• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير سورة التوبة (الحلقة السادسة) الدولة الإسلامية الناشئة بين سندان أهل الكتاب والمنافقين في الداخل، وبين مطرقة الغزو البيزنطي من الخارج

تفسير سورة التوبة (الحلقة السادسة) الدولة الإسلامية الناشئة بين سندان أهل الكتاب والمنافقين في الداخ
الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/1/2024 ميلادي - 11/7/1445 هجري

الزيارات: 1388

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة التوبة (الحلقة السادسة)

الدولة الإسلامية الناشئة

بين سندان أهل الكتاب والمنافقين في الداخل، وبين مطرقة الغزو البيزنطي من الخارج

 

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.


قال الله تعالى: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ * وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [سورة التوبة: 29، 35].


 

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَام ﴾ [آل عمران: 19]، نزل به آدم عليه السلام إذ أُخرِج من الجنة، ثم أُرسِل به نوح عليه السلام تجديدا وتذكيرا بعد أن نسيه أهله، ثم تعاقبت به الرسالات تَتْرى وجاء الرسل والأنبياء معززين بالصحف توثق العهود وتدون الأحكام، وبالقدوة الحسنة والحكمة تطهر قلوب الناس وترشد سلوكهم إن تاهوا أو سألوا الرشد أو استعصوا عليه، وكلما جاءتهم بينة من ربهم أجهز عليها المشركون بالطمس والتَّنْسِية، أو حرفوها بالحذف أو الزيادة أو التغيير أو التأويل، وكان آخر ما أنزل منها قبل البعثة النبوية توراة موسى عليه السلام، فحرفت أحكامها بما وضعه الأحبار من التلمود والأخبار والأساطير، ثم إنجيل عيسى عليه السلام فضيعه أهله واختفى أثره وبدلوه بما كتبه تلامذة له متناقضا، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم وأرسل بالقرآن محفوظا من رب العالمين وقال عنه تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، تصدى أول أمره للشرك في مكة إلى أن أخرجه المشركون، وفي المدينة واصل السعي فهاجموه في بدر وأحد والأحزاب، وحرضوا عليه، وتحالفوا ضده مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى، طيلة السنوات العشر الأولى من الهجرة، تعرض من قبلهم لأبشع محاولات الغدر والتسميم والقتل والاغتيال عشرات المرات، تكذيبا لآيات الله المنزلة مرة، وحسدا له مرة، وكراهية وغيظا عليه أخرى، قال تعالى:﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33]، وقال عز وجل: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [البقرة: 105]، وقال سبحانه:﴿ وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾ [آل عمران: 70].


كل ذلك والحق سبحانه يصبِّرُه صلى الله عليه وسلم على لَأْوَاءِ الجاهلين ومكرهم، ويحضُّه على الثبات لهم ومطاولتهم حتى يبلغ الأمر أجله، ويقول له بين الفينة والفينة: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [هود: 49]، ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60]، ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾ [طه: 130].


وينهاه عن الاستسلام للهم والحزن تلافيا لضعف الإرادة أو وهن العزيمة، فيقول له:﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 176]، ﴿ فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [يس: 76]، ﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [لقمان: 23].


إلا أن سماحته صلى الله عليه وسلم وصبره لم يزيدا تلك الطوائف الضالة إلا جسارة وعتوا وإيغالا في التآمر، وتطرفا في المكر والخيانة، لذلك حسم الله تعالى بادئ ذي بدء أمر طائفة من اليهود فأخرجهم إلى "أَذْرِعات" بالشام، عملا بقوله عز وجل:﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2]، وبقيت منهم طائفة مع المسلمين.


ثم بعد عودته صلى الله عليه وسلم من تبوك، وقد احتد سعار البيزنطيين لِمَا ذاع من صيت حسن للإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم، في الشام وفلسطين ومختلف القبائل العربية الخاضعة لهم من الغساسنة وقضاعة وبني كلب وجُذام  ولخم وتغلب وبني عاملة، وقد انهزم أمامه جيش بيزنطة وتفرق بدون حرب أو قتال، ودانت له صلحا أيلة[1]ودومة الجندل[2]، فاستشاط غضبا والي بيزنطة على دمشق الحارث بن أبي شمر الغساني، وأخذ يعد لغزو المدينة المنورة، لولا أن القيصر[3]أمره بالتوقف ريثما يسترجع الجيش قوته التي فقدها بحربه ضد الفرس، والاكتفاء بديلا عن ذلك بقمع ظاهرة ميل بعض العرب في الشام للإسلام، فصارت تهمة التعاطف مع المسلمين والإسلام جريمة عقوبتها الصلب والقتل، وكان أول قتيل في فلسطين هو فروةُ بن عمرو الجذامي النُّفاثي والي القيصر على فلسطين وما حولها، عندما أسلم وبعث رسولا بإسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة للهجرة [4]،وأهدى له بغلة بيضاء يقال لها فضة، وحمارا يقال له يعفور، وفرسا يقال لها الظَّرِب.


وبعد أن فشلت مؤامرة تكتل أهل الكتاب من اليهود والنصارى والمنافقين وبعض مسلمة الفتح طلقاءَ وعتقاءَ، من خرج منهم في غزوة تبوك لتدبير اغتياله صلى الله عليه وسلم في طريق عودته عند العقبة، ومن تخلف عنها في المدينة يقودهم أبو عامر الراهب[5] الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلم "الفاسق"، لاستكمال بناء مسجد الضرار بديلا عن مسجده صلى الله عليه وسلم في قباء، وذهب أبو عامر إلى هرقلكي يأتي منه بالدعم العسكري كما زعم لأنصاره فمات هناك وانقطعت أخباره، وفشلت مؤامرة اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف من قام بها وخطط لها وأخبر بأسمائهم رفيقيه حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر، واستكتمهما لما رآه في حينه عليه السلام من الحكمة، ونزل الأمر بالنهي عن الصلاة عليهم بقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 84]، ورجع جيش المسلمين إلى المدينة متماسكا منتصرا، أمر صلى الله عليه وسلم بهدم مسجد الضرار واتخاذه مزبلة، ونزلت سورة التوبة تحسم أمر الله في كل هذه القضايا وتعيد ترتيب صف المسلمين بما يفسح الطريق لقيام دولة الإسلام الناهضة، وكان قسمها الأول من قوله تعالى: ﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [براءة: 1]، إلى قوله عز وجل في الآية الثامنة والعشرين منها ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 28]، خاصا بتحرير الحرم المكي وبناء المجتمع المسلم قصيا متميزا عن مظاهر الشرك ومخالطة المشركين، وعلاج ما انتاب بعض النفوس الضعيفة من وهن ومحاولة ركون للدنيا، مما شرحناه فيما سبق من هذا التفسير، ثم انتقل الوحي الكريم إلى معالجة ما يدبره هرقل ملك بيزنطة من اضطهاد لكل من أسلم أو أظهر تعاطفا مع المسلمين، وقتل وصلب لفروة بن عمرو الجذامي عندما أسلم، ومن تحريض لفلول أهل الكتاب والمنافقين في مكة والمدينة وما حولهما، وإعداد لغزو جزيرة العرب من خارجها وجعل دولة الإسلام الناشئة بين مطرقة العدو الخارجي وسندان العدو الداخلي، ثم ضم جزيرة العرب كلها لمستعمراته في الشام العربي، فقال تعالى مخاطبا رسول الله والمؤمنين معه:

﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29]، وقد قال مجاهد عن هذه الآية "إنها نزلت حين أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بقتال الرُّوم، فغزا بعدها غزوة تبوك"، وقال الكلبيُّ: "نزلت في قريظة والنَّضير من اليهودِ"، إلا أن أحداث التاريخ وتسلسلها ينفي ما ذهبا إليه، وسورة براءة كلها بأخبارها ومضامينها تؤكد أنها نزلت بعد عودة الرسول صلى الله عليه وسلم من تبوك، كما أن افتتاحها بأمر البراءة ٌقد حسم الأمر ضمنا في كل قضايا الماضي السابق لنزولها، ومهد للحسم مستقبلا في مناورات طابور الخيانة والمكر الذي كان يعمل للانقلاب على النبوة وتصفية دولة الإسلام وتسليم الجزيرة للروم في بيزنطة النصرانية، وما دام على رأس هذه المؤامرة نصراني هو أبو عامر الراهب ولاؤه للروم، ويتآمر مع بعض النصارى واليهود ومن أسلم وبقي على كفره من المنافقين وبعض الطلقاء والعتقاء، ويطلب علانية من هرقل جيشا لغزو المسلمين، فلا حرج من الحسم بإعلان قتالهم لقطع الطريق على ما يخططون له قبل وقوعه، إذ لا يفل الحديد إلا الحديد، كما هو منطوق فعل الأمر في هذه الآية الكريمة ﴿ قَاتِلُوا ﴾ [التوبة: 29]، بفاعله "واو الجماعة" ومفعوله ﴿ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [التوبة: 29]، وهي صفة متوفرة في أهل الكتاب إذ ليس في التوراة المحرفة ولا في مختلف كتب التوراة والأناجيل التي بين أيدينا أي تصور واضح سليم لله سبحانه، وقد جعل اليهود عزيرا ولدا لله وجسد النصارى ربهم في ثلاثة هم الأب والابن وروح القدس، وعقيدة البعث والنشور والحساب والجزاء بعد الموت عندهم مختلة مضطربة، والإنسان عندهم في الآخرة مجرد حياة روحانية هلامية محضة﴿ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة: 29]، من الممارسات والأعمال والتصرفات والتجارات والمناكح والمآكل والمشارب ﴿ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ ﴾ التوبة 29، الذي هو الإسلام لأن الحق هو الله ودينه الإسلام ﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ [التوبة: 29]، وهم اليهود والنصارى في الجزيرة العربية، وفي بيزنطة وعاصمتها حينئذ القسطنطينية، وحرف "مِن" [التوبة 29]، في هذا السياق بيانية وليست تبعيضية، أي: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ... ﴾ التوبة 29، الذين هم: ﴿ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ [التوبة: 29]، في بيزنطة والشام الخاضع لها، والمنافقين وأهل الكتاب المتآمرين معهم من حولكم ﴿ حَتَّى ﴾ [التوبة: 29]، إلى أن تنكسر شوكتهم ثم ﴿ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ﴾ [التوبة: 29]، والجزية لبيان الهيئة، من جزى يجزي إذا أعطى ما عليه، فرضها الله على العدو المعتدي إذا انهزم، تكفيرا لخياناته وتآمره وما أفسده بفتنه وعدوانه ﴿ عَنْ يَدٍ ﴾ [التوبة: 29]، بيد ذليلة جزاء لما أنزلوه بالمسلمين من إذلال وما ارتكبوه في حقهم من اضطهاد وقتل ﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29]، متصاغرون بقدر ما اعتدوا وتآمروا وهموا بما لم ينالوا من محاولة القضاء على الإسلام والتمكين لأعدائه في رقاب أهله وأموالهم وأبنائهم ونسائهم وأرضهم. ولعل حرص الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأثناء مرضه الأخير على إعداد جيش أسامة رضي الله عنه وما ميزه الله به من حيوية شباب وقوة عزيمة وأمانة ذمة وشجاعة وفدائية، ودعمه بالمقاتلين معه وتحت إمرته من كبار الصحابة ذوي السابقة والتجربة والرأي والحنكة كأبي بكر وعمر وغيرهما رضي الله عنهم جميعا، كان استجابة لأمر الله في هذه الآية الكريمة: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... ﴾ [التوبة: 29]، وتجييشا لمواجهة أخطر تهديد يواجه المسلمين في تلك الظروف.


ثم أخذ الحق سبحانه يكشف انحرافات عقائد أهل الكتاب عن النهج الصحيح تحذيرا للمؤمنين من الوقوع فيها فقال عز وجل عن عقيدة اليهود:

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 30]، واسم "عزير"قرأه عاصم والكسائيُّ بالتنوين: "عُزَيْرٌ"، والباقون من غير تنوين، للخلاف بينهم في عروبة الاسم فيصرف، أو في عجمته فيمنع من الصرف،قال عنه عبيد بن عمير: هذا رجلٌ من اليهود اسمه: فنحاص بن عازوراء، هو الذي قال: ﴿ إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ ﴾ [آل عمران: 181]، - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا -، وقال غيره:هو رجل صالح من عُبَّاد بني إسرائل حفظ التوراة صبيا وسباه البابليون مع قومه فقتلوا علماءهم ولم يقتلوه لصغر سنه، فعمر طويلا ونسي التوراة ونسيها قومها، فضاع أصلها ثم بعد عودتهم من السبي وقد بلغ مائة وعشرين سنة تذكرها وأملاها عليهم، فغلوا فيه وادعوا بنوته لله - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا -، وقد روى سعيدُ بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال: "أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ جماعة من اليهود: سلام بن مشكم، والنعمان بن أبي أوْفَى، وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف، فقالوا: "كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا، ولا تزعم أنَّ عُزيراً ابن الله؟" فنزلت هذه الآية. ثم بعد أن عاب عليهم القرآن ذلك ادعوا له النبوَّة كعادتهم في ترقيع تراثهم الديني منذ ضاع أصله أثناء الأسر البابلي الذي تكرر مرتين، على يد نبوخذ نصر الكلداني في بابل بالعراق، أولاهما عام 597 ق م، والثانية عام 586 ق م، وتمت عودتهم إلى فلسطين على يد قورش الفارسي بعد سقوط مملكة الكلدانيين، وفي خضم محنهم المتوالية هذه كانوا يحاولون استرجاع تراثهم الديني كتابا وأخبارا، فتعبث بما يسترجعونه من الذاكرة أهواء الأحبار والساسة والعوام، ويعيث فيه النسيان والخرافات والأساطير والمبالغات، ثم نقل عن طريق من أسلم منهم كثير منها مما يطلق عليه المحدثون لقب "الإسرائيليات" إلى التراث الإسلامي والثقافة الشعبية وينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إلى بعض صحابته رضي الله عنهم، مثل ما نسب لابن عباس من أن عزيرا هو الذي مر على القرية الخاوية في قوله تعالى: ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 259]، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النقل من اهل الكتاب ويغضب منه غضبا شديدا فيما رواه جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه، من بعض أهل الكتب، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال: (أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي).


ثم عقب الحق تعالى بذكر فساد عقيدة النصارى فقال عز وجل:

﴿ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ﴾ التوبة 30، أي: وكما انتهى التوحيد عند اليهود إلى جعل عزير ولدا لله ثم نبيا، انتهي الأمر بالتوحيد عند النصارى إلى أن أشركوا بالله وزعموا أن المسيحَ عيسى ابنَ مريم ابنٌ لله – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا -، في إشارة إلى تناقضهم مع أصل التوحيد الحق الذي بعث به الرسل والأنبياء من آدم إلى موسى وعيسى وخاتمهم محمد عليهم الصلاة والسلام، كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وقوله عز وجل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقوله سبحانه: ﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ [الزخرف: 45]، وإنما دخل الشرك في أتباع عيسى عليه السلام من بني إسرائيل، عندما عاث فيهم الضعف والمهانة والاضطهاد تحت حكم الوثنيين من الكلدانيين ثم الفرس ثم البيزنطيين، وبلغ بهم ذلك حد الوشاية بعيسى عليه السلام والتحريض على قتله، ثم العبث بالإنجيل من بعده حتى ضاع أصله وصار مجرد كتابات لبعض أتباعه وتلامذته الذين دأبوا على التبشير به، مدعين أن الروح القدس تعلمهم وتلهمهم في غيابه، ففتح بذلك عليهم باب من أبواب الشيطنة والتلفيق والكذب على الله فضلوا، ونقلوا إلى أتباعهم أناجيل متناقضة[6] وعقائد مضطربة، ثم تحولت عقيدة التوحيد عندهم بالتدريج إلى الغلو في عيسى عليه السلام، ثم السقوط في كفريات ادعاء بنوته لله تعالى، وتخاريف الحلول والاتحاد، ووحدة الوجود، ثم في المجمع المسكوني الهادف إلى توحيد الكنائس المسيحية المنعقد في "نيقية"[7] سنة 325 م، عمد راعيه الامبراطور الوثني قسطنطين (272 م – 337 م) إلى فرض هذا الاعتقاد على الكنيسة ورفض ما سواه، وإصدار أول قرار رسمي بتأليه المسيح وقمع من يقول ببشريته، واعتبارهم هراطقة وكفارا، فكان بذلك الأصل في عقيدة تأليه عيسى ثم تأليه أمه مريم عليها السلام، وفي عقيدة التثليت ذات الجذور الوثنية وما كان الإمبراطور الوثني يؤمن به، وما ساد في الشرق من قبل ونقل إلى التراث اليوناني، لذلك سفه الحق تعالى دعواهم هذه بقوله:﴿ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ [التوبة: 30] أي مجرد قول لا يعضده برهانٌ، وادعاء تافه لا مصداقية له، ولفظ أجوف لا معنى له لدى العقلاء، ﴿ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ﴾ [التوبة: 30]، والفعل: "يُضَاهِئُونَ" [التوبة: 30]، من: ضَهِيَ يضهى، قال ابن فارس في مقاييس اللغة: "الضاد والهاء والياء أصل صحيح يدل على مشابهة شيء لشيء"، وضاهاه أي شابهه وشاكله، وقد يهمز فيقال: ضاهأه، أي شابهه وشاكله، والمضاهاة والمضاهأة: المشابهة والمشاكلة، أي أن اليهود والنصارى بأقوالهم في عزير وعيسى مجرد مقلدين لمن سبقهم من قبل إلى تلك الأقوال، في إشارة إلى الديانات الهندية قبلهم، إذ يجسدون معبوداتهم في زعمائهم ثم في تماثيل يصنعونها لهم، وفي بعضها أن بوذا ابن لله - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا -، وأنه هو المخلِّص للبشرية من مآسيها وآلامها، وأنه يتحمَّل عن البشر خطاياهم، وما كان في اليونان من تجسيد لمعبوداتهم في النجوم والكواكب، وما كان يذهب إليه مشركو العرب من الزعم أن اللات والعزى ومناة الثالثة بنات الله، قال الحسن: "شَبَّهَ كُفْرَهُمْ بِكُفْرِ الَّذِينَ مَضَوْا مِنَ الْأُمَمِ الْكَافِرَةِ كَمَا قَالَ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ: ﴿ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾"، ولذلك عقب الحق تعالى عليهم إذ اختاروا الضلالة على الهدى بالدعاء عليهم: ﴿ قاتَلَهُمُ اللَّهُ ﴾ [التوبة: 30]، أي لعنهم ودمرهم ما أضلهم وأشنع حالهم ﴿ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]، أي: عجبا لهم كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل وقد قامت الأدلة على باطل ما يؤمنون به.


ثم بالتفات بياني دقيق إلى مصدر هذا الفساد في عقيدة أهل الكتاب يهودا ونصارى قال تعالى:

﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ﴾ [التوبة: 31]، والأحبار جمع حبر وهو العالم مطلقا، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الْأُوَلَ فَهُوَ حَبْر) أي فهو عالم [8]، أطلق قرآنيا على علماء بني إسرائيل، والرهبان جمع راهب يطلق لقبا لرجال الدين النصارى، والأرباب جمع "رب" وهو مالك الشيء والمتصرف فيه والحاكم المتحكم فيه، قال السُّدى: "الأحبارُ من اليهود، والرهبان من النصارى؛ فإن الأحبار هم علماء اليهود كما قال تعالى: ﴿ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ﴾ [المائدة: 63]، والرُّهبان: عبَّاد النصارى، والقسيسون: علماؤهم، كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا ﴾ [المائدة: 82]"، والقرآن في هذه الآية الكريمة يعيب على اليهود والنصارى اتخاذهم من رجال دينهم أربابا وآلهة، تقوم مقام الله في وضع الأحكام والتشريعات والنظم والقيم ﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 31]، أي من دون الرجوع إلى شرع الله المنزل على الرسل ﴿ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ﴾ [التوبة: 31]، اتخذوه كذلك ربا لهم يقوم مقام الله في العطاء والأخذ والمغفرة والتطهير والتطهر، والتدبير والتقدير، أي أنهم خصوا الخلق من الأحبار والرهبان والرسل بصفات الخالق فكفروا، سواء اعتقدوا ذلك أو عملوا بمقتضاه، يؤكد هذا المعنى ما رواه التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ: (مَا هَذَا يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ) وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ "بَرَاءَةٌ": ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ﴾ [التوبة: 31]، ثُمَّ قَالَ: (أَمَا إنهم لم يكونوا يعبد ونهم وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ)، وما فهمه وأجاب به حذيفة رضي الله عنه عندما سئل عن قوله تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 31]، "هَلْ عبدوهم؟"، فَقَالَ: "لَا، وَلَكِنْ أَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ فَاسْتَحَلُّوهُ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ فَحَرَّمُوهُ".


بهذه الآية الكريمة بين تعالى أن صفات الربوبية خلقا وإماتة وإيجادا وإعداما وتدبيرا وتشريعا للحياة حلالا وحراما ومنعا وإباحة، لله وحده لا شريك له، مصدرها الوحي منه تعالى، وأن أهل الكتاب ضلوا الطريق وأشركوا باتخاذهم الأحبار والرهبان وعزيرا وابن مريم أربابا يعبدونهم بإضفاء صفات ليست إلا لله تعالى ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا ﴾ [التوبة: 31]، أي: وهم لم يؤمروا مطلقا في أي زمان أو مكان إلا بعبادة إله واحد لا شريك له هو الله تعالى ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [التوبة: 31]، هو المتفرد بالألوهية المطلقة بجميع صفاتها وخصائصها ﴿ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]، تنزه عن كل ما يرتكبه المشركون في حقه من الشرك ظاهرا وخفيا تصريحا أو تلميحا، تلك عقيدة الأنبياء والرسل من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك ما بلغه صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب من قوله تعالى: ﴿ قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64]، وذلك ما سمعه الجن منه عليه الصلاة والسلام فأسلموا، قال تعالى: ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الجن: 1-2]، وقال سبحانه: ﴿ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الأحقاف: 30 - 32]، وذلك فحوى الحوار الذي دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين وفد نصارى نجران إذ استضافهم في مسجده ينامون فيه ويصلون صلاتهم[9]، فقال لزعيميهم - السيد والعاقب –: (أسلما)، فقالا: "قد أسلمنا قبلك"، فقال: (كذبتما، منعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير)، قالا: "إن لم يكن عيسى ولداً لله فمن أبوه؟"، وخاصموه جميعاً في عيسى، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم:(ألسـتم تعلمــون أنـه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه؟) قالوا: "بلى"، قال:(ألستم تعلمون أن ربنا قيّم على كل شيء يحفظه ويرزقه؟) قالوا: "بلى"، قال:(فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً؟)، قالوا: "لا"، قال: (فإن ربنا صوَّر عيسى في الرحم كيف شاء، وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يُحدِث)، قالوا: "بلى"، قال:(ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم غُذِّيَ كما يُغذَّى الصبي، ثم كان يطعم ويشرب ويُحدِث؟) قالوا: "بلى"، قال:(فكيف يكون هذا كما زعمتم؟) فسكتوا، فأنزل الله عز وجل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضعة وثمانين آية منها.


لقد كان أهل الكتاب لا يحاورون الرسول صلى الله عليه وسلم بعقولهم وإنما بأمزجة الكراهية والبغضاء التي تحملها قلوبهم للقرآن الكريم، ومشاعر الحسد والعداء لمن أرسل به، ومحاولة القضاء على دعوة الإسلام قرآنا ورسولا ومؤمنين بهما، ولذلك كشف الحق تعالى أهدافهم تعقيبا على مناوراتهم ومداوراتهم ومجادلاتهم بقوله عزوجل:

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ [التوبة: 32]، إنهم بجدالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به لا يبحثون عن الحق، وإنما يريدون أن يطفئوا نوره الذي أوحي به له في القرآن الكريم ﴿ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ [التوبة: 32]، بمجادلاتهم ومماراتهم ومغاطاتهم الشفوية التي تكشف جهلهم ﴿ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32]، ولكن الله تعالى صاحب الأمر كله يأبى إلا أن ينصر دينه ورسوله ويحفظ القرآن الكريم الذي أوحى به، على رغم إرادة الكافرين، ثم أكد الحق تعالى هذا الوعد منه بنصر دين الله وإتمام الوحي بالقرآن ونشر نوره فقال عز وجل:﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ﴾ [التوبة: 33]، محمدا صلى الله عليه وسلم ﴿ بِالْهُدَى ﴾ [التوبة: 33]، وهو القرآن الكريم وما بينته السنة النبوية الصحيحة قولا وفعلا وإقرارا ﴿ وَدِينِ الْحَقِّ ﴾ [التوبة: 33]، الذي هو الإسلام ﴿ لِيُظْهِرَهُ ﴾ [التوبة: 33]، لينصره ويعليه ﴿ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ [التوبة: 33]، على جميع الأديان الشيطانية المنتحلة ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]، ولو كره ذلك المشركون بالله غيره أو معه أو بدونه، وكان تعالى قد أكد فيما سبق نزوله من القرآن هذا الوعد الحق مرتين هما: قوله سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [الفتح: 28]، وقوله عز وجل: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف: 9]، وبشر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْإِسْلَامَ بعزِّ عزيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذليلٍ)[10].


وبعد أن بين تعالى الخلل في عقيدة أهل الكتاب باتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا من دون الله يشرعون لهم بما لم يأذن به سبحانه، تطرق إلى الخلل في الأحبار والرهبان أنفسهم وخاطب بذلك المؤمنين فقال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [التوبة: 34]، بالله ورسوله والنور الذي أنزل إليكم قرآنا كريما، خصهم تعالى بالخطاب تحذيرا لهم من الانزلاق إلى عقائد الأحبار والرهبان الذين حدثهم عنهم وحذرهم من ضلالهم ﴿ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ﴾ [التوبة: 34]، كثيرا منهم وليس كلهم، تنبيها إلى خطورة الكثرة الفاسدة إذا تغلبت على القلة الصالحة واستضعفتها، وجعلت همها جمع الأموال بالأساليب المحرمة، ارتشاء ورشوة، من غير حرج في إنفاقها واستهلاكها والاستفادة منها ﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه ﴾ [التوبة 34]، ويصرفون بها العامة عن الحق، والحكام عن العدل بتزيين الظلم وتبريره لهم، ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ﴾ [التوبة: 34]، يراكمون الذهب والفضة وما يقوَّمُ بهما في خزائنهم ﴿ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 34]، في أوجه الخير التي يرضاها الله تعالى ﴿ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 34]، ينالهم في الآخرة.


والآية بهذا الوعيد الشديد إدانة صريحة لسلوك أكثر أحبار اليهود ورهبان النصارى في علاقاتهم مع الحكام ومعاملاتهم المادية لأتباعهم، وما سجله التاريخ شاهد على ذلك، فقد كان بعضهم يعينون الحكام على الظلم ويسعون بالوشايات الكاذبة لديهم كما فعلوا بعيسى عليه السلام إذ وشوا به إلى الحاكم الروماني، وبأريوس الذي عارض التثليت لدى أمبراطور بيزنطة في مجمع نيقية، وكان بعضهم يبيعون فتاوى التبرئة والتزكية وصكوك الغفران والأحكام الشرعية للعصاة وللمتقاضين، فأفسدوا العامة وخدموا الأباطرة والحكام وضيعوا في نهاية أمرهم التوراة والإنجيل أصلا وأحكاما.


وهذه الآية أيضا لتعلقها بالأموال التي زينت للناس أثارت عقب نزولها بين بعض الصحابة جدلا واسعا وقلقا شديدا، منه ما روي عن ابن عباس وغيره أنه قال: "لما نزلت هَذِه الْآيَة ﴿ وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة ﴾ [التوبة: 34]، كبر ذَلِك على الْمُسلمين وَقَالُوا: "مَا يَسْتَطِيع أحد منا لوَلَده مَالاً يبْقى بعده"، فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: "أَنا أفرِّج عَنْكُم"، فَانْطَلق عمر رَضِي الله عَنهُ وَاتبعهُ ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: "يَا نَبِي الله، إِنَّه قد كبر على أَصْحَابك هَذِه الْآيَة"، فَقَالَ: صلى الله عليه وسلم: (إِن الله لم يفْرض الزَّكَاة إِلَّا ليطيب بهَا مَا بَقِي من أَمْوَالكُم، وَإِنَّمَا فرض الْمَوَارِيث من أَمْوَال تبقى بعدكم)، فَكبر عمر رَضِي الله عَنهُ، ثمَّ قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منبها إلى خير من الكنز ولو أُدِّيَتْ زكاتُه: (أَلا أخْبرك بِخَير مَا يكنز الْمَرْء؟ الْمَرْأَة الصَّالِحَة الَّتِي إِذا نظر إِلَيْهَا سرته وَإِذا أمرهَا أَطَاعَته وَإِذا غَابَ عَنْهَا حفظته). ومثل هذا الحديث في إباحة كنز المال إذا أُدِّيتْ زكاته أخرجه أبو داود ونصه: (إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم)، وأخرجه البيهقي ونصه: (ما أدى زكاته فليس بكنز)، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا "أُبَالِي لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذهبا أعلم عدده فأزكيه وَأَعْمَلُ بِطَاعَةِ الله".


إلا أن فريقا من صحابته صلى الله عليه وسلم على رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو ذر رضي الله يعدون كنز ما فوق الحاجة كنزا مذموما، محتجين بأحاديث وأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مثل قوله عليه السلام: (تبا للذهب والفضة) [11]، وما روي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: "قد ذم الله تعالى كسب الذهب والفضة، فلو علمنا أي المال خير حتى نكسبه؟" فقال عمر: أنا أسأل لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال: (لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة تعين المرء على دينه)[12]، وما أخرجه مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِحَتْ له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله: إما إلى الجنة وإما إلى النار)، ونتج عن الاختلاف في فهم الآية والعمل بها أن:

فريقا من الصحابة كان يبيح الكنز ويخرج الزكاة، فلما توفاهم الله إليه تركوا أموالا كثيرة، لاشتغالهم بالتجارة وتنميتهم ما اكتسبوه من غنائم الجهاد، حتى إن أحدهم هو عبد الرحمن بن عوف [13] رضي الله عنه قسمت أمواله من الذهب بعد وفاته بالفؤوس، وما روى أحمد في مسنده من حديث أنس رضي الله عنه (أن عبد الرحمن بن عوف أثرى وكثر ماله، حتى قدمت له مرة سبعمائة راحلة تحمل البر والدقيق)، وحتى تزوج مصعب بن الزبير حاكم العراق فى خلافة أخيه عبد الله بن الزبير فأمهر زوجتين له مليون درهم لكل واحدة منهما.


وفريقا آخر كانوا يعدون ما فوق حاجاتهم كنزا لا يليق بهم، قدوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ (دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذتَ فِرَاشاً أَوْثَرَ مِنْ هَذَا؟"، فقال: (يا عمر، مالي وَلِلدُّنْيَا؟ وَمَا لِلدُّنْيَا وَلِي؟، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مَثلي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فاستظلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً من نهار ثم راح وتركها) [14]. وما روي صحيحا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّة فَوَجَدُوا فِي شَمْلَتِهِ دِينَارَيْنِ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:(كَيَّتانِ)[15].


في مقدمة هذا الفريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد ترك بعد موته سبعة دنانير وقيل سبعين درهما، وأرضا في ينبع أوقفها صدقة على فقراء المسلمين عامة وضمنهم فقراء بني هاشم، وروي عنه أنَّه قال: "كل مال زاد على أربعة آلاف درهم؛ فهو كنز، أُدِّيتْ منه الزكاة أو لم تُؤدَّ، وما دونها نفقة"، وسألت زوجته فاطمة الزهراء رضي الله عنها والدها رسول الله صلى الله عليه وسلم خادمة تخدمها وقد التهبت بخدمة البيت يداها فلم يلب رغبتها. وما حدث به هارون بن مسلم بن عن أبيه قال: إنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَعْطَى النَّاسَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ ثَلَاثَ عَطِيَّاتٍ، قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ خَرَاجُ أَصْبَهَانَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اغْدُوا إِلَى الْعَطَاءِ الرَّابِعِ فَخُذُوهُ فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَنَا لَكُمُ بِخَازِنٍ، فَقَسَمَهُ فِيهِمْ، ثُمَّ أَمَرَ بَيْتَ الْمَالِ فَكُسِحَ وَنُضِحَ، فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنٍ ثُمَّ قَالَ: "يَا دُنْيَا غُرِّي غَيْرِي".


وأبو ذر الغفاري رضي الله عنه وقد توفي منفيا في الربذة [16] بعد أن خاصم معاوية وعثمان في أمر مال المسلمين، وكان يقول: "مَنْ ترك بيضاء أو حمراء كُوِيَ بها يوم القيامةِ"، ولما توفاه الله خرجت زوجته إلى طريق القوافل تَنشُد من يساعدها على توفير كفن له وعلى دفنه، وقال عنه زيدُ بنُ وهبٍ: مررتُ بأبي ذر بالرَّبَذة، فقلت: يا أبا ذرّ ما أنزلك هذه البلاد؟ فقال: كنت بالشام، فقرأت: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ.. ﴾ [التوبة: 34]، فقال معاويةُ: هذه الآية في أهل الكتابِ، فقلتُ: "إنها فيهم وفينا"، فصار ذلك سبباً للوحشة بيني وبينه، فكتب إليَّ عثمان أن أقبِلْ إليَّ، فلمّا قدمت المدينة انحرف النَّاس عنِّي؛ كأنهم لم يَرَوْنِي من قبل، فشكوت ذلك إلى عثمان، فقال لي: "تَنَحَّ قريباً"[17]، فقلت: "والله إنّي لم أَدَعْ ما كنت أقول".


ثم خلف من بعد هذا السلف الصالح على مر العصور خلْفٌ خالفوا واختلفوا وأحدثوا واستحدثوا، واتبعوا نهج الأحبار والرهبان، ممن بلغتنا أخبارهم، وممن نراهم بيننا من بني جلدتنا، وما لعطر بعد عرس من خفاء.


ثم بين الحق تعالى طبيعة العذاب الأليم الذي بشر به كَنَزَةَ[18] الذهبِ والفضة وما يقوَّم بهما فقال:﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴾ [التوبة: 35]، أي: يبشرهم بشارة استصغار لعقولهم التي أضلتهم، باليوم الذي توقد فيه نار جهنم على ثرواتهم من الذهب والفضة، فتحمى وتشتد حرارتها ﴿ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ﴾ [التوبة: 35]، فيعمم بها الكي والحرق على أبدانهم أعلاها وجنوبها وظهورها ﴿ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 35]، ويقال لهم بيانا لعدالة الله: هذا العذاب جزاء لما استأثرتم به لأنفسكم من دون فقراء الأمة وحاجاتهم، فذوقوا اليوم ألم الحرق في جهنم كما ذاق الفقراء والمحتاجون ألم الفقر والخصاص في الدنيا.



[1] أيلة: تاريخيا مدينة قديمة إسلامية على الموقع الحالي لمدينة العقبة الموجودة في جنوب الأردن، حاليا سيطر على غربها الكيان الصهيوني سنة 1948 وأسس عليه مدينة إيلات، والمنطقة كلها من قبل فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما صلحا وهو في طريق عودته من غزوة تبوك.

[2] دومة الجندل حاليا مدينة سعودية عاصمة لمحافظة دومة الجندل التابعة لمنطقة الجوف، جنوب غرب المملكة العربية السعودية، فتحها الرسول صلى الله عليه وسلم صلحا في طريق عودته من تبوك، عرفت في النصوص الآشورية منذ القرن الثامن قبل الميلاد باسم (أدوماتو)، وورد ذكرها في نقش ثمودي عثر عليه في تيماء يعود تاريخ كتابته للقرن السادس قبل الميلاد باسم (دومة)، وفي التوراة باسم (دومة)، وذكرت في جغرافية بطيليموس تحت اسم (دوماثا)، وذكر الإخباريون والجغرافيون العرب أن اسم دومة مشتق من اسم دوماء بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، والجندل هو الصخر، نسبت له لسور كان حولها من الصخر، والدومة لغة شجيرات ملتفة من فصيلة النخيليات أو النخيل المتوسطي القزم الزاحف، في المغرب غالبا ما يستنبت في المقابر، وفي حديث عبد الله بن شقيق عن ابن حوالة قال: (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ظِلِّ دَوْمَةٍ يُمْلِي عَلَى كَاتِبٍ لَهُ...).

[3] القيصر حينئذ هو هرقل/ هيروكليس (610/641 م)، كان تنصيبه على عرش بيزنطة وعاصمتها اسطنبول واستيلاؤه على الشام بجميع قبائله من الغساسنة وبني كلب وقضاعة وجذام ولخم وتغلب وبني عاملة، بعد هزيمة الفرس في حربهم على بيزنطة وجلائهم عنه، متزامنا مع هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واختار للتوسع نحو الحجاز وجزيرة العرب تجنيد العملاء من عرب الشام والأقليات اليهودية والنصرانية والمنافقين ومسلمة الفتح الناقمين، ومحاولة تخريب الصف الإسلامي بدل التدخل العسكري المباشر مادام منهكا بعد خروجه منتصرا من حربه مع الفرس.

[4] هو فروة بن عمرو بن النافرة النُّفاثي رضي الله عنه، أول شهيد من خارج الجزيرة العربية في الإسلام بفلسطين، من بني نُفَاثة، من جُذام، كان قبيل الاسلام وفي عهد النبوة واليا للروم على أكبر ولاية في الشام تابعة للبيزنطيين (فلسطين وخليج العقبة إلى ينبع)، فأسلم وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا بإسلامه، وعلم بذلك القيصر فأمر واليه على دمشق أبا الحارث الغساني وكان نصرانيا بقتله، فاعتقله وعذبه وعرض عليه العفو والبقاء في منصبه إن عاد عن الإسلام فأبى، فقتل وصلب بفلسطينعلى ماء يقال له عفراء، وحاليا له ضريح قرب مدينة الطفيلة جنوب الأردن.

عندما قدمه الروم للقتل قال رحمه الله:

بَلِّغْ سُراةَ المسلمين بأنني سَلَمٌ
لِرَبّي أعْظُمِي ومقامي

وعندما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بما فعل الحارث دعا عليه وقال: (باد ملكه)، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، فما لبث أن مات الحارث وباد ملكه ودخل الشام كله في ملك المسلمين.

[5] أبو عامر الراهب واسمه عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان الأوسي، من بني ضبيعة بن زيد من الأوس، وكنيته أبو عامر الراهب تنصر وظل يناصب دعوة الإسلام العداء، وسمّاه الرسول صلى الله عليه وسلم أبا عامر الفاسق. ابنه هو الشهيد حنظلة بن أبي عامر، الصحابي الجليل غسيل الملائكة.

كان أبو عامر الراهب رأس الأوس في الجاهلية، وحاول أن يشق جيش المسلمين يوم أحد فلم يفلح وهو الذي حفر الحفرة التي سقط فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرج وكسرت رباعيته، ذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى اللّه عليه وسلمَ ويحضهم على قتاله، وحرض المنافقين على بناء مسجد الضرار، وكان صلة الوصل بينهم وبين قيصر الروم، وعد المنافقين بأن يأتيهم بالدعم منه، ثم خرج إليه مستنصراً به على رسول اللهصلى الله عليه وسلم، فمات عنده كما ورد في كتاب "المنتظم في تاريخ الأمم والملوك" لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، قال: "وفيها - يعني في السنة العاشرة من الهجرة - مات أبو عامر الراهب بأرض الروم عند هرقل".

[6] عدد الأناجيل المذكورة في الساحة المسيحية حوالي ثلاثة وثلاثين إنجيلا كتبها تلامذة للمسيح عليه السلام، ولم يدَّعِ أحد منهم أنها هي الإنجيل الأصْلُ الموحى به، ثم في المجمع المسكوني اعتُمِد بضغط وتوجيه من الإمبراطور الوثني "قسطنطين" أربع أناجيل هي إنجيل متى، مرقس، لوقا، يوحنا.

[7] نيقية أو"إيزنيك" كما تنطق بالتركية، حاليا مدينة تركية في الساحل الغربي عند بحر مرمرة قريبا من بورصة.

[8] إسناده حسن، والسبع الأول هي السور السبعة الأولى من القرآن الكريم بعد الفاتحة.

[9] كان الإذن لهم بدخول مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه واستضافتهم فيه قبل نزول تحريم ذلك في سورة التوبة.

[10] الألباني: صحيح.

[11] حسنه الألباني.

[12] أخرجه أحمد فى المسند، والترمذي، وابن ماجه، عن ثوبان.

[13] عبد الرحمن بن عوف كان تاجرا ماهرا كون ثروته من أقل القليل حتى أصبح أغنى الصحابة، وترك عند وفاته ذَهَبًا قُطِّعَ بالفؤوس حتى مَجَلت منها أيدي الرجال (ظهرت فيها الجروح)، وترك أربع نسوة فأخرجت امرأة مِن ثُمُنها بثمانين ألفًا - الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ101 -، وكان حينما هاجر للمدينة فقيرا عرض عليه سعد بن الربيع الخزرجي رضي الله عنه أن يشاطره في نصف ماله مجاناً حين آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد، فرفض عبد الرحمن بن عوف هذا العرض وقال: "بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق، فربح شيئا من أقط وسمن.."

[14] الألباني حسن صحيح.

[15] الألباني: حسن صحيح.

[16] الربَذَة صحراء تقع في طريق القوافل، نفي إليها أبو ذر رضي الله عنه، وهي حاليا مدينة في شرق المدينة المنورة تبعد عنها بحوالي مائة ميل، وقعت بها معركة انتصر فيها جيش عبد الله بن الزبير على جيش بني أمية.

[17] أي ابتعد عن المدينة واسكن قريبا منها، نفاه بأسلوب مهذب.

[18] كَنَزَة بفتح النون والزاي على وزن فَعَلَة جمع مفرده كانِز، كجمع قاتل على قَتَلَة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الأولى) شهادة الله تعالى على الأمة آخر عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بها
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الثانية) المفاصلة مع الشرك والمشركين ظاهرًا وباطنًا
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الثالثة) الوفاء للأوفياء والحزم مع الناكثين الطاعنين
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الرابعة) ولائج السوء والبطانات الفاسدة أصل البلاء
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الخامسة) لا مأمن من البلاء إلا بخالص الولاء
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة السابعة) {إلا تنصروه فقد نصره الله}
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الثامنة) نشأة النفاق في المجتمع الإسلامي الأول
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة التاسعة) مصارع المنافقين في قلوبهم وألسنتهم وأيديهم
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة العاشرة) للمنافقين خسران وللمؤمنين رحمتان
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الحادية عشرة) المنافقون حسدة بخلاء لمازون
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الرابعة عشرة) الجهاد جهادان، بالقرآن وبالسنان

مختارات من الشبكة

  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين تفسير سورة يونس (الحلقة السادسة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين - سورة يونس الحلقة الأولى: تقديم وتمهيد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الخامسة عشرة - الأخيرة) بالقرآن يتميز الصادق عن المنافق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الثانية عشرة) منافقون ذوو طول سفهاء وأعراب حول المدينة جبناء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الثالثة عشرة) حكمة الوحي وتصنيفه للمجتمع الإسلامي في آخر عهد النبوة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة يونس (الحلقة الثامنة) مأدبة الله لأوليائه في الدنيا بين الشاكرين والجاحدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب