• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

{وإذا خلوا إلى شياطينهم}

{وإذا خلوا إلى شياطينهم}
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/12/2023 ميلادي - 20/5/1445 هجري

الزيارات: 2078

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ وَإِذَا خَلَوْا إِلَى ‌شَيَاطِينِهِمْ ﴾


قال تعالى في سورة البقرة: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى ‌شَيَاطِينِهِمْ ‌قَالُوا ‌إِنَّا ‌مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 14-16].

 

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا ﴾ كإيمانكم، فأظهروا أنهم مؤمنون بمجرد القول لا بعقد القلب؛ أي: نطقوا بكلمة الإسلام وغيرها مما يترجم عن الإيمان.


﴿ وَإِذَا خَلَوْا ﴾ انفردوا؛ فالخلو: الانفراد، وخلا به؛ أي: انفرد، ﴿ إِلَى ﴾ وقد عدَّى هنا بـ «إلى»؛ ليُشير إلى أن الخلوة كانت في مواضع هي مآبهم ومرجعهم، وأن لقاءهم للمؤمنين إنما هو صدفة، ولمحات قليلة، أفاد ذلك كله قوله: ﴿ لَقُوا ﴾، و﴿ خَلَوْا ﴾، وهذا من بديع فصاحة الكلمات وصراحتها.


﴿ ‌شَيَاطِينِهِمْ ﴾الشيطان كل متمرد أو مارد -يعني: عاتيًا- من الجن والإنس والدوابِّ، من «شطن» بمعنى: بعُد؛ لأنه أبعد عن رحمة الله، وعن الجنة.


وقد وصف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكلب الأسود بأنه شيطان؛ وليس معناه شيطان الجن؛ بل معناه: الشيطان في جنسه؛ لأن أعتى الكلاب وأشدها قبحًا هي الكلاب السُّود؛ فلذلك قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ))؛ [مسلم]؛ ويقال للرجل العاتي: هذا شيطان بني فلان؛ أي: مَريدهم وعاتيهم.


قيل: هم اليهود الذين كانوا يأمرونهم بالتكذيب، قاله ابن عباس، أو رؤساؤهم في الكفر، قاله ابن مسعود، أو شياطين الجن، قاله الكلبي، أو كهنتهم، قاله الضحَّاك وجماعة.


وكان في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكهنة جماعة منهم: كعب بن الأشرف من بني قريظة، وأبو بردة في بني أسلم، وعبد الدار في جهينة، وعوف بن عامر في بني أسد، وابن السوداء في الشام، وكانت العرب يعتقدون فيهم الاطلاع على علم الغيب، ومعرفة الأسرار، ومداواة المرضى، وسموا شياطين لتمردهم وعتوهم، أو باسم قرنائهم من الشياطين، إن فسروا بالكهنة، أو لشبههم بالشياطين في وسوستهم، وغرورهم، وتحسينهم للفواحش، وتقبيحهم للحسن.


﴿ ‌قَالُوا ‌إِنَّا ‌مَعَكُمْ ﴾بالتأكيد؛ لأنه لما بدا من إبداعهم في النفاق عند لقاء المسلمين ما يوجب شكَّ كبرائهم في البقاء على الكفر، وتطرق به التهمة أبواب قلوبهم، احتاجوا إلى تأكيد ما يدل على أنهم باقون على دينهم، وكذلك قولهم: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾.


قال ابن عاشور: لكن مخاطبتهم المؤمنين انتفى عنها ما يقتضي تأكيد الخبر - ﴿ قَالُوا آمَنَّا ﴾- لأن المخبرين لم يتعلق غرضهم بأكثر من ادِّعاء حدوث إيمانهم؛ لأن نفوسهم لا تساعدهم على أن يتلفظوا بأقوى من ذلك، ولأنهم علموا أن ذلك لا يروج على المسلمين؛ أي: فاقتصروا على اللازم من الكلام، فإن عدم التأكيد في الكلام قد يكون لعدم اعتناء المتكلم بتحقيقه، ولعلمه أن تأكيده عبث لعدم رواجه عند السامع.


﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾؛الاستهزاء: الاستخفاف والسخرية، والسين والتاء للتأكيد مثل استجاب.


فلم يكتفوا بالإخبار بالموافقة؛ بل بينوا أن سبب مقالتهم للمؤمنين إنما هو الاستهزاء والاستخفاف، وذلك من إتقان نفاقهم.


﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ﴾ لم تعطف هاته الجملة على ما قبلها؛ لأنها جملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، ومن الذي يتولى مقابلة صنعهم؟ فكان للاستئناف بقوله: ﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ﴾ غاية الفخامة والجزالة، ولأجل اعتبار الاستئناف قدَّم اسم الله تعالى على الخبر الفعلي، ولم يقل: "يستهزئ الله بهم"؛ لأن مما يجول في خاطر السائل أن يقول: من الذي يتولَّى مقابلة سوء صنيعهم؟ فَأُعْلِمَ أن الذي يتولى ذلك هو ربُّ العزة تعالى، وفي ذلك تنويه بشأن الْمُنْتَصِرِ لهم، وهم المؤمنون كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ ‌يُدَافِعُ ‌عَنِ ‌الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحج: 38].

 

والمعنى: أي ينتقم الله تعالى منهم ويعاقبهم، ويسخر بهم، ويجازيهم على استهزائهم، فسمى العقوبة باسم الذنب، هذا قول الجمهور من العلماء كناية عن مجازاته لهم، وأطلق اسم الاستهزاء على المجازاة ليعلم أن ذلك جزاء الاستهزاء؛ بدليل قوله: ﴿ وَيَمُدُّهُمْ فِي ‌طُغْيَانِهِمْ ﴾، ولم يقع استهزاء حقيقي في الدنيا.


والعرب تستعمل ذلك كثيرًا في كلامهم، وتُسمَّى «المشاكلة»، ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا

فسمَّى انتصاره جهلًا، والجهل لا يفتخِر به ذو عقل؛ وإنما قال ليزدوج الكلام؛ فيكون أخف على اللسان من المخالفة بينهما، وكانت العرب إذا وضعوا لفظًا بإزاء لفظ جوابًا له وجزاء ذكروه بمثل لفظه، وإن كان مخالفًا له في معناه، وعلى ذلك جاء القرآن والسنة:

قال الله عز وجل: ﴿ وَجَزَاءُ ‌سَيِّئَةٍ ‌سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾ [الشورى: 40]، وقال: ﴿ فَمَنِ ‌اعْتَدَى ‌عَلَيْكُمْ ‌فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 194]، والجزاء لا يكون سيئة، والقصاص لا يكون اعتداء؛ لأنه حق وجب، ومثله: ﴿ ‌وَمَكَرُوا ‌وَمَكَرَ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 54]، و ﴿ ‌إِنَّهُمْ ‌يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴾ [الطارق: 15-16].


﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ ‌يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ﴾، وليس منه سبحانه مكر ولا هزء؛ إنما هو جزاء لمكرهم واستهزائهم، وجزاء كيدهم، فأطلق على الشيء ما أشبهه صورة لا معنى، وكذلك قوله: ﴿ يُخَادِعُونَ ‌اللَّهَ ‌وَهُوَ ‌خَادِعُهُمْ ﴾ [النساء: 142]، ﴿ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ‌سَخِرَ ‌اللَّهُ ‌مِنْهُمْ ﴾ [التوبة: 79].


وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا))؛ [البخاري]، قيل: حتى بمعنى الواو؛ أي: وتملوا، وقيل: المعنى: وأنتم تملون، وقيل: المعنى: لا يقطع عنكم ثواب أعمالكم حتى تقطعوا العمل.


والاستهزاء لا يكون كمالًا عند الإطلاق؛ ولكن هو كمال عند التقييد، فهذا لا يجوز أن يوصف به إلا مقيدًا؛ مثل: الخداع، والمكر، والاستهزاء، والكيد، فلا يصح أن تقول: إن الله ماكر على سبيل الإطلاق؛ ولكن قل: إن الله ماكر بمن يمكر به، وبرسله، ونحو ذلك.


ولم يبين هنا شيئًا من استهزائه بهم، وذكر بعضه في سورة الحديد في قوله: ﴿ يَوْمَ يَقُولُ ‌الْمُنَافِقُونَ ‌وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحديد: 13].

 

أو أنه لم يعجل لهم العقوبة في الدنيا؛ بل أملى وأخَّرهم إلى الآخرة، أو عن تجديد الله لهم نعمة كلما أحدثوا ذنبًا، فيظنون أن ذلك لمحبة الله لهم، أو عن فتح باب الجنة، فيسرعون إليه فيغلق، فيضحك منهم المؤمنون، أو عن خمود النار فيمشون، فيخسف بهم، أو عن قوله تعالى: ﴿ ذُقْ إِنَّكَ ‌أَنْتَ ‌الْعَزِيزُ ‌الْكَرِيمُ ﴾ [الدخان: 49].

 

ويقول ابن عثيمين: والاستهزاء هنا في الآية على حقيقته؛ لأن استهزاء الله بهؤلاء المستهزئين دالٌّ على كماله وقوته، وعدم عجزه عن مقابلتهم؛ فهو صفة كمال هنا في مقابل المستهزئين مثل قوله تعالى: ﴿ ‌إِنَّهُمْ ‌يَكِيدُونَ ‌كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴾ [الطارق: 15-16]؛ أي: أعظمَ منه كيدًا، فالاستهزاء من الله تعالى حق على حقيقته، ولا يجوز أن يفسر بغير ظاهره؛ فتفسيره بغير ظاهره محرم، وكل من فسر شيئًا من القرآن على غير ظاهره بلا دليل صحيح فقد قال على الله ما لم يعلم، والقول على الله بلا علم حرام، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ ‌رَبِّيَ ‌الْفَوَاحِشَ ‌مَا ‌ظَهَرَ ‌مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]، فكل قول على الله بلا علم في شرعه، أو في فعله، أو في وصفه غير جائز؛ بل نحن نؤمن بأن الله جل وعلا يستهزئ بالمنافقين استهزاءً حقيقيًّا؛ لكن ليس كاستهزائنا؛ بل أعظم من استهزائنا وأكبر، وليس كمثله شيء.


وهذه القاعدة يجب أن يُسار عليها في كل ما وصف الله به نفسه؛ فكما أنك لا تتجاوز حكم الله فلا تقول لما حرم: "إنه حلال"، فكذلك لا تقول لما وصف به نفسه: إن هذا ليس المراد، فكل ما وصف الله به نفسه يجب عليك أن تبقيه على ظاهره؛ لكن تعلم أن ظاهره ليس كالذي ينسب لك، فاستهزاء الله ليس كاستهزائنا، وقرب الله ليس كقربنا، واستواء الله على عرشه ليس كاستوائنا على السرير، وهكذا بقية الصفات نجريها على ظاهرها، ولا نقول على الله ما لا نعلم؛ ولكن ننزه ربنا عما نزَّه نفسه عنه من مماثلة المخلوقين؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ لَيْسَ ‌كَمِثْلِهِ ‌شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].

 

أما الخيانة فلا يوصف بها الله مطلقًا؛ لأن الخيانة صفة نقص مطلق، و"الخيانة" معناها: الخديعة في موضع الائتمان، وهذا نقص؛ ولهذا قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَإِنْ ‌يُرِيدُوا ‌خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 71]، ولم يقل: فخانهم؛ لكن لما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ ‌يُخَادِعُونَ ‌اللَّهَ ﴾ [النساء: 142]، قال: ﴿ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ [النساء: 142]؛ لأن الخديعة صفة مدح مقيدة؛ ولهذا قال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْحَرْب خَدْعَة))؛ [البخاري]، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ولا تخُنْ من خانك))؛ [البيهقي في شعب الإيمان]؛ لأن الخيانة تكون في موضع الائتمان، أما الخداع فيكون في موضع ليس فيه ائتمان، والخيانة صفة نقص مطلق.


وفي مقابلة استهزائهم بالمؤمنين باستهزاء الله بهم ما يدل على عظم شأن المؤمنين، وعلو منزلتهم؛ وليعلم المنافقون أن الله هو الذي يذبُّ عنهم، ويحارب من حاربهم.


وفي افتتاح الجملة باسم التفخيم العظيم؛ حيث صدرت الجملة به، وجعل الخبر فعلًا مضارعًا: ﴿ اللَّهُ ‌يَسْتَهْزِئُ ‌بِهِمْ ﴾ [البقرة: 15] يدل عندهم على التجدُّد والتكرر، فهو أبلغ في النسبة من الاستهزاء المخبر به في قولهم؛ أي: تجدُّد إملاء الله لهم زمانًا إلى أن يأخذهم العذاب؛ ليعلم المسلمون أن ما عليه أهل النفاق من النعمة إنما هو إملاء وإن طال، كما قال تعالى: ﴿ لَا ‌يَغُرَّنَّكَ ‌تَقَلُّبُ ‌الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ﴾ [آل عمران: 196-197].


﴿ ‌وَيَمُدُّهُمْ ﴾؛المد: التطويل، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ ‌كَيْفَ ‌مَدَّ ‌الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ﴾ [الفرقان: 45]، وأصل المد: الزيادة، وكل شيء دخل في شيء فكثره فقد مدَّه، ومنه: مدد الجيش، قال تعالى: ﴿ ‌وَيُمْدِدْكُمْ ‌بِأَمْوَالٍ ‌وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 12].

 

﴿ ‌فِي ‌طُغْيَانِهِمْ ﴾الطغيان: مجاوزة المقدار المعلوم، يقال: طغى الماء، وطغت النار؛ والمعنى: أن الله تعالى يطول لهم في الطغيان بالتمكين من العصيان، قاله ابن مسعود، أو الإملاء والإمهال، قاله ابن عباس، أو الزيادة من الطغيان، قاله مجاهد، أو تكثير الأموال والأولاد، وتطييب الحياة، أو تطويل الأعمار، ومعافاة الأبدان، وصرف الرزايا، وتكثير الأرزاق.


وإنما أضاف الطغيان لضمير المنافقين، ولم يقل: في الطغيان، بتعريف الجنس كما قال في سورة الأعراف: ﴿ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ﴾ [الأعراف: 202] إشارة إلى تفظيع شأن هذا الطغيان، وغرابته في بابه، وأنهم اختصوا به حتى صار يعرف بإضافته إليهم.


﴿ ‌يَعْمَهُونَ ﴾؛العَمَه: التردُّد والتحيُّر، وهو شبيه بالعمى، إلا أن العمى توصف به العين التي ذهب نورها «عمى البصر»، والعَمَه للرأي الذي غاب عنه الصواب «عمى البصيرة». فالعمة: انطماس البصيرة، وتحير الرأي.


﴿ أُولَئِكَ ﴾"أولاء" اسم إشارة، والمشار إليهم المنافقون، وجاءت الإشارة بصيغة البُعْد لبُعْد منزلة المنافق سفولًا.


﴿ الَّذِينَ اشْتَرَوُا ﴾الاشتراء والشراء بمعنى: الاستبدال بالشيء، والاعتياض منه، إلا أن الاشتراء يُستعمل في الابتياع والبيع.


﴿ الضَّلَالَةَ ﴾العماية؛ وهي ما ساروا عليه من النفاق﴿ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ ﴾ هو ما يحصل من الزيادة على رأس المال، ﴿ تِجَارَتُهُمْ ﴾هي صناعة التاجر، وهو الذي يتصرف في المال لطلب النمو والزيادة.


والمقصود نفي التجارة؛ أي: لا يتوهم أن هذا الشراء الذي وقع هو تجارة فليس بتجارة، وإذا لم يكن تجارة انتفى الربح؛ فكأنه قال: فلا تجارة لهم ولا ربح.


﴿ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا؛ ولذلك لا يرجعون، وهكذا كل فاسق، أو مبتدع يظن أنه على حق فإنه لن يرجع؛ فالجاهل البسيط خير من هذا؛ لأن هذا جاهل مُركَّب يظن أنه على صواب، وليس على صواب.


وفيه أن المدار في الربح والخسران على اتباع الهدى، فمن اتبعه فهو الرابح، ومن خالفه فهو الخاسر؛ ويدل لذلك قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌هَلْ ‌أَدُلُّكُمْ ‌عَلَى ‌تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الصف: 10-11]، تقف على ﴿ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾؛ لأن ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ إذا وصلناها بما قبلها صار الخير معلقًا بكوننا نعلم، وهو خير علمنا أم لم نعلم.


وقد عُلِمَ من قوله: ﴿ ‌اشْتَرَوُا ‌الضَّلَالَةَ ‌بِالْهُدَى ﴾ إلى ﴿ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾، فتعين أن الاهتداء المنفي هو الاهتداء بالمعنى الأصلي في اللغة، وهو: معرفة الطريق الموصِّل للمقصود، وليس هو بالمعنى الشرعي المتقدم في قوله: ﴿ ‌اشْتَرَوُا ‌الضَّلَالَةَ ‌بِالْهُدَى ﴾، فلا تكرير في المعنى، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُمْ لما أخبر عنهم بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى كان من المعلوم أنه لم يبق فيهم هدى.


فقوله: ﴿ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ كمل المعنى بذلك، وتمَّ به المقصود، وهذا النوع من البيان يُقال له: التتميم.


فمعنى نفي الاهتداء كناية عن إضاعة القصد؛ أي: إنهم أضاعوا ما سعوا له، ولم يعرفوا ما يوصل لخير الآخر، ولا ما يضر المسلمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون)

مختارات من الشبكة

  • من صفات عباد الرحمن {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} ، {وإذا مروا باللغو مروا كراما}(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى (بطاقة)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مكارم أخلاق صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلمات في الإخلاص(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة الجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • من هدي النبوة(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • شرح حديث أبي هريرة: "حق المسلم: تشميت العاطس"(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب