى به إليه، في استهلال إبداعيٍّ مُعجِز؛ فقال عز وجل: ﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ ﴾ [يونس: 1، 2]، امتدادًا سَلِسًا في ترتيبها المصحفي لسورة التوبة، وتواصلها النزولي لسورة الإسراء؛ ومن خلالها بشَّر تعالى وأنْذَرَ وقال: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ﴾ [يونس: 2]، وبيَّن عقيدة التوحيد واضحة نيِّرة؛ بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 3]، ثم أنذر تعالى عاقبةَ الكفر ومآل الشرك والمشركين؛ بقوله سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس: 7، 8]، وأعذر لمن سمع آيات الله في القرآن الكريم، أو بلغته أحكامه في الإيمان والاعتقاد، وقواعد الابتلاء والاختبار، فلم يَعْتَبِر، أو أحكامه للآخرة؛ حَشْرِها وحسابِها وجزائها، فلم يستعدَّ لها ولم ينزجر، حتى إذا تُوُسِّطَتْ هذه السورة الكريمة بثلاث حقائق من الإيمان؛ أولاهن قوله تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [يونس: 55]، وثانيتهن قوله عز وجل: ﴿ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 55]، وثالثتهن قوله سبحانه: ﴿ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يونس: 56]، أجْمَلَ تعالى ما سبق منها في نداء للناس كلهم، جامعٍ لخيري الدنيا والآخرة، دالٍّ على سَعَةِ رحمته ورحمانيته، وعظيم فضله وكرمه وإحسانه؛ بقوله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]، فكانت هذه الآية الكريمة دعوة رحمة ربانية لمن سبقت في علم الله سعادتُهُ، تَسْحَبُه من نِيرِ الشقاء إلى سَعَةِ الرضا، وتستخلصُه من جحيم الضلالة، وضَنَك الغَوَاية، إلى رَغَدِ الهداية، وطمأنينة الإيمان، وتسافر به من نكادة الشِّرك، ونَصَب الكفر، وغربة الضياع، وسقوط الهمم، إلى انشراح الإيمان، وعزة الإحسان، وسعادة الدنيا والآخرة، مُستظِلًّا بالقرآن الكريم؛ مسترشدًا بقولِ رسولٍ أمين صادق، لا يتقوَّل على الله: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النجم: 3]، ما قوله إلا تنزيل من ربه عز وجل: ﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الحاقة: 41 – 43]، دعوة من ربٍّ كريم إلى أربع فضائل هن مفاتيح سعادة الدنيا والآخرة؛ أولها قوله تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [يونس: 57]، والموعظة هي القرآن، جاء من ربهم، لا من غيره؛ لأن ما يأتي من غيره يحمل صفات الغير نقصًا وجهلًا وقصورَ نظرٍ، وما يأتي منه تعالى يصدر عن العلم المطلق، والحكمة البالغة، والرحمة الشاملة، والقدرة المقتدرة، فإن كان ما جاء منه تعالى موعظة، كان الاسترشاد به منتهى الرُّشد والفلاح، من أخذ به لم يضلَّ عن حقٍّ، ولم يجنح لباطلٍ، ولم يَزِغْ عن صراط مستقيم؛ لأن الموعظة من الله لا يتلقَّفها إلا أولو العزم من الرجال، ولا يدركها إلا من سبقت في علم الله سعادتُهُ، فتَسْحَبُه من الشقاء إلى السعادة، وتستخلصُه من جحيم الضلالة، وبؤس الغَوَاية، إلى نعيم الهداية، وطمأنينة الإيمان.


والموعظة في هذه الآية الكريمة لغةً من الفعل "وعظ يعِظ عِظةً وموعظة، وتعني التذكيرَ بالخير وما يرِقُّ له القلب، والدعوةَ إلى ترقية المشاعر والنوايا والأخلاق والسلوك، فتقول: وَعَظْتُ الرَّجلَ أَعِظُهُ عِظَةً وموعظة، فاتَّعَظَ؛ أي: تقبَّل العِظَةَ، ومن الأمثالِ الجارية قولهم: لا تَعِظْني وتَعَظْعَظْ؛ أي: اتَّعظ أنت ودَعْ موعظتي؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، وقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 275]، ولم يقُلْ "جاءته موعظة؛ لأن التأنيث فيها غير حقيقي، ولأن الموعظة بمعنى الوعظ؛ أي: مَن جاءه وعظ من ربه، ومنه حديث العرباض بن سارية قال: ((وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظةً وجِلت منها القلوب، وذَرَفت منها العيون...))، والحديث: ((... وذلك الداعي على رأس الصِّراط كتابُ الله، والداعي من فوق واعظُ الله في قلب كلِّ مُسلمٍ))[1].


وأما الشفاء الذي جاءهم من الله تعالى عطفًا على الموعظة بقوله عز وجل: ﴿ وَشِفَاءٌ ﴾ [يونس: 57]، فهو كذلك القرآن الكريم، شفاء به للأنفس والأبدان، للمجتمع والدولة، ونظم الحكم والاجتماع، والاقتصاد والسياسة، والشفاء لغة من فعل "شفى"؛ أي: أشرف على البُرء من المرض، يُقال: أشفى على الشيء: إذا أشرف عليه، وسُمِّيَ الشفاء شفاءً لغلبته على المرض؛ مرضِ الجسم أو النفس أو السلوك، ومنه يُقال: شِفاءُ العيِّ السُّؤالُ؛ أي: علاج الجهل أن تسأل من يعرف، ثم حدَّد تعالى مكانَ المرض الذي يُشفَى بالقرآن؛ فقال عز وجل: ﴿ لِمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [يونس: 57]، والصدر لغةً: أول الشيء أو أعلاه أو مقدمته، وهو من الإنسان ما بين أسفل الرقبة إلى أسفل ضلع من أضلاعه، أو ما يُعبَّر عنه بالقفص الصدري، ولكونه مَجْمَعَ قنوات التنفس بالرئتين ومجاري الدم من القلب وحركته، وتعلَّقت بسلامته سلامةُ صاحبه، فقد عبَّر به مجازًا عن السلامة العامة للروح والبدن، والدين والدنيا والآخرة، وكان بذلك القرآن شفاء للأبدان من أمراضها، كما في سرِيَّةٍ بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم - وفيها أبو سعيد الخدري - فنزلت ليلًا بقوم – غير مسلمين - أبَوا أن يضيفوها، فلُدغ سيد القوم، فَرَقَاه أبو سعيد الخدري بالفاتحة، وشُفِي وأعْطَوه قطيعَ غنمٍ، فاستشار في الأكل منه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأذِن وقال له: ((وما أدراك أنها رُقْيَةٌ؟ وما أعلمك أنها رُقيةٌ؟))، وكان كذلك القرآن شفاءً للعقول من غَبَشِها وضلالاتها، ومما وَقَرَ فيها من العقائد الفاسدة شركًا وكفرًا وشكًّا، وسوءَ فَهمٍ وتأويلٍ ومجادلةٍ؛ وشفاءً للأنفس من خَلَجاتها الجانحة، وأهوائها الضالَّة، ومشاعرها السيئة، كراهية وحقدًا وحسدًا، وعنادًا وعداوة، ومن الأخلاق الذميمة كذبًا وغشًّا وخيانة، باكتساب الصفات القرآنية السليمة إيمانًا وصدقًا، واستقامةً وامتثالًا؛ وذلك ما جاء به القرآن مبكرًا في الفترة المكية بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ﴾ [النحل: 90]، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كاملَ الفترة المكية يدعو إليه، ويتحمَّل الأذى والعدوان بسببه؛ كما في رواية طارق بن عبدالله المحاربي قال: ((رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق ذي المجاز، وعليه حُلَّةٌ حمراءُ، وهو يقول: يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله، تُفْلِحوا، ورجلٌ يتبعه يرميه بالحجارة، وقد أدمى عُرقُوبَيه وكعبيه، وهو يقول: يا أيها الناس، لا تطيعوه؛ فإنه كذَّاب، فقلت: من هذا؟ قيل: هذا غلام بني عبدالمطلب، قلت: فمن هذا الذي يتبعه يرميه بالحجارة؟ قال: هذا عبدالعُزى أبو لهب))، وما كانت دعوته صلى الله عليه وسلم إلا للتوحيد والاستقامة، والعمل الصالح والصلاة؛ وقد قال له ربه سبحانه: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: 112]، وقال: ﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [الشورى: 15]، وكان جوهر دعوته لهم صلى الله عليه وسلم قوله في مجالسهم: ((اسْتَقِيمُوا تُفْلِحُوا، وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ)).


وأما الهدى الذي جاء به القرآن، فمن الفعل "هدى"؛ قال ابن فارس في معجمه: "الْهَاءُ وَالدَّالُ والحرف المعتل أصلان؛ أحدهما التقدم للإرشاد، والثاني ما أهديتَه – أي أعطيتَه - إلى ذي مودة"، ومن الأصل الأول الهداية إلى الطريق، وأن تتقدم غيرك ترشده إليها، فإن تقدمت لذلك كنت هاديًا ومرشدًا، فتقول: هديتُ الرجل هُدًى، والهدى بذلك ضد الضلالة؛ منه قوله تعالى: ﴿ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25]، والهادي جمع هُداة هو الدال على الطريق؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7]، والهادي اسم من أسماء الله تعالى؛ قال ابن الأثير: "هو الذي بصَّر عباده، وعرَّفهم طريق معرفته، حتى أقرُّوا برُبُوبيته، وهدى كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في بقائه ودوام وجوده"، والهدى فعل الله بعبده المؤمن إذا أحبَّه واختاره؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125]، والهدى الذي هو السير في الصراط المستقيم المؤدي إلى النعيم الأبدي يَسَّره الله لعباده جميعًا، ودلَّهم عليه عدالة منه تعالى فيهم، لا يضل عنه إلا من تعلَّقت نفسه بشهواتها، فعَمِيَ عن الهدى؛ قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [فصلت: 17]، والقرآن الكريم الذي جاءنا من الله تعالى هداية تامة إلى الصراط المستقيم الموصِّل إلى الجنة، وهدية مباركة منه تعالى إلى من يتلقَّاها فَرِحًا مُستبشرًا عاملًا بها، لا يُعرِض عنها إلا من سَفِه نفسه، وخسِرَ الدنيا والآخرة؛ قال عز وجل: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت: 44]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 107 – 109]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أبْشِرُوا؛ فإن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسَّكوا به؛ فإنكم لن تَهْلِكوا، ولن تضلوا بعده أبدًا))، وقال عنه علي رضي الله عنه: "وكتابُ الله بين أَظْهُرِكم ناطقٌ لا يَعْيَى لسانه، وبيتٌ لا تُهدَم أركانه، وعزٌّ لا تُهزَم أعوانه"، وقال: "ألَا إن فيه عِلْمَ ما يأتي والحديث عن الماضي، ودواءَ دائكم، ونظم ما بينكم"، وعن جُبَير بن مُطْعِم[2] قال: ((سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بسورة الطور، فلما بلغ هذه الآية: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ﴾ [الطور: 35 – 37]، كاد قلبي أن يطيرَ، وذلك أوَّلُ ما وقر الإيمانُ في قلبي)).


وأما الرحمة التي جاءت للمؤمنين من الله بقوله تعالى: ﴿ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]، فإنها رَحَمات ثلاثة؛ أُولاها الرسول صلى الله عليه وسلم مُبلِّغًا للقرآن الكريم، حكيمًا ومُربِّيًا للمؤمنين رحيمًا؛ قال عنه تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وقال له عز وجل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال عنهم سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33][3]، والرحمة الثانية هي القرآن؛ قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82]، وقال عز وجل: ﴿ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النمل: 77]، أما الرحمة الثالثة فهي العامة التي عمَّت خَلْقَ الله جميعًا؛ بقوله تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء ﴾ [الأعراف: 156]، وسبَّح بها حملة العرش يقولون: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر: 7].


ولأنه تعالى له الرحمةُ الْمُطْلَقة التامة البالغة، وقد أفاض على عباده منها موعظةً وشفاءً لِما في الصدور، وهُدًى ورحمة، فخَلِيقٌ بمن عرف هذا الفضل العظيم أو ناله، أن يُقدُره قَدْرَه ويَسعَد به؛ ولذلك نبَّه الحق تعالى من لهم استعداد لتلقِّي فضله بالمعرفة والشكر، وحثَّهم على الاستبشار والفرح به؛ وقال: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]؛ أي: قُلْ - يا محمد - لمن اتبعك من المؤمنين حاثًّا ومُحرِّضًا، وداعيًا لهم إلى الفرح بما أفاضه الله عليهم من الرحمة والموعظة، وشفاء الصدور والهدى.


والفرح لغةً من الفاء والراء والحاء، أصْلَان؛ كما قال ابن فارس في معجمه، "يدل أحدهما على خلاف الحزن، والآخر هو الإثقال"، فالأول الفرح بالشيء؛ كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ﴾ [غافر: 75]، ومن المعنى الثاني ما ورد في صحيفة المدينة التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلهم بقوله فيها: ((وأن المؤمنين لا يتركون مُفْرَحًا بينهم - أي مُثقَلًا بالدَّين - أن يُعطوه بالمعروف في فداء أو عَقْلٍ))، ولأن الفرح حالة تعتري المرء فتؤثر في تصرفاته، فإن منه فرحًا مُحرَّمًا يؤدي إلى الكفر والطغيان، ونسيان فضل الله؛ كما في قوله تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7]، وقوله عز وجل عن قارون: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76]، وقوله عن المخلَّفين من المنافقين: ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 81]، وفرحًا مُباحًا لا يؤدي إلى كفر أو ارتكاب محرَّم، أو جراءة على إثم، وفرحًا مندوبًا؛ كما في رؤية آية يزداد بها المرء إيمانًا، وفرحا واجبًا؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]؛ إذ الأمر بالفرح وَرَدَ مؤكدًا بلام الأمر بقوله تعالى: ﴿ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ [يونس: 58]، وبتفضيله على كل ما يجمعه المرء من الدنيا بقوله عز وجل عنه: ﴿ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]، فرحٌ أفضل مما قد يكسبونه في الدنيا من حُطامها وملذاتها، جاهًا ورتبةً وعُلوًّا، فرحٌ بمأدُبة من الله في الدنيا، جمعت لهم خير ما فيها، وفتحت الطريق مُشرعة لخيرات الآخرة، مأدبة فيها الرحمة والموعظة، وشفاء الصدور والهدى، إلا أن هذا الفرح لا يستشعره إلا ذَوُو التصور الإيماني السليم الواضح، الذي يُفرِد الله تعالى بخالص خصائص الألوهية والربوبية في الخلق والتدبير، والمبدأ والمصير، ثم يَسْرِي أثر هذا التصور في حياته العملية، فيعمل فيها على هديه في تنزيل شرائع الحياة حلالًا وحرامًا ومباحًا، أمرًا ونهيًا؛ لذلك بعد أن بيَّن تعالى فضل العقيدة السليمة على الإنسان المؤمن، وأنها مأدبة خيرات من حقِّه أن يفرح بها، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم - بالتفات بياني - أن يُنبِّه المشركين معاتبًا، كلما جادلوه في الأرزاق، مصدرِها وأصنافِها، وحلالها وحرامها، وشكرها وكفرانها بقوله: ﴿ قُلْ ﴾ [يونس: 59]، لهم يا محمد: ﴿ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ [يونس: 59]، وهو سؤال عَقَدِيٌّ وتربوي وتعليمي، يتضمن توبيخًا للمشركين على سوء استقبالهم لِما يرزقهم الله به من الخيرات، فينسُبونها لغيره، وسوء تصرفهم فيها تحليلًا وتحريمًا، أو إنفاقًا وبذلًا، أو جمعًا وادخارًا.


إن الأصل في الأرزاق التي يقيِّضها الله تعالى لعباده في الأرض أنها سائر ما سخره لهم، تغطيةً لحاجاتهم فيها، ويكون التعبير عن عطائه بأدق العبارات البلاغية المناسبة لسياقها؛ مرةً يُعبِّر عن عطائه للعباد بالخَلْقِ، ومرة بالجَعْلِ، ومرة بالهبة أو العطاء؛ كما قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29]، وقوله عز وجل: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 49، 50]، وقوله عز وجل: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾ [النساء: 5]، ولكنه يعبر أحيانًا بالإنزال إذا أُرِيد التنبيه إلى علوِّ الْمُعْطِي سبحانه، واستحقاقه مزيدَ الشكر والتسبيح والحمد؛ كما في قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 10، 11]، وقوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ﴾ [النبأ: 14، 16]، وقوله عز وجل: ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ [الزمر: 6]، وقوله: ﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ [الحديد: 25]، وقوله سبحانه: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18].


إلا أنه إذ أنزل ذلك وسمَّاه رزقًا وُضِعَ للاستفادة منه، واستعماله وتسخيره نظمًا وقوانينَ وشرائعَ، فكان منها ما هو حلال ومباح، وما هو حرام ومكروه، وجعل للعقل سلطانًا لمعرفة ما سوى ذلك، استكشافًا وتسخيرًا، واختراعًا وتطويرًا، ولكن المشركين في كل زمان يتدخلون بتغيير ما شرعه الله لهذه الخيرات من أحكامها؛ لذلك أنكر تعالى فِعْلَهم، وسألهم موبِّخًا ومستخبرًا عما ارتكبوه في أحكامه الشرعية النازلة، وهو أعلم بما فعلوا؛ بقوله تعالى: ﴿ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ ﴾ [يونس: 59]، هل عرفتم ما جاءكم من نِعَمِ الله فكفرتُموها؟ ثم وبَّخهم بما ارتكبوه من إثم في حق أنفسهم؛ فقال: ﴿ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا ﴾ [يونس: 59]؛ أي: فأعرضتم عما وضعه الله لها من أحكام، واتبعتم أهواءكم فيها تحريمًا وتحليلًا، ثم أبلغ في تقريعهم فقال: ﴿ قُلْ ﴾ [يونس: 59]، لهم يا محمد مُوبِّخًا ومُندِّدًا ومُهدِّدًا: ﴿ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ﴾ [يونس: 59]، هل الله هو الذي أذن لكم بهذا التغيير لأحكامه، والهمزة متصلة بلفظ الجلالة في أول الآية للاستفهام الإنكاري، ولفظ الجلالة ﴿ اللَّهُ ﴾ [يونس: 59]، مبتدأ، وجملة ﴿ أَذِنَ ﴾ [يونس: 59]، من الفعل الماضي والفاعل المستتر خبر المبتدأ، ثم أجاب على هذا الاستفهام التقريعي مؤكدًا كذِبَهم على الله فيما يشرعونه؛ بقوله تعالى: ﴿ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ [يونس: 59]؛ أي: بل أنتم تفترون عليه سبحانه؛ لأن (أم) منقطعة بمعنى بل، والافتراء لغةً: هو أشد الكذب وأكثره ظلمًا وإثمًا، ثم عقَّب تعالى مُلمِّحًا بعقوبة الكذب على الله ومهدِّدًا بها؛ فقال سبحانه: ﴿ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [يونس: 60]، والظن لغةً يفيد معنَيين في قول ابن فارس في معجمه؛ أحدهما اليقين؛ كما في قوله تعالى: ﴿ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ ﴾ [البقرة: 249]؛ أي: يوقنون، والثاني يفيد الشك، فتقول: ظننته حمامة فإذا هو غراب، ومنه الظَّنين؛ أي المتهم والمشكوك في أمره؛ أي: ماذا يظنه المفترون أو يترقبونه من فِعْلِ الله بهم، وقد افترَوا عليه ونسبوا له أحكامًا أوحت إليهم بها عقولهم الفاسدة، وشياطينهم الأفَّاكة، غير العذاب المهين، لقد أسرفوا على أنفسهم حتى حسِبوا أن الله لا يعاقبهم على رغم إصرارهم وتمسكهم بما هم عليه؛ ولذلك ذكَّرهم الله إمعانًا في توبيخهم، بعظيم فضله وسيئ فِعلِهم فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ﴾ [يونس: 60]، بحسن دعوته وهَدْيِه وبيانه، وجزيل نِعَمِه وجميل إمهاله: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [يونس: 60]، نِعَمَه التي أسبغها عليهم ظاهرةً وباطنة.


ولذلك خاطب تعالى رسولَه مُطَمْئِنًا له، ومؤكِّدًا حفظه ورعايته له بقوله: ﴿ وَمَا تَكُونُ ﴾ [يونس: 61]، يا محمد، ﴿ فِي شَأْنٍ ﴾ [يونس: 61]؛ أي: في أي حال، والشأن لغةً من فعل "شَأَنَ"؛ أي: قصد وابتغى، فيُقال: من شأنك الجود لا البخل؛ أي: من مبتغاك أو قصدك أو حالك، أو يُقال: ما هذا من شأني؛ أي: من مبتغاي وقصدي وطلبي؛ أي: في أي حال كنتَ يا محمد، وفي أي أمر مما أُرسِلتَ به إليهم، دعوة وتبيانًا، أو بشارة ونذارة، أو جدلًا معهم وردًّا عليهم، أو كفًّا لعدوانهم، ﴿ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ ﴾ [يونس: 61]، وما تبلِّغه إليهم من القرآن، وتُمْلِيه عليهم، وتشرحه لهم من آدابه وأحكامه، ثم أشرك في الخطاب غيره من عامة أهل مكة؛ مؤمنين ومشركين، ومن خلالهم غيرهم من الناس جميعًا؛ بقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ ﴾ [يونس: 61]، للدنيا أو للآخرة، ﴿ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا ﴾ [يونس: 61]، إلا كان الله عليكم رقيبًا شاهدًا عليمًا ببواطن حالكم، نوايا ومقاصدَ وأعمالًا ظاهرة وباطنة، ﴿ إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾ [يونس: 61]؛ أي: حال اندفاعكم لعمله وشروعكم فيه، والفعل ﴿ تُفِيضُونَ ﴾ [يونس: 61]، من فاض الماء من النبع يفيض: إذا تكاثر وجرى من كل جهة، وفاض الدمع من العين: إذا تجمع فيه وخرج إلى الوجه، ومنه: أفاض القوم من عرفةَ؛ أي: اندفعوا للخروج منها، وقوله تعالى: ﴿ إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾ [يونس: 61]؛ أي: حالما تندفعون لعمله، ثم بيَّن تعالى علمه الشامل المطلق بما يقرِّبه للعقل البشري المحدود؛ فقال: ﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ ﴾ [يونس: 61]؛ أي: ما يغيب عن علم الله، ﴿ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [يونس: 61]، من الكائنات، ﴿ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ ﴾ [يونس: 61]، مما خلقه الله ويخلقه، ﴿ إِلَّا ﴾ [يونس: 61]، وهو مُسطَّر قبل وقوعه ﴿ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61]، كتاب واضح مبين لكل شيء في الكون على ما هو عليه، وما يؤول إليه أمره، ولما كان هذا الإحصاء شديدًا ترتعب له قلوبُ مَن يعرف قدره تعالى من المؤمنين، والرسول صلى الله عليه وسلم أعرفهم بربه، فقد كان صلى الله عليه وسلم مع كونه سيدَ بني آدم، وصاحبَ الحوض والشفاعة، وقد أكرمه الله واصطفاه، ورفع قدره، أشدَّ خوفًا منه عز وجل عند نزول القرآن الكريم، أو سماعه، أو كلما رأى آية من آيات الله الكونية، خسوفًا أو كسوفًا، أو رعدًا أو برقًا، أو عواصفَ وزوابعَ، ظهر عليه الخوف من الله، ودخل وخرج، وأقبل وأدبر؛ كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ ولذلك عقَّب تعالى يُطمئِنُه وخيارَ خَلْقِهِ من المؤمنين جنًّا وإنسًا، يبشرهم بواسع رحمته، وجزيل عطائه، في نداء رحيم ودود؛ بقوله عز وجل: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62]، والأولياء لغةً جمعُ وليٍّ، من "وَلِيَ، يَلِي"، فعل صحيح يدل على قرب؛ كما قال ابن فارس في مقاييسه فيُقال: تباعد بعد وَلْيٍ؛ أي: بعد قُرْبٍ، وكل من وَلِيَ أمرًا، أو انحاز له، أو اختاره أو فضَّله على غيره، فهو وليُّه، فمن أحب الله واختار طاعته على طاعة غيره، وفضَّل شريعته على شرائع غيره، فهو وليٌّ لله، جمع أولياء، وولاية الله بذلك أساسها توحيده ومحبته وطاعته سبحانه، وإيثار أوليائه على أولياء غيره من الطواغيت والأرباب، ووليُّ الله مطلقًا بذلك يكون من جميع العباد إنسًا وجنًّا، إذا صحَّت محبتهم لله، وسلِمت عقيدتهم وعبادتهم، وهذه الآية الكريمة افتتحت لإشهارها، وتأكيد معانيها، والتنبيه لأهميتها، وشرح النفوس لها بحرف التنبيه ﴿ أَلَا ﴾ [يونس: 62]، و﴿ إِنَّ ﴾ للتوكيد والنصب، اسمها مضاف ومضاف إليه: ﴿ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ ﴾[يونس: 62]، وخبرها نفي الخوف والحزن عنهم بقوله تعالى: ﴿ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62]، وهو أول ما يُبشِّر به أولياء الله تعالى عند حينونة أجلهم، إذ يُقال لكل نفس مطمئنة بالإيمان: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾[الفجر: 27 – 30].


وكيلا يلتبس معنى ﴿ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ ﴾[يونس: 62] على الأفهام، بيَّنه تعالى بأبلغ عبارة، وأشدها إيجازًا ووضوحًا؛ فقال عز وجل: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 63]؛ أي: الذين جمعوا بين الإيمان والتقوى، والإيمان أول مرتكزاته أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، تصورًا سليمًا، وشعورًا قلبيًّا صادقًا، وسلوكًا إيجابيًّا صالحًا، والتقوى أن يعرف المرء ما فرضه عليه ربه فيعمل به، ويستشعر بقلبه ما يُغضب ربه فيتجنبه، ويخاف عقابه، ويلتمس رضاءه بالعمل الصالح، وهم بذلك مبثوثون في المجتمع المسلم بكل فئاته، ممن جمعوا بين الإيمان والتقوى؛ وقال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم[4]: ((إنَّ من عبادِ الله لَأُناسًا ما هم بأنبياءَ ولا شُهداءَ، يغبِطُهم الأنبياءُ والشُّهداءُ يومَ القيامةِ بمكانِهم من الله تعالى، قالوا: يا رسول الله، تُخبِرُنا من هم؟ قال: هم قومٌ تحابُّوا برُوح الله على غيرِ أرحامٍ بَيْنَهم، ولا أموال يتعاطَوْنَها، فواللهِ إنَّ وجوهَهم لَنُورٌ، وإنَّهم على نُورٍ، لا يخافونَ إذا خاف النَّاسُ، ولا يحزنون إذا حزِن النَّاسُ، وقرَأ هذه الآية: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62])).


ثم بيَّن تعالى ما عنده لأوليائه الذين آمنوا وكانوا يتقون؛ فقال عز وجل: ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة ﴾ [يونس: 64]، يبشِّرهم الله في الدنيا بالأمن والسلامة، تطمينًا لهم وتهدئة لرَوعهم وخوفهم في الدنيا من انتظار يوم البعث والنشور، والحساب والجزاء؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، ولهم البشرى أيضًا في الآخرة؛ يقول تعالى لهم: ﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الزخرف: 71، 72]، هي البشرى - إذًا - للمؤمن في الدنيا والآخرة، أمرًا منه عز وجل بسعادة أوليائه، وكلمة واحدة لا تبديل لها: ﴿ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ﴾ [يونس: 64]، بتكريم أوليائه وإسعادهم، ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 64]، وما أعظمه فوزًا؛ جنَّتَه تعالى ورضاه! قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ، وأهل النارِ النارَ، نادى منادٍ: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم يثقِّل الله موازيننا، ويُبيِّض وجوهنا، ويُدخلنا الجنة، وينجينا من النار؟ فيُكشَف الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحبَّ إليهم من النظر إليه، ولا أقرَّ لأعينهم))[5].


إن الولاء لله أعظمُ مكسبٍ للمرء في الدنيا والآخرة، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم سيد أولياء الله، وعظيم أحبابه ورسله، كان يغضب لما يُغضِب ربَّه، ويرضى لما يُرضيه، والفترة المكية كانت أشدَّ فترات إنكار المشركين للإيمان وحقائق الدين؛ لذلك كانت أشدَّ إيلامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان دائمَ الحزن حسرةً على ما فرَّط المشركون في حقِّ ربهم، ولم يكن من أولياء لله في الأرض من البشر غيره، والقلة القليلة من أتباعه المستضعفين؛ لذلك تولَّى الله تقويةَ نفوسهم على الصبر والثبات، فبيَّن لهم أولًا منزلتهم عنده سبحانه، ولاية تغبِطهم عليها السماوات والأرض، ومحبة تخفُق لها قلوب الثَّقَلَين بقوله: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62]، ثم نهاهم عن الحزن لِما يُصيبهم من المشركين من خلال نَهْيِ الرسول صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: ﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ﴾ [يونس: 65]، وقُرِئَ: ﴿ وَلَا يُحْزِنْكَ ﴾ من أحزنه، والحُزْن والحَزَن خلاف الفرح، ونقيض السرور، حالة ألمٍ نفسيٍّ ينتاب المرء إذا واجه ما يكره، أو ما يضر، أو شعر بالعجز عن تحقيق هدفٍ، من الفعل اللازم حَزِن يحزَن حُزْنًا وحَزَنًا؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 84]، والفعل المتعدي حَزَنَه الأمر يحزُنه، فهو محزون؛ أي: جعله يحزن، وأحزنه يُحْزِنُه فهو مُحْزَن؛ ومنه الحديث: ((أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حَزَنه أمرٌ صلَّى))، ومنه سُمِّيَ العام الذي ماتت فيه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وأبو طالب عامَ الحزن، والآية الكريمة: ﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ﴾ [يونس: 65]، نهيٌ للرسول صلى الله عليه وسلم عن الحزن لِما يقوله المشركون، وما يُلفِّقونه أو يفترونه في حق الله ألوهيةً وربوبيةً، وحقِّ القرآن وحيًا وإعجازًا، أو يعُدُّونه له صلى الله عليه وسلم من مكرٍ لطرده أو اغتياله وقتله؛ لأن الأمر ليس بيدهم، ولن يكون لهم عليه سلطان، والعاقبة لن تكون إلا بالنصر والعز له صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين؛ لذلك عقَّب سبحانه بقوله: ﴿ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [يونس: 65]، يعز بها أولياءه ويُذِلُّ أعداءه؛ وقال أيضًا: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]، إنه سبحانه ﴿ هُوَ السَّمِيعُ ﴾ [يونس: 65]، يسمع ما يقوله المشركون من هجر الكلام، وفُحْشِ القول، وسَفِيهِ الشرك، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ [يونس: 65]، يعلم ما يعُدُّونه من مكرٍ وغدرٍ وعدوان، ولن يرتدَّ مكرهم إلا عليهم، عِلمُه سبحانه محيط بكل ما في الوجود، ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ [مريم: 93]، وما شركياتهم وتعلقهم بأوثانهم رجاء جلبِ منفعةٍ، أو دفع ضررٍ، أو نَيلِ شفاعة يوم القيامة إلا أمانيُّ خادعة، لا تُدخلهم جنة ولا تحميهم من نار، وليس في الوجود من له أهلية النفع والضرر إلا الله تعالى؛ لذلك قطعًا لرجائهم في الأوثان، عقَّب الحق تعالى تنبيهًا لهم من غفلتهم وضلالهم، وإرشادًا إلى ما أغفلوه من حقائق الوجود، ومُوجِبات التوحيد والإيمان؛ فقال عز وجل: ﴿ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [يونس: 66]، جنًّا وإنسًا، وملائكةً وخلقًا مما لا يعلمهم إلا الله، وعبَّر بالاسم الموصول ﴿ مَنْ ﴾ الخاص بالعقلاء، ازدراء بالأوثان غير العاقلة التي يعبدها المشركون، كل المخلوقات العاقلة في الكون له تعالى عباد مُعبَّدون؛ قال عز وجل: ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 93 – 95]، ثم بالتفات بيانيٍّ إلى طبيعة شرك المشركين قاطبةً، وخواء عباداتهم؛ قال عز وجل: ﴿ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ ﴾ [يونس: 66]؛ أي: إن المشركين بعباداتهم كلها، للحجر أو للشجر، أو الجن أو الإنس، أو الملائكة، لا يعبدون إلا أوهامًا وظنونًا بأنها شركاء لله، وما هي إلا مخلوقات له سبحانه، ضعيفة لا تدفع عن نفسها أو عنهم ضررًا، ولا تجلب نفعًا في الدنيا، ولا ترُد عن نفسها وعنهم العذاب يوم القيامة، وليس للكون إلا إله واحد معبود، ومخلوقات عابدة معبَّدة، ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ﴾ [يونس: 66]، إن يعبد المشركون إلا أوهامًا باطلة، وظنونًا واهية، ﴿ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ [يونس: 66]، وأصل الخَرَصِ تقدير الشيء بما لا تَسْتَيْقِنُه، ومنه خرَص النخل: إذا قُدِّر تمره قبل إبَّانه، أو عند تقدير زكاته، ثم قيل للكذب: "خرص"؛ لِما يدخله من الظنون، والفعل منه خرَصَ يَخْرُصُ، بالضَّم، خَرْصًا، وتخَرَّصَ؛ أَي كَذَب، وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ [يونس: 66]؛ أي: يكذبون على أنفسهم، ويُسلُّونها بأوهام لا حقيقة له، لأن الله واحد أحدٌ لا شريك له، من تمام قيوميته ورعايته وإحسانه أنه: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾ [يونس: 67]، نظَّم لكم حياتكم بما يريحكم، ويجدد حيويتكم وقدرتكم، بنهارٍ تَسْعَون فيه فتكسبون وتتعبون، وليلٍ يعقُبه فتهدؤون وتستريحون، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ [يونس: 67]؛ أي: إن في تعاقب الليل والنهار لَأدلةً على رحمة الله، ولطفه بعباده، وصدق ما يسمعونه من القرآن، وما يتلقَّونه من بيان، فيكُفُّون عن ترديد ما يخرصونه ويلفِّقونه من أكاذيبَ في حقِّ الله؛ ولذلك عرض عز وجل صورة من أشكال الشرك الذي كان سائدًا حينئذٍ، بعبادة الملائكة والزعم أنها بنات لله - تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا – وكانت قبائل من العرب تدين بعبادتها؛ مثل: جُهينةَ، وبني سلمة، وبني عبدالدار؛ فقال سبحانه: ﴿ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾ [يونس: 68]، وهذا الزعم من بعض مشركي مكة مقابل لما كان لدى اليهود والنصارى؛ في قوله تعالى عنهم: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]؛ ولذلك ردَّ الله عليهم مُوبِّخًا ومُسفِّهًا مقولاتِهم: ﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ [يونس: 68]، تنزَّه عما نسبوه له، ﴿ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾ [يونس: 68]، عن اتخاذ البنت والولد، ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [يونس: 68]، كل ذلك ملك له يتصرف فيه كيف يشاء، ﴿ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا ﴾ [يونس: 68]، هل عندكم أيها المشركون من حُجَّةٍ أو دليل على ما تزعمونه من الشرك؟ ﴿ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 68]، لماذا تتجرؤون على الافتراء على الله تعالى بما تدَّعونه له من الولد، وبما تضعونه لأرزاقه، من أحكام تلفقونها بأهوائكم وشهواتكم؟ ولذلك أمر تعالى رسوله الكريم بالرد عليكم، كلما أدلَوا بمزاعمهم؛ فقال له: ﴿ قُلْ ﴾ [يونس: 69]، لهم يا محمد: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾ [يونس: 69]، يلفقون على الله الأكاذيبَ ظنونًا وأوهامًا ﴿ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [يونس: 69]، وإنما يخسرون في الدنيا والآخرة، ﴿ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ﴾ [يونس: 70]، قد يكسبون في الدنيا قليلًا من متعها ومتاعها، ﴿ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ﴾ [يونس: 70]، يوم القيام للحساب والمساءلة، ﴿ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ ﴾ [يونس: 70]، في جهنم، ﴿ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾ [يونس: 70]؛ جزاءً لكفرهم، وعقابًا عادلًا لشركهم.



[1] الحديث بأتمه: عن النواس بن سمعان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ضرب الله مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جَنْبَيِ الصراط سورٌ فيه أبواب مُفتَّحة، وعلى الأبواب أُراه قال: ستور مُرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: يا أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعًا ولا تتعوَّجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد فتح شيء من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه؛ فإنك إن تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، فالصراط الإسلام، والستور حدود الله، والأبواب الْمُفَتَّحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق واعظُ الله في قلب كل مسلم)).

[2] جُبير بن مُطْعِم بن عَديبن نوفل بن عبدمناف بن قصي القرشيالنوفلي، يُكنى أبا محمد، وكان لأبيه المطعم بن عديعند رسول الله يدٌ؛ إذ كان هو الذي أجاره لما قدِم من الطائف، حين دعا ثقيفًا إلى الإسلام فآذَوه وضربوه بالحجارة حتى دَمِيت قدماه، وأحد الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش لمقاطعة بني هاشموبني المطلب، وكان جبير بن مطعم من حُلَماء قريش وساداتهم، عالمًا بأنساب العرب قاطبةً، أخذ النسب عن أبي بكر الصديق، ولما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أُسارى بدر؛ قال له صلى الله عليه وسلم: ((لو كان الشيخ أبوك حيًّا، فأتانا فيهم، لَشفَّعناه)).

[3] أخرج البخاري وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبو جهل بن هشام: ﴿ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأنفال: 32]، فنزلت: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33].

[4] الألباني،صحيح أبي داود.

[5] صحيح الألباني.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين: تفسير سورة يونس (الحلقة الثانية) ليس من عذر لمن يرى آيات الله وبيده القرآن
  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين: تفسير سورة يونس (الحلقة الثالثة) أربع سبل هن إلى النار أقرب
  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين: تفسير سورة يونس (الحلقة الرابعة) حقيقة الدنيا وحقائق الآخرة.. إن عرفت فالزم
  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين: تفسير سورة يونس (الحلقة الخامسة) أربع حقائق ينبغي للمؤمن استجلاؤها وتجليتها
  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين تفسير سورة يونس (الحلقة السادسة)
  • تفسير سورة يونس (الحلقة السابعة) ثلاث حقائق من الإيمان بدونها ينتقض
  • تفسير سورة يونس (الحلقة التاسعة) رسالتا نوح وموسى: دعوة واحدة بظرفين ومنهجين مختلفين
  • تفسير سورة يونس (الحلقة العاشرة) موسى: نبي يقود وفتية يؤسسون

مختارات من الشبكة

  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصل (34) تفسير سورة قريش (لإيلاف قريش)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سورة المفصل ( 33 ) تفسير سورة الماعون(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 32 ) تفسير سورة الكوثر ( إن شانئك هو الأبتر - الجزء الرابع )(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 31 ) تفسير سورة الكوثر ( فصل لربك وانحر - الجزء الثالث )(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 30 ) تفسير سورة الكوثر ( إنا أعطيناك الكوثر - الجزء الثاني )(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 29 ) تفسير سورة الكوثر ( إنا أعطيناك الكوثر - الجزء الأول )(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 28 ) تفسير سورة الكافرون(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 27 ) تفسير سورة النصر (الجزء الثاني)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 26 ) تفسير سورة النصر (الجزء الأول)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب